المؤتمر الدولي تنميتنا والخطاب الإنساني العالمي

 

المؤتمر الدولي “تنميتنا والخطاب الإنساني العالمي”

(الرباط: 19-21محرم 1429هـ، الموافق 28-30 يناير 2008م)

 مشاركة مركز الحضارة للدراسات السياسية: كلمة الختام

28/01/2008

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ {10/9} دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

 

نحن الذين يرون أن ثمة تصنيفًا سياسيًّا للبشر في العالم، يفيد أن المسلمين فيه –حينما يكونون الغالبية في جماعة- يشكلون دائرة من دوائر الانتماء الحضاري والاجتماعي والسياسي؛ بحكم التوحيد العقدي والتراث الثقافي المشترك والتاريخ المتجانس والتكوين النفسي الجمعي المتماثل. “نحن الذين نعي هذا الأمر في المرحلة التاريخية المعيشة، نعتبر أن من أهم ما يواجهنا من تبعات الحاضر أن ننشر هذا الوعي ونعمقّ ونرسَّخ ما هو موجود منه.

 

وأظن أن ذلك لا يكتمل إلا إذا توحدت الدائرة الإسلامية في وعي الناس، وأن يشعر المرء بمكانه الثابت في هذه الدائرة، ويتابع شئونها باعتبار أنه يتابع أحد شئونه الذاتية. إنها الربح الحضاري المحض بإنعاش الذات الحضارية وإدراك المميز الثقافي وإثراؤه بالتنوع.

إن أُولى خطوات استردادنا للوعي بالذات الممتدة هو المتابعة الإخبارية والمعرفية بكل أنحاء هذه الذات، وبهذا تزكو الأمة إن شاء الله. إن هذه المتابعة قد تكون أثرًا للوعي بالأمة لدى قطاع من أبنائها، لكنها –وهذا هو الأهم- ينبغي أن تكون سببًا لهذا الوعي لدى سائر الذاهلين عن ذاتهم المذهولين بغيرهم –أو كما يقولون- بآخرهم.

إن هذا الآخر قد اجتهد –وحق له أن يجتهد- في دراسة وفحص عالمنا الإسلامي، ويدرسنا بوصفنا كيانًا واحدًا سواء كان كياننا واحدًا حقًا أو قابلاً لأن يتوحد… ومن ثم، ألا يتعين لنا أن ندرك من أمر أنفسنا ما يراه هذا الآخر فينا…؟!

من هنا نشأت فكرة “أمتي في العالم”

إنها تعبير عن الوعي بالأمة، ليس على سبيل الانفراد أو الانعزال أو الانغلاق أو الانكفاء أو المناوأة، بل من مدخل أساس لصيق بقيم هذه الأمة الحاكمة ومقاصدها الحافظة؛ ألا وهو مدخل “التعارف الحضاري”، و”التدافع” بالتي هي أحسن، واحترام “الحرمات الحضارية”، ووصل الأرحام الآدمية بين العالمين.

إنها أمة لكنها في العالم: “أمتي في العالم”.

هدفت هذه الحولية إلى تقديم مادة رصدية ووصفية لواقع عالم الإسلاموالمسلمين، مادة نصف مصنّعة تمثل قاعدة معلوماتية أساسية لازمة للقيام بعمليات الدراسة والتحليل والتفسير لمن شاء أن يتقدم أو يتأخر. وانتظمت أمتي في العالم لتحقيق هذا الهدف في هيكل تعلمناه من المغربي الكبير: مالك بن نبي…، فانتظمت في تقسيم هو ناظمها الثابت يتمثل في ثلاثة أقسام أو عوالم: عالم الأفكار، وعالم المؤسسات والرموز، وعالم الأحداث والتفاعلات الجارية، هذا هو ثابتها المنهجي، أما متغيرها الناظم أو ناظمها المتغير فتمثل في الفكرة الحاكمة للحوْل، أو القضية الناظمة لوعي الأمة بذاتها عبر العام. فكانت “العولمة” بداية هذا الخيط، ثم العلاقات البينية الإسلامية –الإسلامية وحالاتها ودلالاتها في نهاية القرن العشرين، ثم جاء العدد الخاص “الأمة في قرن” ليحُدْث وقفة مع النفس، تقرأ فيها الخبرة، ونستلهم العبرة، ونستشرف المآلات المنتظرة وذلك عبر عمل استغرق إعداده عامين وشارك فيه خمسون باحثًا -شيخًا وشابًا- عبر أرجاء الأمة وهذا ما قمنا على دراسته.

عبر هذا المؤتمر، درسنا أمتنا: إمكاناتها ومكانتها: مفهومًا وسكانًا، عسكريًا واقتصاديًا، فكرها وحواراتها عبر القرن فيما يتعلق بالفكر السياسي والتعليم والفلسفة والفقة والقانون وحقوق الإنسان وشئون المرأة وحوارات المصريين فيما بين الإسلاميين والعلمانيين.

ثم بعد الوقفة تحرك الواقع بالأمة حركات الزلازل والبراكين، فبينما تتماثل الأمة في قرن للصدور وقعت أحداث اليوم الأمريكي المعولم، وكانت الحرب على أفغانستان لحظة كاشفة وواقعة محصّت أقوامًا وكشفت آخرين، فقامت الحولية بالاقتراب من ذلك وتسجيل دلالاته وتداعياته على أصعدت عديدة. ثم تلاها زلزال سقوط بغداد 2003، وزيادة الكشف والانكشاف، فالتقطنا المشهد. ثم جاء مولد “سيدنا الإصلاح” ومبادراته ومؤتمراته وندواته وأسماره وأباطيله، وحقائقه وأصوله، فحاولنا أن نتابع ذلك في العدد الأخير. الذي شرف بقراءات تعليقات وطروحات مهمة من حضراتكم. كل ذلك عبر المكان والزمان، يصب في مركز مصري لكن يظلل بوارفٍ جوانب أمتنا عبر العالم، ويشترك فيه أجيال تحرص على تواصلها وتجسير المسافات فيما بينها.

لقد سعت الحولية إلى إدراك اللحظة الراهنة التي تمر بها أمتنا: إدراك خصائصها وسماتها، ومحددراتها وقوانين سيرها، وقابلياتها وممكناتها، وواجباتها ومقتضياتها –ولم يكن الطريق معبدًا ولا ممهدًا، بل كان جوّه بغيوم التحديات والمعوقات والإشكالات ملبدًا- وأول شاهد على ذلك عناؤنا في إقناع الناس الذين هم من جلدتنا بأن ثمة شيئًا يمكن أن يغني به وندرسه ونؤثر فيه ونتأثر به يُدعى “الأمة”، وأن ثمة منظارًا جيدًا لرؤية هذا الكيان وسط العالم بلا إغفال لشيء، منظارًا يُدعى المنظور الحضاري الإسلامي مفاده أننا أمة الإسلام –مثل كل أمة على وجه البسيطة- لنا تكوين حضاري قوامه:

(1) هوية جامعة مميزة معززة غير مانعة ولا قاطعة لأرحام الإنسانية.

(2) ومرجعية واضعة هادية داعية إلى الحق وإلى طريق مستقيم.

(3) وقيم هي والفطرة صنوان تحكم رؤانا ووعينا وسعينا.

(4) ولنا رابعًا مقاصدنا العليا التي هي حافظة لكل ما يتعلق بنا، بل بسائر الخلق أجمعين إذا فقهوا.

(5) ثم خامسًا لنا لغة ومفاهيم هي أدواتنا للتواصل فيما بيننا ومع العالم تتأبى على الاستلاب والاغتصاب والتلاعب بها.

(6) ولنا منهاجيتنا في الفهم والإدراك والدراسة والمراسة والتفكير والتدبير لا نتصارع بها بل نمضي بها على بصيرة وبالتزام واستقامة.

(7) وأخيرًا، نتحرك بسنن تقضي من لدن حكيم خبير.

 

كيف نتجه بالتقرير نحو رُقي الأمة :

(1) التقرير “أمتي في العالم”: الهدف منه وكيفية تقسيمه.

الخلفية الكامنة وراء كل ذلك: من العنوان إلى الهدف إلى الارتباط بفكرة الأمة.

(2) ليس معنى الاهتمام بالعالم الإسلامي أنه “استبعادي” أو أنه تقرير لا يستوعب التوجهات المختلفة الأخرى: المتخصصة، واستكتاب هذه الخبرات، باعتبار مساهماتها في الارتقاء بهذه الأمة كمًّا ونوعًا، وعيًّا وسعيًا.

هذا التقرير لا يهدف إلى هجاء الغرب أو اتخاذ موقف سلبي منه، لكنه يحاول أن يتقصى الواقع على ما هو عليه، في إطار يتعرف على إمكانات هذه الأمة، والعمل على تحويلها إلى مكنات ومكانة، دارسًا كل مايُحفزهذه العملية أو يعوقها؛ ومن ثم فإن حديثه عن الجانب المتعلق بنقد لسياسات غربية هنا أو هناك إنما يتعلق بهذا الشأن، ولا يعدّ دعوة لاستبدال دعوة “هانتجتون” بدعوة مماثلة بهذا الصدد.

ولكن هذا التقرير إنما يقدم على قاعدة من “التعارف الحضاري” الذي يحقق عناصر التوجه القائم على قاعدة من إنسانية الإنسان وارتباطه بمنظومة القيم الأساسية التي تتعلق به.

(3) هذا التقرير في أعداده الأولى أو في الأمة في قرن، أو في العدد الأخير الذي ناقش فكرة وعملية “الإصلاح في الأمة بين الداخل والخارج”، الناظم بين هذه الأعداد المختلفة، والوقوف عند جملة مفيدة بالانتقال من: الحديث عن الإصلاح وضروراته إلى الحديث عن الإصلاح وكيفياته،…

وفي هذا المقام فإننا نستشرف بالنسبة لهذا التقرير مرحلة جديدة تهتم بقراءة التحديات ونوعية الاستجابات وبناء الاستراتيجيات…

وهو أمر يستأهل منا زوايا اهتمام تتميز نوعيًّا عن هذه المرحلة التي تمت بحالة رصدية لتؤشر على إمكانية بناء مشروع للنهوض الإسلامي على مستوى المنظومات المختلفة والعمليات التطبيقية المتنوعة…

·       وذلك باستدعاء معنى الاستراتيجي: التفكير الكلياتي، ومعنى الحضاري.

·       تؤشر على الداء و تبحث عن الإمكانات والدواء.

وأخيرًا، بين فكرة هذا المؤتمر وموضوعه الأساس وبين جهود التقرير “أمتي في العالم”: نهضة الأمة وتنميتها، تُستدعي إمكانات إعادة الإنتاج والتأهيل على سبيل التفعيل والتشغيل.

·       فكرة هذا المؤتمر توحي بإمكان إعادة إنتاج التأهيل على سبيل التفصيل والتشغيل.

 

للحصول علي الملف بصيغة pdf

اضغط هنا

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى