تطور التعليم في مصر تحت الاستقلال المنقوص (1919-1952)

الفلسفة والمضامين

مقدمة

التعليم أهم وسائل تشكيل الوعي الوطني والحضاري، يمد الأمة بذاكرة تاريخية نحو التراث والهوية، ويسهم في تشكيل الحاضر ومعالجة أزماته، ويستشرف في ضوئه المستقبل بما يختزن من طموحات المجتمع وأشواقه إلى النهضة والتقدم، والقارئ لتاريخ المجتمعات لا يمكنه أن يتجاوز تاريخ التعليم فيها وحركته وبنائه والعوامل التي أثرت فيه وجدلية تشكيله، إن قراءة تعليم مجتمع ما هو قراءة لتاريخ ذلك المجتمع ومسيرته.
والتعليم -أيضًا- ركيزة أساسية لحركة الوعي الفكري بأهمية الوعي الوطني والقومي، وهو البعد الذي ينشغل بقضيتين: أولهما- الخصوصيات الثابتة للثقافة الوطنية (الدين واللغة والتقاليد الرئيسية حافظة التماسك للنسيج الاجتماعي للمجتمع)، والقضية الثانية- هي قضية البعد العقلاني-التربوي الذي يكفل ألَّا يتحوَّل العنصر “الثابت” في القضية الأولى إلى عامل “جمود” يمنع العقلية القومية من الانفتاح على منتجات العلم والفكر الجديدة والجديرة بالتناول، ولا إلى عامل “تنميط” يحول كل الناس -منذ الصغر- إلى أكلشيهات متكررة مقوْلبة مسلوبة الوعي الشخصي والقدرة على ممارسة الحياة بحرية(1).
فالتعليم في منظومة الحضارة يساوي: الوعي، والحرية، والانفتاح، والإرادة، والتجدُّد، وبالتالي يمدُّ المجتمع بحاجاته الثقافية والوطنية في وقت الاحتياج التاريخي، والأزمات التي يتعرَّض لها المجتمع في مسيرته التاريخية يكون التعليم هو بوتقة تجمع الهوية الوطنية نحو مواجهة هذه الأزمات وتجاوزها.
وقد وعى الاستعمار الأوروبي للعالم الإسلامي في العصر الحديث هذه الحقيقة، ومن ثم استخدم التعليم كعامل من عوامل الهيمنة الثقافية والوطنية على الشعوب المستعمَرة، من خلال تبديل النماذج الفكرية والأهداف والغايات المرجوة من مؤسسة التعليم، وكان حلقة مهمة من حلقات الصراع الفكري في هذه البلدان المستعمرة.
وتنشغل هذه الورقة -كما في العنوان- برصد وتحليل حالة التعليم في مصر في فترة من أهم الفترات في تاريخها الحديث، وهي الفترة التي شهدت مجموعة من الأحدث والوقائع التاريخية منذ الاحتلال البريطاني، وأهمها ثورة 1919 وما تلاها من أحداث ووقائع أثَّرت على الحياة الاجتماعية والثقافية والتعليمية، حتى عام 1952، كما تنشغل الورقة بجدل تشكُّل التعليم المصري الحديث، وأشكال ذلك الجدل: جدل التعليم والاحتلال، والتعليم والثقافة، والتعليم والتغريب.
وفي ضوء ذلك؛ فإن هناك عدة منطلقات رئيسة تقوم عليها هذه الورقة، وهي:
1- لا يمكن فصل التعليمي عن السياسي بصفة عامة، وفي هذه المرحلة التاريخية بصفة خاصة والتي اتسمت بمجموعة من التغيرات السياسية ذات الأبعاد الثقافية والحضارية.
2- أن التعليم في جوهره أداة للتحرر الداخلي والخارجي المعنوي والمادي، ومن ثم فإن العلاقة بين الاحتلال والتعليم دائمًا ما تكون في حقيقتها سلبية، حتى وإن حاول الاحتلال إظهار غير ذلك للمجتمع وأفراده.
3- أن الاحتلال -في مصر والعالم العربي- استخدم التعليم كأداة للتغيير الثقافي والحضاري في حيوية الشعوب المستعمَرة، وفي أهدافها، ومُثُلها، ونماذجها الفكرية.
4- أن الاحتلال يؤسِّس دائمًا لفكرة الصراع حول “التعليم والثقافة الوطنية” في البلدان المستعمَرة من خلال جذب فئات تؤمن بأيديولوجيته إليه في مواجهة الثقافة الوطنية التي تؤمن بها الشعوب.
5- أن صراع التعليم والثقافة في البلاد التي احتُلَّتْ احتلالًا أجنبيًّا، هو في حقيقته شكل من أشكال الصراع الحضاري مع المُستعمِر، حتى وإن رحل من الناحية الظاهرية.
6- أن التبعية أحد مفاهيم الاستعمار -في القرن العشرين- التي يشكِّل التعليم أحد أهمِّ أدواتها.
وتنقسم الورقة الحالية إلى: أولًا: أهم المتغيرات السياسية التي شهدتها مصر في الفترة (1919-1952)، ثانيًا: أهداف الاحتلال من التعليم في مصر، ثالثًا: التعليم الأجنبي في مصر: أشكاله وأنماطه، رابعًا: التعليم الوطني المصري (الحديث): مراحله وأشكاله وتطوره، خامسًا: تطور التعليم الأزهري.

أولًا- المتغيرات السياسية في الفترة (1919-1952) وأثرها على التعليم

مثَّلت ثورة 1919، نقطة فارقة في لفت عناية الاحتلال إلى مكامن قوة الشعب المصري، وهي الإنسان الرافض للظلم والاحتلال والاستغلال، فحاول امتصاص غضب الشعب وأبدى اهتمامًا شكليًّا بالتعليم، حتى تهدأ ثورة الشعب على سوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فعمل على إنشاء بعض المدارس وتطوير الكتاتيب، والتغيير في السُلَّم التعليمي في هيكل التعليم المصري.
ومن الآثار الواقعة لثورة 1919 تصريح 28 فبراير 1922، الذي تضمَّن إلغاء الحماية على مصر، وإن كان ذلك الإلغاء شكليًّا إلا أن ضرورته تتَّضح من عدد من المكاسب الخاصَّة بالتعليم كما سنتناولها لاحقًا، وبدء التفكير السياسي لتقديم إصلاحات في مجال التعليم كما ظهر عند محمد فريد، وكذلك إسناد التعليم إلى وزارة المعارف المصرية -حتى ولو كان من الناحية الشكلية أيضًا- إلا أنه كان سببًا في طرح خطط للإصلاح التعليمي في هذه الفترة. ونتناول فيما يلي أهمَّ المتغيِّرات السياسية في تلك الفترة وتأثيراتها على التعليم.
أ) دستور 1923 والتعليم
صدر دستور 1923 وتضمَّن لأول مرة رسم ملامح أساسية للتعليم قبل العالي، ومثَّل في ذلك مدلولًا سياسيًّا مهمًّا لكافَّة الجهود الشعبية وغير الشعبية التي توجَّهت للإصلاح التعليمي. بالإضافة إلى المدلول القانوني، حيث صدر في ظلِّ هذا الدستور عدد من القوانين المنظمة للتعليم بصفة خاصة. وأشار في ذلك دستور 1923 إشارات واضحة في موادِّه كما يلي(2): (مادة 17: التعليم حر ما لم يخل بالنظام العام أو يناف الآداب/ مادة 18: تنظيم أمور التعليم العام يكون بالقانون/ مادة 19: التعليم الأولي إلزامي للمصريين من بنين وبنات وهو مجاني في المكاتب العامة).
إن صدور دستور 1923 لم يمنع الإنجليز من التحكُّم في مسار التعليم المصري، فمع صدور قانون التعليم الأوَّلي سارت سياسة التعليم بنفس الطريقة التي رسمها الاحتلال من حيث التمييز الطبقي بين التعليم الخاص والتعليم الحكومي، أي البقاء على أحد أشكال الازدواجية في التعليم المصري وتكريسها حتى مع صدور دستور وطني.
ومع النشاط السياسي الملحوظ نحو الاستقلال الكامل، كانت بريطانيا تزيد من قوَّتها الناعمة في مجال التعليم بالانتشار في التعليم الأجنبي، وتأسيس المدارس الأجنبية، وإحكام السيطرة على تعيين المعلِّمين في المدرسة الابتدائية والمدارس العالية، والذين غالبًا يكونون من الأجانب أو من الموالين لهم.
ب) التعليم بعد دستور 1923
مَثَّلَتْ سنة 1925 تاريخًا حاسمًا للتعليم المصري، ففي هذه السنة اجتاحت وزارة المعارف هزة عنيفة امتدَّت إلى كلِّ مراحل التعليم وفروعه، فبدأت بأنظمة التعليم الابتدائية والثانوية ومناهجها، وبدأت سياسة التوسُّع في نشرهما، وفي السنة نفسها فتحت الجامعة المصرية على نظامها الجديد بعد أن تسلَّمتها الحكومة المصرية، كما عنيت وزارة المعارف بإصلاح المدارس العليا التي لم تلحق بالجامعة، وتوسَّعت في إرسال البعوث العلمية. كذلك اتَّجه الاهتمام في تلك السنة إلى تنفيذ نصِّ الدستور، فيما يتعلَّق بجعل التعليم الأولي إلزاميًّا، فوضعت الوزارة مشروعًا لتعميم هذا التعليم، للبنيين والبنات، بالاشتراك مع مجالس المديريات.
يضاف إلى ذلك أن هذا المشروع، زاد في التمييز بين التعليم الابتدائي الممتاز، والتعليم الشعبي، كما اتَّجهت سياسة الوزارة، إلى الالتفاف حول مجانية التعليم الشعبي، وتوجيه اعتمادات التعليم إلى التعليم الخاص، فقد كانت وزارة المعارف تبذل في سبيل التوسُّع في التعليم الثانوي والجامعي أكثر ممَّا تبذل في التوسُّع في التعليم الابتدائي(3).
ج) المد الشعبي الثوري ومكاسب تعليمية
استطاع المد الشعبي الثوري -الناتج عن ثورة 1919- وما بعدها أن يحصل على بعض المكاسب التعليمية نوردها فيما يلي(4):
1- في سنة 1938 حظيت وزارة المعارف بأول خطوة نحو تقريب شُقَّةِ الخلاف بين التعليم الأولي والابتدائي، فألغت تدريس اللغة الأجنبية من منهج السنة الأولى الابتدائية، وجعلت تدريسها يبدأ من السنة الثانية.
2- توحيد التعليم الإلزامي (1940) والتعليم الابتدائي.. وأن تكون مدة التعليم الإلزامي ست سنوات يعادل مرحلتي رياض الأطفال والتعليم الابتدائي.
3- قررت الوزارة (1944) إلغاء المصروفات الدراسية من التعليم الابتدائي تطبيقًا لمبدأ تكافؤ الفرص.
4- في عام (1945) ألغيت اللغة الأجنبية من السنة الثانية، فأتاح ذلك للتلاميذ في المدارس الأولية أن يلتحقوا بالتعليم الابتدائي حتى سن العاشرة.
كما قَرَّرَ المجلس الأعلى للتعليم (1946) أن تكون المرحلة الأولى من سن 6 – 12 دون لغة أجنبية، وأن تهيأ للجميع بحيث تكون مرحلة (الشعب) جميعه وأن تقدم له جميع ما يلزم من وسائل التربية والتعليم حسب قدرة وميزانية الدولة. وفي سنة (1949) أعفي الآباء وأولياء الأمور من نفقات الكتب المدرسية والتغذية، وفي سنة (1951) صدر قانون التعليم الابتدائي رقم (143) وبمقتضى هذا القانون فإن مدارس المرحلة الأولى جميعًا اندمجت في نظام واحد أطلق عليه “المدرسة الابتدائية”.

ثانيًا- أهداف التعليم في سياسات الاحتلال

يتناول هذا المحور أهم أغرض الاحتلال من التعليم في مصر في الفترة (1919-1952)، وأهدافه، وتأثيراته التي ما يزال التعليم المصري يعاني الكثير منها حتى الآن، كما نبحث في سياسات الاحتلال وموقفه من لغة التعليم، وديمقراطية التعليم وتكافؤ الفرص، والنماذج الفكرية للتعليم التي توجَّهَ الاستعمار إلى تصديرها في الواقع الاجتماعي المصري، ودور التعليم في المشروع التغريبي للاحتلال. ويمكن أن نستخلص عددًا من أهم أغراض الاحتلال في التعليم المصري فيما يلي:
أ) التمييز الطبقي
تكافؤ الفرص في التعليم يعني توفير فرص التعليم بشكل متساوٍ بين الأفراد بحسب ما تؤهلهم قدراتهم بصرف النظر عن جنسهم (ذكرًا كان أم أنثى)، أو مستواهم الطبقي والاجتماعي، وأن يتاح لجميع المتعلِّمين نفس المناخ التعليمي كي يستمروا في التعليم وينتقلوا من مرحلة إلى أخرى.
والحقيقة أن الاستعمار -رغم قناعته بهذا المبدأ وترويجه له في أدبياته التربوية- إلا أنه تغاضَى عنه في البلاد المستعمَرة، وفي حالة مصر حرص خلال الفترة المذكورة (1919-1952) على إعطاء “تعليم حديث” ولكن على نطاق ضيق لعدد بسيط من الأطفال المحظوظين في التعليم الابتدائي والثانوي يسير على خطوط أوروبية بغرض تدريب وإعداد موظفين للإدارة بالحكومة وبعض الفنيِّين في بعض المهن. مع إبقاء عدد من المدارس الأوَّلية التي هي عبارة عن كتاتيب حُسِّنت قليلًا لإعطاء معلومات في القراءة والكتابة والحساب لعدد من أطفال العامة(5).
وقد تمثَّلت سياسة الاحتلال الإنجليزي في التعليم المصري، في: حصر التعليم الحديث في أضيق الحدود، ووأْد محاولات النهوض بالتعليم القديم، وفرض مصروفات عالية كادتْ تجعل التعليم فيها وقْفًا على أبناء طبقة خاصَّة، ممَّن يستطيعون دفع تلك المصروفات، إذ إنه لم يكن يُقبل بها أيُّ تلميذ بالمجَّان، وصار هدف هذا التعليم هو خلق جيل مستعد لأن يرضخ تمامًا للسلطة(6).
كان صغار التلاميذ يدرسون في نوعين من المدارس: النوع الأول: المدارس الابتدائية في المناطق الحضرية، والثاني المدارس الأوَّلية في المناطق الريفية، وبرغم تزايد عدد المدارس الأوَّلية بدرجة كبيرة فيما بين 1925 و 1945، إلا أنها كانت من نوعية فقيرة للغاية، وعلى درجة كبيرة من الازدحام بحيث كانت البيانات الإحصائية اللافتة للنظر حول مستوى القيد تعتبر بلا مغزى من الناحية الكيفية، وقد ضمَّت المدارس الأولية حوالي 80٪ من إجمالي أطفال المدارس، بينما كان يعمل بها نحو 57٪ من المعلِّمين في تلك المرحلة. أما النسبة الباقية من المدرسين وهي 43٪ فكانت تقوم بالتدريس لنحو 20٪ فقط من الأطفال في هذه المرحلة، وعلى هذا كان لدى المدرِّس بالمدرسة الأوَّلية اثنان وأربعون تلميذًا في المتوسط لكل فصل: في حين كان المدرِّس بالمدارس الابتدائية لديه أربعة عشر تلميذًا فقط. والأكثر من ذلك أن تركَّز المعلِّمون الحاصلون على التعليم الأفضل في القطاع الابتدائي بالحضر. وحتى بعد دمج نوعي التعليم الأساسي بقانون 1951، بقيت المدارس التي كانت أوَّلية فيما سبق مجهَّزة بشكل سيِّءٍ، خصوصًا بالنسبة لدراسة اللغات الأجنبية، كما ظلَّ الطريق مسدودًا تقريبًا أمام طلبتها إلى الجامعة(7).
إن سياسة الإنجليز إزاء التعليم قامت على أساس إهمال التعليم العالي، وانصرف همُّهم إلى نشر التعليم الأولي -وهو دون المدارس الابتدائية- الذي يتلقَّى فيه المتعلِّمون مبادئ أساسية للقراءة والكتابة ولكنه لا يؤهِّله لمراحل تعليمية أعلى، ومن ثمَّ عمل الإنجليز على إغلاق المدارس العليا التي أُنشئت في عهد محمد علي وخلفاؤه وعدم التوسُّع فيها، وذلك بغرض حرمان أبناء المجتمع المصري من المعارف والتحلِّي بها، وتكريس حالة الجهل بالعلوم الحديثة، وتبعًا لذلك انخفضت المبالغ المخصَّصة للتعليم في ميزانية الدولة، وألغت التعليم المجاني. كما ألْغت المدارس التجهيزية التي في غير العاصمة.
لقد أدرك “كرومر” أن التعليم العالي القائم على الأساليب الحديثة كان من نتائجه ظهور قادة من المتعلِّمين يسير الشعب وراءهم في كفاحه، فأراد أن يمنع حدوث مثل ذلك في مصر، ويتَّضح ذلك من قول “كرومر”: “لقد اعتبرنا أن توفير مستوى موحَّد للتعليم هو الضمان الوحيد ضد قيام الديماجوجيِّين الذين قد يعملون على إثارة الشعب ضدَّ الحكَّام الأجانب(8).
وهكذا فإن الاستعمار استطاع أن يؤسِّسَ تمييزًا طبقيًّا بين المصريِّين سواء من كان له من الحظوظ -على المستوى الاقتصادي- للالتحاق بنوعية حديثة من التعليم محدودة النطاق وترتبط بغايات الاحتلال الموجَّهة نحو التعليم في مصر، أو فيما يتعلَّق بطبيعة الريف والحضر ومستوى الخدمات المقدَّمة من ناحية، أو من حيث العناية بمراحل تعليمية دون أخرى، وكذلك حصر فرص الالتحاق بالجامعة على مستويات طبقيَّة معيَّنة، كل ذلك كان له امتداداته في التعليم المصري بعد ذلك، لاسيما عندما توثَّقت روابط الدولة بالرأسمالية العالمية.
ب) إحلال اللغة الإنجليزية لغةً للتعليم
إن أهم المشكلات التي واجهت التعليم في رأي “كرومر” هي: أن الجيل الجديد من المصريين يجب أن يجد من الإغراء أو من الإرغام ما يجعله يمتص الروح الحقيقية للحضارة الأوروبية. واتَّخذ من ذلك تكأة وأسرف في إحضار المدرِّسين من أوروبا للمدارس المصرية.
وليس من شك في أن أكبر الآفات التي أصابت التعليم في مصر وقت الاحتلال هو إسناد وظائف التدريس إلى الإنجليز دون المصريين، وهكذا عمدت فئة قليلة من الإنجليز تحتل البلاد -أطلق عليه وصف (مؤقتًا)- إلى أن تفرض على أمة تعدادها عدَّة ملايين لغتَها وطريقةَ تفكيرها الأجنبية(9).
ومن ناحية أخرى، كانت اللغة مدخلًا ومجالًا هامًّا وخطيرًا ركَّز الاحتلال عليه جهوده حتى يستطيع أن يمكِّن لنفسه بالتمكين لثقافته وتخريب الثقافة العربية، وكانت وسيلةً إلى ذلك هي فرض لغته الإنجليزية على التعليم المصري، محقِّقًا بذلك هدفين: الهدف الأول- هو محاولة خنق الروح الوطنية المصرية، والثاني- محاربة الثقافة الفرنسية التي شعر الاحتلال بميل المصريِّين إليها(10)، لذلك فقد اتَّبع الإنجليز السياسة التالية من أجل إحلال اللغة الإنجليزية بدلًا من العربية في مناهج التعليم وثقافة الطلاب المصريِّين(11):
1- جعل اللغة الإنجليزية أساسية لدراسة كافة المواد لإضعاف ارتباط التلاميذ بلغتهم.
2- الكتب الدراسية هي وحدها الكتب المستوردة من إنجلترا.
3- استقدام معلمين إنجليز للتدريس في المدارس المصرية.
ومن وجوه مهاجمة اللغة العربية وإضعافها في الواقع المصري بصفة عامة، والتعليمي بصفة خاصة، الدعوة إلى استخدام “العامية” بديلًا عن اللغة الفصحى، “لم يقتصر الهجوم والنقد على اللغة العربية كلغة تعليم أو محاولة زعزعة أركانها بالدعوة إلى العامية على الأجانب والمحتلين فقط، بل سار في نفس التيار عدد من المصريين والمتمصرين، كان منهم أصحاب مناصب كبيرة حاولوا من خلالها أن يقوموا بالتأثير اللازم لإنقاذ آرائهم مسايرة للاستعمار وكان من أول هؤلاء على مبارك ويعقوب أرتين”(12).
ومن وجوه مهاجمة اللغة العربية لصالح اللغة الإنجليزية -أيضًا- الدعوة إلى تطوير الكتابة بالعربية، وتغيير الحروف بالشكل العربي إلى الشكل اللاتيني، وكانت الصحف طليعة الترويج لهذه الدعوة “… ومن أوائل الصحف التي تبنَّتْ هذه الدعوة (تطوير الكتابة العربية) مجلة المقتطف (1876-1952) وتمثَّلت في دعوتها إلى اقتباس الحروف اللاتينية في الكتابة العربية عن طريق تصوير اللفظ العربي بحروف إفرنجية، مقترحة ترك الحروف العربية وتضع جدولًا مبينًا فيه ما يقابل الحروف العربية من حروف إفرنجية مع الحركات العربية من ضمة وفتحة وكسرة… موضحة مميزات هذا الأسلوب في الكتابة وصِلَتَه بالنهضة والتقدُّم”(13).
ج) ارتباط التعليم بالوظيفة
ربط الاحتلال بين التعليم والوظيفة الحكومية، بحيث يظل الفرد في حالة من الطاعة وعدم التمرُّد لأن المقابل هو الحرمان من الوظيفة التي حصل عليها بعد سنوات من التعليم “وكان لهذا أثره، إذ اصطبغت حياة الموظفين بصبغة مادية رخيصة، ألا وهي السعي وراء الوظيفة لا يبغون بها بدلًا.. وهكذا فإن الثورة الفكرية التي أحدثها الأفغاني وحمل مشعلها تلاميذه من بعده أطفأها الإنجليز بطريقتهم في الثقافة والتربية”(14).
ومن أهم الآثار التربوية التي ترتَّبت على ارتباط التعليم بغاية الوظيفة: المركزية الشديدة في التعليم، فأصبح كافَّة المشتغلين في الوزارة عبارة عن آلات يتمُّ التحكُّم فيها من مصدر واحد هو ديوان الوزارة، كذلك اعتماد المناهج والمقرَّرات على الجانب المعرفي فقط الذي يكون عن طريق الحفظ والاستظهار، وتراجع الفهم والإدراك والتطبيق العملي، في مقابل التسابق للنجاح في الاختبارات بهذه الأساليب السابقة، بالإضافة إلى عدم ملاءمة التعليم للفروق الفردية للطبيعة الإنسانية للتلاميذ وتكريس السلبية كقيمة أحادية في العملية التعليمية عن طريق جعل التلميذ يقوم بدور واحد هو دور (المتلقِّي) دائمًا، وعزلة المدرسة والتعليم جملة عن البيئة وحاجات المجتمع الاقتصادية (التجارية، والزراعية، والصناعية)، وبالتالي ضعف مساهمة التعليم في التنمية في هذه المجالات.
د) التغريب الثقافي
دعم الاحتلال حضوره الثقافي لا سيما في التعليم منذ عهد “كرومر” خاصة، وهو الذي لقيت مشروعاته “التغريبية” التي طُبِّقَتْ تطبيقًا واسعًا في الإدارة المصرية ترحيبًا واسعًا لدى عددٍ من الأحزاب المصرية وخاصة (حزب الأمة)، ثم (حزب الوفد) وحزب (الأحرار الدستوريين).
كما دعمت هذا الحضور الثقافي الأوروبي الفعَّال ودعتْ إليه بحماسة منقطعة النظير تلك العناصر التي تلقَّت تعليمها في الغرب، وبريطانيا وفرنسا خاصة، من أمثال: طه حسين، ومنصور فهمي، ومحمود عزمي، وعلي عبد الرازق، وإلى جانب أولئك مجموعة من الكتاب المسيحيِّين المصريين أو المهاجرين من بلاد الشام، من أمثال: شبلي شميل (1850-1917) وسلامة موسى (1887-1958) وفرح أنطون (1874-1922). وكذلك شخصيات صحفية أمثال: أحمد لطفي السيد وعدد من الصحف على رأسها “الجريدة”، و”السياسة” ومجلة “العصور”، و”المجلة الجديدة” بالإضافة إلى كلية الآداب بالجامعة المصرية التي كانت منبرًا منذ إنشائها لهذه الفئات التي تلقَّت تعليمها في الغرب(15).
هـ) الازدواجية التعليمية
ترجع حالة الازدواجية في التعليم إلى عهد محمد علي (1805-1849) الذي أراد سَدَّ حاجات الجيش من الكوادر الماهرة من خلال التعليم الحديث، تاركًا الأزهر على حالته الموروثة ودون تطوير، ومن ثم أصبح في مصر نوعين من التعليم: الأول- التعليم التقليدي الموروث أو ما اصطُلح على تسميته لاحقًا “التعليم الديني” -على ما تحمله كلمة الدين بحمولة ثقافية قروسطية- والثاني- “التعليم الحديث” على النمط الأوروبي في سلَّم التعليم والمواد التدريسية والدرجات التعليمية. وقد عمل الاحتلال على تعزيز هذه الازدواجية بمهاجمة التعليم الديني وعزل أفراده وخريجيه من سلَّم الوظائف الإدارية.
إن تعزيز الاحتلال للازدواجية ساعد بدوره على تكوين طبقتين متميَّزتين متباينتين في الثقافة والميول والاتجاه، لا تكاد إحداهما تؤمن بالأخرى أو تقوم بالتفاهم الجدِّيِّ معها، كما شجَّع الاستعمارُ المدارسَ الأجنبية التي نجحت في أن تخلق طبقة ثالثة تتَّسم بالأرستقراطية في ثقافتها الأجنبية عن البلاد، فلم تستطع أن تلتقي مع أي طبقة من الطبقتين السالفتين في الثقافة والقيم الموروثة والتراث المشترك(16).
وطوَّر الاحتلال من شكل الازدواجية في التعليم كما في ازدواجية لغة التعليم “… حيث عمَّق الاحتلال جذور الازدواجية في النظام التعليمي بقصد خلق تمييز طبقي عن طريقين: أولهما- إحلال اللغة الانجليزية محل اللغة الغربية وجعلها لغة التدريس في المرحلتين: الابتدائية والثانوية، بقصد إبعاد الشُّقَّةِ بينهما وبين التعليم الشعبي في الكتاتيب. وثانيهما- بجعل التعليم في المرحلتين بمصروفات لا يتحمَّل دفعَها إلا الموسرون القادرون من أبناء الشعب، مما يمنع غير القادرين من الدخول فيها، فقد قرَّر الاحتلال على تلاميذ المدارس الابتدائية مصروفات عالية كادت تجعل التعليم فيها وقفًا على أبناء طبقة خاصَّة ممَّن يستطيعون دفع تلك المصروفات”(17).
ومن أشكال الازدواجيات التي ترسَّخت في التعليم المصري في ظلِّ الاحتلال في هذه الفترة: (التعليم الديني / التعليم الحديث)، (التعليم الحكومي / التعليم الخاص)، (التعليم الوطني / التعليم الأجنبي)، (الكتاتيب / المكاتب الأهلية)، (الأزهر / الجامعة المصرية)، (المدرسة الإلزامية / المدرسة الأوَّلية / المدرسة الابتدائية).
و) إهمال تعليم الهوية (التاريخ)
استمرارًا لحالة استخدام التعليم كأداة للتغريب، وإضعاف دور التعليم كحلقة وصل بين الإنسان المصري وبين عناصر هُويته الثقافية، “أُهمل تدريس التاريخ العربي والإسلامي -في ظلِّ الاحتلال- إهمالًا تامًّا، وكان يجمل كله في موضوع واحد من موضوعات منهج مزدحم يشتمل تسعة موضوعات أو يذكر على هامش تاريخ العصور الوسطى في أوروبا، وغاية ما وصل إليه تاريخ العرب أنه انفرد بمنهج مستقل في السنة الثانية مضافًا إليه تاريخ العثمانيِّين وتاريخ عصر النهضة الأوروبية والكشوف الجغرافية في منهج سنة 1925، ثم قُرِّرَ بدون تاريخ العثمانيِّين كما في منهج سنة 1945، وظلَّ التاريخ الأوروبي غالبًا على المنهج، فلم يخصَّص للتاريخ القومي (وهو تاريخ مصر الحديث) إلا نصف المقرر، إذ أضيف إليه في نفس المقرر (1925) تاريخ تقدُّم النفوذ الأوروبي، أي تاريخ الاستعمار الإنجليزي في أستراليا وأفريقيا، وتاريخ الاستعمار الفرنسي، والاستعمار الروسي، وتاريخ الولايات المتحدة، وجعل هذا المقرر في السنة الخامسة من قسم الآداب”(18).
وقد انعكس ذلك على مجال البحث التربوي، حيث اعتمدت الدراسات التربوية في هذه الفترة على ترديد أفكار الغرب وتمَّ تجاهل الأصول الفكرية الإسلامية في التأسيس للتعليم الحديث، “ولما كان التراث التربوي غير متناوَلٍ في كتابات الغربيِّين، كان ولا بد أن يكون الاتجاه إلى منحى الدراسات الغربية، فقد أخذ التربويون المصريون الفكرة الأوروبية والفكرة الأمريكية، ممَّا أدَّى في النهاية إلى تناقضٍ واضحٍ في تكوين الشخصية المصرية المسلمة، والتي غَدَتْ متوزِّعة بين العصرية والثقافة المحلية الإسلامية، والتي لا تعارض الانفتاح الثقافي والاستفادة من الخبرات الأخرى في المجالات المختلفة، ولكن بشرط أن تندمج في الجسم الثقافي للأمَّة(19).

ثالثًا- التعليم الأجنبي

نتناول التعليم الأجنبي من خلال مستويين: الأول- يتعلق بالمدارس الأجنبية، والثاني- يتعلَّق بأول جامعة أجنبية تتأسَّس في مصر وهي الجامعة الأمريكية.
أ) المدارس الأجنبية
مثل التعليم الأجنبي نقطة مهمة في خارطة التعليم في تلك الفترة، ويرجع تاريخ المدارس الأجنبية إلى عهد محمد على، وكانت تتكون في ذلك الوقت من نوعين: الأول- مدارس الجاليات والطوائف الأجنبية، والثاني- مدارس البعثات الدينية (الإرساليات التبشيرية)، حيث أنشئت مدرسة أرمينية (1828) ومدرستان إسرائيليتان (1840)، ومدرستان يونانيتان، وقامت الجالية اليونانية في الإسكندرية بتوسيع مؤسَّساتها التعليمية بشكل كبير. كما أنشئت مدارس للجالية الإيطالية والجالية الفرنسية (1856 – 1862). ومدرسة إسرائيلية تلمودية جديدة(20).
وفيما يتعلق بمدارس الإرساليات التبشيرية كانت هناك المدارس التالية: مدرسة الراعي الصالح للبنات في القاهرة (1845 – 1846)، ومدرسة اللعازريين وفتيات الإحسان (1847)، ومدرسة جديدة للفرير بالقاهرة (1854) ومدرسة الراعي الصالح ببورسعيد (1853)، وبيت الأخوات الفرنسيسكانيات في القاهرة (1859) وعشر مدارس للفرنسيسكان بالوجه القبلي والبحري من قنا حتى بور سعيد (1855 – 1863) وغيرها من المدارس على ذات النحو. وخلال الفترة من (1919-1952) اكتمل شكل المدارس الأجنبية في الأنواع التالية(21):
1- مدارس الإرساليات التبشيرية.
2- مدارس الجاليات الأجنبية.
3- مدارس الطوائف غير المسلمة (اليهودية والمسيحية).
4- المدارس الأجنبية الخاصة التي يدخلها (أبناء الصفوة من المصريين).
تمثَّلت خطورة المدارس الأجنبية في أثرها على الهوية التي كان يحدوها الصراع بين نموذجين فكريَّيْن: الأول- النموذج الاعتقادي الموروث، والثاني- النموذج الغربي الوافد مع الاستعمار، ولا شكَّ أن المدارس الأجنبية كانت في خدمة النموذج الوافد وخدمة الاستعمار ذاته.
ومن وجوه خطورة المدارس الأجنبية أنها كانت حرَّة في وضع مناهجها والمقرَّرات التي تقوم بتدريسها للطلاب، دون وجود معايير أو ضوابط لهذه المقرَّرات، “لقد ظلَّت المدارس الأجنبية حرَّة في مناهجها وكتبها والمواد التي تدرسها، ولقد لوحظ أن بعض الكتب الدراسية التي تفرضها بعض هذه المدارس موضوعة بطريقة لا تتمشى مع الاتجاهات الوطنية المصرية..، فكانت هذه الكتب تبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد وتمجِّد الاستعمار والمستعمِرين، وتدرس تاريخهم بشكل يمجِّدهم ويضع بين يدي الطلاب صورة عن تفوُّقهم المادِّيِّ والعلميِّ والأدبيِّ، هذا مع إغفال تاريخ مصر وحضارة الوطن العربي، ومن ثم كان خريجو هذه المدارس أو معظمهم لا يعرفون عن تاريخ بلادهم وجغرافيتها شيئًا، في الوقت الذي يعرفون فيه تفاصيل كافية عن تاريخ الدولة التي تتبعها المدرسة، كما أهملت هذه المدارس تدريس اللغة العربية”(22).
وممَّا أتاح هذا الدور للمدارس الأجنبية غياب الإشراف الوطني عليها -في ضوء بنود الامتيازات الأجنبية- حتى في ظل دستور 1923، ما مكَّن لهذه المدارس أن تشقَّ الثقافة المصرية إلى نصفين طبقيَّيْن من ناحية، ونصفين ثقافيَّيْن من ناحية أخرى، حيث كان لا يدخل هذه المدارس إلا أبناء الطبقات الغنية الذين يتحمَّلون نفقاتها، وهم في نفس الوقت الذين يتولون الوظائف في الجهاز الإداري تحت عين الاستعمار، بالإضافة إلى غياب تام لموادِّ الثقافة الإسلامية في هذه المدارس.
وفي ضوء ذلك استطاعت المدارس الأجنبية أن تترك آثارًا وبصمات واضحة على المجتمع المصري بجميع جوانبه، فقد كان لعدم إشراف الدولة على هذا التعليم أثره السيئ في أن تترك الفرصة للمدارس الأجنبية أن تقوم بما تريده من رعاية للتلاميذ وتوجيه لفكرهم وفق ما يرغب أصحاب هذه المدارس، ومن هنا نجد الكتب المستخدمة في هذه المدارس حاملة مصورًا لتمجيد الدولة التابعة لها المدرسة(23).
ومع أن هذه المدارس الأجنبية كانت تقدِّم خدمات للأجانب والمصريين القادرين على الالتحاق بها، إلا أنها كانت تنحو في برامجها منحى يتَّصل بثقافتها الأجنبية وقومية الدولة التابعة لها، كما أن مدارس الإرساليات نشأت لأغراض تعليمية وثقافية، تحت ستار الدين، حيث كان التعليم الأجنبي في مصر مستقلًّا ومستظلًّا بالامتيازات الأجنبية، غير حافل بالدولة ولا خاضع لها ولسلطانها، ولا ملتفتٍ إلى حاجات الشعب وأغراضه، ولا معنيٍّ إلا بنشر ثقافة البلاد التي جاء منها والدعوة لها من خلال نشر أيديولوجية الرأسمالية التي كانت تهدف إلى تقييد مصر بالنظام الرأسمالي(24).
كما حاول الاستعمار ربط مصر اقتصاديًّا بالنظام الرأسمالي الذي يعمل على الترويج له وربط الدول المستعمَرة به، وتهيئة التعليم الأجنبي وتوظيفه لصالح البرنامج الرأسمالي، ونظرًا لاحتكار الرأسمالية الأجنبية للكثير من الأعمال التجارية، فقد أدَّى هذا إلى ازدياد الطلب على خريجي المدارس الأجنبية والإعراض عن خريجي المدارس المصرية.
وقد بلغ عدد الطلاب بالمدارس الأجنبية في مصر في التعليم الابتدائي في عام 1942/1943 (53386) من إجمالي (1359894)، وبالتعليم الثانوي (10739) من إجمالي (53299)، وبالمدارس المهنية والفنية (4535) من إجمالي (53874)، وبالتعليم العالي (519) من إجمالي (12522)(25).
ب) الجامعة الأمريكية في القاهرة
تأسَّست الجامعة الأمريكية بالقاهرة بموجب موافقة سلطات الاحتلال البريطاني، وبدأت الجامعة تفتح أبوابها في 5 أكتوبر 1920 بكلية واحدة فقط، هي كلية الآداب والعلوم برئاسة القس ريفرنيد جون ماكلوركين راعي الكنسية المشيخية المتحدة… وتمَّ تشكيل عدَّة لجان داخلية، منها لجنة لشؤون التعليم، ولجنة مالية، ولجنة متابعة الأوضاع الدينية والتبشيرية للجامعة، هذه اللجنة تتابع أوضاع العاملين في الجامعة في الجانب الديني، كما تتابع دور الجامعة في نشر التعاليم المسيحية بين الطلاب وفي المجتمع المحيط بالجامعة(26).
وتعتبر الجامعة الأمريكية باكورة التعليم الأجنبي الجامعي في مصر، ولعبت دورًا مهمًّا في توجيه الفكر التربوي المصري، ورعاية ترجمات الكتابات التربوية الحديثة الموجَّهة، والتي تعتمد في مضمونها المعرفي على نظريات وأصول الفكر التربوي الغربي مثل النظرية السلوكية، وأفكار جون ديوي، وغيرها ممَّا كان له أكبر الأثر في توجيه نظر الدارسين والباحثين إلى التأثُّر بهذا الفكر، والذي ظهرت انعكاساته في ميدان التعليم المصري.
ومن ناحية أخرى تقوم رؤية الجامعة فيما يتعلَّق بدروها بشكل رئيسي في عدَّة ميادين فكرية واجتماعية هي: صناعة قادة المجتمع، وزيادة نفوذ الفكر الذي يرتكز على الحداثة والقيم المسيحية في كافَّة طبقات المجتمع(27).
أما عن تمويل هذه الجامعة فكان يتم تمويلها من المجلس العالمي للتبشير، وقد استطاع رئيس الجامعة أن يحقِّق اتحادًا بين المؤسَّسات التبشيرية الإنجيلية بمختلف كنائسها وجنسياتها في مصر، سُمِّيَ “مجلس تبشير مصر” وكان ذلك عام 1929(28). وهذا يوضح الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الجامعة فيما يتعلَّق بدورها الثقافي داخل المجتمع المصري، وعملها تحت هذه المظلَّة الدينية التبشيرية.
لم يقف نشاط الجامعة الأمريكية عند حَدِّ الدراسات النظامية لمنح شهادات دراسية، بل نظَّمت العديد من الأنشطة التي أفسحت المجال لعدد غير قليل من المثقفين والعلماء في مصر، وفتحت أبوابها لكمٍّ غفير من الجمهور، ويكفي مثالًا لذلك أن ندرك أنه في العام 1945/1946 ألقيت فيها 22 محاضرة عامة، حضرها 353 شخصًا، و16 محاضرة خاصة حضرها 19 شخصًا، وعرضت 16 فيلمًا ثقافيًّا حضرها 952 شخصًا، و25 فيلمًا خاصًا بالأطفال، حضرها 581 شخصًا، و6 أفلام خاصة بالخريجين حضرها 657 شخصًا(29).
· المنهج الدراسي والثقافي للجامعة:
كانت كلية الآداب والعلوم الاجتماعية أول الكليات في الجامعة، ثم في عام 1926 تأسست كلية التربية، وفيما يتعلق ببرنامج الجامعة التعليمي فكانت كالتالي:
1- 6 ساعات لتعلُّم اللغة الإنجليزية ثابتة، بجوار اللغة العربية (5 ساعات).
2- ثبات مادة الأخلاق في السنوات الأربع للجامعة وكافَّة أقسام الكلية بعد ذلك، أما موضوعات مادة الأخلاق فجاءت موزعة على الفرق الأربعة كما يلي(30):
– الفرقة الأولى: مقدمة لدراسة الإنجيل = دراسات في تاريخ الأنبياء من آدم حتى الحواريين كما ورد في الكتاب المقدس.
– الفرقة الثانية: حياة وتعاليم المسيح.
– الفرقة الثالثة: ازدهار وتوسع المسيحية والإسلام.
– الفرقة الرابعة: مشكلات الإيمان والقيادة.
وقد وضعت الجامعة نظامًا صارمًا للالتحاق بها لتضمن أن أبناء الصفوة في المجتمع هم طلابها، وذلك على أساس أن المجتمع المصري يتبع قادته، وهؤلاء الأبناء هم قادة الغد. كما ضمَّت الجامعة الأمريكية إليها معهدًا متخصِّصًا في إعداد المبشِّرين، وقد تحوَّل هذا المعهد تدريجيًّا إلى مدرسة لإعداد رجال السلك الدبلوماسي والخبراء في شؤون المنطقة للبلاد الغربية(31).
أضافت أيضًا الجامعة الأمريكية “كلية التربية” إلى مؤسَّساتها كما سبقت الإشارة، وهو قسم خاص لإعداد المعلِّمين أطلقت عليه كلية التربية، الذي يُعَدُّ الأول من نوعه في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وإن كان الواقع الفعلي ينطق بأنها لم تكن كلية بالمعنى الحقيقي، ولكن الجامعة أقنعت وزارة المعارف بأن بإمكانها تدريب معلِّميها على نظريات التربية الحديثة من خلال هذه الكلية، وكذلك أصدرت مجلة “التربية الحديثة” التي عرضت أحدث نظريات التربية في الغرب، وهو ما كان له تأثير فعَّال في نقل أفكار الجامعة للمتخصِّصين في وزارة المعارف، وكان له أثره في صياغة اتجاهات التعليم في مصر بعد ذلك(32).

رابعًا- التعليم الوطني المصري:

نرصد في هذا المحور تطوُّر أشكال التعليم المصري (من حيث سلَّم التعليم) التي استقرت في الفترة (1919-1952)، من خلال رصدنا لأنماط التعليم قبل العالي، والتعليم العالي، وتأسيس الجامعة المصرية، ثم أحوال التعليم الأزهري وتأثُّره بالمتغيِّرات الحادثة في هذه الفترة.
أ) أنماط التعليم قبل العالي
نقصد بالتعليم قبل العالي، أنماط المدارس التي يرتادها التلميذ قبل المدارس العالية، أي المدارس التي حلَّت الجامعة مكانها بعد ذلك، وكانت على مستويين التعليم قبل الثانوي، والتعليم الثانوي، ونشير فيما يلي إلى أهم أنماط المدرسة المصرية قبل التعليم الثانوي، وهي كما يلي(33):
1- المدارس الأوَّلية: وقد خصصت بالمجانية طبقًا لنص دستور 1923، لا لأنها شعبية، ولكن لأن طريقها مغلق لا يوصل لما بعده من مراحل التعليم. وهي مخصصة لأبناء الفقراء، وإذا دخلها التلميذ وأمضي فيها سنوات من عمره يتعذَّر التحاقه بالمدرسة الثانوية لأنها ليست الطريق المؤدِّي إليها.
2- التعليم الإلزامي: وغرضه الرئيس محو أمية الطفل وإعداده لمواجهة الحياة العملية بتعليمه حرفة يتكسَّب منها في مستقبل حياته، وهذا النمط من التعليم هو أسوأ أنواع التعليم وأردأها، مع أن غالبية أبناء الشعب كانوا يلتحقون به.
3- التعليم الابتدائي: وهو أرقى أنواع المدارس في هذه المرحلة، من حيث العناية والاهتمام واعتباره وسيلة لما بعده من مراحل التعليم، إلا أنه كان بمصروفات لا تستطيع الالتحاق به إلا الطبقة الميسورة من المجتمع، وكان يشترط أيضًا -كما نص قانون 1928- إتمام الدراسة بمرحلة رياض الأطفال، أو اجتياز امتحانات القبول في مبادئ اللغة العربية والخط والحساب.
4- التعليم الأهلي: الذي أنشأه الأهالي، كما في مدارس الجمعيات الأهلية، والجمعيات الخيرية.
5- التعليم الشعبي: وهو تعليم الكتاتيب، والذي تحوَّل عددٌ منه إلى ما عرف بالمكاتب الأولية تحت إشراف مجالس المديريات.
وقد انضمَّت المدرسة الأوَّلية إلى نظام التعليم الإلزامي بموجب قانون 46 لسنة 1933. وقد نص القانون على أن التعليم الإلزامي يفرض على جميع الأطفال، من بنين وبنات من سن 7-12، وأن الدراسة به نصف يوم، والدراسة عشرة أشهر في العام. وفي عام 1935 حُوِّلَتْ بعض (المكاتب العامة) إلى نظام اليوم الكامل وأتيحت الفرصة أمام التلاميذ والتلميذات، لكي يلتحقوا بهذه المكاتب من الخامسة حتى يتيسَّر لمن يريد منهم الالتحاق بالمدرسة الابتدائية.
ومن الواضح الخلط الشديد في هذه المرحلة والتداخل المتعدِّد لنمطٍ زمنيٍّ واحدٍ من التعليم، والفروق كما هي واضحة، كانت لتضييق الوصول إلى الجامعة الذي كان التعليم الثانوي هو المعبر الوحيد لها(*)، وكذلك محاولة تقنين الكتاتيب بهدف وضعها تحت إطار المركزية والبيروقراطية الجديدة.
لذلك ظهرت الرغبة في نهاية هذه الفترة في توحيد أنماط التعليم قبل الثانوي في نمط واحد هو التعليم الابتدائي، “ففي عام 1940 تقرَّرَ توحيد التعليم الإلزامي والابتدائي على أن يتم تنفيذ ذلك تدريجيًّا وعلى خطوات، وذلك على أساس أن تكون الدراسة في الفرق الأربع الأولى من التعليم الإلزامي معادلة للدراسة في السنوات الأولى والثانية والثالثة، برياض الأطفال، وأيضًا الأولى والثانية من المدارس الابتدائية، ويجوز لكل طفل من أطفال التعليم الإلزامي أن يتقدَّم لامتحان مسابقة، يمنح المتفوقون فيه المجانية بالمدارس الابتدائية، ويحق لهم الالتحاق بالمدرسة الثانوية بعد الثالثة الابتدائية”(34).
وفي عام 1949 حدَّدَ وزير المعارف العمومية سنة 1949 عيوب التعليم المصري التي رآها في ثلاثة جوانب أساسية هي: أولًا- تنويع المرحلة الأولى من التعليم، حيث ينبغي أن توحَّد. وثانيًا- توحيد المرحلة الثانية من التعليم، حيث ينبغي أن تتنوَّع. وثالثًا- عدم التناسب الملحوظ في التعليم الفني بين التعليم المتوسط والتعليم العالي.
وفي ضوء ذلك أخذت الوزارة للتقريب بين أنواع التعليم في المرحلة الأولى، فألغت المصروفات من التعليم الابتدائي سنة 1944، وألغيت اللغة الأجنبية من السنة الثانية سنة 1945، وتوحَّدت المناهج بين مدارس المرحلة الأولى -فيما عدا المدارس الأجنبية- سنة 1949.
وقد تحوَّلت المدارس الإلزامية إلى مدارس أولية، ثم صدر قانون التعليم الابتدائي عام 1951 الذي أدمج مدارس المرحلة الأولى جميعًا في نظام واحد وأطلق عليها اسم المدرسة الابتدائية، وهو القانون رقم 143 لسنة 1951(35).
ويشير علي خليل إلى أبرز خصائص فلسفة التعليم الابتدائي في الفترة (1919-1952) في الخصائص الفكرية التالية(36): الاقتباس من النظم التعليمية الغربية، انعزال التعليم الابتدائي عن الحياة، تسييس أهداف التعليم ومسائله، الأرستقراطية/الطبقية في التعليم، ضعف النزعة القومية في التعليم.
· التعليم الثانوي
بدأ محمد علي نهضته العلمية في مجال التعليم بإنشاء المدارس العالية (التجهيزية) وتأسَّست أول مدرسة عام (1836)، وتطور عدد هذه المدارس ليصل إلى (9) مدارس عام (1921) واحدة منهن للبنات. وقد صدر خلال هذه الفترة (1919-1952) قانون التعليم الخاص بهذه المرحلة رقم 36 لسنة 1928، والذي قَسَّمَ الدراسة في هذه المرحلة إلى (5) سنوات: (3) للتعليم العام يدرس فيها الطلاب مواد مشتركة ( وتسمَّى الكفاءة)، و(عامان) للتخصُّص بين القسمين العلمي أو الأدبي ( وتسمَّى البكالوريا)، وفي عام 1935، تم تعديل هذه المراحل فكانت المرحلة الأولى (4) سنوات وتسمَّى (الثقافة)، والمرحلة الثانية عام واحد وتسمَّى (التوجيهية). وبعد صدور قانون رقم (90) الخاص بمجانية التعليم عام 1950 زاد الإقبال على هذا النوع من التعليم.
وقد تطوَّر عدد الطلاب في المدارس الثانوية الحكومية من (275) طالبًا عام 1882/1883 إلى (3789) في عام (1951) بزيادة عدد المدارس والإقبال، وكانت هناك مدرسة واحدة للإناث بها (43) تلميذة فقط(37).
كانت ثورة 1919 حافزًا قويًّا، ودافعًا رئيسًا للإقبال على التعليم الثانوي الذي كان طريقًا للجامعة، وكان فيه رمزية كبيرة لحلم الاستقلال الذي كان يراود المصريِّين لاسيما الشباب منه، حيث كان الطلبة في هذه المرحلة وطلبة الجامعة والمعاهد الأزهرية وقود حراك المجتمع المصري منذ 1919 وحتى الاستقلال.
حيث انتشرت النشاطات الطلابية في مدن الأقاليم وفي قلب الريف من خلال المدارس الثانوية والمعاهد الأزهرية، وساعدت على خلق روح القلق والسخط على الاحتلال، وتمهيد مناخ جعل الفلاحين على الأقل يرحِّبون بالتغيُّرات السياسية الوشيكة الوقوع… وليس من المستغرب أنْ يتَّضح أنَّ الطلبة قد أقاموا أوثق العلاقات مع الطبقة الوسطى المدنية التي كانوا يشكِّلون جزءًا أساسيًّا منها. وكانت أكثر علاقات الطلبة متانة داخل هذه الطبقة مع أساتذة الجامعة والمدارس(38).
· التعليم الفني
شهدت هذه الفترة أيضًا تأسيسًا لمدارس التعليم الفني بأنواعها (الزراعية – والصناعية – والتجارية)، وكانت مدَّة الدراسة بها (3- 5) سنوات، إلا أن الاهتمام كان موجَّهًا إلى التعليم الثانوي العام الذي يوصل إلى الجامعة، بينما ترك التعليم الفني بلا إمكانيات كافية “حيث شهدت المدارس الثانوية الفنية والتجارية -والتي كانت قد توسَّعت بدرجة ما خلال الأربعينيات- انخفاضًا ملحوظًا في نسبة الالتحاق بها. حيث كانت المدارس الثانوية الفنية تُدار بصورة سيئة، ولم تكن مجهَّزة بمعدات كافية للطلاب، كما كانت نوعية هيئة التدريس بها متدنِّية أيضًا، ولم يَسْعَ معظم خريجي هذه المدارس إلى وظيفة في المجالات الصناعية، وإنما إلى الوظائف الكتابية في الجهاز الإداري للدولة(39).
ب) مؤسسات ووسائل إعداد المعلم
أهم ما يميِّز مؤسسات إعداد المعلم في هذه الفترة أنها كانت بداية غربية من داخل الجامعة الأمريكية بالقاهرة، التي أسَّست معهد التربية لإعداد المعلمين في المراحل العالية، كما أنشأت رابطة “التربية الحديثة” (1928)، وكان هدفها المعلن هو تقديم التربية الحديثة للمدارس المصرية، وأهم أعمالها في هذه الفترة هو عقد مؤتمر عام 1945 لمناقشة تطبيق أساليب التربية الحديثة في المدارس المصرية. كما أصدرت صحيفة التربية(**) التي تعنى بتدريب ونشر أفكار التربية الأمريكية للمعلمين المصريِّين.
وكانت هذه الرابطة تابعة لقسم “التربية” بالجامعة الأمريكية، وكانت إحدى الوسائل لتنفيذ سياستها فيما يتعلق بإعداد المعلمين المصريِّين بالاتفاق مع وزارة المعارف المصرية. وتم تخريج أول دفعة من هذا القسم عام 1934، وقد وصفت الجامعة الدرجة العلمية للمؤهل الحاصلين عليه بأنه بكالوريوس التربية(40).
أما المؤسسة الثانية لإعداد المعلم فهي معهد التربية(***) والذي أنشئ عام 1929 ليحلَّ محل مدرسة المعلمين العليا، بناء على توجيه الخبير السويسري كلاباريد، وكان الغرض من إنشائه: إعداد المعلمين للتعليم العام (الابتدائي والثانوي)، وأن يكون مركزًا علميًّا للبحث في مسائل التربية والتعليم، والدراسات النفسية للأطفال، وأن يكون أداة لنشر الأفكار التربوية الغربية عن التربية للمعلِّمين المصريين.
كذلك أيضًا كانت للزيارات العلمية من أساتذة أجانب لهذه المؤسسات دور رئيس في نشر الفكر التربوي الغربي في ميدان إعداد المعلم، “حيث قام معهد التربية بدعوة عدد من رجال التربية المشهورين في أمريكا وأوروبا ومن بينهم بودي Bodo (1944-1945)، وكرتشر Kircher (1945-1946)، ومارتز Martz (1947-1948) وهم أساتذة بالجامعات الأمريكية، وإكسير كلارك Clark (1949) بجامعة لندن…، وقام هؤلاء بإلقاء محاضرات وتطبيق اختبارات سيكولوجية على طلبة المدارس المدنية”(41).
أبرز ما نود الإشارة إليه في مسألة إعداد المعلمين، أنها كانت امتدادًا لحالة التعليم المصري آنذاك، فرغم تأسيس معهدين علميَّيْن لهذا الغرض، إلا أن المنظور التربوي الذي تحرك في نشاطهما التعليمي لا يقوم على خدمة المنظور الثقافي المصري. هذا من ناحية، ومن الناحية الفنية، نلاحظ وجود ازدواجية طبقية في هذا الإعداد، حيث وجد نظامين في إعداد المعلمين: الأول- إعداد المعلمين للعمل في المدارس الريفية، وهي مدارس مدة الدرس فيها (5 سنوات) وتقبل طلبتها الناجحين في امتحان الشهادة الابتدائية وأنشئت أول مدرسة للمعلمين عام 1947، ووضعت الخطة الدراسية بها على أساس تلبية احتياجات المجتمع الريفي. الثاني- إعداد معلمي المرحلة الابتدائية، وهذا النوع يتم إعداده للعمل في المدارس الابتدائية على النمط الأوروبي، وهو معلم من نوع خاص يعد في نطاق الجامعة بعد الحصول على الشهادة الثانوية، وعهد في ذلك إلى كلية العلوم والآداب بالجامعة المصرية، ومعهد التربية، بإعداد المعلمين في القسم الابتدائي وقُبل به الحاصلون على الشهادة الثانوية(42).
ج) الجامعة المصرية
كان للجامعة المصرية نشأتين: الأولى عام 1907 وكانت تمثيلًا للإرادة الشعبية في إيجاد مؤسسة تعليمية للعلوم والآداب، وتضم جميع مراحل السلَّم التعليمي (العالي والثانوي والابتدائي)، وبدأت بالفعل في العمل، إلا أنها واجهت صعوبات في مسألة الاستمرار، وبعد عام 1919 فكرت الحكومة المصرية في تأسيس جامعة موازية للجامعة الأهلية تعطي شهادات علمية وليست مجرد دروس علمية -كما كانت غاية الجامعة الأهلية- وانتهى الأمر إلى ضمِّ الجامعة الأهلية إلى الإشراف الحكومي وتغيَّر اسمها إلى الجامعة المصرية عام 1925. حيث صدر مرسوم بإنشائها في ذلك العام. وضمت (4) كليات هي: الآداب والطب والحقوق والعلوم.
وإذا كانت الجامعة المصرية تأسَّست في ظلِّ حركة وطنية راغبة في الاستقلال الفعلي الشامل عن الاحتلال، إلا أنه كانت هناك موجة تغريب شاملة في العالم الإسلامي، وكان التعليم أحد أدواتها، ولم تخرج الجامعة المصرية عن هذا الإطار، “ففي مجال التخصُّصات الفلسفية والاجتماعية اقتصرت برامجها في العام الأول على الحضارة الإسلامية، والحضارات القديمة، مع التركيز على الحضارة اليونانية والتاريخ الغربي والجغرافيا وآداب اللغة العربية، واللغة الإنجليزية، ثم فرض عليها ثانيًا اتجاه “غربي” خالص تقريبًا (حتى الحضارة الإسلامية شارك في تدريس موادها مستشرقون كانت معرفتهم بمادتهم محدودة وموجَّهة).. وكان ذلك أحد الأسباب الجوهرية لانشقاق أجنحة “الحركة الوطنية” المصرية فيما يتعلق بقضية الهوية، والأنموذج الحضاري الذي نعتقد في انتمائنا إليه(43).
وإذا تتبَّعنا على سبيل المثال شخصيتين من الشخصيات التي أثرت في حركة الجامعة المصرية يمكن أن نلاحظ هذا المد التغريبي بدرجاته المختلفة، والشخصية الأولى هي: أحمد لطفي السيد (1872-1963) أول مدير للجامعة المصرية (1908) والذي يرى أن مصر ينبغي أن ترتبط ثقافيًّا، وفي تطوُّرها الثقافي، بالتاريخ وبالتطور الثقافي الأوروبيَّيْن، وترجم من أجل ذلك كلمة “النهضة” ترجمة حرفية الدلالة: فالنهضة المصرية يجب أن تكون على غرار النهضة الأوروبية وتكرارًا لها، وحيث إن تلك الأخيرة اعتمدت في بدايتها على ترجمة أرسطو والفلسفة اليونانية العقلية (لا العقلانية)، ثم على أعمال التنوير بين الفرنسيِّين.. لهذه الأسباب رأى أنه لا سبيل لتحقيق النهضة المصرية إلا بترجمة أرسطو، ونقل فكر التنوير بين الفرنسيِّين دون أية مقدمات أو رؤى للثقافة المصرية بكل أجنحتها وروافدها(44).
والشخصية الثانية هي شخصية طه حسين (1889-1973) حيث قامت رؤيته في النهضة على ضرورة الأخذ بكل نتاجات الحضارة الأوروبية (مادِّيًّا ومعنويًّا)، واعتبار ذلك ضرورة لطريق النهضة المنشودة، واعتبار العقل الأوروبي المعاصر هو المثل الأعلى للعقل المصري الذي يجب أن يحتذي به ويسير على دربه. قال: “إن المثل الأعلى للعقل المصري في حياته المادية إنما هو المثل الأعلى للأوروبي في حياته المادية… وحياتنا المعنوية على اختلاف مظاهرها وألوانها أوروبية خالصة.. ولو أن عقول آبائنا وأجدادنا كانت شرقية مخالفة في جوهرها وطبيعتها للعقل الأوروبي فقد وضعت في رؤوس أبنائنا عقولًا أوروبية في جوهرها وطبيعتها وفي مذاهب تفكيرها وأنحاء حكمها على الأشياء”(45).
هكذا يعتقد طه حسين في ضرورة أن تكون المفاهيم والتصورات والقيم التي يحملها العقل المصري نسخة طبق الأصل مما في ذهن الأوروبي، والسبيل الذي يراه لهذا البناء الفكري الجديد للمجتمع المصري هو “أن نسير سيرة الأوروبيِّين ونسلك طريقهم لنكون لهم أندادًا ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منهما وما يكره وما يحمد منها وما يعاب”(46).
إن فكرة “الاستقلال” التي تملَّكت العقل الجمعي المصري بعد ثورة 1919 كان تفسيرها عند طه حسين: “التبعية الكاملة للعقل الأوروبي، وكأننا نسعى للاستقلال في ظاهره، والتبعية في الباطن والوجدان”… فإذا كنا نريد هذا الاستقلال العلمي والنفسي والفني والأدبي الذي لا يكون إلا بالاستقلال العلمي والأدبي والفني فنحن نريد وسائله بالطبع. ووسائله أن نتعلَّم كما يتعلَّم الأوروبي، لنشعر كما يشعر الأوروبي، ولنقوِّم الأشياء كما يقوِّمها، ولنحكم على الأشياء كما يحكم عليها الأوروبي، ثم لنعمل كما يعمل الأوروبي ونصرف الحياة كما يصرفها)[47](.

خامسًا- تطور التعليم الأزهري:

ترجع فكرة تطوير التعليم في الأزهر إلى محمد عبده (1849-1905)، والتي دعا فيها إلى تقنين التعليم بالأزهر، وتقسيم مراحل الدراسة، وإعادة تصنيف لفلسفة العلوم فيه، وتهيئة التعليم الأزهري ليكون مؤسسة يمارس فيها الاجتهاد على نطاق واسع بما يفيد الأمة في نهضتها وتجاوز أزمة التقليد والتغريب((****. وقد تأثَّر التعليم الأزهري بالأحداث السياسية التي مرَّت بها مصر (1919-1952) كما تأثرت بها كافة النواحي الاجتماعية والتعليمية في المجتمع.
ويمكن القول بأن أهم حدث مرَّ به الأزهر في تاريخه ومنذ تأسيسه (359هـ/970م) كان حركة التقنين الواسعة التي شهدها أثناء فترة الاستقلال المشروط، وكانت أول حركة لتطوير الأزهر في عهد شيخه محمد الأحمدي الظواهري (1929-1944)، وتضمَّن هذا القانون: إنشاء كلية للشريعة وأصول الدين، وكلية اللغة العربية، وذلك من أجل تخريج كوادر للتدريس في كليات الأزهر والعمل في القضاء والإفتاء.
ومما يُذكر أن مشيخة الأزهر رفضت طلبات سلطة الاحتلال بإغلاق الأزهر بعد أن تحوَّل إلى بؤرة للتجمُّع الوطني ضدَّ الاحتلال لاسيما أثناء ثورة 1919. وقد اتَّسعت المعاهد الدينية وانتشرت لاسيما في الفترة (1947-1950)، وأصبح في كل عاصمة إقليم معهد.
وفي عام 1936 صدر قانون الأزهر رقم 26 الخاص بإعادة تنظيم الجامع الأزهر وتعديلاته والتي تقضي بتنظيم الدراسة بالأزهر على غرار التعليم الحديث والأجنبي، والجداول التالية توضح أقسام الدراسة ومراحلها ومناهجها في الأزهر طبقًا لهذا القانون. وفيه ما يلي:
1- أصبحت مدة الدراسة في المرحلة الابتدائية 4 سنوات وتدرس فيها المواد الآتية: الفقه، والتوحيد، والسيرة النبوية، وسيرة الصحابة، والإنشاء، والصرف، والإملاء، والتاريخ والجغرافيا، والرياضيات، وتدبير الصحة، والرسم، والخط، وتجويد القرآن، والمطالعة والمحفوظات.
2- أصبحت مدة الدراسة في المرحلة الثانوية خمس سنوات، وتدرس فيها المواد الآتية: الفقه، والتفسير، والحديث، والتوحيد، والنحو والصرف، والبلاغة، والمنطق، وأدب البحث، والطبيعة، والكيمياء، وعلم الحياة، والتاريخ والجغرافيا.
3- وأنشئت ثلاث كليات، هي:
أ) كلية الشريعة وأقسامها: قسم القضاء الشرعي، والمواد التي تدرس فيه هي: قوانين ولوائح المحاكم الشرعية والأوقاف والمجالس الحسبية ومجلس البلاط، والتوثيقات الشرعية، والسياسة الشرعية، والقضايا ذات المبادئ، والقانون الدولي الخاص، وتاريخ القضاء والقضاة في الإسلام، والنظام الدستوري للدولة، ومحاضرات في مبادئ الاقتصاد، ومحاضرات طبية، ومحاضرات فلكية، ولغة أجنبية اختيارية. وقسم أصول الفقه، والمواد التي تدرس فيه هي: الأصول، والفقه، وحكمة التشريع، ومقارنة المذاهب، وتاريخ التشريع الإسلامي.
ب) كلية أصول الدين وأقسامها: قسم الدعوة والإرشاد، والمواد التي تدرس فيه هي: القرآن الكريم وعلومه، والحديث الشريف وعلومه، والدعوة إلى سبيل الله ووسائلها، والخطابة والمناظرة، والملل والنحل، والمذاهب الفقهية وتاريخها، والبدع والعادات، ولغة أجنبية اختيارية. وقسم التوحيد والفلسفة، والمواد التي تدرس فيه هي: التوحيد، والفلسفة، والمنطق، والأخلاق. وقسم علوم القرآن والحديث، والمواد التي تدرس فيه هي: التفسير، وعلوم القرآن الكريم، والحديث وعلومه. وقسم التاريخ الإسلامي، والمواد التي تدرس فيه هي: التاريخ الإسلامي وما يلزمه من دراسات.
ج) كلية اللغة العربية وأقسامها: قسم التدريس، والمواد التي تدرس فيه هي: علم النفس العام، وعلم النفس التعليمي، وأصول التربية، والطرق العامة والتنظيم المدرسي، وتاريخ التربية، والتربية العملية، وطرق التدريس الخاصة، والأخلاق، وتدبير الصحة المدرسي، والرسم، وتجويد الخط، والتربية البدنية، ولغة أجنبية اختيارية. وقسم النحو، والمواد التي تدرس فيه هي: النحو، والصرف، والوضع، وفقه اللغة، والعروض والقافية، ومبادئ اللغتين العبرية والسريانية. وقسم البلاغة، والمواد التي تدرس فيه هي: علوم البلاغة، والأدب العربي وتاريخه، والعروض والقافية، ومبادئ اللغتين العبرية والسريانية.

تعليق على تطوير التعليم بالأزهر

رأى بعض المتخصِّصين أن ما حدث في الأزهر لم يكن تطويرًا بالمعنى الحقيقي، وإنما كان مجرد مواءمة لـ(التعليم الحديث) بحيث انقاد الأزهر وراء التعليم الحديث فصار همه (تقنين) التعليم فيه، لتكون لشهادته (سعر)، كذلك السعر الممنوح لشهادات التعليم الحديث”(48).
والحقيقة أن فكرة (التقنين) في ذاتها ليست هي الإشكالية فيما حدث للأزهر، وكذلك فكرة (المواءمة) مع نظم التعليم الحديث، ولكن السؤال الذي يمكن أن يكون مدارًا لتقويم ما حدث في الأزهر تحت الاحتلال، أو الاستقلال المشروط أو المنقوص، هو: في أيِّ اتجاه كانت حركة (التقنين) وحركة (المواءمة)؟ وما الغايات التي تسعى إليها هاتان الحركتان؟ وما علاقتها بغايات الأزهر التاريخية والحضارية باعتباره مركزًا للاجتهاد الحضاري للأمة، والإيناع الثقافي الحقيقي والمستنير للعالم الإسلامي؟

خاتمة

نخلص ممَّا تقدَّم أن سياسة الاحتلال فيما يتعلق بالتعليم في الفترة (1919-1952) ركَّزت على صرف أنظار المصريِّين عن الأصالة في التعليم، بعد أن وجَّهتها -عمليًّا- إلى عملية نشر التعليم الحديث وحده مع إهمال التعليم الديني، وتكريس سلبيات التعليم القائمة -منذ عهد محمد على- كربط التعليم بالوظيفة، وبتخريج موظفين للعمل بالحكومة، وكالازدواج التعليمي، بل والثقافي، وباعدت بين هذا التعليم وبين واقع الأمة وروحها وتراثها. كما عملت هذه السياسة على إبعاد الإسلام عن التعليم وعن مجال التوجيه التربوي، سعيًا منها لغرس النظام العلماني في النظام التعليمي والتربوي.
كما أهمل تعليم التاريخ والذي كان من نتائجه إضعاف الهوية الوطنية، وكان ذلك موجهًا لإبراز تفوُّق الغرب دائمًا على المسلمين بصفة عامة، والمصريين بصفة خاصة، بغرض وأْد الشعور الوطني آنذاك وتعميق الشعور بالدونية الحضارية أمام الاحتلال.
كما دعم الاحتلال نشاط الإرساليات والمدارس الأجنبية في مصر، والتي تمتَّعت بالحرية الكاملة في وضع مناهجها ومقرَّراتها التعليمية رغم أن طلابها من المصريين، وكان باكورة هذا الدعم هو تأسيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة التي كانت مركزًا لدعم التبشير وأهداف الاحتلال في ذات الوقت.
واستجاب التعليم الأزهري أيضًا للتغييرات التي لحقت بالتعليم العام، وتمثَّل ذلك في حركة تقنين التعليم فيه، في محاولة للتشبُّه بالتعليم الحديث من حيث السلَّم التعليمي، والحصول على شهادات رسمية، وكانت استجابة الأزهر لذلك تمثل اختزالًا لدوره الحضاري، ودوره في الاجتهاد المعرفي والإسهام في حلِّ الأزمة الحضارية.
*****

الهوامش

(*) أستاذ أصول التربية المساعد – جامعة دمياط.
(1) سامي خشبة، تحديث مصر، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2007)، ص 88.
(2) عبدالرحمن الرافعي، في أعقاب الثورة المصرية: ثورة 1919، (القاهرة: دار المعارف، ط 4، 1987)، ج 1، ص 383.
(3) إسماعيل محمود القباني، دراسات في تنظيم التعليم بمصر، (القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1960)، ص 209.
(4) سعيد إسماعيل علي، تاريخ التربية والتعليم في مصر، (القاهرة: عالم الكتب، 1985)، ص 512.
(5) جرجس سلامة، أثر الاحتلال البريطاني في التعليم القومي في مصر (1882- 1922)، (القاهرة: الأنجلو المصرية، 1966)، ص 86.
(6) عبد الغني عبود، دراسة مقارنة لتاريخ التربية، (القاهرة: دار الفكر العربي، 1978)، ص 466.
(7) أحمد عبد الله، الطلبة والسياسة في مصر، ترجمة: إكرام يوسف، (القاهرة: دار سينا للنشر، 1991)، ص 42.
(8) سامي عزيز، الصحافة المصرية وموقفها من الاحتلال الأجنبي، (القاهرة: دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، 1968)، ص 271.
(9) المرجع السابق، ص 277.
(10) سعيد إسماعيل علي، تاريخ التربية والتعليم في مصر، مرجع سابق، ص436.
(11) سعيد إسماعيل علي، تعليم الأمة في قرن، (في): مجموعة من الباحثين، الأمة في قرن، عدد خاص من حولية “أمتي في العالم”، (القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2002)، ج 2، ص 112.
(12) سعيد إسماعيل على، تاريخ التربية والتعليم في مصر، مرجع سابق، ص 439.
(13) سامي عزيز، الصحافة المصرية وموقفها من الاحتلال الأجنبي، مرجع سابق، ص 281.
(14) المرجع السابق، ص 272.
(15) فهمي جدعان، أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث، (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1980)، ص 322.
(16) جرجس سلامة، أثر الاحتلال البريطاني في التعليم القومي، مرجع سابق، ص 92.
(17) المرجع السابق، ص 87.
(18) سعيد إسماعيل، تاريخ التربية والتعليم في مصر، مرجع سابق، ص 294.
(19) على خليل أبو العينين، أصول الفكر التربوي الحديث بين الاتجاه الإسلامي والاتجاه التغريبي، (القاهرة: دار الفكر العربي، 1986)، ص 246.
(20) أنور عبد الملك، نهضة مصر، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1983)، ص 163. وكان مما يطلق على ما هو يهودي في مصر ساعتها وصف “إسرائيلي”.
(21) جرجس سلامة، تاريخ التعليم الأجنبي في مصر في القرنين التاسع عشر والعشرين، (القاهرة: المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، 1963)، ص 68.
(22)شبل بدران، التربية والتبعية في مصر: دراسة في التعليم الأجنبي، مجلة التربية المعاصرة، العدد (3)، مايو 1985، القاهرة، رابطة التربية الحديثة، ص39.
(23) جرجس سلامة، تاريخ التعليم الأجنبي في مصر، مرجع سابق، ص 131.
(24)شبل بدران، مرجع سابق، ص 31.
(25) سعيد إسماعيل علي، تعليم الأمة في قرن، مرجع سابق، ص 103.
(26) عماد حسين، الجامعة الأمريكية في القاهرة، (القاهرة: دار الكتب والوثائق القومية، 2008)، ص 63.
(27) المرجع السابق، ص 68.
(28) المرجع السابق، ص 70.
(29) سعيد إسماعيل علي، تعليم الأمة في قرن، مرجع سابق، ص 102.
(30) عماد حسين، الجامعة الأمريكية في القاهرة، مرجع سابق، ص 83.
(31) المرجع السابق، ص 94.
(32) المرجع السابق، ص 95.
(33) علي خليل، التعليم الابتدائي في مصر الحديثة والشخصية المصرية، (في): مجموعة من المؤلفين، فلسفة التعليم الابتدائي وتطبيقاته، (القاهرة: دار الفكر العربي، 1982)، ص 360.
(*) كانت مدارس الحلقة الأولى تتوزع بين ثلاث مدارس: (1) المدرسة الإلزامية وكانت تعلم الأطفال من سن 7-12سنة، ولكن على نظام نصف اليوم، (2) المدرسة الأوَّلية، التي كانت الدراسة بها 4 سنوات، ولكن على نظام اليوم الكامل، ولكنها كانت أقل من الإلزامية ولم تكن منتشرة، ثم النظام الأعلى في هذه الحلقة وهي (3) المدرسة الابتدائية المفتوحة الأبواب إلى التعليم الثانوي، ثم التعليم العالي. انظر: عبد الغني عبود، دراسة مقارنة لتاريخ التربية، مرجع سابق، ص 476.
(34) علي خليل، التعليم الابتدائي في مصر الحديثة والشخصية المصرية، مرجع سابق، ص 361.
(35) إسماعيل محمود القباني، دراسات في تنظيم التعليم بمصر، مرجع سابق، ص 477.
(36) علي خليل، التعليم الابتدائي في مصر الحديثة والشخصية المصرية، مرجع سابق، ص 270.
(37)شبل بدارن، التربية المدنية: التعليم والمواطنة وحقوق الإنسان،(القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، 2009)، سلسلة “آفاق تربوية متجددة”، ص 64 .
(38) أحمد عبد الله، الطلبة والسياسة في مصر، مرجع سابق، ص116.
(39) المرجع سابق، ص42.
(**) صدرت هذه المجلة عام (1927).
(40) عماد حسين، الجامعة الأمريكية في القاهرة، مرجع سابق، ص 94.
(***) كلية التربية بجامعة عين شمس حاليًّا، وللمزيد انظر التعريف بقسم المناهج وطرق التدريس، بموقع كلية التربية، متاح عبر الرابط التالي: http://ascurrdep.com/index.php/about
(41) محمد منير مرسي، تاريخ التربية في الشرق والغرب، (القاهرة: عالم الكتب، 1980)، ص 313.
(42) علي خليل، التعليم الابتدائي في مصر الحديثة، مرجع سابق، ص 365.
(43) سامي خشبة، تحديث مصر، مرجع سابق، ص 125.
(44) المرجع السابق، ص 124.
(45) طه حسين، مستقبل الثقافة في مصر، (القاهرة: دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 2011)، ص 34.
(46) المرجع السابق، ص 39.
(47) المرجع السابق، ص 41.
(****) انظر: محمد عبده، الأعمال الكاملة، تحقيق وتقديم: محمد عمارة، (القاهرة، دار الشروق، 1993)، ج 3، ص 80 – 81.
(48) عبد الغني عبود، دراسة مقارنة لتاريخ التربية، مرجع سابق، ص 469.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى