الأسبوع الثالث من “طوفان الأقصى”: ما الجديد في غزة؟

(21 – 27 أكتوبر)

مقدمة

تستمر معركة طوفان الأقصى في أسبوعها الثالث، محافِظة على ما أحدثته من تغيير في أوزان القوى بين حركة المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال الصهيوني، على كلا المستويين المادي والمعنوي. وإن كانت بعض المستجدات الجزئية قد طرأت على المشهد؛ بالتصعيد الغاشم لهجمات الاحتلال على قطاع غزة، تمهيدا للهجوم البري الموسع الجاري الحديث عنه على القطاع، أو حتى بداية له بمسار مختلف عما أعلن عن الكيان الصهيوني في بداية الحرب.

ولكن يستمر صمود حركات المقاومة الفلسطينية وأهل فلسطين، وخاصة أهل غزة، في مواجهة ذلك التصعيد؛ رغم ما يعانونه من انهيار للأوضاع الصحية والإنسانية على كافة الأصعدة، ورغم التخاذل الإقليمي والدولي عن تقديم الحد الأدنى من المساعدات اللازمة لحفظ النفوس. وكذلك الفشل في فرض وقف إطلاق النار وعقد هدنة إنسانية تسمح بتخفيف حدة الأوضاع ولو قليلا.

لذا، فقد دار خطاب حركات المقاومة وتحركاتها العسكرية والسياسية في هذا الإطار من تغير موازين القوة ولو جزئيا، ومن ثم تظل موجِّهة لمسار الحرب ومؤثرة فيه بدرجة كبيرة منذ بداية المعركة وحتى الآن.

وفي هذا التقرير نرصد أهم الأحداث الدالة على هذه التطورات والمرتبطة بها خلال الأسبوع الثالث من معركة “طوفان الأقصى” داخل قطاع غزة.

* الأوضاع الميدانية والإنسانية في قطاع غزة

شهدت الأوضاع الميدانية داخل قطاع غزة تطورا كميا ونوعيا خلال الأسبوع الثالث من معركة طوفان الأقصى؛ فمن حيث الكم أو الجانب المادي تزداد الأوضاع الإنسانية تدهورا في غزة على الأصعدة المختلفة نتيجة استمرار وتتابع هجمات الكيان الصهيوني المحتل عليها دون تمييز بين الأهداف محل الهجوم، بل وتعمد استهداف أهداف مدنية من منازل ومستشفيات ومدارس وغيرها. ومن ناحية أخرى شهد هذا الأسبوع تطورا نوعيا في الهجمات الصهيونية؛ فلم تعد قاصرة على القصف الجوي واتسعت لعمليات برية وبحرية.

فقد استجد في الوضع الميداني إعلان جيش الاحتلال منذ بداية الأسبوع التمهيد للاقتحام والغزو البري لقطاع غزة، الذي أعلنت العزم عليه من بداية المعركة، ومن ثم شهدت عمليات الاحتلال في القطاع تصعيدا ملحوظا في عمليات القصف الجوي والمدفعي “غير مسبوق منذ بدء العملية”، مع إعلان “تكثيف ضرباتها تمهيدا لعملية برية“، فكانت ضربات أكثر عنفا ودموية من الأسبوعين السابقين وفق ما ذكرت وزارة الصحة في غزة[1]. غير مبالية بأي محاولات لتهدئة الأوضاع، حتى إن الجيش الإسرائيلي ارتكب 47 مجزرة راح ضحيتها 704 مواطنين بعضها بالتزامن مع انعقاد جلسة مجلس الأمن بخصوص الحرب في غزة، وفق تصريح الناطق باسم حركة حماس[2]. فقد صعَّد العدو من نوعية وحجم المتفجرات الملقاة على قطاع غزة؛ فذكر البعض أنه استخدم قنابل مضادة للتحصينات، مما يتسبب في الانفجارات الكبيرة المشهودة في غزة. وكذلك استخدم قنابل مضيئة خاصة في غاراته الليلية. جراء ذلك، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن “حجم المتفجرات التي ألقيت على القطاع يساوي قوة القنبلة التي ألقيت على هيروشيما”، وأن “هناك مؤشرات كثيرة على أن إسرائيل تستخدم ذخائر محرمة دوليا”[3].

كما وسعت قوات الاحتلال المناطق المستهدفة في غزة، فلم تعد قاصرة على الشمال وامتدت لجنوب القطاع ومناطق أخرى ذكرت من قبل أنها “آمنة” وطلبت من السكان التوجه إليها. ففي بداية الأسبوع أعلنت حكومة غزة سقوط 1652 شهيدا نتيجة القصف على “المناطق التي قالت إسرائيل إنها آمنة” جنوب القطاع[4]. وقال الجيش الإسرائيلي إنه “حتى إذا كانت قوة «حماس» الرئيسية تتركز في مدينة غزة فإنها راسخة لدى السكان المدنيين بأنحاء القطاع”، و”أن المنازل التي يعيش فيها المسلحون هي «أهداف مشروعة» حتى لو كان المدنيون يعيشون بجانبها”؛ حيث قال أحد ضباط جيش الاحتلال في مؤتمر صحفي إن “ما يسمى المنزل الخاص ليس منزلا خاصا”[5]. وكذلك ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا” أن الطيران الحربي الإسرائيلي قصف مسجدا في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة فجر الجمعة بعدة صواريخ ما أدى إلى تدميره[6].

من ناحية أخرى، بدأت قوات الاحتلال هذا الأسبوع تنفيذ محاولات اقتحام بري لقطاع غزة، بالتزامن مع القصف الجوي والمدفعي، مشيرة إلى أنها تمهيد لما بعدها من هجوم بري أوسع؛ فأعلن المتحدث العسكري للكيان الصهيوني في بيان يوم الخميس 26 أكتوبر أن “الجيش نفذ خلال الليل عملية محددة الهدف بدبابات في شمال قطاع غزة، في إطار تحضيراته للمراحل المقبلة من القتال”[7]. تلا ذلك محاولة اقتحام بري أخرى نهاية الأسبوع من خلال محاولة تقدم عدد من الآليات والدبابات باتجاه قطاع، مصحوبا بهجوم جوي عنيف على كافة أرجاء غزة وإطلاق قنابل مضيئة، وكذلك بمشاركة البحرية الإسرائيلية في القصف؛ فيما اعتبره الجيش الصهيوني “مرحلة جديدة في الحرب على القطاع”. مع تعمد الكيان الصهيوني قطع شبكة الاتصالات كلها عن القطاع؛ حيث ذكر بيان لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أنها فقدت الاتصال بشكل كامل مع غرفة عملياتها في غزة وجميع طواقمها العاملة هناك “في ظل قطع سلطات الاحتلال لشبكات الاتصالات الأرضية والخلوية والانترنت بشكل كامل”[8]، ورأى الفلسطينيون أن ذلك “هدفه ارتكاب مجازر بحق الشعب الفلسطيني”[9].

وفي حين يدعي الاحتلال أنه يحقق انتصارات في تلك الهجمات البرية ويدمر أهدافا للمقاومة بإعلانه أن قواته “هاجمت عشرات الأهداف، منها منصات لإطلاق الصواريخ المضادة للدروع ومقرات القيادة العملياتية”، وعناصر من حركة “حماس”، وأن عناصر الجيش الإسرائيلي غادرت القطاع دون وقوع خسائر[10]؛ فإن المتابعات الميدانية على أرض الواقع تؤكد أن تلك الهجمات باءت بالفشل وأن دخول القوات الإسرائيلية لم يتجاوز بضع أمتار بعد الحاجز الخرساني الفاصل بين الأراضي المحتلة وقطاع غزة، وأنها عادت متقهقرة للخلف بعد تصدي قوات المقاومة لها وتكبيدها خسائر.

وتتراوح التحليلات السياسية والعسكرية لتلك الهجمات البرية “المحدودة” بين من يرى أنها عمليات استطلاع واستكشاف لأوضاع وإمكانات المقاومة، أو أنها محاولات دخول لمعرفة أماكن الأسرى. وآخرون يرون أنها بمثابة تمهيد لقوات الاحتلال لاجتياح بري أوسع؛ بحيث تكون تلك العمليات المحدودة اختبارا لنظم الاتصالات بين قوات جيش الاحتلال، وكذلك محاولة لكسر الخوف لدى جنود الاحتلال من الاقتحام الموسع المحتمل للقطاع[11]. في حين يرى آخرون أن الاحتلال الصهيوني قد يكون لجأ إلى استبدال عمليات محدودة بدلا من الاقتحام الموسع لتجنب الخسائر الكبيرة المتوقعة في صفوفه حال الاجتياح البري الواسع للقطاع[12].

جراء ذلك التصعيد الصهيوني، تجاوز عدد الشهداء في الأسبوع الثاني من معركة طوفان الأقصى 7000 شهيد، وما يزيد عن 18000 مصاب في أنحاء غزة[13]؛ من بينهم ما يزيد عن 3000 طفل، أي بمعدل أكثر من 400 طفل إما قُتِل أو أصيب يوميا وفق ما  ذكرت مؤسسة “اليونيسف”. وهو ما دفع المرصد الأورومتوسطي إلى القول إن “عدد القتلى والمفقودين في هجوم إسرائيل على غزة تجاوز عدد ضحايا الإبادة الجماعية بسربرنيتسا”[14]. وقد أصدرت وزارة الصحة في غزة وثيقة من 212 صفحة تضم أسماء وأرقام بطاقات هوية أكثر من 7000 فلسطيني قُتلوا في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، وذلك ردا على تشكيك الرئيس الأمريكي جو بايدن والجيش الإسرائيلي في أعداد القتلى التي تصدرها السلطات في غزة[15].

وتجاوز عدد النازحين في غزة مليون و400 ألف نازح، 50% فقط منهم في مراكز الإيواء؛ حيث ذكرت منظمة “الأونروا” أن حوالي 600 ألف نازح يقيمون في 150 منشأة تابعة لها، وأن الملاجئ في قطاع غزة تستوعب أربعة أضعاف طاقتها، بينما “العديد من الأشخاص ينامون في الشوارع”[16].

وعلى صعيد الأوضاع الصحية، فقد أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية انهيار المنظومة الصحية في قطاع غزة بسبب الهجمات الإسرائيلية المستمرة، وأشارت وزيرة الصحة إلى أن 15 مستشفى من أصل 35 خرجت عن الخدمة في القطاع نتيجة للقصف أو نفاد الوقود، وبينت أن انقطاع التيار الكهربائي واستهلاك معظم الوقود لتشغيل المولدات الكهربائية سيؤدي إلى عدم قدرة المستشفيات على توفير الخدمة بسبب عدم قدرة تزويد المولدات الكهربائية بالوقود. وقالت إن الكوادر الصحية في قطاع غزة أصبحت منهكة بشكل كامل، وأن الكوادر الطبية التي تعمل حاليا في القطاع تمثل ما نسبته 30-35% فقط من الاحتياج اللازم لعلاج المرضى والجرحى[17].

وكذلك عجزت المنظمات الدولية عن التعامل مع الوضع المأساوي في غزة؛ حيث ذكرت منظمة الصحة العالمية أنه “يتعذر علينا الوصول أو إيصال المساعدات إلى شمال غزة”، وذكرت منظمة “الأونروا”: “نواجه صعوبة كبيرة في الوصول إلى الجرحى وإخراجهم من تحت الأنقاض”[18]. وذلك في ظل استمرار تعمد الكيان الصهيوني استهداف المستشفيات والتهديد بقصفها، ففي الرابع والعشرين من الشهر قال مدير المستشفى الكويتي في غزة: “تلقينا تهديدين من الاحتلال بقصف المستشفى، ولن نخرج إلا شهداء أو منتصرين”، وبعدها قصف جيش الاحتلال محيط المستشفى الكويتي بمسافة لا تتجاوز 10 أمتار، ما أسفر عن سقوط عشرات الشهداء والجرحى بحسب قوله[19].

وفي حين كان السماح بدخول المساعدات الإغاثية إلى قطاع غزة بعد أسبوعين من القصف المتواصل عليها موحيا ببعض الانفراج، غير أنه سرعان ما تأكدت هزلية “مشهد المساعدات” وأن هدفه ليس التخفيف عن أهل القطاع بقدر ما هو التظاهر بتقديم الدعم حفظا لماء وجه النظم الحاكمة –قريبها وبعيدها. فحتى نهاية الأسبوع الثاني من الحرب، لم يُكمِل عدد شاحنات المساعدات التي وصلت إلى قطاع غزة 90 شاحنة، مع الإصرار على عدم إدخال الوقود اللازم لتشغيل المستشفيات وسيارات الإسعاف والحماية المدنية؛ حيث حذرت “الأونروا” أنه “إذا لم نحصل على الوقود بشكل عاجل، سنضطر إلى وقف عملياتنا في قطاع غزة[20]“. وكذلك التعسف الشديد من قِبل الكيان المحتل في التفتيش “المبالغ في صرامته” –كما تصفه مديرة برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة- للشاحنات عند معبر رفح من مصر إلى غزة، الذي يؤدي إلى “تباطؤ تدفق المساعدات الإنسانية بشدة مع تزايد معدلات الجوع وسط الفلسطينيين هناك”[21].

ويؤكد العاملون في القطاع الصحي ومجال الإغاثة في غزة عدم جدوى تلك المساعدات متناهية المحدودية في تلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية لأهل القطاع؛ فـ”المساعدات تكاد لا تصل إلى غزة” وفق قول وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية[22]، وما يصل منها هو “نقطة في بحر الاحتياجات في غزة” كما وصفها المستشار الإعلامي للأونروا[23]، ولا تغطي أكثر من 1% من احتياجات القطاع الصحي في غزة[24].

* خطاب المقاومة

استمر خطاب المقاومة الفلسطينية محددا وقويا، وظل محور تركيزه الأساسي تأكيد صمود المقاومة في وجه الاحتلال الصهيوني والقدرة على استمرار مواجهته وإكمال المعركة، وعلى هامش ذلك تطرق إلى قضية الأسرى الإسرائيليين وشروط الإفراج عنهم. وتناول -في جانب محدود منه- الجهود الإقليمية والدولية لتخفيف وطأة الحرب، بما يوحي بعدم تعويل المقاومة كثيرا على تلك الجهود.

فمن ناحيةٍ، حذّر قياداتُ المقاومة من اقتحام العدو البري لقطاع غزة، مهددين ومؤكدين أنه إن تم سيكون وبالا عليه؛ حيث قال الناطق العسكري لسرايا القدس في خطاب له إن “محاولة دخول جيش العدو الصهيوني إلى قطاع غزة سيشفي غليل صدور آلاف المقاتلين المدربين التواقين لملاقاة ألوية جيش العدو، وسيرى العالم بسالة وبأس المقاتل الفلسطيني الذي يقاتل ترسانة العدو الرهيبة ومن خلفه الشيطان الأكبر أمريكا بعقيدة لا تسمح له أن يخرج من هذه المعركة إلا منتصرا”، مؤكدا ضعف قوات العدو وعدم قدرتها على المواجهة الموسعة لقوى المقاومة، وأن “الزيارات التفقدية المتكررة من قادة العدو للتحشدات العسكرية المهترئة على الجبهتين الشمالية والجنوبية تعكس حالة الإحباط التي يعانيها الجيش الذي يدعي جهوزيته منذ ما يزيد عن عشرة أيام، علما أن هؤلاء القادة يعلمون جيدا ما ينتظر ضباطهم وجنودهم على تخوم قطاع غزة”[25].

ولم تختلف لغة خطاب المقاومة مع تكثيف هجمات العدو الهمجية مع قطع شبكات الاتصال عن قطاع غزة؛ حيث قال عضو المكتب السياسي لحركة “حماس” عزت الرشق: “تصعيد العدو الصهيوني مجازره المروعة وحرب الإبادة الجماعية، في جنح الظلام، ضد بيوت الآمنين العزّل في قطاع غزّة، بشتى أنواع القصف الهمجي برا وبحرا وجوا، هو تعبير حقيقي عن فشله الذريع في تحقيق أهدافه العدوانية، والنّيل من مقاومتنا وأبطال القسّام الذين يتصدّون بكل قوّة وإرادة وبسالة لمحاولاته الفاشلة في اقتحام قطاع غزة”. وأضاف: “إن تعمّد الاحتلال تكثيف آلة حربه العدوانية، في هذه الأثناء، بعد قطع الاتصالات والانترنت، وقبلها الكهرباء والماء والغذاء والدواء والوقود، في ظل دعم واشنطن وبعض العواصم الغربية، هو جريمة حرب متكاملة الأركان، ستبقى وصمة عار على جبين كل الداعمين والمؤيّدين لها، والصامتين والمتقاعسين في وقفها، وهم جميعاً يتحمّلون المسؤولية الإنسانية والأخلاقية عن تداعياتها”. مؤكدا أن “كتائب القسام وكل قوى المقاومة الفلسطينية بكامل جهوزيتها تتصدى بكل قوة للعدوان وتحبط التوغلات”، و”لن يستطيع نتنياهو وجيشه المهزوم من تحقيق أي إنجاز عسكري، وما تصعيد جيش العدو إرهابه ومجازره وحرب الإبادة ضد المدنيين والمنازل إلا دليل إفلاس، وليس دليل قوة[26]“.

وفي هذا الإطار، أصرت المقاومة على عدم إطلاق سراح أسرى الاحتلال دون خطوة مقابلة بوقف إطلاق النار وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين؛ حيث أكد عضو في وفد حركة “حماس” أثناء زيارته لموسكو أن “حماس لا يمكن أن تطلق سراح الأسرى الذين احتجزتهم خلال هجومها على إسرائيل حتى يتم الاتفاق على وقف لإطلاق النار”[27]. وحملت حركات المقاومة الكيان الصهيوني وحده مسئولية عدم الإفراج عنهم؛ حيث قال الناطق العسكري لسرايا القدس: “بعد ثمانية عشر يوما من معركة طوفان الأقصى، بات من الواضح لدينا أن حكومة الاحتلال لا تريد لأسراها أن يروا النور، بل ولا تعير أدنى اهتمام لأرواحهم، ونحن نرى أن المجرم نتنياهو سيكون سببا في تسريع زوال الكيان الصهيوني بحكومته وجيشه وفقا لأهوائه الشخصية”[28].

من ناحية أخرى، كان جزء من خطاب المقاومة الفلسطينية موجها للداعمين والمساندين؛ حيث رحب إسماعيل هنية بموقف كل من روسيا والصين في مجلس الأمن “وإفشالهما القرار الأميركي المنحاز لإسرائيل”، كما عبر عن تقديره لكافة الدول داخل مجلس الأمن وخارجه التي طالبت بوقف الهجوم الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة. ودعا المجتمع الدولي إلى “إلزام إسرائيل باحترام قواعد حقوق الإنسان، وتطبيق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني في حق الفلسطينيين في قطاع غزة خاصة وفلسطين عامة”[29].

* تحركات المقاومة على الأرض

على نهج خطابها، جاءت حركة المقاومة الفلسطينية في إطار المحاور الثلاثة ذاتها؛ تحركات عسكرية رادعة لقوات العدو أو مهاجِمة له، وتحركات متعلقة بملف الأسرى، وبعض التحركات السياسية مع بعض الأطراف الإقليمية والدولية.

يُثبِت الأسبوع الثالث من معركة “طوفان الأقصى” استمرار قدرة المقاومة الفلسطينية على التصدي لهجمات الكيان الصهيوني المحتل على قطاع غزة، فبادلت ضرباته بضربات مضادة على الأراضي المحتلة؛ حيث أطلقت عدة رشقات صاروخية على ما يسمى “مستوطنات غلاف غزة” وتل أبيب وأصاب بعضها مطار بن غوريون[30]، وصل بعضها أقصى شمال تل أبيب للمرة الأولى من نوعها وفق ما ذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية[31]. بل امتدت بعض الضربات إلى سلاح الطيران، فأصابت طائرة هليكوبتر إسرائيلية في سماء غزة بصاروخ من طراز “سام 7” وفق ما ذكرته كتائب القسام[32].

ولم تكن هجمات المقاومة لاحقة فحسب لهجمات العدو، بل اشتبكت مع قواته في محاولة الاقتحام البري التي جرت في نهاية الأسبوع، ومنعها من التقدم عن بضعة أمتار داخل قطاع غزة. فقد أعلنت كتائب القسام حينئذ أنّها “تتصدى لتوغل بري إسرائيلي في بيت حانون وشرقي البريج”، وأعلنت سرايا القدس أنّ “مجموعاتها المتقدمة موجودة في محاور القتال، وتتصدى لقوات العدو التي تحاول التقدم في اتجاه قطاع غزة”. وأكّد أحد قيادات حركة حماس أنّ “مواجهات محتدمة بين المقاومين وقوات الاحتلال تمنعهم من التقدم في قطاع غزة، وتُوقِع فيهم إصابات”[33].

وفي وقت سابق، كشف مستشار البنتاغون السابق دوغلاس ماكغريغور أن قوات المقاومة قضت على عناصر من القوات الخاصة الأمريكية والإسرائيلية تسللت إلى قطاع غزة لمحاولة استطلاع مكان الرهائن؛ حيث قال: “على مدى الـ 24 ساعة الماضية أو نحو ذلك، ذهب بعض من قواتنا الخاصة (الأمريكية) والإسرائيلية إلى قطاع غزة للاستطلاع وتحديد السبل الممكنة لتحرير الرهائن، وتم إطلاق النار عليهم وتحويلهم إلى أشلاء[34]“.

وامتدت هجماتها إلى البحر أيضا؛ فقد أعلنت كتائب القسام عن “تسلل وحدة من الضفادع البشرية التابعة لها على شواطئ زيكيم، جنوبي عسقلان”، وقالت إن “قوة من الضفادع البشرية تمكنت من التسلل بحرا على شواطئ زيكيم جنوب مدينة عسقلان المحتلة”، وأن اشتباكات مسلحة دارت بين وحدة الضفادع البشرية وجيش الاحتلال في تلك المنطقة[35].

وفيما يتعلق بملف الأسرى، أطلقت كتائب القسام سراح محتجزتين إسرائيليتين لدواعٍ إنسانية وصحية بوساطة مصرية وقطرية، وأشارت إلى أن “إسرائيل رفضت استلامهما قبل أيام”. فيما يبدو أنها محاولة لإثبات عدم الإضرار بالأسرى، وهو ما تؤكده تصريحات إحدى الأسيرتين بعد إطلاق سراحها بأن “حماس وفرت الأطباء والأودية والطعام للأسرى”؛ حيث ذكرت أنه “كان هناك مسعف وطبيب أيضا. استلقينا هناك على الفرش واهتموا كثيرا بالجانب الصحي، حتى لا نمرض. كان يأتي طبيب كل يومين أو ثلاثة أيام للاطمئنان على توفرنا على كل ما نحتاج إليه”. وأشارت إلى أن عناصر حماس كانوا ودودين للغاية في التعامل معهم[36].

ومن ناحية أخرى، ترددت أنباء متفرقة عن دخول حركة المقاومة “حماس” في مفاوضات مع أطراف عدة بشأن ملف الأسرى وكيفية التعامل معه وشروط الإفراج عنهم؛ ومن ذلك التفاوض حول إطلاق حماس الأسرى الإسرائيليين المدنيين ومزدوجي الجنسية مقابل إدخال الوقود إلى قطاع غزة، والالتزام بهدنة لوقف إطلاق النار لفترة ظلت محل خلاف، وفتح ممر آمن لخروج المصابين الفلسطينيين والمواطنين الأجانب وإدخال المساعدات عبر معبر رفح، كما طالبت حماس بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال[37].

ولكن مع نهاية الأسبوع تعقد مسار المفاوضات نتيجة تصعيد الكيان الصهيوني الهجمات على قطاع غزة؛ حيث قال أحد قيادي حركة حماس: “أبلغنا الوسطاء أنه لا مجال للحديث عن الأسرى في ظل هذا العدوان المتصاعد”[38]. ثم صعَّدت المقاومة من مطالبها للإطلاق عن الأسرى الإسرائيليين لديها بالإفراج عن جميع الأسرى لدى الاحتلال؛ حيث قال الناطق باسم كتائب القسام “إن الحركة مستعدة لإطلاق سراح جميع المحتجزين لديها مقابل الإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية”[39].

وفي هذا الإطار جاءت بعض التحركات السياسية للمقاومة الفلسطينية بالتقاء أطراف مختلفة، في محاولة للتوصل إلى اتفاقات بشأن هدنة إنسانية ووقف إطلاق النار، وإدخال مزيد من المساعدات إلى قطاع غزة، وكذلك لحسم ملف الأسرى كم ذكرنا. فكان من التواصلات التي أُعلِن عنها؛ لقاء كلٍ من قائد حركة الجهاد الإسلامي ونائب قائد حركة حماس مع زعيم جماعة حزب الله اللبنانية حسن نصر الله، لتقييم ما يجب فعله “لتحقيق انتصار حقيقي للمقاومة في غزة[40]“. وتواصل إسماعيل هنية مع رئيس المخابرات المصرية، “لضمان وقف إطلاق النار في غزة وإدخال الاحتياجات العاجلة للشعب الفلسطيني[41]“. وكذلك زار وفد من روسيا، وعقد اجتماعات مع ممثلي وزارة الخارجية[42]. غير أن نتائج تلك التحركات لم تتبين بعد في ظل التصعيد المستمر من قوات الاحتلال.

 

 

هوامش

[1] إسرائيل ترتكب “24 مجزرة” في غزة خلال يوم واحد ونتنياهو يحذر حزب الله من دخول الحرب، يورونيوز، 22/10/2023 ، https://cutt.us/hcC7D

[2] حرب غزة.. 47 مجزرة جديدة في غزة خلال ساعات ونخبة القسام البحرية تقاتل في زيكيم، الجزيرة نت، https://cutt.us/9rRFC

[3] الأنباء، 26 أكتوبر 2023، https://cutt.us/l7EDU

[4] إسرائيل ترتكب “24 مجزرة” في غزة خلال يوم واحد ونتنياهو يحذر حزب الله من دخول الحرب، يورونيوز، 22/10/2023 ، https://cutt.us/hcC7D

[5] لماذا تهاجم إسرائيل جنوب غزة بعدما طلبت من السكان التوجه إلى هناك؟، الشرق الأوسط، 25 أكتوبر 2023 ، https://cutt.us/oMzfk

[6] “وفا”: الطيران الإسرائيلي يقصف مسجداً بمخيم الشاطيء غرب غزة، الشرق، 27 أكتوبر 2023، https://cutt.us/4cAQ3

[7] إسرائيل نفذت “عملية محددة الهدف” بدبابات في غزة خلال الليل، فرانس 24، 26/10/2023 ، https://cutt.us/UaGZ9

[8] دعوة أممية للهدنة.. الاحتلال يوسع عملياته البرية في غزة والمقاومة تتصدى، العربي، 28 أكتوبر 2023، https://cutt.us/V2Q4B

[9] غزة تحترق.. الجيش الإسرائيلي ينفذ الآن هجوما ضخما وغير مسبوق على قطاع غزة وأصوات لانفجارت هائلة، RT، 27.10.2023، https://cutt.us/0WPuM

إسرائيل تحرق قطاع غزة ‏بالطائرات والمدفعية والبوارج البحرية، اليوم السابع، 27 أكتوبر 2023، https://cutt.us/nenHv

[10] مدعوماً بمروحيات ومدرعات وطائرات مسيرة.. توغل إسرائيلي محدود في قطاع غزة، الشرق، 27 أكتوبر 2023، https://cutt.us/4cAQ3

[11] هذا ما تهدف إليه إسرائيل من خلال تنفيذ عمليات توغل بري محدودة، تليفزيون العربي، 27 أكتوبر 2023، https://www.youtube.com/watch?v=b6SLQbbDhBA

[12]  حرب غزة: ماهي السيناريوهات المتوقعة لعملية برية إسرائيلية؟، بي بي سي عربي، 30 أكتوبر 2023، https://cutt.us/gri4U

[13] وزارة الصحة: ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي في غزة إلى 7326، الشرق، 27 أكتوبر 2023، https://cutt.us/4cAQ3

[14] عدد القتلى والمفقودين تحت الأنقاض جراء هجوم إسرائيل على غزة تجاوز عدد ضحايا الإبادة الجماعية في سربرنيتسا، الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، 25 أكتوبر 2023، https://cutt.us/AtcxD

[15] وزارة الصحة في غزة تصدر قائمة بأسماء 7000 قُتلوا في القصف الإسرائيلي، فرانس 24، 26/10/2023 ، https://cutt.us/UaGZ9

[16] وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين: 600 ألف فلسطيني نزحوا داخل غزة إلى منشآت الأونروا، عربية نيوز24، 25 أكتوبر 2023، https://cutt.us/TmVJO  

ولمزيد من التفصيل انظر: تقرير الأونروا رقم 12 حول الوضع في قطاع غزة والضفة الغربية، الأونروا، 23 أكتوبر 2023، https://cutt.us/9X13c

 

[17] الصحة الفلسطينية تعلن خروج 15 مستشفى من أصل 35 عن الخدمة في قطاع غزة، RT، 24.10.2023، https://cutt.us/spmrp

[18] الحدث، 23 أكتوبر 2023، https://cutt.us/oJJsJ

– نبض،  24 أكتوبر ٢٠٢٣، https://cutt.us/TtUwB

[19] تجاوز كل الخطوط الحمراء.. الاحتلال يحول مستشفيات غزة إلى مقابر جماعية، العربي، 24 أكتوبر 2023، https://cutt.us/KFWMy

[20] الأمم المتحدة تحذر من “توقف” عمليات الإغاثة في غزة، RT،25.10.2023 ، https://cutt.us/y9bGI

دخول فريق طبي وشاحنات تحمل مساعدات لغزة من معبر رفح، 27 أكتوبر 2023، الشرق، https://cutt.us/4cAQ3

[21] مديرة برنامج الأغذية: التفتيش الصارم في معبر رفح يعرقل تدفق المساعدات، فرانس 24، 26/10/2023 ، https://cutt.us/UaGZ9

[22] المنسق الأممي للإغاثة: العالم فشل في توفير أبسط الاحتياجات الأساسية لغزة، الشرق، 26 أكتوبر 2023، https://cutt.us/4cAQ3

[23]  نبض، 24 أكتوبر ٢٠٢٣، https://cutt.us/ERU4v

[24] تجاوز كل الخطوط الحمراء.. الاحتلال يحول مستشفيات غزة إلى مقابر جماعية، العربي، مصدر سابق.

[25] بيان لـ”سرايا القدس” عن دخول الجيش الإسرائيلي إلى غزة، RT، 24.10.2023، https://cutt.us/B5e0A

[26] “حماس”: “القسام” وكل قوى المقاومة الفلسطينية بكامل جهوزيتها تتصدى بكل قوة للعدوان وتحبط التوغلات، RT، 27.10.2023، https://cutt.us/8aQyo

[27] “حماس”: لن نطلق سراح الأسرى قبل الاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة، الشرق، 27 أكتوبر 2023، https://cutt.us/4cAQ3

[28] بيان لـ”سرايا القدس” عن دخول الجيش الإسرائيلي إلى غزة، RT، 24.10.2023، https://cutt.us/B5e0A

[29] “حماس” ترحب بالـ”فيتو” الروسي الصيني في مجلس الأمن ضد مشروع القرار الأميركي، الشرق، 25 أكتوبر 2023، https://cutt.us/4cAQ3

[30] انظر: “سرايا القدس” تعلن قصف تل أبيب برشقة صاروخية، الشرق، 25 أكتوبر 2023، https://cutt.us/4cAQ3

– “ردا على المجازر بحق المدنيين الأبرياء”.. “القسام” تقصف إيلات بصاروخ “عياش 250″، RT، 25.10.2023، https://cutt.us/Vz9qs

– الفصائل الفلسطينية تقصف تل أبيب ردا على المجازر الإسرائيلية في غزة، اليوم السابع، 26 أكتوبر 2023، https://cutt.us/iFimZ

[31] صواريخ المقاومة الفلسطينية تصل أقصى شمال تل أبيب للمرة الأولى من نوعها، الشروق، 26 أكتوبر 2023 ، https://cutt.us/hQjP9

[32] كتائب القسام: أصبنا طائرة هليكوبتر إسرائيلية بصاروخ “سام 7″، الشرق، 26 أكتوبر 2023، https://cutt.us/4cAQ3

[33] مصدر في المقاومة للميادين: الاحتلال يُصعّد بالنار بعد فشله في تثبيت قواته في غزة، الميادين، 28 أكتوبر 2023، https://cutt.us/F81B6

[34] مستشار سابق في البنتاغون يكشف مصير قوات خاصة أمريكية وإسرائيلية حاولت التسلل لتحرير رهائن حماس، RT، 25.10.2023، https://cutt.us/mWuaf

[35] الجيش الإسرائيلي يطلق قنابل مضيئة في سماء زيكيم بعد إنذار تسلل من بحر غزة، RT، 24.10.2023، https://cutt.us/OFA6n

[36] انظر: لأسباب صحية.. حماس تطلق سراح أسيرتين وإسرائيل تدعو سكان غزة إلى التعاون معها، مونت كارلو، 24/10/2023، https://cutt.us/AuU3r

– صافحته قبل إطلاق سراحها.. أسيرة إسرائيلية مفرج عنها: عناصر حماس عاملونا باحترام واعتنوا بنا، يورونيوز، 24/10/2023، https://cutt.us/Op4n6

[37] انظر: مصادر لـAWP: مفاوضات لإطلاق سراح الرهائن المدنيين ومزدوجي الجنسية لدى “حماس”، الشرق، 25 أكتوبر 2023، https://cutt.us/4cAQ3

– مصادر مطلعة: إسرائيل رفضت الرد على هدنة طويلة طلبتها حماس، العربية.نت، 27 أكتوبر 2023، https://cutt.us/qiZTa

[38]  التليفزيون العربي، 28 أكتوبر 2023، https://cutt.us/ZTylc

[39] متحدث “القسام”: إسرائيل ماطلت ولم تظهر جدية في مفاوضات تبادل الأسرى، الشرق، 28 أكتوبر 2023، https://cutt.us/wabAQ

[40] زعيم حزب الله يلتقي اثنين من كبار قادة المقاومة الفلسطينية، الدستور، 25 تشرين الأول / أكتوبر 2023، https://cutt.us/0xme3

[41] هنية يبحث مع رئيس المخابرات المصرية آخر التطورات في غزة، الشرق، 26 أكتوبر 2023، https://cutt.us/4cAQ3

[42] روسيا: وفد “حماس” التقى مع مسؤولين بوزارة الخارجية وليس الكرملين، الشرق، 27 أكتوبر 2023، https://cutt.us/4cAQ3

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى