مسار العدوان الإسرائيلي على لبنان: الأهداف والاستراتيجيات

مقدمة:

ثمة مقولة منسوبة إلى المحارب الصيني الشهير سون تزو تقول:

إن استراتيجية بلا تكتيكات، هي أبطأ طريق إلى النصر، أما التكتيكات بلا استراتيجية، فليست إلا الضوضاء التي تسبق الهزيمة“.

إن الحرب، من بين جميع الأنشطة الإنسانية، لها طبيعة عجيبة مفارقة للمنطق ومعاكسة لكافة مسارات التطور الطبيعية. فمن الطبيعي أن يؤدي تحقيق الأرباح في مجال المال والأعمال مثلًا، إلى مزيد من التوسع والأرباح، ومن الطبيعي أن يتطور النجاح في المجال الأكاديمي، إلى نجاح أكبر. أما الحرب والصراع، فمنطقهما مغاير لهذا؛ فالجيش الذي يحقق نصرًا كبيرًا ليس من المألوف أن يستمر في تحقيق الانتصارات، بل عادة ما ينقلب هذا النصر عند نقطة معينة إلى هزيمة، تُعرف هذه النقطة في الاستراتيجية بنقطة ذروة النصر (Culminating point of Victory). فالجيش المنتصر بحلول تلك النقطة، تكون خطوط إمداده قد طالت، وموارده استنزفت، وجنوده أُرهقوا، فضلًا عما يصيبهم من زهو وتراخٍ، غرورًا بما حققوه من نصر. في المقابل، يكون الجيش المنهزم في الجولة السابقة في موقف أفضل بعد تلك النقطة، تقصر خطوط إمداده، وتصيب جنودَه حالةٌ من الإفاقة والتحفز رغبةً في تعويض خسارتهم وانتقامًا لمن قُتل منهم وتفاديًا لما وقع من الأخطاء التي تسببت في هزيمتهم السابقة[1].

وعلى ذلك، كان من المتوقع أن تتعثر إسرائيل في عدوانها الأخير على لبنان في إطار حربها مع حزب الله اللبناني، عندما أعلنت في الأول من أكتوبر عام ٢٠٢٤م، اجتياح قواتها البرية للحدود اللبنانية بعد سنة كاملة من بداية حربها على قطاع غزة وحركة حماس. وهذا بالفعل ما تصوره العديد من الخبراء الذين توقعوا أن تتكبد إسرائيل خسائر كبيرة أو تتورط في حرب طويلة مضنية، وقد وضعوا في حسابهم خبرة حزب الله الطويلة في حرب العصابات، وما لديه من ترسانة صاروخية ومضادة للدبابات، وما أعده من أنفاق وكمائن… إلخ؛ الأمر الذي سيصعِّب على الجيش الإسرائيلي مهمته، وقد يجبره على الرضا بتحقيق نتائج عملياتية متواضعة، مثل الاكتفاء باحتلال شريط حدودي يضمن عدم وصول صواريخ الحزب لشمال إسرائيل[2]. إلا أنه في السادس والعشرين من شهر نوفمبر، أعلنت إسرائيل وصول قواتها إلى ضفاف نهر الليطاني للمرة الأولى منذ انسحابها من جنوب لبنان عام ٢٠٠٠م، محرزة نصرًا عملياتيًا كبيرًا قبل إتمام شهرين فقط من بداية الغزو البري[3]. وبعدها أبدت استعدادها لقبول اتفاقية لوقف إطلاق النار بين الطرفين، الاتفاق الذي جاء ضامنًا لتحقيق جُل أهدافها الاستراتيجية؛ من انسحاب حزب الله إلى شمال نهر الليطاني وضمان عدم عودته إلى الجنوب لتهديد شمال إسرائيل مرة أخرى في القريب العاجل، وتوقف إسناده لجبهة غزة. وقد آذن هذا الاتفاق بمرحلة جديدة من انزواء ما عُرِف بمحور المقاومة المتمثل في إيران وحلفائها. وتأكد ذلك الواقع الجديد بانهيار نظام الأسد أمام هجوم الثوار في سوريا الذي بدأ في اليوم التالي من نهاية الحرب في جنوب لبنان[4].

فما سبب هذه المفارقة؟ وماذا كانت أهداف إسرائيل وحزب الله ومحور المقاومة خلال هذه الحرب؟ وما هي الآثار الاستراتيجية السياسية التي تمخضت عن هذا الصراع؟ هذا ما نحاول تناوله في هذا التقرير.

أولًا- معضلة جنوب لبنان بالنسبة للأمن الإسرائيلي

منذ أن أقامت إسرائيل دولة الاحتلال عام ١٩٤٨م، ومشكلتها الأمنية الكبرى هي ضيق عمقها الاستراتيجي في مقابل محيط من الدول العربية المعادية. وقد استطاعت إسرائيل حل تلك المشكلة الأمنية على مستوى حدودها الجنوبية مع مصر، والشرقية مع الأردن، والشمالية الشرقية مع سوريا، إلا أن مشكلتها على حدودها الشمالية مع جنوب لبنان ظلت تؤرقها طوال هذه السنين. ففي الجنوب، عقدت إسرائيل معاهدة سلام مع مصر عقب حرب ١٩٧٣ ضمنت لها منطقة عازلة بعمق شبه جزيرة سيناء بكاملها، وفي الشرق بنت علاقات استراتيجية راسخة مع المملكة الهاشمية في الأردن، وفي الشمال الشرقي، أمَّنت إسرائيل حدودها باحتلال الأراضي المشرفة في مرتفعات الجولان السورية، إلا أن حدودها الشمالية مع لبنان ظلت مشكلة متأججة[5].

كان جنوب لبنان دومًا مصدرًا للمتاعب بالنسبة للأمن الإسرائيلي، فقد كان يتسرب منه الفدائيون الفلسطينيون إلى الشمال الإسرائيلي للقيام بمختلف العمليات الفدائية، لا سيما بعد أن انتقلت منظمة التحرير الفلسطينية إلى جنوب لبنان إثر أحداث أيلول الأسود في الأردن عام ١٩٧٠م. وبعد محاولات مضنية لحل تلك المشكلة دون تدخل مباشر، عن طريق الوكلاء والمليشيات الموالية، اضطرت إسرائيل إلى غزو جنوب لبنان مرتين عام ١٩٧٨م وعام ١٩٨٢م، وقررت احتلال الجنوب في المرة الثانية. وكان ذلك الاحتلال لجنوب لبنان هو المحفز الرئيس لتأسيس حزب الله اللبناني، الذي استطاع إجبار إسرائيل على الانسحاب عام ٢٠٠٠م[6].

ملأ حزب الله الفراغ الذي تركته إسرائيل في جنوب لبنان، وبقيت التوترات بينه وبين إسرائيل قائمة على خلفية احتلال إسرائيل لمزارع شبعا اللبنانية وإبقائها على العديد من أسرى الحزب الذين سعى إلى تحريرهم عن طريق عمليات الأسر للجنود الإسرائيليين ومبادلتهم بالأسرى اللبنانيين. وفي عام ٢٠٠٦م، قام حزب الله بعملية الوعد الصادق عبر الحدود، التي أسفرت عن مقتل وأسر عدد من الجنود الإسرائيليين وبداية عملية عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق في جنوب لبنان مرة أخرى. انتهت تلك الحرب بعد حوالي شهر من القتال بقرار مجلس الأمن رقم ١٧٠١، الذي ينص على انسحاب حزب الله إلى شمال نهر الليطاني وانسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان، وأن يملأ تلك المنطقة العازلة جنود الجيش اللبناني وقوات حفظ السلام الأممية المعروفة باليونيفيل[7]. وسيصبح لهذا القرار أهمية بالغة لأنه سيكون الأساس الذي ستبنى عليه اتفاقية وقف إطلاق النار في تلك الحرب الأخيرة عام ٢٠٢٤م، التي نحن بصدد مناقشتها.

ولكن، على الرغم من القرار ١٧٠١، استطاع حزب الله العودة إلى مواقعه في الجنوب وعلى الحدود الإسرائيلية، وأقام بنية تحتية عسكرية قوية هجومية ودفاعية، مكنته من تنفيذ قراره بإسناد جبهة غزة من اليوم الأول عقب طوفان الأقصى في الثامن من أكتوبر عام ٢٠٢٣م. وقد ظلت الحرب على الجبهة اللبنانية لمدة عام كامل حربًا محدودة يخوضها الطرفان عن بعد، أدت إلى نزوح عدد كبير من سكان شمال إسرائيل، حتى بدأت بوادر الاجتياح البري الإسرائيلي للجنوب بضربات قاسمة لقيادات الحزب، تلاها الغزو البري المباشر.

ظلت مشكلة جنوب لبنان تؤرق الأمن الإسرائيلي، دون أن تجد لها أي سياسة إسرائيلية حلًا ناجعًا. وربما يفكر نتنياهو في اتخاذ تلك الحرب ذريعة لخلق حالة أمنية جديدة تضمن حل تلك المشكلة لفترة طويلة نسبيًا. ولذلك، وبدخول الحرب تلك المرحلة، تغيرت أهداف واستراتيجيات كل من الطرفين. فبالنسبة لإسرائيل، لم يعد الهدف فقط فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة أو إعادة سكان الشمال، بل توسعت تلك الأهداف لتشمل تدمير معظم قدرات الحزب وبنيته التحتية في الجنوب وإجباره على الانسحاب إلى شمال نهر الليطاني[8].

ثانيًا- تطور الأهداف الاستراتيجية والسياسية لإسرائيل وحزب الله ومحور المقاومة خلال ذلك الصراع

قبل معركة طوفان الأقصى، كان ثمة صراع كامن بين إسرائيل وما عُرف بمحور المقاومة، المتمثل في إيران وحلفائها من الحركات القتالية المسلحة؛ حزب الله في لبنان وحماس في غزة وأنصار الله الحوثي في اليمن، بالإضافة إلى نظام الأسد في سوريا.

وعلى هامش ذلك الصراع كان ثمة بعض القوى الإقليمية الأخرى، صاحبة المشروعات السياسية الخاصة بها، لكنها غير منخرطة مباشرة في هذا الصراع. أولها، تركيا، التي تمتلك مشروعا إقليميا قائما على كبح جماح الحركات القتالية الكردية، وزيادة النفوذ التركي في المنطقة بطرق بعيدة عن الصراع العسكري المباشر. وضمن هذه السياسة الإقليمية، بسطت تركيا رعايتها على ما تبقى من المناطق السورية تحت سيطرة فصائل الثوار على نظام الأسد في أقصى شمال سوريا في محافظة إدلب وريفها.

أما المشروع الإقليمي الرابع، فهو مشروع السلام والتطبيع الذي تقوده بعض دول الخليج بالإضافة إلى مصر والأردن. وهو مشروع قائم على إقامة سلام دائم مع إسرائيل وتطبيع العلاقات معها والتفاوض السلمي حول مستقبل القضية الفلسطينية في إطار حل الدولتين. فهذه أربعة قوى إقليمية كبرى ومشروعاتها السياسية المتنافسة. وما إن قامت معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣م، حتى بدأ الاختبار الحقيقي لكافة هذه المشروعات الإقليمية وصلابة القوى القائمة عليها. وكان العدوان الإسرائيلي المباشر على لبنان الذي وجَّه ضربة قاسمة لحزب الله، وما أعقبه من إسقاط نظام الأسد في سوريا، القشة التي قسمت ظهر البعير وآذنت بتغير كامل في موازين القوى ومواقف كافة الأطراف الإقليمية والدولية.

بعد أن فاجأت حركة حماس إسرائيل والعالم بعملية السابع من أكتوبر، التي عُرفت فيما بعد بطوفان الأقصى، بدأت إسرائيل مباشرة حربها الضروس على قطاع غزة، الحرب التي استمرت حتى لحظة كتابة هذا التقرير. وباشتعال تلك الحرب، بدأ الاختبار الحقيقي لكافة المشروعات الإقليمية الأربعة التي ذكرناها أعلاه.

فالنسبة لمحور المقاومة بقيادة إيران، كانت هذه الحرب اختبارًا حقيقيًا لاستراتيجية “وحدة الساحات” التي طالما تَغنَّى بها قادة المحور، والتي تقتضي ألا تترك أي جبهة وحدها في القتال ضد إسرائيل. وبالفعل، بدأ حزب الله من اليوم التالي توجيه الضربات إلى الشمال الإسرائيلي، وبدأت حركة أنصار الله الحوثي اعتراض السفن الإسرائيلية والأميركية في خليج العقبة، بل وتوجيه هجماتها الخاصة على إسرائيل باستخدام المسيرات. وقدمت إيران، بوصفها قائد المحور، كافة ما تستطيع من المساعدات الدبلوماسية والمادية. وعلى الرغم من تفاجؤ إيران وحلفائها بهذا الهجوم من قبل حماس، إلا أنه لم يكن يسعها التخلي عن حليفتها حماس، ولا أن تخرق مبدأ “وحدة الساحات” إذ أن ذلك يعرض نفوذها وسمعتها في المنطقة بأسرها للخطر. لذلك، وعلى الرغم من المحاولات المستمرة من قبل القوى الغربية، لم يرضَ حزب الله ولا داعمته، إيران، بأي اقتراح لوقف إطلاق نار منفرد بينه وبين إسرائيل قبل إنهاء الحرب الوحشية على غزة.[9] ولنفس السبب شنت إيران هجومين غير مسبوقين مباشرة على أهداف إسرائيلية؛ جاء أولهما بالمسيرات في مساء يوم ١٣ أبريل ٢٠٢٤م، وبالصواريخ الباليستية في الأول من أكتوبر من نفس العام. إلا أن ما أسفرت عنه الحرب في النهاية، كما سنناقشه في هذا التقرير، هو انهيار استراتيجية “وحدة الساحات” وإظهار عدم قدرة إيران في الوقت الحالي على إسناد مشروعها الإقليمي في مواجهة إسرائيل وحلفائها الإقليميين والدوليين.

أما إسرائيل، فبعد عملية طوفان الأقصى، بات هدفها الأول في غزة هو القضاء على القدرات القتالية والسياسية والإدارية لحركة حماس وبقية حركات المقاومة فيها، وضمان عدم تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر، بالإضافة إلى استعادة الأسرى. إلا أن هدفها في لبنان في تلك المرحلة لم يكن أكثر من فك الارتباط بين جبهتها الشمالية وجبهة غزة؛ أي كسر مبدأ “وحدة الساحات.” وبعد أن تسببت هجمات حزب الله في تهجير جزء كبير من سكان الشمال، بات هدف إسرائيل هو وقف تلك الهجمات وضمان إعادة سكان الشمال إلى منازلهم. كان ذلك ما يظهر من الأهداف الإسرائيلية في الشمال، لكنها بدأت في تصعيد حربها على الحزب بهجمات البيجر الشهيرة ثم باغتيال كبرى قيادات الحزب، وصولًا إلى الهجوم البري الشامل، الذي أظهر مدى عمق الأهداف الاستراتيجية والسياسية الإسرائيلية، التي توسعت لتشمل طرد مقاتلي حزب الله إلى شمال نهر الليطاني وتدمير كافة قدراته القتالية وبنيته التحتية في تلك المنطقة، حتى اعتقد البعض أن أهداف إسرائيل قد امتدت إلى التأثير على السياسة الداخلية اللبنانية نفسها[10].

كانت هذه هي الأهداف قصيرة الأمد، أما الأهداف متوسطة المدى فهي إضعاف النظام الإيراني ووكلائه في لبنان والعراق واليمن، وعزل هذا المحور لمزيد من الضغط السياسي العالمي عليه، واستعادة مسار التطبيع مع الدول العربية والإسلامية، ودرة التاج في ذلك المسار إتمام التطبيع مع المملكة العربية السعودية. أما الأهداف بعيدة المدى فهي استعادة صورة إسرائيل في العالم وسمعتها بوصفها الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، وكذلك استعادة قوة الردع التي فقدتها بعد السابع من أكتوبر. ويبدو أن تلك الحرب الأخيرة في لبنان، قد ضمنت لإسرائيل تحقيق جل تلك الأهداف.

ثالثًا- مقدمات الغزو البري الإسرائيلي الشامل لجنوب لبنان وتحدياته

لعل نقطة الذروة، التي كان من الممكن لإسرائيل التوقف عندها، كانت في الحادي والثلاثين من يوليو الماضي، عندما نجحت في اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران. كانت إسرائيل في ذلك الوقت قد نجحت في تدمير قدر كبير من قوة كتائب القسام في غزة، وسيطرت عسكريًا على جميع المحاور المهمة في القطاع بما فيها محور فيلاديلفيا ونتساريم، وكان باستطاعتها التفاوض من موقع قوة نسبية لاستعادة من تبقى من الرهائن وعمل ترتيبات أمنية وسياسية في غزة تضمن تحييدها لفترة طويلة من الزمن، كذلك الاتفاق مع حزب الله وإيران على استعادة أمن الشمال، والرجوع هناك إلى أوضاع ما قبل السابع من أكتوبر. وبذلك، كان بإمكان ساستها القول بأنهم حققوا معظم أهداف الحرب السياسية والاستراتيجية، وكان سوف يصبح بإمكانها التحرك بثقة لتحقيق بقية أهدافها متوسطة وبعيدة المدى التي ذكرناها أعلاه. وهذا بالتحديد ما كانت تطمح إليه كافة الأطراف الدولية والإقليمية، بما فيها الولايات المتحدة، وحتى إيران وحزب الله كانوا على استعداد لقبول التسوية عند تلك المرحلة. إلا أن الحكومة والرأي العام الإسرائيلي بجملته كانوا على وفاق بضرورة شن عملية عسكرية برية واسعة النطاق ضد حزب الله في جنوب لبنان لخلق “حالة أمنية جديدة” تهدف بالأساس إلى ضمان تحييده وعدم تهديده لشمال إسرائيل لفترة طويلة من الزمن[11].

وفي السابع عشر من شهر سبتمبر/أيلول الماضي، نفذت إسرائيل هجمات أجهزة البيجر الشهيرة، التي طالت آلاف من عناصر حزب الله اللبناني، خلفتهم بين قتيل وجريح. تبع ذلك عشرة أيام من الهجمات الدقيقة والقاسية، نجحت خلالها إسرائيل في اغتيال معظم القادة العسكريين رفيعي المستوى في حزب الله، انتهاءً باغتيال الأمين العام والقائد التاريخي للحزب حسن نصر الله في السابع والعشرين من نفس الشهر. هذه النجاحات الاستخباراتية التكتيكية الباهرة، كانت مقدمة الاجتياح البري الشامل في الأول من أكتوبر عام ٢٠٢٤[12].

لا شك أن إسرائيل بدأت ذلك العدوان بتحقيق نجاحات استخباراتية عسكرية كبرى في الأيام الأولى. وقد حققت إسرائيل هذا الإنجاز بسهولة وسرعة، نظرًا لما أصاب حزب الله من خسائر كبرى على مستوى القيادات العليا وضرب منظومة الاتصال والقيادة والسيطرة بين وحداته المقاتلة. إلا أن حزب الله، ورغم هذه الاختراقات الأمنية الضخمة بين صفوفه، أو ربما بسببها، كان من المفترض أن يصبح أشرس وأصلب من أي وقت مضى. فثمة أفضلية تكتيكية طبيعية للمدافع، الذي يعلم أرضه وتدرب على الدفاع عنها مرارًا وبنى فيها من التحصينات والفخاخ وتسهيلات التخفي والتمويه والانقضاض، ما يصعِّب مهمة المهاجم بشكل كبير، ولنا في معاناة الجيش الإسرائيلي في غزة المحاصرة لمدة عام، وما تكبده من خسائر في الأيام الأولى لهذا الاجتياح أكبر دليل على ذلك. وكان لا بد للحزب -بالإضافة إلى ذلك- من التنبه إلى مكامن الاختراق الاستخباراتي بين صفوفه، وأن يصبح أكثر حذرًا وتيقظًا لمصادر هذا الاختراق، وكان من المفترض أن يتعلم من أخطائه السابقة التي تسببت في تلك الخروقات، ولا بد أن مقاتليه أصبحوا أكثر حماسة وتحفزًا للثأر لقادتهم وإثبات قدراتهم واستعادة الثقة في أنفسهم.

أما جنود الجيش الإسرائيلي في المقابل، فأغلبهم قد أنهكتهم الحرب المستمرة لعام كامل، وجلهم من جنود الاحتياط الذين تركوا حياتهم المدنية وتضغط عليهم أخبار زملائهم الذين قتلوا أو أصيبوا في معارك غزة، وباتوا يتشككون في جدوى خطط قادتهم السياسيين والعسكريين. وعلى الرغم من تلقي إسرائيل مساعدات اقتصادية وعسكرية لا حدود لها من الولايات المتحدة، مكنتها من تفادي العواقب الاقتصادية لهذه الحرب الطويلة، إلا أن العنصر البشري يظل الخاصرة الرخوة لأي مجهود حربي، وقد تضافرت الأنباء عن ضغط هذا العامل البشري على الجيش الروسي نفسه خلال حربه ضد أوكرانيا، ولروسيا ما لها من عمق ديمغرافي واستراتيجي هائل، فما بالك بإسرائيل المشهورة بضعفها أصلًا في هذا الجانب.

وعلى الرغم من ادعاء حسن نصر الله عام ٢٠٢١ بأن الحزب يمتلك أكثر من ١٠٠ ألف مقاتل جاهز ومدرب،  إلا أن أغلب المصادر تقدر تعداد مقاتلي الحزب بين ٤٠ إلى ٥٠ ألف[13]. فإن كان الحزب قد حشد نصف هؤلاء للقتال في عملية الدفاع، كان من المفترض أن تصبح المهمة على الإسرائيليين في غاية الصعوبة.[14] بالنظر إلى تلك التقديرات، فإن إسرائيل كانت تحتاج إلى حشد قوة لا تقل عن ١٠٠ ألف جندي -مع الأخذ في الاعتبار قدراتها الاستخبارية وتفوقها الجوي- لكي تتمكن من تحقيق أهدافها العملياتية في جنوب لبنان، في ظل الكلفة البشرية الهائلة للقتال الدامي لمدة زمنية طويلة قد تزيد على سنة أخرى.

لم يكن باستطاعة إسرائيل أن تحشد مثل تلك القوة؛ فبالنظر إلى انشغال جزء كبير من الجيش الإسرائيلي في جبهات أخرى، لا سيما الضفة وغزة، تضافرت الأنباء بحلول يوم السابع مع أكتوبر 2024، عن مشاركة ثلاثة ألوية مشاة: جولاني ولواء المظليين ولواء الكوماندوز، ولواء واحد مدرع: اللواء ١٨٨، في القتال في جنوب لبنان. وجميعها وحدات تنتمي للفرقتين ٣٦ و٩٨ للجيش. وفي ليلة ٨ أكتوبر، أعلن الجيش الإسرائيلي انضمام الفرقة ٩١ كذلك إلى العمليات جنوب لبنان.[15] وفي يوم ٨ أكتوبر، أعلن الجيش الإسرائيلي انضمام فرقة رابعة، الفرقة الاحتياطية ١٤٦، إلى العمليات في جنوب لبنان.[16] وبذلك يكون الجيش الإسرائيلي قد زج بأربعة فرق عسكرية إلى العمليات في جنوب لبنان. وفيما بعد، انضمت بعض تشكيلات الفرقة ٢١٠، إلى العلميات في جنوب لبنان، لا سيما في القطاع الشرقي في مزارع شبعا وما يليها. وبذلك يقدر عدد الجنود الذين اشتركوا في العدوان البري على لبنان ما بين ٣٠ إلى ٤٠ ألف جندي، هدفهم المعلن هو القيام بعملية محدودة لتدمير قدرات حزب الله على الحدود مع إسرائيل وخلق منطقة عازلة بعمق ٥- ٩ كم لحماية سكان شمال إسرائيل[17].

كان من المتوقع، والحال كذلك، أن يقوم مقاتلو حزب الله بمقاومة القوة الإسرائيلية الغازية وتكبيدها خسائر كبيرة ومنعها من تحقيق أي من أهدافها، وكان المسرح والظروف مهيئة تمامًا لمساعدة الحزب في تحقيق ذلك. وكان ذلك ضروريًا لتعزيز قوة الحزب وإيران ونفوذهما في لبنان والمنطقة، وفرصة لا تعوض للثأر مما أصاب الحزب والمحور من ضربات إسرائيلية قاسمة. إلا أن ذلك لم يحدث، واستطاعت إسرائيل تنفيذ عملية محدودة بخسائر مقبولة، ونجحت في تحقيق أهدافها الاستراتيجية بل والسياسية قريبة ومتوسطة الأجل، في أقل من شهرين من بدء تلك العملية.

رابعًا- مسار العدوان الإسرائيلي على لبنان منذ بداية الاجتياح البري حتى التوصل إلى اتفاقية وقف إطلاق النار مع الحكومة اللبنانية

منذ أن بدأت إسرائيل عدوانها على لبنان في ١ أكتوبر عام ٢٠٢٤، اتخذ عدوانها مسارين رئيسين. أولهما استمرار الغارات الجوية المكثفة على أهداف عسكرية، ضد قدرات حزب الله اللوجستية والصاروخية وبنيته التحتية وحتى مؤسساته المدنية، وأخرى مدنية تستهدف القاعدة الشعبية للحزب من سكان الجنوب، وغارات أخرى نوعية في إطار الاستهداف الدقيق لقيادات الحزب الكبرى، قبل أن تمتد تلك الغارات لتشمل أهداف مدنية في بيروت نفسها للضغط على الشعب اللبناني. ثانيهما، هو مسار الاجتياح البري المباشر لطرد مقاتلي الحزب من جنوب لبنان وخلق “الحالة الأمنية الجديدة” التي تستهدفها إسرائيل.

وفي المقابل، واجه حزب الله ذلك العدوان بطريقين كذلك. الأول، طريق المقاومة المباشرة للقوات الإسرائيلية الغازية على الأرض. والثاني، تكثيف الهجمات الصاروخية وبالمسيرات على أهداف في شمال ووسط إسرائيل. فكيف تفاعلت تلك المسارات جميعًا وما النتائج التي أسفرت عنها؟

منذ اليوم الأول، ظهر التفاعل بين هذه المسارات والاستراتيجيات جليًا، فقد كثفت إسرائيل غاراتها الجوية على الأهداف العسكرية للحزب، فاستهدفت مواقع المراقبة ومخازن الأسلحة ومصانع إنتاج السلاح والذخيرة وغيرها من البنى التحتية في جميع أرجاء لبنان، وصولًا إلى بيروت نفسها. وفي نفس الوقت، دخلت طلائع القوات البرية الإسرائيلية إلى جنوب لبنان بعد أن عبرت الخط الأزرق. ومع ذلك الاجتياح بدأت أولى المواجهات بين القوات الإسرائيلية والحزب حول بلدتي العديسة ومارون الراس، مما أسفر عن مقتل ثمانية جنود إسرائيليين في أربع مواجهات منفصلة[18]. وفي ٣ أكتوبر، استمرت هذه المسارات القتالية، بالإضافة إلى استهداف إسرائيل أهداف مدنية في بيروت نفسها، مما أسفر عن مقتل وإصابة عدد من المدنيين[19]. وفي اليوم التالي، شنت إسرائيل غارة نوعية على معقل محصن تحت الأرض في ضاحية بيروت الجنوبية، استهدفت فيه هشام صفي الدين، خليفة حسن نصر الله في قيادة الحزب، وكذلك عددًا من قيادات الحزب الكبرى، من بينهم علي حسين هزيمة، رئيس استخبارات الحزب[20]. كذلك اعتمدت إسرائيل، منذ الأيام الأولى للقتال، استراتيجية استهداف القادة الميدانيين للحزب؛ حيث أعلنت قيادة الجيش الإسرائيلي أن الجيش تمكن من قتل عشرين من القيادات الميدانية لتشكيلات الحزب خلال الأسبوع الأول للقتال[21]. في تلك الأثناء، استمر حزب الله في تجنب المواجهات المباشرة بين مقاتليه وقوات الجيش الإسرائيلي المتوغلة، بينما كثف هجماته الصاروخية وبالمسيرات على أهداف عسكرية ومدنية في شمال إسرائيل[22].

وبحلول ١٠ أكتوبر، ظلت القوات الإسرائيلية تتوغل في الأراضي اللبنانية وتستولي على مناطق حدودية وتؤمن عدة بلدات فيها، كاشفة النقاب عن بنى تحتية عسكرية لحزب الله ومخازن أسلحة وذخيرة. بينما تأكد أن مقاتلي الحزب في تلك المناطق ظلوا يفضلون الاشتباك مع القوات الإسرائيلية من مسافات بعيدة أو الانسحاب إلى العمق اللبناني، مما يدل على أن قيادة الحزب الميدانية ما زالت متماسكة، وأنها اتخذت قرارًا واعيًا بالحفاظ على النواة الصلبة لقوتها القتالية وعدم الزج بمقاتليها في دفاع صلب ضد القوات الإسرائيلية المتوغلة في الجنوب[23]. إلا أنه في ١٣ أكتوبر، اشتبك مقاتلو الحزب مع قوة إسرائيلية كبيرة بالقرب من موقع لقوات حفظ السلام اليونيفيل، وأوقعوا عددًا كبيرًا من الخسائر في صفوف الجنود والمعدات الإسرائيلية[24]. كذلك في نفس الليلة، شن الحزب هجومًا نوعيًا بالمسيرات الانتحارية على معسكر للتدريب يخص لواء غولاني في بنيامينا جنوب حيفا في العمق الإسرائيلي، وأصاب أكثر من ٦٠ جنديا إسرائيليا كانوا يتناولون العشاء في قاعة الطعام، وتم تأكيد مقتل ٤ منهم لاحقًا[25]. وقد مثَّل هذا الهجوم أكبر اختراق أمني وعملياتي عسكري يحققه الحزب منذ بداية الحرب، وأكد وجود ثغرات قاتلة في منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية. ولن يتكرر مثل هذا الاختراق النوعي مرة أخرى طوال مدة الحرب.

إلا أن ذلك الهجوم الكبير، أخفى حقيقة الموقف الميداني للحزب في الجنوب اللبناني؛ حيث ظل مقاتلو الحزب يحجمون عن أي جهود دفاعية حقيقية ضد القوات الإسرائيلية البرية الغازية، فقد تسببت الغارات الجوية الإسرائيلية الكثيفة في زعزعة البنية التنظيمية وسلسلة القيادة والتحكم وخطوط الإمداد والتموين للحزب. ففي ١٥ أكتوبر، ظهر نائب الأمين العام للحزب في ذلك الوقت، نعيم قاسم، في كلمة مصورة، برر فيها استراتيجية الحزب في تجنب المواجهات المباشرة مع العدو مصرحًا بأن مهمة المقاومة ليست القتال كجيش نظامي يمنع عدوه من التقدم، وإنما تنفيذ عمليات متفرقة ضده[26]. وربما نسي قاسم، أو تناسى، أن مهمة المقاومة لا بد أن تكون منع العدو من تحقيق أهدافه وإنفاذ إرادته، وهو ما كان الحزب بصدد الفشل في تحقيقه حتى تلك المرحلة وما بعدها. وبدا أن تلك الاستراتيجية لا تهدف إلى تحقيق النصر، وإنما إلى حفظ أكبر قدر من قوة الحزب متماسكة، منعًا للانهيار الكامل قبل التوصل لاتفاقية لوقف إطلاق النار.

وفي ١٩ أكتوبر، استهدف حزب الله منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مدينة قيسارية بمسيرة، مما أكد الاختراق الأمني الخطير الذي حققه الحزب للدفاعات الجوية الإسرائيلية[27]. وفي اليوم التالي، أعلنت إسرائيل تمكنها من قتل ثلاث من كبار قادة حزب الله، منهم الحاج عباس سلامة، أحد كبار قيادات الجنوب، وأحمد علي حسين، قائد وحدة إنتاج الأسلحة الاستراتيجية في الحزب[28]. ولكن على الرغم من ذلك ظل الحزب محتفظًا بقدرته على إطلاق مئات الصواريخ على شمال ووسط إسرائيل؛ ففي ٢٠ أكتوبر، على سبيل المثال، أطلق الحزب ١٧٠ صاروخًا على إسرائيل، مما أدى إلى اندلاع حرائق واسعة[29].

واشتبك مقاتلو حزب الله بين يومي ٢٤ و٢٦ أكتوبر مع القوات الإسرائيلية الغازية في مناسبتين منفصلتين، مُردِين تسعة قتلى وعددًا من الجرحى بين صفوف جنود الاحتياط. ولكن في عامة جنوب لبنان، ظلت عمليات الحزب تجاه الجيش الإسرائيلي تُشَن عن بعد ودون أي اشتباك مباشر[30]. وفي ٢٥ أكتوبر، شنت إسرائيل هجومًا انتقاميًا على الأراضي الإيرانية؛ حيث استهدفت العديد من الأهداف الحساسة من مصانع إنتاج الوقود الصلب للصواريخ وبطاريات الدفاع الجوي المتقدمة (S- 300) روسية الصنع القليلة التي تمتلكها إيران[31]. وعلى الرغم من تقليل قادة إيران من آثار الهجوم، وتعهدهم بالرد، إلا أن ذلك لم يحدث، بل لعل سعي إيران وحزب الله إلى عقد اتفاق لوقف إطلاق النار وفقًا للشروط الإسرائيلية بعدها بشهر، يشير إلى قوة وتأثير الضربة الني وجهتها إسرائيل لإيران. إلا أن حزب الله حافظ كذلك على وتيرة هجماته الصاروخية وبالمسيرات على شمال إسرائيل، لكن أي من هذه الهجمات حقق تأثيرًا كالذي حققه هجوم بنيامينا في ١٣ أكتوبر؟!

وفي ٣٠ أكتوبر، أذاع حزب الله اللبناني كلمة مسجلة للأمين العام الجديد، نعيم قاسم، حاول فيها طمأنة أنصاره بأن الحزب استعاد كثيرًا من تماسكه بعد الضربات القاسية التي تلقاها، وأنه على استعداد لتكبيد القوات الإسرائيلية المزيد من الخسائر. إلا أنه أعلن كذلك أن الحزب مستعد للقبول باتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان ولكن بشروط مناسبة[32]. ولم يذكر قاسم تلك الشروط المناسبة، ولكن، وعلى الرغم مما حاول تقديمه من تطمينات، بدا ذلك تنازلًا كبيرًا من حزب الله؛ حيث إنه كان أول إلماح أن الحزب بات مستعدًا لقبول وقف إطلاق نار منفرد في لبنان دون غزة، الأمر الذي يعني تخليه عن مبدأ “وحدة الساحات” الذي دخل الحزبُ الحربَ أصلًا للحفاظ عليه. إن هذه الإشارة التي ألمح إليها قاسم في خطابه، كانت تدل على الموقف القتالي المتراجع للحزب في جنوب لبنان. فبعد شهر من القتال، بدا أن حزب الله فشل في تنظيم دفاع منظم ومتماسك عن مواقعه، بينما تعمل فرق الجيش الإسرائيلي في تمشيط وتأمين البلدات اللبنانية بأريحية نسبية، دون أن تتكبد تكلفة بشرية أو عسكرية تُذكَر[33].

وبنهاية أكتوبر، أي بعد شهر واحد من بداية العدوان الإسرائيلي على لبنان، بدأت جهود الوساطة الدولية لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله تؤتي ثمارها، وأبدت جميع الأطراف تفاؤلها وموافقتها على أغلب بنود الاتفاقية[34]. إلا أن إسرائيل استمرت في توسيع عملياتها في الجنوب وعلى الساحل، واستطاعت قتل قائد القطاع الساحلي للحزب، وبدأت في إرسال قوات استطلاعية إلى أماكن أعمق من خطوط التقدم الرئيسية، الأمر الذي يؤكد انهيار عمليات الحزب الدفاعية[35]. ولعل بعض المحللين العسكرين العرب، تصوروا في الأول من نوفمبر أن إسرائيل قد فشلت في مهمتها، مستندين في ذلك إلى تقديرات غير مؤكدة عن خسائر الجيش الإسرائيلي، التي تستند إلى دعاية الحزب في إطار الحرب الإعلامية والنفسية. كذلك تأثرت تلك التحليلات بالدفاع المنظم للحزب عن بلدة الخيام، الذي يعد أكثر المعارك الدفاعية المنظمة التي قام بها الحزب خلال تلك الحرب[36]. وليس أدل على خطأ ذلك التحليل مما وقع في ذلك الشهر من وصول القوات الإسرائيلية إلى ضفاف نهر الليطاني، وقبول حزب الله باتفاق وقف إطلاق النار وفق الشروط الإسرائيلية.

وأثناء شهر نوفمبر، في الأيام الستة والعشرين المتبقية على هذه الحرب، استمرت فِرَق الجيش الإسرائيلي في تمشيط وتأمين البلدات الحدودية اللبنانية مثل كفار كلا ومارون الراس وعيتا الشعب وعلما الشعب ويارين وعيترون ويرون ..إلخ. وكذلك استمرت الغارات الجوية الإسرائيلية على الأهداف اللبنانية المدنية والعسكرية في بيروت وبعلبك وصور وغيرها من المدن اللبنانية، بالإضافة إلى بعض مواقع الحزب خارج العاصمة السورية دمشق. في تلك الأثناء، استمرت هجمات حزب الله الصاروخية تجاه شمال ووسط إسرائيل بوتيرة ثابتة ومتصاعدة بقوة تتراوح بين ١٠٠ – ٢٠٠ صاروخ يوميًا، ولكن دون تحقيق إصابات مؤثرة[37]. وبحلول ١٥ نوفمبر، بدأت القوات الإسرائيلية محاولات التوغل إلى مناطق أعمق في الجنوب اللبناني لخلق منطقة عازلة بعمق ٥-٩ كم ومحاصرة مقاتلي حزب الله المتحصنين في المنطقة. ففي الغرب، توغلت إلى مشارف بلدة شمع، وواجهت هناك مقاومة شديدة من حزب الله أجبرتها على التراجع. كذلك حاولت القوات الإسرائيلية في الشرق التوغل إلى مدينة الخيام من عدة محاور وواجهت مقاومة شديدة كذلك[38].

وحتى يوم ٢٠ نوفمبر، كانت القوات الإسرائيلية ما تزال تحاول السيطرة على بلدتي شمع في الغرب ومدينة الخيام في الشرق، مواجِهة مقاومة شديدة الوطأة من مقاتلي الحزب. ويبدو أن الحزب قد غير استراتيجيته السابقة، وبدأ يثبت في دفاع صلب عن تلك النقاط الاستراتيجية؛ حيث اشتبك مقاتلوه في قتالات متلاحمة مع القوات الإسرائيلية المتقدمة بالأسلحة الرشاشة ومضادات المدرعات والصواريخ الموجهة، وأوقعوا خسائر كبيرة في العدو الإسرائيلي، ومنعوا قواته من السيطرة على تلك النقاط حتى يوم ٢٠ نوفمبر[39]. إلا أن القوات الإسرائيلية تجاوزت مدينة الخيام وتقدمت إلى بلدة ديرميماس لفصل النبطية عن مرجعيون، ووصلت إلى مشارف نهر الليطاني للمرة الأولى منذ بداية العدوان[40]. كذلك أظهرت صور الأقمار الصناعية في ٢٣ نوفمبر، تقدم القوات الإسرائيلية في المحور الغربي من بلدة شمع إلى الناقورة في منطقة الساحل[41]. وفي السادس والعشرين من نوفمبر تم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين الحكومة اللبنانية وإسرائيل، مع موافقة حزب الله غير المباشرة على بنود الاتفاق، الذي ضمن لإسرائيل تحقيق جل أهدافها الاستراتيجية والسياسية[42].

بيد أن هذا العدوان قد خلَّف آثارًا بالغة على لبنان، فقد دُمرت مئات البلدات والقرى والمدن اللبنانية في الجنوب، وخسرت لبنان نحو ٣,٤ مليار دولار من الخسائر المادية، و٥,١ مليار دولار خسائر اقتصادية عامة. فقد دمرت محاصيل زراعية وتعطلت التجارة وقتل أكثر من ٣٠٠٠ شخص، ونزح أكثر من ٨٠٠ ألف شخص من منازلهم[43]. وعلى الرغم من صعوبة تقدير الخسائر العسكرية لكل من حزب الله وإسرائيل، إلا أن الحجم الهائل لخسائر حزب الله المادية والبشرية لا يمكن إغفاله، في مقابل خسائر إسرائيلية محدودة بالنظر إلى حجم الإنجاز المتحقق، وإن أخفت جلها. فبحسب تقرير لرويترز، خسرت إسرائيل في تلك الحرب حوالي ٧٣ عسكريًا و٤٢ مدنيًا فقط. أما خسائرها المادية فلا تتعدى ٣٠٠ دولار فقط[44].

لقد استطاعت إسرائيل تحقيق جُل أهدافها الاستراتيجية والسياسية في أقل من شهرين من العمليات العسكرية المحدودة في جنوب لبنان. فقد نجحت في كسر إرادة حزب الله وإجباره على فك ارتباطه بجبهة غزة، منهية بذلك مبدأ “وحدة الساحات.” كذلك نجحت في تفكيك وتدمير معظم البنى التحتية ومخازن الأسلحة والذخيرة والقدرات العسكرية واللوجستية، التي ظل الحزب يراكم فيها منذ عام ٢٠٠٦م.

وفي المقابل، فشل حزب الله في منع إسرائيل من تحقيق تلك الأهداف لأنه لم يبذل أي جهد دفاعي منظم معتبر عن مناطقه في الجنوب. قد يكون ذلك لأنه اتخذ قرارًا بالحفاظ على من تبقى من النواة الصلبة لمقاتليه، وربما للأضرار الجسيمة التي لحقت بسلسلة القيادة والتحكم والسيطرة لديه نتيجة اغتيال القيادات، وربما لتجنيب الجبهة الداخلية اللبنانية مزيدًا من الدمار، وربما لكل هذه الأسباب مجتمعة. إلا أن المؤكد أن الحزب قد كُسِرت إرادته، وبات نفوذه المحلي والإقليمي في خطر داهم.

خامسًا- اتفاق وقف إطلاق النار والنتائج الاستراتيجية والسياسية المترتبة على العدوان

منذ أن اتخذ حزب الله اللبناني قراره بتفعيل مبدأ وحدة الساحات وإسناد جبهة عزة بعد هجوم طوفان الأقصى في الثامن من أكتوبر ٢٠٢٣م، بدأت محاولات من قبل كافة الأطراف الإقليمية والدولية لإقناعه بالتخلي عن تلك الاستراتيجية، والقبول بوقف إطلاق نار منفرد مع إسرائيل وتنفيذ بنود قرار مجلس الأمن رقم ١٧٠١[45]. إلا أن الحزب، بقيادة أمينه العام حسن نصر الله، ظل يرفض أي اتفاق منفرد مع إسرائيل، وظل محافظًا على الربط مع جبهة غزة[46]. ولكن في منتصف أكتوبر من العام التالي، وبعد الضربات القاسية التي تلقاها الحزب من إسرائيل، وفصلنَّاها أعلاه، أعلن نعيم قاسم، نائب أمين عام الحزب في ذلك الوقت، للمرة الأولى، استعداد الحزب للقبول بوقف إطلاق النار مع إسرائيل، دون ذكر جبهة غزة[47].

وفي تلك الأثناء، بدأت الجهود الدولية بقيادة أميركية للوساطة بين كافة أطراف الصراع للوصول إلى اتفاقية لإطلاق النار. وفي ١٤ نوفمبر تلقت الحكومة اللبنانية مقترحًا أميركيًا لاتفاقية وقف إطلاق النار في جنوب لبنان[48]. وقد أكد رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري لجريدة الشرق الأوسط تسلمه للمقترح الأميركي المكتوب، وأعلن أن به بعض البنود غير المقبولة لبنانيًا، إلا أن النقاش ما يزال دائرًا حولها. وذلك بعد أن فوَّض حزب الله اللبناني الرئيس بري بالتفاوض بالنيابة عنه.[49] وفي ذلك اليوم، التقى مستشار المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي لاريجاني كلا من رئيس الحكومة الانتقالية اللبنانية نجيب ميقاتي، ورئيس البرلمان نبيه بري، في بيروت، وأبلغهم دعم إيران للبنان في الصراع الجاري وفي مفاوضاتها للتوصل إلى وقف إطلاق النار. كما التقى لاريجاني بقيادات حزب الله وأبلغهم عدم اعتراض المرشد الأعلى للثورة على عقد اتفاق مع إسرائيل ينهي الحرب الجارية[50]. وفي الأسبوعين التاليين جرت مفاوضات بوساطة أميركية للتوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف، وتم التوصل إلى الاتفاق النهائي في ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ بين لبنان وإسرائيل، مع الموافقة غير المباشرة من قِبل حزب الله[51]. واستند الاتفاق إلى قرار مجلس الأمن رقم ١٧٠١، وتضمن بنودًا مهمة في ذلك الإطار منها انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان خلال ٦٠ يومًا، وعدم وجود أي جماعات مسلحة جنوب نهر الليطاني، الأمر الذي يعني انسحاب حزب الله إلى شمال النهر. كذلك تضمن الاتفاق ضرورة ملئ ١٠ آلاف جندي من الجيش اللبناني هذا الفراغ في جنوب لبنان، وأن تتولى كل من الولايات المتحدة وفرنسا مهمة دعم تلك القوات بكافة الوسائل لضمان تمكنها من تنفيذ بنود الاتفاق[52].

إن ذلك الاتفاق بصورته الحالية يضمن لإسرائيل تحقيق جل أهدافها الاستراتيجية والسياسية. فسكان الشمال بات باستطاعتهم الآن العودة إلى منازلهم في أمن من هجمات حزب الله. كذلك استطاعت إجبار حزب الله على وقف إطلاق نار منفرد منفصل عن غزة، معلنة بذلك فشل مبدأ “وحدة الساحات”؛ الاستراتيجية التي اعتمدت عليها إيران وحلفاؤها في المنطقة لسنوات، وكانت السمة الرئيسية لعمل محور المقاومة منذ عملية طوفان الأقصى. وذلك بعد أن استطاعت خلال ذلك العدوان تدمير جزء كبير جدًّا من قدرات الحزب العسكرية والاستراتيجية وحتى السياسية، وأجبرته على الانسحاب إلى شمال نهر الليطاني وضمان عدم عودته إلى جنوب لبنان مرة أخرى لفترة طويلة نسبيًا[53]. لقد حققت إسرائيل بذلك الحالة الأمنية الجديدة التي طالما سعت إلى تحقيقها في جنوب لبنان، ولعل ذلك يكون بداية حل تلك المشكلة الأمنية الخطيرة التي ظلت تؤرق إسرائيل منذ تأسيسها.

أما حزب الله، وحلفاؤه من محور المقاومة، لا سيما إيران، فقد تلقوا ضربة قاسمة في المنطقة. فحزب الله يعتبر أكبر قوة مسلحة من غير الدول في المنطقة، وقد أُضعف بشكل كبير خلال هذه الحرب، وإن حافظ على جل مقاتليه وبنيته التنظيمية. كذلك أدى ضعف حزب الله إلى تخليه عن مواقعه في سوريا، التي ظل يدعم نظام الأسد فيها منذ ١٣ عامًا، الأمر الذي أدى إلى سقوط نظام الأسد في ١١ يومًا، بعد أن عجزت إيران والحزب عن دعم جيش النظام في مواجهة قوات المعارضة أثناء عملية ردع العدوان. وبعد أن فقد المحورُ سوريا، انقطعت طرق الإمداد والاتصال مع حزب الله في لبنان، مما زاد من ضعف المحور وانزوائه. كذلك، فبعد أن وصل الوضع الاستراتيجي والسياسي لإيران وحزب الله إلى هذا الضعف، تُركت جبهة غزة وحدها تمامًا لتعيث إسرائيل فيها كما تشاء. وبتفكك مبدأ “وحدة الساحات” تدهورت هيبة إيران ومحورها في المنطقة، وضعفت ثقة حلفائها فيها، حتى إن بعض المحللين الإسرائيليين اعتبروا تفكك استراتيجية وحدة الساحات أهم إنجاز لإسرائيل في تلك الحرب[54].

خاتمة:

بعد نهاية الحرب باتفاق وقف إطلاق النار يوم ٢٦ نوفمبر، أعلن كل من حزب الله وإسرائيل انتصاره في تلك الحرب. إلا أن الانتصار الحقيقي لا يمكن قياسه إلا بتحقيق الأهداف الاستراتيجية والسياسية، وفرض إرادة المنتصر على الخصم. وإن كان ثمة طرف حقق أهدافه العسكرية والاستراتيجية المعلنة، فهو إسرائيل ولا شك. ربما نجح حزب الله في الإبقاء على النواة الصلبة لمقاتليه، وربما كانت هذه هي الاستراتيجية الصحيحة في تلك الحرب، إلا أن آخر ما يمكن أن يدعيه هو الانتصار في تلك المعركة.

لقد خسر حزب الله في تلك الحرب معظم المواقع والبنى التحتية والذخيرة والأسلحة والقدرات العسكرية التي ظل يراكمها طوال خمسة عشر عامًا في جنوب لبنان منذ نهاية حرب ٢٠٠٦. كذلك خسر جل قياداته السياسية والعسكرية المؤثرة، وخضع لإرادة إسرائيل في فصل جبهته عن جبهة غزة. والأهم من كل ذلك، أن تلك الهزيمة ربما تكون قد أفقدته هيبته ونفوذه في السياسة الداخلية اللبنانية نفسها[55]. لقد دفع الحزب ثمنًا غاليًا لخوضه حربًا خاسرة لصالح نظام البعث في سوريا. تلك الحرب في سوريا كشفت الحزب ومقاتليه وهياكله التنظيمية وخطوط إمداده اللوجستية، الأمر الذي مكن إسرائيل فيما بعد من إلحاق مثل تلك الهزيمة الكارثية به، وهو ما كشفته صحيفة النيويورك تايمز بشكل واضح وصريح[56].

أما إسرائيل، فقد استغلت تلك السنوات الخمسة عشر في الاختراق الاستخباري وجمع المعلومات والتخطيط الدقيق، وهو ما آتى أكله في حربها على حزب الله؛ حيث استطاعت تطويع إرادة الحزب وتحقيق الغالبية العظمى من أهدافها الاستراتيجية والسياسية في لبنان، بل وفي المنطقة بأسرها، في شهرين فقط من العمليات العسكرية، وبكلفة بشرية ومادية لا تكاد تقارن بما تكبده الحزب أو حاضنته الشعبية أو حتى لبنان كلها.

إن نتائج تلك الحرب الكارثية على محور المقاومة بقيادة إيران، لا بد أن تدفع قادة ذلك المحور إلى إعادة النظر في سياساتهم واستراتيجياتهم في الصراع مع إسرائيل. وأهم الدروس التي ينبغي تعلمها هو عدم جدوى دعم الأنظمة القمعية في مواجهة الإرادة الشعبية الجارفة، كما وقع في سوريا، حين قدمت إيران وحزب الله كل الدعم لنظام البعث وحاولا القيام بعمليات التغيير الديمغرافي والمذهبي بالقوة، وبذلك أنهكت نفسها وكشفت أسرارها وخسرت الكثير من رصيدها الشعبي في المنطقة، الأمر الذي انتهى بانزوائها وتراجع مشروعها إلى أجل لا يعمله إلا الله.

______________

هوامش

 باحث في العلوم السياسية.

[1] Edward Luttwak, Strategy: the logic of war and peace, (Harvard University Press, 2001), P.17.

[2] International Crisis Group, Israel Invades Lebanon: Precursors, Prospects and Pitfalls, 08 October 2024, accessed at: 20 December 2024, 4:30, available at: https://2u.pw/vqSPzuKy

[3] Jotam Confino, Israeli troops reach symbolic Litani river in Lebanon, The Telegraph, 26 November 2024, accessed at: 20 December 2024,  available at: https://2u.pw/v3Wvs4f7

[4] كيف انهار نظام الأسد في ١١ يومًا؟، بي بي سي عربي، ٨ ديسمبر ٢٠2٤، تاريخ الاطلاع: ٢١ ديسمبر ٢٠٢٤، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/M8RqcsW1

[5] Avraham Sela, Civil society, the military and national security: the case of Israel’s security zone in South Lebanon, israel Studies, Vol 12, No. 1, Spring 2007, pp. 53-78.

[6] Simon Murden, Understanding Israel’s long conflict in Lebanon: The search for an alternative approach to security during the peace process, British Journal of Middle Eastern Studies, Vol 27, no. 1, 2000, pp. 25-47.

[7] Sarah E Kreps, The 2006 Lebanon war: lessons learned, The US Army War College Quarterly: Parameters, Vol.37, No.1, 2007, p.7.

[8] Johanna Moore, Understanding Israel’s Campaign to Defeat Hezbollah in Lebanon, Institute for the Study of war, 21 November 2024, accessed at: 20 December 2024, available at: https://2u.pw/Hcxlh4Z2W

[9] Mohanad Hage Ali, Gaza has created a dilemma for Hezbollah, Carnegie Endowment for International peace, 17 October 2023, Accessed at: 15 December 2024, available at: https://linksshortcut.com/HnlCN

[10] Israel’s war aims in Lebanon are expanding, The Economist, 7 November 2024, Accessed at: 21 December 2024, available at: https://2u.pw/MRcdJNXf

[11] International Crisis Group, Israel Invades Lebanon: Precursors, Prospects and Pitfalls, Op. Cit.

[12] محمود النجار، التصعيد بين حزب الله وإسرائيل بدأ بـ “اللاسلكي” حتى اغتيال نصر الله، بي بي سي عربي، ٢٩ سبتمبر ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ١٨ ديسمبر ٢٠٢٤، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/ihhYwnL7

[13] What we know about hezbollah’s military capability, New York Times, 1 October 2024, Accessed at: 20 December 2024, available at:  https://2u.pw/7sIXl9G6

[14]  على سبيل المثال، في حملة تحرير مدينة الموصل من عناصر تنظيم الدولة عام ٢٠١٦، تطلب الأمر ما يزيد عن ١٠٠ ألف مقاتل من قوات التحالف لمواجهة حوالي ١٢ ألف من عناصر تنظيم الدولة على أقصى تقدير. ولم يتم تحرير المدينة إلا بعد تسعة أشهر من القتال الضاري المتواصل. هذا مع حاضنة شعبية غير مرحبة، وفي مدينة محاصَرة، وفي مواجهة تنظيم لا يتمتع بأي دعم إقليمي أو دولي. انظر:

Thomas D. Arnold, Nicolas Fiore, Five operational lessons from the battle for Mosul, Military Review, US Army University Press, Vol. 99, No.1, pp. 56-71.

[15] IDF increases to three division in Lebanon, may increase to significantly more, The Jerusalem post, 7 October 2024, Accessed at: 20 December 2024,  available at: https://2u.pw/mdppkUOS

[16] Kelly Campa, Carolyn Moorman, Alexandra Braverman, Katherine Wells, Ben Rezaei, and Nicholas Carl, Iran Update, Institute for the Study of War, 8 October 2024, Accessed at: 25 December,  available at: https://2u.pw/idJyJ5wo

[17] Natan Odenheimer and Adam Rasgon, What We Know About the Israeli Forces Fighting in Lebanon, The New York Times, 8 October 2024, Accessed at: 24 December 2024, available at: https://2u.pw/ibBYIJlc

[18] Alexandra Braverman, Annika Ganzeveld, Katherine Wells, Siddhant Kishore, Ria Reddy, Ben Rezaei, and Nicholas Carl, Iran Update, Institute for the Study of War, 2 October 2024, Accessed at: 25 December 2024,  available at: https://2u.pw/kTQyoC35

[19] قتلى وجرحى في غارة إسرائيلية على بيروت، دويتش فيليه، ٣ أكتوبر ٢٠٢٤م، تاريخ الاطلاع: ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/4R12G7xW

[20]  ثلاث غارات جديدة على الضاحية الجنوبية لبيروت، وإسرائيل تعلن مقتل هاشم صفي الدين، بي بي سي عربي، ٢٣ أكتوبر ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/jZmdVCIC

[21] Alexandra Braverman, Annika Ganzeveld, Katherine Wells, Siddhant Kishore, Ria Reddy, Ben Rezaei, and Nicholas Carl, Iran Update, Institute for the Study of War, 4 October 2024, Accessed at: 25 December 2024, available at:  https://2u.pw/z7ZLRkF7

[22] Kelly Campa, Carolyn Moorman, Alexandra Braverman, Katherine Wells, Ben Rezaei, and Nicholas Carl, Iran Update, Institute for the Study of War, 5 October 2024, Accessed at:  25 December, available at:  https://2u.pw/nzQ3uKbT

[23] Johanna Moore, Siddhant Kishore, Carolyn Moorman, Ben Rezaei, Alexandra Braverman, Buckley DeJardin, and Brian Carter, Iran Update, Institute for the Study of War, 11 October 2024, Accessed at: 25 December, available at: https://2u.pw/Tg7SPsmO

[24] Andie Parry, Kelly Campa, Annika Ganzeveld, Siddhant Kishore, Katherine Wells, and Brian Carter, Iran Update, Institute for the Study of War, 13 October 2024, Accessed at:  25 December 2024,  available at: https://2u.pw/g3D1LfFx

[25] هجوم حزب الله على مقر “غولاني” في بنيامينا.. هل رسّخت مسيرات الحزب معادلة الضاحية مقابل حيفا؟، مونت كارلو الدولية، تاريخ الاطلاع: ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/9vMO5u3S

[26]  محللان للجزيرة نت: رسائل “قوية” لنعيم قاسم عن دعم غزة واستعداد حزب الله، الجزيرة نت، ١٥ أكتوبر ٢٠٢٤م، تاريخ الاطلاع: ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/S07IRCN8

[27]  بعد تنصل إيران.. حزب الله يعلن “مسؤوليته الكاملة” عن الهجوم على منزل نتنياهو، سي إن إن عربي، ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/50EFDor6

[28] Kelly Campa, Carolyn Moorman, Alexandra Braverman, Siddhant Kishore, Ben Rezaei, and Brian Carter, Iran Update, Institute for the Study of War, 20 October 2024, Accessed at: 25 December 2024, available at: https://2u.pw/zI9cBjo8

[29]  حزب الله يسقط مسيرة إسرائيلية ويستهدف قواعد عسكرية ومستوطنات، الجزيرة نت، ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/ZxpCw4mK

[30] Annika Ganzeveld, Johanna Moore, Alexandra Braverman, Carolyn Moorman, Ben Rezaei, Kelly Campa, Anthony Carillo, and Nicholas Carl, Iran Update, Institute for the Study of War, 20 October 2024, Accessed at: 25 December, available at:  https://2u.pw/mgM6QV79

[31] Israel launched strikes on Iran in a retaliatory attack. Here’s what we know, CNN World, 27 October 2024, Accessed at: 25 December 2024, available at:  https://2u.pw/0Qkexv5M

[32]  نعيم قاسم: حزب الله مستعد لوقف إطلاق النار مع إسرائيل لكن بشروط “مناسبة”، فرانس ٢٤، ٣٠ أكتوبر ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/3QaqXhc0

[33] Annika Ganzeveld, Carolyn Moorman, Siddhant Kishore, Johanna Moore, Ben Rezaei, Ria Reddy, Avery Borens, and Nicholas Carl, Iran Update, Institute for the Study of War, 1 November 2024, Accessed at: 26 December, available at: https://2u.pw/mHPNHcBC

[34]  وول ستريت جورنال تنشر مسودة اتفاق أميركي إسرائيلي بشأن لبنان، الجزيرة نت، ٣١ أكتوبر ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٤، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/1a4Uuc5k

[35] Johanna Moore, Siddhant Kishore, Annika Ganzeveld, Ben Rezaei, Alexandra Braverman, and Brian Carter, Iran Update, Institute for the Study of War, 2 November 2024, Accessed at: 26 December 2024, available at: https://2u.pw/HQ0keozO

[36] هذه أسباب فشل خطط الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، الجزيرة نت، ١ نوفمبر ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٤، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/1jeDYXfq

[37] Kelly Campa, Andie Parry, Alexandra Braverman, Katherine Wells, Ria Reddy, and Nicholas Carl, Iran Update, Institute for the Study of War, 10 November 2024, Accessed at: 26 December 2024, available at: https://2u.pw/4lzZlMDP

[38]  نذير رضا، إسرائيل تتمدد بمحاذاة مواقع «اليونيفيل» للسيطرة على الساحل الجنوبي اللبناني، الشرق الأوسط، ١٥ نوفمبر ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٤، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/aNzDjkj9

[39] إسرائيل تجدد محاولات التقدم في الخيام عبر ثلاثة محاور، الشرق الأوسط، ٢٠ نوفمبر ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٤، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/FqmJsH1k

[40]  نذير رضا، الجيش الإسرائيلي يصل إلى مشارف نهر الليطاني في جنوب لبنان، الشرق الأوسط، ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٤، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/aNzDjkj

[41] Johanna Moore, Carolyn Moorman, Annika Ganzeveld, Ben Rezaei, and Brian Carter, Iran Update, Institute for the Study of War, 23 November 2024, Accessed at: 27 December 2024, available at: https://2u.pw/6FbYEYsZ

[42]  تفاصيل اتفاق وقف القتال بين إسرائيل وحزب الله بعد حرب 2024، ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/A3FkXVAA

[43]  خسائر لبنان جراء عدوان إسرائيل 8.5 مليارات دولار ودمار 100 ألف وحدة سكنية، الجزيرة نت، ١٤ نوفمبر ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/40koA3X

[44] Costs of Israel-Hezbollah conflict on Lebanon, Reuters, 27 November 2024, Accessed at: 29 December 2024,  available at: https://bit.ly/3W71E5H

[45] David Wood and Heiko WImmen, Diplomacy must prevail in Israel-Hizbollah conflict, 29 December 2023, Accessed at: 28 December 2024, available at: https://bit.ly/3C5x6KP

[46]  متحدثًا عن جبهة لبنان.. أمين عام حزب الله: أميركا مسؤولة عن الحرب في غزة، يورونيوز، ١١ نوفمبر ٢٠٢٣، تاريخ الاطلاع: ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/42kRoen

[47] نعيم قاسم: حزب الله مستعد لوقف إطلاق النار مع إسرائيل لكن بشروط “مناسبة”، فرانس ٢٤، ٣٠ أكتوبر ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/40koObj

[48] U.S. hands Lebanon draft truce proposal, two sources say, Reuters, 14 November 2024, Accessed at: 28 October 2024,  available at: https://2u.pw/kqwsyv3p

[49]  بري لـ«الشرق الأوسط»: الورقة الأميركية لا تتضمن حرية حركة لإسرائيل… ولا قوات «أطلسية»، الشرق الأوسط، ١٥ نوفمبر ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/0JZTbvr2

[50] Andie Parry, Annika Ganzeveld, Johanna Moore, Carolyn Moorman, Ben Rezaei, and Brian Carter, Iran Update, 16 November 2024, Accessed at: 28 October 2024, available at: https://2u.pw/qpofDJeR

[51]  اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله: الدوافع والتحديات، وحدة الدراسات السياسية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ٢ ديسمبر ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/WS8UqaEr

[52] المصدر السابق، ص ١.

[53]  المصدر السابق، ص ٢

[54] إعلام إسرائيلي: أهم انجازات التسوية مع لبنان هو تفكيك وحدة الساحات، الجزيرة نت، ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤، تاريخ الاطلاع: ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤، متاح عبر الرابط التالي:  https://2u.pw/Mmd6ESvl

[55]  Michael Young, Is Hezbollah Moving In?, Carnegie Endowment for International peace, 23 October 2024, Accessed at: 30 December 2024, available at: https://linksshortcut.com/diPjq

[56] Mark Mazzetti, Sheera Frenkel and Ronen Bergman, Behind the dismantling of Hezbollah: Decades of Israeli intelligence, 29 December 2024, Accessed at:  30 December 2024, available at: https://2u.pw/l68TRi09

  •  فصلية قضايا ونظرات- العدد السادس والثلاثون- يناير 2025

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى