مسلمو شمال القوقاز بين دوافع الاستقلال وعوائقه: من الحرب الشيشانية الأولى إلى الحرب الشيشانية الثانية

المقدمة:

يقول البعض:[1] إذا كانت نهاية الإمبراطورية الروسية وإعلان اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية ثورة غيرت هيكل النظام العالمى، فلقد أضحت نهاية الاتحاد السوفيتى وإعلان رابطة الدول المستقلة ثورة غيرت العالم، وبينما قادت الثورة الأولى إلى نظام انقسم العالم بشأنه، أدت الثانية إلى وضع تحير العالم فى أمره، ولكن البعض الآخر يقول:[2] إن انفراط عقد الاتحاد السوفيتى قد أعاد للذاكرة المسلمة وعيها بالمسلمين المنسيين أى مسلمى الاتحاد السوفيتى السابق سواء فى جمهورياته المستقلة ذات الأغلبية المسلمة أو فى الجمهوريات ذات الحكم الذاتى فى الاتحاد الروسى وريث الاتحاد السوفيتى، وبقدر ما تعددت الدراسات والاهتمامات فى بداية التسعينيات[3] حول مستقبل النظم الداخلية فى هذه الجمهوريات وحول مستقبل توجهات سياساتها الخارجية، بقدر ما كان يقع فى صميم هذه الاهتمامات التساؤل التالي: هل ستؤثر إعادة اكتشاف هذه الجمهوريات لهويتها القومية والدينية فى هذا المستقبل؟ وكان من أهم القضايا محل الاهتمام قضية مستقبل الشعوب المسلمة فى الاتحاد الروسى والتى تمثل أقليات على صعيده مقارنة بالأغلبية الروسية، وكانت حرب الشيشان (1994 – 1996) تعبيرًا عن أزمة التفكك القومى التي أضحى يواجهها الاتحاد الروسى وحاولت روسيا تسكين الأزمة قهرًا إلا أن الأزمة عادت للظهور بقوة فى شمال القوقاز فى عام 1999 حينما لجأت روسيا ثانية للقوة العسكرية لكبح جماح المطالب الانفصالية فى داغستان ثم استدارت لتصب جام غضبها على أراضى الشيشان، ومن ثم فإن الأحداث الراهنة فى القوقاز تمثل الحلقة الثانية من قضية الشيشان فيما بعد “العصر السوفيتى” وهى القضية التي تجذرت جذورها فى “العصر الإسلامى” و”العصر الروسى” من تاريخ هذه المنطقة والتى يبين تواترها أن مطالب الاستقلال الشيشانية ليست مفاجئة أو طارئة ولكن تاريخ العلاقات الروسية الشيشانية –فى مراحله المتعاقبة- ليس إلا تاريخ المقاومة الشيشانية لمحاولات الهيمنة الروسية حفاظًا على الاستقلال القومى الشيشانى؟
تحاول الدراسة الإجابة عن مجموعة من التساؤلات وتقديم ما يعين على تفسير البعض منها، ويمكن إجمال هذه التساؤلات فى:
أولًا: ما هى الجذور التاريخية للأوضاع فى داغستان والشيشان؟
ثانيًا: كيف تطور الصراع من الشيشان للشيشان عبر داغستان؟ وما هى مواقف أطراف الصراع الأساسية خلال الأزمة الأخيرة؟
ثالثًا: ما هى مصادر مساندة شمال القوقاز وخاصة من جانب العالم الإسلامى؟ وهل هناك دور لأطراف خارجية؟
رابعًا: كيف جاءت المواقف الغربية؟
وتنطلق هذه الأسئلة من إشكاليات أساسية، من أهمها ما يلى:
1. العلاقة بين البعد القومى – الدينى للصراع الروسى – الشيشانى وبين البيئة الروسية و الشيشانية الداخلية، والبيئة الإقليمية حول القوقاز، والبيئة الدولية وخاصة ما يتصل بدور الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى.
2. العلاقة بين طموحات الاستقلال القومى الدينى – تحت تأثير الاعتبارات التاريخية – وبين الإمكانيات والقدرات اللازمة لتحقيقه واستمراره فى ظل معادلة المكاسب والخسائر، وبين اتجاهات التطور فى النظام العالمى التي تعكس تنامى التكتلات عبر القومية من ناحية وتنامى الدعوة لحماية حقوق الشعوب فى تقرير مصيرها من ناحية أخرى.
3. آثار قضايا الاستقلال القومى وحق تقرير المصير للشعوب (التي تسمى أيضًا قضايا الانفصال والإرهاب) على الأمن الإقليمى وكيفية توظيفها فى لعبة توازنات القوى العالمية والإقليمية المحيطة.
ومن ثم وعلى ضوء هذه الأسئلة العامة والإشكاليات تبرز مجموعة من الأسئلة المحددة: ما الذى فجر الحرب الثانية فى الشيشان؟ ما الفارق بين أسلوب إدارتها وبين أسلوب إدارة الحرب الأولى التي اندلعت فى عام 1994 سواء من حيث مواقف الطرف الروسى أو الشيشانى أو الأمريكى والأوروبى أو الإسلامى؟ وهكذا وإذا كانت بؤرة الدراسة هى الحرب فى شمال القوقاز منذ أغسطس 1999 إلا أن إطارها العام يمتد إلى ما قبل ذلك.

أولًا: الجذور التاريخية للقضية:

دخل الإسلام منطقة القوقاز مع نهاية عهد الخليفة عمر بن الخطاب لكنها لم تدخله بشكل نهائى إلا منذ فتوحات مسلمة بن عبد الله بن مروان فى القرن الثانى الهجرى ثم خضعت القوقاز بأكملها للحكم المغولى[4] الذى حكم الروس أيضًا زهاء ثلاثة قرون وحتى بدأت إمارة روسيا نموها وتطوير توسعها الإمبراطورى فى آسيا ونحو أوروبا مرورًا بالقوقاز، ولقد كان لروسيا القيصرية تاريخ صراعى واضح مع منطقة القوقاز خاصة إذا ما نظرنا إلى طبيعة تكوين هذه الإمبراطورية، فقد تكونت روسيا القيصرية – تلاها الاتحاد السوفيتى فى ذلك – انطلاقًا من مركز يسعى لاحتلال المدى المحيط به ولجأ فى ذلك لأنماط ثلاثة[5]:
1. الاندماج: وهو ما حدث بالنسبة لأوكرانيا وروسيا البيضاء.
2. الضم السافر: وهو ما حدث مع أرمينيا وجورجيا ودول البلطيق وبولندا وفنلندا.
3. الغزو الاستعمارى الصرف: وهو ما حدث بالنسبة لشمال القوقاز وسيبريا وآسيا الوسطى، وهكذا تأسست الإمبراطورية القيصرية – وبعدها السوفيتية – فى شكل واحد ظاهريا لكنها كانت تضم كيانات قومية مقهورة وتشكيلات تاريخية ذات حضارات وعرقيات متعددة.
وقد اعتبر كثير من المؤرخين الضريبة الثقيلة للتصدى لثورات القوقاز التي دفعتها القوات المسلحة الروسية سببًا أساسيًا فى عدم قدرة القياصرة على توسيع إمبراطوريتهم للسيطرة الفعلية على جميع وسط وشرق أوروبا، وحتى على أجزاء كبيرة من إيران والصين[6] بدأت محاولات روسيا القيصرية فرض هيمنتها على القوقاز فى منتصف القرن السادس عشر، ولكن هيمنتها السياسية فى تلك المنطقة كانت شكلية لحد بعيد، ومنذ عام 1783 اتخذ الغزو الروسى طابعًا جديًا ولكن شعوب القوقاز خاضت حروبًا طويلة ضد الغزو الروسى، وقادت الطرق الصوفية النقشبندية والقادرية – حركة المقاومة الدينية – القومية للغزو، وتزعم تلك الحركة الشيخ منصور أوشومرا وهو شيشانى نقشبندى – وقد امتدت الحركة على جبهة القوقاز وألحقت بالجيش الروسى خسائر فادحة، ولكن هذا الجيش استطاع فى النهاية أن يهزم حركة المقاومة وأن يأسر الشيخ منصور الذى توفى مأسورًا فى عام 1793 لكن حركة المقاومة ما لبثت أن اندلعت بقيادة حركة المريدين التي قادها الشيخ شامل ابتداءً من عام 1834 واستطاع أن يقيم أول دولة قوقازية فى التاريخ بعد أن وحد شعوب القوقاز الجبلية تحت نظام الإمامة وقاد على امتداد سنوات ثورته أطول حرب ضد روسيا القيصرية فى تاريخها (1834-1859)، وتأكدت السيطرة الروسية على القوقاز منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادى بعد القضاء على هذه الثورة، ولقد أحاط بالمقاومة الشيشانية ضد السيطرة الروسية إطار من توازنات القوى الإقليمية والعالمية لعب دوره فى الصراع الشيشانى الروسى، فلقد كان للتداخل بين التوجه الروسى غربًا نحو أوروبا –وعبر الأراضى العثمانية– من ناحية، وللصراع الإيرانى – العثمانى، وللصراع العثمانى – الروسى، والصراع الإيرانى – الروسى من ناحية أخرى تأثيراتهم على موجات امتداد السيطرة الروسية أو انحسارها عن هذه المنطقة حتى تمت لها السيطرة النهائية فى عام 1859[7] ولقد استحكمت مع الاحتلال أساليب “روسنة ” المنطقة والتى استمرت بعد ذلك أيضًا فى إطار ” السفيتة “[8]
بعد قيام الثورة البلشفية فى روسيا عام 1917 بدأت فى شمال القوقاز مرحلة جديدة فى تاريخ شعوب هذه المنطقة بعد استعادتهم الاستقلال مع سقوط الإمبراطورية حيث أسس مندوبو شعوب القوقاز فى المؤتمرين الأول والثانى المنعقدين فى مايو، سبتمبر 1917 جمهورية ” اتحاد أبناء جبال القوقاز ” المعروفة فى الوثائق الرسمية باسم “الجمهورية المستقلة لشعوب الجبل فى شمال القوقاز ” وكان لهذه الجمهورية برلمان وحكومة تهدف إلى بناء جمهورية شمال القوقاز الديمقراطية الفيدرالية، ثم تكوين علاقة فيدرالية مع الاتحاد الديمقراطى الروسى مستقبلًا، ولكن هذه الجمهورية لم يستمر بقاؤها سوى عامين، وحتى أوائل عام 1918 كانت هناك جمهورية مستقلة تحمل اسم ” جمهورية الجبل المتحدة” وتضم جمهوريات شمال القوقاز، ثم ضمت هذه الجمهوريات قسرًا بواسطة الجيش الأحمر إلى الاتحاد السوفيتى فى 20 يناير 1920، ومنذ ذلك التاريخ أخذت هذه الجمهوريات فى التفكك حيث لجأت الحكومة السوفيتية -فيما عرف بأسلوب السفيتة- لتغيير حدودها وتبديل أقسامها وتهجير شعوبها ولم يقبل الشيشانيون إعادة احتلالهم وقاوموا بكل السبل الممكنة خلال العشرينيات والثلاثينيات، وكانت أكبر حملة من حملات التهجير الجماعى التي تعرضت لها شعوب هذه المنطقة وعلى رأسها الشيشان حين هاجمت ألمانيا النازية الاتحاد السوفيتى واتهم ستالين شعوب هذه المنطقة بالتعاون مع الألمان، وفى عام 1957 – أى بعد وفاة ستالين – سمح خروشوف للشيشان والأنجوش بالعودة إلى موطنهم الأصلى، ولكن السوفيت كانوا قد زرعوا أراضى الشيشان بالمستوطنين الروس مما أدى إلى صدمات حادة بينهم وبين الشيشان من أهمها ذلك الصدام الذى وقع عام 1958[9]
على ضوء هذا التطور التاريخى فإن شمال القوقاز يتسم كالتالي من حيث التركيبة العرقية والتكوينات السياسية[10]:
– من بين 21 جمهورية ذات حكم ذاتى يتكون منها الاتحاد الروسى المتعدد القوميات، توجد سبع جمهوريات فى إقليم شمال القوقاز ويتوزع فيه حوالي 5 ملايين نسمة بين نحو 60 قومية تتراوح أعدادها بين بضعة آلاف وعدة مئات من الألوف، ويرصد المراقبون نحو 30 نزاعًا على الحدود التي جرى رسمها وإعادة ترسيمها فى عهد ستالين ثم فى عهد خروشوف.
– تعتبر داغستان واحدة من أكثر المناطق المنقسمة أثنيا فى العالم، وحيث تقطنها حوالي 30 جماعة اثنيه أكبرها جماعة الآفار (25%)، يليهم الدارجين، الكوميوك، واللزجين، وغيرهم.
– الشيشان وفق آخر إحصاء لسكان الاتحاد السوفيتى السابق فى عام 1989، وقبل انفصال جمهورية الشيشان– الأنجوش لجمهوريتين، مثل الشيشان(55%) من السكان، والأنجوش حوالي (12%) والروس حوالي (20%)، ثم قوميات وأعراق أخرى.
– القره تشاى والشركس: هذه الجمهورية تضم بين سكانها العديد من القوميات مثل القرشيين (30%)، الشركس (10%)، الأباظيين (6.6%)، النوغائيين (3%)، بينما يشكل الروس حوالي (40%).
وشهد الإقليم فى عام 1999 بؤرًا عديدة للتوتر فى داغستان والشيشان وجمهورية القره تشاى والشركس[11] وإن كانت داغستان والشيشان هما الأبرز والأعنف.
ثانيًا: تطور الصراع من الشيشان للشيشان عبر داغستان: بين مطالب استقلال الشيشان والسياسات الروسية:
بعد أن شجع يلتسين طموحات القوميات فى الجمهوريات السوفيتية كسبيل للإسراع بتفكيك الاتحاد السوفيتى فكان خطابه للنخب المحلية فى هذه الجمهوريات ” خذوا ما استطعتم هضمه من السيادة “[12] (12) إلا أن حكم يلتسين واجهته تحديات مختلفة على رأسها تحدى التفكك من جراء مطالب الاستقلال التي تركز أخطرها فى الشيشان، فما هو الإطار الشيشانى الذى أفرز هذا التحدى؟ وكيف كانت الاستجابة الروسية؟
أ‌- مطالب الاستقلال الشيشانية وحروب ثلاثة:
اختلفت التحليلات حول الدوافع والمبررات والأهداف التي حركت مطالب الاستقلال الشيشانية فى التسعينيات، ولكن جمعها الحديث عن دور الإسلام أو ما يسمى “الإسلام الراديكالى فى تحريك شعوب القوقاز ضد روسيا من أجل تكوين دولة واحدة تجمعهم، فما حقيقة هذا الوضع وما هى مؤشراته وخاصة خلال أحداث عام 1999 التي سيتم التركيز عليها؟
1-من إعلان الاستقلال إلى الحرب الشيشانية الأولى ومعاهدة السلام 1997:
امتلأ تاريخ الاتحاد السوفيتى بأعمال القمع والنفى التي راح ضحيتها الشعب الشيشانى الذى اختزن خلال الحكم السوفيتى مشاعر الكراهية والترقب إلى أن جاء وقت انهيار الاتحاد السوفيتى فى عام 1991، فظهرت الخطوة الأولى للانفصال فى 2 نوفمبر 1991 عندما رفضت الجمهورية الشيشانية البقاء تحت السيادة الروسية وأجرت انتخابات أسفرت عن فوز الجنرال جوهر دوداييف الذى سرعان ما أعلن استقلال الجمهورية عن الاتحاد الروسى، وانفجرت الحرب بين روسيا والشيشان عندما زحف الجيش الروسى فى عام 1994 على العاصمة الشيشانية سعيًا لوأد الاستقلال الذى أعلنته الشيشان[13] وشهدت الحرب التي استمرت عامين مقاومة شيشانية عنيفة وتعرض الشعب الشيشانى للمذابح وتعالت الانتقادات الخارجية للمسلك الروسى وانتهاكه حقوق الإنسان، وتعددت التحليلات حول أسباب المطالبة بالاستقلال ما بين أسباب قومية -دينية تاريخية- أسباب اقتصادية وأخرى سياسية، كما تباينت تفسيرات قيام روسيا بالحرب وعواقبها على الوضع الداخلى والخارجى الروسى، ناهيك عن أسباب انتهاء الحرب أيضًا دون نتيجة حاسمة سواء بالنسبة للروس أو الشيشانيين. وفى 23 نوفمبر 1996 وقع الطرفان اتفاق سلام، وجاءت أبرز بنود الاتفاق كالتالى[14]:
• تأمين حرية انتقال المواطنين والشخصيات المسئولة ووسائل النقل وبالتالي عودة نشاط المطار المدنى فى جروزنى وخطوط النقل البرى والسكك الحديدية حتى أول ديسمبر 1996.
• البدء بأولوية تقرير القضايا الاجتماعية الإنسانية الأمر الذى يتطلب اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة بناء وتشغيل المنشآت الحيوية فى المناطق السكنية فى الشيشان وتأمين صرف المعاشات والتعويضات لضحايا العمليات القتالية.
• الاعتراف بضرورة تنسيق الجهود فى مجال تأمين الدفاع ويلتزم الجانبان بعدم الإقدام على ما من شأنه تهديد أمن أى منهما.
• يسرى هذا الاتفاق حتى انتخاب الرئيس الجديد والبرلمان الجديد لجمهورية الشيشان.
فى يناير 1997 جرت الانتخابات الرئاسية فى الشيشان وتنافس فيها ثلاثة مرشحين عبروا عن القوى السياسية المختلفة داخل الشيشان، فكان هناك شامل باساييف القائد الميدانى الذى تطالب موسكو برأسه ويعبر عن الاتجاه المطالب بالاستقلال الفورى للشيشان، وهناك سليم خان ياندر باييف الذى كان نائبًا لجوهر دوداييف وتولى مقاليد السلطة بعد مقتل دوداييف وكان ياندرباييف معبرًا عن ذلك الاتجاه الذى لا يرى مانعًا من الانتظار لفترة انتقالية على طريق الاستقلال، وأخيرًا هناك أصلان مسخادوف الذى وقع الاتفاق الأخير واعتبرته روسيا آنذاك رمزًا للاعتدال الشيشانى وكان يحظى بقبولها[15] وتحقق ما كانت تأمله موسكو بفوز مسخادوف بالانتخابات التى حضرها مراقبون من روسيا ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبى، ووقع يلتسين معاهدة السلام فى 7 مايو 1997 ونصت المعاهدة على أن مستقبل العلاقة بين روسيا والشيشانيين ينبغى أن يتقرر قبل عام 2001 على أساس القانون الدولى[16] هذا وقد تطورت الأوضاع السياسية فى الشيشان منذ الانتخابات وحتى الحرب الثانية على نحو عكس الانقسامات وحدا بالبعض[17] للقول بأن الشيشان لم تفعل بما حققته من حكم ذاتى سوى أن انصرفت الغالبية العظمى من أبنائها إلى تصفية حسابات شخصية أسفرت عن تفرق رفاق مسيرة القتال وتحول الكثيرين منهم إلى اختطاف الرهائن على نحو أفقدها تعاطف قطاعات هامة من الروس الذين أيدوها فى الحرب الأولى. ولذا رأى هذا الاتجاه أن الحرب في داغستان كانت محصلة الانقسامات بين التيارات الشيشانية.
ولكن يقدم البعض الآخر[18] طرحًا مغايرًا يسلط الضوء على البعد الإسلامي في المقاومة الشيشانية. فيرى أنه بعد اتفاق السلام 1996 ضرب الروس حصارًا شديدًا على الشيشان، وفي حين تصاعدت أصوات شيشانية تدعو لاستمرار الجهاد وإقامة دولة إسلامية في شمال القوقاز بعد تحريره وتوحيده، اتجهت روسيا إلى جانب الحصار للعب على الخلافات الداخلية بين الشيشانيين حيث أن الخريطة السياسية الشيشانية، بعد نهاية الحرب الأولى، قد تغيرت على نحو وإن أبرز غلبة التيار الإسلامي على القومي والشيوعي، ولكن انقسم هذا التيار بين روافد اختلفت بدورها. حول أمور عدة. فهناك تيار “الجماعة” وهو الذي يدعو إلى إعلان دولة إسلامية فورًا ويرفض الهدنة ويدعو إلى الجهاد ضد روسيا وهو الذي يضم باساييف، وتيار الإسلاميين المعتدلين والذي يؤيد مسخادوف، وتيار الطرق الصوفية وعلى رأسها المفتي أحمد قديروف.

2-الحرب فى داغستان:

فى الخامس من أغسطس 1999 أعلن رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية عن إرسال وحدات كبيرة من قوات الجيش لمنطقتى تسومادى وبوتليخ من داغستان بعد أن تسللت إليهما مجموعة كبيرة من المسلحين الشيشانيين وتحصنوا بالجبال، وصرحت مصادر روسية بأن الشباب الداغستانى الذى يعانى من البطالة (نسبة البطالة فى الجمهورية تبلغ 88%) يتوجه إلى جمهورية الشيشان للانضمام إلى الفصائل المسلحة التي شكلها بهاء الدين محمدوف (أحد الشخصيات المعروفة المتهمة بدعمها للمقاتلين الأصوليين) رغم أن السلطات الرسمية فى جروزنى لا تدعمه، بل يحظى بتأييد شامل باساييف وسلمان رادويف وخطاب وهم القادة الميدانيون المعارضون للرئيس أصلان مسخادوف، والذين يهدفون من الزحف على داغستان إلى إقامة كونفدرالية قوقازية بقيادة شيشانية بهدف إخراج جمهورية الشيشان من عزلتها وإرغام روسيا على الانسحاب من منطقة القوقاز كلها[19].
وسرعان ما شكل هؤلاء المقاتلون ما أسموه بمجلس الشورى الإسلامى فى داغستان وأعلنوا الاستقلال، هذا المجلس ضم فى عضويته 40 نائبًا يتولون مهام البرلمان الانتقالى الذى عينته الحكومة الانتقالية التي تشكل من شامل باساييف رئيسًا وخطاب نائبًا للرئيس، كما شكلت لجنة تنفيذية سداسية أسندت إليها أعمال مجلس الوزراء[20].
وانطلاقًا من أهدافهم التي حركتهم نحو داغستان وسعيًا وراء تدعيم التأييد والتعاطف من شعوب المنطقة ظهر فى خطاب المقاتلين توظيف البعد الدينى والتاريخى فى القتال وهو ما وضح فى أكثر من مناسبة:
• صرح ناطق باسم مجلس الشورى الإسلامى أن القوات دخلت داغستان تلبيه لطلب الإسلاميين الداغستانيين وأن توقيت الحملة جاء بمناسبة مرور 140 عامًا على هزيمة الإمام شامل أمام القوات الروسية فى الحرب الشيشانية فى القرن التاسع عشر بعد ما أسس دولة الإمامة الشيشانية الداغستانية وأن هدف الحملة هو إعادة إحياء الإمامة[21].
• فى مساء 12/8/1999 أعلن شامل باساييف أن المرحلة الأولى من عملية تحرير داغستان من المحتلين الروس اكتملت وهنأ المقاتلين بالنصر وأطلقت على العملية التسمية الرمزية ” الإمام غازى محمد ” وهو أحد الأئمة الكبار فى تاريخ الشيشان وداغستان أما المرحلة الثانية فستكون باسم ” الإمام حمزة بك”[22].
• قال ناطق باسم المتقاتلين الداغستانيين أن حربهم مقدسة من أجل حرية وكرامة المسلمين في هذه المنطقة بأكملها ونفى تقارير تفيد بأن شامل باساييف -وهو بطل الحرب الشيشانية ورئيس وزراء تلك الجمهورية السابق- قد نصب نفسه قائدًا للجهاد في داغستان وإنما استدعى من قبل المقاتلين داخل داغستان حتى يقودهم إلى النصر مثلما قاد الشيشان من قبل للانتصار على روسيا[23].
• تناقلت بعض وكالات الأنباء أن الشباب الإسلاميين في الشيشان يتلقون تدريبًا مكثفًا في مركز إعداد المجاهدين الذى يتسع لتدريب ألفى شخص ويضم 7 قواعد ومعسكرات، لكل منها اختصاصه ويحمل اسم قائد عربى إسلامى، وأن فكرة تأسيس المركز ترجع إلى الجنرال جوهر دوداييف حينما أصدر في 20 مارس 1995 مرسومًا بتشكيل فصائل للفدائيين لممارسة الكفاح المسلح ضد أعداء الشيشان وأعداء الإسلام.[24]
مع اندلاع القتال في داغستان ثارت المقارنة بين الحال في داغستان وما كان عليه الوضع في الشيشان، فهناك بعض المحللين يعتقد أن داغستان ليست كالشيشان وأن كسب الحرب الأولى فى الشيشان كان نتيجة لواقع الانسجام العرقى هناك، أما داغستان فأن المجموعات العرقية العديدة بها تنظر إلى روسيا باعتبارها حكمًا، لأن الكثيرين يخشون أن يؤدى انسحاب روسيا إلى هيمنة مجموعة عرقية على بقية العرقيات الأخرى أو اندلاع حرب أهلية تلتهم الجميع، بعبارة أخرى فإن الوجود الروسى في داغستان – وفقًا لهذا الاتجاه – قد حافظ على استقرار نسبى وساهم في تقييد عملية “الراديكالية الدينية ” أى أن المعونات والوصاية السياسية الروسية حمت داغستان من التفكك ولذا فإن القوات الشيشانية التي دخلت داغستان لفصلها عن روسيا وضمها إلى الشيشان في دولة واحدة لم تلق إلا مساندة ضعيفة من الداغستانيين، إلا أن هناك اتجاهًا آخر يرى أن داغستان ستصبح عاجلًا أم آجلًا دولة مستقلة وأن العرقيات المتعددة فيها يمكن أن تتوحد على أساس ثقافتها وتقاليدها الإسلامية المشتركة حيث تمقت هذه العرقيات الهيمنة الروسية وعلى استعداد لخوض أية مخاطر من أجل الاستقلال[25] وبالنظر للواقع الداغستانى نجد أن الفسيفساء القومية فى داغستان تجمعها عشرات التنظيمات والجمعيات الإسلامية وفى مقدمتها حزب “النهضة الإسلامى” الذى أسس عام 1990 ورئيسه الطبيب الداغستانى أحمد قاضى اختايف وكان هذا الحزب أول تنظيم سياسى لمسلمى الاتحاد السوفيتى إلا أنه تفكك لمجموعات سياسية غير مترابطة، أكبرها مجموعة داغستان ومجموعة موسكو ومجموعة طاجكستان ومجموعة أوزبكستان، وتقيد الحزب بالمبادئ الأصولية ودعا إلى تحويل داغستان إلى دولة إسلامية وفى عام 1994 انتهت رخصة الحزب في روسيا ولم يعمد أحد من أعضائه إلى تجديدها، وفى عام 1995 تأسس “اتحاد مسلمى روسيا” الذى انتخب الداغستانى نادر خاتشيلايف أمينًا عامًا له، وهناك أيضًا ” الحزب الإسلامى الداغستانى ” الذى أسس عام 1994 بعد انقسام ” الحزب الديمقراطى الإسلامى وكذلك مركز القوقاز الإسلامى الذى أسس في بداية عام 1996 ومنظرة محمد بهاء الدين وهناك أيضا حزب ” النهضة الإسلامى ” و ” جماعة المسلمين ” وهما يناديان بتأسيس دولة إسلامية موحدة في داغستان والشيشان[26] ومع ذلك يرى بعض المحللين[27] أنه إذا كانت الدوافع القومية والدينية قد غذت الحرب في الشيشان فأن نفس هذه الرابطة هى التي أجهضت جهود وأهداف باساييف وغيره من القادة الميدانيين في داغستان وذلك بالنظر إلى طبيعة تركيبتها العرقية وتداخلها مع التوجهات الإسلامية المختلفة الراديكالية والإصلاحية، فلم يكن بمقدور باساييف وقواته التي قدرت بنحو 1200 مقاتل أن تسيطر على داغستان بدون مساندة أهلها، ولأسباب عديدة لم تتحقق هذه المساندة بالقدر المطلوب لتحقيق الطموحات المأمولة من جانب باساييف، ولم تكن مصادر المساندة المتوافرة سواء من جانب الشيشان فى داغستان أو الجماعات المسلحة والدينية الموالية كافية لمواجهة الهجوم الروسى بمساندة من داخل داغستان.

3-الحرب الشيشانية الثانية:

فى 24 أغسطس 1999 دخلت القوات الاتحادية الروسية القرى الجبلية فى داغستان بعد أن انسحب منها المقاتلون الأصوليون الذين سيطروا عليها ما يزيد على الأسبوعين واجهوا خلالها هجمات روسية شرسة[28] إلا أن ذلك لم يكن يعنى نهاية الحرب فى شمال القوقاز وإنما نقل ميدان القتال للشيشان وهو ما كان يحذر منه مسخادوف منذ اندلاع القتال فى داغستان خاصة وأن العلاقات الروسية الشيشانية كانت تشهد من قبل توترًا انفجر مع أحداث داغستان، فلقد كانت هذه العلاقات قبل صيف 1999 أشبه بالمناوشات، ثم تحولت عملية تبادل الأسرى إلى تبادل خطف الرهائن، وعلى صعيد المناوشات وقع 73 هجومًا بالهاونات والمدفعية شنها مجهولون محسوبون على الشيشان منذ بداية عام 1999 على نقاط شرطة حدودية روسية فى إقليم ستافروبول بروسيا، ومنطقة الحدود مع داغستان، ورد وزير الداخلية الروسى الذى زار المنطقة بقصف مكثف بالصواريخ برًا وجوًا، ثم خيم هدوء انتقلت بعده الأوضاع إلى خطف الرهائن من الجانبين، وأشهر خطف الرهائن هو توقيف وزير الأمن الشرعى الشيشانى طربال على اتجيريف فى أحد مطارات موسكو وحبسة يومًا مما أثار رد فعل شديد من جانب جروزنى وعمد رئيس الممثلية الشيشانية فى موسكو إلى إغلاق جميع ممثليات الشيشان فى روسيا وعددها 20، وهدد بإغلاق الممثلية المركزية أيضًا ما لم يعتذر الكرملين ويقدم توضيحات لأسباب توقيف الوزير الشيشانى، وكانت جهات عدة اعتبرته رهينة خطف من أجل مبادلته بالجنرال شبيجون أحد كبار وموظفى وزارة الداخلية الروسية الذى كان لا يزال فى أسر شيشانيين مجهولين.[29]‑
ومنذ اندلاع القتال فى داغستان تصاعد السلوك العسكرى الروسى ضد الشيشان عبر ثلاث مراحل: الأولى خلال الحرب فى داغستان، والثانية بعد توقف الأخيرة، والثالثة مع بداية الهجوم البرى الشامل على الشيشان، وأضحى مسخادوف -منذ بداية القتال فى داغستان- فى مأزق، هل يساند روسيا أم يدعم قادة الشيشان الميدانيين فيحفز الدوافع نحو هجوم روسى شامل على الشيشان؟ فمن ناحية وفى أثناء القتال فى داغستان خلال شهر أغسطس 1999 احتجت سلطات جروزنى على إقدام الطيران الروسى على قصف بعض القرى الشيشانية بالقرب من الحدود مع داغستان وأنكر مسخادوف تورط الشيشان فى داغستان ووجه رسالة إلى كوفى عنان الأمين العام للأمم المتحدة يرجو فيها التدخل لإيقاف القصف الذى يستهدف جر جمهورية الشيشان إلى خوض حرب جديدة مع روسيا، وقد أدانت الخارجية الروسية هذا التصرف بحجة أن الشيشان جزء لا يتجزأ من روسيا ولا تمتلك حق مخاطبة الأمم المتحدة.[30] وفى أعقاب ذلك أعلن مسخادوف حالة الطوارئ فى الشيشان اعتبارًا من 17 أغسطس 1999 وحتى 16 سبتمبر 1999 وبرر القرار بالتصريحات والاستفزازات الروسية ضد الشيشان خاصة بعد تلويح رئيس الوزراء الروسى المعين فلاديمير بوتين بملاحقة المقاتلين إلى داخل أراضى الشيشان واتهامه الجمهورية بدعم المقاتلين وجاء فى مرسوم إعلان حالة الطوارئ أن تلك الاستفزازات تدل على سعى روسيا لإجهاض الاتفاقات التي سبق التوصل إليها بين روسيا والشيشان.[31]
ومن ناحية أخرى وبحلول شهر سبتمبر 1999 أصبحت روسيا تقصف بشكل شبه يومى الشيشان مؤكدة أنها تؤوى قواعد المتمردين الإسلاميين الذين قادوا التمرد فى داغستان، وفى الوقت الذى كان يصرح فيه الجيش الروسى أنه يضرب قواعد الإرهابيين، كان الشيشانيون يؤكدون أن القصف يستهدف المدنيين[32] كما كان الروس يبررون ذلك التصعيد بأنه رد على موجة التفجيرات التي شهدتها موسكو والتى ألقت بتبعتها على الشيشانيين، فمع هذه التفجيرات لم تعد موسكو تميز بين مسخادوف وباساييف،ورفضت التفاوض مع مسخادوف وأعلن بوتين عقوبات اقتصادية على الشيشان والعمل من أجل إقامة منطقة آمنة حول جمهورية الشيشان وتدمير كل قواعد المقاومة الشيشانية مع تكوين حكومة شيشانية فى المنفى ولذا قطعت القوات الروسية كل نقاط الوصول إلى الشيشان ودعمت من قواتها فى المنطقة ومن ثم زادت التوقعات حول هجوم برى شامل[33] هذا ولم تكن التحديات التي تواجهها حكومة جروزنى خلال القتال مبعثها روسيا فقط وإنما جاء بعضها من داخل الصفوف الشيشانية التي برز فيها الاختلاف حول حقيقة أهداف المطالبين بالاستقلال ودوافعهم الإسلامية ويتضح لنا ذلك من المؤشرات التالية:
• أصدر مسخادوف أثناء القتال مرسومًا بإعفاء المفتى أحمد الحاج قادروف من منصبة واتهمه بتقويض الاستقلال والدفع نحو تصديع الأمة[34] وهو ما جاء بسبب رفض المفتى تبنى فكرة إعلان الجهاد ضد روسيا وتأكيده على ضرورة مناهضة التطرف الأصولى وملاحقة الأصوليين، وقد وجد المفتى فى القائد الميدانى سليم ياماداييف بمنطقة جوديرميس (ثانية كبريات المدن الشيشانية) حليفًا ناصره فى معركته ضد الأصوليين منذ عام 1998 وكان المفتى قد اقترح من قبل على مسخادوف أن يتم تسليم مدبرى الغزو الشيشانى لداغستان إلى سلطات جمهورية داغستان وليس إلى القوات الفيدرالية على اعتبار أن هذه الخطوة تمثل حلًا وسطًا يكفل للجميع ماء الوجه إلا أن مسخادوف رفض ذلك الاقتراح[35]
وبعد أن قام مسخادوف بإقصاء قادروف، أعلن شامل باساييف نفسه مفتيًا للشيشان رغم أن الهيئات الإسلامية هناك لم تنتخبه كما هو المفترض[36] (35)
• صرح فاخا أرسانوف نائب مسخادوف أن الشيشان ترفض التفاوض مع الإرهابيين الدوليين الذين يتولون الحكم حاليًا فى موسكو وما من شخص فى الأوساط الحاكمة فيها يمكن التفاوض معه.[37]
• مع استمرار الاجتياح البرى الروسى للشيشان عاود للظهور على مسرح الأحداث دور كل من سليم ياماداييف وأحمد قادروف حينما نقلت مصادر صحيفة روسية عن مصادر عسكرية روسية أنها تلقت من ياماداييف -الذى يسيطر على المناطق المحيطة بمدينة جوديرميس ويخضع له حوالي 500 مقاتل ممن رفضوا الانصياع لأوامر باساييف- إشارات بشأن استعداده للتعاون مع روسيا[38] وهو ما أكدته المصادر الشيشانية أيضًا وأضافت أن أحمد قادروف قد نجح فى إقناع سكان عدد من القوى بطرد المقاتلين وأرجعت ذلك لصلة قرابة بين ياماداييف وقادروف[39] وبالفعل كان قادروف أول من أجرى مفاوضات مع الجانب الروسى أسفرت عن استسلام جوديرميس من دون إطلاق رصاصة واحدة مما دفع مسخادوف إلى إصدار أمر بالقبض على قادروف وإعدامه بتهمة الخيانة كما ظهرت شخصية أخرى هى بيسلان جنتيمروف عمدة جروزنى السابق الذى شكل أول فصيلة فى جيش المقاومة الشعبية الشيشانية فى بلدة اتشخوى مارتان وخاض عدة معارك مع المقاتلين الشيشانيين، وقالت مصادر صحفية روسية أن جنتيمروف حصل على السلاح من القوات الروسية ويخوض المعارك بدعمها[40] وجدير بالذكر أن جنتيمروف كان قد حكم عليه بالسجن لمدة 6 سنوات لاختلاس أموال مخصصة لتعمير جروزنى إلا أن يلتسين اتخذ قرارًا بالعفو عنه[41]
• تطورت مراحل الهجوم البرى الروسى حتى وصلت إلى إحكام الحصار على جروزنى تمهيدًا لاقتحامها بعد أن وجهت القوات الروسية فى أوائل ديسمبر 1999 إنذارًا لسكانها بإخلائها ” ومع استمرار المقاومة الشيشانية تصاعدت التساؤلات عما إذا كان المقاتلون الشيشانيون يعبئون طاقاتهم ويوفرونها للدفاع عن جروزنى أم ستستسلم جروزنى قبل اقتحامها؟ وقد أوضح خطاب أن كلا الاتجاهين موجود فى صفوف المقاتلين الشيشانيين حين قال: ” للمجاهدين موقفان إزاء حصار جروزنى: الموقف الأول يساند موقف القيادة وهو التصميم على الصمود والبقاء داخل العاصمة وخوض المعركة فيها لأنها تعتبر رمزًا للصمود أمام قوات العدو الروسية، ولا نريد أن نترك العاصمة خشية أن يرفع ذلك من معنويات القوات الروسية، الموقف الثانى هو أن تحصن المدن الكبرى الأخرى التى تساعد طبيعتها على صمود المجاهدين مثل أوروس – مارتان، وشالى، حيث تساعد طبيعتها على خوض معارك عنيفة يتوقع أن تتكبد القوات الروسية فيها خسائر فادحة “[42]
وعلى ضوء الأحداث السابقة وبعد أن بات من الواضح غياب النية الروسية فى التراجع، عاد مسخادوف للحديث عن التفاوض فبعد مقابلته ليوسف سوسلانيكوف رئيس مؤتمر شعوب القوقاز صرح سوسلانيكوف أن مسخادوف باق فى العاصمة ومستعد للحوار وإحلال النظام فى الشيشان بالتعاون مع روسيا فى حال وقف العمليات العسكرية[43] وهو ما أكده مسخادوف بإعلانه عن استعداده لحل الميليشيات غير الشرعية وشجب الإرهاب والعدوان، ودعا موسكو إلى الحوار السلمى، إلا أن رئيس الوزراء الروسى بوتين شدد على ضرورة ما أسماه بتحرير الشعب الشيشانى[44] ومع تكثيف القصف الروسى لجروزنى نقلت وكالة انترفاكس الروسية عن مصدر مطلع فى العاصمة الشيشانية أن مسخادوف غادر جروزنى إلا أنه لا يزال فى الشيشان[45].

ب‌- تطور السياسة الروسية تجاه مطالب الاستقلال:

اختلف التعامل الروسى مع الرغبة فى الاستقلال والانفصال لأقاليم وجمهوريات الحكم الذاتى من وقت لآخر، وذلك وفقًا لمنهج نفعي، فحينما كان يلتسين راغبًا – فى أواخر عهد الدولة السوفيتية – فى إحكام روابط هذه الأقاليم والجمهوريات مع روسيا واتخاذها أداة لتصديع الدولة السوفيتية، نجد أنه لجأ إلى إطلاق الوعود لأقاليم وجمهوريات الحكم الذاتى بمزيد من الاستقلال، ولكن المشكلة فى الشيشان أن جوهر دوداييف رغب فى قدر من الاستقلال أكبر بكثير من المسموح به[46] لهذا وإذا كانت حسابات روسية قد دفعت روسيا إلى توقيع اتفاق 1996 مع الشيشان بعد فشل الآلية العسكرية فى القضاء على مطلب الاستقلال، وإذا كانت حرب الشيشان الأولى وعواقبها قد ظلت تمثل قضية هامة فى الحياة السياسية الروسية توظفها القوى المختلفة فى صراعاتها، فإن إصرار الآلية العسكرية الروسية منذ صيف 1999 على الاستمرار فى الحل القسرى يثير بدوره الاهتمام حول الأسباب والنتائج النهائية.

1. داغستان والشيشان فى دائرة الاهتمامات الروسية:

بالإضافة لكون التمسك بوحدة الأراضى الروسية هدفًا استراتيجيًا لا تتخلى عنه دولة كبرى، ترجع أهمية شمال القوقاز بالنسبة لروسيا لعدد من الأسباب الأخرى:
فمن ناحية تكمن أهمية داغستان بالنسبة لروسيا فى عدة أمور، منها:[47]
1. حيازة روسيا لها تضن لها موقعًا كدولة ساحلية تطل على بحر قزوين، أكبر البحار الداخلية فى العالم، وهو ما سيوفر لروسيا حصة من المصادر النفطية هناك.
2. السيطرة على داغستان مسألة أساسية لمشروع مد خط أنابيب النفط الذى تأمل روسيا فى تنفيذه لتصدير النفط والغاز من بحر قزوين ووسط آسيا.
3. خسارة داغستان تضعف موقف روسيا فى الشمال القوقازى حيث يمكنها استخدام الأراضى الداغستانية كقاعدة للهجوم على بلاد الشيشان خلال الحرب هناك.
ومن ناحية أخرى اقترن الهجوم الأول على الشيشان بالدوافع والأهداف التالية:[48]
1. دعم سلطته من خلال تحقيق نصر يساعده فى التغلب على مشكلاته الخاصة بالسلطة.
2. السيطرة على منطقة القوقاز.
3. تطبيق فكرة إنشاء منطقة عازلة تقع بين الحدود الجنوبية لروسيا وكل من تركيا وإيران
ومن الملاحظ أن هذه الأهداف لم تتغير كثيرًا مع الحرب الشيشانية الثانية وإن كان يمكن أن نضيف لها ما يدعمها مثل القول بأن روسيا تهدف من وراء هذه الحرب إلى إعادة صياغة اتفاق السلام الموقع مع الشيشان[49] وهو ما أكده اتهام بوتين القيادة الشيشانية بأنها لا تسيطر على الوضع فى جروزنى وألمح إلى إعادة النظر فى اتفاقية السلام المعقودة بين روسيا والشيشان[50] ولعل أهم الاعتبارات الخاصة بالشيشان هى مشاريع نقل غاز ونفط منطقة بحر قزوين الهائل الحجم إلى ميناء نوفروسييك الروسى على البحر الأسود والتى تمر عبر جروزنى حيث يعتبر تأمين طريق شبكة الأنابيب بمثابة الضامن لدور روسيا فى استراتيجيات نقل نفط قزوين[51].
هذا ويركز تيار هام من التحليلات على سبب آخر هام وراء اندلاع الحرب الثانية، وهو الأوضاع الداخلية الروسية، فيرى البعض[52] أن هذه الحرب ليست إلا حملة انتخابية بطريقة ووسيلة عسكرية، لأن الحرب الداخلية بين القوى الشيوعية وبين القوى الليبرالية ـ مع اقتراب الانتخابات البرلمانية والرئاسية ـ هي المحرك الرئيسي لحرب القوقاز، وإن بدا للعالم غير ذلك، أو حاولت روسيا والغرب الترويج لغير ذلك من استخدام مسميات الإرهاب والحفاظ على وحدة روسيا وسلامة أراضيها. ولهذا يقول البعض الآخر[53] إن أحداث داغستان والشيشان جاءت نجدة ليلتسين وفريقه، حيث لفتت أنظار الرأي العام الروسي عن فضائحه المالية، ودعمت من وزن بوتين وحزبه. ولهذا فإن المقاتلين الشيشانيين في داغستان قد استدرجوا بتلك العملية في ذلك الوقت بالذات.

2. السياسة الروسية تجاه الحرب:

جاءت أول ردود الأفعال السياسية للرئيس يلتسين تجاه القتال فى داغستان بإقالة رئيس وزارئه سيرجى ستيباشين وتعيين فلاديمير بوتين بدلًا منه، وجاء ذلك بعد ساعات من إعلان ستيباشين أنه يخشى أن تكون روسيا فى طريقها نحو خسارة داغستان[54] لكن السياسة الروسية تجاه الصراع اتخذت أكثر من منحى وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

• توظيف الأداة العسكرية:

وظفت روسيا هذه الأداة بكثافة ويكفى القول بأنه أثناء القتال تم حشد 30 ألف جندى روسى على الحدود بين داغستان والشيشان[55] ومع تصاعد حدة العمليات الحربية واجتياح القوات الروسية للشيشان وصل عدد هذه القوات إلى 100 ألف جندى معظمهم من المجندين صغار السن مع دعمهم ببعض المجندين المخضرمين[56] وكانت موسكو قد أعلنت قبل ذلك أنه لدعم معنويات أفراد القوات المسلحة تقرر زيادة مرتبات منتسبيها فى منطقة القتال من 15 دولارًا فى الشهر إلى 1000 دولار، ومنح الضباط مبالغ أكبر من ذلك.[57] وفى 16 أكتوبر 1999 بدأت القوات الروسية المرحلة الثانية من عمليتها العسكرية فى الشيشان بهدف الزحف تجاه المناطق الجبلية بعد أن أنهت المرحلة الأولى أهدافها بالسيطرة على شمال الشيشان[58] وأخذت المدن الشيشانية تسقط تباعًا فى أيدى الروس الذين أعلنوا تطويقهم لمدينة جوديرميس[59] وبعد أقل من أسبوعين استسلمت المدينة ودخلتها القوات الروسية بمساعدة كل من قادروف وياماداييف كما أشرنا من قبل[60] وفى 4 ديسمبر 1999 وجه يلتسين للمرة الأولى منذ بدء الحرب بيانًا إلى الشعب الروسى أكد فيه انتهاء المرحلة الثانية من عملية مكافحة الإرهاب فى شمال القوقاز وبدء المرحلة الثالثة والختامية التى سيعاد خلالها النظام الدستورى لجمهورية الشيشان[61]. أعقب ذلك البيان إعلان الجيش الروسى إحكام الحصار على جروزنى ووجه إنذارًا لكل الشيشانيين الموجودين بها بمغادرتها خلال خمسة أيام وإلا سيتم اعتبارهم إرهابيين وسيواجهون مذبحة بنيران المدفعية والقصف الجوى[62] لكن مع انتهاء الموعد المحدد للمغادرة صرحت القيادة العسكرية الروسية تمديد المهلة الممنوحة لسكان جروزنى[63]

• الطعن فى شرعية مسخادوف

بعد فشل مسخادوف فى المناورة لمنع اجتياح روسيا للشيشان وبعد أن كفت روسيا عن التمييز بينه وبين باساييف –كما رأينا من قبل– ومع اجتياح القوات الروسية لشمال الشيشان، أعادت موسكو الاعتبار للبرلمان الشيشانى الذى انتخب فى ظل الجيش الروسى عام 1996 إلا أن أعضاء كانوا قد هربوا إلى روسيا بعد توقيع اتفاقية السلام بين موسكو وجرزونى[64] وردًا على ذلك أصدر مسخادوف مرسومًا يفرض الأحكام العرفية وأكد ممثله فى موسكو أنه قرر قبول التحدى[65] لكن بوتين عاد بعد ذلك ليعرب عن استعداده للتعامل مع كل الهيئات الشيشانية شريطة اعترافها بأن الشيشان جزء لا يتجزأ من أراضى روسيا الاتحادية[66] وفى الوقت الذى كانت القوات الروسية تحاصر جروزنى كشفت مصادر صحيفة روسية أن موسكو تبحث عن شخصية شيشانية يمكن أن تتسلم زمام السلطة فى جمهورية الشيشان بعد انتهاء الحرب وبرزت أسماء بعض الشخصيات مثل المفتى أحمد قادروف وبيسلان جنتيمروف عمدة جروزنى السابق[67] لكن بوتين عاد ثانية ليصرح بأنه استقبل مبعوثين لمسخادوف وأبلغهما بالمطالب الروسية التى تربط إقامة المحادثات الرسمية بإطلاق سراح الرهائن وتسليم من وصفهم بالإرهابيين مع التأكيد على رفض منح الشيشان استقلالها[68].

• تعبئة الرأى العام الداخلى والخارجى:

شهد شهر سبتمبر 1999 مجموعة من الانفجارات التى هزت موسكو ورغم أن هناك من المصادر الصحفية التى تؤكد على أن هجمات القنابل تستخدم فى روسيا لحسم الصراع بين عصابات إجرامية متنافسة[69] وأن العنف ظاهرة تاريخية فى موسكو رافقت انحسار هيبة الدولة ومع التسيب الخطير والتدهور الاقتصادي أضحت سرقة الأسلحة والمتفجرات من مستودعات الجيش وبيعها ظاهرة عادية[70] إلا أن موسكو ألقت بالتهم على القوقازيين بوجه عام والشيشانيين بوجه خاص فدعت الصحافة الروسية الكرملين لاستخدام تقنيات الإرهاب للقضاء على الأصوليين بالقوقاز.[71] وصرح يلتسين بأن المتهم فى التفجيرات هو الإرهاب[72] وشدد ناطق باسم يلتسين على أن هجوم المجرمين ينبغى أن يواجه بالردع[73].
• توظيف البعد الدينى:
فى الحرب الشيشانية الأولى كان الطموح الروسى مرتبطًا بنشاط متزايد للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، الأمر الذى وجد صداه عند المسلمين الخاضعين للسيطرة الروسية، فلقد أصر يلتسين على أن ينصبه قسيسًا روسيًا، وصاحب ذلك نمو وتعاطف الرأى العام الروسى تجاه الكنيسة، حيث أظهر استطلاع للرأى العام فى أغسطس 1991 أن 63% من الروس أعطوا ثقتهم للكنيسة.[74]
أما فى الحرب الشيشانية الثانية فقد حاولت روسيا توظيف البعد الدينى إسلاميًا ومسيحيًا، فعلى الجانب الإسلامى صرح أحمد حاجى عبد اللايف مفتى جمهورية داغستان أن شامل باساييف ورجاله لا يمكن تسميتهم بالمجاهدين كما يزعمون لأنهم لا يقاتلون من أجل إعلاء كلمة الله، بل يدعون إلى الغلو والتطرف ويستبيحون قتل المسلمين، ودعا المفتى الداغستانى أبناء الجمهورية المسلمين للدعاء أثناء الصلاة من أجل الجنود الذين يؤدون واجبهم من أجل روسيا الموحدة، ومن أجل الرخاء والطمأنينة فى داغستان[75] ومن ناحية أخرى التقى بوتين فى موسكو بوفد يمثل مجلس الإفتاء شمال القوقاز، وشدد على أن المجتمع لا ينبغى أن يسجل كل مسلم فى خانة الإرهابيين، ومن جانبه أشار رئيس المجلس مفتى جمهورية أنجوشيا محمد البوجاتشييف إلى أن الإرهابيين الذين يرفعون شعارات إسلامية فى داغستان لا يجمعهم جامع بالدين الإسلامى الذى يدعو إلى السلم والتسامح[76].وعلى الجانب المسيحى أخذت وسائل الإعلام الروسية تعرض بصورة يومية مشاهد لرجال الدين المسيحى الأرثوذكسي وهم يباركون الجنود الروس ويودعونهم إلى القوقاز بل ويرافقونهم إلى داخل الأراضى الشيشانية ليباركوا المناطق التى تم تحريرها من أيدى المقاتلين الشيشانيين، كما أدلى ممثل الكنيسة الأرثوذكسية بتصريحات تدين الإرهاب الإسلامى[77]

3. انعكاسات الصراع على الداخل الروسى:

كان للحرب الشيشانية الأولى انعكاسات على القوى السياسية الرئيسية الثلاثة فى روسيا[78]:
1. القوى السوفيتية المعبرة أساسًا عن المصالح المرتبطة ببيروقراطية الدولة والتى تتطلع إلى إحياء الكيان السوفيتى وإن على نطاق أضيق وعلى أسس مختلفة.
2. القوى القومية المعبرة عن ثورة الإحباطات التى يغذيها تدهور مكانة الدولة الروسية –عالميًا وإقليميًا- وتطمح إلى فرض هيمنة -وإن بالقوة المسلحة- المركز الروسى على الأطراف الإمبراطورية لروسيا القيصرية – السوفيتية.
3. القوى الليبرالية المعبرة عن ميول الالتحاق بالغرب بكامل شروطه وتنزع إلى الخلاص من كل أعباء الميراث الإمبراطورى.
وجميع هذه القوى – من منطلقات مختلفة – اتخذت من حرب الشيشان أداة للتشهير بإدارة يلتسين، وقد ترتب على الحرب مزيد من الانقسام للقوى الليبرالية وبعث مجدد للخطاب القوى ذى النزعة التوسعية، وتوفير قوة دفع للقوى السوفيتية الداعية إلى وضع حد للفوضى التى تتفاقم فى ظل أزمة التفكك الشامل.[79].
أما عن الصراع الراهن فى داغستان والشيشان فقد شكل من ناحية فرصة أمام بعض الشخصيات السياسية فى روسيا لإثبات الوجود أو الظهور على الساحة من جديد خاصة مع قرب موعد الانتخابات التشريعية المقرر عقدها فى 19 ديسمبر 1999[80] كما أبرز من ناحية ثانية الجدال حول دوافع الحرب فى داغستان والشيشان وحول مصداقية القوة العسكرية فى حل القضية وهو ما يتضح من التصريحات التالية التى توالت عبر تصاعد العمليات العسكرية الروسية:
– طالب يورى لوجكوف -رئيس بلدية موسكو وأحد أبرز المرشحين لانتخابات الرئاسة الروسية عام 2000- القيادة الروسية باستخدام القوة وصرح بأنه يعرف شعوب داغستان جيدًا ولا يمكنها أن تؤيد الاتجاهات الإسلامية التى يتبناها المقاتلون الشيشانيون.[81]
– فى بداية الأزمة فى داغستان صرح فيكتور تشرنوميردين زعيم حركة روسيا بيتنا أنه من الواجب إيقاف ما يجرى فى داغستان وعدم السماح بجرجرة النزاع فيها وتحوله إلى حرب[82].
– أعلن حاجى حمزايف نائب رئيس وزراء داغستان أن حكومة داغستان كانت قد حذرت السلطات الروسية الاتحادية منذ وقت بعيد من وجود خطر شيشانى لكن موسكو لم تتخذ أى تدابير لدرء العدوان.[83].
– استنكر نادر خاتشيلايف رئيس اتحاد مسلمى روسيا ونائب الدوما الروسى تدخل باساييف وخطاب فى شئون داغستان، وقال إن السلطات فى مختش قلعة (عاصمة داغستان) وفى موسكو تتحمل المسئولية عن تدهور أوضاع المعيشة فى داغستان التى أدت بسبب الفساد والسرقات والرشاوى إلى نفور الناس من السلطات وتوجه بعض الشباب الداغستانيين إلى الجماعات المتطرفة وذكر أنه قدم وثائق كثيرة إلى لجان البرلمان والمسئولين فى دوائر الأمن تثبت تورط كبار الموظفين فى داغستان فى أفعال الفساد لكن لم تلق الشكاوى آذانًا صاغية[84]
– حمل الزعيم الشيوعى جينادى زيوجانوف الرئيس يلتسين مسئولية الإهمال والتراخى ولم يستبعد أن يكون للمقربين من يلتسين دور فى تأزيم الأوضاع بهدف إعلان حالة الطوارئ وإلغاء الانتخابات والتهرب من مسئولية الفضائح المالية[85]. ثم عاد ليتحدث عما أسماه بحزب الخونة وقال إن ممثليه موجودون فى الكرملين وفى القوقاز، وإنهم جميعًا بمن فيهم الرئيس يلتسين كانوا على علم مسبق بكل ما يجرى اليوم فى روسيا[86].
– أعلن الجنرال الكسندر ليبيد -محافظ إقليم كراسنوياراسك والذى وقع اتفاق السلام مع الشيشان عام 1996 عندما كان سكرتيرًا لمجلس الأمن القومى- أن تصفية الحسابات مع المقاتلين جائزة لكن لا يجوز ضرب شعب بكامله والتطهير العرقى أكبر خطأ إستراتيجي ترتكبه روسيا.[87]
– اعتبر يفجينى بريماكوف – رئيس الحكومة الروسية الأسبق – أنه لا حاجة للقيام بعمليات حاسمة لمكافحة الإرهاب فى الشيشان ويكفى إقامة طوق أمنى، وقال “إننا ضد الحرب فى الشيشان ولا نريدها”[88]
أما عن مجلس النواب الروسى فقد وافق فى 13 ديسمبر 1999 على قرارين يقضيان بالعفو العام عن المقاتلين الشيشانيين الذين يسلمون أسلحتهم إلى روسيا ويعلنون استسلامهم حتى أول فبراير 2000 إلا أن العفو لا يشمل المقاتلين الذين يرتكبون ما يصفه نص القرارين بجرائم خطيرة بما فيها القتل[89]
غير أن معارضة الحرب لم تقتصر فقط على الشخصيات السياسية الروسية، فمع تصاعد القتال صرحت منظمة ” ميموريال ” – أبرز المنظمات الروسية للدفاع عن حقوق الإنسان – بأن حياة اللاجئين الشيشانيين فى أنجوشيا غير إنسانية[90] وعقب إنذار الجيش الروسى لسكان جروزنى بإخلائها قالت المنظمة فى بيان لها ” ندعو الحكومة وجميع القوى السياسية الروسية وكذلك المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبى إلى عمل ما يمكن عمله لتحاشى حدوث إبادة جماعية للمدنين فى جروزنى ” كما اعتبرت جمعية “أمهات الجنود ” الروس أن الإنذار سيشكل جريمة إبادة للشعب الشيشانى وصرحت إحدى المسئولات فى الجمعية ” حيث يجب أن يقرر رجال السياسة، العسكريون هم الذين يتحركون ” وأضافت ” فى عام 1996 كنت فى جروزنى عندما وجه الجيش إنذاره، وحاولت مثل الآخرين الخروج عن طريق ممر، ولكن قناصة روسًا أطلقوا النار علينا ولا استبعد أن يتكرر هذا الأمر أيضًا”[91].
كما ظهرت فى الداخل الروسى آراء تقول بأن روسيا لم تستفد من أخطائها فى الحرب الشيشانية الأولى بل وكررت نفس الأخطاء ومن ذلك شعور الحكومة الروسية بأنها فقدت المبادرة فى مجال التغطية الإعلامية لأحداث داغستان كما جرى فى الحرب الشيشانية الأولى، وذلك لأن وزارة الصحافة والطباعة بروسيا الاتحادية قد أرسلت توجيهات إلى وسائل الإعلام الروسية ترجو فيها عدم بث أحاديث مع قادة الحركة الانفصالية فى داغستان مثل شامل باساييف وخطاب، وذلك فى الوقت الذى كان بوسع أى صحفى روسى الاتصال هاتفيًا بالمسئولين الشيشانيين وإجراء أحاديث معهم بينما يجد صعوبة فى ذلك مع القادة العسكريين الروس، كما أن المقاتلين الإسلاميين يسجلون أحيانًا بالفيديو أحاديث مع باساييف وغيره من المشتركين فى العمليات القتالية فى داغستان ويرسلونها إلى وسائل الإعلام الروسية عن طريق أنصارهم بموسكو[92] لكن موسكو تداركت ذلك وفى محاولة لكسر الطوق الإعلامى قام بوتين بافتتاح مركز صحفى فى موسكو يضم ممثلى كل الأجهزة المعينة بمنطقة شمال القوقاز للرد على الحملات المضادة[93].
وهناك من يرى أن القوات المسلحة الشيشانية التى تعود الروس على تسميتها بالعصابات والتشكيلات غير الشرعية هى فعليًا جيش محترف مرتفع الأجور وجيد التسليح والتدريب، وتحت إمرة القادة الميدانين ما بين 20-30 ألف جندى نظامى، وبوسعهم زيادة هذا العدد، فالصبية الذين شهدوا الحرب الماضية وهم فى الثالثة عشرة صاروا اليوم محاربين فى الثامنة عشرة تربوا على صوت الرصاص.[94] وعلى الجانب الآخر فإن الجيش الروسى ليس مجهزًا بطريقة تمكنه من التعامل بكفاءة مع حروب العصابات، ذلك أن التدريب العسكرى ما يزال منصبًا على خوض حرب قارية فى أوروبا بدلًا من التعامل مع انتفاضات داخلية ويضاف إلى ذلك أن معظم الوحدات العسكرية الروسية تتشكل من عناصر دفاعية وغير مدربة بشكل كاف، كما أن تجهيزاتها أصبحت قديمة لا يمكن إصلاحها أو استبدالها[95].
وأخيرًا فإن وسائل الإعلام الروسية لا تطرح الأسئلة المهمة التى من شأنها توضيح الأهداف وراء تصعيد الأزمة فى داغستان، مثل، لماذا فشلت نخبة قوات الاستخبارات الروسية فى رؤية أو مراقبة عبور مئات المقاتلين الشيشانيين المسلحين بقيادة شامل باساييف إلى داغستان، وجاء انسحاب بعض القوات الروسية من داغستان قبل أشهر قليلة من هجوم الثوار هناك. لم حدث ذلك؟[96].

ثالثًا: مصادر مساندة مسلمى القوقاز الاتهامات الروسية والمساندة المفقودة:

• المساندة المفقودة من حكومات الدول الإسلامية:

مع بداية القتال فى داغستان قال رئيس الوزراء الروسى بوتين فى رده على سؤال لأحد نواب الدوما عما يحدث بمنطقة شمال القوقاز: إن بعض الدول العربية والإسلامية الأجنبية تقدم السلاح والمال للإرهابيين والمجرمين فى شمال القوقاز إلا أنه استدراك قائلًا بأن هذا الدعم لا يقدم لهم عبر الأجهزة الحكومية[97] وعادت موسكو لتكرر هذه الاتهامات عندما صرح مسئول فى أجهزة الاستخبارات الروسية أن تمويل المتمردين فى الشيشان مصدره السعودية، الكويت، قطر، سوريا، ومنظمات إسلامية متشددة فى باكستان وتركيا وأفغانستان، وهو ما نفته السعودية وقطر[98] وفى مصر صرح وزير الخارجية المصرى عمرو موسى أن الرئيس مبارك أمر بإرسال معونات طبية وإنسانية إلى اللاجئين الشيشانيين عن طريق الهلال الأحمر المصرى[99] أى أن الدول العربية التى صرحت بموقفها تجاه القضية كانت تصريحاتها مجرد رد على الاتهامات الروسية ونفى أى دعم للمقاتلين الشيشانيين، أو ركزت على الجانب الإنسانى فى القضية، أما بقية الدول العربية فقد التزمت الصمت.
وعن الدول الإسلامية الأخرى الكبرى مثل إيران وباكستان وتركيا فلقد تراوح موقفها أيضًا بين الصمت وعقد تعهدات والاهتمام الحذر، ففى باكستان وقبل حدوث الانقلاب لم تخرج من كراتشى تصريحات إزاء الاتهامات الروسية أما بعد حدوث الانقلاب فقد تعهد الحاكم العسكرى بالتصدى للمجموعات الأصولية الباكستانية التى ترغب فى الانضمام إلى صفوف المقاتلين الشيشانيين أو تزويدهم بالأسلحة[100].
أما إيران فقد ظلت صامته إلى أن أعلنت أن روسيا وافقت على اقتراح بقيام وفد إسلامى برئاسة وزير الخارجية الإيرانى بزيارة موسكو لإجراء محادثات حول الأزمة فى الشيشان[101] ويمكن تفسير طول فترة الصمت الإيرانى تجاه الأحداث فى شمال القوقاز بحاجة إيران للخبرة الروسية فى مجال الطاقة النووية وهو ما أكدته المحادثات السرية التى أجراها مدير الهيئة الإيرانية للطاقة الذرية مع النائب الأول لرئيس الحكومة الروسية وزير الطاقة الذرية ومسئولين روس آخرين خلال زيارة الأول لموسكو والتى اتفق خلالها على أن تتولى المؤسسات الروسية بناء المفاعل الضخم الثانى وربما الثالث فى إيران، وأن إيران ستشترى الوقود النووى لمحطة بوشهر الكهروذرية على الخليج العربى من روسيا[102]‑وزاد من هذه الحاجة ما كشفته إيران رسميًا عن توقف تعاونها النووى مع الصين وأن مشروعًا للتعاون مع بكين يشمل المرحلة الثانية من تشييد محطة بوشهر قد ألغى لأسباب فنية وسياسية فى حين أن التعاون مستمر مع روسيا[103].
أما عن تركيا فقد حكم موقفها اعتبارات أخرى، ففيها يقيم مئات الآلاف من القوقازيين و الشيشانيين تحديدًا، ولعبت تركيا فى الحرب الشيشانية الأولى دورًا مهمًا فى دعم جروزنى وجمع مساعدات مالية للشيشانيين، وكانت روسيا آنذاك تؤيد صراحة حزب العمال الكردستانى ولكن تغير الموقف الروسى ورفض رئيس الوزراء السابق يفجينى بريماكوف منح لجوء سياسى للزعيم الكردى عبد الله أوجلان مما أدى إلى تشجيع تركيا على تقديم خدمات مماثلة والحد من نشاط المنظمات الشيشانية فى أراضيها[104] لكن تركيا لم تسلم من الاتهامات الروسية بالضلوع فى الحرب الشيشانية الثانية حيث خرجت من موسكو تصريحات بأن لديها من الوثائق ما يثبت أن أعدادًا كبيرة من المرتزقة الأتراك يشاركون فى القتال فى الشيشان حيث يتم تشكيلهم فى تركيا وينتقلون إلى الشيشان عبر الأراضى الأذربيجانية[105] وسعيًا للرد على الاتهامات الروسية أفادت مصادر تركية أن رئيس الوزراء بولند أجاويد سيبحث مع نظيرة الروسى بوتين اتفاق تعاون مشترك ضد المنظمات الإرهابية والانفصالية فى المنطقة بهدف تأكيد تركيا قطع دعمها للقوات الشيشانية[106] وبالفعل زار أجاويد موسكو وتم توقيع الاتفاق ووعدت موسكو أنقرة بالامتناع عن تأييد حزب العمال الكردستانى فى مقابل موقف تركى متفهم لحرب الشيشان، وتزامنت الزيارة مع قرب انعقاد قمة منظمة الأمن والتعاون الأوروبى مما دفع موسكو لتغيير لهجة الاتهامات لتركيا وامتداح بوتين الدور التركى فى التحضير للقمة وهو ما فسره المحللون بأن موسكو توقعت ضغوطًا قوية أثناء القمة لحملها على وقف الحملة الشيشانية ولذا كانت تأمل فى دور تركى يخفف الصدمة التى قد يتعرض لها يلتسين[107] أما عن الموقف التركى فقد فسرته مصادر سياسية تركية أن على أنقرة التزام سياسة متوازنة تأخذ فى اعتبارها علاقاتها الاقتصادية مع موسكو خاصة وأن تركيا تعلق أمالًا على موسكو لإمدادها بالغاز الطبيعى والبترول خلال العشرين عامًا المقبلة.[108] لكن تركيا وجدت ضالتها فى خط أنابيب للنفط من باكو (فى أذربيجان) إلى الميناء التركى جيهان على البحر المتوسط يمر عبر جورجيا واستغلت تركيا انعقاد قمة منظمة الأمن والتعاون الأوروبى على أرضها ليوقع رئيسها مع رئيس جمهوريتى أذربيجان وجورجيا اتفاقية نهائية لمد هذا الخط، وحضر التوقيع الرئيس كلينتون شاهدًا، ودعم كلينتون منذ البداية هذا المشروع الذى سينضم لاحقًا إليه مشروع نقل الغاز الطبيعى من تركمانستان وكازاخستان وأذربيجان إلى تركيا عن طريق الخط نفسه، ورغم معارضة شركات التنقيب عن البترول فى بحر قزوين للمشروع لارتفاع تكاليفه وتفضيلها خط باكو سوبسه الميناء الروسى على البحر الأسود ليتابع رحلته للغرب عبر ناقلات بترول ضخمة تمر عبر مضيق البوسفور التركى، لكن الولايات المتحدة دعمت المشروع الأول سعيًا لرفع وصاية روسيا عن جمهوريات القوقاز وربطها اقتصاديًا بتركيا والغرب[109]
هذا وتثير هذه المواقف الرسمية التساؤل عن مقارنتها بنظائرها خلال الحرب الشيشانية الأولى حيث كانت المواقف الإيرانية والتركية اكثر انتقادًا لروسيا وأكثر استعدادًا لبذل المساعى من أجل حل سلمى تفاوضى وكانت تصريحات مسئولى الدولتين أكثر تقدمًا عن الموقف المعلن لمنظمة المؤتمر الإسلامى حينئذ والتى اقتصر بيانها على الإعراب عن قلق المسلمين فى العالم من تطورات الأوضاع فى الشيشان والأمل فى أن تؤخذ فى الاعتبار الحقوق الإنسانية لمسلمى الشيشان[110] أما عن موقف المنظمة فى الحرب الشيشانية الثانية فرغم أن الهيئات الإسلامية فى روسيا كانت قد دعت المنظمة مرارًا لتفعيل دورها فى معالجة القضية الشيشانية لأنها الأولى بإجراء المفاوضات حول هذا الموضوع من المنظمات الدولية الأخرى كمنظمة الأمن والتعاون الأوروبى إلا أن استجابة المنظمة لم تأت إلا بحلول شهر ديسمبر 1999 حينما وصل إلى موسكو وفد من المنظمة برئاسة كمال خيرازى وزير خارجية إيران، وعضوية الشيخ حمد بن جاسم آل ثان وزير خارجية قطر وعدد من الوزراء فى الدول الإسلامية لبحث الوضع فى الشيشان[111] واستهل الوفد زيارته بإجراء لقاء فى مجلس المفتين فى روسيا الاتحادية مع المفتى راوي عين
الدين وعدد من الشخصيات الإسلامية الروسية[112] وبعد زيارة الوفد للمناطق الشيشانية الواقعة تحت سيطرة القوات الروسية، وعدد من معسكرات اللاجئين فى أنجوشيا، صرح خيرازى بأن المسألة الشيشانية هى قضية وحدة أراضى روسيا، والتى يحترمها العالم الإسلامى وأكد أن منظمة المؤتمر الإسلامى يمكن أن تقدم المساعدة لدى البحث عن السبل السياسية وليس العسكرية لحل الأزمة الشيشانية التي تثير قلق العالم الإسلامى وكشف عن مقترحات المنظمة التي تطالب كخطوة أولى بوقف العمليات القتالية، وإعادة اللاجئين إلى ديارهم والعفو الشامل بما يكفل البدء فى المباحثات السياسية، أما عن المقترحات الأكثر تفصيلًا فقال إنه لن تتم صياغتها إلا بعد توفر المعلومات الدقيقة عما يحدث فى شمال القوقاز، وهو ما تهدف إليه زيارة الوفد للمنطقة[113] ولكن ظهر أن هذه المعلومات لم تتوافر حيث تناقلت وكالات الأنباء أن زيارة الوفد قد ألقت بظلال كثيفة على الوضع فى الشيشان بعد أن عجز الوفد عن معاينة الأحوال المعيشية للاجئين الشيشانيين عن كثب[114].

• المواقف الإسلامية غير الرسمية:

يمكن القول بأن المواقف الإسلامية غير الرسمية كانت بوجه عام أكثر وضوحًا وأسرع تبلورًا من المواقف الرسمية وتنوعت التعبيرات عنها ما بين مساندة معنوية ومساندة مادية، فمع بدايات الحرب فى الشيشان وحدوث الانفجارات فى موسكو صرح أبو حمزة المصرى مسئول منظمة ” أنصار الشريعة ” تأييد ما أسماه العمليات الجهادية فى روسيا واعتبر هذه العمليات انتقام إسلامى من الروس بسبب قصفهم المدنيين فى الشيشان و داغستان[115] وفى السعودية أعربت الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامى عن شديد الألم لمقتل العديد من أبناء الشيشان و داغستان من جراء القصف الروسى للعاصمة الشيشانية وعدد من المناطق الآهلة بالسكان فى داغستان[116] ومع تصاعد الأحداث فى الشيشان عادت لتندد بسياسة الأرض المحروقة التي تنتهجها القوات الروسية[117] ومن ناحية أخرى بدأت اللجنة السعودية المشتركة لإغاثة شعبى كوسوفا والشيشان العمل لتقديم المساعدات وإغاثة اللاجئين الشيشانيين، لكن الأمين العام للجنة لم يحاول الخروج عن موقف بلاده الرسمى فصرح بأن هذه المبادرة الإغاثية تعكس اهتمام القيادة السعودية بشئون المسلمين فى كل مكان، مع مراعاة ” السياسات الداخلية ” للدول، كما أنها تجسد رغبتها فى توطيد العلاقات مع روسيا الاتحادية على أساس الاحترام المتبادل والصداقة[118] وفى فلسطين أصدرت هيئة العلماء والدعاة بيانًا أدانت فيه العدوان الروسى على الشيشان وأن ما يجرى فى الشيشان هو عملية إبادة منظمة تنفذها روسيا صاحبة التاريخ الأسود فى الشيشان منذ بداية القرن الماضى[119] وفى صنعاء تظاهر حوالي 10 آلاف شخص تضامنًا مع الشعب الشيشانى ونظمت المسيرة التي استنكر خلالها المتظاهرون ما وصفوه بالعدوان الروسى فى الشيشان بمبادرة من حزب ” التجمع اليمنى للإصلاح ” وسلم وفد من المتظاهرين مذكرة احتجاج للسفارة الروسية[120] وفى مصر استنكر المجلس المصرى للشئون الخارجية التصعيد الخطير فى الشيشان والهجوم الهمجى على سكان جروزنى الذى وصل إلى الذروة بتهديد المدنيين بالإبادة الشاملة وأن مما يضاعف من مشاعر الاستنكار أن يأتى التصعيد الروسى فى مطلع شهر رمضان[121].
وإذا كانت التعبيرات السابقة تمثل تنديدًا بالعنف الروسى ضد شعب الشيشان فإن أطرافًا إسلامية أخرى قدمت أنواعًا أخرى من المساندة للجهاد الشيشانى وهى التي تركزت عليها الاتهامات الروسية، فلم تقتصر الاتهامات الروسية على بعض الدول العربية والإسلامية و إنما أخذت أكثر من اتجاه لتلقى بتبعة التدخل على العديد من الأطراف، ونالت المنظمات الأصولية النصيب الوافر من هذه الاتهامات حيث خرجت تصريحات من الخارجية الروسية تشير إلى أن لدى روسيا معلومات عن دعم للمقاتلين فى داغستان قدمته لهم ” منطقة الإنقاذ الإسلامية الدولية ” و ” منظمة المساعدة والتأييد لمسلمى القوقاز وتترستان ” وأن قيادات فى منظمتى ” الدعوة الإسلامية ” و ” الجهاد الإسلامى ” أكدت عزمها على مساعدة الأشقاء[122] تلى هذه الاتهامات كشف مصادر أصولية فى لندن عن مقتل عدد من العرب من بين 37 مقاتلًا أصوليًا فى المعارك بداغستان بين القوات الروسية والمقاتلين الداغستانيين الإسلاميين، وأشارت المصادر إلى أن قائد المجاهدين العرب فى داغستان هو على خطاب الذى ساهم من قبل فى معارك بأفغانستان والشيشان[123] كما أشارت أصابع الاتهام الروسية إلى وجود دور لأسامة بن لادن فى تمويل المقاتلين الشيشانيين حينما نقلت وكالة انترفاكس الروسية عن مصادر لم تسمها فى جروزنى أن ابن لادن قلم بزيارة معسكر تدريبى للمقاتلين الإسلاميين فى الشيشان فى أغسطس 1999، وكانت وسائل الإعلام الأمريكية نقلت عن مصادر فى الاستخبارات الأمريكية أن ابن لادن يقوم بتمويل المقاتلين الإسلاميين فى داغستان، وتكهنت تقارير أمريكية بأن ابن لادن يرغب فى الانتقال لمنطقة القوقاز و مغادرة أفغانستان التي يقيم فيها تحت حماية حركة طالبان[124] وأكد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي فى الولايات المتحدة أن ابن لادن وعددًا من المنظمات المتطرفة دفعوا 25 مليون دولار لتنظيم العمليات فى داغستان[125].
لكن على الرغم من كل هذه الاتهامات لمصادر إسلامية ولمصادر غربية أيضًا (كما سنرى) إلا أن الداخل الروسى لم يخل من أصوات تؤكد على أن موسكو كانت ولا تزال أول من مول وسلح فصائل من تسهيمهم الآن إرهابيين اعتبارًا من مطلع التسعينيات، حيث اعترفت مصادر رسمية أن تسليح الشيشان ليس من خارج روسيا بل من داخلها وبنماذج عصرية من إنتاج عام 1999 حيث كان المقاتلون الشيشانيون يحصلون على الأسلحة مباشرة من مصانع إنتاجها داخل روسيا، وأن الأسلحة التي كانت ترد من طشقند فى أوزبكستان لإصلاحها فى المصانع الروسية كانت تعود لا إلى طشقند بل إلى جرزونى بعلم من القيادات الروسية، كما لم تنكر بعض المصادر الروسية تورط الكرملين فى القضية حينما أشارت إلى أن بوريس بيريزوفسكى الملياردير اليهودى – المعروف بعلاقته الوثيقة مع الكرملين – سلم شامل باساييف فى صيف عام 1997 مبالغ طائلة[126] وقد عرض هذا الملياردير على رئيس الوزراء الروسى بوتين مشروعًا للحل السياسى فى الشيشان ينص على بقاء الشيشان جزءًا من روسيا وحل الميليشيات طوعًا ومغادرة بعض قادتها ومحاكمة الإرهابيين دوليًا إلا أن بوتين رفض هذه المحاكمة الدولية، ويقوم بيريزوفسكى بنشاط مكثف فى شمال القوقاز ورشح نفسه للانتخابات البرلمانية فى جمهورية القره تشاى[127] فما معنى هذا؟ وأين تبدأ خيوطه وأين تنتهى؟

رابعًا: مواقف الأمم المتحدة والقوى الكبرى:

رغم أن الحرب الشيشانية الثانية تزامنت مع انعقاد الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة التي خصصت لتفعيل شعار التدخل الدولى الإنسانى إلا أن أسلوب تعامل الأمم المتحدة مع القضية جعلها تنسف مصداقية تطبيق الشعار دون تمييز بين الدول والشعوب وفق ما جاء فى خطاب الأمين العام للمنظمة، ففى الوقت الذى أولت فيه الأمم المتحدة كل اهتمامها لضمان حقوق استقلال التيموريين الشرقيين غضت الطرف عما يحدث فى الشيشان[128] واكتفى الأمين العام بالتعبير عن قلقه إزاء ما يحدث فى الشيشان[129] وتجاهل طلب مسخادوف الداعى إلى تشكيل فريق من الأمم المتحدة للتحقق من ادعاءات موسكو حول وجود قواعد للإرهاب فى الشيشان[130] (127) بل إن مفوضة الأمم المتحدة المكلفة بتفقد أحوال اللاجئين الشيشانيين فى أنجوشيا لم تصف وضعهم بالكارثة الإنسانية رغم أن رئيس أنجوشيا حذر من أن عدد النازحين الشيشانيين سيتجاوز عدد سكان جمهوريته البالغ 340 آلفا وعندئذ ستقع كارثة إنسانية[131] (128) وكانت روسيا قد قدمت لمجلس الأمن مشروع قرار يدعو دول العالم إلى تعزيز تعاونها ضد الإرهاب، وهو ما علق عليه دبلوماسى غربى بأن الروس يواجهون مشاكل فى الشيشان ويريدون الدعم المعنوى من الآخرين[132] (129) إلا أنه عندما تقدمت كل من كندا وهولندا وماليزيا والبحرين باقتراح يدعو مجلس الأمن لمناقشة القضية الشيشانية، أكد نائب وزير الخارجية الروسى أن موسكو لن تسمح لمجلس الأمن بمناقشة موضوع داخلى يخصها وحدها[133]
كما لم تعدم روسيا من يؤيد موقفها مثل الصين التي أعلنت دعمها للهجوم الروسى الساعى للمحافظة على الوحدة الوطنية وسلامة أراضى روسيا والاستقرار الاجتماعي فيها[134] وسعيًا لاستغلال ذلك التأييد ومع تزايد الانتقادات الغربية لروسيا قام يلتسين -رغم ما يعنيه من ظروف صحية غير مستقرة- بزيارة للصين، صرح خلالها وزير الخارجية الروسى أن الجانبين الروسى والصينى اتفقا على التعاون فى مواجهة التطرف الدينى والنزعة الانفصالية والعصابات على الحدود، كما احتفل يلتسين والرئيس الصينى جيانج تسه مين على اتفاقات ترسيم الحدود المشتركة[135] ومن ناحية أخرى تناقلت الصحف الروسية أخبارًا عن أن الموساد الإسرائيلى سيساعد روسيا فى محاربة الإسلاميين وأن وزير الخارجية الإسرائيلى ديفيد ليفى وعد بذلك السفير الروسى فى تل أبيب[136].
أما عن حلف الأطلنطى فرغم مطالبة مسخادوف الحلف بالتدخل إلا أن مصادر الحلف أكدت على أن الوساطة ليست من وظائفه وأنه لن يتدخل فى أحداث القوقاز[137] فى المقابل كان الموقفان الأوروبى والأمريكى أكثر انتقادًا، ولقد تركز الموقف الأوروبى تجاه القضية فى البداية على البعد الإنسانى وأوضاع اللاجئين حيث أدان البرلمان الأوروبى بشدة التدخل العسكرى الروسى فى الشيشان وأعرب النواب الأوروبيون عن قلقهم إزاء رفض بوتين التفاوض مع مسخادوف وطالب البرلمان الحكومة الروسية والمجتمع الدولى تقديم مساعدات إنسانية للمدنين من ضحايا القصف الجوى[138] وفى سياق الاتصالات الدولية حول القضية زار كريس باتن المفوض الأوروبى للشئون الدولية ووزيرى الخارجية الفنلندى والبرتغإلى موسكو، وصرح باتن عقب الزيارة أن السلطات الروسية ترفض أى تدخل خارجى فى مسألة الشيشان خارج نطاق تقديم المساعدات الإنسانية حيث تعتبر الوضع فى الشيشان شأنًا داخليًا[139].
كما أعرب وزراء دول الاتحاد الأوروبى عن قلقهم إزاء الوضع الإنسانى للنازحين الشيشانيين ودعوا روسيا للسماح للمنظمات غير الحكومية بتقديم مساعدات لضحايا الحرب إلا أنهم أكدوا فى الوقت نفسه على تمسكهم بوحدة أراضى روسيا الاتحادية وإدانتهم الحازمة للإرهاب بكل أشكاله[140] واستمرارًا للتركيز على البعد الإنسانى طالبت لجنة حقوق الإنسان فى البرلمان الأوروبى إجراء مناقشة عاجلة بشأن التدخل العسكرى الروسى فى الشيشان[141] وبعد أقل من أسبوعين وصل وفد من منظمة الأمن والتعاون الأوروبى لتفقد أحوال اللاجئين الشيشانيين[142] إلا أنه بعد استمرار الهجوم الروسى وتصاعده ومع اقتراب عقد قمة منظمة الأمن والتعاون الأوروبى صرح رئيس المنظمة أن على روسيا تقديم جدول زمنى محدد لانسحاب قواتها من الشيشان خلال القمة ورغم الاعتراف لروسيا بشرعية سيادتها الوطنية لكن برز الانتقاد بأن الاستخدام الساحق للقوة الذى يجرى فى الشيشان ليس عقلانيًا لأنه لا يتناسب مع مجرد هدف مكافحة الإرهاب[143] ورغم ما شهدته القمة من انتقادات لروسيا إلا أن الإعلان الختامى تبنى حلًا وسطًا يعترف بدور المنظمة فى إيجاد حل تفاوضى فى الشيشان، لكن التسوية لا تشمل المطالبة بوقف الهجوم الذى يشنه الجيش الروسى فى الشيشان[144] وتزامن تشديد الحصار على جروزنى وإنذار سكانها بإخلائها مع انعقاد قمة زعماء الاتحاد الأوروبى فى هلسنكى ورغم الانقسامات بين قادة الاتحاد بخصوص الموقف فى الشيشان إلا أنهم هددوا روسيا بتعليق بعض اتفاقات التعاون وطلبوا فى بيان مشترك وقف القصف على المدن الشيشانية، وهددوا بإعادة النظر فى استراتيجية الاتحاد تجاه روسيا فى حال استمرار القصف وعدم رفع موسكو تهديدها ضد المدنيين فى جروزنى وألمح القادة إلى إمكانية تعليق بعض بنود اتفاق المشاركة والتعاون الذى يربطه بروسيا وبنقل قروض المساعدات الفنية إلى مساعدات إنسانية، كما طالب الاتحاد موسكو بسرعة فتح حوار سياسى مع السلطات الشيشانية المنتخبة[145].
أما الولايات المتحدة الأمريكية فكانت مواقفها أكثر إثارة للتساؤل حول العلاقة بين المواقف المعلنة ومجموعة المصالح الأمريكية سواء المتصلة بأمن القوقاز، أو آثار الحرب على علاقات روسيا بالعالم الإسلامى أو مستقبل عملية الإصلاح الداخلى فى روسيا.
يرى البعض أن من مصلحة الولايات المتحدة إقصاء موسكو من منطقة بحر قزوين ويبرهنون على ذلك بالموقف الأمريكى من نزاع إقليم قره باخ. ففى بداية التسعينيات انفجرت المنازعات الأذربجانية الأرمينية و احتلت أرمينيا الإقليم ذا الأغلبية الأرمينية والواقع بكامل داخل أراضى أذربيجان، وبعد خروج شبكة أنابيب نفط بحر قزوين لحيز الوجود زادت الأهمية الإستراتيجية لأذربيجان وظهر الدعم الأمريكي للموقف الأذربيجانى حينما ألغت الولايات المتحدة الحظر المفروض على أذربيجان منذ عام 1992 واقترح الوسطاء الدوليون حكمًا ذاتيًا موسعًا لقره باخ فى إطار وحدة أراضى أذربيجان وهو ما يعنى عمليا إرجاع الإقليم المتنازع عليه لها[146] وسعيًا لرد الجميل لواشنطن، دعتها حكومة أذربيجان لإقامة قاعدة جوية أمريكية فى شبه جزيرة أشيرون بالقرب من المنطقة الغنية بالنفط فى بحر قزوين وذلك لمراقبة الأمن فى منطقة القوقاز وآسيا الوسطى وكبديل لقاعدة انجرليك التركية المستخدمة فى مراقبة منطقة الحظر الجوى على العراق[147] على جانب آخر صرح رئيس لجنة الدفاع فى الدوما بأن الأعمال الإرهابية فى داغستان ما كانت لتحدث من دون تدخل الأجهزة الأمنية الغربية[148] ثم وجهت روسيا اتهاما لحلف الأطلنطى بتدريب خبراء يعملون ضدها فى القوقاز وأن المقاتلين الشيشانيين يستخدمون أجهزة متطورة لشل الاتصالات وأجهزة التصويب لدى القوات الفيدرالية، وأن مثل هذه الأجهزة موجودة لدى أجهزة ” استخبارات أجنبية ” تدرب العاملون على تشغيلها فى مواقع تابعة للحلف الأطلنطى فى دول أوروبية[149] كما أشار عدد من المحللين الروس إلى مخاطر تدويل الأحداث فى داغستان ونبهوا إلى أن المنطقة تتقاطع فيها مصالح دولية كثيرة وأعربت الخارجية الروسية عن قلقها إزاء استخدام الولايات المتحدة أساليب ضغط سياسية وغير سياسية للحيلولة دون تنفيذ مشروع لنقل الغاز إلى تركيا عبر بحر قزوين، ولم تشر الوزارة إلى أحداث داغستان[150] إلا أن هذه الإشارة جاءت بعد ذلك حينما اتهم وزير الدفاع الروسى الولايات المتحدة بأنها تريد إضعاف روسيا وإزاحتها من حوض قزوين والقوقاز وآسيا الوسطى وتطمح إلى بسط سيطرتها الكاملة هناك ومن مصلحة واشنطن أن يبقى الجمر متقدًا تحت رماد النزاع العسكرى فى القوقاز، وأشار إلى أن خبراء عسكريين أمريكيين وضعوا دراسة تفيد بأن فشل الحملة الروسية فى القوقاز سيؤدى إلى انفجار التطرف الإسلامى فى صورة مفيدة للولايات المتحدة فى حين أن نجاح موسكو فى تحقيق أهدافها مرفوض لدى واشنطن لأنه سيقود إلى تعزيز مواقع روسيا فى أراضى الاتحاد السوفيتى السابق ونمو هيبتها الدولية[151] كما أن هناك من الجانب الشيشانى من يتفق مع هذا الرأى حيث يرى أن الولايات المتحدة من مصلحتها إشعال الحرب فى شمال القوقاز حتى تجعل من روسيا العدو الأول للعالم الإسلامى وتتمكن الولايات المتحدة بعد ذلك من التدخل بجنودها فى مهمات حفظ السلام فى مناطق مختلفة من أراضى الاتحاد السوفيتى السابق[152]
وعلى العكس يرى البعض الآخر-كما رأينا، والذي يعطي الأولوية لتأثير الأوضاع الداخلية الروسية على اندلاع الحرب ـ أن الغرب يراقب برضاء نتائج الحرب نظرًا لتدعيمها فريق يلتسين في مواجهة القوى الشيوعية والقومية.
كذلك يثور التساؤل: هل أبرزت المواقف الأمريكية من القضية الشيشانية أن الولايات المتحدة ما زالت تراهن على مستقبل الإصلاح فى روسيا؟ ففى إدانة شديدة لسياسة كلينتون تجاه روسيا قال بعض القادة الجمهوريين إن واشنطن فشلت فى هدفها مساعده روسيا على أن تصبح دولة ديمقراطية مسالمة منتجة تتبنى نظام السوق الحر بتعزيز حكومة يلتسين التى تفشى فيها الفساد[153] وجاء رد الحكومة الأمريكية عندما ذكرت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية فى واشنطن أو الولايات المتحدة طلبت من يلتسين ومساعديه اتخاذ إجراءات لوقف الفساد وغسيل الأموال إلا أن الجواب لم يكن مكافئًا للوضع وأضافت بأن واشنطن لن تؤيد استمرار المساعدات المالية العالمية لموسكو إذا لم تحصل على ضمانات بأن الأموال تنفق بالصورة المطلوبة[154]
واتسم الخطاب الأمريكى تجاه الأزمة بالتصاعد التدريجى فبدأ بنصح الولايات المتحدة روسيا عدم اجتياح الشيشان ودعوتها للتفاوض مع حكومة مسخادوف[155] ثم أعلنت واشنطن أن منطقة القوقاز تدخل ضمن دائرة مصالحها الحيوية[156] وعندما ضربت القوات الروسية سوق وسط جروزنى بالصواريخ صرح ناطق باسم البيت الأبيض أنه شعر بانزعاج بسبب ذلك الهجوم الصاروخى لأن العملية الروسية المكثفة يمكن أن تؤدى إلى حرب برية شاملة ومن ناحية أخرى دعا نائب وزيرة الخارجية الأمريكية الحكومة الروسية والقادة الشيشانيين لبدء حوار سياسى وأن الأزمة فى شمال القوقاز قد تصاعدت بشكل خطير كما أن تزايد الخسائر فى صفوف المدنيين يعرض الأمن والاستقرار فى المنطقة لمزيد من المخاطر[157] كشف بعد ذلك هذا النائب أن مباحثاته مع وزير الخارجية الروسى فى موسكو تناولت قضية الأوضاع فى الشيشان ومما قاله إن الولايات المتحدة تدرك وتتفهم موقف روسيا من التطرف والإرهاب وتأمل أن تجد السبل التى تكفل أن تكون أعداد الضحايا بين المدنيين ضمن أدنى الحدود وأن تجنح روسيا إلى تكتيك الحلول السياسية لتحقيق هدفها المتمثل فى فرض السيطرة على الأوضاع فى شمال القوقاز[158] إلا أنه مع تصاعد حده القتال ومع انعقاد قمة منظمة الأمن والتعاون الأوروبى شهدت القمة حربًا كلامية بين موسكو وواشنطن عندما قال كلينتون ” صحيح أن لروسيا الحق فى الدفاع عن نفسها وبلادها ولا سيما أننا نريد أن يكون لها صوت مسموع فى المحافل الدولية ولكننا نعتقد بأن الطريقة التى اتبعتها روسيا فى الشيشان هى أسلوب خاطئ” ثم أضاف موجهًا حديثة ليلتسين: “أود أن أوكد هنا إعجابي بك عندما صعدت على الدبابة دفاعًا عن حرية شعبك الذى انتخبك بعد ذلك رئيسًا، فلو كنت اليوم فى السجن لكنا جميعًا ندافع عن حريتك، ولولا مساندتنا لك فى تلك الأزمة لما كانت الآن بيننا ” واعترف كلينتون أثناء القمة بأنه ويلتسين لم ينجحا فى حل خلافهما بشأن الشيشان خلال اجتماع ثنائى عقداه على هامش القمة وقال: “إن الاجتماع كان حاسمًا للغاية وكذلك كنت أنا، ولكن هذا لم ينه خلافنا الواضح فى هذا المجال”[159] وعندما وجهت القوات الروسية إنذارًا لسكان جروزنى حذر كلينتون من مغبة تنفيذ موسكو إنذارها وأن روسيا ستدفع الثمن باهظًا إذا ما نفذته،[160](157) لكنه عاد ليؤكد على أن المجتمع الدولى لا يمتلك من الوسائل الحازمة ما يجعله قادرًا على إجبار روسيا على إنهاء الحملة العسكرية واستبعد أيضًا قطع المعونات عن الروس[161] وجاء الرد الروسى عندما صرح يلتسين للصحفيين فى الصين بأن كلينتون سمح لنفسه بممارسة ضغوط على روسيا ويبدو أنه نسى أن روسيا تملك ترسانة كاملة من الأسلحة النووية، ورد كلينتون قائلًا: “لم أنس ذلك، ولا أعتقد أنه نسى أيضا أن أمريكا قوة كبرى حيث اختلف معى حول كوسوفا ” وسارع بوتين لتهدئه الموقف قائلًا أنه واثق من عدم رغبة الرئيسين فى الإضرار بالعلاقات بين واشنطن وموسكو، ولكن وزير الدفاع الأمريكى وليام كوهين جدد انتقادات بلاده لموسكو وطالب المجتمع الدولى بالضغط عليها لإنهاء القتال فى الشيشان.[162].

الخاتمة:

إن المتابعة السابقة لتطورات القضية الشيشانية خلال الربع الأخير من عام 1999، وحتى إحكام الحصار الروسى على العاصمة جروزنى بعد توالى مراحل الهجوم البرى الشامل، لتقود إلى طرح مجموعتى التساؤلات التالية:
1- لماذا لا يتم اقتحام جروزنى؟ وما مغزى تكرار التأجيل المبرر لهذا الاقتحام؟
2- هل سيتم اقتحام جروزنى؟ أم سيقبل الشيشانيون التفاوض بالشروط الروسية؟ ومتى يمكن أن يتحقق هذا؟ أم هل سيستمر المجاهدون في المقاومة وتستمر روسيا في ابتكار مبررات لعدم الاقتحام ولتجنب الانتقادات الدولية؟ وما هو مستقبل المنطقة برمتها عندئذ؟ وهل ستظل مواقف القوى الكبرى قاصرة على الأساليب السياسية والدبلوماسية، أى انتقاد العنف الروسى وآثاره على الأبعاد الإنسانية لمشكلة اللاجئين؟ وهل هذا الوضع المشتعل فى القوقاز والمستنزف للقدرات الروسية – مهما قيل عن دوافع كل من الطرفين الشيشاني والروسي من وراء خوض هذه الحرب في هذا الوقت بالذات ومهما قيل عما تثبته روسيا لنفسها ولغيرها من خلال معركة الشيشان- هل استثمار هذا الوضع يحقق مصالح أمريكية؟ ومن ثم أين فرص التدخل الدولى لاعتبارات إنسانية ومن أجل منظومة القيم التى تدافع عنها الولايات المتحدة؟ ألا تثبت حالة الشيشان بالمقارنة بحالتى كوسوفا وتيمور الشرقية أن الأبعاد الإنسانية لا تصلح مبررًا للتحرك وتخطى كل اعتبارات السيادة القومية إلا إذا توافرت فى الأساس أبعاد استراتيجية قوية تدفع بالتدخل وتحدد أهدافه؟ أم أن ما يحدث للشيشانيين ليس مناظرًا – فى رؤية الولايات المتحدة – لما حدث للكوسوفيين أو التيموريين؟
وهنا، نؤكد على أهمية فقه الواقع لإمكانية الإجابة عن هذه الأسئلة، فإن حقائق توازنات القوى الدولية تقدم لنا الإجابة عن أسباب عدم التدخل الدولي –بقيادة أمريكية- في هذه الحالة، كما قدمت لنا أسباب التدخل في حالة كوسوفا وفي حالة تيمور، ولو بأساليب مختلفة.

ومن ناحية أخرى، إذا كانت أحداث إعلان الاستقلال فى 1991 وتجدد القتال فى 1999 مرورًا بالحرب الأولى ومعاهدة السلام الأولى قد أفرزت التساؤل عن المعادلة بين المكاسب والخسائر بالنسبة للشيشانيين والروس، فهل الأسلوب الروسى الجارى تنفيذه الآن والذى يمحى كل نتائج الكفاح الشيشانى خلال التسعينيات هل هذا الأسلوب سيفرض حلًا ينهى المشكلة أم يدخلها فى مرحلة تجميد جديدة يتم فيها تنحية حق تقرير المصير للشعب الشيشاني حتى ميلاد آخر؟
إن تاريخ القوقاز وصراع شعوبه وخاصة الشيشان مع روسيا القيصرية ومع روسيا الشيوعية وكذلك طبيعة الشخصية القومية الشيشانية[163] تقول لنا أن شعب الشيشان قد يُهزم ولكنه لا يستسلم، ومن ثم فإن هذا التاريخ ليقدم لنا كثيرًا من الدلالات والخبرات عن مآل هذا الصراع، فلم تتمكن القوة العسكرية الروسية أو حملات التهجير من وأد الشعور القومى الشيشانى طيلة ما يزيد عن الثلاثة قرون، ولذا يصبح السؤال متى ستندلع جولة جديدة من الصراع الروسى؟ وهل اقتحام جروزنى سينهى الحرب أم سيكون بداية مستنقع روسى؟ ولمصلحة من هذا المستنقع؟
*****

الهوامش:

[1] د. طه عبد العليم، ورثة الاتحاد السوفيتى ومصير الكومنولث “، في: د. طه عبد العليم (محرر)، انهيار الاتحاد السوفيتى وتأثيراته على الوطن العربى، (القاهرة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، 1992) ص 110
[2] د. نادية مصطفى، ” آسيا الوسطى والقوقاز بين القوى الإسلامية الكبرى وروسيا: أنماط ومحددات التطور التاريخى للتفاعلات الدولية، إطار مقترح للتحليل السياسى للتاريخ، فى د. مصطفى علوى (محرر)، الوطن العربى وكومنولث الدول المستقلة، (القاهرة: معهد البحوث والدراسات العربية، 1994)، ص53-54
[3] من أمثلة هذه الدراسات
– د. محمد السيد سليم، مستقبل الجمهوريات الإسلامية فى آسيا الوسطى والقوقاز، مستقبل العالم الإسلامى، العدد 5، شتاء 1992.
– د. نيفين عبد الخالق مصطفى، مستقبل الجمهوريات الإسلامية فى آسيا الوسطى والقوقاز وبناء نظام إقليمي إسلامي “، بحث مقدم إلى المؤتمر الدولى عن المسلمون فى آسيا الوسطى والقوقاز: الماضى والحاضر والمستقبل، جامعة الأزهر – مركز صلاح عبد الله كامل للاقتصاد الإسلامى بالاشتراك مع قسم اللغة الفارسية – كلية الدراسات الإنسانية – 28-30/9/1993.
– مركز الدراسات الحضارية، التنافس الدولى والإقليمي على آسيا الوسطى والقوقاز (أوراق ندوة)، 7-8 يونيو 1994.
– Center for political Research and Studies , Russia – Central Asia, and the Arabs (a back ground paper) prepared for a seminar on: Russia , C.A., and the Arabs , Cairo: 26-29/4/1993 , PP 19-21
– George. I. Mirsky, Central Asia’s Emergence, Current – History, October 1992.
– R.K. Ramazani, Iran’s foreign policy: Both North and Sout Middle East Journal, (Vol. 46, No. 3, Summer 1992)
[4] سعاد الوحيدى، ” شامل باساييف: الوريث التاريخى لثورة الشيخ شامل فى الداغستان “، الحياة، (4/9/1999)، ص10
[5] نبيه الأصفهانى، ” الصراع المسلح فى الشيشان ومصير رابطة الكومنولث السياسية الدولية، القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، (العدد 120، أبريل 1995)، ص 172
[6] حول التطور التاريخى للمقاومة الشيشانية لمحاولات الهيمنة الروسية ثم السوفيتية وما تعرض له شعب الشيشان، انظر:
– د. محمد السيد سليم – التعريف بالشعب الشيشانى، فى د. محمد السيد سليم (محرر)، المشكلة الشيشانية أصولها وآفاقها، سلسلة أوراق آسيوية، القاهرة: مركز الدراسات الآسيوية، (العدد 1، أبريل 1995)، ص ص 1-5
– د. مصطفى اللباد، ” انفجار القوميات والصراع على النفط فى القوقاز “، ملف الأهرام الإستراتيجي، القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، (العدد 58 أكتوبر 1999) ص 97
– د. نيفين عبد الخالق، ” المسلمون فى الشيشان، تقرير الأمة فى عام، القاهرة مركز الدراسات الحضارية، 1995) ص ص109-111
[7] انظر تفاصيل التطور التاريخى لوضع منطقة القوقاز وآسيا الوسطى فى توازنات القوى بين روسيا والقوى الإسلامية الكبرى فى
– د. نادية مصطفى، مرجع سابق.
[8] حول هذه الأساليب وتأثيرها على شعب الشيشان وغيرة، انظر:
– محمود شاكر، المسلمون تحت السيطرة الشيوعية، (بيروت: المكتب الإسلامى، 1982).
– الأقليات المسلمة فى العالم، كتاب الندوة العالمية للشباب الإسلامى، الرياض، 1986، المجلد الأول، الفصل الرابع، المسلمون فى الاتحاد السوفيتى والصين، ص ص 433 – 511
– د. محمد عبد القادر أحمد، الجمهوريات الإسلامية فى الاتحاد السوفيتى بين الماضى والحاضر، (القاهرة: دار النهضة المصرية، 1992)، ص ص 19-21
– محمد الغزلي، الإسلام فى وجه الزحف الأحمر، (بيروت: المكتبة العصرية، 1966)، ص ص119-210
– نادية مصطفى ” الأقليات المسلمة فى إطار عام مقارن للدراسة ” فى د. حسن حمدان العلكيم، قضايا إسلامية معاصرة، (القاهرة: مركز الدراسات الآسيوية، ط 2، 1997)
[9] (9) لمزيد من التفاصيل عن السياسة السوفيتية تجاه إبادة وتهجير شعب الشيشان، انظر:
Mohamed A. Mahmoud, the International Legal Basis of the Independence of Chechnya’ the Hague 1995, PP 8-14
[10] (10) حول هذه التركيبة وهذه التكوينات، انظر:
– د. طه عبد العليم، مصير الاتحاد الروسى بعد حرب الشيشان، فى د.محمد السيد سليم (محرر)، المشكلة الشيشانية … مرجع سابق، ص ص 40-41
– د. مصطفى اللباد، مرجع سابق، ص 97
– حرب الشيشان وتماسك الاتحاد الروسى، ملف الأهرام الإستراتيجي، يناير 1995 ص 4
– الوسط، (16/8/1999)، ص ص 13-14
[11] (11) كانت الأوضاع فى جمهورية القره تشاى و الشركس هادئة حسب الظاهر تحت رئاسة فلاديميرحبيف رغم أنه لم يكن منتخبًا، إلى أن جرت الانتخابات الرئاسية الأولى فى تاريخ الجمهورية فى 16 مايو وسجل فيها فلاديمير سيميونوف (قرشى) فوزًا ساحقًا على المرشح الآخر ستانيسلاف ديريف (شركس)، إلا أن أنضارديريف احتجوا على نتيجة الانتخابات، قام يلتسين بعد ذلك بوقف صلاحيات الرئيس المنتخب وتعيين فالنتين فلا سوف رئيسًا بالوكالة، فقامت مظاهرات جماهيرية من الجانب الآخر تنادى الاعتراف بشرعية سيميونوف، جاء ذلك فى الوقت الذى تثور فيه المخاوف من إشعال نيران الفتنة فى منطقة بريجوردونيه ذات الأغلبية السكانية الأنجوشية فى جمهورية اوسيتيا الشمالية
لمزيد من التفاصيل، انظر:
– الوسط، (16/8/1999)، ص 14
– الشرق الأوسط، (1/9/1999)، ص7
– الشرق الأوسط، (7/8/1999)
– الشرق الأوسط، (21/8/1999)، ص7
[12] (12) فيكتور كريمينيوك، ” روسيا تملك خيارًا واحدًا فى الشيشان… الانتصار ” الشرق الأوسط، (6/12/1999)، ص8
[13] (13) حول اندلاع الحرب وتطوراتها، انظر:
– د. نبية الأصفهانى، الصراع المسلح فى الشيشان… مرجع سابق، ص 172
– د. نيفين عبد الخالق، المسلمون فى الشيشان، مرجع سابق، ص ص 112-130
– د. مصطفى اللباد، مرجع سابق،ص97
– د. محمد فراج، الغزو الروسى للشيشان: الدوافع والانعكاسات الإقليمية والدولية، فى د. محمد السيد سليم (محرر) المشكلة الشيشانية …، مرجع سابق ص ص 29-36
– Mohamed A. Mahmoud, op. cit. PP 15-19.
– Benjamin S. Lambeth, ” Russia’s Wounded Military “, Foreign Affairs, Vol. 74, No.. 2 , march / April 1995 , PP 86-98
[14] الشيشان بعد الانسحاب الروسى، ملف الأهرام الإستراتيجي، يناير 1997، ص 11
[15] المرجع السابق ص ص 11-12
[16] الحياة،(3/10/1999)، ص7
– الشرق الأوسط، (7/10/1999) ص7
[17] Tomas Valasek ” War Threatens to Engulf Chechnya , Weekly Defense Monitor , (Vol. 3 , No.. 37) 23 September 1999 , the Center for Defense Information ,
http://www.cdi.org.p4
وانظر أيضا
– الشرق الأوسط، (20/10/1999)، ص 11.
[18] علي البغدادي: قضية الشيشان: التطورات والأبعاد والنتائج
www.islam-online.net/iol-arbic/dowalia
[19] الشرق الأوسط، (6/8/1999)،
[20] الشرق الأوسط، (11/8/1999)، ص4
[21] الوسط، (16/8/1999)، ص10
[22] الشرق الأوسط،(14/8/1999)، ص7
[23] الشرق الأوسط، (10/8/1999)، ص4
[24] الوسط، (20/9/1999)،ص30
[25] حازم صاغية، حرب روسيا الأصولية الإسلامية ” الحياة، (19/9/1999)، ص9
– الشرق الأوسط، (18/8/1999)، ص7
– ومن نماذج الاتجاه الأول انظر على سبيل المثال:
– Tomas Valasek ” Demystifying the Role of Islam in the Former Soviet south , Weekly Defense Monitor , (Vol. 3 No..33) 26 August 1999, the Center of Defense Information,
– http: //www.cdi.org.
[26] الوسط، (16/8/1999)، ص 13
[27] حول مزيد من التفاصيل عن القوى الداخلية فى داغستان ومواقفها من حركة باساييف انظر.
Tomas Valasek “Dagestan Before and After the Conflict, (7 August – 19 September 1999), http://www.cdi.org/issues Europe.
[28] الشرق الأوسط، (25/8/1999)، ص7
[29] الوسط،(16/8/1999)،ص ص11-12
[30] الشرق الأوسط، (14/8/1999)، ص 7
[31] الشرق الأوسط،(16/8/1999)، ص 1
[32] الحياة،(27/9/1999)، ص7.
[33] Tomas Valasek , War Threatens.. op. cit. , p5
[34] الحياة، (12/10/1999) ص7
[35] الشرق الأوسط، (13/10/1999)، ص 9
[36] الشرق الأوسط، (17/10/1999)، ص8
[37] الشرق الأوسط، (19/10/1999)، ص7
[38] الشرق الأوسط، (28/10/1999)، ص 7
[39] الشرق الأوسط، (30/10/1999)، ص 12
[40] (39) الشرق الأوسط، (5/12/1999)، ص8
[41] الحياة، (13/11/1999)، ص7
[42] الشرق الأوسط، (8/12/1999)، ص13
[43] الحياة،(11/11/1999)، ص 7
[44] الحياة،(13/11/1999)، ص 7
[45] الأهرام،(11/12/1999)، ص 4
[46] د. نيفين عبد الخالق، الأبعاد الراهنة للمشكلة الشيشانية، فى د. محمد السيد سليم (محرر) المشكلة الشيشانية.. مرجع سابق، ص 22.
[47] الشرق الأوسط، (10/8/1999)، ص4
[48] د. نيفين عبد الخالق، الأبعاد الراهنة … مرجع سابق، ص 23
[49] الحياة،(25/9/1999)، ص 7
[50] الحياة،(9/9/1999)، ص 8
[51] لمزيد من التفاصيل حول الثروة النفطية لمنطقة بحر قزوين انظر:-
– د. مصطفى اللباد، مرجع سابق، ص ص 97-98
– سعد عبد المجيد ” أهداف ومرتكزات الاستراتيجية التركية فى القوقاز ” السياسة الدولية، (العدد 138، أكتوبر 1999)، ص ص 189-190
– Gennady Chufrin , the Caspian Sea Basin: the security dimensions- 24/10/1999 ,
http://www. Spire yearbook 1999
[52] د.حمزة زوبع: مستقبل الشيشان: الحرب الحقيقية تبدأ بعد اقتحام جروزني.
www.ilsam-online.net/iol-arabic/dawalia
[53] عبد القادر عبد الهادي: حرب الشيشان ترفع بوتين وحزبه (من روسيا في 23/12/1999) في مرجع سابق.
[54] الشرق الأوسط، (10/8/1999)، ص4
[55] الحياة،(20/9/1999)، ص4
[56] الشرق الأوسط، (2/12/1999)، ص7
[57] الحياة،(19/8/1999)، ص8
[58] الشرق الأوسط،(17/10/1999)، ص8.
[59] الشرق الأوسط، (1/11/1999)، ص7
[60] الحياة،(13/11/1999)، ص7
[61] الشرق الأوسط، (5/12/1999)، ص8
[62] الشرق الأوسط، (7/12/1999)، ص7.
[63] الأهرام، (12/12/1999)، ص4
[64] الحياة،(3/10/1999)،ص7
[65] الحياة،(7/10/1999)، ص 7
[66] الشرق الأوسط، (9/10/1999)، ص11
[67] الشرق الأوسط، (5/12/1999)، ص8.
[68] الأهرام، (12/12/1999)، ص4
[69] الشرق الأوسط، (2/9/1999)، ص7
[70] الحياة،(15/9/1999)، ص7
[71] الشرق الأوسط، (9/9/1999)، ص7
[72] الشرق الأوسط، (16/9/1999)، ص7
[73] الحياة،(1/10/1999)، ص7
[74] د. نيفين عبد الخالق، الأبعاد الراهنة … مرجع سابق، ص17
[75] الشرق الأوسط، (19/8/1999)، ص7
[76] الحياة،(11/9/1999)، ص 8
[77] http://www.islam-online.net 26/10/1999
[78] حرب الشيشان وتماسك الاتحاد الروسى، ملف الأهرام الاستراتيجى يناير 1995 ص4.
[79] المرجع السابق، نفس الصفحة
[80] لمزيد من التفاصيل حول القوى المتنافسة فى هذه الانتخابات انظر:
– نبيه الأصفهانى ” الانتخابات الروسية وتوقعات المستقبل فى القرن القادم “، السياسة الدولية، (العدد 138 أكتوبر 1999)، ص ص 210-214.
[81] الشرق الأوسط، (15/8/1999)، ص7
[82] الشرق الأوسط، (22/8/1999)، ص 7
[83] المرجع السابق.
[84] المرجع السابق.
[85] الحياة، (7/9/1999)، ص7
[86] الشرق الأوسط، (15/9/1999)، ص 8.
[87] الحياة،(13/10/1999)، ص 7
[88] الشرق الأوسط، (15/10/1999)، ص 7
[89] الأهرام، (14/12/1999)، ص 4
[90] الشرق الأوسط، (1/11/1999)، ص 7.
[91] الشرق الأوسط، (8/12/1999)، ص 13
[92] الشرق الأوسط، (19/8/1999)، ص 7 ,
[93] الشرق الأوسط، (8/10/1999)، ص 7.
[94] الوسط، (11/10/1999)، ص33
[95] أوكسفورد أناليتيكا ” مستقبل الدور الروسى فى شمال القوقاز ” الشرق الأوسط، (4/9/1999) ص 12
[96] بافل بالازنكو ” بين الشيشان و داغستان أوجه شبة … لكنها سطحية، الشرق الأوسط، (5/9/1999) ص 10
[97] الشرق الأوسط، (17/8/1999)، ص7
[98] الشرق الأوسط، (21/9/1999)، ص1
[99] الأهرام،(12/12/1999)، ص1
[100] الشرق الأوسط، (17/10/1999)، ص8
[101] الشرق الأوسط، (2/12/1999)، ص7
[102] الحياة، (19/11/1999)، ص8
[103] الأهرام، (10/12/1999)، ص4
[104] الحياة،(6/11/1999)، ص8
[105] الحياة،(23/9/1999)، ص 7
[106] الحياة،(12/10/1999)، ص7
[107] الحياة،(6/11/1999)، ص8
[108] الحياة،(12/10/1999)، ص7
[109] الحياة،(19/11/1999)، ص8
[110] حول مواقف العالم الإسلامى تجاه الحرب الشيشانية الأولى انظر على سبيل المثال:
– Toraz kuzio ,International Reaction to the Chechen -Crisis ” Central Asian Survey , (Vol..15,No. 1 , 1996) , PP 106-110
– د. نيفين عبد الخالق، المسلمون فى الشيشان… مرجع سابق، ص128
[111] الشرق الأوسط، (5/12/1999)، ص 8
[112] الشرق الأوسط،(7/12/1999)، ص7.
[113] الشرق الأوسط، (8/12/1999)، ص13
[114] الأهرام، (10/12/1999)، ص4
[115] الحياة،(14/9/1999)، ص 7
[116] الشرق الأوسط، (7/10/1999)، ص 7
[117] الشرق الأوسط، (24/10/1999)، ص 8
[118] الشرق الأوسط، (7/12/1999)، ص 7
[119] http: Islam- online.net 26/10/1999.
[120] الشرق الأوسط، (7/11/1999)، ص 7
[121] الأهرام،(10/12/1999)، ص1
[122] الحياة،(18/8/1999)، ص 6
[123] الشرق الأوسط، (27/8/1999)، ص 1
[124] الحياة،(6/9/1999)، ص6
[125] الحياة،(10/9/1999)، ص 6
[126] الشرق الأوسط، (16/9/1999)، ص 3
[127] الحياة،(19/11/1999)، ص 8
[128] محمد الحسن أحمد ” اختلال معايير التدخل واقع مؤسف لا سبيل لتفاديه ” الشرق الأوسط، (12/10/1999) ص8
[129] الشرق الأوسط، (24/10/1999)، ص 8
[130] الشرق الأوسط، (26/9/1999)، ص 7
[131] الحياة، (19/11/1999)، ص 8
[132] الشرق الأوسط، (20/10/1999)، ص11
[133] الحياة، (13/11/1999)، ص 7
[134] الحياة، (13/10/1999)، ص7
[135] الأهرام، (10/12/1999)، ص4
[136] الحياة، (20/8/1999)، ص8
[137] الحياة،(9/10/1999)، ص 7
[138] الشرق الأوسط، (8/10/1999)، ص 7
[139] الشرق الأوسط، (10/10/1999)، ص 6
[140] الحياة،(12/10/1999)، ص 7
[141] الشرق الأوسط، (28/10/1999)، ص 7
[142] الحياة، (11/11/1999)، ص7
[143] الشرق الأوسط، (16/11/1999)، ص 8
[144] الشرق الأوسط، (20/11/1999)، ص 12
[145] الأهرام،(11/12/1999)، ص4
[146] د. مصطفى اللبادى، مرجع سابق ص 98
[147] أمير طاهرى “حرب أخرى فى القوقاز” الشرق الأوسط، (26/8/1999)، ص9
[148] الشرق الأوسط، (18/8/1999)، ص 7
[149] الحياة، (4/9/1999)، ص 7
[150] الحياة، (19/8/1999)، ص 8
[151] الحياة، (13/11/1999)، ص 7
[152] حول هذا الرأى انظر:
– مولادى أودوجوف ” الشيشان… الصراع المحتوم ” ترجمة: عبد القادر عبد الهادى http://www Islam -online.net
[153] الشرق الأوسط، (16/9/1999)، ص 7
[154] الحياة،(18/9/1999)، ص7.
[155] الحياة، (1/10/1999)، ص7
[156] الشرق الأوسط، (15/10/1999)، ص 7
[157] الشرق الأوسط، (24/10/1999)، ص 8
[158] الشرق الأوسط، (30/10/1999)، ص 12
[159] الشرق الأوسط، (19/11/1999)، ص ص2، 7
[160] الشرق الأوسط، (8/12/1999)، ص 13
[161]الأهرام، (10/12/1999)، ص 4
[162] الأهرام،(11/12/1999)، ص 4
[163] يعكس النشيد القومي الشيشاني خصائص هذه الشخصية. انظر نص هذا النشيد وتحليل هذه الخصائص في: حمزة زوبع: الشيشانيون.. الحرية أو الموت في:
www.islam-online.net/iol-arabic/dowalia

نشر في حولية أمتي في العالم، عدد 2000

للحصول علي الملف

اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى