نماذج تاريخية للتعارف خلال الحرب والدبلوماسية

مؤتمر "تعارف الحضارات" بالتعاون بين مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات بجامعة القاهرة ومكتبة الإسكندرية، مايو 2011

التعدد، التنوع، التعارف، الحوار، رباعية تقع في صميم المنظور الحضاري للعلاقات بين الأمم والشعوب (والدول)[1].
وتنتظم هذه الرباعية في إطار منظومة أكثر كليةً وشمولًا من السنن الحضارية: التعارف الحضاري، التدافع الحضاري، التداول الحضاري[2].
إذن، التعارف ليس إلا منطلقًا لدورة من العمليات والتفاعلات الحضارية يعقبه منطلقات أخرى ويسبقه منطلقات أخرى أيضًا.
هذا، والتعارف لا يتم في فراغ ولكن في بيئة (أو نسق) قد تختلف طبيعتها من مرحلة إلى أخرى، صراعًا أو تعاونًا، سلمًا أو حربًا. فإذا كان الحوار هو إدارة سلمية للصراع بالكلمة، فليس من الحتمي أن يكون التعارف دائمًا في بيئة سلمية، أو لا صراعية. ومن ثم، فإن التعارف قد يكون في إطار صراعي (أو تعاوني) سلمي حواري، وقد يتحقق في إطار صراعي من خلال الحرب والدبلوماسية. فكيف إذن تصبح الحروب والدبلوماسية سياقًا للتعارف أو تمثل نسقًا للتعارف؟ وما الفارق بين التعارف في ظل بيئات مختلفة؟
وكيف كانت الحروب والدبلوماسية مدخلًا للتعارف؟
سأحاول الإجابة عن هذا السؤال، من استقراء دائرة الحضارة العربية الإسلامية في تفاعلها التاريخي مع دائرة الحضارة الغربية –المسيحية، بحثًا عن نماذج تاريخية تشرح حالات التعارف، وخاصةً في وقت الحرب والدبلوماسية.
وقراءتي للتاريخ الإسلامي والفكر الإسلامي من منظور حضاري إسلامي لدراسة العلاقات الدولية، وهذه القراءة أسفرت، أو استهدفت –الاقتراب النظمي من تاريخ العلاقات الدولية بين المسلمين وغير المسلمين، وهو الاقتراب الساعي لاستكشاف مراحل وأنماط تطور هذه العلاقات سلمًا وحربًا وتدبر أسباب صعود الدولة الإسلامية ووحدتها ثم انحدارها وانقسامها، وهي قراءة ركزت ابتداءً، على الأطر العسكرية والسياسية والدبلوماسية لهذه العلاقات[3]، إلا أن هذه الأطر ما كانت تكفي بمفردها لفهم حقيقة الصورة الأعقد تركيبًا من العلاقات الدولية للمسلمين، فهي لم تكن علاقات الحروب والمعاهدات فقط ولكن كان للعملة وجه آخر يتصل بالناس، وليس بالملوك والحكام وأمراء الجيوش والقادة والدبلوماسيين فقط، أي يتصل بالقيم والأفكار والعادات والتقاليد والثقافة وفي قلبها بالطبع الدين.
ولذا؛ فإن الحلقة الثانية من القراءة ركزت على النماذج الفكرية التاريخية أيضًا، أي ركزت على الفكر السياسي في العلاقات الدولية[4].
وهذا التقاطع بين “العسكري -السياسي” وبين الفكري الثقافي في تاريخ المسلمين، ليس من السهل اكتشافه، حيث تتم دراسة كل جانب على حدة، فالتواريخ الشاملة (أو الجزئية) السياسية والعسكرية في جانب وتواريخ الأفكار والحياة الاجتماعية والاقتصادية في جانب آخر. ولكل من هذه التواريخ مصادرها كما تتعدد الدعوات للاهتمام بنمطي التواريخ وليس أحدهما على حساب الآخر[5].
وهنا تتجلى أهم صعوبات دراسة نماذج تاريخية للتعارف خلال الحرب والدبلوماسية حيث لأنماط الحروب والدبلوماسية ونماذجها عبر التاريخ الإسلامي مصادرها المنفصلة عن أنماط التعارف الحضاري عبر هذا التاريخ.
ومن ثم، فإن أهم متطلبات هذه الدراسة، وصولًا إلى تحديد “النماذج التاريخية” على اختلافها وتنوعها، هو استحضار خريطة النسق الدولي وموازين القوى بين الدول الإسلامية وغيرها عبر تطورها وتحولاتها من مرحلة إلى أخرى عبر أرجاء العالم الإسلامي، وهو الأمر الذي تحققه دراسات التاريخ الإسلامي من مدخل نظمي، وليس دراسات التاريخ الإسلامي “التقليدية”، فالأولى استهدفت اكتشاف الأنماط التاريخية المتكررة في نظام العلاقات الدولية الإسلامية -غير الإسلامية في حين أن الثانية لم تستهدف إلا التاريخ ثم فلسفة التأريخ (أي تفسيره)[6].
ونظرًا، لأن الدراسة الحالية تهتم بنماذج تاريخية للتعارف خلال الحرب والدبلوماسية وليس تاريخ التعارف خلال الحرب والدبلوماسية، فإن هذه الدراسة تستعين بما تم من قبل من دراسات نظمية للتاريخ وستركز تحديدًا على خريطة من النماذج، التي ترتبط بسياقات زمنية ومكانية متنوعة وعلى نحوٍ يشرح كيف تؤثر توازنات القوى على اتجاه التعارف (من أين إلى أين)، وعلى نمط التعارف، وكذلك على محتوى التعارف وآلياته وأدواته. والنموذج التاريخي كما درسنا إياه وشرح لنا عنه أستاذانا المغفور لهما، أ.د. حامد ربيع وأ.د. منى أبو الفضل- يشير إلى خبرة محددة زمانًا ومكانًا بشأن قضية تتجلى حولها أنماط من تفاعلات وعمليات تكتسب صفتها من واقع الظروف التاريخية التي تقع في إطارها. ومن ثم، فالحديث عن “نماذج تاريخية” إنما يعني الحديث عن سياقات محددة زمانًا ومكانًا وليس حديثًا في تأصيل “التعارف” فقهيًا أو فكريًا أو معرفيًا. وهذه السياقات المختلفة لا تجعل “التعارف” أمرًا واحدًا مطلقًا.
ولذا؛ فإن القراءة الأولية بحثًا عن “نماذج تاريخية” قادتني إلى تصميم إطار نظري أولي لعرض النماذج على ضوئه. وهو يقوم على التمييز بين عدة أمور على الجانبين التاليين:

الجانب الأول:

التمييز بين التاريخ الإسلامي ومفاصل تطور التاريخ الإسلامي، والنماذج التاريخية، فالأول عام ممتد تتنوع مناهج دراسته تأريخًا أو تفسيرًا، والثاني ينظر للتاريخ الإسلامي كنظام يتغير ويتحول، ومن ثم هناك مفاصل تحدد متى التغير ومتى التحول.
فعلى سبيل المثال: تاريخ الفتوح الإسلامية، تاريخ الاسترداد المسيحي، تاريخ الوحدة ثم التعدد ثم التجزئة الإسلامية، شهدت كل منها مفاصل مهمة تميز بين مرحلة وأخرى من مراحل هذه العمليات (فتح القسطنطينية، الفشل العثماني على أسوار فيينا، سقوط غرناطة، احتلال الروس للقوقاز،… سقوط ممالك الزيلع، الكشوف الجغرافية، الحملات الصليبية… إلخ.
أما النماذج التاريخية، فهي قد تتكرر في أزمنة وأمكنة مختلفة التفاصيل ولكن تظل تحمل نفس الدلالات الحضارية. فعلى سبيل المثال: نموذج الفتح، نموذج الاسترداد، نموذج التجزئة، نموذج الرباط، نموذج الخيانة، نموذج الموالاة والتبعية، نموذج النصرة أو الخذلان، …إلخ.
وجميع هذه المفاصل والنماذج تحمل وجهي عملة: التعارف بالقتال والتعارف سلمًا، أو التعارف خلال القتال والتعارف خلال السلم والناجم عن تلاحم “الناس” وليس مجرد احتكاك الجيوش والقادة والمفاوضين، وذلك خلال فترات الحروب. وهو تلاحم لابد وأن يختلف عن أوقات السلم (مثلًا في ظل التجارة، الدعوة، الرحالة،…). والتي تتعرض لها دراسات أخرى في المؤتمر.
ومن ثم، فإن الدراسة تحاول الإجابة على السؤال الآتي: أليس التعارف يجد سبيله أيضًا في أوقات القتال والدبلوماسية؟ وهو سؤال ينبع من تأصيل مفهوم التعارف ذاته: باعتباره عملية وليس غاية أو حالة مبتغاة في حد ذاتها، كما ينبع السؤال أيضًا من طبيعة الرؤية الإسلامية للحرب والسلم، باعتبارهما حالات للعلاقات تتناوب وتتوالى. وبالتالي، فهو لا ينطلق من سؤال هل أصل العلاقة بين المسلمين وغيرهم الحرب أم السلم، ولكن ينطلق من السؤال: متى تكون الحرب ومتى يكون السلم؟ كما أن هذا السؤال الذي تحاول الدراسة الإجابة عنه ينطلق أيضًا من مفهوم حضاري لدور الحرب ووظيفتها في الرؤية الإسلامية فهي ليست استئصالية للآخر، وليست غاية في حد ذاتها، ولكنها أداة من أدوات الجهاد وليست الأصل في الرؤية عن العلاقة مع غير المسلم[7].
وبناءً على ما سبق، ننتقل إلى الجانب الثاني من الإطار النظري.

الجانب الثاني:

إن التعارف ليس مصمتًا أو مطلقًا ولكن يجدر التمييز بين الآتي:
1- اتجاه (التعارف): من أية حضارة نحو أية حضارة؟ زاهرة أم متدهورة؟ مادية أم قيمية؟ صاعدة أم هابطة… أم تعارف متبادل بين حضارات أنداد؟
2- هدف التعارف: البحث في المشترك أم الفروقات؟
3- مناط التعارف وموضوعاته: القيم، السلوك، المعارف، الأفكار، المؤسسات والنظم، …الخ.
4- نمط التعارف: رشيد/ ضال، إرادي / قسري، إلحاقي/ استباقي، استعلائي/ تفاعلي.
5- آليات التعارف وقنواته وأدواته: من الذي يتعارف على من؟
وكيف؟ ومن الذي رصد هذا التعارف في حينه أو بعده وكيف أدركه؟
التعارف ليس سكونيًا ولكنه عملية ممتدة معقدة ومركبة ومتغيرة وخاصةً حين ننظر لها من الاقتراب العسكري السياسي.
ومن هنا، فإن النماذج التاريخية التي تقدمها الدراسة حاولت أن تعكس خريطة ممتدة زمنيًا ومتنوعة جغرافيًا وموضوعيًا، بحيث تبين الأبعاد المشار إليها عاليًا للتعارف من ناحية. ومن ثم، تبين من ناحية أخرى إشكالية العلاقة بين العسكري السياسي وبين الثقافي والحضاري.
فكلاهما ليس منفصلًا عن الآخر، ولا يمكن أن تكون دراسة كل منهما على حدة كافية لفهم حقيقة العلاقات المعقدة بين الحضارات والثقافات والأديان. وحتى لو كانت مداخل التعارف بين الحضارات تحاول أن تجد مخرجًا من تناقض القول إن هذه العلاقات صراعية (كما يقول الواقعيون) أو تعاونية (كما يقول المثاليون)، إلا أن التعارف ذاته بين الناس وخاصةً الذي يتم خلال الحروب وإن نبع من رؤية حضارية إسلامية، لا يتم في فراغ كما سبق القول، ولابد وأن يستدعي بدوره إشكالية العلاقة بين الحضاري وبين السياسي. وهو في ذلك مثل كل ما درسناه عن الحوار كآلية لإدارة العلاقات بين الثقافات والحضارات والأديان[8]. فهو بدوره يتأثر بالسياقات المحيطة ومن ثم فلابد أن تتأثر نماذجه التاريخية بحالة الحرب أو الدبلوماسية المحيطة.
ويبقى أخيرًا استدعاء قضية فكرية معرفية مهمة تقع في صميم تاريخ “التعارف بين الحضارتين العربية الإسلامية والغربية” وكانت موضع نقاش بين اتجاهات عدة ومحورها أن المسلمين في عصر القوة والفتوح والازدهار لم يهتموا بالتعارف على غيرهم على عكس ما حدث منذ أن بدأ ميزان القوة في التحول لغير صالحهم، كما أن فشل الحملات الصليبية كان منطلق اهتمام الغرب بالتعارف علينا ومن ثم تدشين الاستشراق[9]. ولقد تعرض الاستشراق بدوره لتقييم متعدد الدرجات ما بين متهم له على إطلاقه بخدمة الاستعمار[10] وما بين مركز على النماذج الاستشراقية التي خدمت بصورة إيجابية التعرف على الإسلام بوجوهه المتنوعة (العقيدة، الشريعة، الحضارة والثقافة، التاريخ، الفنون…[11]، وما بين داعٍ للتمييز بين الاستشراق القديم والاستشراق الحديث[12]، وما بين مهتم بمعرفة كيف يرد المستشرقون على الاتهامات الموجهة لهم من تيارات فكرية إسلامية[13]، وما بين مهتم بدراسة مواقف رموز الاستشراق التقليدي والحديث من قضايا مهمة في تاريخ العلاقات بين المسلمين والعالم وعلى رأسها الجهاد، والدعوة، والفتوح، والأقليات[14] وأخيرًا ما بين متهم للشرق الآن بعدم القدرة على دراسة الغرب وفهمه[15].
وتمثل هذه القضية الإطار الكلي الذي يحيط بالدراسة: متى وكيف ظهر وتطور الاهتمام بدراسة “التعارف” بين الحضارتين؟
وما الفارق بين الاستشراق وبين الاستغراب؟ وما موضع قضية التعارف بين الحضارات منهما، وخاصةً ما نحن بصدده في هذه الدراسة أي خلال الحروب والدبلوماسية؟
وبغض النظر عن تفاصيل الاتجاهات المختلفة حول الإجابة عن هذا السؤال، فإنه يجدر الإشارة إلى ما يلي:
التعارف السياسي ليس المحوري في التاريخ الإسلامي، والتاريخ الإسلامي ينصب على المعارك والدبلوماسية والسلاطين بين الحكام. ولذا؛ فإن التعارف السياسي من عدمه تابع للتواصل الحضاري بين الشعوب في التاريخ الإسلامي، فالأخير ممتد ومستمر مهما كانت حالة العداء أو التعاون بين الحاكم، لأنه أصل لا يتأرجح صعودًا وهبوطًا في الرؤية الإسلامية الكونية الإنسانية.
ويقوم منهج الإجابة عن الأسئلة التي تطرحها الدراسة، وانطلاقًا من الاستدعاءات المتصلة بالمنظور الحضاري والمتصلة بلب قضية التعارف، على الخطوات التالية:
تحديد المفاصل التاريخية في تطور العلاقات الدولية الإسلامية من جهة، ثم اختيار النماذج التاريخية ذات الدلالة بالنسبة للتعارف بأبعاده المختلفة المشار إليه عاليًا، ثم من جهة ثالثة القراءة في أدبيات التاريخ الفكري والاجتماعي والاقتصادي لهذه العلاقات بحثًا عن النماذج التي استدعت الأبعاد الحضارية خلال هذه المفاصل ولنتعرف كيف تم إدراك حالة التعارف وبواسطة من؟
وأخيرًا، محاولة تقسيم المفاصل التاريخية في محاور كبرى وتقديم بضعة نماذج عن كل محور، دون إدعاء بالطبع بشمول هذه النماذج، فهي ليست إلا مجرد حالات انتقائية. وذلك على ضوء معارف الباحث، وقد تعكس اهتمامًا ذاتيًا في حدود الإطلاع على التواريخ الاجتماعية والاقتصادية في نطاق اهتمام الباحث كمتخصص في العلاقات الدولية، وليس الأنثروبولوجيا أو دراسات المناطق أو الدراسات الثقافية أو التاريخ؛ ولذا تظل هذه النماذج مجرد نماذج وليس النماذج الشارحة للصورة الكلية للتعارف بكافة جوانبه المشار إليها عاليًا.
ومن ثم، لابد أن يدعم هذه النماذج ويراكم عليها حالات أخرى، تتطلب دراسة منظمة كلية في التواريخ الدولية – سواء السياسية أو الاقتصادية -الاجتماعية- لرسم خريطة أكثر شمولاً من ناحية، ولمناقشة دلالة الإطار النظري المقترح في هذه الدراسة من ناحية أخرى، بل وللنظر في مدى “مصداقية” ما يقدمه في هذه الدراسة من مقولات وذلك على ضوء النماذج المقدمة. فإن هذه الدراسة وإن انطلقت من منظور حضاري إسلامي لدراسة العلاقات الدولية الإسلامية، فما موضع اختلافها مع ما قد يتم من دراسات أخرى مناظرة ولكن من منظورات أخرى حول نفس القضية “التعارف من خلال الحروب والدبلوماسية”؟
وأخيرًا، وقبل الانتقال لعرض النماذج التاريخية المعنية، يجدر التوقف عند الأمر التالي:
أن الإجابة عن الأسئلة الكبرى التي تنطلق منها الدراسة تمثل الذاكرة الحضارية الواجب الوعي بها وتدبرها خلال المرحلة الراهنة من “التعارف بين الحضارتين” في ظل العولمة وفي ظل اختلال ميزان القوة المادية بين الحضارتين وفي ظل مراجعة شعوب كل منهما لذاتيته وهويته. ومن ثم، فإن النماذج التاريخية المعني بها في الدراسة ستمتد إلى بعض نماذج التاريخ الجاري .Current History
إن الحاجة لدراسة هذه النماذج التاريخية ليس ترف علمي أو غاية في حد ذاتها أو كسبيل من سبل مناقشة مصداقية مقولات افتراضية أو إمبريقية عن “التعارف بين الحضارات” باعتبار أن التاريخ هو معمل حي للعلوم الاجتماعية، ولكن تنبع أيضًا هذه الحاجة من احتياجات راهنة للشعوب العربية والإسلامية وهي تعايشه، في ظل العولمة، وما بعد الحرب الباردة، وما بعد الحادي عشر من سبتمبر، مرحلة من تطور النظام العالمي تمارس تأثيرها على هذه الشعوب بأكثر من وسيلة، وعلى نحو تنامي منه اختراق الخارجي للداخلي، وهو الأمر الذي لابد وأن يؤثر على نمط تعارف هذه الشعوب على شعوب أخرى والعكس صحيح. وتكسب أهمية الحاجة الراهنة لفهم النماذج التاريخية عن التعارف، أبعادًا إضافيًة في ظل “اندلاع الثورات العربية” ابتداءً بتونس مرورًا بمصر، واليمن والبحرين وليبيا وسوريا (حتى الآن). فإذا كانت “الثورات” قد أعلت من وزن دور الشعوب، فكيف ينعكس هذا على أنماط والتعارف الراهنة؟
ومن ثم، فإن منهاجية الدراسة تمتد بالنماذج التاريخية إلى تلك الراهنة الجارية.
ويمكن عرض مجموعة من النماذج التاريخية في المحاور التالية:

المحور الأول: الفتوح/ الاسترداد/ الأقليات المسلمة: وتوزعت نماذج ثلاثية هذا المحور، بين عصور القوة الضعف، في مناطق القوقاز وآسيا الوسطى، الأندلس، الزيلع، البلقان، وهي المناطق المحيطة بالقلب العربي الإسلامي[16]

فكيف جاءت نماذج الفتوح الإسلامية، وكيف جاءت نماذج الاسترداد في هذه المناطق بأنماط مختلفة من التعارف، وما الدلالة بالنسبة لماهية وطبيعة الحضارة المعنية بالقوة الفاتحة أو المستردة؟ وما مآل المسلمين الآن في المناطق المستردة؟ وما مآل المسيحيين الآن في الدول الإسلامية؟ ما نمط التعارف الذي اقترن بالفتح الإسلامي للقوقاز وآسيا الوسطى، ومصر والشام وشمال إفريقيا، والأندلس، والبلقان، وشرق أفريقيا وغربها؟ وما نتائجه على أديان وقوميات وثقافات شعوب هذه المناطق وعلى العمران الحضاري في مرحلة الفتوح الراشدة ثم الدول الأموية والعباسية والعثمانية؟ ألا يمكن وصفه بأنه تعارف رشيد، تفاعلي، ليس استئصالي؟
وعلى ضوء المقارنة مع أنماط الاسترداد شبه المتزامنة منذ أواخر القرن الخامس عشر في نفس المناطق (والتي اكتملت خلال القرن السادس عشر في الأندلس واستمرت في الشرق وفي البلقان حتى نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين)، فما نمط التعارف: ألم يكن ضالًا استعلائيًا استئصاليًا؟
وماذا عن الامتدادات الراهنة لما بعد الاسترداد، بالنسبة لوضع الأقليات (الشيشان، البوسنة، مسلمو أوروبا) في هذه المناطق؟[17].
ومن الأعمال عن التواريخ الفكرية والاجتماعية والتي تشرح هذه الأنماط المتقابلة من التعارف خلال الفتوح والاسترداد: يمكن أن نتوقف عند النماذج التي تقدمها الأعمال التالية:

1- نماذج من كتاب “الفتوح العربية الكبرى”[18]
يقدم هذا الكتاب تأريخًا غير تقليدي، وفق منهج علمي جديد (كما حدده المؤلف نفسه وكما علق عليه المترجم)، ويسعى إلى الإجابة عن سؤال مزدوج: لماذا كان نجاح المسلمين سريعًا وواسع النطاق في الفتح؟ وكيف تمكنوا من تحويل الفتح إلى تغييرٍ دائم في مصائر المناطق والشعوب؟ وذلك من خلال فهم لتاريخ الفتوح يخالف التيار السائد في البحث التاريخي الأوروبي والأمريكي عن هذه الفتوح. ويكشف الكتاب، وفق مقدمته وتقديم المترجم، عن كيف أن معظم الفتوح كانت سلمية، وكيف رأى أهل البلاد المفتوحة في الفاتحين “سادة أفضل من سادتهم القدامى”.
بعبارة أخرى، ووفق مقدمة المؤلف أيضًا، فهو يسعى لتقديم إجابة أكثر تركيبًا من التي قدمها بعض أهل هذا الزمان “من المسيحيين” (إنها إرادة الرب).
ومن بين تفاصيل الأحداث التاريخية ذات الدلالة المهمة عن فتح مصر والشام وشمال أفريقيا، يمكن القول إن المؤلف قد أبرز الإجابة عن السؤال التالي، الذي طرحه أحد رهبان القرن السابع الميلادي تعليقًا على الفتوح العربية:
“كيف يمكن لرجال عراة، يركبون دونما دون درع أو ترس أن يتمكنوا من الانتصار ويحطوا من شأن روح الكبرياء الفارسية؟[19].
وهذه الإجابة هي: الفرق بين العرب والمسلمين وأعدائهم وعاداتهم ومواقفهم وقيمهم المختلفة”[20].
ومن بين القصص ذات المغزى في الكتاب، تلك المنقولة[21]. عن أحد كتب تاريخ فتح مصر (ابن عبد الحكم) خلال فتح الإسكندرية عن مواجهة بين فارس عربي وبين فارسين بيزنطيين، قد تبدو هذه القصة بسيطة مقارنةً بأحداث فتح الإسكندرية إلا أنها بينت، وفق المؤلف: الفارق بين أثر الترف والغنى وعدم اعتياد خشونة الأمور الحربية عند البيزنطيين في مقابل حياة الزهد والتقشف والحرمان لدى الفارس العربي وقدراته القتالية العالية إلى جانب إيمانه الشديد برسالته ودورة فضلًا عن تمسكه بالفضيلة وعدم مبالاته بالأغراض المادية (الغنائم) بل والانصراف قارئًا للقرآن بعد صرعه لعدوه.
ومن ناحية أخرى، وفي موضع آخر من الكتاب، حين وصف فتح الشام بين المؤلف، من خلال المصادر عن أحداث كثيرة، كيف تجلت قوة إيمان وصبر وجلد المسلمين في أعمال الحصار وكيف تجلت مساندة الله لهم على أكثر من نحو، في مقابل تحسرات البيزنطيين على أنفسهم واليأس الذي دب في نفوسهم وانتظارهم السقوط وفق إرادة الرب[22].
من ناحية ثالثة، بين المؤلف[23] كيف ينتهي الأمر بين أتباع الديانتين المتقابلين في حرب عنيفة إلى مقاسمة كنيسة يوحنا (في حمص) وكذلك في دمشق والنجف. ويقول في هذا: “بعد الهزيمة السياسية للقوات المسيحية، تعايشت الجماعات الدينية (المسلمون والنصارى) معًا، على أساس من التسامح المتبادل، إن لم يكن في حال من الانسجام والتوافق”.
هذا، وحيث يتضمن الكتاب، رؤى من أكثر من مصدر تاريخي عربي وغير مسلم، فهو يقدم أيضًا رؤى قاسية عن فتح العرب قدمتها مصادر قبطية تصف عنف ودموية هذا الفتح واستعباد أهل مصر لدرجة التشبيه بفترة حكم فرعون[24].
إن كتاب الفتوح الكبرى، وفق هذه المنهاجية متعددة المصادر والروايات عن الحدث الواحد، إنما يقدم لقطات حية عن نمط من أنماط التعارف، “حين الفتح العربي” وكيف اختلفت الروايات التاريخية المسيحية والإسلامية حول تكييفه وكيف أسهم هذا الكتاب، من خلال المقارنات في تقديم مساهمة علمية منضبطة.
وبلا شك، فإن الدلالات الحضارية الراهنة لهذا الكتاب، وما يقدمه من نماذج، ذات أهمية كبرى في إطار السياق الراهن في الشرق العربي عن ما يتعرض له المسيحيون من اضطهاد يهدد بتفريغ المنطقة من مسيحييها، وهو سياق يساهم في صنعه العديد من العوامل السياسية الداخلية والخارجية، فهو ظرفي، وليس هيكلي نابع من طبيعة ثقافة ودين أغلبية أهل المنطقة كما يدعي البعض[25].
ومما لا شك فيه، أن هذه الدلالة الراهنة للكتاب لابد وأن تتأكد من قراءة في كتابات أخرى عن نماذج تاريخية للتواصل
والتعارف عبر عصور الحضارة العربية الإسلامية، وليس لقطة الفتوح فقط، كما سيرد لاحقًا في هذا المحور ومحاور أخرى.

2- نماذج من كتاب “الإسلام في يوغسلافيا من بلغراد إلى سراييفو”[26]
يُقدم الكتاب جانبًا من تاريخ الفتوح العثمانية في البلقان، ومن مدخل تعارفي آخر يتصل بالناس خلال توالي الحروب العسكرية وتغير توازنات القوى بين العثمانيين والصرب والنمساويين (عبر ما يزيد عن ثلاثة قرون) منذ فتح كوسوفا الذي أكد الهيمنة العثمانية على المنطقة وحتى الحروب البلقانية التي صفت الحكم العثماني في البلقان (1912- 1913). والمدخل التعارفي الذي يقدمه المؤلف هو مدخل فريد ألا وهو تاريخ المدن –بلجراد وسراييفو- وكيف أن أحوالهما العمرانية وخصائصهما البشرية وغيرها تتغير بتغير القوة المسيطرة، عثمانية كانت أو مجرية نمساوية أو صربية وهو التغير الذي يعكس الفارق بين نموذجين حضاريين متقابلين انعكسًا ليس على نمط الحروب فقط ولكن على نمط إدارة العمران أو تخريبه في ظل تسامح أو تعصب، وذلك خلال فترة ما بعد الحروب.
ويلخص المؤلف في تقديمه للكتاب، ما يفصله الكتاب من دورات ازدهار ودورات ارتداد للمدينتين في إطار التعاقب من الحكم العثماني إلى غيره[27].
ويقول المؤلف في هذا عن بلجراد[28]:
“خلال الحكم العثماني الطويل (1521- 1867)، وخاصةً في الفترة الأولى (1521- 1689)، توفر الاستقرار لهذا الموقع وتحوَّلت بلغراد من قلعة إلى واحدة من أكبر المدن في أوروبا الشرقية. وفي الواقع، لقد نشأت خارج القلعة مدينة جديدة ازدهرت كنموذج للمدينة الإسلامية وشكلت نموذجًا حضاريًا متقدمًا بالنسبة للوسط الأوروبي. ومع هذا الازدهار، الذي صاحبه نمو المدن الأخرى في البلقان في ظل الحكم العثماني، امتدت حدود الشرق غربًا حتى أصبحت مدينة بلغراد “بوابة الشرق” بالنسبة للأوروبيين الغربيين الذين كانوا يشعرون عند وصولهم إلى بلغراد بعبورهم إلى الشرق. وبعد هذا الازدهار، الذي أصبحت فيه بلغراد تُشَبَّه بدمشق، جاءت حرب الاسترداد لتقضي على بلغراد تدريجيًا كرمز للنموذج الحضاري الشرقي الإسلامي في أوروبا، وهكذا، باستثناء الجامع الوحيد الذي بقي في المدينة بعد أن كان عدد الجوامع يتجاوز المئتين، تبدو بلغراد الآن مدينة أوروبيةً حديثةً لا تُمتُّ بصلة إلى تراثها الحضاري السابق”.
وتحت عنوان “سراييفو: دار الجهاد والزهرة بين المدن” يقدم د. أرناؤوط للقسم الثاني من كتابه، ويُبين التشابه بين بلجراد وسراييفو باعتبار كل منهما”نموذجًا للتطور العمراني الفريد الذي حصل في البلقان خلال العصر العثماني[29]:
“وكان هذا التطور العمراني الفريد تعبيرًا عن حضارة جديدة (الحضارة الإسلامية)؛ ولذلك فإن كلًا من بلغراد وسراييفو تحولت إلى مركز من مراكز هذه الحضارة المتميزة بالملامح العمرانية والتعايش والتسامح والإبداع الجديد في مجال التأليف بلغات جديدة لم تكن معروفة كالعربية والتركية والفارسية.
ومع هذا التشابه، كما قلنا، بين بلغراد وسراييفو لدينا هناك نوع من الترابط أيضًا في المصير. فبعد أن أصبحت عاصمة صربيا، عايشت بلغراد أولًاً ما يُسمى الآن “التطهير”، أي “تطهير” المدينة من المسلمين وما يُذكّر بهم من جوامع ومدارس ومنشآت أخرى، وذلك باسم التخلّص من “الأتراك”.
وعندما أصبحت بلغراد عاصمة يوغسلافيا (1918) وجد المسلمون في سراييفو أنفسهم في وضع مشابه، إذ تعرضوا لمجازر دموية وحوصروا بالشعارات والمقالات الصحفية التي تطالبهم بالهجرة تحت شعار “الأتراك إلى آسيا”، أو بالعودة إلى “الدين القديم” (المسيحية). مع أن البوسنيين المسلمين، كما سنرى في الفصول اللاحقة، صمدوا وقاوموا، إلاّ أن تلك العقلية التي لا تفهم إلا في “التهجير” و”التطهير” بقيت كامنة وتنتظر الفرصة لانطلاقتها من جديد”.
إن نموذجا كل من بلجراد وسراييفو التاريخيين يعكسان نمطًا من التعارف الحضاري في مقابل نمط من التعارف الاستعلائي الاستئصالي. وهو نمط ممتد عبر التاريخ وتجسد في شكله المعاصر بعد نهاية الحرب الباردة في مأساة حروب الإبادة والتطهير ضد البوسنيين والكوسوفيين بصفةٍ خاصة.
واقترن ذلك –زمنيًا- بإبادة أخرى في القوقاز ضد شعب الشيشان بعد تفكك الاتحاد السوفيتي.
ولقد سبق وتعرض هذا الشعب بدوره لمواجهات من التهجير والإبادة في ظل الروسنة والسفيتة وبعد أن أحكم القياصرة الروس هيمنتهم على القوقاز في منتصف القرن التاسع عشر، بعد صراع على النفوذ مع العثمانيين.
كل هذه الحلقات من الاسترداد الروسي، ومن الاسترداد الصربي والمجري، لا تقارن بالاسترداد الأكبر في الأندلس.

3- الاسترداد في الأندلس
وقد تم عبر حلقات متتالية تدعمت خلالها قوة قشتالة وأرجون ووحدتهما في مقابل تزايد تجزئة ممالك الأندلس وإماراتها من ناحية وتزايد موالاتهم وتحالفهم مع أسبانيا ضد بعضهم البعض أملًا في النجاة أو بمعنى أدق إطالة أمد عدم السقوط، الذي أضحى حتميًا، وخاصةً مع افتقاد النصرة وفشل ما قدم منها.
ولقد شهد الاستراداد عدة مراحل: ابتداءً من الحروب الصليبية في الأندلس (625هـ- 898هـ) والتي واجهت مقاومة وجهادًا قبل تدهور روح الجهاد لينتهي بسقوط غرناطة، وصولًا إلى إجبار المسلمين على التنصر ثم اجبارهم على ترك لغتهم العربية وكل مظاهر الحياة والسلوكيات العربية والإسلامية واخضاعهم لمحاكم التفتيش[30].
وهنا، بدا أن نمط التعارف والتواصل الحضاري الذي ازدهر في خبرة الأندلس مؤسسًا حضارة قد تحول إلى نمط آخر استئصالي.

4- من نموذج “طريق الحرير” إلى نموذج العلاقات الاقتصادية الدولية العثمانية
من لقطة الفتح، إلى لقطة العمران نصل إلى لقطة التجارة والاقتصاد في ظل تطور موازين القوى السياسية والعسكرية، فالتجارة والاقتصاد شكلًا من أشكال التواصل الحضاري المستمرة مهما كانت أشكال العداء أو الصراع أو التعاون بين الكيانات السياسية، إلا أنها لابد وأن تتأثر صعودًا وهبوطًا أو ازدهارًا وتراجعًا أو استقلالًا وتبعية، بالتطور في السياقات السياسية والعسكرية المحيطة.
أ) نموذج طريق الحرير[31]:
وإذا كان نموذج طريق الحرير، يمثل نموذجًا للتفاعلات البشرية الحية وانتقال الموارد من مركز ثقافي وحضاري إلى آخر في مسار ممتد من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب عند الأراضي التركية وشاطئ المتوسط العربي، مرورًا بتضاريس وجغرافيا طبيعية وبشرية شديدة التنوع، إلا أنه يمثل أيضًا نموذجًا على شبكة مصالح تجارية ودعوية ربطت بين جميع هذه الأطر البشرية والطبيعية والثقافية عبر تاريخ ممتد.
ويستهل مؤلف الكتاب الفصل الأول تحت عنوان “الخيط الحريري” بمقولة لماركو بولو الرحالة، وهي[32]:
“أيها الأمراء والأباطرة والملوك العظماء والدوقات والماركيزات والفرسان وأعضاء البرلمان والناس من كل الطبقات، يا من ترغبون في معرفة شعوب البشرية العديدة وأقاليم العالم الكثيرة المتباينة، لتأخذوا هذا الكتاب وليُقرأ عليكم. فسوف تجدون فيه كل ما هو عجيب إلى جانب التواريخ المختلفة لأرمينيا الكبرى وبلاد فارس وبلاد التتار والهند وبلاد كثيرة أخر”.
وتعليقًا على هذه المقولة، فإن مؤلف الكتاب يقدم شهادة مهمة ذات دلالة أساسية عن موضع طريق الحرير من التواصل الحضاري بين حضارتين: شرقية زاهرة وغربية آفلة (خلال العصور الوسطى) وهذه الشهادة هي[33]:
(بداية الاقباس)
“عندما سجل ماركو بولو مشاهداته في نهاية القرن الثالث عشر الميلادي، لقى ذلك تقدير عدد قليل من الناس ولم يصدقه إلا عدد أقل. فقد كان الأوروبيون الأجلاف غير المتعلمين الذين تميزوا بضيق الأفق في العصور الوسطى، في ريبٍ من رواياته عن المدن القديمة الواقعة وسط بحار الرمال وعن ملوك البدو الذين يرفلون في ثياب من الحرير ويجلسون على عروش طُليت بالذهب وعن المدن الشرقية التي تفوق مدن أوروبا عظمة وجمالًا.
ولكن ما لم يدركه ماركو بولو، أو من عاصروه، إدراكًا كاملاً، أنه جاء في حقبة متأخرة من تاريخ هذا الطريق العظيم الذي يقطع قارة آسيا. فقد أتيحت له فرصة ثمينة لرؤية طريق الحرير في أواخر عصوره الزاهية. فذلك هو أعظم طرق العالم القديم، طريق الإسكندر الأكبر والإمبراطور دارا العظيم وتشانج شيان وجنكيز خان.
وعلى مر الآلاف من السنين التي سبقت زمن ماركو بولو، سار في طريق الحرير التجار والباحثون عن الثروة والحجاج والجنود والمغامرون والمهاجرون والممثلون الجوالون واللاجئون. أما التاريخ المتعارف عليه لبدء السير في طريق الحرير، فهو سنة 105 أو 115 قبل الميلاد. ففي ذلك الوقت، سار الصينيون حتى منتصف الطريق عبر آسيا، ليربطوه بطريق مشابه يسير من عند البحر المتوسط إلى وسط آسيا. ومع ذلك، فالواقع يقول إن طريق الحرير أقدم من ذلك بكثير، فربما يعود إلى ألفي سنة قبل ذلك أو يزيد، إذ ظل طريق الاتصال بين البحر المتوسط والصين ما لا يقل عن أربعة آلاف سنة.
…. وإذا كان طريق الحرير أحد أعظم الطرق التجارية في العالم، فقد يكون كذلك أكثرها أهمية من حيث كونه طريقًا لتبادل الأفكار. فعلى هذا الطريق، انتقلت بعض أهم الأفكار والتقنيات في العالم، كالكتابة والعجلة والنسيج والزراعة وركوب الخيل وغيرها، وكان للدين أيضًا دور كبير على طول طريق الحرير. وربما يكون الإسلام والبوذية أهم الديانات التي صاغت شخصية الطريق في عصر كل منهما، إلا أن ديانات كثيرة أخرى عبرت قارة آسيا على هذا الطريق، مثال ذلك المسيحية والزرادشتية والمانوية واليهودية والمزدكية والكونفوشية والتاوية…
…. وفي العصور الوسطى، وبينما كانت أوروبا تعاني من الضعف، أرسلت الصين المزدهرة إلى الغرب بعضًا من أعظم إسهاماتها، وإن لم تتعمد ذلك. وشملت تلك الإسهامات الورق والطباعة، أو ما أطلق عليه مايكل إدواردز “سقالة العالم الحديث”، إلى جانب التفكير الجديد والتطورات العملية في الطب والفلك والهندسة، علاوة على الأسلحة التي تشمل القوس والنشاب ومعدات الحصار والبارود والعجلات الحربية.
ولا عجب –إذن- أن يحظى هذا الشريان الآسيوي باهتمام بعض الشخصيات العالمية العظيمة. فمنذ أقدم العصور وهذا الطريق به من المغريات ما يستحق اهتمام أكثر الغزاة طموحًا.
… ومع ذلك، لم يكن الناس جميعًا مغرمين بالاتصال بآسيا. فعلى مر العصور، كانت هناك شكوى من إفساد رفاهية الشرق لسكان الغرب وإبعادهم عن الحياة البسيطة التي تتميز بالنقاء.
…. وعلى امتداد تاريخ الطريق لم يتمكن من قطعه ذهابًا وعودة إلا قليل من الناس. وهذا الطريق الذي يمتد خمسة ألاف ميل تقريبًا يمر عبر العديد من البلاد التي تغار على أراضيها ومما يحققه الوسطاء التجاريون من أرباح وكانت بلاد فارس أكثر تلك البلاد غيرة.
…. وفي العصور الوسطى، التي حكم فيها المسلمون الغرب ولمعت أسرة تانج في الشرق، لم يقطع الطريق بحرية سوى عدد قليل من الناس، فعلى الدوام كان قطاع أو آخر من هذا الطريق المحفوف بالعذاب يُبتلى بالحروب أو الثورات.
.. ولم تتوحد آسيا تحت راية واحدة إلا في أواخر القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر. وفي تلك الفترة، وفر المغول، الذين يعتبرهم الغرب مجرد شعب مدمر، الأمن والسلامة للمسافرين بين الشرق والغرب. وفي تلك الحقبة القصيرة من السلام المغولي اتجه التجار الأوروبيون إلى الصين في رحلات منتظمة.
…وبزوال دولة المغول انقضت آخر أيام طريق الحرير العظيمة. إذ عادت شعوب آسيا إلى ما كانت عليه من انقسام وفرقة وعاد الشرق والغرب ينظر كل منهما للآخر نظرة كلها خيال ورومانسية. وكثيرًا ما تميزت تلك النظرة بغرابة شديدة، وعند سقوط القسطنطينية، في منتصف القرن الخامس عشر، ظل طريق الحرير مقطوعًا تمامًا لبعض الوقت. ورغم استئناف التجارة والسفر عبر آسيا، لم تقم لطريق الحرير قائمة، وفي عصر الكشوف الجغرافية كان أهل غرب أوروبا يفتحون طرقًا بحرية جديدة، ليس إلى العالم الجديد فحسب وإنما كذلك إلى الصين حول آسيا وأفريقيا، ولم يكن هناك بأس من قطع الرحلة في عام أو يزيد وضياع العديد من الأرواح، خاصةً قبل أن يتعلم البحارة كيف يتقون مرض الاسقربوط. ولم يكن الطريق البحري يمر في أراضٍ تابعة لأحد، ولم يكن الوسطاء يقاسمون التجار أرباحهم، لذلك كان ظهور الطرق البحرية سببًا في أفول نجم ذلك الطريق البري، الذي ظل آلاف السنين مسيطرًا على آسيا، لقد انقطع الخيط الحريري.
وفي عصور الانحطاط التي تلت ذلك، نسيت الشعوب التي تعيش على امتداد طريق الحرير تلك العظمة التي شهدها أسلافهم، أما تلك المدن التي شيدها الفاتحون العظام وأحياها المستوطنون واللاجئون وأثراها التجار وعمَّرها الكهنة، فقد انكمشت، وغالبًا ما هجرها أهلها وتركوها نهبًا للرمال”. (نهاية الاقتباس)
وإذا كانت توازنات القوى السياسية والعسكرية وتحولاتها قد أثرت في ازدهار هذا الطريق أو تراجعه، مما لا شك فيه أن تحولات القوى العالمية الراهنة “نحو قارة آسيا” ومع كل الحديث عن “القرن 21 قرن آسيا” ومع كل الحديث عن توازنات القوى الآسيوية وتحالفاتها في مواجهة تحالفات القوى الأوروبية-الأمريكية ومصالحها العالمية وفي آسيا بصفةٍ خاصة، فنشهد محاولات لإحياء “طريق الحرير” كنموذج على تنظيم المصالح الاقتصادية بين مراكز ثقافية وحضارية بل وقوى سياسية مختلفة.
وفي هذا، يقول مترجم الكتاب “أن 40 دولة آسيوية أعلنت 1996 من إيران، قيام “طريق الحرير الجديد” من خلال شبكة خطوط سكك حديدية تربط بين بكين شرقًا والبحر المتوسط غربًا”. ويصف المترجم هذا الحدث الراهن ودلالات ذاكرته الحضارية كالآتي[34]:
“… وهكذا، تعود الحياة إلى طريق الحرير الذي خطه التجار منذ ما يربو على الألفي سنة، عندما كانوا ينقلون النفائس بين الشرق والغرب. وهو الطريق الذي سار عليه الغزاة والفاتحون، كالإسكندر الأكبر والرومان والفرس وجيوش الفتح الإسلامي وجحافل جنكيزخان وهولاكو وتيمورلنك، وحمل هذا الطريق الدعاة والمبشرين البوذيين واليهود والمسيحيين والمسلمين، وعليه سار الرحالة العظام أمثال شيان تسونج وابن بطوطة وماركو بولو، الذين لولاهم لما عرفنا كيف كان حال الطريق في العصور التي عاشوا فيها.
وقد عاش هذا الطريق سنوات عزٍ وازدهار، وأخرى من الكساد والانقطاع. أما أكثر أيامه ازدهارًا فكانت عندما خضعت البلاد الواقع فيها لإمبراطوريات قوية، كما حدث في عهد الفرس والمغول، في حين أدى ضعف الدول التي يمر فيها وحدوث حروب وصراعات فيما بينها إلى انقطاع الطريق.
وعلى مر التاريخ، كانت هناك مدن تظهر وأخرى تختفي، تبعًا لموقعها من طريق الحرير، تمامًا كما حدث مع تدمر والبتراء اللتين ازدهرتا بمرور تجاه طريق الحرير عليهما ثم انهارتا وطواهما النسيان حين ابتعد مسار الطريق عنهما”.

ب- نموذج التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للدولة العثمانية
نستطيع استخلاص مجالًا آخر للتعارف وكيف تأثر بحالة توازن القوى سلمًا أو حربًا، فتحت عنوان “التجارة العالمية”، نجد الجزء الأول من كتاب “تاريخ الدولة العثمانية الاقتصادي والاجتماعي” يشير إلى الآتي[35]:
“كانت تعاليم الشرع الإسلامي تحظى بأهمية عظيمة وتتحكّم بعلاقات العثمانيين مع أوروبا، ولا يمكن فهم أي دراسة بدون هذه التعاليم…
… قبل عام 1800، لم تكن التجارة العالمية بين الدولة العثمانية وأوروبا محكومة بتكاليف النقل فحسب وإنما أيضًا بالصراعات المتكررة بين هذين العالمين المتنافسين دينيًا وثقافيًا، وحروب الحدود المستمرة، ونشاطات القراصنة. ومع ذلك، فإن الحاجات الاقتصادية المتبادلة الإلزامية فرضت على كلا الجانبين الحفاظ على علاقات تجارية ودية حتى خلال أوقات الحرب، وكان السلطان –الإمام يمنح الضمانات الضرورية للإقامة، والانتقال والتجارة في الأراضي العثمانية بحسب مبدأ الأمان الإسلامي، فقط لغير المسلمين من دار الحرب الذين يقدمون تعهدًا “بالصداقة والنية الحسنة”. ونتيجة لذلك، فإن الدول أو الأفراد المعتبرين أعداء للإسلام كانوا يحرمون من تلك الضمانات الرسمية، ويمكن استعباد مثل هؤلاء الناس.
… إن المبدأ الأساسي للامتيازات هو دائمًا “أمان” أعطي رسميًا من قبل رئيس الجماعة الإسلامية في مقابل التعهد بالصداقة من قبل غير المسلمين، وغالبًا ما كان العثمانيون يميلون إلى تفسير مثل هذا التعهد على أنه نوع من التحالف.
.. وعلى قاعدة التعهد “بالصداقة”، توقع العثمانيون، رغم أن ذلك لم يكن معبرًا عنه في الوثيقة، حصول رعاياهم على امتيازات متبادلة، وقد استفاد الرعايا العثمانيون غير المسلمين مثل: اليهود، والأرمن، واليونان والسلاف بشكلٍ خاص، من الحماية المعطاة للعثمانيين في الخارج وأنشأوا منذ القرن الخامس عشر، جاليات تجارية مزدهرة…
…. توقع العثمانيون، وبشكل رئيسي، من منحهم الامتيازات الحصول على امتيازات سياسية من الدول المستفيدة، أي فرصة الحصول على حليف ضمن العالم المسيحي…
واستفاد العثمانيون أيضًا من علاقاتهم التجارية مع أوروبا، فقد حصلوا على سلع نادرة واستراتيجية…
… اعتبرت المنافع المالية الناتجة عن هذه التجارة أحد أكثر نواحيها أهمية، فقد قدمت الرسوم الجمركية مبالغ نقدية كبيرة كانت الخزانة الإمبراطورية في أمس الحاجة إليها…
… وفي ظل الامتيازات منح الأجانب غير المسلمين الإذن بالتنقل والتجارة الحرة في الأراضي العثمانية. لكن لم يسمح عمليًا لأعضاء الدول الأجنبية إلا بالإقامة فقط في بعض المرافئ بأحياء محددة أو خانات ضمن هذه المرافئ. وتمتعوا في إزمير، وحلب وغلطة بدرجة عالية من حرية الحركة”.
هذا، ولقد استهل خليل إينالجك أحد محرري الكتاب مقدمة الجزء الثاني منه[36]، بالقول إن دراسة الأحداث السياسية تسبق قيام مؤلفي الكتاب على دراسة الاقتصاد والمجتمع في مراحل تطور العصر العثماني.
ومن ناحية أخرى، بين كيف أن القوة العثمانية، السياسية والعسكرية قد أحيت التجارة الشرقية بين الهند والشرق الأوسط وحافظت على العالم الإسلامي طيلة أربعة قرون من الأخطار الخارجية، التبشيرية والاستعمارية وفي نفس الوقت فلقد كان للدور العثماني العالمي وجهًا آخر حيث يشير خليل إينالجك”[37]:
“… وهناك حقيقة تاريخية مدوَّنة حتى في مناهج التاريخ المدرسية ألا وهي: إن الأوروبيين تعلموا كافة العلوم ابتداءً من علم الرياضيات وحتى فنون النسج والأصباغ ونظم الشركات غير الخاصة وغيرها من حضارة الشرق الأدنى، ودون إدراك هذا المفهوم لا يمكن فهم وإدراك ما يسمى بـ”المعجزة الأوروبية”، واعتبارًا من عام 1150 منحت الدول الإسلامية امتيازات التجارة الحرة للأوروبيين في البلدان الإسلامية.
ومن دون شك، فقد لعب العثمانيون دورًا في تطوير الاقتصاد الرأسمالي الأوروبي وذلك بتوسيع امتيازاتهم الرأسمالية… وباختصار يمكن القول: إنه لا يمكن فهم تطور أوروبا الحديثة بغض النظر عن الحضارة الإسلامية والتعاون الإسلامي، وسوف يجد القارئ تفاصيل كل ذلك في هذا الكتاب”.

وفي المقابل، في حين بدأ الدور العثماني العالمي في التراجع عسكريًا وسياسيًا، وبدأ عصر الإصلاحات أو التنظيمات، فإن اتجاهات الاقتصاد العالمي سجلت نموًا أوروبيًا متسارعًا نتيجة اختلال الميزان التجاري لصالح أوروبا الرأسمالية الأمر الذي أثر سلبًا على الدولة العثمانية والتي كانت تواجه مشاكل تتفاقم وهو الأمر الذي انعكس على التجارة والضرائب والجمارك والعملة العثمانية[38].
بعبارة موجزة:
فإن المدخل لتفاصيل العلاقات الاقتصادية والتجارية العثمانية مع العالم هو حالة العلاقات السياسية وميزان القوة السياسية، كما أن حالة هذه العلاقات الاقتصادية هي أيضًا مؤشر على أو مدخل للتأثير في حالة العلاقات السياسية، ولقد كان وضع التجار الأجانب والامتيازات العثمانية وهجرات السكان، ووزن العملات محورًا أساسيًا في هذا الجانب من التعارف.
ومن الواضح، أن هذا الجانب موضوعه هو “الاقتصاد السياسي الدولي” “للتعارف” ودوره في تشكيل علاقات القوى العالمية في العصر العثماني.
ويوجز خليل إينالجيك هذا المدخل في عبارات واضحة وشاملة تشرح بيسر تفاصيل ممتدة عبر أكثر من أربعة قرون تفاعل خلالها الاقتصاد والسياسة داخليًا وخارجيًا وهي الآتية[39]:
“علاقات الدولة بالغرب التي تكثفت بعد القرن السادس عشر. لقد كانت الدولة العثمانية أول إمبراطورية آسيوية تشهد تأثير نهوض أوروبا وتوسعها البارزين في الحقلين الاقتصادي والعسكري. وبينما كان الغرب التجاري مهتمًا في الحفاظ على السوق العثماني واستغلاله كأمر حيوي للاقتصاد الغربي، فإن كلا من إمبراطورية آل هابسبورغ والإمبراطورية الروسية، مستفيدتين من التطورات الجديدة في التكنولوجيا العسكرية، بدأتا سياسة عدوانية لغزو وتقسيم الإمبراطورية العثمانية.
في هذه المرحلة الجديدة، غيَّرت الهيمنة الأوروبية وضع الإمبراطورية والعثمانية، من السيطرة إلى التبعية المتزايدة. وفي محاولة للخروج من هذه الأزمة، سعى العثمانيون أولاً إلى إصلاح مؤسستهم العسكرية، ثم تنظيماتهم الإدارية، لذا ظهر بالنسبة للعثمانيين ما يمكن تسميته المسألة الغربية، أي محاولة مجتمع إسلامي تقليدي أن يحدد إلى أي مدى بإمكانه أن يتبع الطرق الغربية.
ترافقت هذه التغييرات العسكرية والإدارية مع تسارع وتيرة الاستيراد من الغرب.
…. من التطورات الأكثر أهمية في المرحلة التي تلت المرحلة التقليدية، ظهور “الليبرالية” العثمانية في الموضوعات الثقافية والاقتصادية، وقد توسعت الامتيازات التجارية لتطال كل الدول الأوروبية.
… وفي القرن العثماني الأخير، استُؤنفت الليبرالية بالقضاء على الإنكشارية عام 1826، وهي التي كانت تحمي امتيازات النقابات الحرفية، وبالمعاهدة الإنكليزية -التركية عام 1838. لقد ضعفت مساعي الحكومة لتوجيه الاقتصاد، تدريجيًا من الآن فصاعدًا، بعد أن كادت تؤدي إلى تدميره في أواخر القرن الثامن عشر. إلا أن الحكومة سعت مجددًا في القرن التاسع عشر، للتدخل والحماية.
… إلا أن الحروب وخسارة الأراضي استمرت في تدمير شبكات التجارة وتشكيل شبكات جديدة، ما أثر وبشكل عميق في النشاطات الزراعية والصناعية في أعقاب ذلك.
… لقد سعينا لعرض تفسير للوقائع الاجتماعية والاقتصادية في محيطها العالمي”.
خلاصة القول، إن النموذج التاريخي لهذا النمط من “التعارف” خلال “الإصلاحات في ظل ضغوط خارجية”[40] لابد وأن يقود إلى نمط من الإصلاح “الضال” والتابع.
وهذه الخبرة تلقي بالكثير من الضوء على مسار ونتائج خبرات الإصلاح الجارية في العالم الإسلامي في ظل شبكة من الضغوط والتدخلات الخارجية.
فهل ستعي الثورات العربية مغزى هذه الخبرة التاريخية وهي تؤسس لنظم جديدة تأملها الشعوب، ألا يمكن للتعارف على الآخر أن يتم لأمور أخرى وليس مجرد النقل عنه فقط احتذاءً أو تقليدًا؟

المحور الثاني: نماذج خلال الهجوم الصليبي والمغولي على القلب الإسلامي والدفاع عنه

من أهم المفاصل التاريخية في هذا الصدد:
من الحملات الصليبية إلى هجمات الفرنج في المتوسط إلى الكشوف الجغرافية، إلى غزوة التتار إلى الحملة الفرنسية وبداية الاستعمار الحديث للقلب العربي الإسلامي، إلى التنظيمات والإصلاحات في مرحلة الضعف والتجزئة.
فما هي النماذج التاريخية الكاشفة عن أنماط من التعارف المتقابلة خلال وعبر هذه المفاصل التاريخية المهمة؟

(1) نموذج تعارف المؤرخ أسامة ابن منقذ الكناني الشيزري على الصليبين في “رد الاعتبار”[41]

يقدم هذا الكتاب مذكرات أسامة بن منقذ في حروب الإفرنج التي أسماها الأوروبيون الحروب الصليبية.
ومن الترجمة التي قدمها محقق الكتاب لشخص أسامة وطبيعة الفترة الزمنية التي عايش خلالها الصليبيين[42] يتضح مدى أهمية هذا الكتاب في تصوير عادات أهل الشام وفلسطين في غمرة تلك الحروب والأهم هو رؤيته عن “الصليبيين” خلال معاركهم وخلال تفاعلهم مع المسلمين. والمذكرات على هذا النحو –وفق مقدمة المحقق- تمثل وثيقة حية من وثائق حروب الإفرنج، حيث لم يؤرخ أسامة للمعارك السياسية والعسكرية، ولكنه صور حياة الناس وهم يعاملون هذا العدو. ومن ثم، يرى المحقق:
(بداية الاقتباس)
“إنَّ قيمة الكتاب تبدو في حسن تصويره لمجتمعه الذي كان يضطرب اضطربًا عنيفًا بما يلقى من كثرة الفتن، وتفرُّق الأهواء، وغَلَبة الأطماع، واختلال الأمن، وفشوّ بعض التيارات الفكرية المتطرفة فيه، ثم بوصف ما يرزح تحته من ثِقَل غزو الإفرنج، واتّساع أذاه، ونهوض الناس له، ففي هذا الجانب يبدو الكتاب وثيقةً حية من وثائق حروب الإفرنج –وهي أطول حروب التاريخ إلى اليوم- لا نعرف لها شبيهًا…
فإن أسامة لم يكن يعبأ فيه بأخبار المعارك والتأريخ لها، على نحوِ ما نعرف في كتب التاريخ التي أرَّخَت لها، ولكنه كان يُصوِّر-عن طريق السرد الحكائي واستحضار الوقائع والمواقف- حياة الناس التي تجري تحت سطح الأحداث الدامية، ويقف عند الصور العميقة المؤثّرة منها، وما كان يقع لهم داخل بيوتهم، وفي مواطن جِدِّهم ولَهوِهم، وما كانوا يقولونه لأنفسهم وهم يُواجِهون الموت، أو وهم يُعامِلون هذا العدوّ الغريب الذي جاءَهُم من الأرض الكبيرة (أوربة، كما كانوا يُسمونها) ويتكلَّم لغةً غربيةً لا يفهمونها، ويبدو فظًّا غليظًا لم تصقله الحضارة، جهمًا ضخمًا لا تسعه العين.
ومن هنا، يتهيأ لدارسي تاريخ التبادل الثقافي والنمو الاجتماعي لهذه المنطقة، أن يجدوا في الكتاب صورًا دالة من عملية المثاقفة التي تمت بين شعوبها من ناحية، وبينها وبين شعوب الإفرنج من ناحية أخرى[43].
والجدير بالملاحظة، أن هذه المذكرات قد قدمت صورة للصليبيين تبين افتقار الغرب، في ذلك الوقت إلى أشياء ثقافية وحضارية كثيرة، فما هي وكيف نقلها أسامة بن منقذ؟
يقول المحقق في هذا الصدد أن الكتاب يعد[44]: “وثيقةً حيّة قلّ نظيرها في رصد إحساسنا بالتفوُّق الحضاري العام في القرون الوسطى، وخطره في ردِّ غزو الإفرنج ديارنَا أيام تلك الحروب. أعني التفوُّق في الأسلوب الذي كنا نتناول به حياتنا ونظمها في السياسية والاجتماع والتربية والعمل، وتتحقَّق فيه نظرتنا إلى الإنسان والوجود، وما ينتج من نتاج العقل والمادة والروح، إذ لم يكن عند هؤلاء الغزاة، على ما يبدو في الكتاب، ما نتعلم منه، وقد كانوا، في كثرتهم الغالبة، عساكر وفلاحين يعيشون في قلاع وحصون مفردة”….
ويشخص لنا أسامة، في جملة الكتاب، فارسًا عربيًّا مُسلِمًا، يحفظ تقاليد الفتوّة الإسلامية، في أحسن مظاهرها وأقوالها (الشهامة والإقدام والجرأة والالتزام الخُلُقي)….
(ويشخص)….لأهم صفات الرجال الكبار الذين يراهم ينتسبون، بحق، إلى أمّته، ويُظهِر أمضى أسلحتها في المعترك الذي خاضوه: إيمانهم بالله مقدر الأقدار وموقت الآجال والأعمار، إلى جانب إحساسهم بِتفرُّدِ شخصيتّهم الذي جمَعَهم على اختلاف الأصول والمنابِت، ووقفهم من الغزو والغُزاة موقِفَ المُؤمِن بالنصر، القادرِ على صنع أسبابه، على امتداد المعركة الطويلة، وعلى ما عانوا فيها من تمزُّق الشمل وتخاذُل القيادات وتغليب مصالحها الذاتية الضيقة، أحيانًا كثيرة، قبلَ أن يشغلَ الساحة البطلُ الذي تهيَّأَت الظروف لظهوره في ليالي المحنة الحالِكة.
…وبلغ أسامة من قوة هذا الإحساس حدًا لم يكن يرى معه، في الإفرنج الغزاة، أكثر من “بهائم فيهم فضيلة الشجاعة والقتال لا غير، كما في البهائم فضيلة القوة والحمل!” ويرى أنَّ مَن تبلَّدَ منهم (أي: سكنَ بلاد المُسلِمين وعاشرَهُم) “أصلح من القريبي العهد ببلادهم، لكنهم شاذ لا يُقاس عليه”)! ويبلغ أن يسخر من أحكامهم وفقههم وطبّهم، ويدين قسوة قلوبهم، وبداوة طباعهم، وجفاء أخلاقهم. ويعجب من ضعف غيرتهم على أعراضهم وقِلّة نخوتهم: “يكون الرجل منهم يمشي هو وامراته، يلقاه رجلٌ آخر، يأخذ المرأة ويعتزل بها ويتحدث معها، والزوج واقِفٌ ناحية ينتظر فراغها من الحديث. فإذا طوَّلت عليها خلاّها مع المتحدِّث ومضى!” “ما فيهم غيرةٌ ولا نخوة، وفيهم الشجاعة العظيمة، وما تكون الشجاعة إلاّ من النخوة والأنَفة من سوء الأحدوثة!”.
ويصور، إلى جانب هذا، مشاهد رائعة من ثباتِ قومِه رجالاً ونساءً، ومن تماسُكِهم وتدافُعِهِم على الفِداء وطَلَبِ الشهادة، وشَغَفِهم بالمغامرة واستهانتهم بالخطر، وإيمانهم بقدرتهم على انتزاع النصر، حتى لَينامون بأسلحتهم، ويندفعون إلى القتال لأول بادرة[45].
(نهاية الاقتباس)
إلا أن هذه الصورة التي قدمها أسامة بن منقذ عن الإفرنج قد تعرضت -وفق مقدمة المحقق[46]- لانتقادات انطلاقًا من العلاقات التي كان يجريها أسامة مع الإفرنج، والتي ساعدته على تبيان هذه الصور عن قرب. ولقد رأى فيها البعض اتجاهًا للمهادنة مع الإفرنج وموادعتهم، ورأى فيها البعض الآخر انعكاس لمرجعية أسامة وهويته الفكرية المتشبعة بقيم الإسلام وأطره المرجعية في الوجود والسلوك والعلاقات، وأنه وإن فرض عليه التعامل مع الإفرنج إلا أنه لم يفرط بالأساس الثقافي الذي يؤسس لهويته واختلافه، وفي نفس الوقت لم يجد حرجًا في أن يكون وسيطا نافذًا بين المسلمين والإفرنج.

إن هذا النموذج الذي تناوله أسامة بن منقذ بقصصه وذاكرته ليبين نمطًا مفروضًا من التعارف في ظل الحرب، كانت له دوافعه وأهدافه، فضلًا عن تزامن هذا النمط من التعارف خلال الحروب والدبلوماسية مع أنماط أخرى من تبادل الأفكار والحوار ومن العلاقات الرسمية وروابط إنسانية وهدنات واتفاقات اقتصادية وزيارات ومخالطات في الأسواق والحمامات والبيوت والمزارات[47].

(2) نموذج “الفندق” وتطوره: قناة التعارف على التجار بين الحرب والسلم
لم يكن احتكاك المماليك ومواجهتهم مع الإمارات الصليبية في الشام في آخر مراحل حياتها وحتى تمت تصفيتها، إلا الوجه الأول لعملة العلاقات مع “الغرب المسيحي”، وكان الوجه الثاني للعملة هو الاحتكاك مع “ممالك الإفرنج”. وتقدم الخبرة المملوكية خبرة غنية من التفاعلات عبر حوض المتوسط والتي تشابكت فيها الحروب مع الدبلوماسية مع العلاقات السلمية التعاونية ومن ثم فهي تمثل نمط التعامل المقاوم، في مقابل نمط الامتداد الذي قدمته التفاعلات العثمانية الأوروبية المتزامنة مع العصر المملوكي ثم التالية عليه أو في مقابل نمط الاسترداد المسيحي في الأندلس وفي روسيا والقوقاز وآسيا الوسطى الذي تزامنت بدايته مع العصر المملوكي واستكمل حلقاته مع العصر العثماني[48].

وهذا النمط للتفاعلات المملوكية الأوروبية[49] الذي بدا جديدًا لم ينه الصراع السياسي والعقيدي القائم بين العالمين ولكن أفرز أدوات جديدة لإدارته وفي إطار أكثر من الاتجاه للتعارف بين الشعوب تأثر صعودًا وهبوطًا بحالة الحرب أو السلم حيث أخذت العلاقات السلمية دفعة قوية مع نهاية الحروب الصليبية وعلى نحو أثار التساؤل هل انتهت الروح الصليبية الأوروبية وهل انتهى الجهاد الإسلامي؟ وهل يدخل التعارف مرحلة جديدة. ومع تنوع اتجاهات الإجابة على هذه الأسئلة إلا أن من واقع استقراء وقائع التاريخ الدبلوماسي والمقابلة بين التحليلات المختلفة[50]، يمكن القول[51] إنه في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية للطرف الأوروبي في نهاية العصور الوسطى كان بإمكان الفاعلين الإسلاميين الأساسيين، المماليك، والعثمانيين توظيف هذه الأوضاع لخدمة وحماية الإسلام حيث إن التغير في طبيعة الصليبية لم يكن يعني انتهاء الصراع السياسي بين المسيحية والإسلام، وبقدر ما أفرزت المرحلة الجديدة من الصراع أساليب وأدوات صليبية جديدة بقدر ما واجهتها القوى الإسلامية بنمطين من الجهاد الإسلامي: الفاتح والذي ترجمته الدولة العثمانية والجهاد الإسلامي الحامي والذي ترجمته الدولة المملوكية ولو بأساليب سلمية إلى جانب القتالية. فلم تكن تعني -كما سنرى- انتهاء للجهاد المملوكي ولكن متابعته بأساليبٍ جديدة.
ومن أهم نماذج اختبار آليات هذا النمط من العلاقات (على المستوى غير الرسمي) ما يعرف بالفندق[52]:
– وابتداءً من القرن التاسع الميلادي حتى منتصف القرن الثاني عشر لم تكن التجارة بين مصر وهذه الدول إلا تجارة ساحلية حيث تكونت جاليات تجارية في مدن وسواحل وبنادر البحر المتوسط دون أن تتمكن من الحصول على حق إقامة فندق. وكان ينظم مقام هؤلاء التجار عقد أمان إسلامي للفرد أو الجماعة وبالرغم من أن استمرار هذه العلاقات كان يدل على وعي سلاطين مصر بأهمية توطيد العلاقات التجارية على نحو يخدم ولا يضر مصالح مصر السياسية والعسكرية إلا أنه لم تظهر جماعات أجنبية مستقرة تتمتع بحقوق مؤسسية الفندق، ولكن ومنذ منتصف القرن الثاني عشر الميلادي تراجعت تدريجيًا السياسة الإسلامية التقليدية في قصر نشاط التجار الأوروبيين على السواحل حيث تطورت ثم اكتملت أبعاد المؤسسة الفندقية حتى أصبحت تمثل ذروة المؤسسات التجارية والمعاملات الدولية والعمود الفقري للمعاهدات التي عقدتها مصر مع الممالك الأوروبية المتوسطية في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين. ولقد صاغت بنود هذه المعاهدات التصريح للتجار القادمين من دار الحرب بمزاولة أعمال التبادل باعتبار أنها لا تضر الإسلام والمسلمين، كما صاغت حدود هذه الأعمال التي تحكمها القوانين الإسلامية والشروط التي طالبت بها دول هؤلاء التجار. وكان من أهم تلك المعاهدات تلك التي عقدت مع البندقية والتي ترجع إلى القرن الثالث عشر الميلادي ثم تلتها ست معاهدات أخرى في القرن 14م (1302، 1344، 1355، 1361، 1366، 1375) وثلاث معاهدات في القرن الخامس عشر ميلاديًا (1415، 1422، 1444) وذلك نظراً لازدهار العلاقات التجارية بين مصر والبندقية أواخر القرن الثامن الهجري الرابع عشر الميلادي وأوائل القرن التاسع هجريًا الخامس عشر ميلاديًا[53].
ومن ناحية أخرى: فإن لطبيعة هذه العلاقات مدلولات مهمة بالنسبة لفهم ما كان لمصر يومئذ من شأن في الشئون الدولية الاقتصادية والسياسية، وبالنسبة لتكييف طبيعة علاقاتها كطرف مسلم مع أطراف مسيحية أوروبية. بعبارة أخرى، فإن تحليل هذه المدلولات يفرض الإجابة على سؤال هام يعد امتدادًا واستكمالًا لسؤال سبق طرحه حول مرحلة تصفية الإمارات الصليبية وهو: هل تعد هذه العلاقات الجديدة نقطة تحول في العلاقات الدولية الإسلامية -المسيحية بعيداً عن السياسة الإسلامية التي كانت دعامتها فكرة الجهاد والتقسيم إلى دار حرب ودار إسلام؟ أم أنها ظلت تعبر عن نفس هذه السياسة ولكن بأدوات جديدة لا تنفي طبيعتها السلمية استمرار تفوق وهيمنة دور الطرف الإسلامي؟
وإذا كان البعض[54] قد رأى أن معاهدات القرنين الرابع عشر والخامس عشر ميلاديًا (كما سبق ورأى البعض)[55] في معاهدات المماليك خلال النصف الثاني من القرن الثالث عشر ميلاديًا تشتمل على بدايات “الامتيازات الأجنبية” التي وردت في معاهدات الباب العالي (السلطان العثماني مع البلاد الصديقة). وإذا كان البعض الآخر[56] قد أشار في معرض تقويمه لأبعاد قوة المماليك العسكرية والاقتصادية والدينية أنه من الأمور المشكوك فيها بقوة أن المماليك قد رأوا مبدأ الحرب المقدسة (الجهاد) بنفس طريقة الفقه التقليدي إلا أنه بالنظر إلى السياق الزماني والمكاني لهذه المعاهدات ولحالة الطرف المملوكي وأهدافه من ورائها يمكن القول إن هذه الممارسات المملوكية على صعيد العلاقات السلمية التجارية انطلقت من وضع القوة والمناورة وليس الضعف والخضوع، كما أنها كانت تخدم وتدعم المصالح السياسية والعسكرية المصرية في مواجهة الأعداء من الشرق والغرب على حدٍ سواء.

(3) نموذج تعارف “الفقيه” ابن تيمية على ممالك الإفرنج في “الرسالة القبرصية”[57]: خطاب من شيخ الإسلام بن تيمية إلى سرا جيوش ملك قبرص، من التعارف النقدي للمسيحية، إلى حقوق الأسرى المسلمين والمسيحيين: (دور الفقيه في التعارف المعرفي والعقيدي والدور السياسي)
إن هذه الرسالة، وفق تقديم المحقق لها[58]، يسأل فيها ابن تيمية ملك قبرص مساعدة الأسرى والإحسان إليهم والمعاونة على خلاصهم. ولكن تتضمن الرسالة هدفًا آخر هو “فائدة أرادها ابن تيمية للملك خاصة[59]: “”وهو معرفته بالعلم والدّين وانكشاف الحق وزوال الشبهة وعبادة الله كما أمر، فهذا خير له من مُلك الدنيا بحذافيرها، وهو الذي بُعث به المسيح، وعلّمه الحواريين”.
… والمتصفح لأوراق الرسالة لا بدّ وأن يستوقفه أمران:
الأول: سعة إطلاع ابن تيمية ومعرفته بعقائد النصارى وفرقهم، وامتلاكه الحُجَّة البالغة، والدليل الساطع، في الردّ على دعاويهم، وكشف تلبيساتهم ودحض باطلهم.
الثاني: اهتمامه بأمور المسلمين العامة، وتدخله –وهو الشيخ والعالم والإمام- في واحدة من قضايا السياسة الخارجية للدولة، من خلال سعيه لإطلاق أسرى المسلمين، وحرصه وعنايته بأحوال الرعيّة ومشاكلها، حتى تلك التي تقع في اختصاص الحاكم ومسؤوليته”.
إن القارئ لهيكل الرسالة الذي يبدأ بأمور الدين ثم ينتقل إلى شئون الأسرى، ليتضح له حيوية هذا الربط بين أمور فقه الأديان المقارن وبين فقه أمور السياسة والتحرك لخدمتها من جانب شيوخ الإسلام الذين لا يحكمون، فهؤلاء لم يقتصر دورهم في تاريخ المسلمين على جانب دون آخر، ولكن حيوية الأمة ونهوضها تأثرت بالجمع بين الدورين، سواء تجاه المسلمين وفيما بين بعضهم البعض أو سواء الخارج وغير المسلمين.
وبدأ التدهور والتراجع في حال الأمة مع الانفصال بين الجانبين وخاصةً فيما يتصل بالخطاب تجاه الآخر، على أرض الوطن أو في الخارج. ومن أهم الدلالات الحضارية لهذه الرسالة أنها تتصل بالأسرى من المسلمين والمسيحيين على حدٍ سواء فهم جميعًا “الأهل” في مواجهة المعتدي.

(4) نموذج إسلام المغول وتأسيس إمبراطورياتهم بعد التنصر وبعد الحروب مع المسلمين
لم يكن التعارف الحضاري بين عالم المسلمين وغيرهم قاصرًا على العالم المسيحي شرقه وغربه، ولكن امتد إلى عالم المغول. ولقد تعارفت الشعوب الإسلامية من غرب الصين وحتى الشام ومصر، بأساليب المغول الوحشية في القتال والتدمير للأبنية الثقافية والحضارية وليس الجيوش فقط.
واقترن ذلك الهجوم الممتد عبر فترة زمنية طويلة ابتداءً من جنكيزخان وهولاكو حتى تيمور لنك، اقترن بسلسلة من التحالفات والتحالفات المضادة بين المغول وبين الدول الأوروبية في محاولة لاحتواء وحصار المماليك ثم العثمانيين[60]. وكان تنصير المغول هدفًا من أهداف الباباوات والإمارات والممالك الإفرنجية. ويقدم تاريخ هذه المحاولات ونمط استجابة بعض المغول لها نموذجًا عن كيفية التفاعل بين الديني والسياسي بل وتوظيف الديني التبشيري من جانب أوروبا المسيحية في وقت متقدم وسابق على ما حدث بعد ذلك مع موجات الاستعمار الحديث (التجاري ثم السياسي ثم العسكري) على العالم الإسلامي في آسيا وأفريقيا[61]. إلا أنه سرعان ما دخل المغول إلى الإسلام وبرزت أنماط من التحالفات بينهم وبين المماليك.
والمهم هنا الإشارة أنه بعد 1260م وبعد عين جالوت حدثت خلافات عميقة خطرة على وحدة الإمبراطورية المغولية التي تكونت على يد جنكيزخان وأبنائه ومن ثم توزعت هذه الإمبراطورية إلى أربعة أجزاء: مغول إيران (الإيلخانيون)، مغول القبيلة الذهبية في الشمال والتي تركزت في حوض الفولجا جنوب روسيا، مغول آسيا الصغرى (مملكة جغطاي)، ثم أخيرًا مغول الصين في أقصى الشرق. ويهمنا بصفةٍ خاصة أمر الثلاثة الأوائل حيث لعب كل منهم دوره في العلاقات المملوكية -المغولية، أو المملوكية -الصليبية في الشام أو المملوكية -الإفرنجية. ولقد تباين تأثير كل من هذه الأطراف المغولية الثلاثة على هذه العلاقات نظراً لاختلاف درجة وتوقيت انتشار الإسلام بينها ونظراً لطبيعة العلائق فيما بينهم.
ويكفي هنا دون الدخول في تفاصيل تطور انتشار الإسلام بين هذه الأجنحة الثلاثة أو تطور العلائق بينها[62] التذكرة بالأمور التالية:
1- مع بداية القرن الرابع عشر الميلادي وبالتحديد منذ العقد الأخير للقرن الثالث عشر الميلادي كانت الإيلخانية والقبيلة الذهبية قد تحولت إلى الإسلام وكانت الثانية أسبق من الأولى في التحول وخاصةً تحت تأثير حاكمهم الشهير بركة خان (1256م-1267م/ 652هـ-665هـ) وتلاهما مغول آسيا الصغرى في الدخول إلى الإسلام.
2- لعبت القبيلة الذهبية دورًا مزدوج الأبعاد في العلاقات الدولية الإسلامية في هذه المرحلة. فهي التي فتحت أراضي روسيا (633هـ-635هـ) أي خلال العقدين الثالث والرابع من القرن الثالث عشر ميلاديًا، ومن ثم كان لها تأثيرها على جذور تفاعل روسيا الحديثة بعد نشأتها مع الإسلام. فمع دخول القبيلة الذهبية إلى الإسلام في أواخر القرن الثالث عشر ميلاديًا تكونت كدولة إسلامية تضم عدة إمارات وتسيطر على الإمارات المسيحية الروسية وعلى أوروبا الشرقية (من بحر البلطيق إلى البحر الأسود ومن شبه جزيرة القرم وعلى طول حوض الفولجا وحتى وصلت إلى حدود مملكة النمسا وهددت مملكة ألمانيا) ولقد أضحت هذه المناطق-بعد ضعف وتفرق القبيلة الذهبية عواصم لخانات مسلمة مستقلة والتي دخلت بعضها في مجال التنافسات العثمانية الروسية منذ القرن السابع عشر.
ومن ناحية أخرى، ساعدت القبيلة الذهبية المماليك في صدامهم الصريح مع الإيلخانين نظرًا للعداء بين بركة خان زعيم القبيلة الذهبية وهولاكو ثم أباقة خان زعيم مغول فارس كما ساعد بركة خان بيبرس في حربه مع الإمارات الصليبية في الشام وكان يعادي القوى والممالك الإفرنجية.
3- مثلت الدولة الإيلخانية أي مغول فارس (والتي أسقطت الخلافة في بغداد) العدو الرئيس للمماليك، واستمر الصدام بينهم وتكرر حتى بعد إسلامهم وإن لم يصل إلى معارك حاسمة ومصيرية مثل عين جالوت. كذلك تعاون مغول فارس مع الصليبين ومع الممالك الإفرنجية ضد المماليك ولقد انهارت دولتهم بعد أكثر من ثلاثة أرباع قرن من نشأتها.
4- أما المملكة المغولية الثالثة في آسيا الصغرى، فكانت في التأثير المباشر على العلاقات الدولية للعالم الإسلامي إلا فيما يتعلق بحدث جلل وهام وهي أنها كانت موطن تيمور لنك المغولي المسلم الذي أعاد توحيد المملكة بعد تفككها ثم اجتاح العالم الإسلامي مرة أخرى بعد ما يزيد عن المائة وخمسين عام من بداية زحف جنكيز خان وأبنائه. وبقدر ما كان للزحفة المغولية الأولى آثارها العميقة المباشرة وطويلة الأجل، كما سنرى لاحقاً، بقدر ما كان أيضاً للزحفة المغولية الثانية أيضاً آثارها العنيفة على توازن القوى الإسلامية وعلى العلاقات الإسلامية المسيحية.
خلاصة القول، إن القوى المغولية الثلاث كانت أعداء تتنازع على حدود الأقاليم بينهم (بين مغول فارس وبين مغول آسيا الصغرى، وبين مغول فارس وبين مغول القبيلة الذهبية) كما تبنت سياسات خارجية متنافسة الأمر الذي أثر على أنماط تفاعلاتهم مع المماليك والقوى المسيحية[63]، ومن ثم على أنماط التعارف الحضاري بين شعوب الجانبين.

5) نموذج “صدمة الغرب المباشرة: الجملة الفرنسية وبداية الهجمة الأوروبية الثانية على قلب العالم الإسلامي: من التعارف على الاستعمار أو مهمة الرجل الأبيض في التحديث، إلى التأرجح بين الإصلاح الرشيد والإصلاح الضال
وماذا عن النهضة في ظل ضغط الاحتلال العسكري وضغط الوافد الثقافي؟
انظر في هذا الصدد: تأريخ الجبرتي وابن إياس وما يكشف عنه من رؤية للحملة الفرنسية باعتبارها العدو والموقف من مساندة العثمانية في مواجهتهم باعتبار العثمانيين حكام ظالمين وليسوا أعداء:
كذلك انظر: قراءة كل من:
– أبو الأعلى المودودي: نحن والحضارة الغربية[64].
– طارق البشري: في المسألة الإسلامية المعاصرة[65].
– نازك سبايارد.
إن هذه الرؤى الفكرية المعاصرة ترسم خريطة اتجاهات الفكر العربي والإسلامي في استجاباتها لصدمة الاحتكاك الحديث بالغرب في مراحل مختلفة ومناطق عدة من العالم الإسلامي وهي بهذا تقدم لنا قناة من قنوات حالة التعارف في ظل سياق دولي جديد.
والاهتمام بهذه الخرائط: تحديدًا وتحليلًا وتقييمًا خلال القرون الثلاثة الأخيرة كان محل بحث علمي منظم استهدف دراسة كيفية تفاعل الفكر الإسلامي والعربي مع قضايا وإشكاليات العلاقة مع الغرب خلال هذه القرون الثلاثة[66] حيث أضحى هذا الغرب جاذب للاهتمام ومصدر التحدي المولد للاستجابات، سواء باعتباره مستعمرًا أو باعتباره مصدرًا لعلم ومدنية، وباعتباره مصدرًا لتحدي معرفي وثقافي وعلى نحوٍ غير مسبوق في المراحل السابقة من العلاقات بين المسلمين والغرب وحيث تواجد الغرب، من جديد، على أرض المسلمين ولكن في أثوابٍ جديدة، على نحو كان لابد وأن ينعكس على طبيعة التعارف واتجاهه ونمطه وأثاره. ومن ثم، تولدت الأفكار والحركات والتيارات والخبرات تجاه هذا الغرب. انطلاقًا من درجة ما من المعرفة به. ولكن لأي درجة؟
وما قدر عمق المعرفة اللازمة لتوليد الاستجابة اللازمة التي تحقق الاستقلال والنهضة؟؟
هل تحقق تعارف حضاري رشيد من جانب دائرتنا الحضارية بالدائرة الزاهرة والمستعمرة لنا؟
أم ما تحقق هو تعارف ضال، إما وقع في براثن الانبهار أو وقع في براثن الرفض والانغلاق؟
وهنا، يجدر الإشارة إلى أحد الإسهامات في دراسة الاستشراق[67] والتي لم تكتف بنقد الاستشراق وفق التيار السائد التقليدي ولكن سعت لبيان المناطق المضيئة في بعض إسهاماته في دراسة “الشرق”.
ومن ناحية أخرى، حاولت تقديم دفاع المستشرقين الجدد عن أنفسهم وكذلك رأيهم في الحوار بين الشمال والجنوب، كما حاولت الإجابة –من خلال أراء استشراقية حديثة- على الأسئلة التالية؟
هل فهم المسلمون الغرب الحديث؟
هل فهموا أسباب قوته ومكامن ضعفه؟
لماذا لا يبذلون جهدًا علميًا منظمًا لتحقيق دراسة أعمق للغرب؟ لماذا ينتصر الخطاب الأيديولوجي على الخطاب الإبستمولوجي تجاه الغرب؟
ولقد تلخصت إجابات المستشرقين الأكاديميين وفق هذا المصدر في الآتي[68]:
“إذ إن من السهل على المستشرقين الأكاديميين أن يدينوا الضعف المنهجي أو نقص المعلومات لدى نظرائهم من المثقفين العرب والمسلمين. ومن السهل عليهم أن يدينوا التطرف الإيديولوجي لدى بعض المثقفين العرب، سواء كان هذا التطرف قومويًا أم إسلامويًا أم ماركسويًا، من السهل عليهم أن يعيبوا على مثقفينا، إفراطهم في النزعة الذاتية والتبجيلية وعدم قدرتهم على اتخاذ مسافة ما بينهم وبين أنفسهم عندما يدرسون موضوعًا يخص تراثهم أو دينهم أو حاضرهم. من السهل أن يدينوا عدم تقيدهم بالمنهجية العلمية أو عدم قدرتهم على السيطرة عليها كما ينبغي.
ولكن الأمر الذي يبقى مشكلاً، ولا أدري إلى أيّ حدّ يوفّر أعذارًا لمثقفينا، هو أنهم مثقفون مسؤولون عن مجتمعات مضطربة، خائفة، يطحنها الجوع، مجتمعات مهددة بالنزيف الداخلي والحروب الأهلية، وأنهم ليسوا أساتذة ينعمون بكل أنواع الطمأنينة (المادية والمعنوية) في جامعات السوريون، وهارفارد، وبرنستون، وبرلين، وأكسفورد.. وإنما هم أساتذة في جامعات الرباط والخرطوم والقاهرة ودمشق وطرابلس الغرب، الخ… هناك حيث يتعرض الأستاذ الجامعي لكل أنواع الهزات والخضات التي يتعرض لها مجتمعه، وحيث يبدو خائفًا على مصيره في كل لحظة. هناك حيث لا يجرؤ الباحث العربي على أن يقول كل ما يريد قوله كما يفعل زميله الأوروبي لأنه يظل خائفًا على منصبه ومصدر رزقه، هذا إن لم يكن خائفًا على حياته. كما أنه غير قادر دائمًا على مقاومة ضغط الشارع والأيديولوجيات التي تحتل الساحة والتي يصل ضجيجها إلى أبواب مكتبه”.
إن هذه الإجابات الاستشراقية الجديدة لتبين جانب من قنوات التعارف الفكري المعرفي الأكاديمي الراهن بين “أهل الاستشراق الحديث” وبين أهل “الاستغراب” المأمول؟؟

6) نموذج التطهير الثقافي الراهن بعد عودة الاحتلال العسكري في العالم العربي والإسلامي مع بداية القرن الواحد والعشرين
يُمثل احتلال أفغانستان 2001 ثم احتلال العراق 2003 حدثين ذا دلالة بالنسبة لدخول “التعارف بين الغرب والإسلام” في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، نقطة حرجة حيث اقترن الاحتلال العسكري بأدوات ثقافية وفكرية تتجه لشعبي الدولتين وشعوب العالم العربي والإسلامي برمته. وانبثقت هذه الأدوات من إطار أوسع وهو ما سمى “استراتيجية الحرب الأمريكية والعالمية على الإرهاب” التي ضفرت بين أدوات الحرب والدبلوماسية وبين تغيير العقول والقلوب من خلال عمليات متعددة تتجه للشعوب أساسًا. وقد أفرز هذا السياق التاريخي خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين (وكامتداد للعقد الأخير من القرن العشرين) لقطات عدة ومتراكمة، اختلف المراقبون والمحللون في تفسيرها؛ هل هي مؤشر على عداء حضاري أم هي مؤشر على توظيف بارع للديني والثقافي لتحقيق مصالح استراتيجية منها المادي وغير المادي، أم أنها مؤشر على ما أضحى عليه الجدل بين الجانبين الحضاري والسياسي التقليدي.
ومن اللقطات ذات المغزى تلك المتصلة بما أسماه “إدموند بيكر” في كتابٍ شارك في تحريره بهذا الصدد “التطهير الثقافي في العراق”[69].
وفي هذا، يصف المترجم الحرب التي تلت الغزو العسكري الأمريكي بالحرب الحضارية[70] والتي تهدف محو الذاكرة الثقافية أو اغتيال العقل الفاعل لشعب من الشعوب مع كل ما يرتبط بذلك العقل من كوادر بشرية ومنجزات فكرية وأبنية ومؤسسات. والحرب الحضارية التي يتحدث عنها المترجم هي حرب على حضارة تستهدف تصفية الوجود المعنوي للخصم الذي تمت هزيمته عسكريًاً حتى يسهل تشكيله بعد ذلك. والحرب الحضارية على العراق بهذا المعنى لها سوابق تاريخية ممتدة سواء في التاريخ البعيد (في ظل نماذج الاسترداد السابق عرضها) أو في ظل سوابق أكثر معاصرة مثل ما حدث في البوسنة والصراع العربي -الإسرائيلي مستهدفًا تدمير عناصر الذاكرة البشرية والمادية.
ومن ثم، فإن الكتاب يذخر بالوقائع والتفاصيل المتصلة بالآني بعلم الآثار ودلالة العدوان على تاريخ العراق وذاكرته الجمعية، التراث الأركيولوجي، قتل الذاكرة الجمعية، قتل الطبقة المثقفة والأكاديميين، تطهير السجلات، القتل أو التهجير أو الفرار، تطهير العقول، الضحايا من الأقليات.
خلاصة القول بعد هذا المحور الثاني: إن النماذج التاريخية التي يضمها المحور إنما تعكس مداخل وآليات ومناطات متنوعة جرى التعارف حولها ومن خلالها. ومثلها مثل نماذج المحور الأول “الكلية” تعكس التقابل بين خصائص نموذجين معرفين حضاريين، إسلامي وغربي مسيحي، وهذه المقابلة تمتد عبر التاريخ ومن خلال مراحل مختلفة من حيث سياقات الحرب أو الدبلوماسية.
كما أنها ذات امتدادات، حديثة ومعاصرة وراهنة، إلا أن هذه النماذج وعكس نماذج المحور الأول، فهي ليست أفقية كلية ممتدة، ولكنها نماذج تتصل بسياق زمني ومكاني محدد ناهيك عن اتصالها بقضايا محددة هي مناط التعارف، مهما كان نمطه.
**محاور أخرى مقترحة:
وأخيرًا، وإلى جانب نماذج المحورين السابقين، ذوي الصلة المباشرة لسياقات حربية عسكرية ودبلوماسية بين شعوب الحضارتين الإسلامية والغربية، فإنه يمكن التفكير في محورين آخرين يحتاجان إلى رصد وتحليل نماذجهما للتعارف بين شعوب هاتين الحضارتين.
وأكتفي هنا برسم خريطة هذه النماذج ومحتواها على النحو التالي:

المحور الثالث: التعارف وتشكيل الهويات في ظل تجديد القوة الإسلامية الفاتحة: من هيمنة الدولة العثمانية إلى سقوطها

وهنا، يمكن رصد النماذج التالية:
(1) نموذج التعارف في ظل الامتيازات للأجانب ونموذج المراسلات الدبلوماسية والمعاهدة من موقع القوة العثمانية (القرنين السادس عشر والسابع عشر)، ثم نموذج التعارف في ظل نفس هذه الأنماط ولكن في إطار الضعف والتراجع العثماني (القرنين الثامن عشر والتاسع عشر)[71].
(2) نموذج تشكل الهوية الأوروبية في ظل تحدي الفتوح العثمانية من الشرق[72].
(3) نموذج أزمة العلمانية وتحديات مراجعة الهوية الأوروبية في ظل إشكاليات: التعددية الثقافية، الاندماج، المواطنة الناجمة عن تزايد الوجود المسلم في أوروبا والولايات المتحدة خلال القرن العشرين. وتتعدد محطات اختبار أثار هذا الوجود المسلم، ومن أشهرها ما يتصل بالحجاب والمآذن، والإرهاب[73].
المحور الرابع: نماذج من الصور والرؤى المتبادلة بين أعلام الفكر الإسلامي، وأعلام الفكر الاستشراقي القديم والحديث عن مسارات تطور التعارف المعرفي والفكري (الخصائص المقارنة بين الحضارتين الإسلامية والغربية ومن خلال الرؤى عن قضايا الجهاد والحداثة والديمقراطية والمدنية والتنمية… إلخ).
ومن هذه الصور المتبادلة نذكر وجهي العملة التالية: من ناحية الرؤى المقارنة لكل من برنارد لويس، مجيد خدوري، توماس أرنولد، مارسيل بوازار، رودولف بيترز، ومن ناحية أخرى رؤى إسلامية حول كيفية تطور استجابات الفكر والحركات الإسلامية للتحديات الغربية الحديثة[74].
ومن ناحية ثالثة، وإلى جانب التعارف بين الحضارات، فإن التعارف يمتد أيضًا إلى الثقافات التي تنتمي لنفس الحضارة. ومما لا شك فيه، أن نماذج التعارف بين أقوام وشعوب وثقافات الحضارات العربية الإسلامية الجامعة لا تقل أهمية عن نماذج التعارف بين الحضارات إلا أنها لابد وأن تنطلق من مقولات وافتراضات أخرى. فما هي؟ وكيف نختبر هذه النماذج؟ وما القواعد العامة التي يمكن استخلاصها؟ وما أوجه الاختلاف مع نظائرها بالنسبة للتعارف بين حضارات مختلفة؟
وأكتفي هنا بالأمور التالية:
· إن النماذج التاريخية للعلاقات بين شعوب وأمم وثقافات الحضارة العربية الإسلامية تتنوع باختلاف السياق الحضاري الشامل: قوة أو ضعفًا وحدة أو تجزئة، فتوحًا أو استعمارًا.
· إن النماذج التاريخية للعلاقات بين الأقوام التي كونت أركان الأمة تاريخيًا، تقدم دلالات واضحة ومهمة لابد من دراستها ومقارنتها في سياقات متنوعة لنعرف هل التعدد والتنوع في ذاته موجبًا للصراع أم أنه محرك لتدافع وفق طبيعة الأطر القائمة، هذه الأقوام هي: العرب، والترك والفرس.
· أن تجديد الوعي الحضاري للأمة يستوجب الاهتمام بهذا النمط من التعارف، فالتعارف البيني مثل الحوار البيني من أهم الشروط المسبقة للتعارف والحوار مع الآخر[75].
*****

الهوامش:

[1] د. نادية محمود مصطفى، العلاقات الدولية في الإسلام: نحو تأصيل من منظور الفقه الحضاري، مجلة المسلم المعاصر، العدد (133/ 134)، ديسمبر 2009، ص 121-189.
[2] د. محمود حمدي زقزوق (إشراف وتقديم)، موسوعة الحضارة الإسلامية، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، 2005.
[3] انظر: د. نادية محمود مصطفى، مدخل منهاجي لدراسة التطور في وضع ودور العالم الإسلامي في النظام الدولي، (في): د. نادية محمود مصطفى (إشراف)، مشروع العلاقات الدولية في الإسلام، القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996، الجزء السابع. هذا إضافة إلى أربعة أجزاء تطبيقية في إطار المشروع ذاته:
– د. علا أبو زيد، الدولة الأموية.. دولة الفتوحات )41- 132هـ، 661- 750م( من استئناف الدولة الأموية القوى والمؤثر لحركة فتوحات الراشدين إلى بلوغ المد الفتحي حدوده الطبيعية في المشرق والمغرب، الجزء الثامن.
– د. علا أبو زيد، الدولة العباسية من التخلي عن سياسات الفتح إلى السقوط )132- 656هـ، 750- 1258م(، الجزء التاسع.
– د. نادية محمود مصطفى، العصر المملوكي من تصفية الوجود الصليبي إلى بداية الهجمة الأوروبية الثانية )642- 923هـ، 1258- 1517م(، الجزء العاشر.
– د. نادية مصطفى، العصر العثماني من القوة والهيمنة إلى بداية المسألة الشرقية، الجزء الحادي عشر.
[4] د. نادية مصطفى، دراسة العلاقات الدولية في الفكر الإسلامي: بين الإشكالات المنهجية وخريطة النماذج والمفاهيم الفكرية، بحث أعد كإطار نظري لاستكمال المستوى الثالث من مشروع “العلاقات الدولية في الإسلام” والخاص بالفكر الإسلامي، يوليو 2008. (تحت الطبع).
[5] د. نادية محمود مصطفى، مدخل منهاجي لدراسة التطور في وضع ودور العالم الإسلامي في النظام الدولي، مرجع سابق.
[6] حول منهجية الوصول إلى هذه الأنماط انظر:
– المرجع السابق.
– وحول هذه الأنماط وأسس تفسيرها انظر: د.ودودة بدران، وضع الدول الإسلامية في النظام الدولي في أعقاب سقوط الخلافة (1924-1991)، (في): مشروع العلاقات الدولية في الإسلام، مرجع سابق، الجزء الثاني عشر.
[7] د. نادية محمود مصطفى، إشكاليات البحث والتدريس في علم العلاقات الدولية من منظور حضاري مقارن، مؤتمر “حوار الحضارات والمسارات المتنوعة للمعرفة (المؤتمر الثاني للتحيز(“، مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، 2007، (تحت الطبع).
[8] انظر إصدارات مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.
[9] انظر أبعاد هذا النقاش حول الأسباب والنتائج والتحولات (في): د. نادية مصطفى، العصر المملوكي من تصفية الوجود الصليبي إلى بداية الهجمة الأوروبية الثانية )642- 923هـ، 1258- 1517م، مرجع سابق، ص38-42، د. نادية مصطفى، العلاقات الدولية في الفكر الإسلامي، مرجع سابق. وانظر أيضًا:
– د. علا أبو زيد، الغرب في كتابات المسلمين بين التجهيل والافتتان والرفض، مجلة المؤرخ المصري (دراسات وبحوث في التاريخ والحضارة) قسم التاريخ، كلية الآداب، جامعة القاهرة، العدد 8، 1992.
[10] جمال عبد الهادي وآخرون، أخطاء يجب أن تصحح في التاريخ: الدولة العثمانية، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، المنصورة، 1416هـ/ 1995م.
[11] انظر على سبيل المثال: مقدمة المترجم والمحقق لكتاب: أنا ماري شميل، الجميل والمقدس: دراسات غير تقليدية في الحضارة الإسلامية، تحقيق وترجمة: عقيل يوسف عيدان، الدار العربية للعلوم ناشرون، الكويت، 2008.
[12] أحمد الشيخ، من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: حوار الاستشراق، المركز العربي للدراسات الغربية، القاهرة، 1999.
[13] مجموعة باحثين، الاستشراق بين دعاته ومعارضيه، بيروت، دار الساقي، ط2، 2000.
[14] انظر تحليل مقارن لكل من برنارد لويس، مجيد خدوري، مارسيل بوازار، توماس أرنولد، (في): د.نادية مصطفى، العلاقات الدولية في الفكر الإسلامي، مرجع سابق.
[15] مجموعة باحثين، الاستشراق بين دعاته ومعارضيه، مرجع سابق.
[16] انظر السياقات التاريخية لهذه المفاصل وأبعادها العسكرية والدبلوماسية في الأجزاء التطبيقية لمشروع العلاقات الدولية في الإسلام، والسابق الإحالة إليها: – د.علا أبو زيد، الدولة الأموية.. دولة الفتوحات )41- 132هـ، 661- 750م( من استئناف الدولة الأموية القوى والمؤثر لحركة فتوحات الراشدين إلى بلوغ المد الفتحي حدوده الطبيعية في المشرق والمغرب، الجزء الثامن.
– د. علا أبو زيد، الدولة العباسية من التخلي عن سياسات الفتح إلى السقوط )132- 656هـ، 750- 1258م(، الجزء التاسع.
– د. نادية محمود مصطفى، العصر المملوكي من تصفية الوجود الصليبي إلى بداية الهجمة الأوروبية الثانية )642- 923هـ، 1258- 1517م(، الجزء العاشر.
– د. نادية مصطفى، العصر العثماني من القوة والهيمنة إلى بداية المسألة الشرقية، الجزء الحادي عشر.
[17] وحول السياقات التاريخية والسياسية العسكرية في هذه المناطق، انظر:
– أعداد حولية أمتي في العالم، مركز الحضارة للدراسات السياسية، القاهرة.
[18] هيو كندي، الفتوح العربية الكبرى: كيف أثر انتشار الإسلام على تغير العالم، ترجمة وتقديم وتعليق: قاسم عبده قاسم، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2007.
[19] المرجع السابق، ص15.
[20] المرجع السابق، ص44.
[21] المرجع السابق، ص44-48.
[22] المرجع السابق، ص124-125.
[23] المرجع السابق، ص126.
[24] المرجع السابق، ص484.
[25] انظر أعمال مؤتمر مسيحيو الوطن العربي: التاريخ، الدور، المستقبل، (17-18 سبتمبر 2010)، مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة (تحت الطبع).
[26] د. محمد أرناؤوط، الإسلام في يوغسلافيا من بلغراد إلى سراييفو، دار البشير للنشر، عمان، 1993.
[27] المرجع السابق، ص11-13.
[28] المرجع السابق، ص12.
[29] المرجع السابق، ص152.
[30] د. نادية محمود مصطفى، العصر العثماني من القوة والهيمنة إلى بداية المسألة الشرقية، مرجع سابق، ص 46-44.
[31] إبرين فرانك، ديفيد براونستون، طريق الحرير، ترجمة: أحمد محمود، المركز القومي للترجمة، القاهرة، ط2، 2009.
[32] المرجع السابق، ص11.
[33] المرجع السابق، ص13-17.
[34] المرجع السابق، ص7-8.
[35] خليل أينالجك، دونالد كواترت (محرران)، التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للدولة العثمانية المجلد الأول 1300-1600، ترجمة: د.عبد اللطيف الحارس، دار المدار الإسلامي، 2007، ص287-291.
[36] خليل أينالجك، دونالد كواترت (محرران)، للدولة العثمانية التاريخ الاقتصادي والاجتماعي (المجلد الثاني 1600-1914)، ترجمة: د.قاسم عبده قاسم، دار المدار الإسلامي، 2007، ص25-35.
[37] المرجع السابق، ص29-30.
[38] المرجع السابق، ص36-39.
[39] المرجع السابق، ص47-48.
[40] حول مزيد من التفاصيل انظر: د. نادية مصطفى، العصر العثماني، مرجع سابق، د. نادية محمود مصطفى، الدولة العثمانية في دراسات التاريخ الإسلامي والنظام الدولي، (في): د. عبد الوهاب المسيري (محرر) إشكالية التحيز: رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد. أعمال الندوة التي نظمها المعهد العالمي للفكر الإسلامي في واشنطن بالتعاون مع نقابة المهندسين. القاهرة في 19- 21 فبراير 1992، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة، 1994.
– د. نادية محمود مصطفى، محمد على بين الدولة العثمانية والتوازنات الأوروبية: من عواقب التنافس الإسلامي البيني إلى قيود وضغوط المساندة الأوروبية، بحث مقدم إلى: ندوة “مائتي عام على تأسيس دولة محمد علي” التي عقدت في جامعة القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية أبريل 2007. ( تحت الطبع).
[41] أسامة بن منقذ الكناني الشزري، رد الاعتبار(مذكرات أسامة بن منقذ في الحروب الصليبية مع ملحقها في أخبار الصالحين ومشاهد الصيد والقنص)، دقق نصوصها وفصل فقرها وقدم لها وعلق عليها: د.عبد الكريم الأشتر، المكتب الإسلامي، بيروت، عمان، ط2، 2008.
[42] المرجع السابق، ص7-8.
[43] المرجع السابق، ص19-21.
[44] المرجع السابق، ص25-26.
[45] حول هذه الصفات انظر على التوالي الفقرات الآتية من كتاب أسامة بن المنقذ (والتي حددها المحقق في هوامش مقدمته): الفقرات 161، 175، 165، 173، 174، 161، 162، 167، 168، 74، 75، 92، 110، 113، 149، 156، 158، 183، 120. انظر أيضًا: آخر الفقرة 169.
[46] أسامة بن منقذ، مرجع سابق، ص28-30.
[47] المرجع السابق، ص32.
[48] د. نادية محمود مصطفى، العصر المملوكي، مرجع سابق، ص7-12.
[49] المرجع السابق، ص38-40.
[50] المرجع السابق، ص38-42.
[51] المرجع السابق، ص42.
[52] المرجع السابق، ص49-50.
[53] وحول مزيد من التفاصيل، انظر:
– د. صبحي لبيب، الفندق ظاهرة سياسية واقتصادية قانونية، (في): د. رؤوف عباس (محرر)، مصر وعالم البحر المتوسط، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة، 1986، ص 286-298.
[54] المرجع السابق، ص 291-292.
[55] P.M.Holt, The Age of The Crusades. p. 166.
[56] Aziz Suryal Atiya, The crusade in the later Middle Ages, (London: Methuen and Company, 1938), pp. 20-21.
[57] ابن تيمية، الرسالة القبرصية (خطاب من شيخ الإسلام ابن تيمية إلى سرجواس ملك قبرص)، تعليق: علاء الدين دمج، دار ابن حزم، بيروت، 1987.
[58] انظر مقدمة المحقق، المرجع السابق، ص9-11.
[59] المرجع السابق، ص10.
[60] لمزيد من التفاصيل انظر: د.نادية مصطفى، العصر المملوكي، الفصل الأول، مرجع سابق.
[61] انظر التفاصيل في: د.منذر الحايك، العلاقات الدولية في عصر الحروب الصليبية (الجزء الثاني)، تقديم: أ. د. سهيل زكار، الأوائل للنشر والتوزيع، دمشق، 2006.
[62] محمود شاكر، محمود شاكر، التاريخ الإسلامي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2. 1407هـ/1987م، ج4، ص 135-177.
– د. رجب محمد عبد الحليم، انتشار الإسلام بين المغول، دار النهضة العربية، بيروت، 1986.
– برتولد شبولر، العالم الإسلامي في العصر المغولي. ترجمة خالد أسعد عيسى، مراجعة وتقديم د.سهيل زكار، دار حسان. دمشق، 1402-1982، ص 19-104.
– توماس أرنولد، الدعوة إلى الإسلام. ترجمة د. حسن إبراهيم حسن، د. عبد المجيد عابدين، إسماعيل النحراوي، النهضة المصرية، القاهرة، 1970، ص 248-275.
– M. G. Hodgson, The Venture of Islam (University of Chicago Press, Chicago 1971, Vol II). p 410-417.
[63] د.نادية مصطفى، العصر المملوكي، مرجع سابق، ص18-22.
[64] ) أبو الأعلى المودودي، نحن والحضارة الغربية، الدار السعودية للنشر والتوزيع، جدة، 1987.
[65] طارق البشري، سلسلة المسألة الإسلامية المعاصرة، 8 أجزاء، دار الشروق، القاهرة، 1999.
[66] د. نادية مصطفى، العلاقات الدولية في الفكر الإسلامي، مرجع سابق.
[67] مجموعة باحثين، الاستشراق بين دعاته ومعارضيه، مرجع سابق، ص5-16.
[68] المرجع السابق، ص15-16.
[69] ريموند بيكر، طارق إسماعيل، شيرين إسماعيل (محررون)، التطهير الثقافي.. التدمير المتعمد للعراق، ترجمة: د.محمد صفار، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، 2010.
[70] انظر في هذا المفهوم:
– د. المهدي المنجرة، الحرب الحضارية الأولى، دار الشروق، القاهرة، 1995.
[71] د. نادية مصطفى، العصر العثماني، مرجع سابق.
[72] في هذا الصدد انظر:
-Tomaz Mastna, Islam And Creatian Of European Identity, University Of Westminster, 1994.
[73] انظر على سبيل المثال:
– د. نادية محمود مصطفى (محرر)، الهوية الإسلامية في أوروبا: إشكاليات الاندماج قراءة في المشهد الفرنسي، أعمال الندوة التي عقدت في 18-19 فبراير 2004، جامعة القاهرة: برنامج حوار الحضارات بكلية الاقتصاد، 2005.
– أعمال ندوة “المسلمون في أوروبا: قراءة على ضوء المشهد السويسري”، 27 يناير 2010،) في): د. نادية محمود مصطفى ود. سيف الدين عبد الفتاح (تنسيق علمي وإشراف)، وسام الضوينى (مراجعة)، “أزمات حوار الثقافات والأديان “، سلسلة ندوات الموسم الثقافي 5 (مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات، القاهرة، 2010) ص 471-530.
[74] انظر: د. نادية مصطفى، العلاقات الدولية في الفكر الإسلامي، مرجع سابق.
[75] من الدراسات المعاصرة التي اهتمت بهذا المجال من منظور حضاري إسلامي انظر:
– د. نادية محمود مصطفى، د.باكينام الشرقاوي (تنسيق علمي وإشراف)، أسامة أحمد مجاهد (تحرير ومراجعة)، إيران والعرب: المصالح القومية وتدخلات الخارج (رؤى مصرية وإيرانية)، مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات بجامعة القاهرة، القاهرة، 2009.
– د. باكينام الشرقاوي، د. نادية مصطفى (تنسيق وإشراف) أسامة مجاهد (تحرير ومراجعة)، تركيا جسر بين حضارتين، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات، ومؤسسة أبانت للحوار بتركيا، (تحت الطبع).
– د. إبراهيم البيومي غانم، د.باكينام الشرقاوي (محرران)، أعمال مؤتمر: مستقبل الإصلاح في العالم الإسلامي: خبرات مقارنة مع حركة فتح الله كولن” (أكتوبر 2009)، مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات، القاهرة، (تحت الطبع).
– د. نادية مصطفى، د.سيف الدين عبد الفتاح (تنسيق علمي وإشراف)، أ.محمد كمال محمد (مراجعة وتحرير)، ثقافات متنوعة في حضارة جامعة (أعمال دورة التثقيف الحضاري الرابعة 2008)، مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، القاهرة، 2010.
وفيما يتصل بنماذج التعارف التاريخية بين هذه الشعوب يمكن الرجوع على سبيل المثال إلى المصادر التالية:
– د. سيار الجميل، العرب والأتراك… الانبعاث والتحديث من العثمنة إلى العلمنة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1997.
– د. وجيه الكوثراني، الفقيه والسلطان: دراسة في تجربتين تاريخيتين: العثمانية والصفوية – القاجارية. منشورات المركز العربي الدولي، القاهرة، 1990.
– العلاقات العربية الإيرانية، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1993.
– مجموعة باحثين، العلاقات العربية – الإيرانية: الاتجاهات الراهنة وآفاق المستقبل، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط2، 2001.

بحث مقدم إلى مؤتمر “تعارف الحضارات” بالتعاون بين مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات بجامعة القاهرة ومكتبة الإسكندرية، مايو 2011

للتحميل اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى