طوفان الأقصى: حال الضفة الغربية والقدس

(تقرير الأسبوع الثاني من 14أكتوبر إلى21 أكتوبر)

لم تسلم الضفة الغربية والقدس الشريف من الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية في ظل حملتها الهمجية على قطاع غزة، كما أن الحراك الشعبي في الضفة الغربية لم يكن منعدمًا وإن ظل أسير توازنات لا تسمح له بالتأثير الكبير حتى اللحظة، لكن في إطار ما يمكن؛ يقوم أهل الضفة بتحركات وتظاهرات واحتجاجات واشتباكات سواء مع المستوطنين والجنود الإسرائيليِّين أو  مع أمن السلطة الفلسطينية والاحتجاج على أدائها.

ويرصد هذا التقرير بعض نماذج الحراك والانتهاكات في الضفة بعد استعراض مواقف السلطة الوطنية الفلسطينية التي تمارس مهامها من رام الله، لتجلية جزء من الصورة عن الوضع هناك ومدى تفاعله مع تفاقم الأوضاع في غزة، وذلك خلال الأسبوع الأخير من (14 إلى 21 أكتوبر 2023).

أولا- موقف السلطة الفلسطينية: لا جديد

لم تغيِّر السلطة الفلسطينية أداءها المعتاد مع كافة الأحداث، فلا إسناد للمقاومة ولا تصرفات جادة مع الاحتلال، ولا توقُّف عن التنسيق الأمني مع الاحتلال فيما يتعلق بالحراك الشعبي في الضفة.

ولنبدأ بالرئيس محمود عباس (أبو مازن)، فخلال هذا الأسبوع تلقَّى رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس اتصالات هاتفية من زعماء أمريكا وفنزويلا وروسيا وبريطانيا والهند وفرنسا… إلخ، بالإضافة لمسؤولين سابقين وحاليين آخرين، وأكد خلال هذه الاتصالات على  منع محاولات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، ورفض قتل المدنيين من الجانبين، وأهمية إطلاق سراح المدنيين والأسرى المعتقلين من الجانبين، وضرورة وقف الاعتداءات، والتوقف عن استهداف المدنيين الفلسطينيين، وخلق ممرات آمنة لإدخال المواد الاغاثية الطبية والغذائية وتوفير المياه والكهرباء، مجدِّدًا التأكيد على التمسك بالشرعية الدولية والاتفاقيات الموقعة، ونبذ العنف واتباع الطرق السياسية والقانونية لتحقيق الأهداف الوطنية.

في إحدى هذه الاتصالات سقط الرئيس الفلسطيني محمود عباس في فخ تصريح أثار الكثير من الجدل، ففي يوم الأحد 15 أكتوبر قال خلال اتصال مع الرئيس الفنزويلي: إن سياسات وأفعال حركة حماس “لا تمثل الشعب الفلسطيني”، وإن “سياسات وبرامج وقرارات منظمة التحرير الفلسطينية هي التي تمثِّل الشعب الفلسطيني بصفتها الممثِّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”.

جاء ذلك خلال اتصال هاتفي بين عباس مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، بحثا خلاله “آخر تطورات الأوضاع الصعبة في فلسطين” بحسب ما أوردت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية “وفا”[1].

أثار هذا التصريح عاصفة انتقادات شعبية، باعتباره جاء في وقت غير مناسب، بينما يتعرض الشعب الفلسطيني في غزة إلى مَجازر يومية على يد إسرائيل، وأنه يكرر ما تقوله إسرائيل والولايات المتحدة في هذا الشأن، ثم إن المسألة بحاجة إلى انتخابات كي يتحدَّدَ مَنْ يمثِّل الشعب الفلسطيني، خصوصًا أن الفلسطينيين لم يُجروا أي انتخابات رئاسية منذ عام 2005 عندما انتُخب عباس رئيسًا، ولم تَجْرِ أيُّ انتخابات تشريعية منذ انتخاب «حماس» بأغلبية كبيرة في المجلس التشريعي عام 2006.

فقام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالتراجع عن قوله «أفعال وسياسات حماس لا تمثِّل الشعب الفلسطيني»، بعد ساعات فقط على نشر تصريحاته التي تضمَّنت هذا القول، وعدَّلت «وكالة الأنباء الفلسطينية» نصَّ الخبر حول الاتصال، وحذفت الجملة المتعلِّقة بأن أفعال «حماس» لا تمثِّل الشعب الفلسطيني، وأبقت على بقية النص الذي قال فيه عباس إن سياسات «منظمة التحرير» هي التي تمثل الشعب الفلسطيني. ولم تعقّب الرئاسة الفلسطينية على الأمر، وكان لافتًا أن حركة «حماس» لم تردَّ على تصريحات عباس كذلك.

وتعرَّض عباس لضغوط كبيرة، بعد عملية «كتائب القسام» الكبيرة في غلاف قطاع غزة، في السابع من الشهر الحالي، من أجل إدانة العملية بوضوح، لكنه رفض، في الأيام الأولى للعملية، ثم خرج بعد 5 أيام بتصريح من المملكة الأردنية، بعد لقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، قال فيه إنه يدين «القتل والإساءة للمدنيين من الجانبين؛ لأنها تنتهك الأخلاق والدين والقانون الدولي». واعتبرته وسائل الإعلام الإسرائيلية تصريحًا ضعيفًا.

صحيفة الشرق الأوسط اللندنية قدَّمت تحليلا في سياق خبري لقراءة تصريح عباس وملابساته، فقالت: وجاءت كلمات عباس آنذاك، قبل يوم من لقائه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي شكّلت بلاده ضغطًا إضافيًّا على عباس من أجل إدانة هجوم «حماس»، ووصل الحد إلى محاولة توجيه اتهامات مبطَّنة لعباس، من قِبل بلينكن وهو في إسرائيل، خلال زيارته الأولى، عندما قال إن مَن يريد السلام، عليه أن يُدين هذا الهجوم، مضيفًا أن «عدم إدانة الإرهاب يعرِّض الناس في إسرائيل وفي كل مكان للخطر».

حتى ذلك الوقت، كان عباس يلتزم الصمت، ويرفض إدانة الهجوم، على الرغم من خطوات أوروبية بَدَت عقابية، مثل الإعلان السريع المرتبك عن قطع المساعدات الأوروبية، والتي أحدث جدلًا، وجرى التراجع عنه لاحقًا، وقطع المساعدات الألمانية.

وبشكل عام، لا تدين السلطة عادةً هجمات ضد إسرائيليين جنود أو مستوطنين في مستوطنات داخل الأراضي الفلسطينية، وإنما تدين هجمات داخل إسرائيل، وهو أمر تخلَّت عنه كذلك في السنوات الأخيرة المتوتِّرة.

لكن بعد لقاء العاهل الأردني، قبل يوم من لقاء بلينكن، الجمعة الماضي، في عمان، أدان عباس التعرض للمدنيين من كلا الطرفين، وهي إدانة لم تُعجب ولم تقنع إسرائيل. ووصفت هيئة البث الرسمية «كان» إدانة عباس بالمتأخرة والضعيفة.

وركزت «كان» مرة أخرى، الاثنين، على سحب الإدانة الأخيرة لـ«حماس»، وقالت إنه «بعد إدانته (الضعيفة) الأولى لما يحدث بين إسرائيل وحماس، رئيس السلطة الفلسطينية أدان حركة حماس، وفق وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا)، ثم بعد ساعات من نشر الوكالة نص هذه الإدانة، جرى تعديل نص التصريحات وحُذفت الإدانة». وقالت قناة «كان»: «انتظر 6 أيام حتى خرج بإدانة ضعيفة، والآن يسحب الإدانة الثانية».

ويركز عباس على وقف النار، وإدخال مساعدات للمدنيين في غزة، ولا يبدو أنه في وارد الدخول في مواجهة حول مسائل أخرى حساسة في هذا الوقت، متعلقة بالعمل المسلَّح والتمثيل السياسي والغطاء الوطني، لهذا أعطى تعليمات للمسؤولين الفلسطينيين بالتركيز على الوضع الإنساني، وتجنب الحديث عن عملية «حماس» الكبيرة[2].

●●●

بالنسبة لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تسيطر عليها حركة فتح، فقد استمرَّ قياديُّوها في إدانة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ومطالبة المجتمع الدولي بإدخال المساعدات الغذائية والدوائية للقطاع المحاصر.

واستمرَّت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية في إدانة حرب الاحتلال المدمِّرة ضدَّ الشعب الفلسطيني، وجرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي يرتكبها، كما أدانت استهداف المراكز الصحية والمستشفيات والطواقم الصحفية والمدارس والجامعات وغيرها[3].

من جانبه قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ إنه يجري اتصالات مكثفة مع الأشقاء العرب ودول عديدة من أجل الوصول لوقف إطلاق نار فوري، وفتح ممرات لتزويد شعبنا في قطاع غزة بالمواد الغذائية والطبية وإعادة الكهرباء والماء، وتجْنيب شعبنا كوارث هذه الحرب المدمِّرة وحماية المدنيين ومنع تهجيرهم ووقف العدوان فورًا[4].

وبحث حسين الشيخ هذه المطالب مع وزير الخارجية المصري سامح شكري، واتفق معه على ضرورة الضغط دوليًّا من أجل وقف العدوان على قطاع غزة[5]. وقام بالشيء ذاته مع وزير الشؤون الخارجية المغربي ناصر بوريطة، مع التأكيد على ضرورة وجود مسار سياسي يرتكز على الشرعية الدولية والقانون الدولي لإحلال السلام والأمن والاستقرار[6]. وأيضًا بحث مع المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينيسلاند، سبل التهدئة، والإنهاء الفوري للعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة. وطالب الأمم المتحدة بالتدخل الفوري وحشد المجتمع الدولي، وعدم اتخاذ موقف الإدانة فقط، مؤكدا ضرورة فتح الأفق السياسي، ما يضمن الأمن والهدوء والاستقرار في المنطقة[7].

رئيس المجلس الوطني روحي فتوح قام بزيارة إلى العراق، وبحث مع رئيس مجلس النواب العراقي ووزير الخارجية العراقي رئيس المجلس القضائي الأعلى العراقي، تطورات الأوضاع في قطاع غزة، والقصف والحصار المفروض عليه، والأوضاع الإنسانية التي يُعاني منها سكَّان القطاع، وضرورة فتح ممرَّات للإغاثة الإنسانية وحماية المدنيِّين، وأهمية اتِّخاذ موقف عربي موحَّد إزاء هذه الانتهاكات[8].

وقرَّر الأردن عدم عقد القمة الرباعية التي تجمع الملك عبدالله الثاني بالرئيس الأمريكي والفلسطيني والمصري في عمان المقررة الأربعاء. وقال مسؤول أميركي إن الرئيس جو بايدن ألغى زيارته للأردن بعد التشاور مع العاهل الأردني. وأكد البيت الأبيض أن بايدن تحدَّث إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والعاهل الأردني الملك عبد الله بعد الهجوم على مستشفى غزة. وأشار متحدِّث باسم البيت الأبيض أن السبب الرئيسي لانسحاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس من قمة عمان هو إعلان الحداد لثلاثة أيام بعد الهجوم على المستشفى[9].

وبعد وقوع جريمة قصف المستشفى المعمداني بغزة قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ، الثلاثاء، إن المجزرة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) في غزة، “لا يحتملها عقل بشري ولا أخلاق أمم”، مؤكدًا أن ما يجري “إبادة جماعية”. وطالب المجتمع الدولي، بالتدخل الفوري لوقف هذه المجزرة، مؤكدًا أنه “لم يعد مقبولا الصمت والتحيّز”[10].

كما أدان المجلس الوطني الاستهداف الوحشي لمستشفى الأهلي العربي المعمداني وسط مدينة غزة، والذي يضم مئات من المرضى وآلاف النازحين، في جريمة حرب وإبادة هي الأكبر والأكثر مأساوية. وقال في بيان له، إن هذه الجريمة تعكس مدى تحلل الاحتلال الإسرائيلي من القيم الإنسانية والحضارية وقواعد القانون الدولي الإنساني، ويبرهن وحشية غير مسبوقة في التاريخ[11].

فيما قالت اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في فلسطين بعد قصف كنيسة القديس برفيريوس، وهي ثالث أقدم كنيسة في العالم، ويعود تاريخ البناء الأصلي لها إلى عام 425م، وتمَّ تجديدها عام 1856م، إن استهداف أحد مباني كنيسة القديس برفيريوس في قطاع غزة، والتي كان يحتمي بها ما يقارب 500 مواطن فلسطيني، مسلمين ومسيحين، يؤكِّد أن بنك أهداف الاحتلال الإسرائيلي هم المواطنين العزل من أطفال ونساء وشيوخ.

وأضافت اللجنة في بيان لها صدر عن رئيسها، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رمزي خوري، إن الصورة أصبحت واضحة للعالم بأن إسرائيل تنفذ مخطط إبادة جماعية بحق شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، مضيفًا “هذه جريمة حرب بموجب اتفاقيات جنيف والعديد من الاتفاقيات الدولية، وتضاف لسلسلة جرائم الاحتلال المتواصلة تجاه المدنيين الفلسطينيين ودور العبادة في قطاع غزة والقدس ومختلف الأراضي الفلسطينية المحتلة”[12].

ثانيًا- الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة والقدس

لا تسلم الضفة الغربية والقدس منذ مطلع العام من تزايُد وتيرة الانتهاكات الإسرائيلية، غير أنها تعاظمت منذ حرب السابع من أكتوبر، في حالة من حالات إحكام السيطرة على الضفة والقدس خشية أن تنفجر في وجه إسرائيل فتمثل عبئًا إضافيًّا مع الجبهة المفتوحة على قطاع غزة جنوبًا والمتوتِّرة مع حزب الله على الحدود اللبنانية شمالًا.

وبحسب بيان أورده الجيش الإسرائيلي في 21 أكتوبر فقد وصل عدد المعتقلين منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر إلى حوالي 670 فلسطينيا بينهم 450 ينتمون لحركة حماس.

ووفق وزارة الصحة الفلسطينية بلغت إحصائية ضحايا الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس إلى 90 شهيدًا منذ السابع من أكتوبر وحتى صبيحة يوم الأحد 22 أكتوبر ثلثهم من الأطفال و9 من الشهداء بالقدس، بالإضافة لأكثر من 1400 مصاب، فضلا عن الاعتداءات على الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف والتي زادت عن مائة اعتداء منذ بداية الحرب[13].

وفي القدس انتشرت قوات كبيرة من الشرطة الإسرائيلية عند البوابات الخارجية للبلدة القديمة والبوابات الخارجية للأقصى وأوقفت الفلسطينيين ودققت في هوياتهم الجمعة 20 أكتوبر. واضطر المئات منهم لأداء صلاة الجمعة في الشوارع الملاصقة لأسوار البلدة القديمة التي تحتضن المسجد الأقصى. ومنعت الشرطة الإسرائيلية المقدسيِّين الرجال ممن هم دون سن 65 عاماً والنساء دون ال 50 عاما من دخول المسجد للصلاة، وقال مسؤول بدائرة الأوقاف الإسلامية إن 5 آلاف فلسطيني فقط تمكنوا من أداء صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى إثر القيود الإسرائيلية، وعادة يؤدي صلاة الجمعة في المسجد ما يزيد عن 50 ألفاً وتصل أعدادهم إلى أكثر من ذلك في المناسبات الدينية[14].

واستمرَّ مسلسل اقتحام المستوطنين الإسرائيليِّين للمسجد الأقصى المبارك، بحماية شرطة الاحتلال. وأفادت مصادر فلسطينية فى المدينة المحتلة، يوم الأربعاء 18 أكتوبر بأن عشرات المستوطنين اقتحموا الأقصى على شكل مجموعات، ونفذوا جولات استفزازية في باحاته، وتلقَّوا شروحات عن “الهيكل” المزعوم، وأدَّوا طقوسا تلمودية. وتتعمد قوات الاحتلال التضييق على المصلين، وعرقلة دخولهم إلى المسجد الأقصى المبارك[15].

وهدم جيش الاحتلال الصهيوني، فجر الخميس 19 أكتوبر، منزل عائلة الشهيد أحمد ياسين غيظان، في بلدة قبيا، غربي مدينة رام الله، وسط الضفة الغربية، وهو الذي كان قد نفذ عملية إطلاق نار قرب مستوطنة “كدوميم” المقامة على أراضٍ فلسطينية شرقي مدينة قلقيلية، وقتل جنديًا من جيش الاحتلال وأصاب آخر، قبل إطلاق النار عليه واستشهاده يوم 6 يوليو 2023[16].

ورصد تقرير لمؤسسة بتسيلم الإسرائيلية انتهاكات الجيش والمستوطنين في الضفة الغربية منذ بدأت الحرب في قطاع غزة، حيث تصاعد مستوى العنف في الضفة الغربية. فخلال عشرة أيَّام فقط قتل الجنود والمستوطنون 62 فلسطينيًّا وأصابوا العشرات بجروح. كما نُصبت حواجز في جميع أنحاء الضفة الغربيَّة وسُدَّت منافذُ بلْدات كثيرة وجرى إغلاق شوارع رئيسيَّة وتم تقييد حركة الفلسطينيِّين إلى حدٍّ كبير.

إضافة إلى ذلك، صعَّدت إسرائيل من مساعي تهجير تجمُّعات فلسطينيَّة وعائلات معزولة عن منازلها وأراضيها. وقد ذكر التقرير أن ممارسات إسرائيل هذه هي محاولة رخيصة لاستغلال الحرب كفرصة لمُواصلة تحقيق أهدافها السياسيَّة في الضفة الغربيَّة والسعي قدُمًا نحو الاستيلاء على المزيد والمزيد من الأراضي الفلسطينية.

يحمِّل التقرير الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن الارتفاع الحادٍّ الذي طرأَ على وتيرة وشدَّة أعمال العُنف التي يمارسها المستوطنون ضدَّ الفلسطينيّين بدعم تامٍّ من جنود وعناصر الشرطة، وفي أحيان كثيرة بمشاركتهم. بالنظر إلى ما يجري على أرض الواقع، يبدو أنّ المستوطنين يتصرفون، تحت غطاء الحرب، بلا أيِّ وازع أو رادع حيث لا أحد يعمل على وقف عُنفهم، لا قبل وقوعه ولا في أثنائه ولا بأثر رجعي.

تتركّز مساعي التهجير في منطقة “ضهر الجبل” شرقيّ رام الله وفي منطقة الأغوار وفي تلال جنوب الخليل. التقارير التي وصلت إلى منظمة “بتسيلم” تفيد بأنَّ المستوطنين قد أغاروا على تجمُّعات فلسطينيَّة شتَّى، معزَّزين بالسلاح أحيانًا وبمرافقة جنود في أكثر من حالة. هاجم المستوطنون الأهالي، وفي حالات عدَّة هدَّدوهم بالسلاح، بل وفي بعض الحالات أطلقوا النار عليهم فعليًّا.

إضافة إلى هذه الممارسات يشير التقرير إلى خطاب الكراهية والتحريض الذي يعمُّ شبكات التواصُل الخاصَّة بالمستوطنين، والذي يتضمَّن تهديدات صريحة ومباشرة للفلسطينيين تتوعَّدهم بالاعتداء عليهم جسديًّا وتخريب ممتلكاتهم، بل وقتلهم أحيانًا. يعقِّب التقرير بأن سكّان التجمّعات الفلسطينيّة يتعرَّضون لهذا الخطاب وهُم يعلمون علم اليقين -بناءً على تجارب سابقة- أنّ هذه التهديدات ليست مجرد ثرثرة وإنّما هي تنذر بخطر حقيقي وشيك سيلحق بهم.

وترتَّب على هذا المناخ المتطرِّف والمتزايد منذ بداية القتال أن نزح جميع سكّان 8 تجمّعات تقطنها 87 عائلة مجموعها 472 شخصًا منهم 136 قاصرًا. بالإضافة إلى ذلك، فإن 6 تجمُّعات إضافية نزح منها بعض العائلات، بالمجمل نزحت 98 عائلة يعدّون 552 شخص بضمنهم 173 قاصرا. وينضمّ هؤلاء إلى ستة تجمعات فلسطينية أخرى كانت رحلت عن منازلها خلال السنتين الأخيرتين وتعدّ معًا أكثر من 450 شخصًا.

يختم تقرير المنظمة بالقول: ظاهريًّا يبدو وكأنَّ المستوطنين يشنُّون هجماتهم على التجمُّعات الفلسطينية ويمارسون عُنفهم بمبادرات خاصة منهم، غير أنَّ عُنف المستوطنين -كما يؤكِّد التقرير- هو جزءٌ لا يتجزَّأ من سياسة معروفة تطبِّقها إسرائيل منذ سنوات طويلة في عشرات التجمُّعات الفلسطينية في الضفة الغربية، إنها تنغِّص عيش السكَّان وتجعل حياتهم جحيمًا لا يُطاق حتى يضطروا إلى الرَّحيل عن أراضيهم كأنما يرحلون بمحض إرادتهم، ثمَّ تستولي هي على الأراضي وتسخِّرها لخدمة أهدافها، وخاصّة لإقامة مستوطنات أو توسيع مستوطنات قائمة. لقد ازدادت إسرائيل تطرّفًا في تطبيق هذه السّياسة منذ تولّي الحكومة الحاليّة السّلطة حيث يمنح وزراؤها الشرعيّة التامّة لهذه الممارسات ويشجعّونها ويدعمونها. تشكِّل هذه السياسة نقلًا قسريًا ممنوعًا لسكان مدنيين في منطقة محتلة. وفقًا للقانون الدوليّ -الذي التزمت به إسرائيل، بل وتعهّدت بتطبيقه- يُحظر تحت أيِّ ظرْف ترحيل سكّان أرض محتلّة عن منازلهم. وحقيقة أنّ التهجير لا يتم بواسطة جنود يدهمون منازل السكّان ويطردونهم بأنفسهم لا تغير شيئًا من هذا الواقع، إذ يكفي أنّ الدولة تخلق الظروف القسريّة التي لا تترك أيّ خيار للسكّان الفلسطينيّين سوى الرّحيل[17].

ثالثًا- الحراك الشعبي في الضفة

تباينت تحركات المقاومة والتحركات الشعبية في الضفة الغربية بحسْب مستوى الأحداث في غزة، فبعد تراجع مستمر من يوم السبت 14 أكتوبر 2023 عادت المعدلات للتصاعد يوم الأربعاء 18 أكتوبر 2023، بعد قصف المستشفى المعمداني في غزة، وهو القصف الذي راح ضحيَّته حوالي 500 شهيد، وتشمل هذه التحركات: عمليات إطلاق نار والاشتباك مع مستوطنين وجنود الاحتلال وتظاهرات.

وعمَّ الضفة الغربية إضرابٌ عامّ تنديدًا بمجزرة المستشفى الأهلي المعمداني. وخرجت دعوات للمشاركة في مسيرات الأربعاء بعد ليلة شهدت مظاهرات واسعة قمعت فيها السلطة المواطنين وقتلت طفلة وأصابت آخرين، وانطلقت مسيرات في مختلف أنحاء الضفة المحتلة، تنديدًا بمجزرة مستشفى المعمداني، طالبت بحل السلطة الفلسطينية ورحيل رئيسها محمود عباس، ونددت بالتنسيق الأمني مع إسرائيل[18].

وقد بدأ الأسبوع بحوالي 16 عملية إطلاق نار على الجنود أو المستوطنين، فقد ارتفع هذا الرقم ليصل إلى 33 بعد قصف المستشفى المعمداني، وفي اليوم التالي تم إطلاق صاروخين على مستوطنة ميراف للمرة الأولى منذ السابع من أكتوبر بالإضافة إلى إعطاب آلية عسكرية وإسقاط طائرة استطلاع، وارتفع عدد التظاهرات من 6 تظاهرات يوم 14 أكتوبر إلى 43 يوم 18 أكتوبر.

الأمر الذي يوضِّح التفاعل والتداعي بين الأوضاع في غزة مع ردود الأفعال في الضفة الغربية رغم ضعفها النسبي الواضح.

خاتمة:

تظل الأوضاع في الضفة داخل حدود السيطرة الإسرائيلية وأمن السلطة الفلسطينية، الأمر الذي يكبل المقاومة بشدة وبالكاد تقوم ببعض الأعمال الضعيفة غير المؤثِّرة بقوة، وإن كانت تعبِّر عن اشتعال الغضب في نفوس أهل الضفة والقدس، وتنذر بتصاعد أكبر حال استمرار العدوان وعدم وجود متنفَّس في الضفة والقدس.

ومن جانبها استمرَّت السلطة الفلسطينية ومؤسساتها في الأداء الضعيف الذي يقتصر على الإدانة ومناشدة المجتمع الدولي لوقف العدوان على غزة، دون القيام بما هو أبعد من ذلك، فلم يحصل تأييد للمقاومة ولا تضامن معها، ولم يستطيع رئيس السلطة أن يكتم رغبته في إقصاء حماس وعدم الاعتراف بشرعيتها في حديثه مع الرئيس الفنزويلي قبل أن تحذف وكالة الأنباء الرسمية هذا التصريح دون تعقيب بعد الهجوم عليه، ولم يعتن الرئيس محمود عباس بتوجيه كلمة إلى شعبه حتى الآن يوجه فيها خطابًا مباشرًا للشعب الفلسطيني يتماس فيه مع مشاعره، ويكون على قدر الحدث الجلل الذي أصابه.

وبالنسبة لإسرائيل فإنها كيان محتل غاصب مستمر في القيام بكل ما تحمله هذه الكلمات من معاني القمع والنهب والقتل وعدم الاحتكام إلى أي قواعد قانونية وأخلاقية، وتعمل على بث اليأس في نفوس أهل الضفة والقدس بالممارسات المشار إليها في التقرير، وهو أمر يستحيل أن يصل إليه قوم يؤمنون.

————————————-

هوامش

[1] الشروق،  16 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/46Gc5k1

[2] الشرق الأوسط، 16 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3Fs2AJe

[3] وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، 17 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://www.wafa.ps/Pages/Details/81932

[4] وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، 14 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://www.wafa.ps/Pages/Details/81695

[5] وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، 15 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://www.wafa.ps/Pages/Details/81762

[6] وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، 15 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://www.wafa.ps/Pages/Details/81783

[7] وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، 16 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://www.wafa.ps/Pages/Details/81862

[8] انظر:

– وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، 16 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://www.wafa.ps/Pages/Details/81869

– وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، 16 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://www.wafa.ps/Pages/Details/81886

[9] سكاي نيوز عربية، 18 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3M7KtMs

[10] وكالة الأنباء الفلسطينية، 17 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://www.wafa.ps/Pages/Details/81974

[11] وكالة الأنباء الفلسطينية، 18 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://www.wafa.ps/Pages/Details/82038

[12] وكالة الأنباء الفلسطينية، 20 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://www.wafa.ps/Pages/Details/82248

[13] صفحة وزارة الصحة الفلسطينة على موقع فيسبوك، 21 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3Fq2n9s

[14] شاهد: الشرطة الإسرائيلية تطلق قنابل الغاز على المصلين وتمنعهم من الوصول إلى المسجد الأقصى، يورونيوز، 20 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/45LYkz0

[15] مستوطنون إسرائيليون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال، اليوم السابع، 18 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/46FF5Zk

[16] الاحتلال يهدم منزل عائلة الشهيد أحمد ياسين غيظان، وكالة القدس للأنباء، 19 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/46GTa8J

[17] موقع منظمة بتسيلم، 19 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3Q52ts0

[18] تي آر تي عربي، 18 أكتوبر 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/46U4Cxs

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى