المسارُ الليبيُّ للتسوية: بين اللقاءات والاتفاقات والترتيبات والواقع على الأرض

مُـقـدِّمــة

تتوالى فُصُولُ الأزمة الليبيَّة بلا توقُّفٍ مُنذُ عقدٍ من الزَّمن، في ظـلِّ تعـدُّد أبعادها، وتشعُّب مساراتها، وتعقُّد التَّوصُّل إلى حلٍّ فعليٍّ لها، والإخفاق في الانتهاء من المراحل الانتقاليَّة المُتعاقبة التي طال أمدُهـا.. مع تنافُس الفاعلين الدَّوليين والإقليميين –باختلاف مصالحهم وتوجُّهاتهم- على المُشاركة في الملف الليبيِّ، ومسارات التَّسوية المُختلفة لهـذه الأزمــة..

وعلى أرض الواقع ما تزالُ أزمات المُواطن قائمةً، تبدأُ من نقص السُّيُولة النَّقديَّة في البنوك، إلى مُشكلة انقطاع التيَّار الكهربائيِّ، وضعف الخدمات الصِّحِّيَّة، وانتشار السِّلاح، وتعثُّر مشرُوع المُصالحة الوطنيَّة والعدالة الانتقاليَّة، وتعقُّد مسألة “المسار الدُّستُوريِّ للدَّولة”، والإخفاق في إقـرار دُستُورٍ ديمُقـراطيٍّ توافُقيٍّ دائمٍ للبلاد حتَّى الآن[1]. “ويُمْكِنُ إيجـازُ هــذا الوضع الليبيِّ المُستمرِّ مُنذُ عدَّة أعوامٍ، بأنَّهُ مشهدُ “فـراغ القُـوَّة وازدواج السُّلطة”؛ إذْ لا تُوجدُ سُلطةٌ سياسيَّةٌ واحدةٌ مُتَّفقٌ عليها، تَحْظَى بِشَرْعِيَّةٍ طوعـيَّةٍ كاملةٍ، ولا قُـوَّةً قاهـرةً تملكُ بسطوتها إجبار القــوى الأُخـرى عـلى الانصياع لها”[2].

وفي هذه المقالة سوف نتناولُ: “المسار الليبيّ للتسوية: بين اللقاءات والاتفــاقـات والترتيبـات والواقـع على الأرض”، وذلك مـن خلال التـركيز عـلى الجــوانب الرئيسيــة التـاليـــة:  أوَّلًا: جـولاتُ الحـوار السِّيـاسيِّ الليبيِّ: (2020-2021). ثانيًا: الفاعلُون الدَّوليُّون في الأزمة الليبيَّة: تعـدُّدُ المواقف واختلافُ المصالح. ثالثًا: إجراءاتُ منح الثقة لحُكُومة الوحــدة الوطنيَّة.  رابعـًا: إقـرارُ مشرُوع الميزانيَّة العامة للدولة ومُشكلة المناصب السِّياديَّة.

أوَّلًا- جـولاتُ الحـوار السِّيـاسيِّ الليبيِّ (2020-2021): 

تُوصفُ الأزمةُ الليبيَّةُ بأنَّها: “أزمةٌ مُعقَّدةٌ، ومُتعدِّدةُ الأبعـــاد”؛ حيثُ أنَّها تُمثلُ نمطًا لصراعٍ مُمتدٍّ رأسيًّا في البُنى المُجتمعيَّة[3]، وذُو أبعـادٍ إقليميَّةٍ ودوليَّةٍ[4]. وقد شهدت هـذه الأزمةُ العديد من المُبادرات والجُهُود المُهمَّة التي توصَّلتْ إلى مجمُوعةٍ من التَّفاهُمات والأُسُس التي يُمكنُ البناءُ عليها للتَّوصُّل إلى تسويةٍ سلميَّةٍ، ومنها: “مُؤتمر برلين”، الذي انعقد في 19 يناير 2020 بمُشاركة 11 دولة معنيَّة بالأزمة الليبيَّة، ومثَّلت مُخرجاتُهُ نقلةً في اتِّجاه التَّسوية، على خلاف ما سبقهُ من لقاءاتٍ واجتماعاتٍ (دوليَّةٍ أو إقليميَّةٍ). كما أنَّهُ تبنَّى منْظُورًا يتَّسمُ بدرجةٍ عاليةٍ من الشُّمُوليَّة في الاقتراب إلى التَّسوية السِّياسيَّة، إذْ راعى ضرُورة مُعالجة كُلِّ الملفَّات العالقة[5]، ومن الجُهُود المُهمَّة أيضًا في هذا الصَّدد: إعلانُ القاهرة”، الذي دعا إلى وقف القتال، ورسم خارطة طريقٍ لحلٍّ سيــاسيٍّ شـاملٍ لكُـلِّ القــوى والمُكوِّنات الليبيَّة. والتأكيد على وحدة وسلامة الأراضي الليبية، واحترام كافة الجهود والمبادرات الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وبناء علية التزام كافة الأطراف بوقف إطلاق النار اعتبارا من يوم: 8 يونيو 2020م. كما ارتكزت المبادرة بالأساس على مُخرجات “قمَّة برلين”، والتي نتج عنها حلٌّ سياسيٌّ شاملٌ يتضمَّنُ خُطواتٍ تنفيذيَّةٍ واضحة المسارات السِّياسيَّة والأمنيَّة والاقتصاديَّة، واحترام حُقُوق الإنسان والقانُون الإنسانيِّ الدَّوليِّ، استثمارًا لما انبثق عن “مُؤتمر برلين” منْ توافُقات بين زُعماء الدُّول المعنيَّة بالأزمة الليبيَّة.

وكذلك: استكمالُ أعمال مسار اللجنة العسكريَّة 5+5 بجنيف برعاية الأمم المُتحدة، وبما يترتبُ عليه إنجاحُ باقي المسارات أخذًا في الاعتبار أهمِّيَّة قيام الأُمم المُتحدة والمُجتمع الدَّوليِّ بإلزام كُلِّ الجهات الأجنبيَّة بإخراج المُرتزقة الأجانب منْ كافَّة الأراضي الليبيَّة، وتفكيك المليشيات وتسليم أسلحتها حتَّى تتمكَّن القُوَّاتُ المُسلَّحةُ (الجيشُ الوطنيُّ) بالتَّعاوُن مع الأجهـزة الأمنيَّة من الاضطلاع بمسئُوليَّاتها ومهامِّها العسكريَّة والأمنيَّة في البـلاد[6].

وبعـد عـددٍ من المبعُوثين الأمميين[7] إلى ليبيا[8]، وتبايُن الآراء حول جُهُـودهم في تسوية الأزمة[9]، تولَّت هذه المُهمَّة الأمريكيَّة ستيفاني ويليامز، (رئاسة البعثة بالإنابة)، في مارس 2020، فراحت تعملُ على إكمال المسارات الثلاثة التي انتهى إليها «مُؤتمر برلين» في 19 يناير 2020، وهي المساراتُ: العسكري (5+5)، والاقتصادي، والسياسي. ويوم 9 نوفمبر 2020 احتضنت تونس أولى جلسات الحوار بين الفُرقاء الليبيين بإشراف الأمم المُتحدة، في مسعى للتَّوصُّل إلى تفاهُمات لإنهاء النِّزاع، والتَّرتيب لوضع مُؤسَّسات الحُكم الدَّائمة.

وبدأت البعثةُ منْ خلال قائمةٍ ضمَّت: 75 اسمًا، من مُختلف مُدُن ومناطق ليبيا، يُمثِّلُون التَّوجُّهات السِّياسيَّة والاجتماعيَّة كافَّة، العمل على اختيار السُّلطة التَّنفيذيَّة المُؤقَّتة[10]. وحول حالة الجدل التي صاحبت هذه القائمة، أكَّدت بعثة الأمم المُتحدة في ليبيا على لسان المتحدث باسمها (جان العلم): أنه “تم الحرص على أن يكون المشاركون في الحوار ممثلين لجميع أطياف المُجتمع الليبيِّ، بناءً على مبدأ الشُّمُوليَّة والتَّمثيل الجُغـرافيِّ والسِّياسيِّ والقبليِّ والاجتماعيِّ العادل، لذا فالمُهـمُّ هُـو “النَّتائجُ”، وليس المُشَارِكُ”[11].

وقد جاءت اجتماعاتُ تونس عقب توقيع “اتفاق وقف إطلاق النار” من قبل المُمثلين الليبيين للجنة العسكريَّة المُشتركة (5+5) في جنيف في 23/أكتوبر/2020م. والذي اعتبر خُطوةً مُهمَّةً لتضمُّنه تدابير أُخرى، مثل: عمليَّة شاملة لنزع السِّلاح، وانسحاب جميع المُقاتلين والمُرتزقة الأجانب على الفــور خـلال تسعين يومـًا”[12]. وفي نوفمبر منْ ذات العام، توصَّلت لجنة (5+5) إلى اتِّفاقٍ مُهمٍّ بشأن تبادُل الأسرى بين الطرفين، تزامُنًا مع انعقاد الاجتماع التَّشاوُريِّ لمجلس النواب الليبي في مدينة طنجة المغربيَّة[13].

وقد كانت هذه الخُطوات المُهمَّة هي بمثابة أولى الخُطوات الاستراتيجيَّة لتسوية الأزمة الليبيَّة؛ باعتبار أنَّ المسار العسكريَّ يُعــدُّ مسارًا حيويًّا، ساهم بشكلٍ واضحٍ في نجاح الخُطوات التَّالية، المُتعلقة ببقيَّة المسارات، وبناء الثقة بين أطراف النِّزاع الليبيِّ.

 

 

  • المُحاصصة الإقليميَّة وآفـاقُ التَّسويـة في عـام 2021:

 أعلن وفدي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، يوم 23 يناير 2021، في ختام مُحادثاتهم في بوزنيقة المغربية، الاتفاق على توزيع المناصب السِّياديَّة بين الأقاليم الثلاثة (طرابلس، بـرقة، فـزَّان).

ويقضي الاتفاقُ الذي تمَّ التَّوصُّل إليه، بتولِّي إقليم برقة منصبي مصرف ليبيا المركزي وهيئة الرقابة الإدارية، ولإقليم طرابلس منصب ديوان المُحاسبة والنائب العام والمُفوَّضيَّة الوطنيَّة العُليا للانتخابات، ويتولَّى إقليمُ فــزَّان منصبي هيئة مُكافحة الفساد والمحكمة العُـليا.

ولاقى الاتِّفاقُ الذي تمَّ التَّوصُّلُ إِلَيْهِ، رُدُودَ فِعْـلٍ مُتَبَايِّنةٍ، بَيْنَ قَبُولٍ ورَفْـضٍ، حَيْثُ استهجن المجلسُ الأعلى للقضاء في بيانٍ له، ما وصفهُ بـ”منطق المُحاصصة المناطقيَّة” في توزيع المناصب السِّياديَّة. كما أعلن عددٌ من أعضاء مجلس النُّوَّاب، رفضهُم لترسيخ مبدأ المُحاصصة في توزيع المناصب السِّياديَّة، في حين اعتبر 40 عُضوًا من المجلس الأعلى للدَّولة، أنَّ اتِّفاق توزيع المناصب السِّياديَّة الذي تمَّ التَّوصُّل إليه في بوزنيقة المغربيَّة، يُعتبرُ مُنعدمًا ما لمْ يُصوِّت عليه مجلسي النُّوَّاب والأعلى للدَّولة [14]. وأوضح عُضو مجلس النواب علي العيساوي أنَّ الاتِّفاق: يُعدُّ “مُخالفةً صريحة للمادة 15 من الاتفاق السِّياسيِّ المُوقَّع بالصخيرات في ديسمبر 2015″، وهي المادة ذاتُها التي أسست عليها لجنتا الحوار اتفاقهُما، والتي جرى “تحريفها” على حد قوله، حيث لا تنص على توزيع المناصب على أساس جهوي، بل إنه لا يوجد بين نصوص الاتفاق السياسي كافة ما يشير إلى ذلك[15]. ورغم الانتقادات المُوجَّهة لفكرة المُحاصصة فإنَّهُ يُلاحظُ أنَّ بعثة الأمم المُتحدة للدَّعم في ليبيا، مضت في العمل بتلك الآليَّة، وبالعودة إلى اجتماع جنيف، (13-16/يناير/2021م)، سوف نجدُ أنَّ ستيفاني ويليامز المُمثلة الخاصَّة للأمين العام للأمم المتحدة بليبيا، في مُحاولةٍ لبناء الإجماع على آليَّة للتصويت، عقدت اجتماعًا لمجمُوعةٍ أصغر من المُوفدين تتكوَّنُ منْ ثمانية عشر شخصًا، سُمِّيت “اللجنة الاستشاريَّة”، في جنيف، وأوضحت ويليامز أنها ترى أن: “دور الأمم المتحدة يتمثل في إنشاء آلية، وليس المساعدة في اختيار قادة بعينهم.” وفي اليوم الثالث من هذا الاجتماع، قبلت اللجنة الاستشارية ترتيبًا اقترحته الأمم المتحدة للتصويت يجمعُ مُقترحين مُنفصلين؛ أي آليَّة قائمة على المناطق وأُخرى قائمةً على قوائم موضُوعة مُسبقًا. ووصفت السَّيِّدة وليامز هذه المُقاربة بأنَّها: “أفضلُ تسويةٍ يُمْكنُ التَّوصُّل إليها؛ لأنَّ هذا المُقترح يحترمُ البُعد المناطقيَّ في ليبيا، ويُشجِّعُ النَّاس فِعْلًا على تجاوُز انقساماتهم ومناطقهم منْ أجل تعزيز التَّفاهُم وبناء الوحدة في البلاد”. نقلت اللجنة الاستشاريَّة المُقترح إلى المجمُوعة الكاملة المُكوَّنة منْ: 75 مُوفدًا، وتمَّ الاتِّفاقُ على أنَّ المُقترح سيُعـدُّ مقبُولًا إذا قبلهُ 63% منْ أفراد المُنتدى المُقترعين. رغم أنَّ بعض أعضاء المُنتدى رفض الصِّيغة، إلاَّ أنَّ المُقترح مـرَّ في تصويتٍ أُجْـرِيَ في يومي: 18 و19 يناير 2021م”[16].

وتنُصُّ الآليَّةُ المُقترحةُ على تقسيم أعضاء المُنتدى الخمسة وسبعين إلى ثلاث مُكوِّناتٍ انتخابيَّةٍ استنادًا إلى أقاليم ليبيا التاريخيَّة الثلاثة (طرابلس، وبرقة، وفزان)، وتنتخبُ كُلُّ مجمُوعةٍ مُمثل إقليمها في المجلس الرئاسيِّ. وللفوز بمقعدٍ في المجلس، ينبغي أن يحصُل المُرشَّحُ على مُصادقة ما لا يقل عن 70% من أصوات المجموعة الفرعية الإقليمية. وعلى نحو منفصل، ينتخب أعضاء المنتدى الخمسة والسبعون رئيس الوزراء، الذي ينبغي أن يحصل على ما لا يقل عن 70% منْ أصواتهم في جلسةٍ مُوسَّعةٍ. وهذه المعاييرُ تعني -باختصارٍ- أنَّهُ يُمكنُ تقديمُ أربع قوائم كحدٍّ أقصى للاقتراع النِّهائيِّ. وإذا فازت إحدى القوائم بــ60 بالمئة منْ إجماليِّ الأصوات في الجولة الأولى، يتمُّ تشكيلُ سُلطةٍ تنفيذيَّةٍ جديدةٍ على ذلك الأساس. وإذا لمْ تتمكَّنْ أيُّ قائمةٍ من تجاوُز تلك العقبة، فإنَّ القائمتين اللَّتَيْنِ فازتا بأكبر عَـدَدٍ من الأصوات تَدْخُلاَنِ جَوْلَةَ إِعَادَةٍ، تفُــوزُ فيها القائمةُ التي تحصُلُ على أكثر من 50% من الأصـــوات.[17]

وفي صباح يوم الجمعة (5/2/2021م) أدلى أعضاءُ مُلتقى الحوار السِّياسي الليبيِّ بأصواتهم على القوائم الأربعة لمُرشَّحي المجلس الرِّئاسيِّ المُكوَّن منْ: ثلاثة أعضاء ومنصب رئيس الحُكُومة، والتي قُدِّمت، واستوفت عدد التزكيات المطلُوبة المنصُوص عليها في “آليَّة الاختيار”.

ونصَّت “آليَّةُ الاختيار” على وُجُوب حُصُول قائمة المُرشحين على 60 بالمائة من الأصوات الصحيحة كي تُعتبر فائزة في الجولة الأولى. وبما أنَّ أيًّا من القوائم لمْ تصل إلى هذا الحدِّ في الجولة الأولى، فعُقدت في هذا اليوم جولة ثانية للتصويت على القائمتين اللتين حصلتا على أكبر عدد من الأصوات في الجولة الأولى. والحد الأدنى للجولة الثانية هو 50 بالمائة+1 من الأصوات الصحيحة. ووفقا لما صرحت به وليامز: “كانت هناك 73 بطاقة اقتراع، امتنع شخص واحد عن التصويت، ولم تكن هناك أية أوراق اقتراع غير صحيحة أو فاسدة. وحصدت القائمة الفائزة 39 صوتا من أصل 73 صوتا. أما القائمة الوصيفة، فحصلت على 34 صوتا”. وتتألف القائمة الفائزة من: محمد يونس المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، موسى الكوني، عضو المجلس الرئاسي، عبد الله حسين اللافي، عضو في المجلس الرئاسي، وعبد الحميد محمد دبيبة، رئيس الحُكُومة. [18]

ثانيًا- الفاعلُون الدَّوليُّون في الأزمة الليبيَّة: تعـدُّدُ المواقف واختلافُ المصالح:

بسبب الأهمية الاستراتيجية لليبيا، فإنها أصبحت بعد سقوط نظام القذافي، مسرحا لصراع المصالح والنفـوذ، في ظل التنافس الإقليمي والدولي على المُساهمة في تسوية الأزمة الليبية. فمن الناحية الاقتصادية تشير التوقعـات أن البلد لازالت تحوي احتياطي ثروة نفطية تقدر بأكثر من تريليون دولار حتى سنة 2050م. (مُقـدَّرة بالأسعـار المُتوقَّعـة حاليًّا)[19].

كل تلك المعطيات ساهمت في مزيد من الانخراط الإقليمي والدولي في الأزمة الليبية، ولوحظ تضارب مواقف القوى الخارجية ومقاربة كل طرف لهذه الأزمة من منظور مصالحه وأمنه.[20] المفارقة تبدو واضحة في تناقض مواقف تلك القوى، فمن جهة تدعو لحل سياسي للأزمة الليبية وتؤيد الحوار السياسي، وتدعم جهود البعثة الأممية بهدف تحقيق مقاربة واقعية لجمع الفرقاء الليبيين وتذويب الأزمة القائمة، وفي الوقت نفسه، كان سلوكها يتسم بالتغيير والتناقض بما يحقق مصالحها، خصوصا إذا ما شعرت بأن هذا المسار لا يخدم مصالحها[21].

وقد شهد النِّصفُ الثاني من 2019 حالة من الشد والجذب بين الولايات المتحدة وروسيا فيما يتعلق بالأزمة الليبية، حيث اتهمت الإدارة الأمريكية موسكو-أكثر من مرَّةٍ- بانخراطها في تلك الأزمة إلى جانب الجيش الليبيِّ، عبر إرسال بعض المُقاتلين الرُّوس، مُعتبرةً أنَّ ذلك منْ شــأنه تـأجيج الصِّراع، وتهديد حالة الاستقرار في ليبيا، وهُو ما تنفيه موسكو بشكلٍ قــاطعٍ. وكانت الدَّولتان قدْ أكَّدتا موقفهُما الدَّاعي لأولويَّة الحُلُول السِّلميَّة عقب إعلان المشير حفتر في 12/ديسمبر/2019م بدء حسم معركة “طُوفان الكرامة”، ودُخُول قُـوَّاته إلى العاصمة طرابلس[22].

  • الدَّورُ الأمريكيُّ في الأزمة الليبية:  

يُرجِّحُ بعضُ الباحثين أنَّ: غياب الدور الأمريكي الفاعل بعد الثورة بصورة مباشرة، يعُودُ رُبَّما لحساسيَّة الموقف الشَّعبيِّ من كُلِّ ما هُو أمريكيِّ، خصوصا بعد سقوط نظام القذافي، وتصفية السفير الأمريكي، بعدها تركت الولايات المتحدة الباب الليبي على مصراعيه لفواعل تعبث بالمشهد الليبي، غير أن الحضور الروسي الفاعل كان يؤرق الأمريكان ويزعجهم[23].

وإذا ما كان قرار الابتعاد عن ليبيا قد صدر عن إدارة الرئيس أوباما، فإن الرئيس ترامب، وبحُكم تمسُّكه بسياسة سحب بلاده من حُرُوب الآخرين في العالم، وفق وعوده الانتخابية، لمْ يُبْدِ هُو الآخرُ اهتمامًا لافتًا بالشأن الليبيِّ، وبقي موقفُ واشنطن وسطيا، من خلال التواصل مع كافة أطراف الصراع في هذا البلد[24]. ويبدو أن إدارة السياسة الأمريكية تجاه ليبيا صارت خاضعة لتأثير العسكريين بالنظر إلى تحركات توماس وولد هاوس، قائد القوات الأمريكية في أفريقيا “أفريكوم”، التي تركز أكثر على مكافحة جماعات الإرهاب في الساحل والصحراء[25]. حيث كثفت قوات تابعة للأفريكوم من ضرباتها الجوية ضد مواقع للإرهابيين في ليبيا، ففي أواخر 2019 نفذت أربع هجمات متتالية أسفرت عن مقتل 33 إرهابيا، من تنظيم داعش في جنوب ليبيا[26] 

التطور الأبرز الذي شهده الموقف الأمريكي هو المبادرة التي طرحتها أمريكا لحل الأزمة أثناء اللقاء الذي عقده السفير الأمريكي في القاهرة، جوناثان كوهين، مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، والتي تتضمن ثلاث محاور: إنشاء منطقة منزوعة السلاح، تشمل خط سرت الجفرة، ومنطقة الهلال النفطي، بما يمكن المؤسسة الوطنية للنفط من استئناف عملها، وإعادة تدفق النفط الليبي إلى الأسواق العالمية. وهو ما يقتضي إنهاء سيطرة قوات الجيش على الحقول والموانئ النفطية، وإعادة توزيع الثروة بشكل عادل. وسحب المُرتزقة، وتشديد حظر الأسلحة الذي تفرضُهُ الأمم المُتحدة على الأطراف الليبيَّة. ثُمَّ التَّوصُّلُ إلى صيغةٍ نهائيَّةٍ لوقف إطلاق النار، بمُوجب مُحادثات اللجنة العسكريَّة (5+5) التي ترعاها الأُممُ المُتحـدة[27].

استبقت إشاراتُ إدارة الرَّئيس جو بايدن بشان الملف الليبيِّ، مُحادثات مُهمَّة برعاية الأُمم المُتحدة في جنيف، حول ترتيبات المرحلة الانتقاليَّة في ليبيا. الدَّعوة التي وجَّهها رئيسُ البعثة الأمريكية في الأمم المتحدة ريتشارد ميلز جونيور، بـ”الشروع فورا في سحب القوات التركية والروسية من ليبيا.. بما فيها جميع العناصر المرتزقة والمندوبين العسكريين الأجانب”، تعتبر تحولا ملحوظا في سياسة الإدارة الجديدة مقارنة بسياسة الرئيس السابق ترامب؛ لأنها دعوة صريحة لـ”جميع الأطراف الخارجية، بما في ذلك روسيا وتركيا والإمارات المتحدة، إلى احترام السيادة الليبية والوقف الفوري لجميع التدخلات العسكرية”، لم يصدر مثيل لها في وقت سابق من الإدارة السابقة، التي طالما اعتمدت لغة غامضة وملتبسة إزاء اللاعبين الأجانب في الملف الليبي.

وتحمل هذه الخطوة، تحريكا للملف الليبي إلى سلم أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، في الشرق الأوسط. وتأكيدا على قلق واشنطن من تداعيات الأزمة الليبية على ملفات استراتيجية أخرى منها متطلبات أمن مناطق نفوذ حلف شمال الأطلسي، وإمدادات النفط والغاز، واستقرار منطقة الساحل والصحراء الأفـريقيـة. وبموازاة المسار الأمني والعسكري، تريد المبعوثة الأممية أن تستفيد من الزخم الجديد في البيت الأبيض وفي مسارات المحادثات التي رعتها الأمم المتحدة منذ نوفمبر 2020 من أجل تحقيق تطورات على مستوى التسوية السياسية للأزمة[28].

وبعد انتخاب عبد الحميد دبيبة رئيسًا للوزراء للفترة الانتقالية في ليبيا، وفوز محمد المنفي برئاسة المجلس الرئاسي، أكد سفير الولايات المتحدة لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، خلال اتصال هاتفي مع محمد المنفي، دعم واشنطن للمجلس الرئاسي والحكومة الجديدة لتأدية مهامها. وسبق أن أكد نورلاند، فور انتخاب السلطة الجديدة أن: “تفاعلا أكثر قادما من واشنطن”، مضيفا: “في الوقت الحالي نقدم تهانينا الحارة لجميع الليبيين والمشاركين في ملتقى الحوار السياسي الليبي، والقادة القادمين والمغادرين على التزامهم بمستقبل ليبيا السلمي”. كما شجع نورلاند، رئيس الوزراء المنتخب عبدالحميد دبيبة على “تحديد فريق حكومي مصغر وكفء وتكنوقراطي يمكنه أن يحظى بسرعة بثقة مجلس النواب”[29].

 

  • الدَّور الروسيِّ في الأزمـة الليبية:

تسعى موسكو اليوم للتدخل في التفاعلات الليبية لاستعادة نفوذها؛ حيث تلاشى النفوذ الروسي في ليبيا عقب سقوط نظام القذافي، وفي هذا السياق، تبرز مساعٍ لتنشيط الدور الروسي في ليبيا، وخاصة بدعم الجيش الليبي لمحاربة التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، حيث أبدى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، (في ديسمبر 2016)، ترحيبه بتعزيز الدور الروسي في ليبيا، دُون أنْ يتطوَّر هذا التَّعزيزُ إلى إقامة قاعدةٍ عسكريَّةٍ رُوسيَّةٍ في ليبيا”.

ووفقًا للسِّياسة الرُّوسيَّة المُعلنة فإنَّ موسكو تدعمُ الحُلُول السِّياسيَّة التي يتوصَّلُ إليها أطرافُ الصِّراع الليبيِّ، وتحرصُ على ضرُورة احترام الشَّرعيَّة، وعدم الاعتراف بحُكُومةٍ لا تحظى بثقة البرلمان، أو وفاقٍ سياسيٍّ لا تُرافقُهُ تعديلاتٌ في الدستُور الليبيِّ، وخُطوات لتوحيد كُلِّ الليبيين لمُواجهة التنظيمات الإرهابيَّة في جميع أنحاء البلاد، بما فيها التيَّاراتُ السِّياسيَّةُ العنيفة[30]. وقد شهد العامان الأخيران مزيدا من الاهتمام الروسي بالملف الليبي، وهو ما تجلى بشكل واضح في إعلان موسكو أكثر من مرة عن ترحيبها بلعب دور الوساطة بين طرفي الصراع الليبي، وهو ما أعلن عنه وزير الخارجية الروسي لافروف في ديسمبر 2017م، وهو ما تبعه تحول موسكو إلى قبلة من جانب المسؤولين الليبيين (من الشرق والغرب)، تزامنا مع الحاجة الروسية الملحة لتملك مزيد من أوراق الضغط في الشرق الأوسط في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية[31]. ومن الناحية الواقعية تقدم موسكو دعما عسكريا وسياسيا للمنطقة الشرقية، بينما تقوم بالتعامل مع المجلس الرئاسي في المنطقة الغربية، حيث تناقش عقودا لاستكشاف النفط، وتبحث عن فرص اقتصادية لها في العاصمة، لكنها لم تفتح سفارتها هناك[32].

رحَّبت رُوسيا بنتائج اختيار المجلس الرئاسيِّ والحُكُومة الجديدة[33]، وذكرت الخارجيَّةُ الرُّوسيَّةُ، في بيانٍ، “إنَّهُ يجبُ أنْ تُصبح ثمارُ عمل مُلتقى الحوار السِّياسيِّ الليبيِّ خُطوةً مُهمَّةً ومحوريَّةً في سبيل تجـاوُز الأزمـة الحـادَّة التي طال أمـدُها في البـلاد”[34]. وأعرب نائب وزير الخارجية الروسي المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوجدانوف عن دعم بلاده للمجلس الرئاسي الجديد في ليبيا. وأكد المسؤول الروسي: عن أمل بلاده أن يصبح انتخاب السلطة التنفيذية الجديدة معلما على طريق تجاوز الأزمة الليبية. وجدد بوجدانوف التأكيد على نية موسكو تكثيف وتعزيز التعاون الروسي الليبي متعدد الأوجه على أساس مبادئ الاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة وتقاليد الصداقة[35]، وفي ذات السياق، التقى رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، ونائبه موسى الكوني، يوم الثلاثاء (2/3/2021) في طرابلس؛ القائم بأعمال رئيس البعثة الدبلوماسية الروسية في ليبيا، جامشيد بولتايف، وبحث المُجتمعُون أوجُه التَّعاوُن المُشترك بين البلديْن في العديد من القضايا المهمَّة[36].

  • الموقف الأوروبي من الاتفـاق السيـاسي الليبي:

أعرب الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل عن ترحيبه بالاتفاق الذي توصّل إليه طرفا النزاع الليبي في مدينة بوزنيقة المغربية، والذي يقضي “اتّفاق شامل حول المعايير والآليات الشفّافة والموضوعية لتولي المناصب السيادية بهدف توحيدها”.وحسب جوزيب بوريل فإن: الأمر يتعلق بمساهمة “جاءت في الوقت المناسب في إطار الجهود التي تقودها منظمة الأمم المتحدة”، مشيرا إلى أن “التزام الوفدين بإيجاد حل سلمي للنزاع في ليبيا هو أمر مشجع”[37]  .

وقد سعت بعض القوى الأوروبية وفي مقدمتها إيطاليا وفرنسا وألمانيا إلى الانخراط في المشهد الليبي للاستفادة من المُنجزات السياسية التي تحققت هناك، والمتمثلة في اختيار سلطة تنفيذية جديدة، وذلك من خلال زيارة وزير الخارجية الألماني “هايكو ماس”، ونظيره الفرنسي “جان إيف لودريان”، والإيطالي “لويجي دي مايو” إلى طرابلس في 25 مارس2021 لدعم الحكومة الجديدة؛ حيث عقد الدبلوماسيون الثلاثة مؤتمرًا صحفيًا مشتركًا مع وزيرة الخارجية الليبية “نجلاء المنقوش”، التي أوضحت أنها اتفقت مع الوزراء على عودة السفارات، ومنح التأشيرات من داخل ليبيا وليس من خارجها، وشددت على ضرورة خروج المرتزقة من كافة الأراضي الليبية بشكل فوري، رافضةً المساس بسيادة البلاد.[38]

ويُلاحظُ منْ ترتيب الزيارات أن الاهتمام الأوروبي بدا متدرّجًا على مستوى الدول منفردة ومؤسسات الاتحاد؛ ممّا يعكس النية على سرعة الانخراط في المشهد الجديد، وفق خطوط اتصال متوازية لا تعارض بعضها، واتسمت الأجندات المعلنة للزيارات بوجود قضايا عامة تهم مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وأخرى ترسم مصالح الدول على حدة؛ مثل ملفات الهجرة، والأمن، والتبادل التجاري، ودعم السلطة الجديدة شريطة خروج المرتزقة.. ومن سياق الزيارات السابقة نجد ملاحظات على التحركات الأوروبية منها ما يأتي:

  1. توحيد الخطاب الأوروبي: جاء الخطاب الرسمي لقادة المؤسسات الأوروبية، وتحديدًا المفوضية والمجلس الأوروبي، والخطابات المنفردة لزعماء الدول المنخرطة في الأزمة الليبية مثل فرنسا وإيطاليا على نهج واحد يدعم استقرار ليبيا وحكومتها الجديدة، داعيًا لخروج المقاتلين الأجانب.
  2. تكثيف الزيارات وسرعتها يدل على البحث عن دور جديد للدول الأوروبية في ليبيا؛ أملًا في استعادة جزء من النفوذ المفقود لصالح كلٍ من تركيا وروسيا.
  3. في الوقت الذى زار أكبر مسؤول في إيطاليا واليونان ليبيا اكتفى ماكرون بإرسال وزير الخارجية، ودعا رئيس المجلس الانتقالي الليبي لزيارة باريس؛ ربما يمكن تعليل موقف الرئيس الفرنسي من زاويتين؛ الأولى: هي عدمُ رضا ماكرون على هذه الحكومة التي لم تأتِ بحليفه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، والثانية: الموقفُ المعلنُ منْ رئيس الحكومة الليبية بعدم التراجُع عن الاتفاق الموقَّع مع تركيا في نوفمبر2019م، والإشادة بالعلاقات التركية الليبية وأهميتها؛ ممّا جعل الرئيس الفرنسي يفضّل التعامل المباشر مع رئيس المجلس الانتقالي المنتمي لشرق ليبيا، والذى ربما يكون مفضّلًا لدى ماكرون عن دبيبة[39].

كل هذه المعطيات تشيرُ إلى زخم الحراك الأوروبي حول الأزمة الليبيَّة، ومحاولة تولي زمام المبادرة فور انطلاق الحكومة الليبية الجديدة في ممارسة عملها، فبعد سعي عدة دول أوربية لإعادة فتح سفاراتها وقنصلياتها في ليبيا، أعلنت بعثة الاتحاد الأوروبي في ليبيا، يوم: 17/5/2021 إعادة افتتاح أعمالها في العاصمة طرابلس، بعد عامين من مغادرتها. ووصف رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا السفير خوسيه ساباديل، إعادة افتتاح أعمال البعثة الأوروبية في طرابلس بـ”التقدم الهائل”[40].

 

  • الموقفُ التركيُّ من الأزمــة الليبيَّة:

يُلاَحِظُ المتَابِعُ الموضُوعيُّ للشأن الليبيِّ تعاظُم الدَّور التركيِّ مُؤخرًا فيه بشكلٍ واضحٍ، وانخراطها في هذا الملف كان لافتًا مُنذُ بداية عمل حُكُومة الوفاق الوطنيِّ السَّابقة برئاسة فائز السراج من طرابلس. ويرى بعضُ المحللين أنَّ: “التدخُّل التركي في الصراع الليبيِّ بدا عاملًا حاسمًا في إعادة توازُن القُوَّة وإنقاذ حُكُومة الوفاق، المعترف بها دوليًّا، بعد أنْ وصلت القُوَّاتُ التي يقودها الجنرال حفتر إلى ضواحي عاصمتها طرابلس. وكانت تركيا قبْل أنْ يُقرَّ برلمانها إرسال قُوَّاتٍ إلى ليبيا قد أمدَّت هذه الحُكُومة بمركبات مُدرعة وأدارت عمليَّات لطائراتٍ مُسيَّرةٍ في المعارك لصالحها. وقد استخدمت أنقرة عُنوانًا فضفاضًا لتدخُّلها هُناك تحت باب تقديم “المشُورة والتَّدريب”، وتُبرِّرُ ذلك أيضًا بأنَّها تتدخَّلُ بناءً على دعوةٍ من حُكُومةٍ مُعترفٍ بها دوليًّا قد وقعت معها اتِّفاقيَّة. وتعتبرُ تركيا ليبيا، البعيدة عنها جُغرافيًّا، موقعًا أساسيًّا في استراتيجيَّتها في شرق وجنُوب البحر المتوسط، ومدخلًا لمدِّ نُفُوذها في شمال وشرق أفريقيا. وتقعُ المصالحُ الاقتصاديَّة في مُقدِّمة الدَّوافع وراء هذا الموقف التركي، إذْ تسعى تركيا -التي تستوردُ مُعظم احتياجاتها من الطَّاقـة- للحُصُول على حصَّةٍ من نفط ليبيا صاحبة أكبر احتياطيٍّ نفطيٍّ في القارة الأفريقيَّة”[41].

وبعد منح مجلس النُّوَّاب الثقة لحُكُومة الوحدة الوطنيَّة رحَّبت وزارة الخارجيَّة التركيَّة بذلك، مُتمنِّية للحُكُومة ورئيسها “التوفيق والنجاح”. وأعربت الخارجية التركية عن أملها بأن: “تتخذ الحكومة خطوات سريعة وملموسة من أجل توفير الخدمات العامة الرامية لازدهار الشعب الليبي الصديق والشقيق، وتنفيذ العملية الانتخابية، وتوحيد المؤسسات، وضمان مصالحة وطنية شاملة.” ورأت أنه “سيكون من الأهمية الحاسمة، خلال هذه الفترة، توسيع سلطات الحكومة الجديدة لتشمل جميع مناطق ليبيا، داعية “جميع شرائح ليبيا وكذلك المجتمع الدولي، إلى دعم حكومة الوحدة الوطنية من أجل بناء ليبيا الديمقراطية والمستقرة والمزدهرة”[42].

  وكان رئيس حكومة الوحدة الوطنية الدبيبة قد أدلى بتصريحات حول العلاقة مع تركيا أثارت جدلا واضحا[43]؛ حيث قال إنها: “صديقة وحليفة”، معبرا عن: “أمله بتنمية التعاون بين البلدين، ورفع حجم التبادل التجاري إلى أعلى المستويات”[44]. كما أنه: “أكد أهمية الاتفاقية البحرية مع تركيا، وأعلن أنه سوف يستمر العمل بها، ودراسة الاتفاقيات الأخرى والتعامل معها بشكل قانوني”[45].

وكانت الزيارة التي قام بها الوفدُ التركي إلى ليبيا، في الثالث من مايو (2021)، قد بددت احتمالات تغير الاستراتيجية التركية تجاه ليبيا كاستجابة لمتغيرات المرحلة السياسية الحالية، وفق مرجعيات برلين والقرار الأممي الصادر فى منتصف أبريل 2021، والتي تتطلب بدورها إنهاء الوجود الأجنبي فى البلاد وإجلاء المرتزقة، وإصلاح المؤسسات والأجهزة الأمنية كمدخل لتهيئة الأجواء لانتقال سياسي سلس في بيئة مستقرة. بل إن تركيبة الوفد التركي الذي ضم كلًا من وزيري الدفاع والخارجية خلوصي آكار ومولود تشاويش أوغلو، ورئيس الأركان يشار غولر، ورئيس الاستخبارات هاكان فيدان، تعكس استمرار اعتماد أنقرة على الأداة العسكرية كركيزة للدور التركي فى ليبيا، وهو ما أكده الخطاب الرسمي للوفد خلال الزيارة من حيث التمسك بالاتفاقيات العسكرية المبرمة مع حكومة الوفاق. وفى المقابل، بدا الخطاب الليبي معارضًا لهذا التوجه التركي، حيث دعت وزيرة خارجية حكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش، بلهجة دبلوماسية محترفة، نظيرها التركي إلى دعم ليبيا فى تنفيذ استحقاقات المرحلة الانتقالية وفق المرجعيات الدولية.[46]

ثالثًا- إجـراءاتُ منح الثقة لحُكُومة الوحــدة الوطنية:

بمُجرَّد فـوز القائمة المُشار إليها سلفًا (المُكوَّنة منْ: رئيس المجلس الرئاسي وعُضوين في المجلس ورئيس الحُكُومة)، بدأت المُشاوراتُ حول تشكيل الحُكُومة الجديدة، وأعلن السَّيِّدُ رئيسُ الحُكُومة أنَّهُ تلقى 3000 سيرة ذاتيَّة لمُتقدِّمين لشغل حقائب وزاريَّة وإدارات بحُكُومته، مٌضيفًا: “إن الحكومة ستتألفُ منْ كافة الطيف الليبي، ولا يُمكنُهُ إقصاءُ النظام السَّابق منها”.

وأضاف أنه سلم صباح الخميس)25/2) مقترح معايير ومشروع تشكيل الحكومة لرئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، بعد انتهاء المُهلة التي اقترحتها لجنة الحوار في جنيف لتسليم حكومته لمجلس النواب لنيل الثقة، مُؤكِّدًا أنَّهُ راعى في حُكُومته كل الظروف الصعبة التي خرجت منها البلدُ مُؤخَّرًا من حُرُوبٍ وانقساماتٍ في الحُكُومات، وأوضح أنَّ أعضاء مجلس النواب الذين التقاهُم وعدُوهُ بمنح الثقة للحكومة، مُضيفًا: “مستعدون للذهاب إلى أي مدينة يختارها مجلس النواب لعقد جلسة منح الثقة للحكومة[47].

وتمَّ اختيارُ مدينة سرت لعقد جلسة البرلمان المُخصَّصة لمنح الثقة للحُكُومة، وبالفعل تمَّ عقدُ الجلسة في سرت يوم 8مارس2021م، في ظلِّ إجراءاتٍ أمنيَّةٍ مُشدَّدةٍ؛ لضمان سير الجلسة على أحسن وجهٍ، وبعد مُداولاتٍ ونقاشاتٍ منْ قبل أعضاء البرلمان، تمَّ تأجيلُ التَّصويت لمزيدٍ من المُشاورات[48]. وقد تمَّ تأجيلُ التَّصويت مرَّتان، بسبب طلب البرلمان منْ رئيس الحُكُومة إجراء تعديلاتٍ عليها، منْ جهته تعهَّـد الأخيرُ بإجراء التَّعديلات المطلُوبة، واستكمال تسمية الحقائب الشاغرة بحُلُول صباح اليوم التالي، وبالفعل، أعلن رئيس الوزراء الليبي أسماء حُكُومة الوحدة الوطنية أمام أعضاء مجلس النواب، مُطالبًا بمنحها الثقة للعمل على إعادة توحيد المُؤسَّسات، مُشيرًا إلى أنَّ الحُكُومة مُؤلَّفةٌ من: 26 وزارة و6 وزراء دولة ونائبين، وأعلن الدبيبة أنَّهُ جرى الاتفاق مع المجلس الرئاسي أنْ يتولَّى وزارة الدفاع رئيس الحُكُومة مُؤقتًا؛ نظرًا لوُجُود صراعٍ مُحتدمٍ على هذه الحقيبة، إضافة إلى تدخلات خارجية، ولفت إلى أنَّ تسمية شاغلي منصبي وزير الدفاع والخارجية سيتم بالتشاور مع المجلس الرئاسي[49].

وفي يوم الأربعاء 10مارس عقد مجلسُ النواب جلسته برئاسة رئيس مجلس النواب، وبحضور النائب الأول لرئيس المجلس، والنائب الثاني، وبحسب المتحدث الرسمي باسم المجلس فإن: “المجلس عقد جلسته المُخصَّصة للتَّصويت على منح الثقة لحُكُومة الوحدة الوطنيَّة، حيثُ تمَّ التَّصويتُ على منح الثقة للحُكُومة بأغلبيَّة 132 صوتًا، وبذلك نالت حُكُومة الوحدة الوطنية الثقة، على أنْ تُؤدِّي التَّشكيلة الوزاريَّة ورئيس الحُكُومة اليمين الدستورية في جلسة الاثنين (15مارس) بمقـرِّ مجلس النُّوَّاب الدُّستُوريِّ في مـدينـة بنغـــازي”.[50]

وقال الدبيبة خلال الجلسة: “إنَّ المُحاصصة فرضت نفسها على تشكيلة الحُكُومة الليبيَّة المُقبلة، مُؤكِّدًا أنَّهُ كان يسعى إلى حصر الوُزراء في عددٍ أقل، مُضيفًا أنَّهُ ليس مُرتاحًا لتشكيل حُكُومةٍ ليبيَّةٍ تضُمُّ 26 وزيرًا، لكنَّ التَّوازُنـات الجُغـرافيَّة والسِّياسيَّة في البـلاد فـرضـت هــذا الأمـر”[51].

كما أكَّد السيد الدبيبة في كلمته أمام مجلس النوَّاب: “أنَّ آليَّة الحوار بمُلتقى جنيف فرضت على جميع منْ قبلُوا بهذه العمليَّة أنْ تكُون مُخرجاتُ الحُكُومة والخارطة السِّياسيَّة لا تستثني أحدًا، وبذلك، كانت الحُكُومةُ في شكلها الحاليِّ منْ حيثُ عدد الوُزراء والمُحاصصة الجُغـرافيَّة أو الجهـويَّة، والتي يكُونُ فيها الصَّانعُ مُكرهًا لا بطلًا”، وقال: “إنَّ تشكيلتهُ الحُكُوميَّة استبعدت كُلَّ الأشخاص الذين تمثَّلُوا في الحُكُومات السَّابقة مُنذُ عام 2011م، مُشيرًا إلى رغبته في إعطاء الفُرْصَةِ للوُجُـوه الجديدة والشَّباب”[52].

رابعـًا- إقـرارُ مشـرُوع الميزانيَّة العامة للدولة ومُشكلة المناصب السِّياديَّة:

انتهى مجلسُ النواب الليبي (في أبريل الماضي) من إعـداد القوائم النهائية لمُرشَّحي المناصب السِّياديَّة، وعلى رأسها منصبُ محافظ البنك المركزي الذي خلت قائمةُ المُرشَّحين من اسم رئيسه الحال،. وجرت عمليَّة الترشيح في أجواءٍ من الحذر، ومُحاولة الحصول على أكبر قدرٍ من التوافُق بين الأقاليم، وتطبيق الشُّرُوط التي وضعها الحوارُ الوطني ولجنةُ الفرز لاختيار المُرشَّحين لحساسية المرحلة التي تمر بها البلاد التي تستعد لإجراء الانتخابات النيابية والرئاسية في ديسمبر القادم (2021)، والمناصب السيادية، التي يجري التفاوض بشأنها، هي: محافظ مصرف ليبيا المركزي، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس جهاز الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة مكافحة الفساد، ورئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات، ورئيس المحكمة العُليا، والنائب العــام.

وتضمنت القوائم: 9 مرشحين لمنصب محافظ مصرف ليبيا المركزي، و12 مرشحا لمنصب نائب المحافظ، و40 مرشحًا لمنصب عضو مجلس إدارة المركزي، أما قائمة منصب رئيس ديوان المحاسبة فاحتوت على: 12 اسما لرئاستها من الجنوب، و11 أسما لوكالتها من الشرق، أما منصب الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد فتضمنت قوائمه: 12 اسما لرئاستها من الغرب، و10 أسماء لوكالتها من الجنوب، و43 مرشحا لعضويتها من مختلف المناطق.

وفيما يخص منصب رئيس هيئة الرقابة الإدارية فتضمنت القوائم: 13 اسمًا من الشَّرق، و18 آخرين لوكالتها من الغرب الليبي، فيما رشح المجلسُ: 11 اسمًا لرئاسة المُفوَّضيَّة العُليا للانتخابات من غرب ليبيا، و47 اسمًا لعُضويَّتها من مُختلف المناطق.

وسبق وضع هذه القوائم ضمن مناقشات مكثفة حول هذا الملف في جلسات الحوار بين مجلس الدولة ومجلس النواب في مدينة بوزنيقة يناير الماضي، انتهت إلى أن يكون توزيع المناصب السيادية بحسب الأقاليم، فيكون: مناصب محافظ المصرف المركزي ورئاسة هيئة الرقابة الإدارية من إقليم برقة، ومناصب المفوضية الوطنية العليا للانتخابات والنائب العام وديوان المحاسبة من طرابلس، ومنصبا المحكمة العليا ومكافحة الفساد من فــزان. كما وضعت لجنة فرز أسماء المرشحين شروطا أخرى للترشح، منها: ألا يحمل المرشح إلا الجنسية الليبية، وأن يكون حاملًا لمُؤهل علمي، وكفاءة، وعدم تقلد مناصب سياديَّة سابقًا.[53]

ويرى بعض النواب (سعيد امغيب) أنه: “يجب عدم صرف الميزانية للحكومة قبل معرفة موقف رئيسها من المليشيات، وإخراجهم من العاصمة، وفتح كل الطرق التي يسيطرون عليها”. من جانبه أكد النائب وعضو اللجنة المكلفة بتسلم ملفات الراغبين في شغل المناصب السيادية (عبد المنعم العرفي) أن: “مجلس النواب مُصِرٌّ على الانتهاء من موضوع المناصب السيادية قبل الدخول في أي معتركات أخرى بما فيها الميزانية”، مُرجِّحًا أنَّ الميزانيَّة سيتمُّ تبْديدُها على المليشيَّات عبر مُحافظ مصرف ليبيا المركزي (الحالي) الصديق الكبير”[54].

وكان مجلس النواب قد دعا جميع أعضائه إلى جلسة رسمية، في مقره المؤقت بطبرق، لمناقشة مشروع: “قانون الموازنة العامة للدولة لعام 2021.، كما دعا المجلس لجنة التخطيط والمالية والموازنة العامة بالمجلس إلى تقديم تقريرها حول مشروع القانون لمجلس النواب قبل الموعد المقرر لانعقاد الجلسة، وطالبت لجنة في مجلس النواب بإعادة مشروع الموازنة إلى حكومة الوحدة الوطنية، لمراجعته وإصلاحه ومراعاة ملاحظات السلطة التشريعية، وخصوصًا ترشيد الإنفاق، ورأت أن إنفاق موازنة تصل لنحو 100 مليار دينار ليبي (21.6 مليار دولار)، خلال أقل من سنة، سيكون “أثره سيئًا” على الاقتصاد الوطني[55].

وبالفعل عقد مجلس النواب مساء الاثنين (19أبريل 2021) في طبرق جلسته الرسمية برئاسة رئيس المجلس عقيلة صالح، وبحضور النائب الأول والنائب الثاني، وبحسب المتحدث الرسمي باسم المجلس فإن: “المجلس سيناقش في هذه الجلسة مشروع قانون الميزانية العامة للدولة للعام 2021م”[56]، وفي اليوم التالي، استأنف المجلس جلسته لاستكمال مناقشة قانون الميزانية، وبحسب المتحدث الرسمي باسم المجلس فإن المجلس قد استكمل المناقشة والمداولة حول مشروع قانون الميزانية المقدم من الحكومة، وقد تم التصويت بأغلبية النواب الحاضرين على ارجاع مشروع القانون لحكومة الوحدة الوطنية لتعديله، وفقًا لملاحظات أعضاء المجلس، ووفقًا لما ورد في تقرير لجنة التخطيط والموازنة العامة والمالية بالمجلس، وتقرير ديوان المحاسبة على أن تقوم بتعديل المشروع وفقًا لهذه الملاحظات، وأن تعيده لمجلس النواب في بحر عشرة أيام”[57].

ثم عقد مجلس النواب جلسته الرسمية (24/5) برئاسة رئيس المجلس، وحضور أكثر من 100 نائب، وخصصت الجلسة لبندين الأول: مشروع قانون الميزانية العامة2021م، والبند الثاني: المناصب السيادية، حيث تم تعميم ردود اللجنة الوزارية المشكلة من قبل رئيس مجلس الوزراء حول ملاحظات مجلس النواب على الأعضاء .وبعد مداولة هذين البندين قرر المجلس ما يلي:  أولا: اعتماد الباب الأول من مشروع قانون الميزانية العامة الخاص بالمرتبات وما في حكمها.

أما فيما يتعلق بالبند الثاني –بند المناصب السيادية– فإنه خلال أسبوع سيكون قد وصل رد رسمي للمجلس في هذا الخُصُوص، ليكُون هُناك إجراءٌ في هذا البند[58]. حيث أن اللجنة المكلفة من المجلس أنهت عملها، وتنتظر ما أنجزته لجنة مجلس الدولة الاستشاري[59].

ويواجه ملف المناصب السيادية في ليبيا أزمة شائكة، ففيما يصر مجلس النواب على التمسك بمخرجات اتفاق بوزنيقة، وتوزيع المناصب السيادية وفق المعيار الجغرافي على أقاليم البلاد الثلاثة التاريخية، برقة وطرابلس وفزان، يسعى “الأعلى للدولة” لحسم أهم تلك المناصب لصالحه، دون مراعاة الاتفاق المشار إليه سلفًا[60].

حيث أكد عضو مجلس النواب، عيسى العريبي، أن أزمة الخلاف في ‏المناصب السيادية، بين مجلس النواب و”المجلس الأعلى للدولة”، ترتكز على ديوان المحاسبة، ورغبة ‏خالد المشري، رئيس “المجلس الأعلى الدولة” في الإبقاء على خالد ‏شكشك على رأسه،‏ وأوضح ‏أن هناك تعنت من جانب “مجلس الدولة” وأنه لا يريد منح فزان والجنوب ديوان ‏المحاسبة، ويرغب في أن يمنحه لطرابلس، وهذا مخالف بصورة ‏كبيرة لاتفاق بوزنيقة[61]، من جهته، أكد عضو مجلس النواب، إبراهيم الدرسي، أن المجلس، ‏سيشرع في عملية انتخاب رؤساء المناصب السيادية نهاية يونيو 2021، ما لم يتلق ردا من “المجلس الأعلى للدولة”، حول تلك المناصب، مشيرا إلى أن المجلس سيناقش المناصب السيادية والميزانية العامة ‏للدولة، لافتا إلى أن هناك شرطا وضع من قبل ‏نواب برقة والجنوب والغرب ورئيس المجلس، بأن يتم ‏الاتفاق على المناصب السيادية قبل المُوافقة على الميزانيَّة.، وقال: إن رئيس المجلس عقيلة صالح أكد على أنه في حال لم ‏يرد مجلس الدولة على طلب مجلس النواب باعتماد ‏الأسماء، التي أرسلت لهم بحسب اتفاق بوزنيقة حول المناصب ‏السيادية لاختيار الأسماء، فإن المجلس سيكون مضطرا ‏الأسبوع القادم بالبدء في العملية الانتخابية لاختيار رؤساء ‏المناصب السيادية في ليبيا خلال جلسة رسمية[62].‏

 

خـــاتمـــة:

يُمكنُ القـولُ ختامًا أنَّ هذا العام (2021م) شهد تطوُّراتٍ مُهمَّةٍ على صعيد الأزمة الليبيَّة، وُوصِفَ بأنَّهُ عامٌ محوريٌّ ومفصليٌّ في تاريخ هذه الأزمة، فقد تواصلت جولاتُ الحوار السِّياسيِّ بين الفُرقاء الليبيين، وُصُولًا إلى انتخاب المجلس الرِّئاسيِّ الجديد، ثُمَّ منح الثِّقة لحُكُومة الوحدة الوطنيَّة، واستمرارًا للجُهُـود الدَّوليَّة للتَّسوية حدَّدت بعثةُ الأمم المُتحدة في ليبيا يوم 28 يونيو/2021 موعدًا لاجتماع مُلتقى الحوار السِّياسيِّ في جنيف، وبَيْنَ تبايُن المواقف والشَّدِّ والجذب بين الفُرقـاء والفاعلين المُؤثِّرين يبقى المشهـدُ الليبيُّ في زاوية الانتظار والترقُّب.

جديرٌ بالذكر -ختامًا- أنَّ ما تمخَّض عن محادثات لجنتي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدَّولة في مدينة بوزنيقة المغربية، شأنُهُ في ذلك شأن الاتفاقات السَّابقة بين الفُرقاء الليبيين، يظلُّ رهن مُعطيات المشهد الليبي الحاليِّ: منْ حيثُ جدِّيَّة الفُرقاء في إنهاء النزاع الليبيِّ، ومُستوى حجم التدخُّلات الخارجيَّة وحُدُودها، وتناقُض أسباب تلك التدخُّلات منْ قِبل القوى الإقليميَّة والدَّوليَّة، إضافةً إلى حساسيَّة موضُوع المناصب السِّياديَّة بالنِّسبة لكافَّة الفُرقاء، خُصُوصًا محافظ مصرف ليبيا المركزي، فالمحافظ الحاليُّ: الصديق الكبير، الذي تم تعيينُهُ في منصبه أواخر عام 2011 من قبل المجلس الوطني الانتقالي السابق، يرفُضُ حتى الآن ترك منصبه للمُحافظ الجديد محمد شكري الذي تم اختيارُهُ منْ قبل البرلمان في ديسمبر 2017، وأدَّى اليمين القانُونيَّة أمام البرلمان في يناير 2018، في تجاوُزٍ واضحٍ لمقررات السلطة التشريعيَّة في البلاد، ولمبدأ التداوُل السِّلميِّ (وفق القانُون) على هذا المنصب.

أمَّا المحاصصة الإقليميَّة على المناصب السِّياديَّة فإنَّ المؤشرات الأوليَّة تُوضِّحُ أنَّ ثمة رفضًا –من عدة أطراف محليَّة-لهذا التوجُّه الذي أسفرت عنهُ اجتماعاتُ بوزنيقة بين الفُرقاء الليبيين، حيثُ ندَّد القضاءُ الليبيُّ بمُحاولات الزجِّ به في معركة المحاصصة الإقليميَّة والقبليَّة والجهويَّة التي أسفرت عنها اجتماعاتُ وفدي مجلس النواب ومجلس الدولة في أبوزنيقة. وأكد المجلسُ الأعلى للقضاء في ليبيا، رفضهُ الكامل لما توصل إليه الفرقاء الليبيون، فيما يتعلقُ بتقسيم مناصب المؤسسات السيادية على مبدأ المُحاصصة المناطقية والتوزيع الجُغرافي، مُشدّدًا على ضرُورة توزيع المناصب على أساس الكفاءة. بل إنَّ مبدأ المحاصصة عملت به حُكُومة الوحدة الوطنية، التي صرَّح رئيسُها الدبيبة قائلا خلال جلسة التصويت على الحُكُومة: “إنَّ المُحاصصة فرضت نفسها على تشكيلة الحُكُومة الليبيَّة المُقبلة”، مُؤكِّدًا أنَّهُ كان يسعى إلى حصر الوُزراء في عددٍ أقل، مُضيفًا أنَّهُ ليس مُرتاحًا لتشكيل حُكُومةٍ ليبيَّةٍ تضُمُّ 26 وزيرًا، لكنَّ التَّوازُنـات الجُغـرافيَّة والسِّياسيَّة في البلاد فرضت هذا الأمر”. إذا المحاصصة لم تكن في المناصب السيادية فقط، ولكنها كانت أيضا حتى في التشكيلة الوزارية للحكومة. ورغم ما أعلنته رئاسة الحكومة رسميا فيما يتعلق بأسس تشكيلها، واعتمادها على التنوع والكفاءة والتوزيع الجغرافي..، إلا أن القائمة التي أُعْلنتْ، وتمَّ منحُها الثقة (من البرلمان) بعد إجراء التعديلات عليها، لا تدُلُّ على انطباق كُلِّ هذه الأسس والمعايير عليها، ولذلك وُجِّهتْ إليها انتقاداتٌ حادَّةٌ، وخُصُوصًا من قبل بعض أعضاء البرلمان، حيث أشار البعض إلى “عدم وجود عدالة في توزيع الحقائب الوزارية، وأن إقليم برقة لم يحصل على وزارة الداخلية أو المالية أو الاقتصاد، أو التعليم العالي.. وبالتالي، فالموجود هو المغالبة، والمحاصصة التي يرعاها المجتمع الدولي”.

من خلال ما تقدَّم يتَّضحُ أنَّ اتِّفاق التسوية لمْ يحل على ما يبدُو هذه الإشكاليَّات، وللأسف، فإنَّ أيَّ اتِّفاقٍ وإنْ تضمَّن حُلُولًا جذريَّةً لأزمةٍ ما، ولم يلتزمْ به أطرافُها، سيُصبحُ مجرَّد حبرٍ على ورقٍ، فالتَّجاوُزاتُ المستمرَّةُ لبعض البُنُود في الاتفاق، كانت مُشكلةً بارزةً حتَّى بعد التوقيع على اتفاق الصخيرات عام 2015. مما يعني أنَّ للأزمة فُصُولًا أُخْرَى، فالاستقطابُ الحادُّ بين الأطراف مايزالُ مُستمرًّا، ودورُ القوى المؤثرة -محليًّا وخارجيًّا- مازال واضحًا، وحتَّى وإنْ أعلنت أيُّ قوَّةٍ إقليميَّةٍ (كتركيا مثلًا) أو دوليَّةٍ (كالولايات المتحدة وروسيا) دعمها لاتِّفاق التَّسوية فإنَّ المعوَّل دائمًا على المواقف الفعليَّة على أرض الواقع، وليس في أروقة الدبلوماسيَّة، والتَّصريحات المنمَّقة.. فتحقيقُ التَّسوية المنشُودة في ليبيا رهينٌ بمدى التزام كافَّة الأطراف بما تمَّ الاتِّفاقُ عليه، وبمدى وُجُود إرادةٍ سياسيَّةٍ توافُقيَّةٍ جادَّةٍ تسيرُ قُدُمًا نحو وضع حدٍّ لهذه الأزمة، عبر تفاهُماتٍ استراتيجيَّةٍ وتوافُقٍ سياسيٍّ، يُنقذُ ليبيا منْ تبعــات الصِّـــراع المُمتدِّ.

___________________________

الهوامش

[1] انظر: خالد خميس السحاتي، “الأزمة الليبية هل من أفق للتسوية؟”، قضـايا ونظـرات، القاهرة، مركز الحضارة للدراسات السياسية، العدد: الأول، مارس2016، ص ص 102-121. وكذلك: الهادي علي بوحمرة، المسار الدستوري الليبي: (2014-2018)، الإجراءات-التصورات-النتائج، (طرابلس: دار الرواد، 2019)، ص ص3-4.

[2] سامح راشد، “مآلات الأزمة الليبية بين الحرب والسياسة”، موقع: مجلة شؤون عـربية، بتاريخ: 11/يونيو/2019م، متاح على الرابط التـــالي:

https://cutt.us/XafIV

وانظر: حسنين توفيق إبراهيـم، “ثقـافة العنف السيـاسي في الوطن العربي: البنية والمصادر وسبل التفكيك”، كراسات استراتيجية، القاهرة، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، العدد: 258، المجلد: 24، نوفمبر 2015.

[3] للمزيد انظر: خالد حنفي علي، “أبعاد وجهود تسوية الصراع الليبي من منظور حساسية النزاعات”، في: مجمُوعة باحثين، مسارات مُتشابكة: إدارة الصراعات الداخلية المُعقـدة في الشرق الأوسط، القاهرة: المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، (لندن: مجموعة أكسفورد للأبحاث ((Oxford Research Group، 2015م)، ص62. وكذلك: خالد خميس السحاتي، “الأزمة الليبية: أسبابُ الاستعصاء وآفـاقُ التَّسوية”، مجلة: آراء حول الخليج، جدة، مركز الخليج للأبحاث، العــدد: 144، ديسمبر 2019، ص ص91-95.

[4] محمد عصام لعروسي، النزاعات المسلحة: ودينامية التحولات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، (القاهرة: مجموعة النيل العربية، 2019م)، ص ص116-119.

[5] محمد خلفان الصوافي، “الأزمة في ليبيا: خارطة الصراع وتطوراته ومساراته المستقبلية”، موقع: (trends)، بتاريخ: 24/يونيو/2020م، متاح على الرابـط التــــالي: https://cutt.us/XCKFG

وانظر كذلك: “الصِّراعُ الليبيُّ”، في: مجمُوعة باحثين، التقرير الاستراتيجي العـربي: 2020، (القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، 2021م)، ص ص179-185.

[6] محمد سامي، “نص “إعلان القاهـرة” بشأن مبـادرة حـل الأزمـة الليبيـة”، موقـع: مصــراوي، بتاريخ: 6/يونيو/2020م، على الرابط التالي: https://cutt.us/5QSWM

[7] أسست الأمم المتحدة بعثة سياسية للدعم في ليبيا بقرار من مجلس الأمن الدولي رقم: (2009)، سبتمبر 2001م، بناء على طلب من السلطات الليبية، في أعقاب ستة أشهر من النزاع المسلح؛ وذلك لدعم جهود السلطات الانتقالية الجديدة للبلاد في مرحلة ما بعـد النزاع، وقيادة جميع أنشطة الأمم المتحدة من أجل الشعب الليبي. وقد تم تكليف هذه البعثة، تحت رئاسة ممثل خاص للأمين العام للأمم المتحدة، بفترة أولية لمدة ثلاثة أشهر، وتم تمديدها إلى ثلاثة أشهر أخرى، ثم تم التمديد لهذه البعثة لعدة مــرات. للمزيد أنظر: جمعة سعيد سرير ومحمد حمد العسبلي، وسائل التسوية السلمية للمنازعات الدولية، ط1، (القاهرة: دار النهضة العربية، 2017م)، ص 101.

[8] انظر: “أداء مبعوثي الأمم المتحدة في الأزمات السورية والليبية واليمنية: رؤيـة مقارنة”، في: مجموعة باحثين، التقرير الاستراتيجي العـربي: 2018، القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، 2019م، ص ص63-68. وكذلك: خالد حنفي علي، “مُعضلاتُ الوساطة الأمميَّة في الصراع الليبي”، مجلة: السياسة الدولية، القاهرة، مُؤسسة الأهرام، العدد:: 203 المجلد:51، يناير،2016، ص155. و:غادة عبد العزيز، “أدوارُ المبعُوثين الدَّوليين في مناطق الصِّراعات: دراسة حالتي ليبيا واليمن”، مجلة: السياسة الدولية، القاهرة، مؤسسة الأهرام، العدد: 224، أبريل 2021م، ص ص48-60.

[9] للمزيد انظُر: مجمُوعة باحثين، أعمال ندوة المسار الديمقراطي الليبي: وخطة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، (تونس،18/أكتوبر/2017م)، ط2، طرابلس/ ليبيا: مُجـمع ليبيا للدراسات المتقدمة، 2020م. وكذلك: زاهي بشير المغيربي، كلمات في محراب الوطن: تحديات المخاض الديمقراطي، بنغازي/ طرابلس: مجموعة الوسط للإعلام، 2020م، ص 106-109. و: يوسف محمد الصواني، “بناء الدولة فى ليبيا وتحديات الصراع ما بعد القـذافي”، موقع: جريدة الشروق، بتاريخ: 23/نوفمبر/2020م، متاح على الرابط المختصر التـــالي: https://cutt.us/xMkDU

[10]مُلحقُ الأسبُوع، “محطَّاتُ تسوية الأزمة الليبيَّة… من الصخيرات إلى جنيف”، موقع: جريدة الشرق الأوسط، لندن، بتاريخ: 13/فبراير/2021م، رقم العدد: 15418، على الرابط المختصر التالي: https://cutt.us/s8vMU

[11] “هل يحملُ الوطنُ لمنْ عـذَّوبُهُ المغفرة وهل يسُدُّ الاتِّفاقُ جُوعه للسَّلام؟”، جريدة: أخبار بنغازي، العدد: 3626، السنة: 25، بتـاريـــخ: 29/أكتوبر/2020م، ص1.

[12] “بوزنيقة غدت مُتَّكئًا لاتِّفاق جنيف”، جريدة: أخبار بنغازي، العدد: 3625، السنة: 25، بتـاريـــخ: 27/أكتوبر/2020م، ص1.

[13] “اتفاقُ «العسكريَّة الليبيَّة المُشتركة» على تبادُل الأسرى”، موقع: الشرق الأوسط، بتاريخ: 25/11/2020م، العدد: 15338، متاح على الرابط المختصر التالي: https://cutt.us/aYkwO

[14] “تقريرٌ: مُحاصصة المناصب السِّياديَّة: بين قبُولٍ ورفـضٍ”، مـوقـع: عـين ليبيـا، بتاريـخ: 1/يناير/2021م، مُتاحٌ على الرابط المُختصـر التــالي: https://cutt.us/2c3D8

[15] الحبيب الأسـود، “القضاء الليبي يرفض مبدأ محاصصة الأقاليم في اتفاق بوزنيقة”، جريدة: العرب اللندنية، العدد: 11953، بتاريخ: 27/1/2021م، متاح على الرابط المُختصر التـــالي: https://cutt.us/uOTw6

[16] See: “Crisis Group Libya Update #3”, Website: International Crisis Group, 21 JANUARY2021,https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/north-africa/libya/crisis-group-libya-update-3

[17] عبد الرحمن أميني، “مخاوف من خروقات تسبق التصويت على اختيار المرشحين لمهام السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا”، بوابة: الوسط، بتاريخ: 31/يناير/2021م، http://alwasat.ly/news/libya/309577

[18] للمزيد انظر: “ليبيا: إعلان الفائزين في انتخابات المجلس الرئاسي ورئاسة الحكومة”، موقع: الأمم المتحدة، بتاريخ: 5/2/2020م، متاح على الرابط التالي: https://news.un.org/ar/story/2021/02/1070432 وكذلك: خالد خميس السحاتي، “بوادر التسوية وملامح الانفراج: قراءة في تشكيل الحكومة الليبية الجديدة”، مجلة الديمقراطية، القاهرة، مؤسسة الأهــــرام، العدد: 82، أبريل 2021م، ص ص 212-217.

[19] محمد أحمد، “تقرير: سباق التسلح في المنطقة وموقع ليبيا من ناحية اقتصادية”، جريدة: الصبـاح، طرابلس، الهيئـة العامة للصحافة، العــدد: 358، السنة: الثالثة، بتاريخ: 18/مايو/2021م، ص5.

[20] للمزيد حول دور العامل الخارجي في الأزمة الليبية أنظـر: يوسف محمد الصواني، ليبيا: الثورة وتحديات بناء الدولة، ط1، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2013م)، ص ص217-223.

[21] محمد عبدالحفيظ الشيخ، “تطورات الوضع الليبي سياسيًا وعسكريًا وانعكاساته إقليميًا على ضفتي المتوسط”، موقع: مجلة شؤون عربية، بتاريخ: 14/مارس/2020م، على الرابط التالي: https://cutt.us/KJuHv

[22] أحمد عبد العليم حسن، “حدود الدور الأمريكي والروسي تجاه ليبيا”، مجلة: رُؤى مصريَّة، العــدد: 62، مـارس 2020م، ص15.

[23] عبدالحي علي قاسم صالح، “خيار التسوية السياسية الليبية في ضوء معطيات المساعي الدولية الراهنة”، في: مجموعة باحثين، أبعاد الصراع الإقليمي والدولي وتداعياته على أمن واستقرار ليبيا، وقائع المؤتمر الدولي الافتراضي، (15-16/نوفمبر/2020م)، برلين: المركز الديمقراطي العربي، ليبيا: جامعة الجفرة، 2020م، ص ص12-13.

[24] محمد قواص، “الصراع الأمريكي الروسي الجديد حول ليبيا: الديناميات والتداعيات”، موقع: مركز الإمارات للسياسات، بتاريخ: 7/6/2020م، على الرابط التالي:  https://cutt.us/4Ud1H

[25] خالد حنفي علي، “تشابكات سياسة إيطاليا تجاه ليبيا”، مجلة: السياسة الدولية، العدد: 210، أكتوبر 2017م، ص136.

[26] أحمد عبد العليم حسن، مرجع سبق ذكره، ص 16.

[27] “المبادرة الأمريكية بشأن ليبيا: وكبح الطموحات الروسية والتركية”، موقع: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، بتاريخ:12/8/2020م، متاح على الرابط المختصر التالي: https://cutt.us/KmYGe

[28] منصف السليمي، “خطوات مبكرة من إدارة بايدن في تضاريس الأزمة الليبية الشائكة”، موقع: (dw)، بتاريـخ: 2/2/2021م، على الرابط التالي: https://p.dw.com/p/3oh6v

[29] “الولايات المتحدة تؤكد دعمها للمجلس الرئاسي الليبي والحكومة الجديدة”، موقع: روسيا اليوم، بتاريخ: 12/2/2021م، على الرابط التـــالي: https://ar.rt.com/prd2

[30] نيبال جميل، “الدور الروسي في الصراعات الداخلية العربية المسلحة: المؤشرات- الأسباب- التأثيرات”، مجلة: العلوم السياسية والقانون، العدد: الثالث، يونيو2017م،الرابط التالي: https://democraticac.de/?p=46852

[31] أحمد عبد العليم حسن، مرجع سبق ذكره، ص 17.

[32] عـزة هاشم، “المصالح والمحددات الروسية حيال الأزمة الليبية”، مجلة: السياسة الدولية، العـدد: 220، أبريل 2020، ص115.

[33] “ترحيب روسي بنتائج اختيار المجلس الرئاسي والحكومة الجديدة”، 5/2/2021،https://cutt.us/d2DtQ

[34] “ترحيب عربي ودولي بتشكيل السلطة التنفيذية الليبية الجديدة”،الوطن،5/2/2021، https://cutt.us/t88He

[35] عبدالهادي ربيع، “روسيا تأمل أن تكون السلطة الليبية معلما على طريق تجاوز الأزمة”، العين الإخبارية، 7/2/2021، https://cutt.us/GueDU

[36] “المنفي يُناقش تعزيز التعاون المشترك مع روسيا”، موقع:218، بتاريخ:2/3/2021، https://cutt.us/w35h0

[37] “الاتحاد الأوروبي يرحّب بـنتائج “اتفاق بوزنيقة” الخاص بالأزمة الليبية ويشيد بالمبادرة المغربية”، موقع: يورونيوز، بتاريخ: 11/9/2020، https://cutt.us/sFwYs

[38] آية عبد العزيز، “التوجه الأوروبي نحو حكومة الدبيبة: بين دعم الوحدة الوطنية وتعزيز النفوذ”، المرصد المصري، بتاريخ: 30/مارس/2021، https://cutt.us/9T3JM

[39] بهاء محمود، “التحركات الأوروبية تجاه ليبيا: الأهداف والنتائج”، موقع: منتدى السياسات العربية، تاريخ الاطلاع: 27/6/2021،  https://cutt.us/VdAO0

[40] محمد بصيلة، “بعثة الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا مجددا.. فهل عاد الاستقرار؟”، العين الإخبارية، 17/5/2021،  https://cutt.us/Yl253

[41] “الحرب في ليبيا: ما هي الأطراف الخارجية التي تتدخل فيها؟ وما دوافعها؟”، موقع: بي بي سي عربي، بتاريخ: 31/يوليو/2020، على الرابط التالي: https://cutt.us/BLJXf

[42] “تركيا ترحب بمنح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية الليبية”، موقع: آر تي، بتاريخ: 10/3/2021، https://cutt.us/cCgmZ

[43] “حسب الأسماء المعلنة برقة تلتحف التهميش والمغالبة أفسدت تناغم الآراء”، جريدة: أخبار بنغــازي، العدد: 3683، السنة: 26، بتـاريـــخ: 11/مارس/2021م، ص1.

[44] “رئيس الوزراء الليبي الجديد: تركيا هي “الصديقة والحليفة”، موقع: سبوتنيك، بتاريخ: 7/2/2021م، متاح على الربط المختصر التـــالي: https://cutt.us/cUA6S

[45] “ليبيا: رئيس الحكومة يقترح حكومة وحدة ويؤكد استمرار العمل مع تركيا”، موقع: (dw)، بتاريخ: 25/2/2021م، متاح على الرابط المختصر التـــــالي: https://cutt.us/vU5Xc

[46] أحمد عليبة، “هل تغير تركيا استراتيجيتها فى ليبيا خلال المرحلة الانتقالية؟”، موقع: مركز الأهرام، بتاريخ: 12/5/2021، https://cutt.us/lD6GV

[47] “ليبيا: رئيس الحكومة يقترح حكومة وحدة ويؤكد استمرار العمل مع تركيا”، موقع: (dw)، بتاريخ: 25/فبراير/2021م، على الرابط التـالي:  https://cutt.us/a3yT5

[48] “هـل تُخمدُ جلسة 8 مارس بُركان الوطن؟ وهل تزحفُ الحُلُولُ السِّياسيَّةُ ابتداءً من سرت؟”، جريدة: أخبار بنغــازي، العـدد: 3679، السنة: 26، بتـاريـــخ: 2/مــــارس/2021م، ص1.

[49] “للمـرَّة الثانية.. تأجيلُ جلسة منح الثقة للحُكُومة الليبيَّة”، بوَّابة العين الإخباريَّة، بتاريخ:9/مـارس/2021م، على الرابــط التـــالي: https://al-ain.com/article/1615310135

[50] “المُتحدِّثُ الرَّسميُّ: مجلسُ النواب يمنحُ الثقة لحُكُومة الوحدة الوطنيَّة”، موقع: مجلس النواب الليبي، بتاريخ: 10/مــارس/2021م، مُتاحٌ على الرابـط المُختصـر التـــالي: https://cutt.us/m9gpu

[51] سلمان إسماعيل، “ليبيا.. خُبراء يُحذِّرُون من خُطُورة «المُحاصصة» في حُكُومة الدبيبة”، موقع: الرؤيــة، بتاريخ: 9/مـارس/2021م، مُتاحٌ على الرابـط المُختصـر التــالي: https://cutt.us/QWtV0

[52] “حسب الأسماء المُعلنة: برقة تلتحفُ التَّهميش والمُغالبة أفسدت تناغُـم الآراء”، جريدة: أخبار بنغــازي، العدد: 3683، السنة: 26، بتـاريـــخ: 11/مـــارس/2021م، ص1.

[53] “وضع قوائم مرشحي المناصب السيادية في ليبيا.. ما أسس الاختيار؟”، موقع: سكاي نيوز عربية، بتاريخ: 28/أبريل/2021م، على الرابط المختصر التالي: https://cutt.us/aJind

[54] “لا موافقة على الميزانية حتى تسقط الميلشيات على قارعة النسيان، والبرلمان لا يمانع في استهلاك الوقـت”، جريدة: أخبار بنغــازي، العدد: 3709، السنة: 26، بتـاريـــخ: 11/مـــايو/2021م، ص1.

[55] “ليبيا.. جلسة لمجلس النواب الاثنين المقبل لمناقشة مشروع الموازنة”، بتاريخ: 12/أبريل/2021م، على الرابط التالي: https://cutt.us/ium3H

[56] “مجلسُ النواب يُناقشُ مشرُوع قانُون الميزانيَّة العـامَّة للدَّولة للعام2021م”، الموقعُ الرسميُّ لمجلس النواب الليبي، بتاريخ: 19/أبريل/2021م، متاح على الرابط المختصر التـــالي:  https://cutt.us/tzFcJ

[57] “مجلس النواب يصوت بأغلبية السادة النواب الحاضرين على ارجاع مشروع القانون لحكومة الوحدة الوطنية لتعديله”، الموقعُ الرسميُّ لمجلس النواب الليبي، 20/4/2021م، متاح على الرابط المختصر التـــالي: https://cutt.us/sk2k7

[58] “مجلس النواب يعتمد الباب الأول من الميزانية العامة ويتخذ عددا من القرارات المهمة”، الموقعُ الرسميُّ لمجلس النواب الليبي، 24/5/2021م، متاح على الرابط المختصر التـــالي: https://cutt.us/0LlU5

[59] “تسمية المناصب السيادية تطفئ شعلة الميزانية”، جريدة: أخبار بنغازي، العدد: 3712، بتاريخ: 23/5/2021، ص1.

[60] محمد بصيلة، “لا لقاء أو مفاوضات: مناصب ليبيا السيادية بلا حل”، بوابة العين الإخبارية، بتاريخ: 5/6/2021م، على الرابط التالي: https://cutt.us/zx1MZ

[61] “العريبي: المشري يشترط بقاء شكشك في ‏منصبه لتمرير المناصب السيادية”، موقع: ليبيا الحدث، بتاريخ: 16/6/2021، على الرابط التالي: https://cutt.us/9BYlv

[62] “الدرسي: مجلس النواب سيشرع في انتخاب رؤساء المناصب ‏السيادية ما لم يتلق ردا من مجلس الدولة”، موقع: ليبيا الحدث، بتاريخ: 16/6/2021، على الرابط التالي: https://cutt.us/GEa4q

 

فصلية قضايا ونظرات- العدد الثاني والعشرون ـ يوليو 2021

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى