العام والخاص بين الوصل والفصل

 

العام والخاص بين الوصل والفصل

حلقة نقاشية في ملتقى الحضارة

 29/07/2009

بعد تأسيس الملتقى في العام الماضي، واقتراب عامه الثاني من الانتهاء تحت عنوانٍ ناظمٍ هو: “الأمة… رؤى وقضايا”، اقترب به من واقع الأمة وحالها من خلال عدة مداخل؛ النهضة، غزة، القيم والسياسات العامة، الظاهرة العشوائية، التربية، علم النفس،… ظل سؤال التفعيل مطروحًا دائمًا: ماذا نفعل؟ كلٌ في مجاله ومن رؤيته.

وفي هذا الإطار طُرِحت العلاقة بين خاصّ كل منا وعامِّه؛ ما العام، وما الخاص، وما العلاقة بينهما؟لذا، كان من المطلوب تخصيص لقاء لهذا الموضوع في حلقة نقاش مفتوحة، تتيح لكل منا طرح رؤيته الخاصة لحدود العام والخاص والعلاقة بينهما؛ فالعام والخاص هو ما يشكل ويكون حياة الإنسان؛

(العام + الخاص= حياة الإنسان)

 

وتبرز أهمية هذا الموضوع، على وجه الخصوص، مع تغوِّل الدولة وسيطرتها على الكثير من وظائف المجتمع، وتنازل المجتمع –في المقابل- عن تلك الوظائف بسهولة. فاتسعت الدولة أكثر مما تحتمل، ومن ثم ضعفت الدولة وتراجعت عن أداء ما هو منوط بها من وظائف ومهامم.

 

وتتعدد اتجاهات النظر إلى تعريف كلٍ من العام والخاص والعلاقة بينهما؛

     فهناك من يفصل فصلاً تامًا بين العام والخاص، وبين الديني والسياسي (الحضارة الغربية).

     على العكس، يظهر اتجاه المزج التام بين العام والخاص (الحضارات الشرقية).

– كما يظهر في أحد الاتجاهات استغلال الخاص للعام لتحقيق مصالح شخصية أو خاصة في بعض النظم الفاسدة، خاصة في النظم الأفريقية والقبلية (نظرية ماكس فيبر عن النظام الأبوي)

– وقد تكون العلاقة أيضًا قائمة على أساسٍ من تغوِّل الدولة القومية على حساب المجتمع، بل وإحلالها محله وتهميشه تمامًا.

وفي هذا الإطار، تُطرح الرؤية الإسلامية لتعريف العام والخاص والعلاقة بينهما، من خلال الحديث عن فروض العين (اللازمة على كل فرد وإن لم يقم بها أثم)، وفروض الكفاية (هي فرض على مجموع الأمة –ويسميها البعض فروض الأمة- إذا قام بها البعض سقطت عن المجموع).

والسؤال الأهم المرتبط بالعام والخاص؛ هو ماذا نفعل؟ كيف التفعيل؟ والإجابة عن ذلك ترتبط بمعرفة:

       ماذا نفعل الآن (ضبط الفعل الحالي)؟

       ماذا أعمل فيما بعد؟

       الظروف المهيِّئة والمعوِّقة لربط الخاص والعام..

وفي محاولة للإجابة عن تلك الأسئلة، طرح الحضور رؤاهم المختلفة لتعريف العام والخاص، وطبيعة العلاقة بينهما، والآليات العملية للربط بينهما.

بداية، تحدث الشيخ هشام الكامل عن نموذج الصحابة في الجمع بين العام والخاص والربط بينهما؛ فقد تجرد الصحابة من الذات واندمجوا في العام وعاشوه، فلم يتوقف كلٌ عند حدود عمله المحدود، وإنما تخطوا ذلك ليسهم كل منهم في تكوين العام وتشكيله، فقاموا بما يمكن أن نسميه “حرق المراحل” (أي اختصار الزمن والجهد، أو اختصار المراحل، في القيام بالعديد من الأعمال). وهو ما وضحه أحد الحضور بقوله أن الوصول إلى هدف معين يمكن أن يكون عبر طرق عدة، ومن ثم فـ”حرق المراحل” قد يعني سلوك طريق مختصر للوصول إلى الهدف.

وقد اقتدى الصحابة في ذلك بالنبي (صلى الله عليه وسلم)؛ حيث ورد عدد من الأحاديث الدالة على عدم رغد عيْش النبي (صلى الله عليه وسلم).

ثم تطرق بعد ذلك إلى حكمة ابن عطاء السكندري: “مقامك حيث أقامك”، والتي تؤكد على أن لكلٍ عمله ودوره في حدود ما لديه من إمكانات ومهارات؛ فكلٌ حيث يعمل يمكن أن يخدم المجال العام. وأشار في هذا الصدد إلى أهمية ما أسماه “الوقت العام”.

وأشارتأ. إسراء إلى ارتباط القضية بالهوية، فكل دوائر الهوية متكاملة. فمن المهم الانتقال من رؤيتي وفكري الخاص إلى رؤية وفكر غيري، إذا كان ذلك مجديًا للشأن العام.

وأشار البعض إلى نظرية “جون رولز” عن العدالة الإنصاف، والتي تحدث فيها عن “حجاب الجهالة” الذي قد يحول دون التواصل على مستوى المجال العام. فالرؤية الإسلامية تعظِّم من الاهتمام بالشأن العام (فمن الملاحظ أن الصيغة العامة في توجيه النداء للمسلمين هي صيغة الجمع…). ومن ثم تبرز أهمية إجراء دراسة تفصيلية متعمقه حول الموضوع.

وتساءلعبد الرحمن حسام: هل الحديث عن العلاقة بين العام والخاص هي فكرة أصيلة لدينا، هل هي فكرة فطرية وطبيعية؟ أم أنها فكرة مستوردة ودخيلة على الفطرة الإنسانية؟

كما أشار إلى ضرورة إدراك العلاقة بين الخاص والعام في إطار الأولويات والموازنات. فلا يمكن العمل للعام (الأمة) في ظل فساد الخاص، وبالمثل لا يمكن التمادي في الاهتمام بالخاص على حساب العام. فصلاح الجسد مرتبط/ قائم على صلاح الأعضاء، ولا يمكن أن يتم التغير الجذري بشكل مفاجئ.

وفي نفس الإطار، طرح تساؤل حول ما إذا كانالعام والخاص بدائل لبعضهما البعض؟

وقد ركز النقاش عمومًا على مجموعة من العناصر في الاقتراب من قضية العام والخاص والعلاقة بينهما؛ بدءًا من تعريف العام والخاص، طبيعة العلاقة بينهما في رؤى كل منا، إشكاليات وعوائق الوصل بين العام والخاص، وفي المقابل آليات تفعيل العمل العام والوصل بين الخاص والعام، بل غزل الخاص في العام والعام في الخاص ليكونا نسيجًا متناسقًا.

 

تعريف العام والخاص

يبدو وجود تناقض في تعريف العام والخاص بين الإفراط والتفريط؛ يصل في أحد أطرافه إلى الانغماس الشديد في الشأن الشخصي دون الاهتمام بالشأن العام، وفي الطرف الآخر –على العكس- الاستغراق في العام وإهمال الخاص.

وفي محاولة لتخطي هذا التناقض، طرحت بعض التعريفات للخاص والعام؛ منها:

       الخاص هو أساس ووحدة بناء العام، فالعام هو نتاج تجمع الخبرات الخاصة.

       العام هو الاهتمام بأمر الغير

       العام يكون بتعميم الحلم الخاص

       العلاقة بين العام والخاص علاقة تأثير متبادل

       نسبية العام والخاص؛ فالعام يتحدد، ويتسع أو يضيق، وفق إمكانيات كل شخص.

 

وعن تعريف العام والخاص، والعلاقة بينهما، في الرؤية الإسلامية؛ يجدر القول إن الرؤية الإسلامية تكرس وتعظم الشأن العام، حيث يتضاءل الخاص لصالح العام. وفي حال تعارضهما- يعلو العام على الخاص. هناك ما لا يمكن أن يقوم به سواك، وهناك ما لا يمكن أن تقوم به وحدك (فروض العين وفروض الكفاية -فروض الأمة).

وذلك على عكس الغرب، الذي وضع تصنيفات جامدة للعام والخاص، وأعلى من الخاص على حساب العام. بل طرح السياسي باعتباره المعبر الوحيد عن المجال العام (السياسة بمعناها الضيق)، فالعام يتسع ليشمل العديد من الأمور تتضمن العلاقات والمعاملات المختلفة، يتسع ليسمل الخروج من الحرص على الحياة الشخصية الذاتية نحو الاهتمام بالحياة العامة والمجال العام.

ويثير هذا الاختلاف في النظر إلى العام والخاص في الثقافة الغربية عنه في الثقافة والرؤية الإسلامية التساؤل حول إمكانية وضع معايير لمعنى العام بالنسبة لنا، وعوامل الفعل في الشأن العام.

إجمالاً، لا فصل بين العام والخاص، لا إفراط ولا تفريط. فالوصل بين العام والخاص طبيعي وتلقائي، والفصل بينهما هو فصل حافِظ؛ كالفصل بين خاصّ الموظف/ المسئول العام وعامّه.

ويقتضي ذلك التطرق لوسائل وآليات الوصل الفعال بين العام والخاص، بل نسج الخاص في العام، ليصب خاص كل منا في العام ويخدمه. ولكن يسبق ذلك التعرض لا يمكن أن يعوق ذلك الوصل من عقبات ومعوقات.

إشكاليات ومعوقات الوصل بين العام والخاص

تبرز العديد من العوامل المعوقة للفاعية والإنجاز الفردي في المجال العام، من أهمها:

       الخلط بين ما هو عام وما هو خاص، أو غموض معنى العام.

       الضغط لإجبار الفرد للانسحاب من المجال العام إلى الخاص.

       اختزال العام وتسطيحه، ليصبح مجرد وسيلة للتظاهر.

       عدم الاهتمام بالشأن العام إلا إذا ارتبط أو تطرق للشأن الخاص.

       الفجوة بين القول والفعل.

       انسداد المؤسسات اللازمة لتفعيل العمل العام.

       القيود القانونية والأمنية.

       التكاسل وتعجيز الذات عن الفعل.

       الربط – السلبي – بين الحالة الاقتصادية وبين المشاركة في الشأن العام.

 

أسباب/ عوامل الروابط

في المقابل، تساعد بعض العوامل على فعالية الربط بين العام والخاص؛ من بينها:

       القابلية للانخراط في العام (البدء من الخاص، للانطلاق إلى العام).

       التجرد من الذاتية، وعدم المبالغة في الاهتمام بالحياة الخاصة.

       عدم تشييع الحياة الخاصة؛ عدم تغليب الخاص أو السياسي على العام.

       توافر المؤهلات والمهارات اللازمة للقيادة والفعل.

       تطوير الذات.

       فهم الواقع، والإيمان بالآخرة وزوال الدنيا.

       الاجتهاد كلٌُ مقامه.

       الاهتمام بشأن الأمة وأحوالها.

       العمل العام يبدأ من الإيمان بفكرة ما، وتوافر الإرادة لتنفيذها، ثم الحركة والفعل.

       ترسيخ ثقافة الفاعلية، والتنشئة على ارتباط الخاص بالعام.

       عدم استغلال العام لصالح الخاص.

       إتقان الخاص لتحسين العام.

       دوائر العام تبدأ من الأسرة، فالعائلة، … وقد تصل إلى الإنسانية.

       عدم قصر العام على فئة محددة من الأفعال، وإنما أن يكون العام شاملاً لكافة أمور الحياة.

 

ماذا نفعل؟ (وسائل عملية للتفعيل)

       البدايات الصغيرة؛ بإتقان كل منا لخاصّه؛ حيث يمثل ذلك بداية للتغيير على المستوى العام (البدء من الذات).

       تعميم الخاص؛ بأن تجعل من شأنك الخاص لخدمة الصالح العام “كل خاص لي هو لصالح الأمة”.

       عدم الفصل التام بين الخاص والعام فكل منا هو جزء من الشأن العام.

       ربط العمل بالنيّة.

       ترسيخ ثقافة الفسيلة؛ العمل دون انتظار النتيجة.

– تقديم مصالح الغير على المصلحة الشخصية.

– الزكاة والصدقة.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى