اليمن بين سياسيات التدمير والأزمة المجتمعية الإنسانية

مقدمة

على الرغم من اتِّسام الوضع السياسي والاقتصادي العام في اليمن، قبيل اندلاع الحرب الأهلية والتدخُّل الإقليمي بالوضع المتدهور، إلا أن الحرب التي اندلعت في 26 مارس 2015، قد تسبَّبت بأزمة إنسانية كارثية لسكَّان اليمن؛ ولكن قبل الحديث عن الأزمة الإنسانية التي تحلُّ باليمن حاليًا، لابد من ذكر الأزمة السياسية التي تسبَّبت في ذلك. فمنذ سقوط العاصمة صنعاء في يد الحوثيِّين وهروب الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى عدن وإعلانها عاصمة للبلاد ومن ثم دخول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية بواسطة “عاصفة الحزم” إلى اليمن لإيقاف تمدُّد الحوثيِّين إلى الجنوب وطردهم من المناطق التي سيطروا عليها، حينها تولَّدت تحالفات وخلافات جديدة بغضِّ النظر عن الخلاف الأكبر بين الحوثيِّين والحكومة الشرعية، والتحالف الأبرز بين الحكومة الشرعية والتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية. ففي الشمال، تحالف الحوثيون مع حزب الرئيس السابق علي عبد الله صالح وبعد مقتله على أيديهم، أصبح هناك خلاف مع حزب المؤتمر الشعبي العام الموالي لصالح. أما في الجنوب، فتحالف المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات المتحدة مع قوات الشرعية الموالية لعبد ربه منصور هادي، كاد أن ينهار بدعم الإمارات المتحدة في مايو 2017 قيام المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة عيدروس الزبيدي ضد حليفها الرئيس هادي، مما أدَّى إلى أحداث شغب وإغلاق للمواني والمطارات، وتمكَّن المجلس الانتقالي في 28-30 يناير 2018، من السيطرة على عدن بالكامل، بوجود قطاع عريض من الشعب معارض للحكومة وذلك بسبب فشلها في انتظام تسليم رواتب المواطنين، إلى جانب فشلها الذريع في جانب الخدمات. وانتهت هذه الأحداث بتدخُّل التحالف العربي ودعا جميع الأطراف إلى الوقف الفوري لإطلاق النار، ومن ثم، وقَّعت الحكومة مع المجلس الانتقالي على اتفاق لوقف إطلاق النار(1).
ومن ناحية أخرى، جاء دعم الإمارات لكيانات جديدة على حساب الحكومة الشرعية من قوَّتها وسيطرتها على الأرض في جنوب البلاد، حيث تفرض الإمارات سيطرة كاملة على “سقطرى” الجزيرة الاستراتيجية في بحر العرب، وتديرها بشكل كامل من قبل مسؤولين تابعين لها، وبدأت الإمارات في بناء قواعد عسكرية فيها وفي جزر استراتيجية أخرى مثل جزيرة ميون المتحكِّمة في باب المندب(2).
وعلى الجانب الإنساني، فقد أنزلت الحرب التي دامت أكثر من ثلاثة أعوام الدمار بالشعب اليمني والبنية التحتية في البلاد. ويعاني ما يقرب من نصف مليون طفل من سوء تغذية شديد الحدَّة، الأمر الذي ينهك أجسادهم ويهدِّد حياتهم. كما أسفرت الحرب عن جلب نظام الرعاية الصحية إلى حافة الانهيار، وشرَّدت مليوني شخص وأرغمت ما يقارب 22.2 مليون يمني على الاعتماد على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، مقابل 15.9 مليون في مارس 2015(3).
كما يشهد اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم، فقد خلَّف الصراع آثارًا مدمِّرة على المجتمع اليمني، حيث يفتقر الملايين إلى مياه الشرب الآمنة والصرف الصحي الملائم. وانتشر الجوع في كل أنحاء البلاد، فقد وصل الحال بما يقرب من 17 مليون يمني أي 60٪ من إجمالي عدد السكان لا يعرفون كيف سيحصلون على وجبتهم المقبلة(4).

أولًا- سياسيات التدمير ما بعد الثورة

أ) سقوط الاقتصاد اليمني إلى الهاوية:

دخل الاقتصاد اليمني في مواجهة مع مشكلات عديدة منذ إسقاط الحوثيِّين للعاصمة “صنعاء” منها: فرار رؤوس الأموال الأجنبية والمحلية وتوقُّف المشاريع الاستثمارية وارتفاع معدَّل التهرُّب الضريبي وتجميد بعض الدول المانحة لمساعدتها المالية بسبب عدم ثقتها بالحوثيِّين بالإضافة إلى إغلاق أبواب سفارتها بسبب الأوضاع الأمنية. وقد خسر الاقتصاد اليمني مليارات الدولارات منذ بدء عاصفة الحزم في 26 مارس 2015، حيث تضرَّر عدد من المنشآت الاقتصادية. وتوقفت حركة الاستيراد والتصدير وأغلقت منشأة الغاز المسال الوحيد أبوابها بسبب اقتراب المعارك التي يقودها الحوثيون منها، وغادر موظفون أجانب اليمن، وقام الحوثيون بسرقة ونهب عدد من البنوك(5).

ب) تدهور العملة اليمنية وقطع رواتب الموظفين:

واجه البنك المركزي اليمني ومصارف يمنية أخرى أيضًا نقصًا في العملة النقدية منذ فترة طويلة قبل نقله إلى محافظة عدن. فخلال الحرب، أصبح هذا النقص أكثر تواترًا، حتى عندما كانت الأموال متوافرة إلكترونيًّا لتسديد مدفوعات الرواتب. وأُلزِمَت فروع “البنك المركزي اليمني” على تأجيل التدمير المزمع للأوراق النقدية المتدهورة من أجل ضمان امتلاك القطاع المصرفي ما يكفي من العملات النقدية. كما قام “البنك المركزي اليمني” بالتفاوض على اتفاق مع الشركة الروسية “جوزناك” المعنية بطباعة العملات، لطباعة أربعمئة مليار ريال يمني في العام الماضي، لكن ما إن أصبحت حكومة هادي غير موافقة على قيادة المصرف من قبل الحوثيِّين، اتَّخذت خطوات لمنع تسليم النقود الجديدة إلى صنعاء من أجل منع تحالف الحوثي-صالح من الوصول إليها(6).
فور انتقال البنك المركزي اليمني إلى محافظة عدن، وُضعت الصيغة النهائية لترتيبات العملة الجديدة التي سيتم تسليمها حصرًا إلى عدن. وقامت شركة “جوزناك” بتسليم الدفعة الأولى مؤخَّرًا إلى هناك، ويقوم المصرف بنشر النقود في الأراضي الخاضعة لسيطرة هادي عبر فروع البنك ومكاتبه البريدية. ومن أجل المساعدة في دفع الرواتب في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، يعتمد “البنك المركزي اليمني” على بعض المصارف الخاصة ومؤسسات الصيرفة التي تمكَّنت من الحفاظ على مستويات كافية من العملة النقدية(7).
ومع ذلك، لم يتقاضَ العديد من الموظفين الحكوميين أجورهم منذ أن قررت حكومة هادي التوقُّف عن تزويد الوزارات بمبالغ مالية كبيرة للتوزيع. ويسعى المسؤولون الآن إلى التدقيق في جداول الرواتب في كل وزارة و منشأة على أمل ضمان عدم دفع أي أموال للموظَّفين الذين تمَّ تعيينهم بعد الانقلاب الحوثي، أو تمَّ تحويلها إلى الحوثيِّين خلافًا لذلك.
أ) ارتفاع أسعار السلع الضرورية يقابله تدهور الدخول
أدَّت الحرب إلى تراجع دخل الأسر بسبب انهيار الإيرادات الحكومية وتعثُّر دفع رواتب القطاع العام في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيُّون. وتعتمد اليمن بنسبة 90٪ على المواد الغذائية والوقود المستوردة، حيث بلغت الأسعار مستويات مرتفعة جدًّا في كليهما بسبب القيود التي يفرضها التحالف على الشحنات التجارية والضرائب الكبيرة التي يفرضها الحوثيون على السلع المستوردة. ويقدِّر “صندوق النقد الدولي” ارتفاع التضخم إلى 24٪ في عام 2017، مع ازدياد أسعار البنزين ثلاثة أضعاف خلال الحرب فضلًا عن ارتفاع تكلفة وقود الطهي خمسة أضعاف. وتُعتبر أسعار المواد الغذائية والوقود الباهظة للغاية -بالرغم من عدم توافرها- الخطر الرئيسي الذي يواجه اليمن حاليًا(8).
ويعني ذلك أن الإمدادات المقيَّدة تشكِّل عاملًا داعمًا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. وقد خلص التقرير السنوي الذي أعدَّه “فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن” الذي صدر عام 2017 إلى أن “جميع أطراف الصراع عرقلت توزيع المساعدات الإنسانية”، ومن ناحية الحوثيين، فقد ساهموا في تفاقم القدرة على تحمُّل التكاليف من خلال فرضهم رسومًا جمركية إضافية على الشاحنات التجارية وناقلات الوقود التي تدخل مناطقهم، ممَّا أدَّى إلى مضاعفة الرسوم التي دُفعت بالفعل في المواني(9).
ب) ندرة المياه وأثرها على القطاع الزراعي والأمن الغذائي
إن ندرة المياه في اليمن واحدة من التحديات الرئيسية التي يواجهها القطاع الزراعي، حيث ذكرت منظمة الفاو إن عدم توفر المياه للزراعة هو العامل الأكبر الذي يحد من القدرة على تحقيق الأمن الغذائي في اليمن(10)، فقد أثرت الحرب على القطاع الزراعي بشكل كارثي وهو الذي يعمل فيه نصف سكان البلاد مما أدَّى إلى تفاقم مشكلة الأمن الغذائي، الذي يعاني منه ما يقدَّر بــ17 مليون يمني، وأيضًا ارتفاع أسعار المشتقَّات النفطية وانعدامها بشكل كبير في الأسواق في الشهور الأولى للحرب على نحو خاص أدَّى إلى تلف المحاصيل الزراعية(11).
ج) انتشار الألغام في اليمن وارتفاع معدلات الضحايا
لقد عانت اليمن من الألغام وبقايا المتفجِّرات نتيجة للصراعات العديدة التي شهدتها البلاد منذ عام 1962 إلى 2010، كما تشير إلى ذلك العديد من التقارير الدولية والمحلية المعنية بمشكلة الألغام، ولكن تفاقمت هذه المعاناة خلال السنوات الأخيرة منذ قيام مليشيات الحوثي بالتحالف مع قوات صالح والانقلاب على الحكومة الشرعية برئاسة عبد ربه منصور في 21 سبتمبر 2014، حيث قاموا باستخدام الألغام الأرضية بكثافة؛ باعتبارها إحدى أهم الوسائل والأساليب الحربية في مواجهتها المسلحة مع قوات الحكومة الشرعية بغرض كبحها وإعاقة تقدُّمها في المناطق التي كانت تسيطر عليها أو في المناطق التي لا تزال تسيطر عليها.
وقد ذكر التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان في تقرير له أن هناك حوالي 906 أشخاص قُتلوا جراء انفجار الألغام الأرضية خلال المدَّة من سبتمبر 2014 إلى يونيو 2018، توزَّع هؤلاء القتلى على 19 محافظة يمنية من إجمالي المحافظات اليمنية البالغ عددها 22 محافظة يمنية، وكان أعلى عدد لهؤلاء القتلى في محافظة تعز، حيث بلغ عددهم 289 قتيلًا، تلتها مباشرة محافظات أخرى مثل محافظات لحج، والضالع، ومأرب، وعدن، وقد بلغ عدد الرجال الذين قُتلوا بسبب الألغام الأرضية 713 رجلًا، فيما بلغ عدد النساء 60 امرأة، كما قُتل عدد كبير من الأطفال بلغ عددهم 133 طفلًا، ويمثل المدنيون العدد الأكبر حيث بلغ عدد الضحايا المدنيين 665 من إجمالي من قتلوا بسبب الألغام الأرضية في اليمن خلال الفترة التي شملها التقرير، كما أن معظم الضحايا (654) قُتلوا بسبب الألغام المضادة للأفراد ويمثلون 72٪ من إجمالي الضحايا(12).
د) الخسائر المادية للحرب
تشير تقديرات الاحتياجات الإنسانية الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، في يناير 2018، إلى وصول عدد ضحايا الحرب في اليمن إلى حوالي 62 ألف شخص منهم 9.2 آلاف قتيل وحوالي 52.8 ألف جريح، منهم قرابة 3.3 آلاف طفل ما بين قتيل وجريح، كما تشير تلك التقارير إلى وجود حوالي 22.2 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية يشكِّلون 75٪ من إجمالي عدد السكان، منهم 11.3 مليون شخص في حاجة ماسَّة وشديدة للمساعدات الإنسانية منهم 8.4 ملايين شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي ويواجهون خطر المجاعة بمن فيهم 3 ملايين نازح في الداخل، فضلًا عن وفاة حوالي عشرة آلاف يمني ممن يحتاجون للعلاج خارج البلاد، بسبب إغلاق مطار صنعاء من قبل قوات التحالف(13).
ففي جانب الخسائر المادية وحتى يوليو 2018، تشير بعض التقارير الحقوقية غير الرسمية إلى تضرُّر البنية التحتية بشكل كبير جرَّاء الحرب؛ حيث تشير إلى تضرُّر 15 مطارًا، و14 ميناء، و2512 طريقًا وجسرًا، و727 خزانًا وشبكة مياه، و185 محطة ومولد كهرباء، و421 شبكة اتصالات، و882 مدرسة ومعهدًا، و318 مستشفى ومركزًا صحيًّا، و1797 منشأة حكومية، و360 محطة وقود سيارات، و265 ناقلة وقود، و316 مصنعًا، و295 مزرعة دواجن ومواشٍ، و490 موقعًا أثريًّا ومنشأة سياحية، و112 منشأة رياضية(14).
هـ) الاعتقالات والاختفاءات القسرية
شاركت قوات الحوثيين-صالح وقوات الحكومة اليمنية والقوات اليمنية الموالية لدولة الإمارات في عمليات احتجاز تعسُّفي وغير قانوني. ووثَّقت منظمة العفو الدولية حالات قليلة في مدينتي صنعاء ومأرب احتُجز فيها أشخاص دونما سبب سوى استخدامهم كعامل نفوذ في أية عمليات مستقبلية لتبادل الأسرى، وهو الأمر الذي يُعد بمثابة احتجاز للرهائن، ومن ثم فهو يمثل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، وواصلت قوات الحوثيين وحلفائهم، في صنعاء والمناطق الأخرى الخاضعة لسيطرتها، الاعتقال بشكل تعسُّفي على المنتقدين والخصوم، وكذلك على صحفيين وأشخاص عاديين ومدافعين عن حقوق الإنسان والبهائيِّين، واحتجازهم، كما عرضت عشرات الأشخاص للاختفاء القسري، وفي نهاية العام، ظل خمسة من البهائيِّين رهن الاحتجاز، كان أحدهم محتجزًا منذ حوالي أربع سنوات، حيث اتَّهمه الحوثيون بــ”الردَّة”، التي يُعاقب عليها بالإعدام بموجب القانون اليمني(15).
وشنَّت القوات اليمنية المدعومة من دولة الإمارات، والمتواجدة في عدن، حملة اعتقالات تعسفية وحوادث إخفاء قسري. وقد وثَّقت منظمة العفو الدولية 13 حالة احتجاز تعسفي في عام 2018، واحتُجز بعض هؤلاء المعتقلين بمعزل عن العالم الخارجي، وتعرَّض بعضهم للاختفاء القسري، كما احتُجز أفراد من البهائيِّين بشكل تعسفي في مطار عدن الدولي على أيدي قوات محلية موالية لدولة الإمارات، واحتُجزوا بدون تهمة لمدة تسعة أشهر(16).
كما نشرت منظمة العفو الدولية تقريرًا، أشارت فيه إلى تعرُّض سجناء محتجزين في سجون سرية في المناطق الجنوبية باليمن، للتعذيب على أيدي القوات الموالية للحكومة والإمارات، مطالبة بالتحقيق في تلك الوقائع باعتبارها “جرائم حرب”، ويورد التقرير وصفًا لاختفاء عشرات الرجال قسرًا عقب اعتقالهم واحتجازهم تعسفيًّا على أيدي قوات الإمارات العربية المتحدة والقوات اليمنية التي تعمل خارج نطاق سيطرة حكومة بلادها، حيث تعرَّض الكثير منهم للتعذيب، ويُخشى من أن بعضهم قد تُوفي في الحجز(17).
و) تدمير المدارس
قامت الأمم المتحدة مع وكالاتها المتخصِّصة بتسجيل اعتداءات مسلحةً مستمرَّة على المعاهد والمدارس في اليمن، حيث تمَّ تدمير ما يناهز خمسمئة مدرسة، واستخدام عدد كبير من المؤسسات التعليمية لأغراض عسكرية. هناك ما يقرب 70٪ من المدارس المتضررة هي من مدارس مراكز المدن أو ما يعرف بمدارس الطوق التي تتميز بالكثافة الطلابية، حيث يتراوح متوسط الطلبة للفصل الواحد مابين 70 : 100 طالب، الأمر الذي أحدث ضغطًا على مدارس الأرياف التي تفتقر إلى التأهيل الجيد ونقص المعلِّمين وتدنِّي مؤهلاتهم(18).
فالحرب زادت من الأضرار في البنية التحتية للتعليم، خصوصًا وأن الجماعات المسلحة ما زالت تتَّخذ مدارس ومؤسَّسات التعليم مكانًا لأعمالها العسكرية، بالإضافة إلى أن الحكومة الشرعية المتحكِّمة في البلاد والمانحين أيضًا لا يعطون التعليم أولوية في هذه المرحلة وتتصدَّر القطاعات الأخرى أولويات الحكومة.
في حين حذَّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في 31 يوليو 2018 من الخطر المحدق بتعليم 3.7 مليون طفل في شمال اليمن نتيجة التصعيد الأخير للأعمال العدائية في عدَّة جبهات، ولاسيما في محافظة الحديدة، وبعد حوالي سنتين من المرتبات غير المدفوعة تقريبًا للمعلمين في المحافظات الشمالية باليمن، فإن كثيرين من هؤلاء غادروا منازلهم أو التحقوا بوظائف بديلة، وتقدِّر اليونيسف أن 11.3 مليون طفل في اليمن بحاجة إلى مساعدات إنسانية، و4.1 مليون طفل بحاجة إلى مساعدات تعليمية(19).
ز) انتشار الأمراض الوبائية
شهدت معظم المحافظات اليمنية انتشارًا متسارعًا لوباء “الكوليرا” في ظلِّ نقص الإمكانيات الطبية اللازمة لمواجهته، حيث إن مرض الكوليرا مرض تنتقل عدواه عن طريق المياه، ويمكن أن ينتشر بسرعة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية التي تعاني من تردِّي مستوى النظافة وأنظمة الصرف الصحي(20)، وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أنه حتى شهر أغسطس 2017 سجَّل عدد الوفيات بهذا المرض 1966 شخصًا، ووصل عدد الإصابات به إلى 494000 شخص، ووفقًا لتلك الإحصائيات تصل نسبة الإصابة اليومية بمرض الكوليرا إلى 4٪ يوميًّا، كذلك تصل نسبة الوفيات إلى 3.5٪ يوميًّا(21).
كما انتشر فيروس “حمى الضنك” بسبب التأخُّر في انتشال جثث القتلى وانتشار القمامة، والذي تزامن مع عدم قدرة المستشفيات على استيعاب جميع المرضى بسبب الأوضاع الصعبة من انقطاع للتيارات الكهربائية وشبه انعدام وجود الأدوية والمواد الطبية(22).
ح) تجنيد الاطفال
يعتبر اليمن واحدًا من ثماني دول أُدرجت قواتها الأمنية الوطنية سنة 2012 من قبل الأمين العام على قائمة الدول التي تُجند وتُشرك الأطفال في النزاعات المسلحة، وبالرغم من ذلك فقد تزايدت أعداد الأطفال المجنَّدين بحلول عام 2014، حيث شهد هذا العام زيادة كبيرة في عمليات التجنيد تقدر بـ 47٪ عن الأعوام التي سبقت، وذكر رئيس منظمة “سياج” لحماية الطفولة في اليمن، أحمد القرشي، أن الحوثيين يستخدمون الأطفال كمقاتلين وكوسائل اتصال بين جماعات المقاتلين وكحملة رسائل، كما تظل القدرة على التوصُّل إلى إحصاء دقيق بشأن تجنيد الأطفال يكتنفها قدر كبير من الصعوبة(23).
على الرغم من ذلك، ذكرت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل في الحكومة اليمنية، ابتهاج الكمال، أن الحوثيين قاموا بتجنيد ما يزيد على 23 ألف طفل، بصورة مخالفة للاتفاقيات الدولية، وقوانين حماية حقوق الطفل، منهم ألفان و500 طفل منذ بداية العام الحالي 2018(24).

ثانيًا- تأثير سياسات التدمير المتبعة على الأزمة الإنسانية في اليمن

كان للسياسات السابقة سواء كانت متعمَّدة أو غير متعمَّدة العديد من الآثار الكبرى على المجتمع اليمني، من ضمنها ما يلي:
1- تراجع قيمة الريال اليمني بما يقارب 50٪، الأمر الذي ترافق معه ارتفاع حاد في الأسعار أثَّر على التشغيل المتفاوت للمواني وأعاق وصول المواد الأساسية، وقد أثرت هذه العوامل بشكل مباشر على القطاع الخاص وعلى رواتب القطاع الحكومي، فلا شك أن عدم دفع الرواتب لما يزيد عن عام كامل في مناطق عدَّة شكَّل عبئًا كبيرًا على المواطن اليمني إذ تبيَّن أنه يتم استخدام الإيرادات التي من المفترض أن تساهم في تسديد الرواتب وتأمين الخدمات الأساسية وتحفيز الاقتصاد، من أجل تمويل الحرب، وبالإضافة إلى ذلك، تتنامى ظاهرة الضرائب غير الرسمية وغيرها من أشكال الفساد مما يزيد من تردِّي الوضع الإنساني(25).
2- دَفَعَ الأطفال في اليمن فاتورة الحرب الراهنة من صحَّتهم النفسية ومن تحصيلهم الدراسي، فكثير من الأطفال استشهدوا في الحرب أو أصيبوا بجروح أو إعاقات، حيث إنه انخفض معدَّل الالتحاق بالتعليم الأساسي بشكل حقيقي من 72٪ كان قد وصل إليها عام 2012 إلى 53٪ في بداية العام الدراسي 2014 – 2015، وهو مايعني زيادة الاطفال خارج المدرسة من 28٪ (1.6 مليون طفل) إلى 47٪ (2.9 مليون طفل)(26).
3- لعبَ الجانب الأمني وحالات النزوح من المدن إلى الريف بسبب الحرب إلى زيادة فجوة النوع الاجتماعي (ذكور – إناث) في التعليم الأساسي من 73 نقطة في التعليم الأساسي إلى 85 نقطة، كما أن غياب مدارس البنات وعدم وجود معلمات في الريف -على أساس مبدأ عدم الاختلاط في اليمن- وارتفاع نسبة الفقر وغلاء المعيشة سيوسع الفجوة في السنوات القادمة. كما تتسبب الحرب في إيقاف العمل في مراكز محو الأمية وتعليم الكبار والذي من شأنه زيادة معدلات الأمية في اليمن والتي كانت تمثل حوالي 62٪ قبل الحرب(27).
4- أدَّت الحرب في اليمن إلى النزوح القسري لليمنيِّين والاعتماد على المعونات بين نسبة كبيرة من السكَّان، ووفق ما ذكرته الوكالة الدولية للهجرة(28) ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية(29)، فقد اضطر نحو 2.8 مليون يمني للنزوح القسري داخليًّا تاركين منازلهم، وفرَّ عدد إضافي منهم يُقدَّر بنحو 121000 شخص إلى جيبوتي وإثيوبيا والصومال والسودان، وعلى مَرِّ الأشهر الستة الماضية، عاد ما يُقدَّر بنحو 300000 شخص من النازحين داخليًّا إلى عدن، ويُعد حجم الاحتياجات الإنسانية الأساسية هائلا بين المضيفين، والعائدين، والنازحين داخليًّا على حد سواء، ولو أن النازحين داخليًّا في اليمن يعانون من أشدِّ النَّقص في الخدمات علاوة على ما يعانونه من تشريد اجتماعي، وصدمة، وعزلة(30).
5- أثَّرت الحرب على النسيج الاجتماعي في اليمن، ممَّا أدَّى إلى تفاقم الانقسامات السياسية والطائفية والإقليمية، وأضْفى عليها الطابع العسكري، بطريقة تجعل من المصالحة أمرًا أشدَّ تحديًا ومن الوحدة أمرًا صعب التطبيق على أرض الواقع. كما أن الخسائر البشرية واعتقالات النشطاء والشخصيات السياسية لا تؤدِّي فقط إلى تصاعد الانقسام السياسي فحسب بل والانقسام القبلي أيضًا(31).

خاتمة

قد تصل الأزمة الإنسانية إلى كارثة في اليمن، إذا لم يتم تداركها من قبل المنظمات الدولية الإنسانية والجهات اليمنية المختصَّة التى تُعنى بالعمل الإنساني في جميع أنحاء الجمهورية، ولكن هذا يتصادم مع رغبة كل طرف من أطراف الحرب بالتوسُّع والسيطرة عن طريق العمليات العسكرية والتوسع أرضًا، ويهدد ذلك ملايين اليمنيين إما عن طريق القتل أو المجاعة بإغلاق المنافذ البحرية والبرية أو استهداف المناطق ذات الكثافة السكانية المرتفعة من قبل أي طرف من أطراف الحرب.
فبعد حصار الحوثيين الذي دام أكثر من سنتين لميناء الحديدة، شنَّت القوات الموالية للشرعية المدعومة من التحالف العربي هجومًا على مدينة الحديدة التي تمثل الطريق الوحيد لوصول المساعدات الغذائية والإنسانية إلى 20 مليون يمني يعيشون على الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون من بينها العاصمة صنعاء، وبحسب صحيفة الجارديان فإن ميناء الحديدة يوفر حوالي 80٪ من المعونات لليمن سواء الإنسانية أو التجارية، وفي حالة حدوث أي هجوم سوف تكون هناك خسائر كبيرة تقدر بحوالي 250 ألف قتيل في محافظة الحديدة)[32).
ومن المرجَّح أن يكون لهذا التصعيد من قبل الحكومة الشرعية وقوات التحالف تأثير على النزاع على ساحل البحر الأحمر وفي الداخل اليمني، وفي حالة إذا استعادت الحكومة اليمنية كافة المواني اليمنية الواقعة على البحر الأحمر (ومن بينها الحديدة)، فقد تخفض الإمدادات الغذائية لليمنيين أو تقطعها في وسط البلاد وشمالها؛ ظنًّا منها أنها ستضيق الخناق على العاصمة صنعاء ومعقل الحوثيين صعدة من خلال ممارسة مزيج من الضغوط الاقتصادية والإنسانية(33).
*****

الهوامش:

(*) باحثة في العلوم السياسية.
(1) Robert Forster, The Southern Transitional Council: Implications for Yemen Peace Process, Accessed in 15 September 2018, Available at: https://goo.gl/dYdKgK
(2) عاصفة الحزم في عامها الرابع: هل يريد الخليج الانتصار على إيران أم لديه أطماع في اليمن، مركز أبعاد للدراسات والبحوث، تاريخ النشر: مارس 2018، ، تاريخ الاطلاع: 22 مايو 2018، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/SSFYzz
(3) Eric Pelofsky, Escalation in Yemen Risks Famine, Collapse, Iranian Entrapment, The Washington Institute, Accessed in 23 February 2017, Available at: https://goo.gl/iFmohP
(4) الأزمة الإنسانية في اليمن في الذكرى الثانية لتصعيد الصراع، أخبار الأمم المتحدة، 27 مارس 2018، تاريخ الاطلاع: 15 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/yzuieL
(5) سيدي أحمد ولد أمير، تطورات الصراع في اليمن وتداعياته، مركز الجزيرة للدراسات، 5 فبراير 2015، تاريخ الاطلاع: 16 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/AEKjo1
(6) Katherine Bauer and Eric Pelofsky, Yemen’s Banking Problems Could Have Dire Humanitarian Implications, The Washington Institute, 24 March 2017, Accessed in: 17 September 2018, Available at: https://goo.gl/r83LVw
(7) Ibid.
(8) Michael Knights, Supporting the New Gulf Effort to Ease Yemen’s Humanitarian Crisis, 5 February 2018, Accessed in: 15 September 2018, Available at: https://goo.gl/AYkbk2
(9) Ibid.
(10) الفاو وحل سلمي للصراع على الماء في اليمن بمشاركة نسائية قوية، أخبار الأمم المتحدة، 31 أغسطس 2018، تاريخ الاطلاع: 25 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/tmmznq
(11) اليمن – ضريبة الحرب تدفعها الزراعة والغذاء، موقع التليفزيون الألماني (DW)، 15 سبتمبر 2018، تاريخ الاطلاع: 20 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/YnByFk
(12) ضحايا الألغام الأرضية في اليمن خلال الفترة من سبتمبر 2014 : يونيو 2018، التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، 2018، تاريخ الاطلاع: 28 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي:
http://bit.ly/2Pho4Ng
(13) مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، خطة الاستجابة الإنسانية الطارئة لليمن 2018، يناير 2018، تاريخ الاطلاع: 22 أغسطس 2018، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/2zZ5Ria
(14) المركز القانوني للحقوق والتنمية، نشرة إحصائية، بتاريخ يوليو 2018، تاريخ الاطلاع: 22 أغسطس 2018، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/1YCCbh
(15) التقرير السنوي لمنطمة العفو الدولية 2017 – 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/dakhZ1
(16) المرجع السابق.
(17) الاختفاء القسري والانتهاكات المرتبطة بالاحتجاز في جنوب اليمن، منظمة العفو الدولية، 2018، تاريخ الاطلاع: 29 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/JRrdus
(18) خارج أسوار المدارس: تداعيات الحرب وآثارها على التعليم في اليمن، مركز الدراسات والإعلام التربوي، 2015، تاريخ الاطلاع: 23 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/n9zA2F
(19) The Yemen Review – August 2018, The Sana’a Center for Strategic Studies, 2018, Accessed in: 21 September 2018, Available at:
https://goo.gl/DcZzMM
(20) اليمن: منظومة صحية على حافة الانهيار تزامنًا مع تفشي الكوليرا بمعدلات غير مسبوقة، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، 13 يونيو 2017، تاريخ الاطلاع: 26 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/Wr3exs
(21) الاقتصاد اليمني في ظل الأزمة وسينايوهات المستقبل، مركز البديل للتخطيط والدراسات الاستراتيجية، 24 ديسمبر 2017، تاريخ الاطلاع: 23 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/HvZjR9
(22) بورحلة عبد الرحمن، تونسي فاطنة، الثابت والمتغير في السياسة الخارجية السعودية : دراسة حالة اليمن 2011 – 2015، رسالة ماجستير، جامعة بومرداس- الجزائر، قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، 2016، ص85.
(23) محمد النادي، الأطفال الجنود في ظل القانون الدولي الإنساني، المستقبل العربي، العدد 437، يوليو 2015، ص ص 43 – 44.
(24) أرقام مخيفة.. تجنيد الأطفال وقود الحوثيين في معاركهم، سكاي نيوز عربية، 7 يوليو 2018، تاريخ الاطلاع: 25 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/TtD3fX
(25) The UN Special Envoy for Yemen briefs the Security Council, Office of the Special Envoy of the Secretary-General for Yemen, Accessed in: 21 September 2018, Available at:
https://goo.gl/xibQRT
(26) خارج أسوار المدارس: تداعيات الحرب وآثارها على التعليم في اليمن، مرجع سابق.
(27) المرجع السابق.
(28) Yemen Crisis Regional Response, International Organization for Migration, Accessed in: 22 September 2018, Available at: https://goo.gl/VoSKnu
(29) Humanitarian Needs Overview, 2016, Accessed in: 22 September 2018, Available at:
https://goo.gl/vnBdti
(30) مذكرة مشاركة بشأن الجمهورية اليمنية لمدة السنة المالية 2017 – 2018، وثيقة من البنك الدولي، تقرير رقم: 106118-YE، 20 يونيو 2016، تاريخ الاطلاع: 29 سبتمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/kcCaZg
(31) المرجع السابق.
(32) انظر الآتي:
– Simon Henderson, Quarter – Million lives at Risk in latest Battle for Yemen, The Washington Institute, 14 June 2018, Accessed in: 22 September 2018, Available at:
https://goo.gl/1Tj2CZ
– Aid groups in Yemen warned attack could endanger all supplies, The Guardian, 10 Jun 2018, Accessed in: 22 September 2018, Available at: https://goo.gl/qE1SqB
(33) Eric Pelofsky, Escalation in Yemen Risks Famine, Collapse, Iranian Entrapment, The Washington Institute, 23 February 2017, Accessed in: 22 September 2018, Available at: https://goo.gl/zFyj4o

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى