إسرائيل وتفتيت نسيج المنطقة العربية: القضية الكردية نموذجًا

مقدمة

يراد بهذا الموضوع كشف أهميَّة إقليم كردستان لإسرائيل، يوافق تواجدها “حيث اقتضتْ غاياتها الاستراتيجية العليا”، وبمختلف الأساليب والمداخل والمسوِّغات، لا سيَّما ما أثَّر بأمنها، الذي لم تحلْ دون حمايته مسافة، ولا تقف دون بلوغه حدود؛ عقب ما أصاب المنطقة، من التفكُّك والوهن.
وممَّا تهدف إليه”إسرائيل” بتواجدها وتأثيرها في المنطقة، ومواقفها -الخفيَّة والمعلنة- من قضاياها، أن تزيد مشاكلها، وتعمِّق خلافات أطرافها، وتفرِّق جوامعها؛ فتقصر ردود أفعالهم، إزاء مشاريعها التوسُّعيَّة؛ فيكون لإسرائيل: ضمان مصالحها، ومباشرة نشاطها الاقتصادي في المنطقة، لتكون القوَّة الأبرز اقتصاديًّا.

أولا- التوغُّل الإسرائيليُّ في المنطقة العربية

كتابات كثيرة، تؤكِّد حقيقة توغُّل إسرائيل في المنطقة، بأشكال ومسوِّغات ومستويات عديدة ومختلفة؛ حتى ألبس سرطان الأطماع الإسرائيلي مزوِّقات، جعلته: تواجدًا يعبِّر عن إرادة أحاديَّة الجانب استحياء؛ فحملت علاقاتها -ولاسيَّما بالدول العربيَّة- أمارات التسويغ، لتوصف: بالمباحثات، والتطبيع، والاتفاقات، والتعاون، فالشراكة الاستراتيجية؛ والأنكأ من ذلك: استعداد بعضها للاعتراف بالقدس عاصمة لها، ولا يمكن تصوُّر حصول الأمر، إلَّا بحصول أخطار وشيكة، تتمثَّل في:
1- إعادة رسم خارطة الدول العربيّة، وتقويض حدود اتفاقية “سايكس-بيكو”، وهو خطر ينذر بخسارة الدول العربية، ذات المساحات الواسعة، بعض أراضيها.
2- إثارة النزاعات الانتمائيَّة، على حساب الانتماء الوطني؛ ينذر بإشعال صراعات، تهدِّد النسيج الاجتماعي، لتعصف بالهُويَّة أهواء التمزُّق.
3- تمدُّد المشروع الإيراني، الساعي للهيمنة على مقدَّرات الدول العربية والإسلامية، وقيادة العالم الإسلاميِّ، عقب نجاح مشروعها الاستراتيجي، المرافق لولادة “داعش”، وهيمنة التيارات المسلَّحة(1)، في دول هيمنت إيران على عواصمها(2)، وأخرى امتدَّ إليها تأثيرها، فَبَدَتْ إيران راعيةً لمستقبلها وتوجيهه وفقًا لبوصلتها، التي تحقِّق تلكم القيادة، وتثمر تجاوز إيران لأزمة نفاد أبرز ثرواتها، وتوفر تمويل مشروعها الاستراتيجي الذي تسوِّغه التلوُّنات المذهبية، وخلافات المنطقة الطائفية -وهي من نسيج اجتماعي ذي صيغ متعدِّدة، اصطبغت بجامع التوحيد قبلا- وأعيد تفكيكها فشُوِّهتْ ثقافتها.

ثانيا- التوغّل الإسرائيليّ في العراق(3)

بات موثقًا مرافقة إسرائيل للولايات المتحدة في احتلالها العراق، بل كانت هي من دوافعه الأساس:سوَّغته، وخطَّطت له، ومهَّدت له، بوجود الليبراليين الجدد، ومرجعيَّتهم “المسيو/يهودية” في الإدارة الأمريكية. وأسهمت إسرائيل في الاحتلال بعناصرها الاستخباراتية في العراق لتسهيل احتلاله، باستحصال المعلومات، وتحديد الإحداثيات، التي تسهِّل السيطرة على مدن العراق، وتحديد مواقع القوات العراقية.
ولم يشغل المؤسَّسة العسكرية بإسرائيل، والمؤسَّسات القريبة منها، ومراكز البحوث، والمحلِّلين، مثلما أشغلتهم سيناريوهات الحرب الأمريكية/البريطانية على العراق. لأسباب استراتيجية وتكتيكية؛ قدَّمت إسرائيل بصددها نصائح للأمريكيين، للاستعانة بأعوانها من المعارضة العراقية، ومنها الكردية بكردستان، لتجنِّبها معارك بريَّة، تطول آمادها(4).
وكان على الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية خلال الحرب، العثور على الصواريخ العراقية المطوَّرة “الصمود”، ومداها 630 كم، وصواريخ بعيدة المدى، تؤمِّن إسرائيل نفسها منها، وتضفي مشروعيَّة على قرار الحرب، تبرِّئ ساحة الأجهزة الاستخبارية: الأمريكيَّة، والإسرائيليَّة، من التبعية لصانع القرار(5).
إسرائيل -إذن- تتواجد حيث تتواجد الولايات المتحدة في العراق(6)، وتشاركها حتى في الإشراف على الوزارات في بداية الاحتلال؛ وقد تمَّ منحها موطئ قدم في السفارة الأمريكية.
ومن ناحية الاستثمار في العراق، وجني الثمرات التجاريَّة فيه؛ فيكفي الإشارة إلى قرار رفع حكومة إسرائيل الحظر أمام الشركات الإسرائيلية للاستثمار مع العراق، يوم كان نتنياهو وزيرًا للمالية.
ولمْ يعد العراق بعيدًا عن التوغُّل الإسرائيلي، في ظلِّ نظام، يرعاه الاحتلال، الذي ترك الباب مشْرعا لعشرات الأجهزة المخابراتيَّة، وما “الموساد” عنها ببعيد.
ونتيجة للآثار المباشرة على إسرائيل من حرب العراق، أدركَت جسامة الحدث، فتغيُّر أوضاع المنطقة، يغيِّر مستقبلها، ودورها المنشود في المنطقة(7).
ولمْ تخْف الولايات المتحدة غاياتها الاستراتيجية، مع حليفتها إسرائيل، في تحقيق سلام -يحمي وجودها، ويسمح بانطلاقها، تحقيقًا لمصالحها المتنامية- بالمنطقة، التي امتدَّت من: حماية وجودها، فعقد تحالفات في المنطقة، فالرغبة في الحصول على النفط وعائدات نقله، فالتجارة والتصدير، فالاستثمار وإدارة المشاريع.
وهذا الأمر يتحقَّق لإسرائيل برعاية حليفتها الولايات المتحدة؛ بتحويل الأنظمة السياسية في المنطقة، إلى أنظمة ديمقراطيَّة، يصبح بعدها التطلُّع لإقامة علاقات متينة مع إسرائيل معيارًا، تقاس به ديمقراطيتهم؛ ودليلا -ليس فقط- على تقمُّص الديمقراطية مظهرًا سياسيًّا، وآليات للمشاركة السياسية وحسب، بل لتكون الديمقراطية دليل تقمُّصهم النظام الليبرالي، بكلِّ قيمه وتشويه القيم الموروثة، وما يجري عقب لقاء ترامب بقيادات إسلامية في الرياض يكشف المزيد مما قد يبلغ تغيير الثقافة المجتمعية، وتلقيمها بالنماذج الوافدة وقيمها، وتبديل مناهج تعليمها -وتربية نشْئها- تبديلا.
وممَّا قامت به إسرائيل، في عقد لقاءات، بمسؤولين من مكوِّنات العراق؛ حرصًا لتوثيق علاقاتها، بما يضمن لها التأثير في مستقبل العراق، ومستقبلهم السياسي، باستحضار “مشروع بايدن” الرامي لتقسيم العراق لثلاث دويلات: كرديَّة، وشيعيَّة، وسنيَّة، بحجَّة منع حدوث حرب أهليَّة بعد إنشاء ثلاثة أقاليم فدراليَّة تتَّجه نحو الاستقلال، وهو مشروع لا تغيب عنه مصالح الولايات المتحدة، فقد اقترح الاحتفاظ بحدود عشرين ألف جنديٍّ أمريكيٍّ بكردستان، زيادة على ما يكون في الإقليمين: الشيعي، والسني(8).
أ) نشاط مؤسَّسة الصداقة الإسرائيلية الكردية
ثمَّة مؤسَّسة، وافقتْ على إصدار مجلَّة “إسرائيل كرد”، وهي مجلَّة ورقيَّة، أجيز صاحبها بإصدارها، من قبل نقابة الصحفيين بأربيل، لأحد أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني “البارتي”، الذي يقوده الرئيس بارزاني؛ يؤكِّد أنَّ العلاقة بإسرائيل تاريخية، تمتدُّ إلى علاقتها مع “ملَّا مصطفى البارزاني”، الممتدَّة إلى خمسينيَّات القرن الماضي، إبَّان فشل قيام حكومة كردية بأراضي كردستان إيران، كان فيها ملا مصطفى وزيرًا للدفاع(9).
وممَّا يؤكِّد وجود علاقات ودِّيَّة بين إسرائيل وإقليم كردستان، أنَّ بعضًا من وسائل الإعلام التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، يسمِّي القدس -في وسائله المرئية والمسموعة والمكتوبة- “أورشليم”؛ وما تعنيه لإسرائيل، دون أن ينخرط الإقليم في الاعتبارات التقليدية للدول العربية والإسلامية، التي تجعل إسرائيل كيانًا معاديًا مغتصبًا؛ فانحاز الإقليم لما تعيشه اليوم دول عربية وإسلامية تسعى للتطبيع مع إسرائيل.
فالنظرة الواقعيَّة، والاعتبار المصلحيُّ، هو ما يحدِّد موقع إسرائيل في نظر الإقليم، وكثير من الأوساط السياسية والحزبية فيه، حتى بعض المنتمين لبعض الحركات الإسلامية الكردستانية، تنظر إلى إسرائيل في ظلِّ معايير لا تتطابق مع معايير النظر إليها بوصفها عدوًّا غاصبًا؛ بل تتَّخذ من المصالح وتبادل المنافع عامل تعديل “برجماتي”، للنظر إلى إسرائيل، ووصف مكانتها بوصفها تراعي مصالح الكرد وكردستان، ولا يعكِّر علاقاتهما كدر المواقف التقليدية الموروثة؛ من ثقافة بليتْ تأثيراتها في الشخصيَّة الكردستانية، كحال الكثير من العرب والمسلمين.
ب) دعم استفتاء استقلال كردستان اللافت
ومن أبرز أمثلة ما ذكر أعلاه: موقف إسرائيل الداعم والدافع واللافت لإقليم كردستان لإجراء استفتاء الاستقلال، ودفاعها “العجيب”(10) عن حقِّ الكرد بإنشاء دولتهم، وحثهم لدعم قيادة إقليمهم، ما يفسِّر أمورًا، منها:
1- أن ولادة دولة كرديَّة جديدة، بدعم متميِّز من إسرائيل؛ يحقِّق تميُّزًا في علاقاتهما المستقبليَّة، بمراعاة مبدأ “الدولة الأولى بالرعاية”، ويجعل إسرائيل صاحبة امتياز في تنفيذ مشاريع بناء الدولة الكردية الفتيَّة، والأولى في استثمار مواردها وإقامة علاقات استراتيجية متميِّزة معها؛ أوَّل دلائله: رفع العلم الإسرائيلي، ليلة الاستفتاء، والاحتفال بنتائجه.
2- وممَّا يفسِّر دعم إسرائيل استفتاء كردستان، واستقلالها: تدهور علاقتها بتركيا، ليكون عامل ضغط على تركيا، وللتحوُّل من “التذلُّل لها واستجداء إعادة شراكتها لما كانت عليه”، إلى الضغط بدعم استقلال كردستان العراق، ومساعدتهم للحصول على اعتراف الولايات المتحدة(11).
3- ويؤكِّد ذلك لإسرائيل في المستقبل المنظور مشاريع وبرامج استراتيجيَّة تمتدُّ للمنطقة، فهي بحاجة لجرعة مشاكل، عقب انتهاء سيناريو قتال “داعش”، لتنشغل مكوِّنات المنطقة بمشاكلها؛ يؤكِّده: قرار “نقل سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل إلى القدس، تمهيدًا لإعلانها عاصمة لإسرائيل، والتخطيط لبناء ثلاثمئة ألف وحدة استيطانية، تكفي لإحداث تغيير ديمُجرافي في القدس.
والقضيَّة الكرديَّة، شكَّلتْ مشكلة استعصى حلُّها لعقودٍ مضتْ، بلغتْ وفق وصف الكرد “مئة سنينًا”؛ جعل القضيَّة مدخلا يسوِّغ لإسرائيل اقترابها استراتيجيًّا من المنطقة، واختراقها -أمنيًّا- بما يؤمِّن تغذية أجهزة استخباراتها، ومؤسَّساتها المعلوماتية، ولتتوغَّل متستِّرة بلباسها المدني، وشراكاتها الاستثمارية، والتجارية، وحتى نشاطاتها الإنسانية.
وعودًا على ذي بدء، فيمكن فهم ما تروِّج له الأوساط الإسرائيليَّة الإعلاميَّة، باعتبارها نظام إقليم كردستان ديمقراطيًّا أكثر من الأنظمة التي حوله إن لمْ تجعلْه الوحيد بينها؛ بما يمكن التعويل عليه، لبناء تحالف استراتيجي يعوِّض إسرائيل شيئًا ممَّا فقدتْه من تحالفها الاستراتيجي مع تركيا، ومن شراكتها لها على ظلال حلف شمالي الأطلسي، والتعاون الثنائي، بين تركيا وإسرائيل والذي تعرَّض لأزمات قدْ تقوِّضه بالكلِّيَّة مستقبلا.
والحديث عن تحالف مباشر بين إسرائيل وكردستان، لا يأتي بواقع يشكِّل الإقليم فيه جزءًا من فدرالية العراق، فليس للإقليم إدراكه، وفقًا لدستور العراق 2005 -الذي شرَّع وجود الإقليم وباركه- فليس للإقليم إقامة علاقات خارجيَّة، ولا علاقات عسكرية؛ ناهيك عن إقامة تحالفات استراتيجيَّة منفردة عن المركز.
فثمَّة تفاهم استراتيجي مبدئي(12)، بين كردستان وإسرائيل، للسير في خطى حثيثة تجاه استقلاله، يكشف دفعًا إسرائيليًّا للإقليم لإجرائه، ليسوِّغ لبعض الأطراف الكردية السياسية الفاعلة إجراءه في 25 سبتمبر 2017، بجانب دوافع أخرى، وتجاوز:
1) معارضة أطراف: داخلية، وإقليميَّة، ودوليَّة لإجراء الاستفتاء.
2) مخالفة إجرائه للدستور العراقي.
3) ضعف قدرة الإقليم لفرض الاستقلال عقب الاستفتاء، وجعله أمرًا واقعًا بالقوَّة.
ج) موقف إسرائيل”المعلن” من الاستفتاء عقب إجرائه
وراء موقف إسرائيل من الاستفتاء عقب إجرائه، وتنصُّلها عنه(13) أسباب:
أوَّلها- عدَّت الولايات المتحدة الاستفتاء خروجًا لقيادة الإقليم عن عباءتها، ولاسيَّما بتصريح البارزاني الذي قلَّل من أهميَّة موقفها غير المؤيِّد للاستفتاء؛ وقد جعل تصريح إسرائيل بتأييدها الاستفتاء يسبِّب شرخًا في التوافق مع راعيتها الولايات المتحدة، وتحدِّيا لإرادتها، لن تحمد عقباه.
ثانيها- بناء حواجز تحول دون تطبيع العلاقات الإسرائيلية-العراقية، وقد كانت وشيكة بفعل الوجود الأمريكي ورعايته له، ولكون الاستفتاء خرقًا للدستور، وعلَّقت إسرائيل على هذا التحوُّل في النظام السياسي العراقي، الآمال لفتح قنوات للاتصال تقرِّب تل أبيب من بغداد، ولإحياء تصدير النفط العراقي عبر حيفا، واستعادة بعض اليهود أملاكهم ومقابرهم التي تركوها إبان العام 1948م، وهجرتهم إلى إسرائيل.
ثالثها- في وقت حقَّقت فيه تركيا تنسيقًا استراتيجيًّا متقدِّما مع إيران وبغداد، يجعل تأييد إسرائيل ضربًا من “كسر العظم” يحجب مصالح إسرائيل، لصعوبة استقلال كردستان، وحجب إمكانية إعادة تصفير مشاكلها مع تركيا، وإعادة تطبيع علاقاتهما، وعودتها حليفًا وشريكًا مرتقبًا مرَّة أخرى.
د) دور المصلحة المشتركة في نسج العلاقات الإسرائيلية-الكردستانية
وجود إسرائيل ومصالحها في كردستان، يأتي في إطار المصالح المتبادلة؛ بما يحقِّق للكرد مصالحهم الاستراتيجيَّة، ممثَّلة بآمالهم القومية؛ يدعمها:
1- استعصاء الاستقلال دفع الكرد لترقُّب مساع تقرِّب الآمال، أو أي وعد بالدعم المستقبلي للقضيَّة من الدول الكبرى، وتملك إسرائيل مفاتيح التأثير عليها.
2- تحرص الولايات المتحدة على التمسُّك بخيوط الصراعات والاختلافات: الإثنية، والدينية، والطائفية، والسياسية، لقربها من الخليج، الذي عدَّ مبدأ كارتر (1981م) المساس به مساسًا بمصالحها، وحرصت على بناء علاقات استراتيجيَّة متينة مع الكرد حينها، لما لتلكم العلاقات من تأثير على الاتحاد السوفيتي -وقتها- وقد كانت له علاقاته الاستراتيجية بالعراق، وهو أمر أدركتْه، وأدركتْ آثاره القيادات التقليدية الكردية، وقدَّرتْ ما يجْنى منه، ويصبُّ في صالح القضيَّة “الكردية” ومصيرها.
3- ولمْ يغب العامل التجاري عن تطلُّعات إسرائيل في الإقليم، ولا الاستثماري، وهو أمر سبق نشأة الإقليم؛ فالتطلُّع الإسرائيلي للاستثمار، تمتدُّ جذوره إلى نتائج التطبيع معها، والتسويات مع مصر، والأردن، و”أوسلو”، فقد خرجت إسرائيل من الأهداف: الأمنية، والعسكرية، إلى الاقتصادية.
4- وتكرَّست التطلُّعات الاقتصاديَّة، عقب تأسيس الشركات العابرة للحدود المتعدِّدة الجنسية، التي زادت حرصها لتفعيل العلاقات الاقتصادية، وما شهده العالم من أزمة ماليَّة، شملت إسرائيل نفسها؛ دفعتها للاستثمار والعمل في المنطقة وكردستان.
5- وشمل الوجود الإسرائيلي عمليات التنقيب عن النفط واستخراجه، ومعادن أرض كردستان البكر، وسعيها لإعادة خطِّ أنبوب نفط كركوك-حيفا؛ فقد ذكرت صحيفة “الفايننشال تايمز” البريطانية، أن 75% من واردات إسرائيل النفطية، مصدرها كردستان العراق(14).
6- التدريب العسكري، والتجهيز، والتعاون الأمني والمعلوماتي، داخل الإقليم.
هـ) دور الشركات الخاصَّة المتخصِّصة
ممَّا يؤكِّد وجود تعاون بين إسرائيل وكردستان، ما نشرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية اليومية، عن انهماك أجهزة الأمن الإسرائيلية، في التحقيق مع شركات خاصَّة متخصِّصة، ومنها:”أجهزة أمنيَّة”، قدَّمت خبرتها لإقليم كردستان، لتجهيز وتركيب أنظمة أمنية، ونقلت تكنولوجيا حسَّاسة، جهَّزت أنظمة مطار أربيل -حسب المحلِّل الألمانيِّ بيتر فيليب- ولم تكن حصلت على ترخيص من سلطات إسرائيل المختصَّة(15).
فالخبراء الإسرائيليُّون الساعون للربح عقب انتهاء خدمتهم الوظيفية بإسرائيل، يتواجدون في دول كثيرة، يقدِّمون خبراتهم، وهم بارعون في تجارة الأسلحة، التي تلقى رواجًا في دول عربية وسواها(16).
ومع أنَّ لإسرائيل وجودًا مشهودًا مع القوات الأمريكية المحتلَّة، إلَّا أنَّها تُخفيه؛ ليؤكِّد وجود مبرِّرات خطيرة، تكمن وراء الإخفاء المقصود، يسمح للاعتقاد بأنَّ جزءًا منها جاء لتصفية العناصر المخابراتية على عهد صدَّام المتخصِّصين بالشأن الإسرائيلي، وتصفية العلماء المتخصِّصين بالبرنامج النووي، إذا رفضوا التعاون مع الأمريكيِّين، والالتحاق بمختبراتها.
و) إعادة توطين يهودي في كردستان
رافقت روايات كثيرة(17)، مصطحبة خارطة تقسيم العراق لثلاث دويلات تمتدُّ فيها حدود كردستان لمناطق كركوك وسهل نينوى، مشيرين لوجود مصالح لإسرائيل فيها، عقب شراء بعض من مواطنيها أراضي، يضمُّ بعضها قبور بعض أنبيائهم، وبالغت بعض الروايات بالقول بأنَّ إسرائيل قدْ شجَّعت كثيرًا من مسيحيِّي العراق، في تلك المناطق على الهجرة، وشراء بعض ممتلكاتهم وسهَّلت استيطانهم بأمريكا وأوروبا وأستراليا.
وكشفت “نيوزويك” الأميركية، أن وسائل إعلام تركية تزعم أن جماعات كردية عقدت اتفاقًا لتوطين عشرات الآلاف من يهود أصلهم كردي، في إقليم كردستان العراق، مقابل دعم إسرائيل استقلاله(18).
ز) دوافع استراتيجية تخصُّ إسرائيل أساسًا
أوَّلا- المشاركة الإسرائيلية القتالية -غير المعلنة حفاظًا على أمنها من ردود الأفعال- في إطار التحالف الدولي، كالحربين الموجَّهتين ضدَّ العراق، حوَّل عقيدة إسرائيل القتالية من الدفاع إلى الهجوم، وأوجب تحرُّكها في المنطقة، ومنها كردستان، ضمن القوات الأمريكيَّة، التي أضفى إقرارها -أنَّها دولة محتلَّة للعراق- شرعيَّة على تواجد قوَّاتها، والإشراف على إدارة العراق.
ثانيا- القضيَّة الأهمُّ هي تدهور علاقات إسرائيل بتركيا، ويمكن تفريعها لتظهر أهميَّة تأثيرها في نسج علاقات متينة، بالكُرد في العالم، وتدفع نحو التغلغُل في كردستان تحديدًا:
1) شهدت علاقات إسرائيل بتركيا فتورًا، وانحسارًا من التعاون الاستراتيجي والقيام بعمليات تدريبية مشتركة، عقب أحداث مايو عام 2010، وقتل بعض مواطني تركيا المشاركين -بسفينة مرمرة- لكسر حصار غزَّة؛ وتأزُّم العلاقات الدبلوماسية.
2) عقب اعتذار إسرائيل عام 2013م لتركيا في محاولة يائسة منها لإعادة العلاقات بتركيا ومحاولة تطبيعها، وإعادتها إلى مستوى التحالف الاستراتيجي بينهما، وقد أوقفت تركيا المناورات العسكرية المشتركة بينهما، وأدرك الإسرائيليون، أنَّ علاقاتهما تمرُّ بعقدة مستعصية.
3) وقد تفاقمت أزمة العلاقات بين إسرائيل وتركيا، لوجود أصابع خفيَّة، تصل خيوطها إلى “تل أبيب” في محاولة الانقلاب الفاشلة، بتركيا.
4) دفع شعور إسرائيل بخسارتها تركيا، للتحوُّل من استجداء رضا تركيا، إلى محاولة الضغط عليها.
ح) إعادة رسم حدود الشرق الأوسط، وانتشار الفدراليات
عقب “الربيع العربي” ومشروع إجهاضه -من الولايات المتحدة، وحلفائها وقوى دولية أخرى- وتحويل مساره حيثما دارت مصالحها، يمكن القول إنَّ هذا الأمر يؤثِّر، في إقامة علاقات مع إسرائيل، بوصفها جزءًا من آثاره، ويأتي في صالح التطبيع معها، من بعض الشعوب التي كانت عصيَّة، في إطار دولها التقليديَّة التي أنشأتها “سايكس/بيكو”، وتحصَّنت دون إسرائيل بالانتماء القوميِّ العربيِّ، الذي عدَّ قضيَّة فلسطين قضيَّة قوميَّة مصيريَّة تخصُّ العرب أكثر من سواهم، ولا يرجى نصرها عقب ما أصابها من الوهن؛ يدفع الدويلات الجديدة لبناء علاقات ودِّيَّةٍ بإسرائيل.
ويلمح لذلك حديث الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية، أخصُّ “عوفرا بينجيو”، رئيسة برنامج الدراسات الكرديَّة بجامعة تل أبيب، التي أكَّدتْ: أنَّ كرد سوريا “مجتمع” لديه استعداد للتعاون مع إسرائيل؛ مؤكِّدة علمها بقيام بعض الشخصيَّات الكرديَّة السوريَّة؛ بزيارة إسرائيل سرًّا، وأنَّها على اتِّصال بشخصيَّات، أبْدت استعدادًا لإنشاء علاقات مع إسرائيل، وفي المقابل أوصتْ عوفرا بنجيو إسرائيل بتقديم دعمها للكرد السوريِّين، بوصفهم ممن يعوَّل عليهم من التيارات السياسية الناشئة بسوريا، لقتال “داعش”، وأيُّ تعاون معهم يصبُّ في صالح إسرائيل(19).
وأكَّد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو دعمَه وتأييدَه للطموح الكرديِّ للاستقلال، واصفًا الكرد بأنَّهم “أمَّة مجاهدة”، أثبتت التزامها السياسي، ويستحقُّون الاستقلال، وإقامة دولتهم(20). وأكَّد الوزير الإسرائيلي السابق جدعون ساعر أن الكرد يستحقُّون دولة مستقلة، فهم كاليهود، أقليَّة في الشرق الأوسط(21).
وفي المقابل، فإنَّ إنشاء قوات “سوريا الديمقراطية”، ودعم الولايات المتحدة لها، يؤكِّد تنسيقًا مع إسرائيل، فلإسرائيل حدودها مع سوريا، تتأثَّر بأحداثها، ولإسرائيل أولويَّة التخطيط والتنفيذ لأيِّ مشروع، تتَّخذه حليفتُها الكبرى، التي تضع أمن إسرائيل في أولويات غاياتها.
يكشف ذلك أسباب هواجس تركيا، من دعم الولايات المتحدة لقوات “سوريا الديمقراطية”، وحوت من كرد تركيا غير قليل، يؤكِّد الدعم المرتقب للكرد، ولإقامة فدرالية سورية، تسمح بالتمتُّع بما يعدُّونه حقًّا قوميًّا؛ يثمر تعاونًا متينًا، يمهِّد حال توافر الشروط الموضوعية، وتبدُّل المتغيِّرات في المنطقة لاستقلالهم.

خاتمة: خلاصة آثار التوغُّل الإسرائيلي في كردستان

ولَّد دعم إسرائيل الملفت للاستفتاء آثارًا سلبية:
أوَّلا- داخل الإقليم: ولَّدت علاقة إسرائيل التاريخية، بتيار كرديٍّ دون سواه، تبريرًا لتمسُّكه بالسلطة، بتصوُّره أنَّه هو وعلاقاته وراء تحقيق مكاسب الإقليم وتحقيق استقلاله، ولَّد شروخًا بين التيارات السياسية، تهدِّد مستقبل المشاركة السياسية، وتغيِّب ثقافة تداول السلطة، وولَّد الدفع بالاستفتاء، انقسام التيارات السياسية إزاءه، لعدم دستوريَّته، فثمَّة ملتزم بالدستور حفاظًا على مستقبل كردستان، وآخر يعلِّق موقفه الداعم للاستفتاء على دعم إسرائيل؛ ممَّا أزَّم العلاقة بين التيارات، وأدَّى إلى تبادل الاتهامات، وتهديد مستقبل العمل المشترك؛ الأمر الذي يهدِّد بقاء الإقليم موحَّدًا، إذ يتوقَّع انقسامه لإقليمي: أربيل، والسليمانية.
ثانيًا- مجال العلاقات بالمركز: ولَّد أزمة بين بغداد وأربيل، فاقمت أزمات الإقليم، بخفض الميزانية السنوية، وهدَّد وجود الإقليم نفسه، والعودة لما قبل الفدرالية، ليفتح أبواب الاختلاف والصراع بين الإقليم والمركز، أوقع ضحايا. وتحمَّل الموظفون أعباء خفض المرتبات الشهرية، وقد تحجب عنهم كاملة، حتى تصفو أكدار علاقة الإقليم بالمركز، التي لن يقوى الدستور على حلِّها، إذ معظم الأمور والتفاصيل رتِّبت باتِّفاقات وتوافقات وتفاهمات، خارج مظلة الدستور وموادِّه.
ثالثًا- مجال العلاقات بدول الجوار: ولَّد الاستفتاء أزمة ثقة، وحذرًا من مواقف الإقليم المستقبلية، من أيِّ أزمة، قد تشهدها المناطق الكردية في إيران وتركيا. ولم تغبْ أزمة تضييق الخناق على الإقليم اقتصاديا، وإفقاده إدارة المنافذ الحدودية، التي تعطيها قدرة على التعامل المحدود مع دول الجوار.
رابعًا- في مجال التحالفات، التي تخدم مصالح القوى الخارجية: دأبت إيران على استغلال الأزمة، خدمة لتطلُّعاتها، بالتغلغل بشكل أوضح في الإقليم، بمناطق لم تكن لها مبرِّرات التوغُّل فيها، مثل كركوك، وأربيل مقابل فتح المنافذ الحدودية معها، زيادة على استمرار تواصلها التاريخي مع اليكيتي بالسليمانية.
ومن ناحية أخرى، سوَّغت الأزمة، إقامة قواعد أمريكية جديدة في كردستان، أقرب لإيران، فصار ساحة لتنافس قوى خارجية أبرزها: إيران، وأمريكا.
*****

الهوامش:

(*) أستاذ العلوم السياسية.
(1) المشروع الإيراني يتمثَّل في ما عرف بالهلال الشيعي، وقد نوَّه إليه الملك عبد الله الثاني ملك الأردن قبل سنوات، وزاد أحد قادة “الحشد الشعبي” البارزين في العراق، وصف المشروع بـ”البدر الشيعي”، تعبيرًا عن تمدُّد المشروع، وتغطيته مساحات مضافة في المنطقة، واسمه قيس الخزعلي، قائد “عصائب أهل الحق”، التي شاركت في عمليات القتال ضدَّ “داعش” وتحرير محافظات صلاح الدين، والأنبار، والموصل.
(2) وهو تصريح لمسؤولين إيرانيين، في البرلمان، وفي قيادة قواتها، والتي حدَّدت تلكم العواصم: ببغداد، ودمشق، وصنعاء، وبيروت… زيادة على مطامعها في الامتداد، إلى أبعد منها.
(3) للاطلاع على وثائق التعاون بين الكيان الصهيوني (وتحديدًا “الموساد”) وبين المرحوم الملا مصطفى البرزاني للفترة من 1963 إلى 1975م، وتغلغل “الموساد” شمال العراق، انظر: شلومو نكديمون، الموساد في العراق ودول الجوار، ترجمة: بدر عقيلي، (عمان: دار الجليل للنشر، 1997).
(4) مجموعة مؤلفين “إسرائيليين”، الدور الإسرائيلي في الحرب الأمريكية على العراق، ترجمة: أحمد أبو هدبة، (القاهرة: مركز الدراسات الفلسطينية – مكتبة مدبولي، 2005)، ص 13.
(5) المرجع السابق، ص 25 وما بعدها.
(6) اتَّخذ التغلغل أشكالا مختلفة وأنشطة متعددة، ابتدأت بالاستخبارية العسكرية، ثم التجارية والاقتصادية، والإعلامية والبحثية، فمنذ يونيو (حزيران) 2003 والأخبار المنقولة عن مصادر وثيقة الاطلاع تؤكِّد أن “سفارة” إسرائيلية تعمل بالعراق وتخضع لحماية أمريكية كاملة، وتشرف على أكثر من 500 موظفًا من عناصر الاستخبارات الإسرائيلية والدبلوماسيِّين ورجال الأعمال، يزاولون أعمالهم في العراق، ولكن بجنسيَّات أمريكية ودول أوروبية، فاليهود جاؤوا مع الدبابات الأمريكية وساهموا في أعمال العون العسكري (الاستخباري والمعلوماتي لقوَّات الاحتلال) كما احتلُّوا مواقعهم في وحدات التحقيق التي أنشأتها المخابرات الأمريكية في معسكرات الأسْر الامريكية وبخاصة منها كروبر في المطار وبوكا في أم قصر والعديد من معسكرات الاعتقال والأسْر التي أقامتها أمريكا في مختلف أنحاء العراق”، د. أيمن الهاشمي، سفارة إسرائيلية تعمل بالعراق تحت العلم الأمريكي داخل المنطقة الخضراء.. أسرار أخرى عن التغلغل الصهيوني وخطة للتطبيع والاعتراف، موقع شبكة البصرة، 3 سبتمبر 2008، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/2vLhExg
(7) مجموعة مؤلفين “إسرائيليين”، الدور الإسرائيلي في الحرب الأمريكية على العراق، مرجع سابق، ص 10.
(8) هيثم مزاحم، قراءة في كتاب “مستقبل العلاقات الأمريكية-الكردية: هل تصبح كردستان مستعمرة أمريكية؟”، موقع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 26 يونيو 2011، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/ِArAbIui
(9) انظر موقع “إسرائيل كرد”: http://israelkurd.blogspot.com
(10) دفاع إسرائيل يذكِّر بموقفها من استقلال جنوب السودان، ودعمها المستميت له، لكنها لم تمنع مشاكله المستعصية على مختلف المستويات، حتى بات واضحًا أن غاية ما تهدف إليه هو استقلال جنوب السودان، وتسهيل توغُّلها في أفريقيا.
(11) سعد عبد العزيز (ترجمة): استقلال أكراد العراق وإبادة الأرمن.. اقتراح إسرائيلي بإنهاء التعاون مع تركيا! (ترجمة لمقال يائير لبيد نُشر في صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، موقع كتابات، 9 أغسطس 2017، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/2Ms93He
(12) إذ لا تتوفَّر وثائق معتبرة، ولا تصريحات لمسؤولين، بالرغم من وجود كتابات كثيرة تؤكِّدها.
(13) أكَّدت المتخصصة بالشأن الكردي في مركز “موشي ديان” التابع لجامعة تل أبيب عوفرا بنجيو، أن إسرائيل ستعلن تأييدها “فور إعلان كردستان ذلك”، وهو أمر يجعل إعلان الإقليم استقلاله شرطًا لاعتراف إسرائيل به، وهو ما لم يحصل، انظر: إسرائيل تؤيد انفصال الأكراد وتدعمه في واشنطن (الصحافة الإسرائيلية)، موقع الجزيرة.نت، 25 سبتمبر 2017، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/AJAZiXn
(14) صالح النعامي، الأبعاد الاستراتيجية في علاقة إسرائيل بكردستان، موقع الجزيرة.نت، 26 أغسطس 2015، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/AJAwYrc
(15) بيتر فليب، الوجود الإسرائيلي في العراق تحت المجهر، موقع دويتشه فيلله (التليفزيون الألماني DW)، 22 يونيو 2006، متاح عبر الرابط التالي: https://p.dw.com/p/8f40
(16) المرجع السابق.
(17) وجدي أنور مردان، لماذا يعود اليهود إلى كركوك؟، موقع شبكة البصرة، 8 نوفمبر 2009، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/2nfa0HD
(18) عودة يهود لكردستان مقابل دعم إسرائيلي للانفصال، موقع الجزيرة.نت، 16 سبتمبر 2017، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/AJAIA4p
(19) بعد إعلان الفيدرالية..أكراد سوريا مستعدون للتعاون مع إسرائيل!، موقع بلدي السوري، 21 مايو 2016، متاح عبر الرابط التالي: https://b-sy.net/322vi6tt
(20) المرجع السابق.
(21) لماذا تدعم إسرائيل الأكراد لإقامة دولتهم المستقلة؟، مقال سبق نشره بموقع هاف بوست عربي www.huffpostarabi.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى