الأزمات الاقتصادية العالمية والاقتصاد الأفريقي: لماذا تفشل السياسات المطروحة؟

مقدمة:

بدأت ملامح الأزمة الاقتصادية الحالية في العالم مع بدء ظهور وباء كورونا، وكانت تلك الأزمة نتيجة حتمية وطبيعية لوقف عجلة الإنتاج وما صاحبها من تأثيرات سلبية اتخذت أشكالًا كلية وجزئية. يتعلَّق الشكل الكلي بالدول والمؤسَّسات العالمية، أما الشكل الجزئي فيتعلَّق بالأفراد سواء كانوا عمالًا أو أصحاب عمل، وكان التأثير أكثر فداحة على الشكل الأخير بسبب هشاشته الاقتصادية. فمن ناحية، توقَّفت كل الأعمال التي تتطلَّب اختلاطًا بين عدد كبير من الناس مثل المطاعم والمتنزَّهات السياحية والسفر، كما تعثَّر أصحاب الأعمال في دفع المستحق عليهم من الديون بالإضافة إلى تعرُّض الكثير منهم لمشكلات في التصنيع والتخزين والنقل… إلخ. ومن الناحية الأخرى، فقد عدد كبير من العمال وظائفهم بسبب موجات تسريح العمالة بسبب إغلاق العديد من الأعمال كليةً بالإضافة إلى عدم قدرة أصحاب العمل على دفع أجورهم وذلك لأن أولوية المخزون من الأرباح ارتكزت على التأمين الشخصي لصاحب العمل وعلى إنقاذ العمل نفسه.

أما الدول والمؤسسات الدولية، فقد صَبَّتْ كلَّ تركيزها على القطاع الصحي بالإضافة إلى تسخير جميع الموارد والجهود لإنتاج لقاح كورونا على أمل القضاء على الوباء نهائيًّا أو الحد من تفشِّيه، وتسبَّب ذلك بفرض حجر صحي شامل على معظم الدول وبالتبعية واجهتْ مؤشِّرات النمو الاقتصادي حالة من الركود، بدأ هذا الوضع منذ أواخر ٢٠١٩ وأخذ العالم يتعافى تدريجيًّا من آثار الركود الاقتصادي الذي تسبَّب به الوباء.

على غرار التأثيرات الكلية على الأعمال والتأثيرات الجزئية على العمال، فقد تعرَّض الاقتصاد العالمي لتأثيرات عالمية بينما تعرَّضت الدول سواء الدول ذات الاقتصاد القوي أو ما تعرف بالدول المتقدِّمة اقتصاديًّا أو الدول الفقيرة اقتصاديًّا أو ما تعرف بالدول النامية، ومنها الدول الأفريقية، لتأثيرات جزئية. فمن ناحية، تشير المؤشِّرات إلى تراجع معدل النمو الاقتصادي العالمي من ٥,٧ إلى ٢,٩٪[1]. ومن ناحية أخرى، أوضحت المؤشِّرات تراجعًا في معدلات النمو الاقتصادي في الدول المتقدِّمة اقتصاديًّا من ٥,١ إلى ٢,٦٪. أما الدول الأفريقية فكانت قد سجَّلت معدَّل نمو اقتصادي بنسبة ٤,٧٪ بينما تبيِّن المؤشرات تراجعًا يصل إلى ٣.٧ في ٢٠٢٢[2].

وعلى الرغم  من ذلك، ففي نهاية ٢٠٢١ استطاعت بعض الدول الأفريقية إبداء مؤشرات التحسُّن والتعافي، إلا أنه لم يمض وقت طويل قبل أن تظهر أزمة اقتصادية جديدة وتعاود حالة الركود الاقتصادي للظهور مرة أخرى بسبب اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، مما جعل الوضع الاقتصادي في وضع أسوأ ممَّا سبق. تجلَّى ذلك بانخفاض مؤشِّرات النموِّ الاقتصادي العالمي لعام ٢٠٢٢ من ٤٪ إلى ٥٪ بسبب اعتماد الاقتصاد العالمي على الصادرات الغذائية الأوكرانية بنسبة ١٣٪[3]، واعتماد الدول الأفريقية بشكل خاص على استيراد القمح الروسي والأوكراني بنسبة ٧٥٪[4]. أما روسيا فهي تسيطر على نسبة ١٨٪ من القمح عالميًّا و١١٪ من البترول، وتسبَّبت الحرب وتبعاتها من عقوبات اقتصادية على روسيا وتوقف التجارة في ميناء البحر الأسود إلى ارتفاع أسعار البترول عالميًّا وبالتبعية تأثَّرت الدول الأفريقية بسبب اعتمادها على استيراد البترول المكرَّر[5]، فعلى سبيل المثال زاد سعر الوقود في جنوب أفريقيا بنسبة ٤٠٪ مقارنةً بسعره في العام الماضي[6].

وتجلَّى سوءُ الوضع بارتفاع معدَّلات التضخُّم والتي تبعتْها زيادة في أسعار السلع ووقف الصادرات وتعرُّض العملات الدولية مثل الدولار واليورو الأوروبي إلى تغييرات في سعر الصرف مما كان له تبعات سلبية على معظم الدول الأفريقية[7]. ليس فقط بسبب اعتماد عملاتها بشكل أساسي على الدولار، وإنما أيضًا بسبب اعتمادها في الاقتراض على المؤسسات المالية العالمية التي تعتمد أيضًا على الدولار بشكل أساسي.

بشكل عام، إن الهدف من تلك الورقة البحثية هو استعراض السياسات المتبعة والمطروحة من قِبل الحكومات الأفريقية والمنظمات الإقليمية الأفريقية والمنظمات العالمية، لتخطِّي الأزمة الاقتصادية العالمية. إلا أن عرضَ تلك السياسات يتم من خلال المجادلة بأنها محدودة وتساهم في تفاقم المشكلة وليس حلها، وبالتبعية نَتَجَ عن تلك السياسات زيادة الفجوة بين الدول الأفريقية وغيرها من الدول المتقدِّمة. فمحدودية تلك السياسات تتَّخذ أشكالًا مختلفة. فمن ناحية، قد تكون نتيجة طبيعية لتصميم المؤسسات العالمية على أُسس اللامساواة. ومن ناحية أخرى، قد تكون نتيجة لاستمرارية التناقض والتضارب. وأخيرًا قد تكون نتيجة لحلول قصيرة المدى واستمرار الاعتمادية على المؤسسات العالمية من قبل الدول الأفريقية.

لذا فإن هذا التقرير ينقسم إلى ثلاثة أجزاء: الجزء الأول يعتني بشكل أساسي باللامساواة في السياسات المطروحة، والجزء الثاني يعالج التناقض والتضارب في السياسات المتَّبعة، أما الجزء الثالث فهو يركز على الاعتمادية في السياسات المطروحة بالإضافة إلى قِصَرِ مداها.

أولًا – اللامساواة في السياسات المطروحة:

يعتمد النظام العالمي الاقتصادي على فاعلين رئيسيَّين في إدارة اقتصاديات الدول ومواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية، ويتمثَّل الفاعلان الرئيسيَّان في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ويعتمدان وغيرهما من المؤسسات متعدِّدة الأطراف، على نظرية التنمية، والتي تنظر إلى المسؤولية المشتركة بين الدول لتنمية العالم كمرجع لممارسة الأنشطة المتعدِّدة والتي تتراوح بين سياسات اقتصادية أو قروض أو منح للدول المستهدَفة لمساعدتها على تخطِّي الأزمات الاقتصادية[8].

تتجلَّى نتائج نظرية التنمية من خلال سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في “منح قروض وإعانات” مقابل “شروط” وتسديد القرض بنسبة معينة من الفوائد، وليس “فرض الدول على إعادة ما تمَّ نهبه” أو “تعويض الدول المنهوبة عن حقِّها في التنمية”، فلو كان الأمر كذلك، لاختفت الشروط والقروض والفوائد وحلَّ محلَّها التعويض، ممَّا يؤدِّي إلى استمرار السباق غير المنصف نحو التنمية. يصبح الأمر أكثر وضوحًا عند تفحُّص المؤسَّسات التي تتبنَّى تلك النظرية، على سبيل المثال، فإن البنك الدولي يعرف نفسه كـ”مؤسسات خمس يعملون على إيجاد حلول مستدامة للحد من الفقر وتحقيق الازدهار المشترك في الدول النامية”، الاعتماد اللغوي على استخدام كلمات مثل “المشترك” يساهم في قولبة نظرية التنمية في إطار استغلالي والذي يعتمد على التنازلية (Top down) والذي لا ينفي فقط مسؤولية الدول الاستعمارية ولا حقيقة عدم تساوي موازين القوى بسبب الاستعمار والإمبريالية، وإنما أيضًا ينفي حقيقة نشأة البنك الدولي[9]، والتي جاءت نشأته لإعمار أوروبا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية[10].

والجدير بالذكر أن الاعتماد على نظرية التنمية ليس حِكْرًا على البنك الدولي، وإنما يشمل مؤسسات أخرى كصندوق النقد الدولي. ففي صفحته الرئيسية على موقعه الإلكتروني، يعرِّف صندوق النقد الدولي الهدف من إنشائه بأنه يسعى إلى “تشجيع التعاون المالي العالمي وتشجيع التوسُّع في التجارة والنمو الاقتصادي وإعاقة السياسات التي قد تعطل طريق الازدهار”[11]. ما يلفت الانتباه في هذا التعريف هو تسليط الضوء على “إعاقة السياسات التي قد تعطِّل الازدهار” والذي كان من الممكن أن يكون مقبولًا إذا كان رفض أو قبول سياسات معيَّنة يخضع لعملية التصويت بالإجماع. إذ إن قرارات صندوق النقد الدولي تخضع لعملية تصويت الدول الأعضاء بالفعل ولكنه تصويت قائم على نظام الحصص، حيث تُحَدَّدُ حصصُ التصويت بناءً على المبلغ المدفوع مقابل اشتراكهم ومساهمتهم، وبالتالي تتغير حصص التصويت بتغيُّر المبلغ المدفوع[12]، والذي يعني سيطرة الدول المتقدِّمة على سياسات صندوق النقد.

بشكلٍ عام، تمَّ تصميم المنظمتين السابق ذكرهما على أسس نيوليبرالية في رؤيتهما للتنمية والتي تتضمَّن اتفاقًا ضمنيًّا مكتوبًا يستند على “المشاركة الجماعية لتحقيق الازدهار للجميع”. أما على الصعيد الآخر، فهي تتضمَّن اتفاقًا ضمنيًّا غير مكتوب يستند على افتراض أن الدول المتقدِّمة هي بالضرورة الدول الأكثر خبرة بكيفية تحقيق التقدُّم المرجوِّ، وعلى إثره، فإنها بالضرورة، الأولى بتحديد كيف يمكن تحقيق ذلك التقدُّم، وبالتبعية فمن “الطبيعي” أن يكون تأثيرها ذا ثقِل أكبر من تأثير الدول الأفريقية غير المتقدِّمة. في أول الأمر، أصبحت تلك الطريقة مهيمنة من خلال اتباع التصويت داخل المنظمتين، السابق ذكرهما، مبدأ الحصص؛ إلا أن آثارها تفاقمتْ بشكلٍ أكبر مع اقتراح سياسات محدَّدة لمساعدة الدول الأفريقية لتخطِّي الأزمات الاقتصادية وخاصةً تلك السياسات المطروحة لتخطِّي  الأزمات الاقتصادية الحالية.

ثانيًا- التناقض والتضارب في السياسات المتبعة:

مع بداية الأزمة الاقتصادية ببداية الوباء، خصَّص البنك الدولي ٧٠,٨ مليار دولار لمساعدة العالم على تخطِّي الأزمة. كما ساهم البنك الدولي في القطاع الصحي بـ ٤,٦ مليار دولار للدول الأفريقية[13]. الجدير بالذكر أن المساعدات المقدَّمة من البنك لم تكن على هيئة مساعدات مالية فحسْب، ولكن اعتنى البنك أيضًا بشكل خاص بكيفية توفير سياسات بديلة يمكن أن تتَّبعها الدول الأفريقية لتخطِّي تلك الأزمة.

وبالتبعية، نَشَرَ البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عدَّة مقترحات لمساعدة الدول الأفريقية على تخطِّي تلك الأزمة، ووصفا تلك المقترحات بالحل الوحيد أمام تلك الدول لتجنُّب استفحال الأزمة، وقد تضمَّنت التوصيات والمقترحات ضرورةَ حصول الدول الأفريقية على إعفاء من دفع الديون المستحقَّة، وذلك لسببين: أولًا لأنها تُقَيِّدُ السياسة المالية للدول الأفريقية بإعطاء تسديد تلك الديون الأولوية المطلقة والتي لها النسبة الأكبر من الموازنة العامة للدولة. ثانيًا، لأن ذلك التقييد يمنع الدول الأفريقية من إعادة تخصيص حصة كبيرة من الموازنة للقطاع الصحي والأمن الغذائي والمائي بالإضافة إلى توفير حماية مخصصة للعمالة غير الرسمية[14].

تكرَّرت تلك المقترحات بعد سنتين وتحديدًا مع بداية الحرب الروسية-الأوكرانية واستمرار تفشي الوباء بأشكاله المختلفة واشتداد الأزمة المناخية. بالإضافة إلى إنشاء برنامج للحد من الأزمة المتعلقة بالأمن الغذائي في أفريقيا[15]، الذي انقسم إلى مرحلتين: المرحلة الأولى، تضمَّنت منحة تقدر بـ ٥٧٠ مليون دولار من كلٍّ من الهيئة العالمية للتنمية والبنك الدولي للإنشاء والتعمير[16]، أما المرحلة الثانية، فتضمَّنت منحة قدرها ٣١٥ مليون دولار من نفس الهيئتيْن. استمرَّت مقترحات البنك الدولي وصندوق النقد في اتِّساق مع الإجراءات المتَّخذة من قِبلهما، إلَّا أنه سرعان ما تغيَّرت الإجراءات لصالح القروض والتوسُّع في الديون رغم رفضهما المبدئي لها[17].

فعلى النقيض من التوصيات المقترحة مع بداية الأزمة، نشر صندوق النقد الدولي مختلف القروض المالية بهدف تحسين اقتصاد الدول الأفريقية[18]، وقد اختلفت تلك المساعدات، باختلاف حجم الديون لدى كلِّ دولة، والطبيعة الخاصة لتلك الدول سواء كانت دولًا ذات دخل عال أو متوسط أو منخفض[19]. وقد انقسمت المساعدات المقترحة إلى: ١) أداة التمويل السريع، ٢) التسهيل الائتماني السريع، ٣) التسهيل الائتماني الممتد، ٤) حد ائتماني مرن، ٥) الترتيبات الاحتياطية، ٦) تسهيلات الائتمان الاحتياطية، ٧) تسهيل الصندوق الممدد، ٨) الصندوق الاستئماني لاحتواء الكوارث وتخفيف أعباء الديون، جميع مما سبق ذكره، هي أشكال مختلفة لتسهيل عملية الاقتراض باستثناء الصندوق الاستئماني لاحتواء الكوارث وتخفيف أعباء الديون، فهو منحة مقدمة من صندوق النقد لإعفاء الدول الفقيرة، التي تعرضت لكوارث مؤخرًا، من سداد قروضها[20]، فعلى سبيل المثال، حصلت كل من الكونغو الديمقراطية وتشاد على التسهيل الائتماني السريع والذي يعني حصول الدولتين على مساعدات ميسرة وسريعة، بالإضافة إلى التسهيل الائتماني الممتد[21] والذي يعني أنه يمكن للدولتين تمديد تسديد قروضهما على فترات أطول.

وعلى الرغم من كبر نصيب الدول الأفريقية من تلك المساعدات، إلا أنه لم يتمَّ تخفيف عبء الديون على أي واحدة منها[22]، لكن الجدير بالذكر انطواء تلك المساعدات على أمرين أولاً: أنه بالرغم من حصول الدول ذات الدخل المنخفض على امتيازات أكبر فيما يتعلَّق بالفوائد وتمديد الموعد النهائي لسداد القرض فإن تلك الدول كانت في أمسِّ الحاجة لتلك القروض بالإضافة إلى تراكم ديون سابقة، لذلك فإن توفير امتيازات قرضية لا يحدُّ من مساوئ القروض، خاصةً وأن القروض تمثِّل مشكلةً في حدِّ ذاتها للدول الأفريقية. ثانيًا: تلك المساعدات لم تأت دون شروط، فإن صندوق النقد الدولي يفرض على الدول المستدينة شروطًا عدَّة يجب عليها الالتزام بتحقيقها واستيفائها في مقابل الحصول على تلك المساعدات، تأتي تلك الشروط على هيئة رسالة خطاب نوايا والذي ينتج عن مباحثات بين حكومات الدول الأفريقية وبين صندوق النقد، في ذلك الخطاب، توثِّق حكومات الدول الأفريقية، كحكومات أوغندا ورواندا والسنغال وجنوب أفريقيا وغيرهم، عزمها على الالتزام بالشروط التي سبق واتَّفقت عليها مع صندوق النقد الدولي[23]؛ تنقسم تلك الشروط بشكلٍ عام إلى أربعة شروط: الإجراءات المسبقة – معايير الأداة الكمية – الأهداف الإرشادية، القواعد المعيارية الهيكلية[24]، وبيانها على النحو التالي:

  • الإجراءات المسبقة: هي إجراءات غير قابلة للإعفاء يجب على الدول الأفريقية اتباعها للاستعداد للحصول على القرض من ضمنها خفض قيمة العملة وبالتبعية ارتفاع سعر الاستيراد وانخفاض سعر التصدير، بالإضافة إلى وضع قيود على الأجور ورفع الدعم الحكومي سواء على المواد الغذائية أو المحروقات. بعبارة أخرى، يرى صندوق النقد أن رفع القيود السعرية وإتاحة الطفو الحر للاقتصاد المحلي يعني بالضرورة ابتعاد الحكومة بشكل كامل عن إدارة الاقتصاد[25]. الحل الأساسي للمشاكل الاقتصادية للدول الفقيرة بشكل عام والدول الأفريقية بشكل خاص[26]، على الرغم من تبعات تلك الإجراءات في رفع مستوى الفقر في تلك الدول.
  • معايير الأداء الكمية والأهداف الإرشادية: وهي معايير قابلة للإعفاء، فالأهداف الإرشادية هي مرحلة أولية للمعايير الكمية، حيث إن المعايير الكمية ترتكز على استراتيجيات كمية طويلة المدى ولكنها تختلف عن الإجراءات المسبقة في كونها ليست سياسات أو قرارات يتم اتخاذها من قِبل الحكومة. وإنما هي رؤية عامة على الوضع الاقتصادي الكمي فيتضمَّن، على سبيل المثال لا الحصر، الحد الأقصى المسموح للاقتراض الحكومي والحد الأدنى للاحتياطات المصرفية من العملة الأجنبية.
  • القواعد المعيارية الهيكلية: ترتكز تلك المعايير غير القابلة للقياس أو الإعفاء، على قياس مدى نجاح الحكومة في تحسين تعاملاتها أو سياساتها المتعلِّقة بقطاعات مثل القطاع الخاص والقطاع العام بما يتضمَّنه من خدمات أو تحسين الشبكات الأمن الاجتماعي للأفراد الأكثر هشاشة[27].

ليس الهدف مما سبق ذكره شرح الشروط المختلفة فحسب، وإنما الهدف منه هو فهم العلاقة بين هذه الشروط وبين ازدياد هشاشة اقتصاد الدول الأفريقية في مواجهة الأزمات العالمية الحالية. فمن ناحية، تكوَّنت تلك الهشاشة نتيجة لتراكم الديون بالإضافة إلى اعتماد معظم الدول الأفريقية على استيراد السلع الأساسية، فعلى سبيل المثال، تعتمد غانا على استيراد الحديد والصلب، بينما تعتمد كينيا على استيراد القمح.

ومن ناحية أخرى، فإن فرض هذه الشروط مقابل القروض يساهم في غياب المساحة المالية الكافية التي تمكِّن الحكومة من تحديد مصروفاتها، بهذا الشكل يتمُّ تقييد موازنة الدول الأفريقية في شِقَّيْنِ: إعادة دفع الديون، وبرامج ضمان اجتماعي قصيرة المدى، وبالتالي تحول بينها وبين وجود تغيير حقيقي.

وعليه؛ ينتج عن هذه الشروط -على عكس هدفها المطروح والمحدَّد- زيادة الفجوة بين الدول المتقدِّمة والنامية وبالتالي الإبقاء على حالة اللامساواة. يجب الإشارة بشكل مباشر أن تلك الشروط ليست نتيجة قرارات غير مدروسة وإنما هي نتيجة تطبيق نظرية التنمية، وهي نظرة لها بُعد نيوليبرالي تنازلي من الأساس، كما سبقت الإشارة، وتجلَّى ذلك في اختلاف الشروط المتعلِّقة بالأفراد والقطاع الخاص والحكومة من حيث المرونة والسماحية. فعلى سبيل المثال، الشروط غير القابلة للإعفاء أو التفاوض هي الشروط المتعلِّقة برفع الدعم عن الأفراد على عكس الشروط المتعلِّقة بالحكومة أو الشروط المتعلِّقة بإتاحة ضمانات مختلفة للقطاع الخاص، والتي ينتج عنها ظروف اقتصادية سيئة مثل زيادة معدل التضخُّم جنبًا إلي جنب ثبات الأجور وتسريح العمالة ومن ثَمَّ التضحية بتعريض الأفراد للضغط الاقتصادي. فوفقًا لدراسة أُجريت على ٨١ دولة نامية فإن الدول الخاضعة لمعايير هيكلية من قِبل صندوق النقد، شاهدت زيادة في معدل البطالة بالإضافة إلى زيادة في معدلات الفقر[28]، مما يناقض الهدف النهائي لصندوق النقد، وهو “التغلب على المشكلات التي دفعت [تلك الدولة] إلى طلب المساعدة المالية من المجتمع الدولي”.

وبالرغم من التأكيد على أن الرؤية النيوليبرالية للتنمية هي الحل الأمثل لإزالة التدخُّل الحكومي في الاقتصاد، باعتباره العائق الوحيد بين تلك الدول وبين التنمية، تعاملَ كلٌّ من صندوق النقد والبنك الدولي مع الدول المقترضة، وبالأخصِّ الدول الأفريقية، بشكلٍ متضارب. وقد ظهر ذلك في وضع سياسات منعزلة عن التأثيرات العالمية بالإضافة إلى عدم أخذ تأثُّر الوضع السياسي بالوضع الاقتصادي في عين الاعتبار، وكان هذا واضحًا عندما أدَّت السياسات إلى نتيجة عكسية على حساب كلٍّ من القطاع العام والخاص[29]، فعلى سبيل المثال، أدَّى ارتفاع حجم الديون إلى ارتفاع سعر المنتج وعدم ثبات سعر الاستيراد بسبب تأثره بشروط الحماية الموضوعة من قِبل الدول الصناعية[30].

يمكننا الملاحظة، من الاستعراض السابق، تناقض وتضارب سياسات المنظمتين في التعامل مع دول جنوب الصحراء الكبرى كتنزانيا وموريتانيا وتشاد والنيجر والكونغو الديمقراطية وغيرهم[31]. فمن ناحية، أشار البنك الدولي إلى أن الحلَّ الوحيدَ لمنعِ استفحال الأزمة هو ثبات حجم الديون وتوقُّف القروض، إلَّا أن صندوق النقد قام باقتراح نقيضه وهو زيادة تلك الديون، ومع ذلك، أتاح الاقتراض بدون فوائد أو بفوائد قليلة.

ومن ناحية أخرى، ظهر التناقض بشكل مختلف فيما يتعلَّق بالمعايير الهيكلية كجزءٍ من شروط الاقتراض التي نَصَّ عليها صندوق النقد، فعلى الرغم من إضافة شبكات الحماية الاجتماعية للأفراد من ضمن المعايير الهيكلية إلَّا أن شروط الإجراءات المسبقة تُناقضها كما أنها غير قابلة للإعفاء. يثير هذا التناقض والتضارب في السياسات إلي نوعٍ من التخبط والتساؤل عن مدى كفاءة أو عدالة نظرية التنمية المتبعة، فكلٌّ من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يُقرِّران، نظريًّا، أن الهدف من إنشائهما هو تقليص الفجوة بين الدول المتقدِّمة والدول غير المتقدِّمة؛ لكن عند تفحُّص صحة تلك الأهداف على أرض الواقع، نجد أن ما يحدث هو العكس تمامًا، فإن الفجوة في اتِّساع دائم، والضغوطات الاقتصادية في تزايدٍ مستمر، وبالرغم من اتِّساع الفجوة بسبب تفاقم أزمة الديون أثناء الأزمة الاقتصادية الحالية إلَّا أنها كانت في تزايد مستمرٍّ قبلها بسنوات. فعلى سبيل المثال في ٢٠١٩، سجَّلت أنجولا نسبة الدين الخارجي بـ 111٪  للناتج المحلى الإجمالي بينما سجَّلت في ٢٠٢١ نسبة 85٪[32]، وسجَّلت كينيا في ٢٠١9 نسبة ديون إلى الناتج المحلي الإجمالي بـ 62.4٪ مقابل 68.4٪ في ٢٠٢١[33].

وفي المجمل، ارتفعتْ حصة الدين العام في القارة الأفريقية المقوَّم بالعملات الأجنبية إلى 60٪ من إجمالي الدين في عام 2017، بزيادة قدرها حوالي 50٪ عن الأعوام 2010-2013، بالإضافة إلى ذلك كانت الفجوة في النمو الاقتصادي بشكل كلِّي كبيرة بين الدول الأفريقية والعالم. فعلى سبيل المثال، سجَّلت القارة نسبة نمو اقتصادي قدرها ٢,٣٪ في ٢٠١٧[34] مقابل نسبة ٣,38٪ في النمو الاقتصادي العالمي[35]، وستزداد تلك الفجوة بين الدول الأفريقية والنمو العالمي اتساعًا حتى تصل إلى فارق ١٤٪ خلال الفترة 2020-2025، ولكي تتعافى اقتصادات الدول في أفريقيا جنوب الصحراء فهي تحتاج إلى 425 مليار دولار على مدى السنوات الخمس القادمة[36].

ثالثًا- سياسات محلية ولكن اعتمادية

سلكت الدول الأفريقية مسارين متوازيين من أجل مواجهة تلك الأزمة، أحدهما محلي والآخر إقليمي وعالمي. ارتكز الأول على البرامج الحكومية، فيما ارتكز الأخير على برامج الاتحاد الأفريقي الموجَّهة للدول الأعضاء أو برامجه المشتركة مع المنظمات العالمية.

  • البرامج الحكومية

من أكثر المشاكل إلحاحًا التي واجهت الدول الأفريقية أثناء الأزمة الاقتصادية هي غياب نظم الحماية الاجتماعية، وترجع أهمية تلك النظم في مساعدة السكَّان على تحمُّل الأزمات والصدمات الاقتصادية وتبعاتها سواء كانت بطالة أو تضخُّمًا وما قد ينتج عن انحدار جودة الحياة في حدِّ ذاتها. وبالتبعية فإن برامج الحماية تحول دون زيادة هشاشة السكَّان أصحاب الدخل المنخفض والذي بدوره يضمن استمراريَّتهم في المساهمة داخل عجلة الإنتاج سواء كمنتجين أو مستهلكين. ومن أجل دعم هؤلاء السكَّان، على سبيل المثال، مَدَّتْ نيجيريا نظام التحويل النقدي المشروط، والذي يمنح الملتحقين به راتبًا شهريًّا، إلى فترة إضافية تصل لسنتين بعد أن كان مقرَّرًا أن ينتهي في ٢٠٢٢[37]. وعلى خطى نيجيريا، اتبعت توجو نظامًا مشابهًا، فبرنامج توجو للتحويل النقدي يتضمَّن مساعدات تصل إلى ١٢٪ من الشعب، كما أن ذلك البرنامج أَوْلَى اهتمامًا إضافيًّا للنساء بإعطائهم راتبًا أعلى[38].

وعلى الرغم من التحسن الملحوظ نتيجة لهذه البرامج إلا أنها يؤخذ عليها بعض الأمور، الأول يكمن في تجاهلها للعمل غير الرسمي والذي يشكِّل جزءًا كبيرًا من الاقتصاد الأفريقي. أما الأمر الثاني فهو الاعتماد على البنك الدولي في دفع تلك الرواتب الشهرية ووجود الحكومات كمجرد مشرف على تنفيذ تلك البرامج، وبالتبعية إحالة الاعتمادية محل الاستقلالية واتِّساع فجوة اللامساواة. مما يدفعنا للتساؤل عن قدرة الحكومات الأفريقية على استقلال سياستها عن السياسات المحدَّدة من قِبل البنك الدولي وغيره من المنظمات المالية العالمية. وأخيرًا، فإن الأمر الثالث يكْمن في كوْن هذه البرامج قصيرة المدى، فبالرغم من وجود أزمة ملحة حاليًّا إلَّا أن برنامج التحوُّل النقدي في نيجيريا تمَّ وضعه في ٢٠١٦ ولم يتمَّ استبدالُه بسياسة فعلية طويلة المدى.

وعلى صعيد آخر، نجحت جنوب أفريقيا في تفادِي تلك الأخطاء، فقد قامت بتقديم إعانات البطالة للعاملين في القطاع الرسمي بالإضافة إلى تحويلات نقدية للعاملين في القطاع غير الرسمي، إلَّا أنها واجهتْ إشكالًا من نوع آخر، فباتِّباعها نظامًا رقميًّا لتقديم تلك البرامج، تخاطر جنوب أفريقيا بمحدودية وصول تلك المساعدات لكل السكان المؤهلين وتمركزها نحو من لديهم المقدرة على الوصول إلى الإنترنت[39]. وبالإضافة إلى برنامج التضامن الاجتماعي، قامت جنوب أفريقيا باتباع سياسات اقتصادية كلية لمواجهة تلك الأزمة، حيث قام البنك الاحتياطي بخفض نسبة الفائدة لضمان سلاسة تدفُّق الائتمان بين القطاعات المختلفة، نتيجة لتعسُّر معظم الشركات من دفع الديون المقرَّرة عليها، وقام البنك الاحتياطي بإعفاء مختلف الشركات، سواء كانت ناشئة أم لا، من تلك الديون، بالإضافة إلى قيامه بتنفيذ تلك السياسات بالتوازي مع قيام الحكومة بإعادة ترتيب أولويات مصروفاتها[40].

  • البرامج الإقليمية

تضمَّنت البرامج الإقليمية لمواجهة الأزمة التخطيط على مستوى المنظمات الأفريقية كالاتحاد الأفريقي والبنك الأفريقي للتنمية والبنك الأفريقي للاستيراد والتصدير. فعلى سبيل المثال، قام برنامج البنك الأفريقي للتنمية بتمويل قدره ١.٥ مليار دولار، للتصدي إلى أزمة الغذاء، وقام البنك الأفريقي للاستيراد والتصدير بإنشاء البرنامج التجاري الأفريقي في ٢٠٢٢ بالتشارك مع منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية واللجنة الاقتصادية الأفريقية التابعة للأمم المتحدة وهو برنامج تجاري رقمي يهدف إلى تسهيل العمليات التجارية وضمان سهولة حرية إتاحة المنتجات بين الدول الأفريقية[41]. والذي من الممكن أن يشكل مخرجًا من أزمة الغذاء والوقود الحالية، وبالتبعية توقف الدول الأفريقية تدريجيًا عن اعتمادها على الاستيراد خارج القارة أو القروض من المؤسسات المالية والذي يقلل من هشاشة الدول ومن فجوة اللامساواة القائمة.

ومن ناحية أخرى، قام الاتحاد الأفريقي بإنشاء صندوق الاتحاد الأفريقي لمواجهة وباء كوفيد 19، والهدف منه ليس فقط التصدِّي الصحي، وإنما التصدِّي للأزمة الاقتصادية والإنسانية والاجتماعية الناتجة عنه، إلا أن هذا الصندوق اعتمد بشكل أساسي على طوعية الأفراد والمنظمات والحكومات وبالتالي لم يكن إلزاميًّا والذي يخاطر بكونه غير فعال[42].

وتمكَّنت المبادرة السابقة من جمع ٤٤ مليون دولار في ٢٠٢٠ ولكن صرح رئيس المبادرة في مقابلة في ٢٠٢١ إلى استمرار احتياجها إلى ٣٠٠ مليون دولار[43]، وتجدر الإشارة إلى أن تلك المبادرة لم تنشر أيَّ معلومات أخرى، باستثناء تلك المقابلة، عن عدد التبرعات التي تمَّ جمعها ومدى اقترابها أو بُعدها عن الهدف منذ إقامتها. ولم تنشر أيضًا أي معلومات دقيقة عن توزيع التبرعات أو إدارتها أو عن فاعلية تأثيرها وتحقيقها للأهداف المرجوَّة. كما أن المعلومات متناقضة قليلًا، فالهدف المصرَّح به على موقع المبادرة مختلف عن الهدف المشار إليه في المقابلة. ويدفع الغياب الواضح للمعلومات والشفافية في تناولها إلى التأكيد على أهمية وجود تناسق بين النسق الإداري والبرامج الاقتصادية. فلا يمكننا مثلًا من النظر إليهما في معزلٍ بعضهما عن بعض. وبالتبعية؛ وإن كانت سياسات كلٍّ من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ينتج عنها زيادة حجم اللامساواة بين الدول الأفريقية والدول الأخرى، إلا أن سوء إدارة الدول الأفريقية لتلك البرامج يساهم أيضًا في الإبقاء على تلك اللامساواة وتعزيزها. وسوء الإدارة في هذه الحالة يتضمن أيضًا اعتماد المبادرة على آلية تعهُّد وتبرُّع المؤسسات والأفراد، وهي آلية هشَّة لا يمكن الاعتماد عليها في الأزمات.

خاتمة:

من الاستعراض السابق يمكن استنتاج أن طرح سياسات أفريقية قادرة على التعامل مع الأزمات الاقتصادية سواء الحالية أو المستقبلية يجب أن يتم على محورين أساسيين متوازيين. المحور الأول: أن تتبع الدول الأفريقية بالتوازي خططًا قصيرة وطويلة المدى لضمان التخلُّص من الحاجة إلى الاعتماد على قروض أو منح من المنظمات العالمية. كما أن على الدول الأفريقية أن تتبع سياسات مركَّبة، فيجب التفكير في كيفية الوصول إلى جميع السكَّان وليس فقط من لديهم اتصال بالإنترنت، بالإضافة إلى مراجعة المعايير التي يتمُّ على أساسها تحديد الأشخاص المؤهَّلين للحصول على تلك الإعانات، وأخيرًا لضمان فاعلية تلك السياسات واستقلالها على المدى الطويل، يجب التفكير في كيفية إعادة أصحاب الإعانات إلى سوق العمل، وأيضًا كيفية توفير نظام دائم للحماية للعمال في القطاع غير الرسمي.

المحور الثاني: أن تخضع المنظمات العالمية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي للمساءلة المركبة، بأن تكون المساءلة تقاطعية وليست عالمية. بمعنى أن تأخذ عملية المساءلة التشاركية الخصوصية السياسية والاقتصادية والثقافية للدول في عين الاعتبار إلى ضرورة أن تكون تلك الآلية قادرة على التكيف والتغيير بتغير الأنظمة السياسية والطبيعة الاقتصادية والسياسية. أضف إلى ذلك أنه يجب أن تختلف آليات المساءلة المتَّبعة باختلاف الثقافات داخل كل دولة. فعلى سبيل المثال، قد تمارس ثقافات معيَّنة عنفًا جندريًّا أو جنسيًّا أو عرقيًّا أو طبقيًّا، لذلك يجب على الآليات المتَّبعة ليس فقط أن تدرس الثقافات المختلفة للفئات المستهدفة لضمان فرص للمشاركة العادلة للجميع مثلما فعلت توجو في برنامجها للتحويل النقدي.

فمن منطلق المساءلة المركبة والحياد عن نظرية التنمية النيوليبرالية فإن خلق نظام عالمي أكثر عدالة يتطلَّب دمج الدول الأفريقية في عملية صنع القرار والمساءلة، باعتبارها الدول الأكثر تضرُّرًا وتأثُّرًا من سياسات النظام العالمي بشكلها الحالي. الجدير بالذكر أنه قد تمَّت محاولات سابقة لإشراك الدول الأفريقية، سواء كأفراد أو هيئات أو منظمات، ولكنها لم تكن مشاركة ملزمة أو جزءًا من الهيكلة التنظيمية للمنظمات. بمعني، أن مشاركة الدول الأفريقية وقعت في ظل وجود مبدأ الحصص في التصويت، وبسبب الإبقاء على ذلك النظام غير العادل، لم تكن المشاركة الأفريقية مشاركة فعلية، وبالتالي لم تسْفر عن نتائج فعلية. فعلى سبيل المثال، فإن البنك الدولي قد اتَّبع سياسة مشابهة في إحدى مشروعاته. ففي عام ٢٠٠٠، قام البنك الدولي بإنشاء مبادرة “أصوات الفقراء”[44]، والتي تضمَّنت قصصًا يرويها الفقراء عن معاناتهمن وتمَّ الاستناد على هذه القصص من أجل كتابة التقرير السنوي. من ناحية أخرى، فقد تم إنشاء مبادرة كبار اقتصاديي الحكومة في ٢٠١٩ والتي تضمَّنت أكثر من ٤٠ دولة أفريقية، وقد صرَّحت تلك المبادرة أن الهدف منها هو سدُّ فجوة غياب المشاركة الأفريقية في قرارات كلٍّ من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إلا أن عمل تلك المنظمة هو فقط عمل استشاري وليس ملزمًا ولا يحلُّ محلَّ الهيكلة التنظيمية غير العادلة[45]، لذلك فإن خلق نظام أكثر عدالة لا يتطلب تحقيق المشاركة كفكرة مجردة وحسْب، وإنما يجب على تلك المشاركة أن تكون ملزمةً وجزءًا من الهيكلة التنظيمية، وأن تتبع سياسات كيفية تصاعدية وليست فقط كمية تنازلية.

 

___________________

الهوامش

[1] Stagflation Risk Rises Amid Sharp Slowdown in Growth, World Bank , 7  June 2022,  available at: https://cutt.us/ejx5P

[2] Global Economic Prospects: Sub-Saharan Africa, World Bank, June 2022,  available at: https://cutt.us/cGads

[3] Victoria Masterson, These 3 Charts Show the Impact of War in Ukraine on Global Trade, World Economic Forum, 26 April 2022, available at: https://cutt.us/GgzXU

[4] Dario Caldara et al., The Effect of the War in Ukraine on Global Activity and Inflation, The Federal reserve, 27 May 2022, available at: https://cutt.us/r02CY

[5] Nicholas Bariyo, High Fuel Prices Squeeze African Consumers, Strand Truckers and Snarl Flights, The Wall Street Journal ,8 June 2022, available at: https://cutt.us/2wmOB

[6] Fuel Hikes in Africa Driven by Russia-Ukraine War, Africanews, 1 June 2022, available at: https://cutt.us/o4CMS

[7] Josefa Sacko and Ibrahim Mayaki, How the Russia-Ukraine Conflict Impacts Africa| Africa Renewal, United Nations, 21 April 2022, available at: https://cutt.us/TXgiy

[8] Björn Hettne, The Development of Development Theory, Acta Sociologica, Vol. 26, No. 3/4, 1983, pp. 247-266, available at: https://cutt.us/4ZXcb

[9] Who We Are, World Bank, accessed: 31August 2022, available at: https://cutt.us/5nFad

[10] History, World Bank, accessed: 31 August 2022, available at: https://cutt.us/cqPDV

[11] What Is the IMF?, IMF, accessed: 31 August 2022, available at: https://cutt.us/1qwNp

[12] IMF Members’ Quotas and Voting Power, and IMF Board of Governors, IMF, accessed: 31 August 2022, available at: https://cutt.us/Nupen

[13] World Bank Group Responds to Overlapping Crises with Nearly $115 Billion in Financing in Fiscal Year 2022, World Bank, 14 July 2022, available at: https://cutt.us/WqK4R

[14] For Sub-Saharan Africa, Coronavirus Crisis Calls for Policies for Greater Resilience, World Bank, 9April 2020, available at: https://cutt.us/P6iAw

[15] Development Projects: Food Systems Resilience Program for Eastern and Southern Africa – p178566, World Bank, accessed: 31 August 2022, available at: https://cutt.us/yZqv1

[16] Addressing Food Insecurity and Boosting the Resilience of Food Systems in West Africa, World Bank, 18 November 2022, available at: https://cutt.us/5OLHq

[17] World Bank Scales up Its Financing for Food Security with Additional $315 Million to Strengthen the Resilience of Food Systems across West Africa, World Bank , 29 July 2022, available at: https://cutt.us/Iin6O

[18] IMF Lending, IMF, 22 February 2021, available at: https://cutt.us/n1JOA

[19] Factsheet – IMF Support for Low-Income Countries, IMF, 5 January 2022, available at: https://cutt.us/57sDZ

[20] IMF Annual Report 2020: What We Do: Lending, IMF, accessed at: 31 August 2022, available at: https://cutt.us/un7zg

[21] IMF Financing and Debt Service Relief, IMF, 9 March 2022, available at: https://cutt.us/OpTtW

[22] Ibid.

[23] For example of Intentions Documents, look at: Country’s Policy Intentions Documents, IMF, available at: https://cutt.us/Xqbt1

[24] “Conditionality,” IMF, 22 February 2021, available at: https://cutt.us/4kS6c

[25] Laron K.Williams, Pick Your Poison: Economic Crises, International Monetary Fund Loans and Leader Survival, International Political Science Review, Vol. 33, No. 2, 2012, pp. 131-149.

[26] Ibid.

[27] Ibid.

[28] Glen Biglaiser and Ronald J. McGauvran, The Effects of IMF Loan Conditions on Poverty in the Developing World, Journal of International Relations and Development, Vol. 25, No. 3, July 2022, pp. 806-833.

[29] Thomas J. Biersteker, Reducing the Role of the State in the Economy: A Conceptual Exploration of IMF and World Bank Prescriptions, International Studies Quarterly, Vol. 34, No. 4, 1990, 477-92.

[30] Graham Bird, Borrowing from the IMF: The Policy Implications of Recent Empirical Research, World Development, Vol. 24, No. 11, 1996, pp. 1753-1760.

[31] IMF Financing and Debt Service Relief, IMF, accessed: 31 August 2022, available at: https://cutt.us/oVBOq

[32] Angola Government Debt to GDP2022 Data – 2023 Forecast – 2000-2021 Historical, Trading Economics, 2022, available at: https://cutt.us/i1o0a

[33] Kenya Government Debt to GDP2022 Data – 2023 Forecast – 2000-2021 Historical,Trading Economics, 2022, available at: https://cutt.us/hnx3H

[34] Africa’s Pulse in Five Charts: Boosting Productivity in Sub-Saharan Africa,World Bank Group, 3 October 2018, available at: https://cutt.us/xOvAL

[35] World GDP Growth Rate 1961-2022, MacroTrends, 2022, available at: https://cutt.us/Ssgdi

[36] Abebe Aemro Selassie and Shushanik Hakoby, Six Charts Show the Challenges Faced by Sub-Saharan Africa, IMF, 15 April 2021, available at: https://cutt.us/loHcE

[37] National Cash Transfer Programme, NASSCO, accessed: 13 September 2022, available at: https://cutt.us/3EnT6

[38] A Covid Cash Transfer Programme That Gives More Money to Women in Togo, Regional Innovation Centre UNDP Asia-Pacific, Medium, 16 June 2020, available at: https://cutt.us/lWrvB

[39] Lena Gronbach, Jeremy Seekings, and Vayda Megannon, Social Protection in the COVID-19 Pandemic: Lessons from South Africa, CGD Policy Paper 252, February 2022, available at: https://cutt.us/rv5Zg

[40] South African Economic Reconstruction and Recovery Plan, South African Government, 21 April 2022, available at: https://cutt.us/weAfe

[41] Africa Launches a Platform to Deal with the Ukraine Crisis Shocks – World, Economic Commission for Africa, Relief Web, 10 May 2022, available at: https://cutt.us/jzGNe

[42] Introduction, African Union, 20 November 2022, available at: https://au.int/Introduction

[43] Kingsley Ighobor, Africa Needs More Funds to Fight Covid-19, Africa Renewal, United Nations, 16 August 2021, available at: https://cutt.us/Bv0cy

[44] Simon Burall and Caroline Neligan, The Accountability of International Organizations, GPPI research paper series No. 2, Global Public Policy Institute, pp. 11-12.

[45] About the CEoG Initiative, CEoG website, accessed: 31 August 2022, available at: https://cutt.us/EhsM2

فصلية قضايا ونظرات- العدد السابع والعشرون ـ أكتوبر 2022

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى