سورية.. تقطيع أوصال شعب ووطن: التغيير السكاني.. التدمير الثقافي.. التقسيم الجغرافي

مقدمة- حلقة من مسلسل طويل:

في سورية لم يكن عام ٢٠١١م، بداية التأريخ للتغيرات السكانية عبر التشريد وما يسمى التطهير العرقي والطائفي، وللتغيرات العمرانية الحضارية عبر قصف المدن والبنى التحتية وعبر تدمير آثار تراثية وإهمال بعضها وإبراز بعضها الآخر على خلفية عقدية، فجميع ذلك شهد تمهيدًا مسبقًا، ثم كانت ذروته في السنوات التالية لعام انطلاق “الثورة الشعبية”، بل أصبح حتى توصيف “الثورة” ضحية التمييع الممنهج، وضحية ما دخل على مسارها من ممارسات تناقض جوهرها الشعبي والتاريخي، فانتشرت تعابير الحرب، والحرب الأهلية، والأزمة، إلى آخره.
لقد شهدت سورية ممارسات التغيير في مراحل متتابعة عبر عقود عديدة، يبني كل منها على ما سبق، بما في ذلك إيجاد أحياء “طائفية” في بعض المدن مثل حمص، أو تركيز التطوير العمراني على مناطق ومدن بعينها، مثل اللاذقية والساحل، فضلا عن تركيز الثروات في أيدي بعض العائلات وتمكينها -بأسلوب “المنفعة المتبادلة” مع السلطة السياسية- من السيطرة على قطاعات اقتصادية كقطاع الاتصالات، وأسواق تجارية بكاملها، كما كان في المدن الكبيرة لا سيما دمشق وحلب.
ورغم أن التاريخ حركة انسيابية لا تتوقف، فدراسته تعتمد على إبراز أحداث مفصلية أكثر من سواها، ويمكن القول بصدد الموضوع المطروح إن سورية شهدت على امتداد نصف قرن وأكثر:
– مرحلة أولى بدأت مع الانقلاب العسكري سنة ١٩٦٣م الذي أوصل حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة.
– مرحلة ثانية مع الانقلاب العسكري سنة ١٩٧٠م الذي أوصل حافظ الأسد إلى الانفراد عسكريًّا بالسلطة.
– مرحلة ثالثة مع التحالف مع السلطة في إيران، فور وصول التنظيم الشيعي بزعامة الخميني إليها سنة ١٩٧٩م.
– مرحلة رابعة مع التمكين للسلطة الأسدية مجدَّدًا عقب أحداث ١٩٧٩ – ١٩٨٢م في سورية.
– مرحلة خامسة مع استنجاد السلطة الأسدية عام ٢٠١١/ ٢٠١٢م بميليشيات إيران (ولاحقًا روسيا) ضد الثورة الشعبية.

أولًا- مرتكزات أولى قبل الثورة لتقطيع الأوصال:

إن تركيز ما يلي على المرحلة الخامسة المذكورة أعلاه يعني انطلاق الحديث من “منتصف الطريق”، فيحسن ربط مسار هذه المرحلة بمسارات ما سبقها دون تفصيل.
١- البداية مع بداية السلطة الانقلابية عبر حزب البعث، الذي أنهى رسميًّا بقايا التعدُّدية الحزبيَّة من قبل، وأسَّسَ لسلطة الحزب الواحد وكان تعداد أعضائه بضع مئات كما يذكر أمينه العام سابقًا منيف الرزاز في كتابه “التجربة المرة”، وهذا مما جعل عملية التغيير التالية على حساب قوة البنية الهيكلية للدولة، إذ لم يملك الحزب ما يكفي من الكوادر المؤهَّلة لتنفيد ما اعتمده من مخطَّطات عقيدية وثقافية أساسًا لعملية التغيير في الدوائر الرسمية وفي أجهزة التعليم والثقافة والإعلام وما شابهها، علاوة على الشروع في تشكيل أجهزة أمنية (قمعية) وتغييرات قيادية عسكرية. وأبرز ما صنعه تفريغ بنية الدولة “قياديًّا وتوجيهيًّا” من جميع من لهم صلة بدعوة إسلامية شاملة للجانب السياسي، وتعبئته بأنصار اتجاهات قومية أقرب إلى الجهر بالإلحاد، واقترن ذلك بحملات متتابعة لمحاصرة الناشطين عمومًا في أجهزة حسَّاسة، قضائية ونقابية وفكرية، فضلًا عن انطلاق ما يمكن وصفه بغسيل الدماغ العقيدي والثقافي والاجتماعي لجيل المستقبل، عبر مخيمات ومعسكرات مستحدثة وأنشطة طلابية موجهة(1).
٢- في سبعينيات القرن الميلادي الماضي بدأ حافظ الأسد بإثارة نعرات طائفية وعرقية، اقترنت بحملة استئصال شملت من تحالف معه سابقًا في مسلسل صراعات حزبية وانقلابات عسكرية، وقد شملت هذه الحملة المعارضين من كافة الانتماءات والاتجاهات، بمن فيهم مؤسسو حزب البعث العربي الاشتراكي، صلاح البيطار وميشيل عفلق، ولم تقف عند حدود “طائفته العلوية” بنسبة معينة، فكان ممَّن استهدفتهم اغتيالًا واعتقالًا محمد عمران وصلاح جديد وحتى الشاعر بدوي الجبل، مع موجات تسريح جماعي لقيادات عسكرية (واستخباراتية) ورفع نسبة المنتمين إلى الطائفة العلوية (النصيرية) في القيادات والمواقع الحساسة، فقد تمَّ آنذاك أيضًا ترسيخ “معيار الولاء المطلق للسلطة الأسدية” للتعامل مع جميع الأطراف والفئات الأخرى (من الأقليات والأكثرية) وامتدَّ ذلك إلى كافَّة النُّخب السياسية والفكرية والعقيدية والثقافية وغيرها(2).
هذا ما يؤكد أن “الاستبداد” لا دين له سوى “الاستبداد نفسه”.. وتقول دراسة بعنوان “التغير الديموغرافي في سورية” لعدد من الباحثين الشباب في مركز “نصح”:
(فمن جهة عمل حافظ الأسد على استمالة الأكثرية من خلال تخفيف حدَّة التوجُّهات اليسارية الراديكالية للبعث، كما اهتمَّ بمحاولات إظهار تماهيه مع هوية الأكثرية نفيًا لتُهم الطائفية عن نظامه. ومن جهة أخرى، استمرَّ الأسد بالعمل على إفقاد الأكثرية مقومات التأثير عبر استهداف مراكزها في المؤسَّستين الأمنية والعسكرية(3) والعمل على تعزيز حضور الأقليات في مؤسسات الدولة لاسيما العلويين. أمًّا على الصعيد الخارجي، فلقد وظَّف الأسد الورقتين الكردية والشيعية لتحصيل مكاسب سياسية لنظامه سواء بعلاقته مع تركيا أم مع إيران. بالمحصلة يمكن القول، لم يستهدف الأسد الأب إحداث تغيير ديمغرافي جدي لكونه يدرك صعوبة ذلك، وإنما لجأ إلى إدارة الديمغرافيا بسياسات توازن حرجة هدفها إضعاف الأكثرية السُّنية بالشكل الذي يضمن ترسيخ نظامه)(4).
٣- سنة ١٩٧٩/١٩٨٠م (وليس أثناء الحرب العراقية الإيرانية التي نشبت آخر سنة ١٩٨٠م، كما تردد أحيانًا بصيغة “تبريرية”) نشأ تحالف فوري ووثيق بين نظام الأسد والنظام الجديد للثورة (الإسلامية) في إيران، بينما كانت السلطة في سورية توجه ضربات عسكرية وقمعية استئصالية للتيار (الإسلامي) ولحاضنته الفكرية، وكان من أبرز المظاهر الاستعراضية الأولى لذلك التحالف دعوة طهران للنظام الأسدي في سورية في فبراير سنة ١٩٨٠م ليكون في مكانة ضيف “شرف” في احتفال طهران السنوي الأول بانطلاق الثورة الإيرانية(5).
٤- كذلك على صعيد التدمير الثقافي قبل الثورة تعرَّضت سورية إلى ما يمكن وصفه بعملية “اغتيال للتاريخ الحضاري”، وهو ما توبع أثناء سنوات الثورة كما سيأتي لاحقًا، والموضوع أوسع من قابلية حصره في بحث موجز، ويمكن التنويه كمثال على المرحلة التمهيدية، بما تعرَّضت له مواقع أثرية من عصور إسلامية سابقة كالأضرحة والمساجد(6).
٥- من المرتكزات التمهيدية على صعيد التشريد والهجرة قبل الثورة أيضًا، وبغض النظر عن بضعة عشر مليون نسمة من أصول سورية، من المهاجرين المستقرين في الأمريكتين وأوروبا، في الفترة بين ١٨٢٠ و١٩٧٠م، يمكن القول إن عدَّة ملايين آخرين هاجروا طوعًا وقسرًا بعد ذلك العام ولاسيما بعد أحداث الثمانينيات الميلادية.. وكانت بثينة شعبان، وزيرة شؤون المغتربين سابقًا، تتحدَّث في “مؤتمرات المغتربين” وفي جولاتها في بلدان الاغتراب (٢٠٠٤ – ٢٠١٠م، في إطار حملة استهدفت تشجيع المغتربين السوريين على الاستثمار في سورية) عن ٨ : ١٢ مليون نسمة في المغترَبَات من السوريِّين الذين لا يفقدون جنسيَّتهم الأصلية وإن اكتسبوا جنسيات أجنبية. أما المكتب المركزي للإحصاء في دمشق فيذكر أن عدد حَمَلة الجنسية السورية مطلع ٢٠١١م بلغ زهاء 24.5 مليون نسمة، منهم حوالي ٢١ مليونا داخل البلاد(7)، أي أنه اعتبر عدد المغتربين في حدود 3.5 مليون، دون الإشارة إلى وجود من “تجنَّس واستقرَّ وانصهر” في بلدان مضيفة في أنحاء العالم.
إن ما جرى من تغييرات سكانية وعمرانية وثقافية كبرى في سنوات ٢٠١١ – ٢٠١٨م لم يكن مجرد “رد فعل السلطة” على ثورة شعبية، بل كان حلقة تتركَّز عليها الأنظار لأن أحداثها وقعت في حقبة دامية علنًا، ولأنها بلغت مستويات غير مسبوقة، كمًّا ونوعًا، ولكن لم تكن لتبلغ ذلك لولا التمهيد لها في مراحل زمنية سابقة، امتدَّت لعدَّة عقود، وتفاوتت درجات الحدَّة والعلنية فيها، إنما اتَّخذت اتجاهًا ثابتًا، وفق سياسات ومخطَّطات تنفيذية جارية على قدم وساق.

ثانيًا- الخلفية الطائفية لثنائية “التشريد والتوطين” أثناء الثورة:

أهم ما اعتمدت عليه حركة التغيير الطائفي الديمغرافي أثناء الثورة، هو ما سبق وأنجزته قبل الثورة حركة التشيُّع عبر أنشطة إيرانية مكثفة، ازدادت في عهد الأسد الابن، وانتشرت في معظم المناطق السورية، لاسيما في حمص وريفها والساحل ودمشق، حتى إن الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، الذي كان شديد الارتباط بالنظام حذَّر من ذلك بحدة في خطبة له يوم ٢٨ أبريل ٢٠٠٦م، فعدد فيها ما يجري لنشر التشيُّع، ثم قال:
(آمل أن يكون في وعي هذه الأمة لاسيما في هذه البلدة -يعني: دمشق- ما ينبهها إلى الخطر الداهم، ما ينبهها إلى نشاط يتحرك باسم الإسلام، ولكنه يبتغي شيئًا آخر، يبتغي إثارة فتنة)(8).
لم تكن نسبة الشيعة تصل إلى نصف في المئة من سكان سورية عندما بدأ تنفيذ اتفاقية سايكس-بيكو وظهرت حدودها كدولة قائمة بذاتها بعد الحرب العالمية الأولى، وكان الشيعة موزعين كمجموعات صغيرة في بعض الضواحي من مدينتي دمشق وحلب، وقد تردَّد ذكر بعض تلك الضواحي أثناء الثورة كتجمعات سكانية شيعية مثل نبل والزهراء في ريف حلب، وعين ترما وقرية راوية، في أطراف دمشق، حيث يوجد مقام حول ضريح منسوب (دون إثبات تاريخي.. مثله في ذلك كمثل ضريح آخر في مصر) إلى السيدة زينب رضي الله عنها(9).
وتفصل دراسات عديدة الحديث عن جهود إيرانية لم تنقطع لنشر التشيُّع في سورية، عبر استغلال تحوُّلات اقتصادية واجتماعية طارئة أو مصطنعة، كما في بعض مناطق الأكراد في الشمال الشرقي من سورية وفي بصرى في الجنوب وغيرها(10). وكان من النتائج المباشرة لذلك أن ميليشيا منظمة “حزب الله”، المرتبطة بإيران، عندما استجابت لاستنجاد رئيس السلطة في سورية بها بدأت حملتها الدعائية بين الشيعة في لبنان تحت عنوان “حماية المقامات الشيعية” في سورية، رغم أنها لم تتعرَّض قبل ذلك لأي خطر.
في السنوات التالية لم يعد التغيير الديمغرافي عبر استبعاد السُّنة على خلفية طائفية يميز ما بين “علويِّين” و”شيعة”، ولكن لا يستبعد نشوب نزاعات بين الطرفين مستقبلًا، رغم حملات توطين الشيعة وتمليكهم العقارات أو تمكينهم من سوق المقاولات العقارية بصورة ظاهرة للعيان(11)، وكأن ذلك ثمن مشاركة الميليشيات التابعة لإيران في الحيلولة دون سقوط النظام. ومن أبرز الشواهد على ذلك بعض ما عرف باتفاقات الهدن المحلية، التي تنطوي على “تهجير فئات سُنية سكانية”، وهو ما بدأ على نطاق واسع في مدينة القصير منتصف سنة ٢٠١٣م، ثم بلغ درجة بعيدة المدى في مدينتي الزبداني ومضايا سنة ٢٠١٧م(12)، وكان الاتفاق على إنهاء “حصار التجويع” على المدينتين مقترنا بتبادل “تهجير سكاني” للسُّنة منهما وللشيعة من بلدتي نبل والزهراء وكانتا تحت حصار الثوار، وانقطع تطبيق جزء من الاتفاق، ثم استؤنف سنة ٢٠١٨م بإجلاء الشيعة هناك، مقابل تشريد نسبة عالية من أهل الغوطة الشرقية، وهم من السُّنة أيضًا، إلى الشمال.
لقد كان هذا التغيير الطائفي للتركيبة السكانية تحت الإعداد في البداية، ثم قيد التخطيط أثناء الثورة، ولم يكن “ردود فعل” على أحداث بعينها.. وهذا ممَّا يؤكِّده الباحث غازي دحمان إذ يشير في إحدى دراساته إلى إقدام النظام منذ مطلع الثورة على سحب القوات والإدارات التابعة له من بعض المناطق دون وجود خطر حقيقي يتهدَّدها، ويسري هذا تخصيصًا على حمص وأريافها، إذ تشكل الجزء الرئيسي من الشريط الجغرافي العريض الواصل بين دمشق والقلمون على الحدود مع لبنان وبين الساحل السوري في الشمال الغربي، وكان الأسلوب المتبع في معظم عمليات التشريد الجماعي تحت عنوان “هدن” يبدأ بحصار “التجويع” ويشمل ارتكاب سلسلة من الأعمال الدموية الترهيبية للسكان، ثم اعتماد أقصى درجات العنف العسكري لإخلاء تلك المناطق لاحقًا وصنع تركيبة سكانية جديدة فيها(13).
شبيه ذلك ما تؤكِّده أيضا دراسة صدرت في نهاية ٢٠١٥م عن مركز واشنطن للدراسات وممَّا ورد فيها أن (التحرّكات السكانية واسعة النطاق لم تكن مجرَّد نتيجة ثانوية أسفرت عنها الحرب، بل تمثِّل استراتيجيات تطهير عرقي واعية تنفِّذها كل الفصائل)(14)، والواقع أن ميليشيات “داعش” تحديدًا مارست ذلك بنسبة محدودة عدديًّا، كما وقعت ممارسات مشابهة بحقِّ فئات من السكان في بعض المدن والقرى، وحملت مسؤوليته فصائل مسلحة تضم فريقًا من الأكراد باسم “وحدات حماية الشعب”، العاملة على طول الحدود مع تركيا تحت مظلَّة الولايات المتحدة الأمريكية وبدعمها عسكريًّا وسياسيًّا.. رغم ذلك فإن “التعميم” على “كل الفصائل”، الوارد في دراسة مركز واشنطن للدراسات لم يستند إلى أدلة توثيقية.
الجدير بالذكر أن جميع جهود التشيع لم ترفع عدد الشيعة إلى ما يزيد عن ١ : ٢ في المئة خلال أكثر من أربعة عقود مضت، كما أن المصادر المتعددة حول الانتماءات العقيدية والعرقية في سورية، لا تصل بنسبة الشيعة والعلويِّين معًا إلى أكثر من ١٣ في المئة(15).
كلمة “التطهير” كما شاعت، متناقضة من حيث المقصود بها مع ما قد توحيه (باللغة العربية) لاتصالها لغويًّا بكلمات طهر وطهارة، والواقع أنها من أبشع الجرائم ضدَّ الإنسانية كما هو معروف، ويعني التطهير الطائفي والتطهير العرقي اصطلاحًا التبديل غير المشروع للنسب المئوية للفئات السكانية في مناطق بعينها.
في سورية لا تتَّضح معالم المشهد عبر “التطهير الطائفي” وحجمه الفعلي دون الوقوف عند مفعول عنصرين إضافيَّين، هما التشريد إكراهًا والاستيطان اغتصابًا.
من حيث مفعول عنصر التشريد إكراهًا:
بلغ تعداد المشرَّدين ما يناهز نصف السكان وفق الأرقام التي تنشرها المنظمات الدولية وفي مقدِّمتها مفوضية شؤون اللاجئين، منهم (حسب أرقام عام ٢٠١٨م) 6.6 مليون من النازحين داخل الحدود، وزهاء 5.5 مليون في تركيا ولبنان والأردن ومصر والعراق وبلدان أخرى(16).. وصحيح أن التشريد شمل فريقًا من المسيحيِّين، وأن ميليشيات “داعش” استهدفتهم كما استهدفت الإيزيديِّين في العراق، إنما لا يخفى أن الكثرة من المشرَّدين هم من السُّنة، الذين شكَّلوا في سورية حسب تقديرات متعدِّدة ما بين ٧٥٪ و٨٥٪ من السكان، وإن تركيز حركة التشريد عليهم يعني هبوط هذه النسبة داخل البلاد بالمقارنة مع مجموع “من بقي” من السكان في سورية.
ومن حيث مفعول عنصر الاستيطان اغتصابًا:
هو مفعول تبديل نسب الفئات السكانية عبر تشريد المقيمين الأصليِّين وجلب سواهم وتوطينهم، فهذا ما يسفر في حالة سورية عما يُسَمَّى “التطهير” برفع نسب طوائف بعينها على حساب أخرى، عبر التوطين المقترن في معظم الأحيان بالتجنيس وتمليك عقارات مغتصبة(17)، لتكون تلك الطوائف العلوية والشيعية تخصيصًا هي الغالبية فيما وصفه بشار الأسد رسميًّا بسورية “المفيدة”، أي الأرض الممتدة من الساحل عبر أرياف حماة وحمص ومنطقة القلمون إلى دمشق وريفها، ولم يعد مجهولًا أن هذا يعني “تركيز القوة البشرية” التي يُعتمد عليها طائفيًّا في ذلك الشريط الجغرافي الزراعي والتجاري العريض(18)، هذا.. مع استمرار الحرص على استعادة السيطرة بالقوة العسكرية على مناطق أخرى من سورية بحدودها الرسمية، بينما تقتصر هذه السيطرة حاليًّا على ٧٠ في المئة كما سيأتي لاحقًا.
ويبقى السؤال عن “جدوى” ما يُسَمَّى “التطهير الطائفي”، فالواقع يقول مع المنطق:
(لا تتوافر في مشاريع التغيير الديمغرافي التي يُديرها النظام في “سورية المفيدة”، مقوِّمات الاستمرارية والاستقرار، ذلك أن القائمين عليها أقلية تُحيطهم امتدادات سكانيَّة كبيرة من نسيج السكان القُدامى المُهجَّرين، الأمر الذي يجعل التغيُّرات الديمغرافية التي نجح النظام في تحقيقها، في أكثر من مكان خاضع لسيطرته، مجرَّدَ محاولات من المستبعد أن تستقرَّ على الأمد التاريخي الطويل، وحتى المتوسط، وتتحوَّل إلى حقيقة ديمغرافية ثابتة)(19).
إن ما يُسَمَّى “التطهير الطائفي” لا يغير التركيبة السكانية من حيث النسب المئوية من تعداد سكان سورية جميعًا، في وطنهم وفي الشَّتات، ولكن يصنع غالبيات جديدة في بعض مناطق سورية، ويُستخدم لهذا الغرض تشريد سكان أصليِّين وتوطين سواهم، فيزرع بذور أحقاد وثارات وعداوات جديدة لسنوات قادمة وربما لعقود وأجيال عديدة.

ثالثًا- تمزيق الهوية عبر التدمير التراثي والثقافي:

سبقت الإشارة إلى أن التمهيد للتدمير الثقافي باستهداف الآثار خلال أعوام الثورة، قد بدأ من قبل باستهداف الأضرحة، لا سيما في دمشق، والمقصود أضرحة خلفاء وعلماء تعاديهم التعاليم العلوية والشيعية، وأبرز الأمثلة على ذلك أضرحة ابن عساكر وابن كثير وابن تيمية الحراني الدمشقي من العلماء، إضافة إلى أضرحة خلفاء أمويين مثل معاوية بن أبي سفيان، حتى أصبح معظم تلك الأضرحة في حكم المهترئ بسبب إهماله رسميًّا بالمقارنة مع الاهتمام عمومًا بالآثار الحضارية السياحية. ومنذ سبعينيات القرن الميلادي العشرين بات من العسير على زوار دمشق من المغتربين السوريِّين أو من السياح الأجانب العثور على مواقع تلك الأضرحة وما يشابهها، وهذا قبل إزالة بعضها نهائيًّا، فضلًا عن وصول الحملة بعد اندلاع الثورة إلى المساجد أيضا، كالعمري في درعا، والأموي في حلب، وخالد بن الوليد في حمص(20).
معظم الجهات الدولية -مثل اليونسكو- التي تابعت قضية تدمير التراث العمراني والآثار التاريخية في سورية أثناء سنوات الثورة، وتابعت عمليات نهب الآثار وبيعها عالميًّا في السوق السوداء، وكذلك المصادر التي تتحدَّث باسم الثورة، يوجِّهون أصابع الاتهام إلى طرفين رئيسيَّين هما النظام نفسه بعمليات القصف كما كان مثلا مع قلعة حلب، وميليشيات “داعش” التي تكاد تمثِّل الصورة المكمِّلة للنظام في معظم ممارساته من أعمال من هذا القبيل وسواها، بينما تُوَجِّه مصادر النظام نفسه أصابع الاتهام إلى “داعش” أيضًا وسواها ممن تصفهم بالمنظمات المسلحة أو الإرهابية المدعومة من دول أجنبية(21).
وقد تأسس عام ٢٠١٣م مركز سوري مستقل باسم “مدماك” وأنجز عام ٢٠١٥م تقريرًا أو دراسة موثَّقة حول ما أصاب الآثار السورية(22)، نقلت عنه شبكة “جيرون” الإعلامية السورية:
(أجمل التقرير الأضرار التي هدَّدت، وتهدِّد التراث الثقافي المادي السوري بخمسة عوامل أساسية:
1) تحوُّل المواقع الأثرية السورية إلى مواقع عسكرية، أو أماكن تجمُّع لقوَّات عسكرية، أو متاريس، أو مخازن ذخيرة، ما جعلها ساحات للمعارك، وعرضة للاستهداف المباشر بالقصف أو بالتفجير من قبل الأطراف المتصارعة.
2) عمليات التنقيب غير المشروع من لصوص الآثار، أفرادًا أو جماعات منظمة.
3) عمليات السرقة والتهريب، التي كانت قائمة سابقًا، واستشرت؛ بسبب الفوضى السائدة التي شكَّلت بيئة خصبة تعمل فيها “مافيات” الآثار الدولية وشبكاتها، جنبًا إلى جنب مع اللصوص المحلِّيِّين.
4) عمليات التزييف والتزوير المتزايدة، وخاصة للتماثيل والفسيفساء.
5) التخريب والتدمير الممنهج للآثار، على خلفية عقائدية، والذي برز بشكل واضح لدى التيارات الإسلامية المتشددة، وبشكل خاص لدى “تنظيم الدولة الإسلامية”)(23).
ومما يفصل التقرير؛ استهداف قوات النظام لقلعة المضيق مباشرة، وقصف مئذنة الجامع الأموي الكبير في حلب وتدميرها، وتدمير عدد من الأسواق والمناطق السكنية الأثرية القدمية مثل أسواق “الزرب” و”العبي” و”العتمة” و”العطارين” و”النسوان” و”الصوف” و”الصاغة”، وأمام حجم التدمير والثقافي الكبير والممنهج لم تكن الجهود المدنية المضادَّة من جانب السوريِّين كافية، ويذكر التقرير منها ما سعت إليه روابط وجمعيَّات تأسَّسَتْ لهذا الغرض مثل “الآثار السورية في خطر”، و”معًا لنحمي آثارنا من النهب في حال حصول فراغ أمني”، وجمعية “حامية”، ومؤسسة “التراث من أجل السلام”، ومبادرة “التراث السوري في المدارس الأمريكية” وغيرها.
كما ورد في تقرير نشرته شبكة “الجزيرة” معلومات تفصيلية موثقة حول عمليات التدمير الثقافي في دمشق وحلب وتدمر وبصرى، والعديد من القلاع ومن القرى الأثرية في الشمال، وهو ما بدأ منذ مطلع سنة ٢٠١٢م واتَّخذ صيغة سرقة آثار كما كان مع متحف حماة ومدينة إيبلا في محافظة إدلب، كما اتَّخذ لاحقًا صيغة تدمير متعمَّد كما صنعت “داعش” مع أضرحة إسلامية ومعابد تاريخية في تدمر، واستشهدت شبكة “الجزيرة” في قسم “الموسوعة” على بعض ما أوردته بتقارير إعلامية أمريكية وتقارير اليونسكو(24).

رابعًا- تقسيم الوطن إلى مناطق نفوذ:

أكثر ما ميَّز العلاقات الخارجية في حقبة الأسد الأب كان ما يوصف من جانب دارسيها ومحلِّليها بعملية “توازن العلاقات” الذي أتقن ممارسته، ويمكن التنويه هنا بجانبين مما بقي أثره إلى فترة التعامل الإقليمي والدولي مع الثورة الشعبية ومسارها:
١- العلاقات السياسية والعسكرية مع موسكو الشيوعية وبعد الشيوعية تقابلها علاقات اقتصادية وتجارية وثقافية مع أوروبا وتعاون استخباراتي وسياسي لا سيما حول لبنان وقضية فلسطين مع الولايات المتحدة الأمريكية.
٢- علاقات التحالف مع إيران والتي بلغت مستوى اندماجيًّا في فترة سلطة الأسد الابن، تقابلها علاقات التعاون المالي والاستثماري وحتى المصاهرات بالإضافة إلى التفاهمات حول لبنان وتقييد العمل الفلسطيني.
هذا التوازن بدأ بالتآكل منذ مطلع الألفية الميلادية الثالثة عبر سياسات الأسد الابن، وكانت أول الانهيارات في لبنان، بعد أن مضى بالتحالف مع إيران إلى مستوى تحالف اندماجي مع فتح الأبواب لمراكز التشيُّع أكثر من أي وقت مضى، فبدأ الخلل في العلاقات مع دول الخليج العربية، كذلك لم تعد المشاركة السابقة في حرب احتلال العراق و”الهدوء” في جبهة الجولان كافيين لحفاظ النظام القائم في سورية على علاقات متميزة مع الولايات المتحدة الأمريكية كمستند رئيسي لوجوده في لبنان.
على هذه الخلفية ضعفت المرتكزات القديمة دون تعويضها بمرتكزات بديلة لخلق توازنات جديدة، عندما بدأت خيوط العلاقات الخارجية بالنظام السوري وبالقوى الثورية منذ عام ٢٠١٢م تنسج وضعًا بديلًا عما كانت تحتضنه القوى الإقليمية والدولية لعدَّة عقود سابقة. وشهدت سنوات الثورة تأرجحًا في التموضع الإقليمي والدولي من قضية سورية والثورة، بالتوازي مع محاولات إيجاد مرتكزات جديدة -أو توهُّم إيجادها- من خلال التواصل مع “الفاعلين” من السوريِّين في مسار الثورة، ومع انهيار تلك المرتكزات عند امتحان قابلية أن تكون “بديلًا” بمنظور شروط القوى الخارجية أو لا تكون، وهذا بغض النظر عن أهداف الثورة نفسها.
أوصل هذا المسار “الخارجي” من جهة، وتطوُّر مسار المواجهات الميدانية من جهة أخرى، في الوصول بالتعامل مع قضية سورية في نهاية المطاف إلى توافق غير مكتوب على تقسيم مناطق النفوذ، وهو ما انتقل إلى مرحلة رسم حدودها الجغرافية عسكريًّا وسياسيًّا بصورة علنية سنة ٢٠١٥م التي شهدت في رُبعها الأخير التدخُّل العسكري الروسي العنيف للسيطرة على مسار الأحداث بالقوة العسكرية المفرطة، بعد أن خرجت “إدارة الأزمة” عن سيطرة النظام والميليشيات الحليفة له، بالتوازي مع التراجع الجغرافي (سيطرة عسكرية وإدارة مدنية) باستثناء ١٩ في المئة من الأرض(25).
لا ينبغي هنا إغفال أن التحرُّكات الخارجية لم تكن ممكنة لولا ما سبق إعداده أو سبقت نشأته داخل مكوِّنات الثورة العسكرية والسياسية والشعبية، وعلى وجه التحديد عبر: (١) الحصار وتوجيه الضربات لمقومات معيشة الحاضنة الشعبية للثورة، و(٢) ضرب الفصائل العسكرية بعضها ببعض بسبب انخفاض مستوى الوعي السياسي والعقيدي والفكري فضلا عن العملياتي الميداني.. و(٣) إلى جانب ما صنعته ظاهرة “داعش” ميدانيًّا، وهو ما يحتاج إلى حديث مفصَّل ومنفصل لا تتَّسع له هذه الدراسة الموجزة.
في جميع ذلك كانت القنوات الفاعلة هي قنوات “التمويل وحصول الثورة على السلاح والذخيرة”، باعتبار أن القوى الخارجية التي تتحكَّم ماليًّا وعسكريًّا بصناعة الحدث، سواء تحت عنوان “دعم السلطة الأسدية” أو تحت عنوان “دعم الثورة الشعبية”، إنما تتحرَّك لتحقيق أهدافها الذاتية تحت عنوان “لغة المصالح” وهو عنوان مضلِّل يواري خلفه عناوين عديدة من بينها تحصين “مناطق الهيمنة والنفوذ”.
إن مسار النجاح في انتشار الثورة الشعبية السريع من البداية سلميًّا، مقابل قمع عسكري و”أمني” شديدين، تَلَتْهُ تقديرات وممارسات ذاتية خاطئة اقترنت بضغوط وإغراءات خارجية مغرضة، فنقلته إلى مرحلة مقدِّمات انتشار النفوذ الأجنبي في نهاية المطاف.
وكان المحور الفقري في سلسلة هذا التطور:
١- تنامي الثورة الشعبية..
٢- تحرك “استباقي” نحو “الواجهة” من جانب قوى سياسية توصف بالمعارضة.. وقد شاع هذا الوصف المتناقض مع “ماهية الثورة”.. فالكلمة عبارة عن مصطلح سياسي له شروطه التي لا علاقة لها بحالة ثورية.. ومن بينها وجود دولة ودستور وأطراف متنافسة، غالبًا حزبية في السلطة وفي مقاعد المعارضة، وجميع ذلك لم يتوافر في سورية قبل الثورة ولا أثناءها..
٣- ازدياد حجم المساحة الجغرافية وبالتالي السكانية تحت سيطرة الفصائل المسلحة واقعيًّا..
٤- تنامي الأعباء المالية والإدارية على “الثورة” بما يتجاوز حدود طاقات قياداتها العسكرية والسياسية على السواء.. وهو ما أدَّى بدوره إلى تنامي تأثير الإرادات السياسية والمالية الأجنبية عليها..
٥- وبالمقابل، انهيار القوة الذاتية للسلطة الأسدية.. وهو ما أدَّى إلى ازدياد نفوذ ما يوصف بالحلفاء، لا سيما “الرسميين” علنًا، أي إيران وروسيا.
جميع ذلك كان يجري بسرعة كبيرة لا تُستغرب بمنطق الثورة، ولكن لا يفيد التعامل معها بمنطق الموازين التاريخية لمسارات التطورات والتغيُّرات الاعتيادية، فضلًا عن تأثير حجم المآسي الإنسانية المتفاقمة، حيث تقاس بآلام متواصلة لحظة بلحظة. لقد بات من العسير مجرَّد تتبُّع ما ترسمه سرعة الأحداث من تحوُّلات خطوط الخارطة الجغرافية للأرض كما كانت معروفة منذ قيام سورية كدولة قائمة بذاتها ضمن الاقتسام الدولي للإرث الجغرافي العثماني.
بتعبير آخر، كان تقلُّب السيطرة “العسكرية” ورسم حدود متبدِّلة أسرع نسبيًّا من “الروتين الشهري” لنشر خرائط جديدة حسبما اعتمدته مراكز دراسات عديدة، ومع ذلك يمكن تمييز أمرين اثنين على “الخرائط” المتعاقبة:
١- التبدلات في سيطرة ثنائي النظام والثوَّار على الأرض اقترنت بانهيار متواصل في استقلالية “الطرفين” على صعيد صناعة القرار.
٢- تبدلات الخطوط الجغرافية للسيطرة الميدانية بغض النظر عن المسمَّيات (نظام / ميليشيات / الجيش الحر/ فصائل / داعش الإرهابية / وحدات عسكرية كردية.. إلى آخره) لم تؤدِّ في أي مرحلة إلى “تبدل جوهري” في استكمال صناعة خرائط تقسيم مناطق النفوذ الخارجي في نهاية المطاف.
يمكن تتبُّع ما سبق ذكره واستخلاص الحصيلة عبر تعداد محطات كبرى رئيسية ما بين ٢٠١١ و٢٠١٨م:

المحطة الأولى (سنة ٢٠١١م)- استمرار سيطرة نظام الأسد على مجموع الجغرافيا السورية:

تم تصعيد عنف السلطة للقمع والتخويف من المشاركة في الثورة السلمية، ثم لاحقًا إلى خلق ذرائع لتوجيه ضربات بالغة الهمجية (كاستخدام الكيمياوي.. والبراميل المتفجرة) مع تقدير أن هذا العنف المفرط سيؤدي إلى ردود فعل في صيغة ما يوصف بعسكرة الثورة وبالتالي القضاء على مفعول “طهر سلميتها”.. ولم تنطلق عمليات مسلحة ثورية حتى شهر سبتمبر ٢٠١١م مع بداية انشقاقات عسكرية.

المحطة الثانية (٢٠١٢/٢٠١٣م)- تراجع سيطرة النظام جغرافيًّا:

تسارعت السيطرة الثورية على مناطق جغرافية واسعة، ورأى محلِّلون (مثل غازي دحمان كما سبقت الإشارة) أن تراجع السلطة عن بعض المناطق مثل حمص كان مقصودًا لتبرير الفتك العسكري لاحقًا مع إطلاق موجة التشريد والتغيير الديمغرافي الأولى.
ورغم استعانة النظام بميليشيات مستوردة مرتبطة بإيران.. فإن ارتكاب المذابح الكبرى أدَّى باستمرار إلى توسُّع السيطرة الثورية الجغرافية، كما كان في الغوطة الشرقية عام ٢٠١٢م، وقد بلغ عدد الضحايا في أنحاء سورية في ذلك الشهر وحده ٥٠٠٠ ضحية.. منهم المئات في مذبحة داريا (رمز سلمية الثورة) في الغوطة الغربية يوم ٢٠ أغسطس ٢٠١٢م.. وكذلك في الغوطة الشرقية وجنوب دمشق عام ٢٠١٣م بعد مجزرة الكيماوي الكبرى في غوطة دمشق يوم ٢٠ أغسطس ٢٠١٣م.. ويسري شبيه ذلك على توسع سيطرة مسلَّحي الثورة في إدلب وريفها وأجزاء من حلب وأريافها، حتى انحسرت السيطرة العسكرية والإدارية للنظام إلى أقل من ٢٠ في المئة من مجموع المساحة الجغرافية.

المحطة الثالثة (٢٠١٣ – ٢٠١٥م)- انتشار الميليشيات من خارج سورية:

ثقافة التعاون والتناصر من وراء الحدود لها ضوابطها العقيدية والتشريعية في الإسلام، ولها ضوابطها العامة والتقنينية في القانون الدولي، ولا مجال لحديث تفصيلي عن هذا وذاك هنا، إنما هو التنويه إلى أنها لا تسري على الطريقة ولا على الأطروحات التي رافقت انتشار ميليشيات من خارج سورية تحت مظلة “دعم الثورة” أو تحت عنوان “إنقاذ النظام”، وهو ما توسَّع نطاقه إلى ما يستحق وصفه من باب المشاكلة “بميلشيات” سلاح جوي روسي وسلاح جوي دولي بزعامة أمريكية. الأهم من التفاصيل أن هذه التدخُّلات أصبحت هي “بوابة” النُّقلة الجذرية من الحديث عن الثورة كتحرُّك شعبي ضدَّ نظام استبدادي إلى الحديث عن “مبررات” مزعومة لتدخُّلات رسمية أجنبية، إيرانية وروسية وإقليمية ودولية، جميعها يشكل مقدمة لخرائط الهيمنة والنفوذ التالية.
المحطة الرابعة (٢٠١٥ – ٢٠١٨م)- رسم خطوط التقسيم للنفوذ الدولي:
في هذه الفترة بدأ ظهور معالم التدخل العسكري الخارجي المباشر، وبالتالي ظهور ما يوصف بتقسيم مناطق النفوذ أو حتى الاحتلال الأجنبي في سورية.
في هذه الفترة بدأ الحديث العلني ينتشر عن دورِ ما سُمِّيَ غرفة (موك) أو “مركز العمليات العسكرية” مع أن تشكيلها كان منذ ٢٠١٢م، إنما كانت تحاط من قبل بدرجة معينة من الضبابية بسبب دورها المتناقض مع الثورة وحاضنتها الشعبية، إذ يتجاوز حدود “إدارة مركزية للفصائل..” إلى “فرض توجهات وخطوط حمر عليها..” لا علاقة لها بثورة شعبية للتحرُّر من استبداد داخلي، بل كان فرض الالتزام بتلك الخطوط الحمر يخدم أغراضًا أجنبية محضة.
ورغم أن “موك” هذه كانت تضم بعض الفصائل المسلحة من الشمال، إلا أنها كانت تتركز على الجنوب السوري، وبالتالي ترسم من خلال أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية والأردنية، ومن ورائها الإسرائيلية، الخطوط الحمر التي تضمن على الأقل استمرارية الوجود الإسرائيلي في الجولان المحتل، فضلا عن العلاقة الخاصة بفئة الدروز في السويداء.
وتشمل الخطوط الحُمر فرض التحرُّك أو الامتناع عن التحرُّك على الفصائل المعنية تحت طائلة قطع الإمدادات، لاسيما المالية الخاصة برواتب عناصرها، وبالتالي المعيشة اليومية لذويهم ولحواضنهم الشعبية، كما تشير عمليات الاغتيال العديدة لبعض قيادات تلك الفصائل أن الخطوط الحمر أبعد مدى من قطع الإمدادات، وإن استحال بطبيعة الحال تقديم دليل قاطع على من يقف وراء تلك الاغتيالات غالبًا.
لقد بدأ رسم منطقة نفوذ أمريكية-إسرائيلية في الجنوب السوري منذ ٢٠١٢م ليأخذ مداه ويظهر إلى السياسات والممارسات الرسمية العلنية سنة ٢٠١٨م، وأبرزها ما مارسه الجانب الإسرائيلي تحت ذريعة رفض الوجود الإيراني المهيمن عسكريًّا عبر الميلشيات المقاتلة مع بقايا قوات النظام الأسدي في سورية.
والأرجح أن التوافق بخطوط عريضة على “تقاسم النفوذ دوليًّا” تمَّ بين الروس والأمريكيِّين في لقائهم الثنائي في جنيف منذ عام ٢٠١٢م أيضًا، ولا يمكن القول إن حدود منطقة النفوذ الروسي قد بدأت مع بداية الغزو العسكري الجوي يوم ٣٠ سبتمبر ٢٠١٥م، فقد سبق الإعداد لذلك من خلال توسيع القواعد العسكرية على الساحل السوري، ومن خلال الإمدادات العسكرية المتواصلة للسلطة الأسدية منذ بداية الثورة عام ٢٠١١م.
ومن الجدير بالذكر، إذا صَحَّتْ في الوقت الحاضر مقولات مرتبطة بالنظام وحلفائه حول “نهاية الثورة” والعمل على تعديلات دستورية وانتخابات وعودة المهجَّرين.. إلى آخره، فالواقع على الأرض يقول إن جميع ما مضى عبر سنوات القصف المتواصل، الأسدي والإيراني والروسي والدولي، عسكريًّا وسياسيًّا، لم يوصل إلى سيطرة النظام والميليشيات المرتبطة بإيران على ما يتجاوز ٥٥٪ من المساحة الجغرافية الرسمية لسورية(26).

خاتمة:

لا يمكن ساعة كتابة هذه السطور التنبؤ بصورة مرجحة بما يمكن أن يترتب في المستقبل المنظور على فرض خرائط تقسيم النفوذ الأجنبي في سورية، وتحويل الثورة الشعبية إلى أزمة صراعات إقليمية ودولية، إنما يمكن التكهن ببعض الخطوط العامة الكبرى:
١- احتاجت النقلة الدولية من التعامل مع الثورة إلى التعامل مع صراع نفوذ لسبع سنوات ونيف، وهذا غير معتاد في تاريخ التغيُّرات الحديثة لخطوط تماس النفوذ توافقًا وصراعًا منذ الحرب العالمية الثانية.
٢- لم تتمكَّن القوى الخارجية بغضِّ النظر عن درجات توافقها واختلافاتها، من إيجاد وضع جديد لسورية تقبل به -بغض النظر عن الإرادة الشعبية والمشروعية والقيم إلى آخره- ليخلف وضعًا اهترأ سياسيًّا وعسكريًّا وماليًّا، وهو وضع كان يتوافق مع سياساتها فتقبَّلت وجوده عبر نصف قرن تقريبًا.
٣- ليس “الشتات السوري” مجرد “شتات” تسري عليه القواعد المستخلصة سابقًا من دراسة عمليات التشريد الجماعي، فقد تبدَّلت المعطيات العالمية.. والتقنية.. وغيرها، كما اختلفت نوعية “المشرَّدين” أنفسهم عن أمثالهم في موجات تشريد وأحداث ماضية، ويمكن أن يترتَّب على ذلك تطوُّر جديد لا يفيد استباق معالمه بتكهُّنات وتنبُّؤات ما، فهو مرتبط بما يمكن أن يأتي به من “عناصر جديدة” هي من جنس ما نطلق عليه وصف “في حكم الغيب”.
*****

الهوامش:

(*) الكاتب والإعلامي.
(1) من المصادر المباشرة حول حزب البعث ووصوله إلى السلطة في سورية وحول بنيته الداخلية وممارساته وصراعاته، كتاب “التجربة المرة” بقلم منيف الرزاز (والد رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز الذي استلم منصبه في يونيو ٢٠١٨م)، وصدرت الطبعة الأولى منه عن دار غندور في بيروت في إبريل ١٩٦٧م. وكان منيف الرزاز قد شغل مناصب قيادية في الحزب، وتوفي في عمَّان بالأردن سنة ١٩٨٤م.
(2) للتفاصيل، انظر الآتي:
– دراسة بعنوان (الخلفية الطائفية للسلطة الأسدية) للكاتب، نشرت في مركز دراسات الجزيرة يوم ٢٥ مارس ٢٠٠٣م ويمكن الاطلاع عليها وتحميلها من الموقع الشخصي للكاتب (مداد القلم) عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/kNW3t3
– رامي منصور، سورية: عن عروبة البعث والجيش، موقع عرب ٤٨، 13 أكتوبر 2016م، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/EQUyqN
-فصل “ديكتاتورية علوية عسكرية؟ – Eine alawitische Militärdiktatur?” بقلم الكاتبة الصحفية النمساوية العراقية الأصل، تيما كرايت “Tyma Kraitt” في كتاب “سورية.. بلد في حرب – „Syrien – Ein Land im Krieg“ ” لمجموعة كتّاب، وقد شاركت كرايت في تحريره، وصدر عن دار نشر برو ميديا (Promedia)، فيينا عام ٢٠١٥م.
– كتاب “دانييل جيرلاخDaniel Gerlach ” بعنوان “السيطرة على سورية”، صدر عن دار نشر “Edition Körber Stiftung”، هامبورج، عام ٢٠١٥م، ويمكن الاطلاع على تعريف موجز به للكاتب في موقعه الشخصي مداد القلم: https://goo.gl/Vop1kK
(3) حول بناء شبكة السيطرة الأمنية ضمن شبكة استبدادية فردية انظر المخطط التوضيحي:
نقلا عن كتاب “التغيير الأمني في سورية”، صدر في أكتوبر ٢٠١٧م عن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ص ٧٤ في الملف الإلكتروني المتوافر لدى الكاتب، وفي موقع المركز: https://goo.gl/ZCmbDi
وللتفاصيل حول “تقنين القمع الأمني”:
هيثم المالح، “سورية.. شرعنة الجريمة”، بدأ إعداده داخل سورية، وصدرت طبعته الثانية عن “دار مدارك للنشر”، دبي، عام ٢٠١٢م، بعد مغادرة الكاتب الملقب بشيخ الحقوقيين سورية، إثر تعرُّضه لمحاولة اغتيال.
(4) دراسة “التغير الديموغرافي في سورية”، موقع نصح، 28 نوفمبر 2016، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/6BrZ1b
(5) حضر كاتب هذه السطور الاحتفال المذكور في طهران نيابة عن منظمات إسلامية في أوروبا، إذ كانت السلطة الإيرانية تسعى آنذاك لاستقطاب العاملين للإسلام عمومًا، وقد ثارت ثائرة الضيوف، عندما اعتبر عبد الستار السيد (وزير الأوقاف في سورية آنذاك) في كلمة افتتاحية أن رئيسه حافظ الأسد كان يدافع عن الإسلام بما يصنعه في سورية، وهذا في مواكبة انطلاق سلسلة المذابح في جسر الشغور وحلب وسجن تدمر ولاحقًا في حماة أيضًا.
(6) انظر الهامش رقم (٢٠) لاحقًا.
(7) نقلا عن الموقع الشبكي للمكتب المركزي للإحصاء (http://www.cbssyr.sy) هذا وقد امتنع المكتب المركزي للإحصاء عن نشر معلومات إحصائية عن السكان ابتداء من ٢٠١٢م حتى منتصف ٢٠١٨م، وذكر ذلك في صفحة موقعه الرئيسية (المصورة يوم ٩ أغسطس ٢٠١٨م لدى كاتب هذه السطور)، حيث يقول:
(يسر المكتب المركزي للإحصاء أن ينشر المجموعات الإحصائية السنوية من عام 2012 وحتى 2017 والتي تتضمن بيانات اقتصادية واجتماعية وسكانية عن الجمهورية العربية السورية. منوِّهًا بأن المكتب لم ينشرها بتاريخ إصدارها، على الرغم من أن المكتب لم يتوقف عن عمله خلال هذه السنوات والتزم بتوصيات اللجنة الاقتصادية. وتنفيذًا لتوجيه اللجنة الاقتصادية بجلستها رقم 14 / تاريخ 26 مارس 2018م للسماح بنشر المجموعات الإحصائية، فإن المكتب يضع هذه المعلومات بين أيادي المستخدمين).
(8) “البعث الشيعي في سورية ١٩١٩-٢٠٠٧م”، المعهد الدولى للدراسات السورية، 2009، الصادر بدعم من حركة العدالة والبناء السورية في لندن، ص ١٥٠.
(9) المرجع السابق، ص ٢٦ و٢٧.
(10) حول النسب المئوية للطوائف في سورية وتوزعها جغرافيًّا:
١- انظر المصدر السابق، دراسة “التغير الديموغرافي في سورية” ص ٣.
٢- انظر خارطة التوزع السكاني المتنوع في سورية قبل الثورة (مركز نصح) ويشمل نسب الطوائف المتعددة قبل الثورة.

(11) لم تنقطع سلسلة الشواهد على اقتحام إيراني/طائفي للقطاع العقاري في السنوات الماضية، وآخرها كمثال ساعة كتابة هذه السطور من وكالة أنباء “إرنا” الإيرانية يوم ١٥ أغسطس ٢٠١٨م، إذ تقول (اتفقت وزارة الأشغال العامة والإسكان في سوريا مع وفد اقتصادي إيراني يزور دمشق علي تنفيذ 30 ألف وحدة سكنية من مشاريع المؤسسة العامة للإسكان في محافظات دمشق وحلب وحمص بواسطة القطاع الخاص الإيراني. وخلال لقائه معاون وزير الطرق والبناء الإيراني أمير أميني، أعرب الوزير حسين عرنوس عن الاستعداد لتلبية رغبة الشركات الإيرانية بالعمل في سوريا وتذليل الصعوبات والمعوقات لإطلاق العمل المشترك. كما اتفق الطرفان علي تشكيل فريق من المقاولين الإيرانيِّين للاطلاع على عمل قطاع المقاولات السورية والدخول بشراكات في قطاع المقاولات للمساهمة وبشكل جدِّي في إعادة ما دمَّره الإرهاب)، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/cWCish
(12) وصفت جريدة النهار اللبنانية يوم ٣ أبريل ٢٠١٧م، اتفاق الهدنة المحلية حول الزبداني ومضايا، بأنه: “جهنمي”: سُنَّة الزبداني مكان شيعة الفوعة، تغيير ديموغرافي “وقح”.
(13) غازي دحمان، التغيير الديمغرافي والطريق إلى سورية المفيدة، معهد العالم للدراسات، ٣١ أكتوبر ٢٠١٦م، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/eJLxdH
(14) كيف يهدد التطهير العرقي وحدة سوريا؟ (إنفوجرافيك)، موقع عربي ٢١، 5 ديسمبر ٢٠١٥م، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/U1xAtH
واضع التقرير الباحث فابريس بالونش، ونص التقرير بالعربية على موقع معهد واشنطن، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/FeMHVD
(15) من أحدث الدراسات وأشملها حول حصيلة التغيير الديموغرافي بصبغة التشيع وتفاصيل ذلك في المدن السورية، دراسة الباحثين حسام السعد وطلال مصطفى من مركز حرمون للدراسات المعاصرة، بتاريخ ٢٦ يونيو ٢٠١٨م، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/gdhwKz
(16) الموقع الرسمي لمفوضية شؤون اللاجئين، المعلومات من ١٩ أبريل ٢٠١٨م، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/MttTpo
وانظر خارطة توزُّع المشرَّدين/اللاجئين السوريِّين (المسجلين رسميًّا) في دول عربية وأوروبية نوفمبر ٢٠١٧م، حسب المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين:
(17) يسلط الإعلام الضوء على “ما يشتهر” من مصادرة العقارات وتغيير ملكيتها بحكم شهرة أصحابها الأصليِّين، ومثال ذلك التقرير المصوَّر في محطة “أورينت” للتلفزة يوم ١٤ نوفمبر ٢٠١٧م تحت عنوان: (آخرها منزل رياض حجاب.. هل تسقط أملاك المعارضين بالتقادم؟)، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/UnDyaG
واشتهر فور سيطرة قوات النظام على الغوطة الشرقية المرسوم الرئاسي باسم القانون رقم ١٠/ ٢٠١٨م وهو واقعيًّا توسيع جغرافي وموضوعي لتطبيق القانون ٦٦ من سنة ٢٠١٢م، ويستند إلى مصادرة عقارات المشرَّدين ما لم يقدموا خلال فترة زمنية قصيرة تعجيزية (وهم من الأصل عاجزون أمنيًّا عن العودة) أوراقًا جديدة تثبت ملكيَّتهم ويسجِّلوها لدى الدوائر المختصَّة، وهو ما أثار ضجة إعلامية وسياسية عند صدوره، وما يزال ساري المفعول بتعديلات طفيفة، والمزيد عنه في مقالة بعنوان (دمشق: القانون ١٠ للاستيلاء على أملاك المهجرين السوريين) لمحمود اللبابيدي، موقع المدن، 5 أبريل 2018، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/wyGJQ2
(18) حول تفاصيل عملية التوطين اغتصابًا للأرض، يمكن الرجوع إلى:
– غازي دحمان، “التغيير الديمغرافي والطريق إلى سوريا المفيدة”، مرجع سابق.
– مركز حرمون للدراسات المعاصرة، “التغيير الديموغرافي في سورية: من السياسة العشوائية إلى السياسة الممنهجة”، موقع جيرون، ١٨ أبريل ٢٠١٧م، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/hJUr1N
(19) المرجع السابق.
(20) لمزيد من التفصيل، انظر:
– زهير ظاظا، قبر ابن تيمية في دمشق، موقع الوراق، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/o1aRWM
– تقرير لموقع (أورينت نت) بتاريخ ٢٢ أكتوبر ٢٠١٤م بعنوان: (فلتان أمني أم ثأر مذهبي: كيف أزيل قبر ابن تيمية في دمشق؟!)، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/qu9DEs
– إهمال ضريح الصحابي معاوية في دمشق، إلى درجة عدم العثور عليه مع شماتة خصومه من الشيعة بذلك كما يظهر فيما يكتب عن ذلك كما في وكالة أنباء براثا (الحشد الشعبي/العراق) تحت عنوان: “مجازفة البحث عن قبر معاوية” بتاريخ ٢ يوليو ٢٠١٢م، بقلم عبد الحافظ البغدادي الخزاعي، مستشهدًا بأبيات شعر منسوبة إلى د. محمد المجذوب رحمه الله (مع الادعاء أنها اختفت من ديوانه لاحقا!) وفيها (كتل من الترب المهين بخربة… سكر الذباب بها فراح يعربد)، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/HK63rM
(21) انظر مثلا: د. عمار عبد الرحمن، دراسة بعنوان “الآثار السورية في ظل الأزمة: التحدِّي والاستجابة”، مركز دمشق للأبحاث والدراسات “مداد”، بتاريخ ٧ نوفمبر ٢٠١٦م، وليس فيها أو في هوامشها أي ذكر لمصدر غير مصادر السلطة، حول ما تقول به بشأن قيام جماعات مسلحة بتدمير الآثار ونهبها، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/vtZeu7
(22) مصطفى السكاف، مصطفى أحمد، تحرير: خالد الإختيار، التراث الثقافي المادي السوري بين عامي (٢٠١١ – ٢٠١٥م)، مركز دراسات الآثاري السوري “مدماك”، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/r1sR9k
(23) انظر التقرير المشار إليه في الهامش السابق، والنص المستشهد به هو من التعريف بالتقرير بعنوان: “التراث الثقافي السوري والصراع القائم”، موقع شبكة جيرون الإعلامية، ٢١ أغسطس ٢٠١٦م، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/DSTZ1s
(24) الآثار السورية في ظل الحرب.. تدمير وتهريب، موقع الجزيرة.نت، ١٢ أكتوبر ٢٠١٥م، متاح عبر الرابط التالي:
https://goo.gl/y4hNGT
(25) حول تطور السيطرة الجغرافية عبر سنوات الثورة، انظر:
علاء الدين السيد، بالصور: كيف تغيرت الخريطة على الأرض في سوريا منذ اندلاع الثورة؟، موقع ساسة بوست، 12 فبراير 2016، وفيه خرائط توضيحية تشير إلى مساراتها الفقرات التالية أيضًا من هذا الفصل، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/aCmZxk
(26) آخر ما يتوافر من خرائط توزيع السيطرة العسكرية على الأرض، من موقع مركز نورس للدراسات من شهر يوليو ٢٠١٨م، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/ssMPY7

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى