طوفان الأقصى: مواقف رسمية أمريكية وأوروبية

لم تكن عملية طوفان الأقصى[1] التي انطلقت في وقتٍ مبكر من صباح يوم السبت السابع من أكتوبر 2023، مفاجأةً فقط لإسرائيل بأجهزتها الأمنية ومخابراتها، التي جاء أول رد على لسان رئيس وزرائها بعد ما يقرب من ثلاث ساعات من دخول قوات المقاومة إلى منطقة غلاف غزة[2]، وإنما مفاجأة للدول الغربية والحليفة لها بأجهزتها الدبلوماسية والأمنية والاستخباراتية؛ لفشلها في توقع مثل هذه العملية.

ويحاول هذا التقرير تقديم رصد مبدئي لعددٍ من مواقف الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول غرب أوروبا، ومنظمة الاتحاد الأوروبي، في محاولة لفهم ردود الفعل والمواقف الأولية لهذه القوى، وتصنيفها بما يفيد في تعميق التعاطي مع هذه الرؤى المختلفة.

إن أهمية رصد مواقف الدول الغربية -الحليفة أو القريبة من إسرائيل- تجاه هذه العملية، إنما يُحقق جملةً من الأهداف، منها: أولًا– التأكد من الموقف التاريخي الثابت لهذه القوى من مجمل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والحلول المُقترحة له، وثانيًا– كشف (فضح) حقيقة البُعد الإنساني لسياسات هذه الدول ومواقفها، وثالثًا– المُساعدة في بناء سياسات مستقبلية تجاه هذه الدول تبعًا لموقفهم وقت الأزمات؛ باعتبارها أوقات كاشفة، ورابعًا– إعطاء خلفية تساعد على التعرف فيما بعد على أدوار “المسلمين” أو الأقليات المسلمة ومدى تأثيرهم في هذه البلدان، خاصةً فيما يتعلق بالمواقف السياسية.

ويمكن تقسيم هذه المواقف إلى ثلاث مجموعات، لكلٍ منها سماتها ومفرداتها؛ وهذه المجموعات هي:

– مجموعة الدول المبالغة في الانحياز لإسرائيل: غلب على هذه المجموعة المبالغة في إظهار التعاطف مع حكومة إسرائيل وشعبها، وإدانة حماس مع وصفها بالمنظمة “الإرهابية”، والمسارعة في متابعة الأوضاع وإدانة أطراف أخرى بشأن الأحداث، مثل إيران، والقيام باتصالات، ودبلوماسية مكوكية مع الأطراف المعنية لحثها على التدخل والتباحث معها، فضلًا عن قيامها بإجراءات إضافية مثل طمأنة الجاليات اليهودية داخلها، أو وقف المساعدات للفلسطينيين، أو حث المنظمات التي ينتمون إليها على ذلك.

– مجموعة الحق الإسرائيلي في الدفاع مع الدعوة إلى وقف التصعيد: شددت الدول في هذه الفئة على حق إسرائيل في الدفاع، ولكن مع ضرورة أن يكون ذلك وفقًا لقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك تجنب قصف المدنيين، مع وصف ما قامت به حماس بأنه “أعمال إرهابية”. هذا، كما تكررت الدعوة إلى وقف التصعيد.

– مجموعة “العصا من المنتصف”: هذه الدول لم تُمعن في إدانة حماس ودعم إسرائيل بقدر ما دعت إلى وقف إطلاق النار، وحث الطرفين على مراعاة الأبعاد الإنسانية، مع الاحتراز في توصيف ما حدث، أو توصيف أطرافه.

وتعكس هذه المجموعات في مجملها مواقف متدرجة من دعم إسرائيل، فكلها لم تختلف على دعمها لإسرائيل، ولكن اختلفت في درجة وطريقة التعبير عن ذلك. تلك الاتفاقات والاختلافات التي انعكست في موقف الاتحاد الأوروبي.

أولًا: مجموعة الدول المبالغة في الانحياز إلى إسرائيل

  • الولايات المتحدة:

دخلت الأجهزة الدبلوماسية والأمنية في الولايات المتحدة مع عملية طوفان الأقصى في حالة تأهب وانعقاد دائم، إذ لم تمض ساعات إلا وتوالت التصريحات هنا وهناك بخصوص هذه العملية. ففي وقتٍ مبكر من يوم العملية (السابع من أكتوبر)، هاتف الرئيس بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلي مدينًا الهجوم الذي شنته حماس، ومُعربًا على دعمه الثابت لإسرائيل. ثمّ بعدها توالت البيانات، والمؤتمرات الصحفية، والتحركات السياسية والدبلوماسية لإدانة ما وصفته بـ “الهجوم الإرهابي” من حركة حماس “الإرهابية”.

ولا شك أن الولايات المتحدة أكبر الداعمين الحاليين والتاريخيين لإسرائيل، فبعد ثلاثة أيام من العملية، ظلت كافة التصريحات الغربية تقريبًا تأتي من الولايات المتحدة حصرًا. ويمكن القول: إن تحركات الولايات المتحدة خلال الأيام الأولى للعملية تركزت في أربعة محاور:

المحور الأول: التعاطف الدبلوماسي الثنائي: ويمكن إيجاز هذا المحور في محاولات الطمأنة والتواصل المستمر مع الجانب الإسرائيلي، والانعقاد المتواصل للمؤتمرات الصحفية، تعبيرًا عن دعم أمريكا المتصل. فتكررت في هذا الإطار مقولات تقليدية، مثل: أمن إسرائيل جزء من أمن الولايات المتحدة، وأن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل ثابت كالصخر، وأن واشنطن تدين بشكلٍ لا لبس فيه هذا الهجوم المروع ضد إسرائيل من قبل إرهابيي حماس، كما أنها مستعدة لتقديم جميع وسائل الدعم المناسبة لحكومة وشعب إسرائيل، مع إظهار التعاطف “العميق” مع ضحايا الأحداث[3].

المحور الثاني: الدبلوماسية الجماعية، وحشد الدعم الدولي لإسرائيل: في هذا الإطار بدا واضحًا أن الولايات المتحدة تتحرك صوب كافة الأطراف الدولية لتسويغ وشرعنة رد إسرائيلي قوي، وتوجيه إدانة “حاسمة” لحماس، وتحميلها مسؤولية تبعات ما جرى. ومن هذا كان مشاركتها في البيان الخماسي مع كل من فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، وإيطاليا، الذين أعربوا فيه عن “دعمهم الثابت والموحد لدولة إسرائيل، وحقها في الدفاع عن نفسها، وإدانتهم القاطعة لحركة حماس، وتأكيدهم على ضرورة ألا تستغل أي جھة معادیة لإسرائیل هذه الفترة لتحقيق مكاسب، مشددين على بقائهم متحدين كحلفاء وأصدقاء مشتركین لإسرائيل؛ وذلك لضمان أن تتمتع إسرائيل بقدرة الدفاع عن “نفسها”[4].

كما دعت الولايات المتحدة إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن، ليس الهدف منها الدعوة إلى وقف إطلاق النار، وإنما للحصول على إدانة عالمية “حازمة” لما قامت به حماس؛ إذ أشار مساعد السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة “أن الولايات المتحدة تأمل إدانة جميع أعضاء مجلس الأمن بحزم الأفعال الإرهابية المشينة التي ارتكبتها حماس بحق الشعب الإسرائيلي وحكومته”. ووفقا لدبلوماسيين، لم تقدم أي دولة اقتراحًا لإصدار بيان مشترك[5].

فضلًا عن ذلك، تقوم الولايات المتحدة بالتواصل مع الأطراف المعنية في مصر والأردن؛ للبحث بشأن عمل ممرات آمنة للمساعدات الإغاثية والإنسانية لسكان القطاع. إذ قام وزير الخارجية الأمريكية بجولة مكوكية في الشرق الأوسط بدأت الخميس 12 أكتوبر من تل أبيب وستنتهي إليها، ومنها إلى الأردن حيث التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فالسعودية ومصر. خلال هذه الزيارات حاول بلينكن تحقيق أهداف وإيصال رسائل حسب كل مستضيف، فبين تعاطفه ودعمه الشديد للرد الإسرائيلي العنيف، كما بدا منصتًا للمطالبات العربية بوقف إطلاق النار ومرور المساعدات الإنسانية، لتوظيف الأمور بما يصب في إتمام أهداف زيارته، التي حُددت في: التأكيد على أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل، وتسعى لمنع انتشار الصراع إلى مناطق أخرى، والعمل على تأمين إطلاق سراح الرهائن، ومن بينهم الأمريكيين، وأخيرًا معالجة الأزمة الإنسانية الموجودة في غزة[6].

المحور الثالث: ردع الأطراف “المعادية لإسرائيل” أو تحييدها: وذلك عبر إطلاق مجموعة من التصريحات من الخارجية والبنتاجون حذرت فيها واشنطن أطراف بعينها من التدخل وعلى رأسهم “حزب الله”، وفي هذا السياق تواصلت مع الدول التي لها تأثير على الجماعات والدول المعادية لإسرائيل، مثل قطر، لحثِّهم على عدم التدخُّل وشنِّ هجمات معادية على إسرائيل[7]. كما حركت الولايات المتحدة حاملة الطائرات “جيرلاد فورد” تجاه شرق المتوسط في محاولة لردع الأطراف الإقليمية عن التدخل.[8]

المحور الرابع: الدعم العسكري اللامحدود[9]: إذ وصلت أولى الطائرات الأمريكية المحملة بالأسلحة والعتاد إلى إسرائيل في العاشر من أكتوبر على أن تتبعها شحنات أخرى، فضلًا عن مجموعات من القوات والخبراء الأمريكيين المُختصين في تحرير الرهائن، لتقديم المشورة والدعم[10].

الملاحظ في تصريحات وتحركات الولايات المتحدة هذه المرة أنها افتقرت بشكلٍ ملحوظ إلى الدعوات المعتادة للرد المتناسب، أو ممارسة ضبط النفس، حتى أن وزير الخارجية قد وضع تغريدة دعا فيها لوقف إطلاق النار ثمّ حذفها! وربما يُرد ذلك إلى وجود جمهور محلي مؤيد لإسرائيل أصابته صدمة مما حدث، فضلا عن اندلاع الأحداث في خضم انتقادات جمهورية لبايدن الديمقراطي، المتطلع لفترة رئاسية ثانية، تفيد بضعف دعمه لإسرائيل، ومن ثمّ تهيأت كافة الظروف لموقف أمريكي مُتشدد[11].

الولايات المتحدة -من تصريحاتها ومواقفها- تبدو هذه المرة أنها مصرة على سماع وترديد رواية واحدة؛ رواية إسرائيل، بما يؤكد أن الولايات المتحدة تستقي كل معلوماتها من إسرائيل، ثمّ تعيد نشرها، والعمل وفقًا لها!

  • فرنسا وبريطانيا وألمانيا: العمل معًا لأجل إسرائيل

لم يكن الموقف الفرنسي والبريطاني والألماني منفصلًا عن الموقف الأمريكي، وإنما سار على النهج ذاته في دعم إسرائيل، وترديد رواياتها، بل واستخدام عبارات الإدانة والتأييد ذاتها، فهذه فرنسا التي علق رئيسها يوم 8 أكتوبر قائلًا: “إنني أدين بشدة الهجمات الإرهابية التي تضرب إسرائيل حاليًا، وأعرب عن تضامني الكامل مع الضحايا، وعائلاتهم، والمقربين منهم”.

كما انتقد ماكرون التصريحات العلنية الإيرانية بشأن هجوم حماس ضد إسرائيل، ملمحًا إلى أن طهران دعمت الإرهابيين، ولكن “ليس لديه أدلة على تورط مباشر لإيران”، وأكمل أنه “من الواضح أن التصريحات العلنية التي أدلت بها السلطات الإيرانية غير مقبولة ولا تتوافق لا مع قيمنا ولا مع مصالحنا، ومن المحتمل أن تكون هناك مساعدات مقدمة لحماس”[12].

أما ألمانيا، فقد جاء في بيان المستشار الألماني أنه: “يُدين هجمات حماس على إسرائيل بأشد العبارات الممكنة، وأن هذه الأعمال همجية ولا يمكن تبريرها بأي شكل”، مشددًا على أن “إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها ضد هذه الهجمات الهمجية، وحماية مواطنيها، وملاحقة المهاجمين”، مشيرًا إلى أنه “في هذه الأوقات الصعبة، أفكاري مع شعب إسرائيل”، كما صرح مخاطبًا إياهم: “ألمانيا تقف إلى جانبكم .”

واختتم البيان بأن: “أمن اسرائيل كان -وما زال- من ركائز السياسة الخارجية لدولة ألمانيا، ويظل ذلك صحيحًا حتى في الأوقات العصيبة مثل هذه، وأن ألمانيا ستتصرف وفقًا لذلك”.

فضلًا عن ذلك، أعلنت ألمانيا 8 أكتوبر أنها “علّقت مؤقتًا مساعداتها التنموية للأراضي الفلسطينية، في إطار مراجعة شاملة لمساعداتها المالية”، وتبلغ هذه المساعدات 125 مليون يورو[13].

أما بريطانيا، فسعى رئيس وزرائها إلى التأكيد على التزام حكومة بلاده بوعدٍ أعطته لإسرائيل منذ ما يزيد عن قرن وبضع سنين، وعد بلفور، وبعد تصريحات إدانة لما قامت به حماس، ودعم لإسرائيل، استجمع سوناك كل معارفه وعواطفه لإلقاء خطبة أمام حشد من الجالية اليهودية، معلنًا انحيازه المطلق لإسرائيل، وقبله للوعد السابق، قال فيها: “آتي إليكم اليوم للتضامن معكم … حماس ليسوا مسلحين، وليسوا محاربين من أجل الحرية، هم إرهابيون. وإزاء هذه الأحداث لا يوجد طرفان، ولا يوجد حياد (BALANCE) أنا أقف مع إسرائيل، وواجبي الأول هو أن أقدم الحماية لكم، لن نتحمل معاداة السامية”.

ثمّ قال مادحًا إسرائيل: “هذه الأرض الاستثنائية والديمقراطية (التي يمكن أن أقول إنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط)، التي يمكن فيها للأشخاص أن يكونوا شواذًا GAY[14]. هذه البلد التكنولوجية العظمى قدمت الطب والعلوم للعالم، الأرض الموعودة للشعب اليهودي، بكلمات هرتزل”، واختتم قائلًا: “نقف مع إسرائيل ليس اليوم ولا الغد، بل سنقف على الدوام، وسنقف مع الجالية البريطانية اليهودية ليس فقط اليوم ولا الغد، ولكن على الدوام”؛ قال كل ذلك مرتديًا القبعة اليهودية![15].

هذا كما سارعت المملكة المتحدة بإرسال وزير خارجيتها لإسرائيل، ليكون أول وزير خارجية يزو تل أبيب، ويسمع دوي صافرات الإنذار (11 أكتوبر)، ليدفع ماكرون بوزيرة خارجيته إلى زيارة مماثلة إلى الشرق الأوسط على غرار ما قامت به الولايات المتحدة (15 أكتوبر)، كما سيقوم المستشار الألماني بزيارة إسرائيل يوم الثلاثاء (17 أكتوبر).

لم تكتف الدول هذه بالدعم الدبلوماسي والسياسي لإسرائيل، بل سعت إلى تطمين اليهود داخلها، فكما جاء في إشارة سوناك، قررت ألمانيا تعزيز الأمن حول المعابد، والمدارس، والمعالم الأثرية اليهودية، وذلك بعد خروج بعض أنصار الفلسطينيين إلى شوارع العاصمة برلين للاحتفال بطوفان الأقصى. كما سعت حكومات هذه الدول إلى تفريق هذه التظاهرات وحظرها، باعتبارها خارجة عن سياق الأحداث، ومواقفها الداعمة لإسرائيل.

بالإضافة إلى ذلك، قدمت هذه الدول العديد من إشارات التضامن الرمزية مع إسرائيل، فأُضيئت بوابة براندنبورغ (ألمانيا) بألوان علم إسرائيل مساء 7 أكتوبر[16]، وكذلك برج إيفيل في باريس.

سعت إيطاليا -كعادتها- إلى اللحاق بالركب في إظهار الانحياز لإسرائيل، فقال نائب رئيس الوزراء – وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني: “يجب إدانة عدوان حماس على الأراضي الإسرائيلية بأشد العبارات، ونحن نعترف بحق إسرائيل الكامل في الدفاع عن نفسها، وخاصةً في مواجهة هذا العدوان”. كما أشار إلى أنه من المرجح أن يكون رد الفعل الإسرائيلي قاسيًا جدًا، مع مزيد من إراقة الدماء من الجانبين، وأن بلاده تعمل مع حلفائها في سبيل تهدئة النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، إذ صرح بأنه تحدث مع كل من وزير الخارجية الإسرائيلي، ووزير الخارجية المصري، ووزير الخارجية الأردني لأجل إجراء حوار يؤدي إلى خفض التوتر[17].

إضافةً إلى ذلك، حذرت الخارجية الإيطالية من آثار تدخل حزب الله في الحرب على استقرار لبنان والمنطقة، كما انتقدت الموقف الإيراني من العملية، وأكدت على أن إيطاليا دائمًا ما تؤيد سياسة «شعبين ودولتين». ومع ذلك دعت إلى ضرورة السماح بالممرات الإنسانية في قطاع غزة، ولكنها في النهاية أكدت على أنه “في هذه اللحظة، لا يسعنا إلا أن نقف إلى جانب الإسرائيليين الذين تعرضوا للضرب بطريقة فظيعة”[18].

بدت التصريحات الإيطالية وكأنها متصالحة مع القتل الجماعي الذي قامت وتقوم به إسرائيل، بحجة الدفاع عن نفسها ضد ما وصفته بالعدوان. وبدت أيضًا متسقة مع النهج الذي سارت فيه كلٍ من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، أي أنه يمكن القول إن البيان الخماسي المشترك، الذي أصدرته هذه الدول، كان نابعًا من رغبة قادتها في إظهار دعمهم الثابت لإسرائيل.

  • الاصطفاف خلف القادة: التشيك والنمسا والسويد وأوكرانيا:

إذا كانت الدول السابقة يمكن أن نطلق عليها “الدول المُنحازة” لدعم إسرائيل، فهذه المجموعة من الدول يصدق تسميتها “بالدول المُنقادة” إلى ذلك؛ لغرض إظهار الوحدة الأوروبية والغربية، وتجنب التغريد خارج السرب، وفي هذا الصدد نستعرض مواقف: التشيك والنمسا والسويد وأوكرانيا.

أكدت التشيك على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد هجمات حماس، ووصفت ما قامت به على أنه “عمل عدواني سيُثير حتمًا رد فعل قاسيًا ومبررًا من جانب إسرائيل”. كما أبلغ وزير الخارجية يان ليبافسكي في اتصال مع نظيره الإسرائيلي “أن جمهورية التشيك تقف بالكامل خلف إسرائيل، وحقها في الدفاع عن النفس”.

ودعا عضو البرلمان الأوروبي جان زهراديل، عضو الحزب الحاكم، إلى “خفض الدعم الأوروبي للفلسطينيين، وأنه سيدعو إلى ذلك في البرلمان الأوروبي”، إذ صرح أنه “من غير المقبول على الإطلاق نشر الكراهية تجاه إسرائيل بأموالٍ أوروبية”[19]. وقد أكد مسؤولو الحكومة على أن “جمهورية التشيك شريك طويل الأمد لإسرائيل، وتتمتع بعلاقاتٍ جيدة جدًا مع الدولة اليهودية”.[20]

أما النمسا، فقد أعلنت على لسان وزير خارجيتها، ألكسندر شالينبرج، إن “حجم الإرهاب مروع للغاية، لدرجة أننا لا نستطيع العودة إلى العمل كالمعتاد”. كما أوضحت وزارة الخارجية “أن النمسا ترفض بشكلٍ قاطع أي تشكيك في حق إسرائيل في الوجود، وستعمل باستمرار ضد أي شكل من أشكال معاداة السامية في المستقبل”.

كما استدعت وزارة الخارجية في فيينا السفير الإيراني؛ لإعلامه بإدانة النمسا بشدة رد الفعل الإيراني الرسمي على ما قامت به “حماس الإرهابية”. وصرحت الوزارة بأن البيان الذي احتفى بالهجوم باعتباره عملاً بطوليًا، ووصف إسرائيل بأنها نظام فصل عنصري إجرامي كان مزعجًا للغاية ويجب رفضه.

وقد أدان البرلمان النمساوي ما وصفه “الإرهاب الذي تمارسه حماس ضد إسرائيل”، ودعا إلى إطلاق سراح جميع الرهائن دون شرط، وأعرب عن تضامنه الكامل مع إسرائيل وتعاطفه العميق مع الضحايا وأسرهم[21].

فضلًا عن ذلك، علقت النمسا مساعدات يبلغ مجموعها حوالي 19 مليون يورو لعددٍ من المشاريع في فلسطين، كما رُفع العلم الإسرائيلي فوق مكتب المستشارة ووزارة الخارجية كرمز للتضامن[22].

أما السويد، فقال رئيس الوزراء أولف كريسترسون: “إن الحكومة السويدية تدين بأشد العبارات الممكنة الهجمات التي تشنها حركة “حماس الإرهابية” على إسرائيل، وتستنكر الخسائر في الأرواح، وتقف إلى جانب حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.

وأضاف وزير الخارجية السويدي توبياس بيلستروم أن: “لدى إسرائيل حق واضح في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب وإطلاق الصواريخ العشوائي، ومن المهم بالطبع أن يتم الرد المشروع من جانب إسرائيل وفقًا لمبادئ القانون الدولي”، “ومن المهم أيضًا بذل جهود مشتركة من قبل الجهات الفاعلة الإقليمية والأمم المتحدة، لتجنب دوامة العنف والحرب واسعة النطاق والآثار غير المباشرة في المنطقة”، مضيفًا: “يجب إدانة الإرهاب، ومكافحته بقواتٍ مشتركة”[23].

في حين تبلور موقف أوكرانيا في إدانة الرئيس فولوديمير زيلينسكي ما وصفه “الهجوم الإرهابي”، وقال: “إن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها لا شك فيه”. كما أعلنت وزارة الخارجية: “إن أوكرانيا تدين بشدة الهجمات الإرهابية المستمرة ضد إسرائيل، وتعرب عن دعمها لإسرائيل في حقها في الدفاع عن نفسها وشعبها”[24].

حاولت دول الاصطفاف خلف القادة أن تضيف جمل مفيدة إلى مجمل مواقف دول قادة أوروبا والولايات المتحدة، فجمدت الجزء اليسير الذي تقدمه من مساعدات للفلسطينيين، كما فعلت النمسا والتشيك، ودعوا إلى مراجعة تمويل الاتحاد لفلسطين، أو دعوا إلى تشكيل قوات مشتركة لمكافحة الإرهاب، وهي دعوة حتى لم ترد أصلًا في تصريحات الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الأكبر!

بشكلٍ عام، إن سبب نعت مواقف هذه الدول بالمبالغة يُعزى إلى إمعانها في غض الطرف بالأساس عن الجانب الفلسطيني (لاسيما البعد الإنساني)، وأخذه بجريرة حماس، إن صح التعبير وفق وجهة النظر الغربية، إذ لم تميز معظم الدول في هذه المجموعة بين قطاع غزة، الذي تحكمه حماس، والضفة الغربية التي تديرها السلطة الفلسطينية بقيادة حركة فتح.

ثانيًا: مجموعة الحق في الدفاع الإسرائيلي، مع الدعوة لعدم التصعيد

ما يجعل هؤلاء اللاعبين في مجموعةٍ واحدة، وفي مرتبة دون الأولى في دعم إسرائيل وإدانة حماس ليس فقط انخفاض حدة لهجتها، ولكن أيضًا دعوتها بشكلٍ من الأشكال إلى خفض التصعيد، والحديث بطريقة أكثر جدية قليلًا عن مراعاة القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني في التعامل مع المدنيين، فضلًا عن أنها لم تمارس نفس الدبلوماسية النشطة في التعاطي مع الأحداث، أو انتقالها إلى مستوى التعامل مع الأطراف الثالثة المعنية. وفيما يلي نماذج لهذه الدول:

تأتي هولندا، ضمن الدول التي أعلنت تعاطفها مع إسرائيل، ولكنها دعت في نفس الوقت إلى وقف إطلاق النار، إذ اقتبس رئيس وزراءها مارك روته عنوانًا لإحدى الصحف ليكون معبرًا عن موقف بلاده، جاء فيه: “مذبحة حماس تغرق إسرائيل في الحرب”. ومن هنا، أوضح أن هولندا تؤيد بشكلٍ كامل حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، مؤكدًا إدانته للعنف، ودعوته لوقفه فورًا، ومطالبًا بالإفراج الفوري عن الرهائن[25].

كما أكد أن أجهزة الدولة يقظة في حماية الممتلكات اليهودية، وأنهم على اتصال وثيق مع الجالية اليهودية.[26]

أما البرتغال، فقد أدانت بشدة ما وصفته بـ “الهجمات الإرهابية التي هزت إسرائيل، وخلفت معها مئات من القتلى، و”اختطاف” آخرين ونقلهم إلى فلسطين”. وقد استنكر الرئيس مارسيلو ريبيلو دي سوزا ورئيس الوزراء أنطونيو كوستا الهجمات ضد المدنيين، ووصفاها “بغير مقبولة”، مضيفان: “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها”.

كما غرد وزير الخارجية البرتغالية جواو جوميز كرافينيو على تويتر معربًا عن “إدانة بلاده الصارمة” لهجمات حماس، مؤكدًا أنها “لن تحل شيئا”[27].

أما الدنمارك، فقالت رئيسة وزرائها ميتي فريدريكسن إنها: “تدين بشدة الهجمات واسعة النطاق ضد إسرائيل، وترفض الإرهاب بجميع أشكاله”. وأضاف وزير الخارجية الدنماركي لارس لوك راسموسن: “علينا أن نقف بحزم معًا ضد الإرهاب”.

أما النرويج، فغرد رئيس الوزراء النرويجي جوناس جار ستور قائلاً: “النرويج تدين بشدة الهجمات على المدنيين الإسرائيليين، وتدعو إلى الوقف الفوري للهجمات، وهذا وضع غير مسبوق وخطير للغاية، ولإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ضد أي هجوم عسكري، ولكن من المهم ألا يتصاعد العنف”.

أما فنلندا، فقال رئيس وزراء فنلندا بيتري أوربو: “إنني أدين بشدة الهجمات الإرهابية التي تشنها حماس ضد إسرائيل، ولإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها وعن مواطنيها بما يتماشى مع القانون الدولي”[28].

ثالثًا: العصا من المنتصف: التأكيد على الجوانب الإنسانية للحرب

ليس المقصود بالعصا من المنتصف في هذا السياق، القول إن مواقف هذه الدول كانت مُحايدة، ولكنها عمدت إلى مساحة أخرى غير تلك التي ظلت فيها الدول المبالغة في الانحياز إلى إسرائيل، والدول التي ساندت حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وفقًا للقانون الدولي، ودعت إلى عدم التصعيد. تجسدت هذه المساحة في محاولتها التأكيد على الاهتمام بالجوانب الإنسانية للحرب، وإن كان تأثيرها أقل كثيرًا من دول الفئتين السابقتين. ومن نماذج هذه الدول:

تُعد إسبانيا نموذجًا واضحًا على مواقف دول هذه المجموعة، فرغم وصف القائم بأعمال وزير الخارجية الإسباني يوم الاثنين 9 أكتوبر الهجوم الذي شنَّته حركة حماس على إسرائيل بأنه “إرهاب”[29]، قال إن مدريد تعارض التعليق المقترح للمساعدات، مشيرًا إلى أن الأراضي الفلسطينية من المرجح أن تحتاج إلى مزيد من المساعدات بعد هجوم حماس والقصف الإسرائيلي اللاحق لقطاع غزة، وقال: “هذا التعاون ]مع السلطة الفلسطينية[ يجب أن يستمر، ولا يمكننا الخلط بين حماس -المدرجة على قائمة الجماعات الإرهابية في الاتحاد الأوروبي- والسكان الفلسطينيين”.

كما كانت أندورا إحدى الدول التي نشر رئيس حكومتها كزافييه إسبوت على شبكات التواصل الاجتماعي رسائل أدان فيها ما وصفه “الهجمات الإرهابية التي ارتُكبت في أماكن مختلفة في إسرائيل”، ولكنه ناشد في الوقت نفسه: “وقف تصعيد العنف، واحترام القانون الإنساني الدولي، وبذل كل الجهود الدبلوماسية لحماية السكان المدنيِّين في كلٍّ من إسرائيل وفلسطين”[30].

بلجيكا كذلك، أدانت على لسان وزيرة الخارجية بشدة الهجمات الصاروخية واسعة النطاق ضد المدنيين الإسرائيليين[31]، كما دعت إلى إطلاق سراحهم فوراً ودون شرط[32]. وعلى المنوال ذاته سارت حكومة لوكسمبورج التي قال رئيس وزرائها زافييه بيتل: “أشعر بالصدمة والفزع من الهجمات التي شُنَّتْ على إسرائيل. إنني أدين بشدة هذا الهجوم الذي قامت به حماس، وأقف متضامنًا مع الشعب الإسرائيلي”[33].

أما أيرلندا، فقال رئيس الوزراء ليو فارادكار: “إن الصواريخ التي أطلقتها حماس والخسائر في الأرواح كانت مروعة”، داعيًا إلى “توقف القتال على الفور”، وصرَّح وزير الخارجية تانيست ميشيل مارتن إنه يخشى على المواطنين في غزة، وأنه “من المهم أن يأتي صوت الاعتدال إلى الواجهة”، مؤكدًا على أن موقف أيرلندا الداعم لحل الدولتين لم يتغير حتى بعد الهجوم الذي شنَّته حماس. ولكنه ردًّا على سؤال عما إذا كان رد إسرائيل على هجوم حماس متناسبًا، قال إن هناك حاجة إلى مزيدٍ من المعلومات[34].

أما حكومة أيسلندا فأشارت إلى أنها “تدين بشدة هجمات حماس على إسرائيل”، وقالت: “إنه يجب أن تتوقف هذه الهجمات، ويجب كسر دائرة العنف.. الناس يستحقون السلام والأمن”.

وأخيرًا، أدانت سويسرا الأعمال الإرهابية، وإطلاق الصواريخ من جانب حماس ضد إسرائيل، ودعت إلى إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة فورًا، ودعت جميع الأطراف إلى حماية السكان المدنيِّين واحترام التزامات القانون الإنساني الدولي، وشدَّدت على أن وقف التصعيد هو الأولوية[35].

بالإضافة إلى ذلك، لم تعلن سويسرا حماس منظمة إرهابية، وليس لديها قائمة بالمنظمات الإرهابية خاصة بها. كما لم تعلن وقفها أو تجميدها للمساعدات التي تقدِّمها سنويًّا لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيِّين في الشرق الأدنى (الأونروا)، إذ تساهم بنحو 20 مليون فرنك سويسري[36].

لكن على جانب آخر، أشار وزير الخارجية السويسري إينياتسيو كاسيس إلى أن وضع سويسرا القانوني لا يسمح لها حاليًّا بإدراج منظمات على قائمة الإرهاب، إلا أنه أضاف أن هذا لا يعني أننا لا نستطيع التحرك ضد الإرهابيين، في إشارة إلى الإجراءات المتخذة ضد تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية المحظورين بموجب القانون[37].

أما عن موقف الفاتيكان، فقد قال البابا فرانسيس في 8 أكتوبر: “من فضلكم أوقفوا الهجمات والأسلحة، وافهموا أن الإرهاب والحرب لا يؤديان إلى أي حل، بل يؤدِّيان فقط إلى موت ومعاناة للأبرياء”. وأعرب عن تعاطفه مع عائلات الضحايا، وقال إنه يُصلي من أجلهم. ودعا البابا الجميع للصلاة من أجل السلام في إسرائيل وفلسطين.

ما جعل هذه المجموعة تكون في مرتبة أقل من سابقتها، هو أنه رغم تعاطفها مع إسرائيل، فإنها تجنَّبت نعْت حماس بالإرهابية، حتى وإن وصفت هجومها بأنه كذلك، كما أنه بدا من تصريحاتها أنها أصدق نية في الدعوة إلى وقف إطلاق النار، ومراعاة القانون الدولي، كذلك بدت التصريحات أكثر تعاطفًا مع غزة، ملمحةً إلى استخدام إسرائيل العنف المفرط في الرد.

وتجدر الإشارة إلى أن عددًا من الدول الأوروبية تعرَّضت إلى “إرهاب إعلامي”، ضَغَطَ عليها لتجعل نبرتها أكثر حدَّة في الإدانة، إذ تذكر مصادر أمريكية وإسرائيلية أن مجموعة من الدول من بينها: الدنمارك، وأيرلندا، ولوكسمبرج، قد اعترضت على وصف حماس بالمنظمة الإرهابية في بيان الاتحاد الأوروبي[38]. ورغم نفي أيرلندا[39] ولوكسمبرج[40] لحدوث ذلك، فإن التداول الإعلامي لمثل هذه الأخبار يُعتبر بمثابة ترهيب لإثناء أي دولة عن اتخاذ موقف متردِّد في دعم إسرائيل وإدانة ما قامت به حماس.

رابعًا: الاتحاد الأوربي بين المطرقة والسندان:

إذن مجمل ما سبق يشير إلى أن أوروبا لم تتفق على لهجة واحدة لإدانة حماس، ودعم إسرائيل، وإن اتفقت على ذلك من حيث المضمون. ولذا جاء الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي ليعكس هذا التباين في اللهجة. ففي حين أشار ممثل السياسية الخارجية والدفاعية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى إدانة القادة الأوروبيين هجوم حماس المفاجئ على إسرائيل في وقتٍ مبكر من يوم السبت 7 أكتوبر، وإعلانهم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ولكنه في نفس الوقت أعطى “الأولوية إلى وقف العنف على الفور، ووقف التصعيد، وإطلاق سراح جميع الرهائن بالتعاون مع جامعة الدول العربية، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والأردن، وطرح مبادرة مشتركة للمساعدة في إحياء حل الدولتين”.[41]

على الجانب الآخر، أكدت مفوضية الاتحاد الأوروبي، في بيانات لها أن “إرهابيي حماس قتلوا وأسروا الأطفال، والنساء، والشباب العزل”، وقالت: “إن تعرض هؤلاء الأبرياء لذلك كان لسببٍ واحد، هو كونهم يهودًا، ويعيشون في إسرائيل، وإن أوروبا تقف إلى جانب إسرائيل في مواجهة الإرهاب، ونحن نؤيد بشكلٍ كامل حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.

كما دعت إلى ضرورة مراجعة مساعدات الاتحاد المُقدمة لفلسطين، مؤكدة على ألا يذهب تمويل الاتحاد الأوروبي أبدًا إلى حماس أو أي كيان إرهابي، وإلى ضرورة مراقبة موقف إيران، نظرًا لدعمها طويل الأمد لحماس.

وأخيرًا، أصدر الاتحاد بيانًا مشتركًا بعد اجتماع طارئ لوزراء خارجية دوله في سلطنة عمان بشأن الأحداث التي تقع في إسرائيل[42]، واتفقت الدول -وفقًا لممثل السياسة الخارجية- على إدانة الهجوم الإرهابي، وإدانة أي هجوم ضد المدنيين، ودعت إلى إطلاق سراح الرهائن، وحماية المدنيين، واحترام القانون الإنساني الدولي، وهذا يعني ضرورة عدم منع وصول المياه، أو الغذاء، أو الكهرباء إلى السكان المدنيين في غزة، وفتح الممرات الإنسانية؛ لتسهيل مغادرة الأشخاص من القصف من غزة “عبر مصر”. وقد كان التأكيد أن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها يلزم أن يكون وفقًا للقانون الدولي الإنساني.

كما أوضح ممثل السياسة الخارجية الأوروبية أن المفوضية دعت إلى مراجعة للمساعدات، لكنها لن تتوقف في هذا الوقت. وأشار إلى أن الاتحاد يُميز بين حماس والشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية، إذ يعتبر حماس منظمة إرهابية، لكن السلطة الفلسطينية شيء آخر[43].

وجد الاتحاد الأوروبي نفسه مُحاطًا بمجموعة من المواقف المتباينة والمتدرجة في التعاطي مع الموقف وفهمه، فحتى وإن ظهر تعاطف غالبية الدول مع إسرائيل، وإدانة حماس (القاسم المشترك في المواقف الأوروبية)، فإنها لم تتفق على موقف إزاء المدنيين في غزة. ورغم وجود أصوات عالية داخل الاتحاد طالبت بمزيدٍ من القسوة في التعامل مع المدنيين في فلسطين، وهو ما عُبر عنه في البيان المشترك باستثنائيين أو ثلاثة، فإن الموقف الرسمي حاول التمسك بموقف مرضٍ لكافة أطرافه.

وختامًا، بعد رصد مواقف وردود فعل ما يزيد عن 20 دولة فضلا عن الاتحاد الأوربي، غالبيتها تُحسب على الكتلة الغربية، ومحاولة تصنيفها إلى مجموعات، يمكن القول إن الغرب يقف مع إسرائيل ويدعمها بشكلٍ واضح، ولكن مع وجود عدد من الدول تحاول الموازنة بين التصريح بدعمها لإسرائيل، وبين شيء من مبادئ سياستها الخارجية (الأخلاقية المزعومة). ومن هنا، يمكن التأكيد مرةً أخرى على أن كلمات مثل: القانون الدولي الإنساني، وحماية المدنيين، ووقف إطلاق النار…إلخ، تفقد معناها حينما يكون الأمر متصلًا بقوى كبرى، لها مصالح مع استمرار أو بقاء وضع ما، وتبقى تصريحات القوى والدول الأقل تأثيرًا محصورة بين النداءات والإدانات، مع الإعراب عن القليل أو الكثير من الأسف والتعاطف والقلق!

وأخيرًا، قد يختلف البعض مع وضع دولة ممن سبق عرض مواقفها في مجموعة دون غيرها، بإضافة عامل أو حذف آخر، لكن هذه محاولة أولية للتأكيد أن الغرب ليس دائمًا واحدًا، حتى وإن بدا كذلك، وأن لغة الدبلوماسية ولهجتها لا بدَّ أن تكون لها دلالتها الخاصة التي تختلف عن غيرها من اللغات!

الهوامش

[1] عملية عسكرية شنتها حركة حماس صوب إسرائيل ومستوطناتها في منطقة غلاف غزة، برًّا وبحرًا وجوًّا، إذ دخل ما يقرب من 1200 مقاتل من حماس إلى هذه منطقة، كما أطلقت المقاومة ما يقرب من 2000 صاروخ، ضمن عملية تستهدف إطلاق 5000 صاروخ، وصل بعضها إلى تل أبيب نفسها، وهو ما يعني اختراق القبة الحديدة.

[2] تعود أهمية هذه المنطقة إلى كونها تمثل فاصلًا وحاجزًا جغرافيًّا وديمغرافيًّا بين قطاع غزة والضفة الغربية، ومن ثمَّ يحول دون قيام دولة فلسطينية على هذه المساحة. وفي هذه المنطقة بَنَتْ إسرائيل 50 مستوطنة على مسافة 40 كم بين القطاع والضفة. ويدير المستوطنات ثلاثة مجالس بلدية إقليمية تتبع تل أبيب هي: أشكول، وأشكلون، وشاعر هنجيغف، ويسكنها ما يقرب من 50 ألف مستوطنًا.

للمزيد:

– يسكنه 50 ألف مستوطن.. تعرف على المنطقة المحاذية لقطاع غزة والتي تسمى “غلاف غزة”، قناة الجزيرة على اليوتيوب، 11 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 13 أكتوبر 2023، الساعة 12:46، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.ly/FwmVFbwR

[3] Statement from President Joe Biden Condemning Terrorist Attacks in Israel, Whitehouse, 7 October 2023, Accessed: 9 October 2023, 10:00, available at: https://cutt.ly/TwmVGk2t

[4] Joint Statement on Israel 9 October 2023, Whitehouse, Accessed: 10 October 2023, 11:00, available at: https://cutt.ly/MwmVGOsM

[5] انقسام حيال القضية الفلسطينية في مجلس الأمن أمام تحرك أمريكي لإدانة هجوم حماس على إسرائيل، يورونيوز، 9 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 11 أكتوبر 2023، الساعة 7:25، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.ly/1wmVHq5v

[6] Secretary Antony J. Blinken Remarks to the Press, The Secretary of State, 15 October 2023, Accessed: 16 October 2023, 2:32, available at: https://bit.ly/3ZVGIiK.

[7] طوفان الأقصى” 900 قتيل و2500 جريح إسرائيلي.. قصف غير مسبوق يشعل ليل غزة وحماس تهدد بإعدام الرهائن، يورونيوز، 9 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 10 أكتوبر 2023، الساعة 7:30، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.ly/CwmVH4G4

[8] A Second October War in Israel-Palestine, International Crisis Group, 9 October 2023, Accessed: 10 October 2023, 9:00, available at: https://cutt.ly/qwmVJY89

[9] Readout of President Biden’s Call with Prime Minister Netanyahu of Israel, Whitehouse, 8 October 2023, Accessed: 10 October 2023, 11:30, available at: https://cutt.ly/5wmVJ5yY

[10] مراسلتنا: طائرة أمريكية محملة بالأسلحة والعتاد إلى إسرائيل تهبط في قاعدة نفاتيم، روسيا اليوم، 10 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 12 أكتوبر 2023، الساعة 12:09، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.ly/9wmVKcKQ.

[11] للمزيد، راجع:

– A Second October War in Israel-Palestine, Op. cit.

– عملية حماس ضدّ إسرائيل ورقة ضغط جديدة في الحملة الانتخابية الأميركية، يورونيوز، 8 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 10 أكتوبر 2023، الساعة 7:30، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.ly/7wmVZWDd

[12] Macron hints at Iran’s involvement in Hamas attacks, Politico, 10 October 2023, Accessed: 10 October 2023, 12:15, available at: https://cutt.ly/fwmVV7SC

[13] طوفان الأقصى” 900 قتيل و2500 جريح إسرائيلي.. قصف غير مسبوق يشعل ليل غزة وحماس تهدد بإعدام الرهائن، مرجع سابق.

[14] إشارة غريبة قد يُعلل وضعها هنا أن سوناك أراد تصحيح خطأً وقع فيه في إحدى خطبه السابقة بشأن نظرته للنوع، قال فيه قبل أقل من أسبوع واحد على هذه الكلمة، قال فيها: إن الرجل رجل.. والمرأة مرأة، وانتقدت جهات عدة هذا التصريح.

– “الرجل رجل والمرأة مرأة”.. رئيس وزراء بريطانيا يثير جدل الهوية الجنسية، قناة بي بي سي نيوز عربي، اليوتيوب، 5 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 13 أكتوبر 2023، الساعة 9:29، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3QfCG1D

[15] Rishi Sunak: ‘There are not two sides – Hamas are terrorists’, Sky News Channel on YouTube, 9 October 2023, Accessed: 10 October 2023, 12:34, available at: https://bit.ly/46tW5kY

[16] ألمانيا تشدد الإجراءات الأمنية في أماكن تجمع اليهود بعد التصعيد بين حماس وإسرائيل، فرانس 24، 8 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 10 أكتوبر 2023، الساعة 7:45، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.ly/WwmVB9s7

[17] إيطاليا: نعمل لتهدئة النزاع بين إسرائيل وفلسطين، روسيا اليوم، 8 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 10 أكتوبر 2023، الساعة 9:00، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/46sxCN4

[18] التجاني: “يجب منع التصعيد الذي لا يمكن تقدير آثاره. هناك حاجة للوساطة العربية”، وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإيطالية، 9 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: الساعة 3:23، 10 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3rY0dL3. (باللغة الإيطالية)

[19] رصد الاتحاد الأوروبي لفلسطين تمويل يُقدر أن يصل إلى 1.177 مليار يورو كدعم مالي خلال الفترة من 2021 إلى 2024.

[20] Czechia supports Israel’s right to self-defence, call to cut EU funding for Palestine, euractiv, 9 October 2023, Accessed: 10 October 2023, 11:45, available at: https://cutt.ly/swmVXjbd

[21] Austria Reacts to Hamas Attack: Solidarity with Israel and Concern about Iran, Vindobona, 9 October 2023, Accessed: 10 October 2023, 11:55, available at: https://cutt.ly/PwmVXHhn

[22]Austria suspends aid to Palestinians, Germany reviews support, Reuters, 9 October 2023, Accessed: 10 October 2023, 11:12, available at: https://cutt.ly/fwmVCHR0

[23] Statement by Minister for Foreign Affairs Tobias Billström, Government Offices of Sweden, 9 October 2023, Accessed: 9 October 2023, 11:30, available at: https://bit.ly/46IUdoV

[24] World reaction to surprise attack by Palestinian Hamas on Israel, Op. cit.

[25] Conflict Israel and the Palestinian Territories: updates from the Ministry of Foreign Affairs, Government of Netherlands, 8 October 2023, Accessed: 10 October 2023, 11:52, available at: https://bit.ly/46OVPwG

[26] Netherlands increases security around Jewish institutions, NLTIMES, 8 October 2023, Accessed: 10 October 2023, 11:58, available at: https://bit.ly/3ZTnlXE

[27] Israel bloodshed: Portugal condemns “unacceptable attacks” by Hamas, PORTUGALresident, 8 October 2023, Accessed: 10 October 2023, 4:50, available at: https://bit.ly/3PSD1WA

[28] Kanlayakorn Pengrattana, Nordic countries strongly condemn Saturday’s Hamas attack on Israel, ScandAsia, 8 October 2023, Accessed: 10 October 2023, 11:59, available at: https://bit.ly/3QchglX.

[29] Spain’s Acting Foreign Minister: Hamas action against Israel qualifies as terrorism, Devdiscourse, 9 October 2023, Accessed: 10 October 2023, 4:26, available at: https://cutt.us/1s3R9

[30] رئيس الحوكمة يدين الهجمات على إسرائيل، يوميات أندورا (Diarid’Andorra)، 8 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 11 أكتوبر 2023، الساعة 10:00، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3Qeobeh (اللغة الكتالونية)

[31] World reaction to surprise attack by Palestinian Hamas on Israel, Op. cit.

[32] Hadja Lahbib, twitter (X), 10 October 2023, Accessed: 10 October 2023, 6:50, available at: https://bit.ly/46ny530

[33] Xavier Bettel, twitter (X), 7 October 2023, Accessed: 11 October 2023, 8:50, available at: https://cutt.us/Yiqbo

[34] Irish leaders condemn Hamas attack on Israel and call for peace process, irishexaminer, 8 October 2023, Accessed: 10 October 2023, 11:59, available at: https://bit.ly/3LYpdbP

[35] Statement Israel / OPT, Federal Department of Foreign Affairs FDFA, 7 October 2023, Accessed: 10 October 2023, 2:26, available at: https://bit.ly/3ZVcMDn

[36] الحرب الإسرائيلية الفلسطينية تحيي الجدل حول حماس في سويسرا المحايدة، رؤى سويسرية (swissinfo.ch)، 10 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 10 أكتوبر 2023، الساعة 2:36، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/46OAsvo.

[37] انظر:

– سويسرا تعلن عن تشكيل فريق عمل معنيّ بالشرق الأوسط، Swissinfo، 10 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 15 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3RWbM05

– الحكومة الفدرالية السويسرية ترغب في تصنيف حماس كمنظمة إرهابية، Swissinfo، 12 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 15 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3FlucQl

[38] Barbara Moens and Suzanne Lynch, EU U-turns after halting Palestinian funding following Hamas attack, Politico, 10 October 2023, Accessed: 12 October 2023, 12:30, available at: https://cutt.us/CfwP8

[39] Ireland failed to secure EU statement against Israeli escalation after Hamas attack, The Irish Times, 10 October 2023, Accessed: 12 October 2023, 12:30, available at: https://cutt.us/qp0ZB

[40] MFA Luxembourg, twitter (X), 8 October 2023, Accessed: 11 October 2023, 9:20, available at: https://bit.ly/3QciJZv

[41] Israel-Palestine war could further test EU’s foreign policy, euractiv, 8 October 2023, Accessed: 10 October 2023, 11:55, available at: https://bit.ly/3rSBuYD.

[42] من المثير أن البيان المشترك للمجلس الوزاري بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي جاء على ذكر ما يحدث في غزة في موضع متأخر جدًّا (في البند 21/ الخامس تحت محور القضايا الإقليمية والدولية) وبعد مناقشة ما يخص العراق، والجزر الإمارتية، والحرب الروسية – الأوكرانية!

-البيان الرئاسي المشترك لاجتماع الدورة الـ 27 للمجلس الوزاري المشترك بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي، الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، 10 أكتوبر 2023، تاريخ الاطلاع: 11 أكتوبر 2023، الساعة 5:50، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3LVElGT

[43] Israel/Gaza: Press remarks by High Representative Josep Borrell after informal meeting of EU Foreign Affairs Ministers, The European External Action Service, 10 October 2023, Accessed: 12 October 2023, 12:30, available at: https://bit.ly/46OAQKD.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى