مستقبل المقاومة في الضفة والقدس

مقدمة:

يبدو من التفاعلات الحاصلة في الضفة الغربية والقدس؛ سواء من المقاومة وأفراد الشعب الفلسطيني أو من الاحتلال الإسرائيلي، أن تصاعد وتيرة العنف والاشتباكات لن تتوقَّف وستظلُّ مرتبطة بل متصاعدة باستمرار الاعتداء الإسرائيلي على قطاع غزة وباستمرار الاحتلال عمومًا.

يحاول هذا التقرير رصد مظاهر الانتهاكات الإسرائيلية وما يوازيها من أعمال السلطة الفلسطينية وما يقابل ذلك من أعمال المقاومة. فالمشهد الفلسطيني في الضفة معقَّد ومكبَّل سواء بتصرفات الاحتلال أو بتصرفات السلطة الفلسطينية التي تبنَّت منذ أوسلو النهج السلمي الذي لم يسفر عن تحقيق أي مكسب حقيقي يتعلَّق بالقضية الفلسطينية، بل ظلَّت تخسر على جميع المستويات.

وإذا كانت المقاومة والحراك الشعبي الفلسطيني، يُكافح من أجل التنغيص على العدو، وزيادة توتُّر كافة الجبهات المفتوحة عليه، فإن هذه المقاومة تتمُّ بأدواتٍ محدودة، والضفة الغربية بعد ترتيبات أوسلو تعتمد بالأساس على الحراك المدني وليس المسلَّح، وتُعاني المقاومة جرَّاء ذلك من محدوديَّة قدرتها على الحركة وتتكبَّد في سبيل ذلك من القتل والاعتقال والتضييق ما هو معروف.

أولا- انتهاكات الاحتلال

مرَّت الضفة الغربية والقدس بعامٍ كبيسٍ من الانتهاكات والتجاوزات الإسرائيلية، فاقت في كل المناحي العام السابق، وكانت أحد العوامل المهمَّة لعملية طوفان الأقصى التي أدَّت إلى حرب عنيفة ارتقى ضحيتها أكثر من ثلاثة وثلاثين ألفًا من أهل غزة وأضعاف هذا الرقم من الجرحى، حتى كتابة هذا التقرير، ولم يسْلم أهلُ الضفَّة الغربية والقدس من نصيب من هذا القتل ومن الإصابة والاعتقال خلال فترة الحرب التي لا تزال رحاها دائرة حتى الآن.

إلى جانب ذلك تشمل هذه التجاوزات والانتهاكات قائمة من الجرائم التي يرتكبها الاحتلال والمستوطنون من: الاعتقال وتوسعة الاستيطان وتدنيس المقدَّسات، وإغلاق المناطق، واقتحام وتدمير الممتلكات ومصادرتها، ومداهمة المنازل وهدمها، وتعطيل التعليم، والاعتداء على الطواقم الطبية والصحفيين… إلخ.

تواصلت الانتهاكات منذ السابع من أكتوبر 2023 في الضفة الغربية والقدس تزامنًا مع العدوان السافر على غزة، فقد استُشهد جراء التجاوزات الإسرائيلية أكثر من 450 فلسطينيًّا، وجُرح الآلاف، وهدمت مئات المنازل وهُجر أهلها، واقتحمت القوات الإسرائيلية أكثر من 1000 منطقة، وقام المستوطنون بمئات الاعتداءات على فلسطينيِّين، بخلاف الاعتداء المتواصل على الصحفيِّين والطواقم الطبية[1]. ووثَّق نادي الأسير الفلسطيني وهيئة شئون الأسرى والمحررين اعتقال نحو 8145، ووفاة حوالي 14 سجينًا ومعتقلًا في السجون الإسرائيلية[2].

يتعمَّد الاحتلال أيضًا ممارسة انتهاكات متعدِّدة ويوميَّة لاستنزاف موارد القطاع الزراعي الفلسطيني، لإرهاب المواطنين وثنْيهم عن الاهتمام بأرضهم والاعتناء بها. وهناك مخاطر جمَّة يواجهها المزارعون وخاصة في المناطق المصنفة (ج)، وممارسات وإجراءات ينفِّذها الاحتلال والمستوطنون حوّلت حياتهم إلى جحيم، في سلسلة معاناة لا تنتهي، ما دفع بالعديد منهم إلى العزوف عن الزراعة وبيع مواشيهم[3].

لم تتوقَّف كذلك عمليات الاغتيال، فقد كان 12 جنديًّا من أفراد قوة المستعربين الخاصة الإسرائيلية قد نفَّذوا، في ساعات الصباح الأولى من يوم 30 يناير 2024، عملية اغتيال لثلاثة شبان بينهم شقيقان، بعد تسلُّلهم إلى الطابق الثالث في مسستشفى ابن سينا في مدينة جنين. تنكَّر أعضاء وحدة المستعربين بالزي المدني، ولباس الأطباء والممرِّضين، واغتالوا الشبان الثلاثة باستخدام مسدسات كاتمة للصوت.

وعلى مدار السنوات الماضية، خاصة خلال العامين الأخيرين، نَفَّذَ المستعربون عدَّة عمليات اغتيال تركَّزت في محافظات جنين وطولكرم ونابلس، وغيرها من المحافظات، متنكِّرين بالزي المدني في أغلب الأحيان، ومستقلِّين مركبات مدنيَّة. وتُعرف هذه الوحدة بأنها وحدة أمنية سرية وخاصة، وتطلق عليها ألقاب مختلفة، منها “فرق الموت”، ويزرع أعضاؤها بملامح تشبه الملامح العربية وسط المحتجين والمتظاهرين؛ إذ يلبسون لباسهم وكوفيتهم ويتحدثون بلسانهم[4].

فيما رصد موقع منظمة “بتسيلم” الإسرائيلية الحقوقية مظاهر وتفاصيل التهجير القسري لتجمُّعات وعائلات معزولة في مناطق (ج) تحت ستار الحرب، وأظهر الرصد المحدَّث حتى نهاية مارس 2024 أن تجمُّعات بأكملها تضم 159 عائلة تم تهجيرها قسريًّا بما يشمل 1063 شخصًا منهم 401 من القُصَّر، بالإضافة إلى عدد من التجمُّعات تم تهجير قسمٍ من عائلاتها قسريًّا تصل إلى 11 عائلة تشمل 89 شخصًا منهم 38 من القُصَّر، ويورد التقرير قصصًا مؤلمة عن عنف المستوطنين واعتداءاتهم على العائلات الفلسطينية وإهانتها وتخريب مزروعاتهم وممتلكاتهم[5].

استمرَّ الاحتلال كذلك في التضييق على الصلاة في المسجد الأقصى، ورغم هذه التضييقات تدفَّق المصلون على المسجد الأقصى، واستطاعوا رفع عدد المصلين من خمسة آلاف في صلاة الجمعة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العدوان على غزة إلى 120 ألفًا في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان[6]، كما أحيا حوالي 200 ألف مصلٍّ ليلة السابع والعشرين من رمضان أو “ليلة القدر”[7].

ثانيًا- تصاعد أعمال المقاومة

من جانب آخر تصاعدت أعمال المقاومة؛ سواء تنظيميًّا أو شعبيًّا، خلال عام 2023 عن ذي قبل وبصورة لافتة، وفي ظل التصعيد الإسرائيلي بالضفة ترافقًا مع الحرب على قطاع غزة، فإن المقاومة استمرَّت ضمن سقفها المنخفض بالضفة نظرًا للأوضاع المضيَّقة والمضيِّقة بالضفة في التعامل مع هذه الانتهاكات يما يمكن من أشكال مختلفة للمقاومة.

أسْفرت أعمال المقاومة خلال الشهور الثلاثة الأخيرة عن قتل حوالي عشرة وإصابة 67 من الجنود والمستوطنين الإسرائيليِّين، وبلغت أعمال المقاومة بأنواعها المختلفة نحو 1500 عمل مقاوم، منها 155 عملية إطلاق نار، و144 اشتباكًا مسلَّحًا، وحوالي 500 مواجهة مع قوات الاحتلال، وأكثر من 100 تصدٍّ للمستوطنين، وزرع أو إلقاء أكثر من 280 عبوة ناسفة، وإعطاب أكثر من 20 آلية ومركبة للجيش والمستوطنين، وحوالي 77 مظاهرة ومسيرة بمدن الضفة الغربية والقدس.

وتضمَّنت هذه الأعمال عمليَّات نوعيَّة، شملت استدراج الشهيد زياد حمران (30 عامًا) لعنصريْن من جهاز الشاباك الإسرائيلي بتاريخ 19 مارس، إلى أحد الأحراش قرب بلدة بيت فجار جنوب بيت لحم وأطلق النار صوبهما من مسافة قصيرة ما أدَّى لإصابة أحدهما بجروح خطيرة للغاية والآخر بجروح خطيرة، فيما أُعلن عن استشهاد المنفذ واحتجاز جثمانه.

وفي السابع من شهر يناير الماضي فجَّرت المقاومة عبوة ناسفة في وحدة خاصة لجيش الاحتلال، في حي الجابريات بجنين، أسفرت عن مقتل مجندة إضافة إلى إصابة (ثلاثة) جنود وضباط إسرائيليين من وحدة ماجلان بينهم (اثنان) صنفت إصابتهما أنها خطيرة. وفي 12 يناير تسلَّل (ثلاثة) مقاومين إلى مستوطنة “أدورا” المقامة على أراضي قرية ترقوميا غرب الخليل، منفذين عملية اقتحام وإطلاق نار، أدَّت لإصابة مستوطن واستشهادهم.

بالإضافة إلى ذلك، فإن اقتحامات الجيش الإسرائيلي لمناطق تركُّز المقاومة في الضفة الغربية خاصة في المخيمات في جنين ونابلس وطولكرم وغيرها لم تُثْنِ المقاومة عن مواصلة أعمالها، وشهدت هذه المناطق أعمالًا بطولية وتصديًا مريرًا للقوات الإسرائيلية.

لقد توسَّعت دائرة الكتائب المسلحة في الضفة الغربية بعد السابع من أكتوبر، وازدادت أعداد المسلحين من فئة الشباب، بالرغم من ارتفاع أعداد القتلى والمعتقلين، وقصفهم بالطائرات المسيَّرة وتدمير منازل المطلوبين. يصف أحد المستطلَعين -في تحقيق أجرته بي بي سي- ظاهرة المسلحين بالظاهرة العامة، وأنه من الطبيعي أن يكون هناك مسلَّحون في ظل الظروف التي يمر بها الشباب في المخيمات. وأضاف: “لا توجد وظائف ولا فرص عمل، واقتحامات يومية وقتل يومي؛ كلُّ ذلك يدفع بالشباب في المخيمات أن يضحُّوا بأنفسهم مقابل مستقبل أفضل لأبناء شعبهم.. الثمن الذي يدفعونه عالٍ جدًّا لكنْ هناك شيء يستحق التضحية”[8].

وقد أظهرت استطلاعات أعدها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية أن أكثر من 58 بالمئة من الفلسطينيين يؤيدون العمل المسلَّح لإنهاء الاحتلال وكسر الجمود السياسي الحالي. يقول تقرير بي بي سي: وهذا ما لمسناه أثناء تغطيتنا على الأرض من جيل جديد يرفع أعلام حركة حماس بعد فقدانه أي أمل تبنَّته السلطة الفلسطينية لإقامة دولتهم[9].

ثالثًا- السلطة ومقاومة المقاومة

تكرَّر منذ بدء العدوان أن تصدَّت قوات السلطة وأجهزتها الأمنية للحراك في الضفة وضد الاحتلال، وقامت باعتقال العديد من أهل الضفة وبعضهم من الأسرى السابقين لدى الاحتلال، بل وقتلت برصاصها عددًا من المقاومين والمتظاهرين، وقامت بفض المظاهرات وإطلاق قنابل الدخان لتفريقها. صحيح أن هذا ليس بجديد على السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، ولكن يُستغرب ويُستنكر أن تقوم به في ظل حرب ضروس كهذه التي تقوم بها إسرائيل على غزة، فضلًا عن انتهاكاتها المشار إليها أيضًا في الضفة!

ووفق بيانات حقوقية، فإن أجهزة السلطة في الضفة المحتلة تعتقل أكثر من 150 مواطنًا فلسطينيًّا، بينهم مقاومون ومطارَدون من قبل الاحتلال وطلبة جامعات وأسرى محررون ودعاة وكتاب وصحفيُّون، وترفض الأجهزة الإفراج عنهم، رغم صدور قرارات قضائية بالإفراج عنهم أكثر من مرة.

وعلى سبيل المثال، في 2 مارس 2024، حاول العشرات من عناصر أمن السلطة اقتحام محل ملابس دخله الأسير المحرَّر قيس السعدي، أحد قادة كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- في الضفة الغربية، الذي تفطَّن في اللحظات الأخيرة وانطلق يعدو للهرب من مطارديه، لكن أفراد الأمن الوقائي سارعوا لإطلاق النار عليه. وأصيب السعدي بجروح متوسطة، بيد أنه تمكَّن من الفرار. وفور انتشار الخبر، سارع العشرات من عناصر المقاومة الفلسطينية داخل المخيم لنجدة أحد قادتهم، لتندلع اشتباكات بين أجهزة الأمن الفلسطينية والمقاومين الفلسطينيين في مخيم جنين امتدَّت لعدَّة ساعات. والسعدي الذي نجا من محاولة الاعتقال “الفلسطينية”، هو أحد أبرز المطاردين من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ إطلاق سراحه عام 2021، كما نجا من محاولات اغتيال إسرائيلية عدَّة [10].

وقالت لجنة أهالي المعتقلين السياسيِّين بالضفة، إن اثنين من المعتقلين منذ عدَّة شهور يخوضان إضرابًا عن الطعام في سجون السلطة بنابلس رفضًا لاعتقالهما. وتضيف، على صفحتها بموقع فيسبوك، أنها رصدت 900 حالة اعتقال سياسي خلال 2023، إضافة إلى مئات حالات قمع الحريات والمداهمات والاستدعاءات[11].

كيف تعاملت السلطة الفلسطينية بعد أوسلو مع المقاومة الفلسطينية؟

مما يذكر، أن السلطة بدأت في القيام بممارسات خانقة للمقاومة وحاضنتها الشعبية، بعد اتفاق أوسلو في عهد ياسر عرفات، لكن هذه الممارسات باتت أكثر عمقًا وتأثيرًا بالأخصِّ في الضفة الغربية، حيث دائرة نفوذها الأقرب، خلال عهد محمود عباس.

فخلال السنوات العشرين الماضية، عملت السلطة الفلسطينية، بقيادة رئيس السلطة محمود عباس ورؤساء وزرائه بدءا من سلام فياض، على إعادة هندسة المجتمع الفلسطيني، نتيجة لخلاصات أمريكية وإسرائيلية لضمان عدم تكرار الانتفاضة الثانية. وقد جرى التعبير عن ذلك، بتخصيص الولايات المتحدة بعد الانتفاضة الثانية (خاصة في الفترة من 2007 إلى 2011) لأكثر من نصف مليار دولار من أجل تسليح وتذخير وتدريب 29 ألف عنصر من الأجهزة الأمنية، وقد عُيِّنَ لتنفيذ مهمَّة “إصلاح الأجهزة الأمنية” هذه الجنرال الأميركي كيث دايتون. وكان الهدف المعلن من ذلك “مواجهة وتفكيك البنية التحتية للإرهاب (المقاومة)”، بما يشمل الجوانب العسكرية والاجتماعية والاقتصادية.

ومبكرًا في 12 أغسطس 2007، أصدر عباس مرسومًا جاء فيه: “تُحظر القوة التنفيذية والمليشيات المسلحة التابعة لحركة حماس (كتائب الشهيد عز الدين القسام)، وتُعَدُّ خارجةً عن القانون”، كما تُصَادَرُ أموالُهم ويُعاقب كلُّ من يساعد أو يُسَلِّحُ أو يُخفي أحدًا منهم.

عنى ذلك على المستوى السياسي والأمني؛ ملاحقة فصائل المقاومة ومصادرة سلاحها، وكشف خلاياها العسكرية وضربها؛ إما بتصفية المطاردين، وإمَّا باعتقالهم. وعلى المستوى الاجتماعي، فقد جرى مثلًا حلُّ أكثر من 90 لجنة زكاة في الضفة الغربية، وجرى معها تفكيك أكثر من 130 جمعية خيرية، بين لجان وأندية رياضية واجتماعية، والتي كانت جميعها تشكِّل رافدًا خيريًّا مهمًّا؛ اجتماعيًّا واقتصاديًّا، لإسناد الناس وتعزيز صمودها، وذلك بتهم “الإرهاب” و”غسيل الأموال”. كما جرى في ذات الفترة، وفي عهد وزيري الأوقاف جمال بواطنة (2007-2009) ومحمود الهباش (2009-2014)، السيطرة على الجوامع في الضفة كفضاء اجتماعيٍّ وسياسيٍّ، يمارس فيها الناس أنشطتهم ويطلقون منها مظاهراتهم.

أما على المستوى الاقتصادي، فقد تركت سياسات سلام فياض فيما سُمِّيَ بـ “الإصلاح الاقتصادي” المجال أمام البنوك لإغراق الناس بالقروض، خالقة نوعًا من الرفاه الاقتصادي المتوهَّم. فبناء على “سلطة النقد الفلسطينية”، ارتفعت نسبة الإقراض بين عامي 2007 و2017 إلى أكثر من 460٪؛ الجزء الأكبر منها كانت قروضًا لأغراض استهلاكيَّة[12].

تغيير الحكومة الفلسطينية

في 26 فبراير 2024 أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية تقدم استقالة حكومته للرئيس محمود عباس، والذي قبل الاستقالة وكلَّف الخبير الاقتصادي محمد مصطفى بتشكيل الحكومة، وهو رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير. وقال اشتية إن قراره “يأتي على ضوء المستجدات السياسية والأمنية والاقتصادية المتعلقة بالعدوان على أهلنا في غزة، والتصعيد غير المسبوق في الضفة الغربية ومدينة القدس، وفي ظل الخنق المالي غير المسبوق أيضا، والسعي لجعل السلطة الوطنية الفلسطينية سلطة إدارية أمنية وبلا محتوى سياسي”.

ووفق اشتية، فإن “المرحلة المقبلة وتحدياتها تحتاج إلى ترتيبات حكومية وسياسية جديدة، تأخذ بالاعتبار الواقع المستجِد في قطاع غزة، ومحادثات الوحدة الوطنية والحاجة الملحة إلى توافق فلسطيني-فلسطيني، مستند إلى أساس وطني ومشاركة واسعة ووحدة الصف، وإلى بسط سلطة السلطة على كامل أرض فلسطين”[13].

يرى البعض أن الطريقة التي تَمَّ فيها عرض ترشيح محمد مصطفى لرئاسة الحكومة تسيء إليه قبل أن تسيء إلى غيره؛ فالمعيار المتداول هو أنه مقبول إسرائيليًا وأمريكيًا وغربيًا. وهو معيار مهين له، ومسيء للشعب الفلسطيني ولجهاده وبطولاته وللحقائق التي أفرزتها معركة طوفان الأقصى. إذ إن الأصل أن يقال إنه مقبول من القوى الفلسطينية الأساسية (فتح، حماس، الجهاد، الجبهة الشعبية، المبادرة الديمقراطية،…) أو أنه يحظى بقبول شعبي. أما أن يتم تسويقه كشخصية مقبولة لإدارة غزة ومستعدَّة للامتثال لشروط اجتثاث حماس، وضرب تنظيمها وبناها التحتية والعسكرية، وإحلال عناصر من ذلك “الصنف” الذي تنتجه رام الله في قمع المقاومة والتنسيق الأمني مع الاحتلال… فهذا مرفوض وطنيًا وشعبيًا وأخلاقيًا.

وفي هذا السياق يجري استدعاء تجربة تشكيل حكومة تكنوقراط بقيادة سلام فياض سنة 2007 باعتبارها تجربة “بئيسة”، إذ إنها الحكومة التي كانت أداة بيد عباس (بمباركة أمريكية إسرائيلية) لاجتثاث حماس وقوى المقاومة في الضفة الغربية، ولإنتاج “أبناء دايتون” من جماعة التنسيق الأمني مع الاحتلال؛ ولتعميق الانقسام الفلسطيني[14].

ووصل الأمر -بحسب ما نقلت وكالة “قدس الإخبارية” في 21 مارس 2024- إلى أن لجنة أوروبية من موظَّفي السفارات في رام الله تعقد مقابلات شخصية مع الوزراء الذين اقترحهم محمد مصطفى لحكومته؛ لتتأكد من مؤهلاتهم وصلاحياتهم “للوظيفة” وفق المعايير الغربية، وأن الذهاب للمقابلات كان بطلب من محمد مصطفى نفسه!! وهذا الخبر يُعَزِّزُهُ خبرٌ نشرتْه “قدس برس” في اليوم نفسه؛ أن لجنة سداسية أمنية -تضمُّ ممثِّلين عن أميركا ومصر والأردن والسعودية والإمارات، بالإضافة إلى السلطة- تقوم بدراسة ترشيحات محمد مصطفى للوزراء، وأن من أبرز شروط القبول ألا يكون للشخص ماضٍ نضالي، أو سبق اعتقاله في سجون الاحتلال!![15]

اعترضت حركة حماس على طريقة اختيار محمد مصطفى وأصدرت مع فصائل أخرى هي «الجهاد الإسلامي» و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» و«المبادرة الوطنية الفسطينية» بيانًا رأت فيه أن «الأولوية الوطنية القصوى الآن هي مواجهة العدوان الإسرائيلي الهمجي، وحرب الإبادة والتجويع التي يشنُّها الاحتلال». وعدَّت «اتخاذ القرارات الفردية، والانشغال بخطوات شكلية وفارغة من المضمون، كتشكيل حكومة جديدة دون توافق وطني، تعزيزًا لسياسة التفرُّد، وتعميقًا للانقسام، في لحظة تاريخية فارقة أحوج ما يكون فيها شعبنا وقضيته الوطنية إلى التوافق والوحدة، وتشكيل قيادة وطنية موحدة، تُحَضِّرُ لإجراء انتخابات حرة ديمقراطية، بمشاركة جميع مكونات الشعب الفلسطيني». «حماس» وبقية الفصائل لفتت إلى أن «هذه الخطوات تدل على عمق الأزمة لدى قيادة السلطة، وانفصالها عن الواقع، والفجوة الكبيرة بينها وبين شعبنا وهمومه وتطلعاته، وهو ما تؤكّده آراء الغالبية العظمى من شعبنا التي عبَّرت عن فقدان ثقتها بهذه السياسات والتوجُّهات».

في المقابل، ما لم تَقُلْهُ «فتح»، طوال الأشهر الماضية، ومنذ عملية «طوفان الأقصى»، قالته في بيان ردًّا على الاتهامات التي ساقتْها «حماس» ضدها. إذ عدَّت «فتح» أن «من تسبَّب في إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة، وتسبَّب بوقوع النكبة التي يعيشُها الشعب الفلسطيني، وخصوصًا في قطاع غزة، لا يحقُّ له إملاء الأولويات الوطنية»، ورأت الحركة أن «المفصول الحقيقي عن الواقع وعن الشعب الفلسطيني هو قيادة حركة (حماس) التي لم تشعر حتى هذه اللحظة بحجم الكارثة التي يعيشها شعبنا المظلوم في قطاع غزة، وفي بقية الأراضي الفلسطينية»[16].

بدا بيان فتح تعبيرًا عن عمق الأزمة داخل فتح ذاتها وفي فلسطين أيضًا بشكلٍ عام، فلا شكَّ أن طريقة تعيين الحكومة كانت تعبيرًا واضحًا عن تفرُّد فتحاوي بالقرار داخل السلطة، وانفصال عن الواقع بعدم التشاور مع الفصائل المقاومة الذين باتوا هم أعلى منها كعبًا وأبسط يدًا على الشعب الفلسطيني بتحقيق ضربات موجعة ومذلَّة للكيان الإسرائيلي جيشًا وحكومةً وشعبًا، وأيضًا بتحرير أسرى الشعب الفلسطيني وجُلُّهُم من الضفَّة والقدس رغم أن الحرب تدور في غزة بشكل أساسي. ولا يفوتنا أن ننوِّه إلى أن إعادة القضية الفلسطينية إلى قمة جدول الاهتمامات العالمية إنما هو بفعل المقاومة ولا دخل للسلطة الفلسطينية بهذا التموضع للقضية على خارطة التضامن والاهتمام والحملات العالمية، ويُلاحظ بوضوح مدى تدنِّي الاهتمام الرسمي بالسلطة ومسؤوليها على المستوى الدولي.

هذا الانفصال عن الواقع دفع البعض إلى المقارنة بين سلوك السلطة الفلسطينية السياسي والسلوك الإسرائيلي، فقد قام العدوُّ بتشكيل حكومة طوارئ ومجلس للحرب، بالرغم ممَّا يملكه من إمكانات هائلة وتحالف عالمي يقف خلفه؛ أما قيادة السلطة (قيادة المنظمة وفتح) فتجاهلت كلَّ جهود لَمِّ الشمل الفلسطيني؛ وفضَّلت أن تُشَكِّلَ حكومةً جديدةً وفقَ الاعتبارات والمعايير الإسرائيلية الأمريكية الغربية؛ لتكون جاهزةً ليس للوقوف مع المقاومة في مواجهة العدوان، وإنما لِتَسَلُّمِ قطاع غزة والحلول مكان المقاومة بعد “سحق حماس”، بحسب المخطَّط الإسرائيلي الأمريكي.

ووفق استطلاعات الرأي للشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، فإن اللوم على معاناة غزة ينصبُّ بنسبة 84٪ على الاحتلال الإسرائيلي وعلى الأمريكيين، ومن وضع اللوم على حماس لا يتجاوز 7٪، حتى بعد خمسة أشهر من المجازر والدمار؛ أي إن فتح وقفت عكس الأغلبية الساحقة للرؤية الشعبية الفلسطينية، واختارت اللوم الذي يريح العدو وحلفاءه. في المقابل فإن الغالبية العظمى -وبنسبة 71٪- ما زالت ترى صوابيَّة قرار حماس بشنِّ عملية “طوفان الأقصى”؛ مع أن 78٪ ممَّن تَمَّ استطلاعهم من قطاع غزة قالوا؛ إنه قد قتل أو أصيب شخص واحد على الأقل من أفراد عائلتهم. بل إن غالبية كبيرة بنحو 75٪ ترى أن هجوم 7 أكتوبر أحيا الاهتمام الدولي بالقضية، وأعطى فرصًا أفضل للاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ وهو ما فشل فيه عباس وسلطته طوال ثلاثين عامًا[17].

رابعًا- الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وأثرها على الوضع في الضفة

على المستوى الاقتصادي والاجتماعي أيضًا يمكن الإشارة إلى الآثار الجانبية لتوقف العمالة الفلسطينية في إسرائيل، فقد توقَّفت مواقع البناء في إسرائيل عن العمل مع استمرار حظر دخول العمال الفلسطينيين وذلك بعد عملية طوفان الأقصى، حيث بات قطاع البناء والتشييد يعكس الأزمة الاقتصادية المصاحبة للحرب حسبما ذكر تقرير نشرته وكالة بلومبيرج.

وحسب التقرير فإن الانفصال “المؤلم” بين الاقتصادين الإسرائيلي والفلسطيني يهدِّد شريان الحياة للأراضي الفلسطينية، وترك شركات البناء الإسرائيلية تتدافع للحصول على عمَّال من الخارج، وهو التحوُّل الذي تُظهر توقُّعات الصناعة أنه سيستغرق سنة، في أحسن الأحوال. وكان أكثر من ثلثي الفلسطينيين العاملين في إسرائيل قبل الحرب يعملون في البناء.

وفرضت إسرائيل إغلاقًا كاملًا للحدود مع الضفة الغربية المحتلَّة مع شَنِّهَا حربًا مدمِّرة على قطاع غزة، ومنذ ذلك الحين ضاعفت حصة العمال الأجانب المسموح بدخولهم إسرائيل ثلاث مرات لتصل إلى 65 ألف عامل، ومعظمهم من الهند وسريلانكا، لكن حتى الآن وصل 850 فقط.

وتقدِّر وزارة المالية الإسرائيلية أن غياب العمال الفلسطينيين في قطاعات البناء والزراعة والصناعة يكلف الإنتاج خسارة ثلاثة مليارات شيكل (840 مليون دولار) شهريًّا. وفي الضفة الغربية تضاعفت معدلات البطالة إلى أكثر من 30٪. وقبل الحرب، كان خُمس سكان الضفة الغربية العاملين يعملون في إسرائيل أو مستوطناتها، حيث كانوا يكسبون أكثر من ضعف متوسط الأجر المحلي، وفقا للأمم المتحدة، ويبلغ إجمالي دخلهم نحو أربعة مليارات دولار، ما يعادل ربع الناتج المحلي الإجمالي.

وزادت معدلات توظيف العمال الفلسطينيين في إسرائيل من الضفة الغربية تدريجيًّا على مدى العقدين الماضيين، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى الطلب على العمال اليدويين ذوي الأجور المنخفضة في إسرائيل، وحتى أكتوبر الماضي، كان نحو 156 ألف فلسطيني يعملون في إسرائيل.

العمل في إسرائيل، وفي المستوطنات كان يُشكّل حوالي 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني؛ وهو بمثابة داعم قوي للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي. مثلًا، أدخل العمال الفلسطينيون في إسرائيل والمستوطنات على الاقتصاد الفلسطيني في العام 2022 وحده أكثر من أربعة مليارات دولار، في حين بلغ إجمالي الميزانية السنوية للسلطة في ذلك العام حوالي ستة مليارات دولار. كذلك، بلغت أجرة عامل البناء في إسرائيل عشية الحرب حوالي 300 شيكل في اليوم الواحد؛ أي أكثر من ضعفي متوسِّط ​​أجر العمَّال في الضفة الغربية، البالغ حوالي 115 شيكلًا؛ وهذا الأمر بحسب التقرير ترك أثرًا كبيرًا، وكان بمثابة شوكة في خاصرة المجتمع الفلسطيني: من ناحية زاد دخل الأسرة الفلسطينية للعامل في إسرائيل، وتستفيد السلطة الفلسطينية من هذا الدخل، ومن ناحية أخرى أضرَّ الحصول على التعليم العالي، وبالتالي، فإن غياب الخبرات العملية والماهرة عن سوق العمل الفلسطينية يجعل من الصعب للغاية تطوير الاقتصاد الفلسطيني ويتركه وراءه بدون محركات نمو تدفع المجتمع إلى الأعلى.

من الناحية الفلسطينية، يُشير التقرير إلى أن السلطة الفلسطينية أصبحت معرَّضة لخطر الانهيار الاقتصادي؛ فالاقتصاد الفلسطيني الذي يعاني من معدل بطالة وصل منذ الحرب إلى نحو 40٪، غير قادر على أن يوفر بدائل للذين لم يتمكَّنوا من إيجاد بديل بمستوى الأجور نفسه الذي تقدِّمه لهم سوق العمل الإسرائيلية؛ الأمر الذي خلق حالة واسعة من الإحباط لدى العمَّال الذين يجلسون في بيوتهم ويساهمون بدورهم في زيادة نسبة البطالة[18].

ختام: مستقبل المقاومة

لا شك أن المقاومة الفلسطينية ترسِّخ أقدامها بقوة في الضفة الغربية وإن بخطى وئيدة بسبب هندسة الوضع في الضفة بما لا يساعد على تمدُّد المقاومة، بل إنه مخطَّطٌ لاجتثاثها، وقد تأثَّرت المقاومة بلا ريب بهذا الوضع، لكن الوضع في النهاية أقوى من أي ضغوطات في فرض المقاومة سبيلًا للتحرُّر، ما دامت الأدوات المتاحة لا تُسهم في غير تكريس الاحتلال وتهميش القضية الفلسطينية بل تذويبها في ظل حملات التطبيع المستعرة التي كبح جماحها في هذه الآونة طوفان الأقصى.

ويرى البعض أن الجيل الجديد من المقاومين في الضفة الغربية، يقدِّم تضحيات جسيمة وشجاعة قَلَّ نظيرُها، لكنها شجاعة تنقصها العقلانية والإمكانات والتدريب الناجع والقيادة، فغياب هذه العناصر جعل الاستنزاف في صفوف المقاومة في الضفة مرتفعًا للغاية، ومستوى الخسائر التي تلحقها بالاحتلال متواضعًا. وأفرزت أحداث السابع من أكتوبر مئات المطلوبين في الضفة الغربية، أعمارُ غالبيتهم بين 18-25 عامًا، والأكثرية دون العشرين. كثير منهم اشتروا سلاحًا من مالهم الخاص، وبعضهم يتبعون تنظيمات ويتلقُّون دعمًا ماليًّا جزئيًّا أو كلِّيًّا من فصائل المقاومة في الخارج. وغالبية هذا الجيل الجديد غير مؤدلَجٍ، وليست لديه انتماءات سياسية مسبقة، بقدر ما هو مؤمن بفكر المقاومة، ولا يشكلُ انتماؤه التنظيمي إلا وسيلةً للحصول على السلاح والموارد. وتعتبر هذه -في نظر البعض- ميزةً فارقةً هامةً تختلف عن طبيعة تشكُّل مجموعات المقاومة تاريخيًّا في فلسطين.

فهل يكون هذا الجيل قادرًا على تشكيل حالة ثورية مفاجئة تقلب الأوضاع وتستسلم لها النخب إذا ما أُتيحت له الإمكانات المناسبة، واستشعر اللحظة التاريخية؛ وهذه إحدى نقاط القوة التي أشعلت الثورات والانتفاضات سابقًا حتى بدون مقدِّمات موضوعية أحيانًا. تقف الضفة الغربية اليوم بإرهاصاتها على شفا صناعة التحول التاريخي والولوج إلى حالة مغايرة تمامًا للسياق الراهن، لكنها تشهد حربًا شرسة لئلا يحدث ذلك[19].

هذه النظرة -الحالمة ربما- تواجَه بعقبات، صحيح أنها لا تنفيها، لكنها تستدرك على هذه النظرة بأن الانتفاضات التي حدثت بدون مقدِّمات موضوعية أحيانًا ودون قيادة واضحة، أخفقت في الاستمرار والتفَّ حولها من يملك القيادة والإمكانات والتخطيط، ووضعوها في موضع الاتهام، بعد أن ألقوا بكل التبعات السلبية عليها، وصارت هي السبب في الكوارث التي حصلت وفق سردية تم تسويقها من جانب القوى التي امتصَّت آثار هذا الحراك غير المنظَّم، وخطَّطت للانقلاب عليه.

ومن ثمَّ فإن هذا الحراك الذي يجري في الضفة من المهم التنبُّه إلى سماته العامة تلك من عدم أدلجته بشكلٍ كبير، ومن عدم مأسسته تنظيميًّا، واستثمار الجوانب الإيجابية لهذه السمات في تجاوز الماضي الصراعي بين القوى والتنظيمات السياسية والمسلَّحة في فلسطين، لكن مع السعي في بناء أطر تنظيمية تراكم هذا الحراك وتستديم عوامل استمراره وتمويله وتذخيره وتدريبه.

أما حركات المقاومة في الضفة فلا بد من إسنادها ودعمها، وعليها أيضًا أن تمارس صبرًا استراتيجيًّا على المجتمع في الضفة، لما جرى له من تكبيل وتضييق وتجريف، جعل حراكه الأساسي مدنيًّا وليس مسلَّحًا، وهو أمر جرى التدبير له بإمكانات كبيرة، ونجحت هذه الخطة في إيصال الضفة إلى الوضع الحالي من عدم إسناد المقاومة بالقدر الكافي، مع أن حصول هذا الإسناد كفيل بتغيير الصورة الحاليَّة تمامًا وتخفيف الضغط عن أهل غزة، ودفع الضغوط الدولية على إسرائيل لوقف هذه الحرب البربرية.

أما السلطة الفلسطينية، فإنها بتكوينها منذ أوسلو 1993، قد وصلت إلى مرحلة شيخوخة لا تملك هيكليًّا أن تستعيد معها شيئًا من الحيويَّة والمقاومة للإملاءات الإسرائيلية والغربية، فهي لا تستطيع إلا أن تمارس حالة التكلُّس والجمود الأكثر مناسبةً لها في ظل أجواء الحرب الدائرة الآن، أو التماهي بشكلٍ أكبر مع التوجُّهات الإسرائيلية والغربية دون إرادة وطنية فلسطينية مستقلَّة، ويتجلَّى ذلك بشكلٍ واضحٍ في مطاردة المقاومة وعدم المساهمة في مواجهة اعتداءات المستوطنين، كما يتجلَّى أيضًا في نأيها عن لم الشمل وتوحيد الصف الفلسطيني، فهذه المصطلحات بات من الصعب تصوُّر إدراجها في قاموس السلطة ناهيك عن التعامل معها بأي قدرٍ من الجديَّة.

ويُعَدُّ حدثُ تشكيل الحكومة الجديدة في ظلِّ الحرب مؤشِّرًا واضحًا على انفصالها عن الواقع واستمرارها في الانفراد بالقرار وعدم مشاركة الفصائل الفاعلة والأكثر تأييدًا وقبولًا من الشارع الفلسطيني، وهذه الحالة تدخل السلطة في دائرة لا فكاكَ منها من فكّ ارتباط السلطة بالشارع الفلسطيني وروافده الشعبية العربية، والتصاقها بالكيان المحتل الغاصب لأرضها وأرض شعبها، ومن ثم يزداد الانفصال عن الشارع والانصياع للعدو والقوى الداعمة له بشكلٍ مطرد.

هذه الحالة لا يمكن كسرها إلا بإعادة ترتيب السلطة الفلسطينية بمشاركة كافة الفصائل وعلى رأسها حركتا حماس والجهاد، وعدم انفراد أي فصيل بقرارات السلطة، مع وجود آليات ديمقراطية واضحة وصارمة لكيفية اتخاذ القرارات، تجنُّبًا لإعادة اختطاف السلطة من جانب فصيل واحد لا يُراعي الاعتبارات الأخرى لدى الفصائل المشاركة، وتجنُّبًا للجمود والتيبُّس الذي تكرَّر في حالات مشابهة فلسطينيًّا وعربيًّا، وأدَّى إلى جعل مركز اتخاذ القرارات خارج الكيان المتجمِّد والمتيبِّس، ومن ثم عودة الصراع الداخلي مرةً أخرى.

_________________

هوامش

[1] انظر:

– تقارير أعمال المقاومة المنشورة على موقع معطى، متاح عبر الرابط التالي: https://mo3ta.ps/?page_id=826

– عاطف دغلس، الضفة الغربية.. الشارع منسجم مع المقاومة بعد 6 أشهر من الحرب، الجزيرة نت، 6 أبريل 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/49FCtv2

[2] انظر:

– ارتفاع حصيلة معتقلي الضفة الغربية من 7 أكتوبر إلى 8145، بوابة الشروق، 8 أبريل 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3Wlqr7l

– وفاة فلسطيني داخل سجون إسرائيل بعد 38 عاما رهن الاعتقال، سكاي نيوز عربية، 8 أبريل 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/4cY9Ax9

[3] المستعمرون يذيقون مزارعي الضفة مرارة العيش، وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، 19 فبراير 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/4d4nrBV

[4] المستعربون.. تاريخ حافل بالدم والقتل، وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، 30 يناير 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3w31Itq

[5] تهجير قسريّ لتجمعّات وعائلات معزولة في مناطق C تحت ستار الحرب، بتسيلم، آخر تحديث في 28 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3w40Ch1

[6] 120 ألفا يؤدون صلاة الجمعة الأخيرة من رمضان في المسجد الأقصى، وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، 5 أبريل 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3VWfsAW

[7] 200 ألف مصل يُحيون ليلة القدر في المسجد الأقصى، القدس العربي، 5 أبريل 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3xyMQ6w

[8] مهند توتنجي وعلاء ضراغمة، ما الذي يجري في الضفة الغربية؟، بي بي سي عربي، 5 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3UkX9Ef

[9] المرجع السابق.

[10] عبد الرحمن أبو الغيط، آخرها ما حدث بجنين.. لماذا يصر أمن السلطة على ملاحقة المقاومة بالضفة؟، الجزيرة نت، 3 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/4aEoK9h

[11] عوض الرجوب، لماذا تستهدف السلطة الفلسطينية شباب الضفة المقاوم؟، الجزيرة نت، 17 فبراير 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/4aQ50PO

[12] مثنى خميس، لماذا لم تلتحق الضفة؟ السلطة والجذور الضاربة للعجز، الجزيرة نت، 5 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3U5lZXu

[13] عوض الرجوب، استقالة اشتية.. استحقاق وطني أم استجابة لضغوط خارجية؟، الجزيرة نت، 27 فبراير 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3vZLK3l

[14] محسن محمد صالح، استقالة حكومة اشتية… قفزة للوراء؟!، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 1 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3W2oaO8

[15] محسن محمد صالح، فتح وحماس وسؤال الانفصال عن الواقع، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 26 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/49KYicC

[16] تعيين محمد مصطفى يعيد إشعال صراع «فتح» و«حماس»، الشرق الأوسط، 29 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3xFkdox

[17] محسن محمد صالح، فتح وحماس وسؤال الانفصال عن الواقع، مرجع سابق.

[18] عبد القادر بدوي، تقرير لـ”معهد أبحاث الأمن القومي”: استمرار إيقاف إدخال العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية للعمل في إسرائيل ينطوي على إشكاليات كثيرة!، مدار.. المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، 4 مارس 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/4d0LgdW

[19] أحمد أبو الهيجاء، الضفة الغربية على شفا التحول التاريخي، الجزيرة نت، 6 أبريل 2024، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3UmCnnR

 

  • نُشر التقرير في فصلية قضايا ونظرات- العدد الثالث والثلاثون- أبريل 2024

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى