ملامح التغيير في مصر خلال العامين الماضيين



اللقاء الخامس لملتقى الحضارةالخامس 
ملامح التغيير في مصر خلال العامين الماضيين

 

26/06/2008

 


 متابعة لمسيرة لملتقى في قراءة واقع الأمة ومحاولة فهمه والتفاعل معه وتغييره، قدر الإمكان؛ عقد اللقاء الخامس لملتقى الحضارة تحت عنوان “ملامح التغيير في مصر”. وذلك في استكمالًا للبناء الذي بدأه الملتقى هذا العام حول “مسئولية الباحث الإنسان” ثم انطلق لتناول دوائر واهتمام ذلك الباحث الإنسان وهمِّه، بدءًا بأقربها إليه متمثلة في الوطن. فجاءت اللقاءات الثلاثة الماضية لتشكيل محاولة لفهم المجتمع المصري من مداخل مختلفة؛ اقتصاديًا، إفتائيًا، سياسيًا –سواء على مستوى النظرية والفكر الإسلامي أو على مستوى التطبيق.

ويأتي هذا اللقاء ليقدم نظرة كلية شاملة في محاولة لإجمال ما تم تناوله في اللقاءات الأربعة الماضية، بالتركيز على أهم ملامح التغيير في مصر خلال الفترة الماضية على المستويين الداخلي والخارجي، تقدمها لنا أستاذ العلاقات الدولية الأستاذة الدكتورة نادية مصطفى.

 

والتي بدأت كلمتها بالتأكيد على أهمية الجمع بين الوعي والسعي في نظرنا إلى المجتمع المصري؛ فليس من الكافي فهم المجتمع المصري أو التفكير في تغييره وإصلاحه فحسب؛ بل من المهم السعي والعمل والتحرك نحو التغيير.

وتبدأ الفاعلية من الدوائر الأصغر وأولها الذات، ومن ثم تأتي أهمية تفاعل أعضاء الملتقى ومشاركتهم الإيجابية بتقديم مقترحات لتطوير أداء الملتقى.

ثم تنطلق إلى الدوائر الأوسع، ومنها دائرة الوطن. فبالرغم من قتامة المناخ العام، إلا أننا لابد أن نوجد قناة نُحدِث من خلالها ثغرة للتغيير.

من هنا تأتي أهمية النظر في ملامح التغيير في مجتمعنا، بل وفي إمكانيات التغيير الذي نريده ونسعى لإحداثه. ولأهمية الأمر، وتعدد الآراء حوله، حولته د. نادية إلى تساؤل طرحته على الحضور لإبداء آرائهم فيه.

ودرات مداخلات الحضور وآراؤهم عن التغيير حول عدة محاور:

 

*مظاهر التغيير:

شهد المجتمع المصري خلال الفترة الأخيرة عدة مظاهر وملامح لعملية التغيير بعضها إيجابي والآخر سلبي، سواء على مستوى النظام الحاكم، أو المجتمع (المواطنين)، أو العلاقة بينهما، أو حتى على مستوى الدولة.

من هذه الملامح:

– وجود حالة من الحراك السياسي داخل المجتمع المصري سواء على مستوى الجماعات المنظمة –أو شبه المنظمة- أو على المستوى الفئوي (العمال والموظفين…) والشعبي؛ متمثلًا في التظاهرات والإضرابات والاعتصامات العامة، لعرض المطالب الخاصة بالفئات المختلفة.

كما اتخذ هذا الحراك أيضًا من شبكة الإنترنت –بأدواتها المختلفة- ساحة للحركة والتعبير والفعل. وقد جاء نموذج “إسراء عبد الفتاح” مثالًا على ذلك في إضراب 6 أبريل.

ولم تقتصر شبكة الإنترنت على كونها ساحة للفعل من قِبل المواطنين، بل اتخذها النظام أيضًا ساحة وأداة لرد الفعل في إطار آلياته التقليدية من قمع لأي معارضة ضده. ومن ثم يبدو أنه حتى في إطار الفضاء التخيلي هناك سقف للحركة وسقف للتغيير يتدخل فيه النظام، وإن كان أعلى –نسبيًا- من ذلك الموجود على أرض الواقع.

في هذا الإطار، يبدو أن هناك قدر من حرية التغيير “الممنوحة” للأفراد، وفق حدود وأطر يحددها النظام.

– شهد المجتمع المصري –أيضًا- حالة من العنف المتبادل –في بعض الحالات- بين النظام والمواطنين. حيث يواجه الأفراد –أحيانًا- العنف والقمع الأمني ضدهم بعنف مقابل –وإن لم يكن مماثلاً- ضد بعض الرموز الممثلة للنظام –في نظرهم.

– كما يرى البعض أن المجتمع المصري بدأ يشهد مرة أخرى تحولًا نحو الطبقية، بتضاءل الطبقة المتوسطة اقتصاديًّا، وسياسيًّا، وأخلاقيًّا وقيميًّا. وحتى دينيًّا، فهناك حالة من التطرف نحو أحد طرفي نقيض داخل المجتمع على كافة المستويات.

– هناك مظهران آخران للتغيير، يبدو أن هناك نوع من التناقض بينهما. أحدهما يتمثل في ظهور قدر من الاهتمام من قِبل العامة بقضايا الأمة، والآخر يبدو في وجود بعض الجهات التي تدّعي امتلاكها رؤية حضارية إلا أنها لا تستطيع الحفاظ على ملامح هويتها الممثلة لتلك الرؤية وعلى رأسها اللغة.

– أما على مستوى الدولة، فيبدو في الفترة الأخيرة تراجع ملحوظ في الدور الإقليمي لمصر في مواجهة غيرها من دول المنطقة.

 

* آليات التغيير:

طرح المشاركون بعض الآليات المهمة لإحداث التغيير مثل:

– ضرورة الاعتراف بوجود الخطأ ورفضه، كبداية أساسية لتغييره وإصلاحه.

– بدء التغيير بالذات ومنها، فلا يمكن السعي للإصلاح والتغيير، سواء على مستوى المجتمع أو المؤسسات أو النظام، قبل إصلاح الأفراد ذواتهم. حيث يمثل الأفراد أساس ونواة المجتمع.

– أهمية التغيير على المستوى المجتمعي، وليس فقط على مستوى النظام. ومن ثم تبدو أهمية دور مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية في إحداث التغيير.

 

* متطلبات/ لوازم التغيير:

ولكي يتحقق التغيير، لابد له من توافر بعض العناصر:

– فبداية يرتبط التغيير بثلاثية لازمة تتمثل أضلاعها في: الفرصة، الرغبة، القدرة.

– كما يتطلب التغيير –كما سبق القول- تلازمًا بين الوعي والسعي.

وأخيرًا، وليس آخرًا، يستلزم التغيير تحديد خريطة واضحة لعناصره وأسسه.

 

* تحديات التغيير:

فالسعي لإحداث تغيير أو حتى مجرد التفكير فيه يواجه العديد من التحديات والمشاكل التي قد تعيق مساره، من تلك التحديات:

– رفض التغيير لكونه يمثل وضعًا جديدًا يختلف عما تعوده المجتمع وألِفه. فيصبح التعود دافعًا للتمسك بأوضاع وأحوال خاطئة ورفض تغييرها.

– وقد يكون تضييع الفرص وعدم حسن استغلالها أحد المشكلات التي تواجه عملية التغيير.

– أيضًا قد يكون حال الضعف والهوان دافعًا لعدم التغيير، من باب أن المغلوب مولع بالأعذار.

 

* تجارب عملية نحو التغيير:

من المهم –كما سبق القول- الاهتمام بالسعي بعد الوعي، ومن ثم كان من المهم التركيز على بعض التجارب الواقعية لمحاولة التغيير.

– تجربة دار الإفتاء المصرية في إعداد مشروع دار الإفتاء العالمية، وأيضًا إدخال ثقافة نماذج المحاكاة لأول مرة في مؤسسات التعليم الدينية، بما يمثل محاولة إيجابية للسعي نحو التغيير.

– هناك أيضًا خبرة بعض الجمعيات الأهلية في محاولة إحداث نوع من الإصلاح والتغيير من منطلق حضاري، منها على سبيل المثال محاولة وضع وصياغة مناهج حضارية للتربية.

وعقب مداخلات الحضور، حاولت الدكتورة نادية تحديد ورسم خريطة للمداخلات، ثم تحديد بعض مداخل الحركة للتغيير.

فحددت أربعة عناصر رئيسية دارت حولها مداخلات الحضور، تمثلت في:

1- نمط/ نوع التغيير، هل المطلوب تغيير تدريجي أم تغيير جذري؟

2-الرؤية التي ننطلق منها نحو التغيير، هل هناك رؤية واحدة للتغيير في مصر أم رؤى متعددة؟

3- آليات التغيير.

4- مستوى التغيير (أفراد، جماعات، قوى،…)، وأهمية تشبيك الجهود المختلفة.

وكان من الملاحظ أن مداخلات الحضور ركزت –في معظمها- على الحركة على المستوى المدني والشعبي دون الإشارة إلى المستوى السياسي الرسمي، ومن ثم فإن هذا يطرح تساؤلات حول مدخل التغيير هل هو من أعلى أم من أسفل؟ وهل يمكن أن يحدث تغيير مدني وشعبي (من أسفل) دون التغيير من أعلى. أم أن التغيير الشعبي سيظل محدودًا طالما ظل النظام السياسي دون تغيير؟

كما لوحظ أن معظم المداخلات ركزت على التغيير من الداخل، في تجاهل لدور الخارج وتأثيره في الداخل، في ظل التداخل الشديد بين الداخل والخارج والتأثير المتبادل بينهما.

ومن ثم، يمكن تحديد مدخلين لدراسة التغيير.

(1)            مدخل الخارجي:

حيث أصبح التغيير مفروضًا علينا من الخارج منذ عدة قرون، بل أصبح الخارج يفرض علينا أجندة التغيير وملامحه. إلا أن ذلك يجب ألا يؤدي بنا إلى الجمود، إدعاء للحفاظ على الأصول والقيم.

 

(2)            المدخل الحضاري:

وينطلق من رؤية ومرجعية حضارية شاملة، تقوم على عدم الفصل بين الداخل والخارج، عدم الفصل بين السياسي والاقتصادي والعسكري من جهة والثقافي والديني من جهة، عدم الفصل بين المادي (الحسي) والقيمي.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى