الأحداث في كوسوفا ومخاوف في البلقان

مقدمة:

بعد مرور نحو خمسة عشر عامًا على إعلان استقلال كوسوفا عام 2008 تصاعدت مؤشرات التوتر في شمال البلاد الذي تقطنه أغلبية صربية في ظل مساعي حكومة كوسوفا لممارسة مظاهر السيادة على مجمل إقليمها بالتوازي مع عدم اعتراف صربيا بخطوة الاستقلال واستمرار نفوذها في العديد من مدن الشمال، والذي تتعدَّد مظاهره وأبرزها أنها لا تزال تعامل صرب الشمال الكوسوفي على أنهم جزء من شعبها، فتتحمَّل رواتب الموظفين المحليِّين منهم وتقدِّم لهم الخدمات والمزايا من الموازنة العامة، وفي نفس الوقت لا يدفع هؤلاء لسلطات كوسوفا تكاليف خدمات الطاقة التي يحصلون عليها ولا يدفعون الضرائب لأيٍّ من الطرفين سواء بلجراد أو بريشتينا.

ولعل أحدث مظاهر التوتر بين الجانبين ما وقع قبل نحو شهر واحد (يوم الأحد 24 سبتمبر 2023)، إذ تسلَّلت  وحدة كوماندوز صربية مسلَّحة عبر الحدود واشتبكت مع شرطة كوسوفا بقرية بانيسكا أو بايسكي التي تقع على مقربة من ميتروفيتشا شمال البلاد؛ ما أدَّى إلى مقتل ثلاثة من هذه العناصر وشرطي كوسوفي، كما اتهمت كوسوفا صربيا بالسعي نحو التدخل العسكري لاجتياح أراضيها في ظل حشد بلجراد لقواتها على طول الحدود الكوسوفية مع التأكيد على التنسيق مع الشركاء الدوليين لحماية السلامة الإقليمية للبلاد[1]، وهو ما أثار تحذيرات ومخاوف بشأن احتمال اندلاع حرب جديدة في البلقان؛ خاصة مع تدخُّل أطراف دولية متعدِّدة في التوتُّرات بين البلدين.

لقد أدَّت التوترات في شمال كوسوفا خلال الفترة منذ أغسطس 2022 حتى أكتوبر 2023، إلى تصريحات وتحركات ومواقف من جانب مختلف الأطراف ذات الصلة بالوضع في شمال كوسوفا سواء المنغمسين بشكل مباشر مثل الحكومة المركزية بأجهزتها أو صرب الشمال أو حكومة بلجراد بقواتها أو قوات حفظ السلام، أو المنغمسين من خلف الستار أو بشكل غير مباشر مثل روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي فضلًا عن تركيا، وهو ما يستلزم إجراء متابعة تحليلية للأحداث الجارية في منطقة (البلقان)، حيث دلالاتها السياسية الأبعاد الأكثر بروزًا وتأثيرًا فيه والقوى المحركة له وأهدافها، مع تقييم لسيناريوهات تطور الأحداث، وذلك من خلال العناصر التالية: خلفية تاريخية للعلاقة بين كوسوفا وصربيا. ماذا يحدث في البلقان؟ خريطة التفاعلات الوطنية: الأقلية الصربية ورقة بلجراد لمنازعة كوسوفو. خريطة التفاعلات الإقليمية والعالمية: المواقف والتحيز والتناقضات. ووضع سيناريوهات مستقبلية: هل تندلع حرب جديدة في البلقان؟

أولًا- من الذاكرة إلى المشكلة الحاضرة والتفاعلات الوطنية

  • خلفية تاريخية للعلاقة بين كوسوفا وصربيا

من المهم قراءة الأحداث التي تجري في البلقان وتحديدًا بين كوسوفا وصربيا في عمقها التاريخي لتسهيل فهم اللحظة الراهنة من الصراع أو التوتر، وهي اللحظة التي يجري تسليط الضوء عليها في هذا التقرير. لقد كانت كوسوفا تتبع جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية واستمرت لمدة 47 عامًا، حيث كانت عبارة عن دولة فيدرالية تضم 6 جمهوريات صغيرة وهى: البوسنة والهرسك، والصرب، وكرواتيا، وسلوفينيا، ومقدونيا، والجبل الأسود، بالإضافة إلى أقاليم: كوسوفا وفيجودينا وسنجاق. وكانت يوغوسلافيا تتبنى الشيوعية مثل الاتحاد السوفيتي حتى مطلع تسعينيات القرن الماضي، وقد أدت نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي إلى تفكك جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية؛ إذ استقلَّت سلوفينيا وكرواتيا ومقدونيا عام 1991؛ ومن ثم سعت جمهورية البوسنة والهرسك للانفصال وتكوين دولة جديدة؛ حيث أعلنت الاستقلال عام 1992 بعد استفتاء شعبي نُظِّمَ في مارس من نفس العام؛ بمشاركة نحو 67% ممن يحق لهم التصويت، حيث أيَّد 99% منهم الانفصال[2].

شجَّعت عمليات الانفصال التي شهدتْها يوغوسلافيا الاتحادية مساعي كوسوفا للاستقلال السلمي؛ فأعلنوا الانفصال من طرف واحد بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي الألباني الذي ترأسه الأديب والأكاديمي إبراهيم روغوف الذي تمَّ انتخابه في مايو 1992 كرئيس لجمهورية كوسوفو. قوبلت هذه المساعي باعتداءات وحشية من قبل الصرب؛ فكوَّن الكوسوفيون جيش تحرير كوسوفا للدفاع عن أنفسهم أمام المجازر التي ارتكبها الجيش الصربي، والتي بلغت أعلى مستوياتها سنة 1998. في العام التالي مباشرة اضطرت قوات الناتو لشنِّ هجومٍ على يوغوسلافيا التي كانت تتكوَّن آنذاك من صربيا والجبل الأسود بغرض وقف الضربات التي تتعرَّض لها كوسوفا، فانسحبت قوات صربيا، وعمل الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على تنفيذ خطط أمميَّة لترتيب الداخل الكوسوفي تمهيدًا لإعلان الاستقلال الرسمي وهو ما تمَّ فعلًا عبر خطوة برلمانية في 17 فبراير 2008، لتكون واشنطن أول عاصمة تعترف بالجمهورية الوليدة وتبعتْها عواصم أوروبية، وكذلك دول إسلامية وعربية كتركيا والسعودية والبحرين واليمن والإمارات؛ دون أن تعترف بذلك صربيا، التي لا تزال تعتبر كوسوفا جزءًا من أراضيها[3].

وقد كانت مصر الدولة رقم مائة التي تعترف بكوسوفا جمهورية مستقلة، وذلك في يونيو 2013 في ظل حكم الرئيس المصري السابق الدكتور محمد مرسي[4]؛ لكن اعتراف القاهرة جرى بعد ذلك شبه تجميد له دون قدرة على سحبه لأن عملية السحب بعد الاعتراف غير متعارف عليها في القانون الدولي وفق تبرير أحد الدبلوماسيِّين المصريِّين عام 2016، والذي تحدَّث أيضًا عن أنه لن يتمَّ تطوير العلاقات الدبلوماسية مع كوسوفو[5]، وهو ما دفع رئيس البرلمان الصربي عام 2022 إلى الحديث عن سحب القاهرة اعترافها بشكل فعلي وهو ما يفهم من عدم تصويت القاهرة لصالح انضمام كوسوفا لبعض المنظمات الدولية[6].

يعمل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية على تطبيع العلاقات بين كل من كوسوفا وصربيا بموجب اتفاق بروكسل سنة 2013 والذي يضع مبادئ تتم على أساسها عملية التطبيع، كجزء من اشتراطات الانضمام للاتحاد الأوروبي، ولم يوقِّعها الطرفان سوى بالأحرف الأولى، ورغم الجهود التي بذلت في هذا المسار، لا تزال صربيا غير معترفة باستقلال كوسوفا. فلم تحسم لحظة الاستقلال عام 2008 الملفَّات الشائكة في العلاقة بين كلٍّ من صربيا وكوسوفا، وأبرزها وضع الأقلية الصربية في شمال البلاد، حيث يشكل الصرب نحو 120 ألف نسمة من 1.8 مليون هم إجمالي عدد سكان كوسوفا[7].

وبسبب ذلك تثور التوترات بين الطرفين، بين كوسوفا التي تسْعى لبسط سيادتها على هذه البقعة من أرضها، وبين صربيا التي لا تزال تعتبر كوسوفا جزءًا منها وأن المواطنين الصرب على الأقل مواطنون فيها تقدِّم لهم الخدمات على حساب الموازنة العامة. ومن أبرز مؤشرات عدم حسم وضعية الأقلية الصربية في شمال البلاد أن السيارات التي يستخدمها الصرب هناك لا تزال تحمل لوحات صربية تعود لفترة ما قبل الاستقلال، وتسْعى بريشتينا (عاصمة كوسوفو) لتغيير هذه اللوحات ضمن مساعيها لبسْط سيادتها على هذه المنطقة، وهو الأمر الذي يعارضه الصرب[8].

  • ما يحدث الآن في البلقان؟

في 31 أكتوبر 2022 أصدر برلمان كوسوفا قانونًا يحظر تسيير مركبات تحمل لوحات أجنبية في البلاد مع منح مهلة حتى 21 نوفمبر من نفس العام لتنفيذ القرار -وذلك بعد تأجيل الخطوة لنحو شهرين بوساطة أوروبية- كجزء من بسط سيطرة بريشتينا على كامل إقليمها، وهو الإجراء الذي عارضه الصرب القاطنون في شمال كوسوفا وبتحريض من صربيا، واتخذت المعارضة عدَّة صور منها: تقديم المسؤولين الصرب في الإدارة المحلية استقالات جماعية. وإعلان عصيان مدني من جانب أفراد الشرطة الكوسوفية من الصربيِّين مع خلع الملابس الرسمية أمام وسائل الإعلام.

قبلت حكومة بريشتينا الاستقالات الجماعية وأعلنت تنظيم انتخابات تكميلية كان من المزمع تنظيمها في ديسمبر من 2022 لشغل المناصب الشاغرة، فخرج صرب كوسوفا في احتجاجات لرفض هذه الخطوة مع إغلاق الطرق وتبادل مسلحون إطلاق النار مع شرطة كوسوفو، كما طالت الاعتداءات الصربية قوات حفظ السلام المتواجدة في كوسوفا بما في ذلك بعثة الاتحاد الأوروبي للتحقُّق من سيادة القانون في كوسوفا (يوليكس) وهي معنية بتسيير دوريات في شمال البلاد والتي أكدت في ديسمبر 2022 تعرض إحدى دورياتها لإلقاء قنبلة صوتية دون التسبُّب في إصابات[9]. وفي المقابل، قامت قوات الشرطة الكوسوفية باعتقال أحد عناصرها السابقين من الصرب بتهمة التعدِّي على المؤسسات الرسمية وهو ما فاقم حدَّة الاحتجاجات للمطالبة بالإفراج عنه.

وعلى خلفية هذه الأحداث تم تأجيل الانتخابات في البلدات ذات الأغلبية الصربية حتى أبريل 2023، وبالتوازي أعلنت كوسوفا أنها ستتقدَّم بطلب انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي مستغلَّة مساعي الأخير لتحسين علاقاته مع دول البلقان في ظل الحرب الروسية الأوكرانية وهو الأمر الذي عارضته صربيا داعية الدول الأعضاء التي لم تعترف باستقلال كوسوفا لرفض الطلب. وهنا تجدر الإشارة إلى أن كوسوفا هي الدولة الوحيدة التي لم تتقدَّم بعد بطلب للانضمام بين دول البلقان، وأن تطبيع العلاقات مع بلجراد هو مطلب أساسي قبل البت في الطلب[10].

في أبريل 2023 أجريت انتخابات محلية لاختيار رؤساء جدد للبلديات الأربع التي بقيت شاغرة منذ استقالة رؤسائها الصرب في أكتوبر 2022، وقاطع الصرب هذه الانتخابات التي وصلت فيها نسبة المشاركة لنحو 3% وهو ما ترتَّب عليه فوز ولاة من الألبان سعتْ كوسوفا لتنصيبهم؛ وهو ما أثار موجات احتجاج وعمليات لإغلاق طرق واعتداءات من جانب مسلَّحين صرب، وكان أخطرها عملية التعدِّي على أفراد الشرطة من جانب 30 مسلَّحًا قادمين من صربيا ثم تحصَّنوا بدير أرثوذكسي للصرب، فحاصرتْهم الشرطة؛ الأمر الذي انتهى بمقتل 3 من المسلَّحين وأحد أفراد الشرطة، وفي الاشتباكات أصيب حوالي 30 من أفراد قوة حفظ السلام التابعة للناتو كما أصيب نحو 50 متظاهرًا[11].

  • التفاعلات الوطنية: الأقلية الصربية ورقة بلجراد لمنازعة كوسوفو

إن موقف صربيا واضح بشأن تطورات الأوضاع في شمال كوسوفا، فهي لا تعترف بالدولة المستقلة منذ 15 عامًا وتعمل على التصعيد ضدها من خلال الأقلية الصربية القاطنة في هذا الإقليم، كما أنها كانت مصدرًا لتدفُّق المسلَّحين المهاجمين لقوات الشرطة. وفي ظلِّ الوضع القائم فإنها تطالب بعلاقة خاصة تربطها بالشمال الكوسوفي وهو أمر ترفضه بريشتينا التي تطلب اعتراف بلجراد بها قبل التوافق على أيِّ حلول، وبالتالي عملت صربيا على اتخاذ إجراءات تصعيديَّة تهدف في نهاية المطاف لفرْض سلطة الأمر الواقع بزيادة نفوذها بمنطقة شمال كوسوفا وفق ما يلي:

طلبت صربيا من قيادة الناتو في كوسوفا نشر قواتها الأمنية والعسكرية في الإقليم[12]. وتبرر بلجراد موقفها بأنه منسجم مع قرار الأمم المتحدة رقم 1244 الذي يعطي صربيا حقَّ نشر نحو 1000 فرد من الجيش والشرطة والجمارك بالمواقع المقدسة للمسيحيين الأرثوذكس وذات الأغلبية الصربية وعند المعابر على الحدود شريطة موافقة رئيس بعثة السلام التابعة للناتو، وهو أمر مستبعد تمامًا، خاصة مع تهديدات كوسوفية بهذا الصدد[13]. كما عملت صربيا على زيادة الحشود العسكرية على طول الحدود مع كوسوفا سواء بالجنود أو المعدَّات من مدفعية ودبابات، وهو ما وصفه البيت الأبيض بأنه “انتشار عسكري كبير وغير مسبوق”[14]. ودعت صربيا إلى إقالة رؤساء البلديات الجدد، في حين اعتبرت كوسوفا أن المعضلة تكمن في عدم اعتراف صربيا بدولة ذات سيادة ودعمها للمليشيات الإجرامية[15].

ثانيًا- خريطة التفاعلات الإقليمية والعالمية: المواقف والتحيزات والتناقضات

  • حلف الناتو: تكثيف الانتشار والتصدِّي للهجمات

يتولَّى حلف شمال الأطلسي قيادة عملية دعم السلام في كوسوفا منذ يونيو 1999، وقد تأسَّست هذه القوة بعد الانتهاء من الضربات الجوية التي شَنَّهَا حلف الناتو لوقف الجرائم الصربية في كوسوفا، وتستمدُّ شرعيَّته من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1244 الصادر في 1999 بالإضافة لاتفاقٍ عسكريٍّ تقنيٍّ بين الناتو وجمهورية يوغوسلافيا الاتحادية وصربيا. تمثلت أهداف القوة في منع نشوب صراعات جديدة بين صربيا وكوسوفا وإرساء الأمن والنظام والسلام ونزع سلاح جيش تحرير كوسوفا ودعم الجهود الإنسانية الدولية.

وقد أدَّى التوتُّر الأخير في البلاد إلى زيادة أعداد القوات المشاركة في قوات حفظ السلام التي يقودها الناتو في كوسوفا ليصل عددُها حاليًّا لنحو 4500 فرد من 27 دولة من الأعضاء والشركاء بعد وصول تعزيزات من بريطانيا بواقع 200 جندي ورومانيا بواقع 130 جنديًّا مع انتظار المزيد من التعزيزات من دول أخرى[16]، وذلك بعد أن كان عددها نحو 3770 فردًا في أغسطس 2022[17]. وبالتوازي أكَّد الحلف ضرورة محاسبة المسلَّحين الذين هاجموا قوات الاتحاد الأوروبي[18]؛ لكن المثير للانتباه أن عملية المحاسبة التي تطالب بها قوة الناتو لا تمتدُّ لتشْمل مهاجمة المؤسسات الكوسوفية الرسمية وهو موقف تجتمع عليه العديد من المواقف الغربية رغم دعمها لكوسوفو!

يُذكر أن حلف شمال الأطلسي “الناتو” يقود قوات حفظ السلام في كوسوفا وهي مجمل من تبقى من القوة المشاركة في الحملة على يوغوسلافيا السابقة والتي كان قوامها 50 ألفا سنة 1999. ويرى الحلف أنه مخول بالتدخُّل عند تعرُّض كوسوفا للخطر[19]. لذا؛ يصر الناتو منذ انتهاء الحرب بين كوسوفا وصربيا على أنه المسؤول عن مهمة الدفاع عن أراضي برشتينا ومن ثم يرفض تأسيس جيش دفاع أو شراء مسيَّرات من تركيا، كما هدَّد بإعادة النظر في التزاماته الدفاعية إذا لم تتراجع كوسوفا عن هذه الخطوة، لكنه عاد وأكَّد التزامه بذلك. ويضمُّ الحلف 4 دول لا تعترف باستقلال كوسوفا، وهي إسبانيا واليونان ورومانيا وسلوفاكيا[20]. يؤكد حلف الناتو التزامه بالدفاع عن كوسوفا ويطالبها بعدم إقامة جيش وطني أو التسليح، لكن صرب كوسوفا يقطعون الطرق ويقوم المسلحون بالاعتداء على أفراد الشرطة، كما ضبطت الأخيرة مخزنًا للأسلحة تقول إنها قادمة من صربيا وهو ما يثير علامات استفهام حول موقف الناتو!

  • الموقف الأوروبي: بين الوساطة واتهامات التحيز

منذ بداية التوتر الراهن خلال الربع الأخير من 2022، حذر الاتحاد الأوروبي على لسان مفوض السياسة الخارجية جوزيب بوريل، من الهجوم على البعثة الأوروبية، وأنه لن يتم التسامح مع أي اعتداء، مع التأكيد على إزالة الحواجز التي أقامها صرب كوسوفا[21]. لكن الموقف الأوروبي تعرَّض للانتقاد والاتهام بالتحيُّز من جانب نائبة رئيس وزراء كوسوفا دونيكا جيرفالا شوارز بسبب عدم إدانة إطلاق قوات صربية النار على شرطة كوسوفا خلال قيامها بمهامها والاكتفاء بإدانة التعدي على بعثة الاتحاد[22].

كما فشلت جهود الوساطة الأوروبية لخفض التوتُّر، إذ تقدَّمت المفوضية الأوروبية بمقترحٍ يتمُّ بموجبه تأسيس رابطة لبلديات الشمال الكوسوفي ذات الأغلبية الصربية مع مضي صربيا في إجراءات الاعتراف باستقلال كوسوفو، لكن الأخيرة أصرَّتْ على الاعتراف باستقلالها أولًا[23]. ويشكِّك المسؤولون في كوسوفا بشأن حياد الجانب الأوروبي بسبب عدم الضغط على صربيا لوقف استفزازاتها، فضلًا عن عدم اعتراف الاتحاد ككل بكوسوفا كدولة مستقلة في ظلِّ امتناع عددٍ من الأعضاء عن ذلك، مع شعور سكَّان كوسوفا بالاستبعاد بسبب عدم منح مواطنيها حرية التحرُّك في منطقة شنجن بخلاف دول غرب البلقان الأخرى بما فيها صربيا[24].

ويعمل الاتحاد الأوروبي منذ سنوات على تطبيع العلاقة بين كوسوفا وصربيا كخطوة أولية للانضمام إليه[25]، وبفضل جهوده تم التوصل لاتفاق بين الطرفين في 2013 لتطبيع العلاقات وتم التوقيع عليه بالأحرف الأولى، وتضمَّن أن يكون للصرب في شمال كوسوفا محكمة استئناف وشرطة خاصة بهم مع عدم عرقلة كل طرف مساعي الآخر للانضمام للكيان الأوروبي كما يشترط الاتحاد على صربيا ضرورة التخلِّي عن السيطرة على الشمال الكوسوفي لبدء مفاوضات الانضمام[26].

ومنذ ذلك الحين لا يزال الاتحاد الأوروبي يجري حوارات بين الطرفين بغرض تسوية النزاع بينهما والحد من تصاعد نبرة التهديدات، لكنها حوارات لا تفضي إلى جديد، بسبب إصرار الطرفين على موقفهما وعدم الالتزام بالاتفاقات التي يتمُّ التوصُّل إليها في هذا الصدد. على سبيل المثال تمَّ التوصُّل إلى اتفاق -دون التوقيع عليه- بين صربيا وكوسوفا في فبراير 2023 تضمَّن اعتراف الطرفين كل منهما بالآخر وبالوثائق الصادرة عنهما والرموز التي تمثِّلهما بما في ذلك لوحات تسيير السيارات مع عدم عرقلة صربيا انضمام كوسوفا لأي تكتُّل دولي، مع عدم قيام الطرفين بعرقلة انضمام الطرف الآخر للاتحاد الأوروبي، مع منح صرب كوسوفا مستوى مناسبًا من الإدارة الذاتية وإمكانية الحصول على أموال من صربيا. ورغم ذلك فإن التوتر الحاصل حاليًّا جاء بسبب أمور تتعلَّق بعدم تنفيذ ما ورد في هذا الاتفاق الذي لم يتم التوقيع عليه[27].

وتُعَدُّ مقترحات السلام السابقة تطويرًا لخطةٍ تمَّ الكشْف عنها منتصف 2022 تضمَّنت مواد مشابهة، لكن مع التزام كوسوفا بإنشاء رابطة البلديات ذات الأغلبية الصربية، وهو أمر اشترطت كوسوفا أن يكون في ضوء منح صلاحية إلغاء قرارات الرابطة من جانب السلطة المركزية، فاتهم الاتحاد الأووروبي بريشتينا بعرقلة الحوار، وهو أمر رفضه رئيس وزراء كوسوفا ألبين كورتي الذي اتهم مسؤولي الاتحاد الأوروبي بالانحياز لصالح صربيا بالإصرار على تنفيذ جانب واحد من الاتفاق[28].

  • الولايات المتحدة الأمريكية: بين الدعوة لضبط النفس ومعاقبة كوسوفا

في بداية التوتر الحالي أعربت الولايات المتحدة الأمريكية عن قلقها إزاء تطورات الأوضاع في شمال كوسوفو، مع إدانة الهجمات التي تعرَّض لها أفراد الأمن من شرطة كوسوفا والوكالات الدولية الأخرى مع الدعوة لممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتهدئة الموقف، ودعت الولايات المتحدة “من نصبوا الحواجز” على الطرق إلى إزالتها فورًا مع مطالبة الجميع بالتوقُّف عن التهديد والترهيب.

واعتبرت الولايات المتحدة أن اعتقال أحد أفراد الشرطة من الصرب من جانب سلطات كوسوفا يعطي المبرِّر لإغلاق الشوارع وممارسة أشكال التهديد والترهيب، سواء ضدَّ السلطات أو ضدَّ السكَّان المدنيِّين[29]. هكذا صدر بيان عن سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية في كل من صربيا وكوسوفا دون أن يسمِّي الجهة التي قامت بقطع الطرق رغم أنه سمى الجهة التي ألقت القبض على الشرطي الصربي!

في تطوُّر لاحق للموقف الأمريكي بالتوازي مع التطورات على الأرض، انتقدت الولايات المتحدة الأمريكية تعيين رؤساء ألبان لولايات تقْطنها أغلبية صربية، كما عاقبت كوسوفا بإقصائها عن المشاركة في مناورات عسكرية تقودها واشنطن في أوروبا بدعوى أن عملية التعيين تمَّت قسريًّا[30]، كما دعت صربيا إلى سحب حشودها العسكرية على الحدود مع كوسوفو[31].

إذن رغم الحشود العسكرية التي تقوم بها صربيا على طول الحدود ورغم الاتهامات الموجهة لبلجراد بدعم المليشيات الصربية شمال كوسوفا ورغم الاعتداءات التي مورست على قوات حفظ السلام في البلاد؛ فإن عقابًا لم يطل بلجراد أو الأقلية الصربية في كوسوفا، في الوقت الذي عوقبت فيه الأخيرة لإجرائها انتخابات أسْفرت عن اختيار مواطنين ذوي أصول ألبانية في ظلِّ مقاطعة صربية. وفي حين كانت الإدانة واضحة لإلقاء القبض على شرطي صربي كوسوفي مع توصيف واضح للواقعة اعتبرتها الولايات المتحدة المبرر وراء ارتكاب الانتهاكات من جانب أقلية الصرب، في مقابل أن عمليات قطع الطرق وإغلاق المعابر لم تنسبها الولايات المتحدة لجهة محددة!

وتجدر الإشارة إلى أنه منذ تدخُّل الناتو في كوسوفا؛ تتبنَّى الولايات المتحدة الأمريكية موقفًا مقاربًا لموقف الاتحاد الأوروبي المتعلِّق بضرورة تسوية الخلافات بين كلٍّ من صربيا وكوسوفا على أساس الحوار، فأكَّدت بشكل دائم دعمها لمساعي الاتحاد الأوروبي لتطبيع العلاقات بين صربيا وكوسوفا[32]. كما أسهمت الولايات المتحدة تحت قيادة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب سنة 2020 في التوصل لاتفاق اقتصادي بين الطرفين، تضمَّن تعهُّدات بتدشين خط للسكك الحديدية وطريق سريع يربطهما دون اتفاق على تطبيع العلاقات السياسية بينهما[33]. ورغم الموقف الأمريكي الأخير الذي قد يبدو منحازًا لصربيا فإن الولايات المتحدة وبخلاف الاتحاد الأوروبي والناتو قد رحبت سنة 2018 بتبني برلمان كوسوفا تشريعًا يهدف لإنشاء جيش دفاع عن البلاد كجزء من ممارسة بريشتينا سيادتها.

يمكن تفسير تناقضات الموقف الاوروبي والأمريكي والناتو على أنه جزء من إدارة اللعبة مع روسيا التي تستخدم صربيا في إطار تصارعها وتنافسها مع الغرب، ومن ثم فهذه الكيانات غير راغبة في دفع بلجراد نحو موسكو أكثر من خلال مواقف متشدِّدة تجاه تصرُّفاتها نحو كوسوفا[34]؛ إذ من متطلبات الحوار الأساسية بين الجانبين -إذا كانت المؤسسات الغربية راغبة في حلِّ التوتُّرات عبر الحوار- الاعتراف بوجود الطرف الثاني ابتداءً، أي اعتراف صربيا باستقلال كوسوفا، ثم التناقش حول ما يلي ذلك من أمور، وهو أمر لم يبذل فيه الغرب الجهود ولا الضغوط المطلوبة لدفع بلجراد إليه.

  • تناقضات الموقف الروسي بين أوكرانيا وكوسوفا

يعدُّ الموقف الروسي من توترات كوسوفا امتدادًا لموقفها التاريخي الرافض للاستقلال واعتباره انفصالا من جانب واحد، كما انتقدت روسيا تدخل حلف الناتو ضد يوغوسلافيا الاتحادية لوقف الجرائم ضد الأغلبية الألبانية عام 1999، بدعوى أنها تعد انتهاكًا للمواثيق الدولية وتحديدًا ميثاق الأمم المتحدة؛ خاصة وأن التدخُّل وقع دون الحصول على الضوء الأخضر من مجلس الأمن الدولي[35].

منذ اشتعال التوتر الحالي بين كلٍّ من صربيا وكوسوفا، سارعتْ موسكو إلى إعلان دعمها المطلق لبلجراد وتقديم أوجه المساعدة المطلوبة؛ في ظلِّ تفهُّمها لمخاوف صربيا، وكجزء من مساعي روسيا للعب دور في حلِّ المشكلات الدولية، وفق الدعاية الروسية. ولأن موسكو تتخذ من هذا التوتر ورقة للضغط على الغرب وتحديدًا الاتحاد الأوروبي، وفي ظل الحرب الروسية الأوكرانية المشتعلة منذ نحو عامين، فقد ألقت وزارة الخارجية الروسية باللائمة على الاتحاد الأوروبي بالنسبة لإعلان تيرانا الناجم عن اجتماع القمة الذي عقده الاتحاد الأوروبي في ألبانيا يوم 6 ديسمبر 2023، والذي يدعم تطلُّعات دول يوغوسلافيا السابقة للانضمام إليه مع المساواة بين كلٍّ من صربيا وكوسوفا بالنص على أنهما “تقفان على المسار الأوروبي”؛ معتبرة أن الموقف الأوروبي يحمل تناقضات داخلية تتعلَّق بسوق الأمنيات لصربيا في نفس الوقت الذي يجري فيه دعم خصومها[36].

وهنا تجدر الإشارة إلى تناقضات الموقف الروسي في كوسوفا مقارنة بأوكرانيا؛ ففي الوقت الذي رفعت فيه موسكو شعار حق تقرير المصير للاستحواذ على القرم في 2014 ودونيتسك ولوجانسك في 2022؛ لا تزال ترى ذلك محرَّمًا على الأغلبية الألبانية في كوسوفا وتدعم بشكل مطلق صربيا؛ نكاية في الغرب بشكل أساسي.

  • المواقف الإسلامية من توترات كوسوفا

رغم أن كوسوفا ذات أغلبية مسلمة فإنها لا تتمتَّع بعضوية منظمة التعاون الإسلامي، بسبب اشتراط أن تكون عضوًا في الأمم المتحدة كشرط مسبق لعضوية المنظمة الإسلامية، وهو ما لم يتحقَّق حتى الآن في ظل اعتراض صربيا وحلفائها خاصة روسيا[37]، فضلًا عن أن كوسوفا لم تحصل بعد على اعتراف كافة أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي.

وإزاء التوتُّر الحاصل في كوسوفا، يصعب رصد موقف محدد صادر عن منظمة التعاون الإسلامي أو حتى كثير من الدول الأعضاء. لكن يمكن الإشارة لموقف الإمارات التي أعلنت متابعة التوتُّرات بقلق مع التأكيد على الالتزام بالقانون الدولي والحوار والبعد عن التصعيد[38].

وفي إطار الناتو، أعلنت وزارة الدفاع التركية، في يونيو 2023 إرسال كتيبة من القوات الخاصة إلى كوسوفا، مع الدعوة لضبط النفس لتسوية التوترات[39]. لكن في تطور أكثر وضوحًا بشأن الدعم التركي لكوسوفا أعلنت الأخيرة في يوليو أي بعد نحو شهر من وصول وحدة الكوماندوز التركية، شراءها مسيرات تركية طراز “بيرقدار تي بي 2″، وهي المسيرات التي أحدثت تطورًا نوعيًّا في أداء الجيش الأوكراني في مواجهة الغزو الروسي وفي حرب التحرير الأذربيجانية ضد أرمينيا، وقد أثارت الخطوة انتقادات حلف شمال الأطلسي على أساس أن قوته الموجودة في كوسوفا هي المسؤولة عن توفير الحماية الجوية في البلاد[40].

وربما تسهم الخطوة التركية في إعادة إحياء خطة كوسوفا لإنشاء جيش دفاع وطني بعد تصويت البرلمان على هذا الإجراء سنة 2018، وهي الخطوة التي أثارت حينها انتقادات أطراف كثيرة من روسيا للناتو للاتحاد الأوروبي لصربيا لصرب كوسوفا ولم يدعم هذه الخطوة سوى الولايات المتحدة الأمريكية[41].

سارعت تركيا إلى الاعتراف باستقلال كوسوفو، كما أنها تقدِّم العديد من أوجه الدعم الاقتصادي والسياسي والأمني والعسكري[42]، وتعد إحدى الوجهات القليلة التي يمكن لحملة جواز السفر الكوسوفي الدخول إليها دون السير في إجراءات الحصول على تأشيرة[43]، ومع ذلك انتقدت تركيا تضمين اتفاق تطبيع العلاقات بين كوسوفا وصربيا بندًا يتعلق بإنشاء سفارة لكوسوفا في القدس[44].

بالتوازي تتبنَّى تركيا نهجًا يقوم على أهمية التفاهم والحوار بين صربيا وكوسوفا لحلِّ الخلافات بينهما، فتحافظ على علاقة طيبة مع صربيا وتحاول جمع الطرفين في مشاورات ومباحثات بهدف خفض التوتُّرات، فقام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة صربيا عامي 2017 و2019 مع التوقيع على 9 اتفاقيات تعاون جديدة خاصة في المجال التجاري والاقتصادي مع تدشين مشروع لإقامة طريق يربط صربيا مع البوسنة والهرسك. يأتي ذلك في إطار سياسة تركية ترمي إلى إقامة السلام المتوازن في منطقة البلقان مع تحقيق استفادة اقتصادية قصوى عبر فتح مجالات الاستثمار لرجال الأعمال والشركات التركية وهي تتحرَّك مدركةً إرثَها التاريخي والثقافي منذ الدولة العثمانية التي ضمنت تعايُش جميع هذه الإثنيَّات في ظلِّ نظام الملل الذي تبنَّتْه وسمحَ بالاختلافات والتمايُزات الدينية والثقافية والعرقية دون استئصال، كما يوضح ذلك مسؤولون أتراك[45].

خاتمة: هل تندلع حرب جديدة في البلقان؟

في ظلِّ توتُّر الأوضاع بين كلٍّ من كوسوفا وصربيا وعدم حسم وضعية الأقلية الصربية في البلاد؛ يُثار التساؤل: هل يمكن أن يتطوَّر التوتُّر إلى حرب في منطقة البلقان؟

تكثر التحذيرات من مغبَّة اندلاع حرب جديدة في البلقان على خلفية التوتُّر بين كلٍّ من صربيا وكوسوفا، وهي تحذيرات ومخاوف تعزِّزها عمليات حشْد الجنود والمعدَّات العسكرية الصربية على الحدود، وسط اتهامات كوسوفا لبلجراد بدعم المليشيات الإجرامية المسلَّحة والسعي لاحتلال بلدات الشمال والتمسُّك بعلاقة خاصة به دونًا عن مجمل أراضي كوسوفو، مع التهديد بعدم السماح بدخول جندي صربي واحد للبلاد، لكن احتمال التوجُّه للحرب ربما يكون ضئيلًا وإن كان غير مستحيل بطبيعة الحال، وتعود ضآلة هذا الاحتمال لعدة أسباب أبرزها:

  1. التكاليف الباهظة للحرب والتي يصعب على أيٍّ من الطرفين الساعييْن إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي تحمُّلها.
  2. إن جُلَّ تركيز كوسوفا حاليًّا يتمحور حول إعادة ترتيب البيت الداخلي وتحسين مستوى المعيشة في ظلِّ الموارد المحدودة التي تمتلكها، فضلًا عن الحاجة إلى إعادة هيكلة أجهزة الدولة.
  3. يصعب على صربيا تحمُّل تكلفة حرب جديدة في ظلِّ الإنهاك الذي يُعانيه اقتصادُها جَرَّاءَ الحروب التي خاضتْها بعد انتهاء الحرب الباردة ضدَّ جمهوريات يوغوسلافيا الاتحادية السابقة، في ظلِّ مساعيها نحو الاستقلال والانفصال، فضلًا عن اعتماد اقتصادها شبه الكلي على أوروبا.
  4. رغم موجات التصعيد المتبادل بين كلٍّ من كوسوفا وصربيا؛ فإن الطرفين يضعان حدًّا لمستوى التصعيد الذي يتبنونه، ففي ظلِّ تصاعد الأزمة بينهما قبل نهاية 2022 ومع إلقاء شرطة كوسوفا القبض على شرطي صربي سابق في صفوفها وقيام المحتجين الصرب بإغلاق الطرق الرئيسية؛ لم تتدخَّل السلطات الكوسوفية لحلِّ الأزمة من تلقاء نفسها، بل طلبت من قوات حفظ السلام التابعة لحلف الناتو فتحَ الشوارع حتى لا تضطر قوات الأمن للقيام بذلك مباشرة. وفي المقابل لجأت صربيا إلى الناتو لطلب السماح لها بإرسال قواتها إلى كوسوفا لحماية الأقلية الصربية هناك[46]. وتعني هذه الخطوة من الطرفين وجود سقف للتصعيد ينبغي الالتزام بها.
  5. تشير التقديرات إلى أن التصريحات الصربية بشأن طلب نشر قوات في شمال صربيا هي مجرد دعاية سياسية في ظلِّ الرفض الأكيد من جانب الناتو لهذه الخطوة.
  6. إصرار الناتو على دعم قواته المسؤولة عن السلام في كوسوفا يُظهر أنه يسْعى لعدم السماح باندلاع حرب جديدة في أوروبا، في وقت يُعَدُّ فيه التدخُّل العسكري الصربي في كوسوفا هو اشتباك صريح مع قوات الناتو، وهي مخاطرة يصعب على بلجراد تحمُّل عواقبها.
  7. في حالة شَنِّ حربٍ ضد كوسوفا ستواجه صربيا ردودَ فعلٍ قويةً من جانب أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، في وقت تواجه فيه روسيا -أكبر حلفائها- تحديات كبيرة في أوكرانيا.

في النهاية يبقى من المهم التأكيد على أنه رغم الموقف الأوروبي والأمريكي الداعم لحفظ السلام في كوسوفا؛ فإن موقف البلدين يثير العديد من الملاحظات أولها: عدم المساعدة في تسوية الوضع في شمال كوسوفا بما يسمح للأخيرة بممارسة سيادتها الكاملة، وثانيها: أنه يجري التسوية بين السلطة الشرعية الساعية لبسْط سيطرتها على جزءٍ من إقليمها ومواجهة النفوذ الصربي القوي فيه، وبين ميليشيات مسلَّحة مدعومة من الخارج، فتتم مطالبة الطرفين بضبط النفس وعدم التصعيد.

وفي حال عدم التوصُّل لصيغةٍ تمارس فيها كوسوفا سلطتها كاملة وتضمن حقوق الأقلية الصربية دون تدخُّلات بلجراد؛ فإن التوتُّرات بين الطرفين تبقى مرشَّحة للاستمرار والتصاعد؛ كما يتطلَّب الأمرُ حيادًا من جانب الوسطاء وبناء مؤسسات الدولة في كوسوفا لتكون قادرةً على ممارسة سلطاتها دون أن تبقى رهينةَ المواقف الدولية وتقلُّباتها.

 

 

هوامش

[1] “الناتو” يعزز قواته في كوسوفا وبيربوك تحذر من المزيد من التصعيد، دويتش فيله، 1/10/2023، متاح عبر الرابط التالى: https://cutt.us/n4C9E

[2] كريم الماجرى، الأزمة البوسنية ومعوقات البناء والإصلاح، الدوحة، مركز الجزيرة للدراسات، مارس 2012، ص 2.

[3] محمد شربي، ما الذي يؤجج الصراع المستمر بين كوسوفا وصربيا؟، الجزيرة نت، 29/12/2022، متاح عبر الرابط التالى: https://cutt.us/BsXZ4

[4] جمعة حمد الله، مصر تعترف باستقلال كوسوفو.. وممثلها بالقاهرة: كنا نتتظر هذا القرار من سنوات، المصري اليوم، 26/6/2013، متاح عبر الرابط التالى: https://www.almasryalyoum.com/news/details/226350

[5] جيلان الجمل، السفير المصرى فى بلجراد لـ «الأهرام»: صربيا تكن تقديرا كبيرا لمصر وتدعمها فى حربها على الإرهاب، الأهرام، 7/11/2016، متاح عبر الرابط التالى: https://cutt.us/dN26q

[6] صربيا: مصر “تجمد” الاعتراف باستقلال كوسوفا المعلن من طرف واحد، سبوتنيك عربي، 21/7/2022، متاح عبر الرابط التالى: https://cutt.us/l6yN9

[7] الولايات المتحدة تحث صربيا على سحب قواتها من المنطقة الحدودية مع كوسوفا وسط تصاعد التوترات، بي بي سي، 30/9/2023، متاح عبر الرابط التالى: https://www.bbc.com/arabic/articles/cn0qgdv5dvvo

[8] لماذا يستمر التوتر بين كوسوفا وصربيا بعد 15 عاما على إعلان بريشتينا استقلالها؟، فرانس 24، 25/9/2023، متاح عبر الرابط التالى: https://cutt.us/nVbBM

[9] توتر عرقي متفاقم في كوسوفو، الجزيرة نت، 12/12/2022، متاح عبر الرابط التالى: https://cutt.us/WlCsw

[10] قادة كوسوفا يوقعون طلبا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وصربيا تطالب برفضه، الجزيرة نت، 14/12/2022، متاح عبر الرابط التالى: https://cutt.us/miZgO

[11] كوسوفو: الناتو مستعد لإرسال المزيد من القوات إلى بريشتينا بعد الاضطرابات، بي بي سي، 1/6/2023، متاح عبر الرابط التالى: https://www.bbc.com/arabic/world-65780659

[12] كوسوفو.. تحذير من هجمات محتملة على البعثة الأوروبية والولايات المتحدة تعرب عن قلقها “العميق” إزاء الوضع المتوتر، الجزيرة نت، 12/12/2022، متاح عبر الرابط التالى: https://cutt.us/kw3xw

[13]هل تشعل التوترات بشمال كوسوفا حربا جديدة في البلقان؟، الجزيرة نت، 16/12/2022، متاح عبر الرابط التالى: https://cutt.us/TfN17

[14] بريطانيا تعزز وجود حلف الناتو لحفظ السلام في كوسوفا مع تصاعد التوترات، بوابة الشروق، 1/10/2023، متاح عبر الرابط التالى: https://cutt.us/K7qpj

[15] كوسوفو: الناتو مستعد لإرسال المزيد من القوات إلى بريشتينا بعد الاضطرابات، مرجع سبق ذكره.

[16] Additional NATO reinforcements arrive in Kosovo, NATO, 14/10/2023, Available at: https://www.nato.int/cps/en/natohq/news_219451.htm?selectedLocale=en

[17] كوسوفو: الناتو مستعد لإرسال المزيد من القوات إلى بريشتينا بعد الاضطرابات، مرجع سبق ذكره.

[18] كوسوفو.. تحذير من هجمات محتملة على البعثة الأوروبية والولايات المتحدة تعرب عن قلقها “العميق” إزاء الوضع المتوتر، مرجع سبق ذكره.

[19] التوتر يتصاعد بين كوسوفا والصرب.. ما الأسباب؟، الحرة، 25/9/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/6gXdg

[20] كوسوفا تقرر تأسيس جيش نظامي وصربيا وروسيا تعترضان، الجزيرة نت، 14/12/2018، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/16aif

[21] المرجع السابق.

[22] توتر عرقي متفاقم في كوسوفو، مرجع سبق ذكره.

[23] الاتحاد الأوروبي يعلن فشل الوساطة بين صربيا وكوسوفو، يورو نيوز، 15/9/2023، متاح عبر الرابط التالى: https://cutt.us/hAKzJ

[24] صراع متجدد: هل ستدفع الأوضاع المتأزمة بين كوسوفا وصربيا نحو حرب جديدة؟، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 4/1/2023، متاح عبر الرابط التالى: https://cutt.us/alQFf

[25] الناتو: الوضع في كوسوفا غير مستقر إطلاقا، الجزيرة نت، 6/9/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3MU9Q51

[26] كوسوفا وصربيا: اتفاق تاريخي بوساطة أوروبية لتطبيع العلاقات، بي بي سي، 19/4/2013، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3QJDJae

[27] اتفاق بين صربيا وكوسوفا على تطبيع العلاقات والاتحاد الأوروبي يؤكد الحاجة للمزيد من المحادثات، فرانس 24، 28/2/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/UNwL4

[28] التوتر يتصاعد بين كوسوفا والصرب.. ما الأسباب؟، الحرة، 25/9/2023، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/6gXdg

[29] كوسوفو.. تحذير من هجمات محتملة على البعثة الأوروبية والولايات المتحدة تعرب عن قلقها “العميق” إزاء الوضع المتوتر، مرجع سبق ذكره.

[30] كوسوفو: الناتو مستعد لإرسال المزيد من القوات إلى بريشتينا بعد الاضطرابات، مرجع سبق ذكره.

[31] الولايات المتحدة تحث صربيا على سحب قواتها من المنطقة الحدودية مع كوسوفا وسط تصاعد التوترات، مرجع سبق ذكره.

[32] كوسوفا وصربيا: اتفاق تاريخي بوساطة أوروبية لتطبيع العلاقات، مرجع سابق.

[33] صربيا وكوسوفا تأملان أن يفضي اتفاقهما الاقتصادي إلى تطبيع العلاقات السياسية، رويترز، 7/9/2020، متاح عبر الرابط التالي: https://reut.rs/3MyqRBw

[34] ياسين أقطاي، الخلفية التاريخية للتوتر في كوسوفا ودور تركيا، الجزيرة نت، 9/8/2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/DCR6e

[35] صربيا: مصر “تجمد” الاعتراف باستقلال كوسوفا المعلن من طرف واحد، مرجع سبق ذكره.

[36] محمد شربي، ما الذي يؤجج الصراع المستمر بين كوسوفا وصربيا؟، مرجع سبق ذكره.

[37] سيد قاسم المصري، الخلافة لم تعد الإطار الأمثل للتعاون الإسلامي، بوابة الشروق، 22/9/2022، متاح عبر الرابط التالى: https://cutt.us/0m3tX

[38] الإمارات تدعو صربيا وكوسوفا إلى خفض التصعيد والعودة إلى الحوار، مركز الاتحاد للأخبار، 28/9/2023، متاح عبر الرابط التالى: https://cutt.us/1dJrM

[39] تركيا تجهز كتيبة كوماندوس لمهمة خارجية بطلب الناتو، روسيا اليوم، 3/6/2023، متاح عبر الرابط التالى: https://cutt.us/QUfX5

[40] حلف الناتو يحذّر كوسوفا من عواقب شراء مسيَّرات مسلحة، الغد، 17/7/2023، متاح عبر الرابط التالى: https://cutt.us/5Snje

[41] كوسوفا تقرر إنشاء جيش لتأكيد سيادتها، فرانس 24، 14/12/2018، متاح عبر الرابط التالى: https://cutt.us/EsogX

[42] ياسين أقطاي، الخلفية التاريخية للتوتر في كوسوفا ودور تركيا، الجزيرة نت، 9/8/2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/DCR6e

[43] الدول التي لا تخضع لقانون تأشيرة الدخول إلى تركيا،  موقع شركة اينفست، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/jmXB3

[44]Turkey ‘disappointed’ by Kosovo’s move to recognise Israel, timesofisrael, 6/9/2020, Available at: https://cutt.us/DzMZL

[45] ياسين أقطاي، الخلفية التاريخية للتوتر في كوسوفا ودور تركيا، الجزيرة نت، 9/8/2022، متاح على: https://cutt.us/DCR6e

[46] محمد شربي، ما الذي يؤجج الصراع المستمر بين كوسوفا وصربيا؟، مرجع سبق ذكره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى