توازنات القوى الإسلامية حول آسيا الوسطى

مقدمة: من الجرة إلى المجرة

عاشت منطقة آسيا الوسطى لمدة طويلة رهينة لحبس مزدوج، جغرافى وسياسى. فبعد غياب طويل دام 126 عامًا بين سقوط طشقند أمام الجيوش القيصرية فى 1865 وسقوط الاتحاد السوفييتى فى 1991 عادت آسيا الوسطى من جديد إلى العالم، فتخلصت من حبسها السياسى وخرجت من “القمقم الإقليمى” الضيق الذى حبستهم روسيا بداخله إلى مجرة العولمة الهائلة. ونتيجة للموقع الاستراتيجى الهام الذى تتمتع به ولتوافر كميات هائلة من مواد الطاقة بها أصبحت منطقة وسط آسيا مسرحًا لما صار معروفًا بالمباراة الكبرى الجديدة التى يتنافس فيها لاعبون من أوزان دولية وإقليمية مختلفة يسعون إلى ترسيخ مواقعهم فى هذه المنطقة الحيوية من العالم، ومن بينهم قوى إسلامية أبرزها تركيا وإيران. ونتيجة للاهتمام الواسع بآسيا الوسطى بدأت المنطقة تعود تدريجيًا إلى نمط الإقليمية المفتوحة الذى ميزها لقرون طويلة قبل الاحتكار الروسى لها بحيث استردت المنطقة بعد سقوط الاتحاد السوفييتى وصفها الذى خلعه عليها أندريه جوندرفرانك، كاتب مدرسة التبعية الشهير، “كثقب أسود فى منتصف الكون يمتص ويجمع ثقافات وسياسات وشعوب تنتمى إلى مناطق وأقاليم متفرقة.”(1)
وقد كانت الدول الإسلامية فى مقدمة من جذبتهم آسيا الوسطى الجديدة إليها. ففى غضون شهور قليلة من انهيار الاتحاد السوفييتى تطورت العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين دول آسيا الوسطى وعديد من الدول الإسلامية على نحو غير مسبوق إلى حد دفع بعض دارسى شئون ما بعد الاتحاد السوفييتى إلى التنبؤ بأن مآل آسيا الوسطى إن آجلًا أو عاجلًا هو الاندماج مع جيرانها من المسلمين فى الشرق الأوسط فى نظام شرق أوسطى أوسع.(2) وقد استندت هذه التنبؤات إلى مبررات مختلفة يتصل بعضها بوجود روابط ثقافية ودينية وتاريخية مشتركة تجمع الوجوه الإسلامية الجديدة المستقلة عن الاتحاد السوفييتى بالوجوه الأقدم فى العالم الإسلامى. ويتعلق بعضها الآخر بوجود مصالح إسلامية مشتركة تنصرف إلى رؤية دول آسيا الوسطى للمحيط الإسلامى كخط دفاع يمكن الاحتماء به لو تجددت نزعات التوسع الجغرافى الروسية، علاوة على أن العالم الإسلامى وبالأخص تركيا وإيران وباكستان يمكنها أن تفتح لجمهوريات آسيا الوسطى الحبيسة جغرافيًا نوافذ جديدة للاتصال بالعالم الخارجى بعيدًا عن البوابة الروسية. من ناحيتها، فإن الوجوه الإسلامية القديمة رأت أن بإمكانها الاستفادة من الأسواق الجديدة والمجال الاستراتيجى الحيوى الذى انفتح فى وسط آسيا بعد سقوط الاتحاد السوفييتى.
إلا إن المتابع لتطور العلاقات بين الوجوه الإسلامية الجديدة فى آسيا الوسطى والوجوه الإسلامية القديمة يلحظ عدم إقبال الوجوه الجديدة على الدخول فى علاقات ذات طابع إستراتيجى مع الوجوه القديمة بل وأن الوجوه الجديدة تفضل أحيانًا روابط خارج نطاق الأمة على الروابط مع أعضاء من داخلها. فلا تزال دول آسيا الوسطى بعيدة عن أن تكون عناصر فاعلة فى قضايا الأمة الإسلامية. بل إن نخبها السياسية تميل على نحو لا تخطئه عين إلى تطوير صلات حيوية مع نظم إقليمية بديلة للأمة. فنتيجة تخوفها من استثارة غضب موسكو لو طورت علاقات فعالة مع البلدان الإسلامية، ونتيجة لتخوفها من احتمال تغلغل بعض التنظيمات الدينية المتطرفة إلى أراضيها، حرصت جمهوريات آسيا الوسطى على عدم إسباغ أى طابع دينى على صلاتها بالبلدان الإسلامية والاتصال بها على أساس قائم على عنصر المصلحة القومية بالمقام الأول. فآسيا الوسطى بملامحها الجديدة تبدو أقرب ما يكون إلى شكل منطقة عائمة تقترب أحيانًا مع الدول الإسلامية دون أن تتخذ الانتماء إلى الأمة الإسلامية هدفًا محوريًا لسياساتها الخارجية، كما أنها تفضل أن تبنى علاقاتها مع الدول الإسلامية على أساس المصالح القومية والحسابات العملية الصرفة وليس على أساس الاشتراك فى معتقد دينى واحد. بمعنى آخر، أن الانتماء الإسلامى ليس إلا وجه من الوجوه الإقليمية المتعددة التى اتشحت بها جمهوريات آسيا الوسطى بعد حصولها على الاستقلال(3)
فى هذا الإطار فإن علاقة دول آسيا الوسطى بالدول الإسلامية تخضع لما يعرف فى العلاقات الدولية بحالة النظم الإقليمية الدخيلة intrusive regional systems، وهو منظور تحليلى طوره كل من لوى كانتورى وستيفن شبيجل فى أواخر السبعينيات.(4) وينطلق هذا المنظور بإيجاز من أن النظم الإقليمية المتجاورة جغرافيًا تمارس تأثيرًا على بعضها البعض سواء سلبًا أو إيجابًا إلى حد قد تبدو عنده وكأنها كل واحد لا يتجزأ. ويستند تدخل نظام إقليمى ما فى شئون نظام إقليمى آخر إلى وجود جوار جغرافى أو امتداد ثقافى وعرقى أو وجود اهتمام مشترك بقضايا اقتصادية وسياسية محورية. ويحدد مقدما هذا النموذج تسعة أساليب يستخدمها أعضاء النظام الإقليمى الدخيل للتأثير فى النظام الإقليمى الآخر المتدخل فيه وتشمل:
(1) إنشاء مؤسسات جماعية متعددة الأطراف.
(2) إقامة ترتيبات ثنائية.
(3) التجارة والاستثمار.
(4) امتلاك مستعمرة داخل النظام المتدخل فيه.
(5) التدخل العسكرى المباشر.
(6) التخريب.
(7) استخدام آلية الأمم المتحدة.
(8) الأنشطة التعليمية والثقافية.
(9) وأخيرًا الدعاية.
ولا تدعى هذه الدراسة أن نموذج الإقليمية الدخيلة بالصورة التى قدمه بها كل من كانتورى وشبيجل ينطبق انطباقًا تامًا على حالة العلاقات بين دول آسيا الوسطى والقوى الإسلامية المهتمة بها سواء كانت قوى إسلامية شرق أوسطية كإيران وتركيا أو من جنوب آسيا كباكستان. ولكن أهمية هذا النموذج تبقى فى أنه يساعد على متابعة أية تغيرات قد تحدث للقواعد الهيكلية القائم عليها النظام الإقليمى الدخيل والمتدخل فيه على السواء. إن نموذج الإقليمية الدخيلة، وإن لم تتبناه هذه الدراسة حرفيًا، إلا أنه يساعد على إماطة اللثام عن أهم التأثيرات التى حملها صعود آسيا الوسطى على الساحة الدولية بالنسبة للقوى الإسلامية. فنتيجة للجوار الجغرافى بين الوجوه الإسلامية الجديدة والقديمة ووجود أرضية ثقافية وتاريخية مشتركة فقد أصبحت التطورات المتلاحقة فى منطقة آسيا الوسطى تؤثر إلى حد بعيد على مجمل العلاقات الإسلامية الإسلامية. فليس خافيًا أن استقلال دول آسيا الوسطى قد ولد منافسة حول النفوذ بين قوتين إسلاميتين كبيرتين هما تركيا وإيران تشاركهما أحيانًا باكستان كلما أتيحت لها الظروف. كذلك فإن استقلال الوجوه الإسلامية الجديدة لا يعنى أن العلاقة بينها والوجوه الإسلامية القديمة تتصف دائمًا بالتعاون والوداعة. فالمتابع لتطور العلاقات بين الوجوه الجديدة والقديمة يكشف عن بعض صور التنافر والاختلاف. فكما أن الدول الإسلامية توفر نافذة جغرافية يمكن أن تطل منها دول آسيا الوسطى على العالم، فإن نفس هذه النافذة يتسرب من خلالها مشكلات جديدة ليس أقلها أهمية انتشار الحركات الإسلامية المتشددة والتى كثيرًا ما تنسبها بعض قيادات دول آسيا الوسطى إلى الانفتاح على العالم الإسلامى.(5) وبنفس القدر فإن الفرص الجديدة التى تقدمها دول آسيا الوسطى للدول الإسلامية يقابلها فى الوقت نفسه تحديات غير مسبوقة تتعرض لها هذه الدول بسبب استقلال آسيا الوسطى. فقد أشعل استقلال دول آسيا الوسطى منافسات غير محدودة بين القوى الإسلامية وازدادت الشكوك أحيانًا بين بعضها على نحو جعل علاقات القوى الإسلامية المهتمة بآسيا الوسطى خلافية أحيانًا بل ومال بعضها إلى الانخراط فى ترتيبات مع قوى غير إسلامية بهدف التفوق على القوى الإسلامية المنافسة.
وعلى الرغم أن هذه الدراسة تهتم فى المقام الأول برصد توازنات القوى الإسلامية حول دول آسيا الوسطى خلال عام 1999، فإنها ستشير بين الحين والآخر إلى مجموعة من الأحداث والتطورات التى تمت خلال السنوات السابقة على 1999 منذ انهيار الاتحاد السوفييتى وذلك بهدف وضع التحليل الزمنى الجزئى (1999) فى إطاره التحليلى الأشمل. وسوف تغطى الدراسة ثلاثة قضايا تلخص مجتمعةً تطور العلاقة بين دول آسيا الوسطى والقوى الإسلامية الفاعلة. أما القضية الأولى فتعالج مكانة دول آسيا الوسطى وسط المنظومة الإسلامية. فلا تزال هذه الجمهوريات وجوهًا جديدة على الأمة الإسلامية. ولكونها وجوهًا جديدة فإن دخولها فى منظومة العالم الإسلامى يطرح ثلاثة أسئلة عن:
(i) مصداقية انتماء هؤلاء الوافدين الجدد إلى الأمة.
(ii) وعن الدور الذى يمكن أن تضطلع به هذه الوجوه الجديدة فى أسرة الأمم الإسلامية.
(iii) وأخيرًا عن الربحية أو الفوائد التى يمكن أن تجنيها كل من الوجوه الجديدة والقديمة من إعادة اكتشاف بعضها لبعض. وتقدم القضية الثانية صورة للتوازنات الإسلامية حول آسيا الوسطى منذ استقلال دول المنطقة. فالبادى أن تطورات آسيا الوسطى السياسية والاقتصادية قد شجعت على إشعال حرب إسلامية صامتة بين أكثر من دولة إسلامية أهمها تركيا، إيران، وباكستان. هذه المنافسة الإسلامية من قبل الوجوه القديمة على المنافع الاقتصادية والاستراتيجية التى تمتلكها الوجوه الجديدة أضعفت مصداقية الوجوه القديمة عامةً بما دفع الوجوه الجديدة إلى البحث عن بدائل للأمة، وهذا هو موضوع القضية الثالثة. فنتيجة غياب التنسيق الإسلامى بل وانطلاق مباراة إسلامية-إسلامية حول النفوذ فى آسيا الوسطى، بدأت الوجوه الجديدة تخشى الانخراط فى علاقة من نوع خاص يمكن أن تفضى بها إلى فقدان استقلالها الذى حصلت عليه بعد انهيار الاتحاد السوفييتى. وبالتالى يمكن القول أن العلاقات الإسلامية-الإسلامية تخدم مصالح التنظيمات الإقليمية البديلة فى المنطقة حيث اندفعت دول آسيا الوسطى مدفوعة بعوامل كثيرة منها المنافسة الإسلامية – الإسلامية من أجل استمالتها إلى تطوير علاقات قوية مع تنظيمات إقليمية بديلة للأمة.

أولًا: وجوه جديدة فى الأمة

لم يتح الانهيار السريع وغير المتوقع للاتحاد السوفييتى الوقت الكافى لدول آسيا الوسطى وأذربيجان لصياغة برامج سياسة خارجية تعبر عن أولويات واضحة فى مرحلة ما بعد الاستقلال . فقد فاجأ الاستقلال هذه الجمهوريات على نحو وصفه البعض بأنه كان غير منتظر بل وبأن هذه الدول الجديدة قد سيقت إلى الحرية دونما اختيار منها(6). وبسبب حالة الشك التاريخى التى سادت من قبل هذه الجمهوريات تجاه روسيا وأيضًا نتيجة لاستبعاد روسيا وبيلاروس وأوكرانيا، وهى الدول السلافية الثلاثة فى الاتحاد السوفييتى السابق، دول آسيا الوسطى من منظومة الكومنولث عند تأسيسها فى الثامن من ديسمبر 1991، تولدت قناعة لدى قيادات جمهوريات آسيا الوسطى وأذربيجان بأن أى ترتيبات إقليمية لا يمكن أن تقتصر على منظومة الكومنولث بعد توسيعها فى 24 ديسمبر وبأن من مصلحتها الانفتاح على أقاليم ودول جديدة، من بينها الدول الإسلامية الواقعة إلى الغرب والجنوب منها.
وقد تواكب تطلع دول آسيا الوسطى إلى الاتصال من جديد بدول العالم الإسلامى مع سعى عدد من الدول الإسلامية إلى التحرك ناحية تلك المنطقة التى سلبت هويتها الإسلامية لعقود طويلة. إلا أن مسألة استنقاذ الهوية الإسلامية لم تكن هى الشغل الشاغل أو الهم الأكبر للقوى الإسلامية النافذة إلى قلب آسيا. فقد جاءت تلك القوى إلى المنطقة كل بأجندته الخاصة. ولم تفلح الشعارات المختلفة التى حملتها هذه القوى سواء عن التشابه الدينى أو العرقى واللغوى أو التراث الإسلامى المشترك فى إخفاء حقيقة الاختلاف بل والتنافس بين تلك القوى. وقد ترتب على إقبال جمهوريات آسيا الوسطى على تنويع الشركاء الإقليميين والدوليين كما ترتب على التنافس الإسلامى-الإسلامى حول النفوذ فى هذه الجمهوريات أن تطورت علاقة قوامها الحذر والمراقبة ما بين الوجوه القديمة فى الأمة والوجوه الجديدة. فالوجوه القديمة كانت تتطلع إلى كسب المباراة الكبرى الجديدة ضد بعضها البعض وضد القوى الدولية والإقليمية غير الإسلامية صاحبة الاهتمام بالمنطقة، وهو ما أثار مخاوف الوجوه الإسلامية الجديدة التى كانت حريصة على المحافظة على استقلالها المفاجئ وعلى عدم استبدال الوصاية الروسية بأخرى إسلامية. باختصار، اتصفت ولا تزال تتصف العلاقات بين الوجوه القديمة والجديدة فى الأمة الإسلامية بمقدار غير قليل من الحيطة والحذر من كل جانب تجاه الآخر بشأن ثلاثة أبعاد هى المصداقية، والدور، والربحية.
أما البعد الأول، المصداقية، فينصرف إلى ثقة الوجوه القديمة بأن الوجوه الجديدة لا تمثل مصادر تهديد جديدة بل أنها أصبحت أعضاء كاملة فى الأمة بعد سنوات غياب طويلة. بمعنى أخر اقتناع الوجوه القديمة بأن الوجوه الجديدة قد أصبحت جديرة بأن توصف بأنها باتت تشكل مع الوجوه القديمة أخوة إسلامية. كذلك تنسحب المصداقية على قناعة الوجوه الجديدة بأن الاتصال مع الوجوه الإسلامية القديمة من خلال الإطار التنظيمى للأمة (منظمة المؤتمر الإسلامى) أو الإطار العقيدى العام (حقيقة الاشتراك فى الإسلام) تمثل أطرًا لا تقل أهمية عن إطار المصالح القومية.
وقد عبرت الشكوك فى المصداقية عن نفسها بأكثر من أسلوب وفى غير حالة لعل أبرزها الشكوك المتبادلة بين إيران وأذربيجان بسبب العلاقة التى يمكن أن تربط بين أذربيجان والأقلية الأذرية الكبيرة التى تقدر بنحو 17 مليون فرد يعيشون داخل الحدود الإيرانية. فحرصًا منها على أمنها وتكاملها القوميين سعت إيران منذ انهيار الاتحاد السوفييتى إلى وضع ضوابط على حركة المواطنين عبر الحدود مع أذربيجان. ففى نهاية ديسمبر 1992 أصدر مكتب شئون المهاجرين والمواطنين الأجانب فى إيران مرسومًا أعلن بموجبه أن الزواج من مواطنين من جمهورية أذربيجان غير قانونى وأن السلطات ستتخذ كافة الإجراءات لمنع تفاقم هذه الظاهرة. وكان الإقبال على هذه الظاهرة قد ازداد فى أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتى بدافع رخص مهور المسلمات الأذربيجانيات مقارنة بنظيراتهن الإيرانيات(7) وقد كان الهدف من هذا القرار منع تزايد زواج الإيرانيين من غير إيرانيات بما يضر بفرص مجتمع الإناث فى إيران فى الزواج من ناحية. ومن ناحية أخرى، وهو الأكثر أهمية، وقف أى تغيير ديموجرافى قد ينجم عن نزوح المهاجرات الأذربيجانيات مع أسرهن إلى إيران. وبسبب الأقلية الأذرية، أصبحت إيران شديدة الحساسية إزاء أى اتصال أذربيجانى مع الجماعات الأذرية داخل إيران. وقد ظهر ذلك فى 1999 أكثر من مرة كان من بينها أزمة سببها احتجاز السلطات الإيرانية لغنيمات زاهيدوف محرر جريدة إكسبريس الأذربيجانية ومصادرة أشرطة سجلها فى لقاء مطول مع محمود على شهرجانى الأستاذ بجامعة تبريز وأحد قيادات الإيرانيين ذوى الأصول الأذرية(8)
وقد عبرت إيران عن حساسيتها بشأن هذا الموضوع بعد تصريحات أطلقها رئيس أذربيجان الأسبق أبو الفضل الشيبى وزعيم حزب الجبهة الشعبية بشأن مظاهرات الطلاب الإيرانيين فى صيف 1999. فقد رأى الشيبى المظاهرات على أنها مقدمة لحركة تحرير قومى يمكنها أن تحقق الحرية للجالية الأذرية فى إيران(9). كذلك وحول نفس المسألة فشلت إيران وأذربيجان فى إيجاد حل لمسألة تعيين سفير جديد لطهران فى باكو. فللمرة الثانية بعد فشلها فى تعيين سفير لها لدى باكو فى 1994، فشلت إيران فى تعيين عبد الناصر هماتى كسفير لها فى أذربيجان، بعد أن رفض شغل المنصب بسبب الاحتجاجات الصاخبة التى قادتها المعارضة الأذرية ضد تعيينه بسبب كونه إيرانيًا من أصل أذرى. ففى حين تحرص إيران على تعيين سفير لها فى باكو من أصول أذربيجانية كى تؤكد ولاء المواطنين ذوى الأصول الأذرية لطهران، فإن المعارضة الأذربيجانية بدعم من الحكومة تضع العراقيل لمنع إيران من تحقيق هذا الهدف(10).
وقد وصلت أزمة المصداقية بين الوجوه القديمة والجديدة إلى منتهاها فى استمرار تردى الثقة بين إيران وأذربيجان حول أمور أخرى غير الأقلية الأذرية. فقد تجاهلت أذربيجان مرارًا المخاوف الإيرانية من عدم حل مشكلة ناجورنو كاراباخ بين أذربيجان وأرمينيا. فقد عرضت إيران أكثر من مرة الوساطة لحل هذه المشكلة تخوفًا من أن يؤدى تصعيدها إلى تدخل الولايات المتحدة وحلف الناتو وهو ما يجعل إيران عرضة للانكشاف الإستراتيجى وبالتالى يهدد أمنها القومى، خاصةً وأن أذربيجان تسعى بدأب منذ مطلع 1999 إلى الدخول تحت مظلة الترتيبات الأمنية الأمريكية(11). من ناحيتها تنظر أذربيجان بعين الشك فى المساعى الإيرانية خاصةً وأنها تتهم إيران بإيواء وتشجيع عناصر أذربيجانية مناهضة لنظام حكم الرئيس علييف. ففى يناير 1999 قدم وزير الخارجية الأذربيجانى توفيق ذو الفقار والنائب العام الأذرى الدار حسانوف طلبًا رسميًا إلى إيران بتسليم ماهر جوادوف القائد السابق للقوات الخاصة الأذربيجانية والذى شارك فى 1995 فى انتفاضة مسلحة ضد قوات الأمن الأذربيجانية فر على إثرها إلى النمسا ومنها إلى إيران. وقد اتهمت أذربيجان إيران بأنها تقدم الدعم له ولأنصاره للقيام بأعمال تخريبية فى أذربيجان(12). وفى معرض رده على التأكيدات الإيرانية بأن طهران لا تدعم المعارضة الأذربيجانية وبأن اتهامات باكو من شأنها تحطيم المصداقية بين الطرفين، أكد وزير الأمن القومى الأذربيجانى نامق عباسوف من جديد موقف أذربيجان الشاك فى إيران بل واتهم طهران استنادًا إلى برنامج التعاون العسكرى الموسع مع روسيا بأن الدولتين ضالعتين فى أنشطة استخباراتية واسعة فى بلاده(13).
ودارت شكوك المصداقية حول بعد آخر يتصل بمسألة تأثير الارتباط بالوجوه الإسلامية القديمة على الاستقرار السياسى فى دول الوجوه الجديدة. فقد سادت درجة من الشك لدى عدد من قيادات جمهوريات آسيا الوسطى فى أن ارتباطها من جديد بالأمة الإسلامية يمكن أن يحرمها من متعة الاستقرار السياسى التى توفرت خلال فترة العزلة السوفييتية عن العالم. وعلى الرغم أن قيادات دول آسيا الوسطى لا تشير بإصبع الاتهام إلى دولة أو منظمة إسلامية بعينها على أنها وراء تشجيع حركات الإسلام السياسى بها، إلا أن قدرًا غير قليل من الهلع قد استولى على تلك القيادات بدأت بسببه تظهر تفسيرات لنمو الإسلام السياسى فى آسيا الوسطى تربطه بتشجيع قوى خارجية. ففى كازاخستان أعلنت الحكومة فى سبتمبر 1999 عن تأسيس لجنة لمكافحة التعصب الدينى يرأسها سكرتير مجلس الأمن القومى مراد تاجين من بين مهامها مراقبة صلات الحركات الإسلامية فى كازاخستان بنظيراتها فى الدول الأخرى(14). وفى أوزبكستان ساد الخطاب السياسى للقيادة الرسمى قدر عال من الشك فى دور العوامل الخارجية فى دعم الحركات الإسلامية الأوزبكية. فالرئيس الأوزبكى إسلام كريموف يرى أن دولته “تمر بعملية سياسية غاية فى الصعوبة وبأن عوامل داخلية وخارجية بما فيها الحركات الراديكالية الإسلامية تحاول تقويض أمن الدولة ووقف عمليتى التنمية والتحول الديموقراطى.”(15)
وقد ذهب بعض المحللين إلى أن أحد العوامل المؤثرة فى تطور العلاقة بين دول آسيا الوسطى وعدد من الدول الإسلامية، وبالأخص المملكة العربية السعودية يعود إلى انتشار قناعة -وهى ليست بالضرورة صحيحة- بأن حركات الأصولية الإسلامية والتى يشار إليها فى آسيا الوسطى “بالوهابية” يعود إلى حد كبير إلى الدعم السعودى المقدم إلى هذه الحركات. وهذه فى الحقيقة دعاية خاطئة ورثتها تلك الدول من الحقبة السوفييتية وخاصة فى فترة حكم جورباتشوف التى بدأت تظهر خلالها الصلات الدينية بين مسلمى الاتحاد السوفييتى والعالم الإسلامى(16). وربما بسبب هذه الدعاية اتجهت بعض دول آسيا الوسطى، وأبرزها أوزبكستان، فى محاصرة المد الإسلامى من خلال تشديد الرقابة على المساجد الممولة بدعم أجنبى وكذلك الملاحقة والتحقيق مع الأوزبك الذين سبق لهم زيارة المملكة العربية السعودية باعتبارهم “متهمين” باعتناق الوهابية(17).
وإذا كانت الوجوه الجديدة تتشكك أن تؤدى العلاقة بالوجوه القديمة إلى زعزعة الاستقرار بها، فإن الوجوه القديمة لا يزال يساورها الشك فى مصداقية انتماء الوجوه الجديدة للأمة. وقد بدا ذلك فى عدة أمور لعل أبرزها:
1-تأخر انضمام دول آسيا الوسطى إلى منظمة المؤتمر الإسلامى حيث انضمت بعد مرور ما يزيد عن عامين من استقلالها على الرغم مما كان يعنيه الانضمام المبكر من التأكيد على استقلالها عن روسيا والعودة إلى دائرة الانتماء الإسلامى من جديد. وقد كان أحد أسباب تأخر الانضمام هو شك بعض قيادات دول الوجوه الجديدة مثل الرئيس القرغيزى عسكر أكاييف فى أن انضمام بلاده إلى منظمة المؤتمر الإسلامى يتنافى مع مبدأ العلمانية الذى أخذت به دولته. وهو ما لا يستقيم مع الحقيقة حيث تضم منظمة المؤتمر الإسلامى دولًا إسلامية اتخذت العلمانية نهجًا لها لعل أبرزها تركيا.
2- تبنى بعض دول آسيا الوسطى مواقف دولية تتنافى مع الحد الأدنى من الدعم الذى اعتادت الوجوه القديمة تقديمه لخدمة القضايا الإسلامية. من ذلك على سبيل المثال لا الحصر امتناع كازاخستان وقرغيزستان عن التصويت على القرارات التى أصدرتها الأمم المتحدة بشأن مخاطر التسلح النووى فى الشرق الأوسط. نفس الموقف اتخذته تركمانستان وأوزبكستان بل وزاد عليه الامتناع عن التصويت على كل القرارات الخاصة بالمسألة الفلسطينية كما هو الحال فى قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها رقم 52 والخاصة بتأكيد الحقوق العربية فى القدس والجولان(18). ونتيجة لتخلى جمهوريات آسيا الوسطى عما يمكن أن يعد بأنه الحد الأدنى للتماسك الإسلامى يثار عادةً الشك فى مصداقية الانتماء الإسلامى لهذه الجمهوريات، خاصةً وإن البعض منها قد أقدم، مثلما فعل الرئيس القرغيزى عسكر أكاييف فى 1993 بالإعلان عن استعداد بلاده لنقل سفارتها إلى القدس، وهو ما أثار وقتها حفيظة عدد من سفراء الدول العربية والإسلامية فى روسيا وقت أن كانوا يتولون رعاية مصالح دولهم أيضًا فى قرغيزستان.
3-البراجماتية الفجة التى تمارسها بعض قيادات دول آسيا الوسطى والتى تقلل من مصداقية سعيها نحو تطوير علاقات صحية مع بلدان العالم الإسلامى. فليس خافيًا أن أحد الفوائد التى حركت دول آسيا الوسطى للتقارب مع بلدان العالم الإسلامى هو الدعم المالى الذى يمكن أن تتلقاه. ولأن البراجماتية طابع غالب على السياسة الدولية كما أن الدول الإسلامية اعتادت على ممارستها فيما بينها، فلا غبار إذًا من لجوء دول آسيا الوسطى لها فى تعاملاتها مع الوجوه الإسلامية القديمة. ما يوجد عليه غبار هو الإفراط فى البراجماتية إلى الحد الذى يثير شكوك لدى بعض الوجوه القديمة فى إقامة والتوسع فى العلاقات مع دول آسيا الوسطى. على سبيل المثال، وقبيل زيارة له إلى المملكة العربية السعودية وفى معرض تعليقه على زيارة للرئيس الأوزبكى كريموف والتركمانى نيازوف إلى السعودية لأداء فريضة الحج سئل الرئيس القرغيزى أكاييف “هل لديك خطة للفترة القادمة؟ ماذا ستفعل فى غضون الأيام الثلاثة القادمة؟ فأجاب أكاييف “سوف أقابل ملك المملكة العربية السعودية وأطلب منه نقودًا.” فسئل ثانيةً “بالطبع لقد قررتم ألا تفعلوا كما فعل جيرانكم كريموف ونيازوف وتذهبوا إلى الحج؟” فرد أكاييف “لا إننى لم أفكر فى ذلك. ولكن لو أن مهمتى تعتمد عليه أو أننى سأحصل على ائتمان قدره 100 مليون دولار لأدائه فإننى سأذهب إلى الحج دون أدنى تفكير.”(19)
4-دعم مواقف فكرية لا تتناسب من حيث المبدأ والشعور الإسلامى العام مثل الترويج بأن الأديان السماوية تقف على قدم المساواة مع العقائد الوضعية. فنتيجة تبنى صورة راديكالية للعلمانية دعمت دول آسيا الوسطى مفهومًا عن العلاقة بين الأديان والعقائد يساوى بينها سواء كانت سماوية أو وضعية. ففى مؤتمر دولى عقد فى طشقند عاصمة أوزبكستان خلال الفترة من 2-5 نوفمبر 1999 برعاية الحكومة الأوزبكية تحت عنوان “الدين والديموقراطية” صدر بيان عن المؤتمر يؤكد من بين فقراته على “مراعاة حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليًا مثل حق كل فرد فى الحياة وحماية كرامته وكذلك تأمين الرفاهية له. وليس المهم هنا الطريق الذى يتوصل الإنسان عبره إلى إدراك أهمية هذه القيم الأخلاقية عن طريق الإيمان بالله سبحانه وتعالى أو بصورة مستقلة(20).
ولا يقل الاختلاف على الدور أهمية عن الاختلاف حول المصداقية. فقد ترتب على الشكوك فى المصداقية شكوك مماثلة حول مسألة الدور. فما هو الدور الذى ستلعبه جمهوريات آسيا الوسطى فى منظومة الأمة الإسلامية خاصةً وأن “هجوم” القوى الإسلامية لاكتساب النفوذ فى المنطقة أفرز مخاوف لدى بعض دولها من أن الوجوه القديمة تسعى إلى تحويل الوجوه الجديدة إلى توابع أو ملحقات إقليمية. وهو الدور الذى رفضته الدول الإسلامية المستقلة حديثًا كى لا يتكرر بشكل أو بأخر سيناريو التبعية لقوى كبرى كما كان الحال مع روسيا إبان المرحلتين القيصرية والسوفييتية. وقد ظهرت تركيا وإيران وباكستان كأبرز قوى إسلامية ساعية للعب دور قيادى فى آسيا الوسطى وذلك بحكم قربها الجغرافى وروابطها العرقية والدينية. وقد بدا ذلك أكثر ما يكون فى حالة تركيا إذ قدمت نفسها منذ 1992 على أنها همزة الوصل بين الدول الجديدة والمجتمع الدولى فضغطت من أجل سرعة انضمام هذه الجمهوريات إلى الأمم المتحدة ووقعت اتفاقيات مع حكومات هذه الدول للقيام بتمثيل مصالحها فى الخارج إلى أن تتمكن من استكمال مقومات أجهزتها الدبلوماسية(21). وقد عزز من الشكوك فى رغبة تركيا فى لعب دور القائد الجديد لآسيا الوسطى ظهور تيار العثمانية الجديدة ويدعو إلى توسع تركيا وظيفيًا وليس جغرافيًا من خلال اتباع سياسة إقليمية نشطة فى منطقة ممتدة من البلقان وحتى حدود الصين تكون أنقرة موقع القلب منها(22).
وقد شجع الخطاب السياسى لبعض قيادات جمهوريات آسيا الوسطى فى بداية عهدها بالاستقلال على الاعتقاد بأن هناك رد فعل إيجابى لفكرة القيادة التركية لدول المنطقة(23). غير أن الأحداث أكدت أكثر من مرة أن علاقة الوجوه الجديدة بالقديمة تؤكد حرص الأولى على تأكيد استقلاليتها عن الثانية. فدول آسيا الوسطى تنظر إلى القوى الإسلامية المهتمة بالمنطقة ليس على أنهم أوصياء جدد عليها بل كدول صاحبة مصالح فى المنطقة. فعلاقة هذه الجمهوريات الوليدة، كما تراها هى، بالقوى الإسلامية وبخاصةً تركيا ليست علاقة خضوع بل ندية. فعلى الرغم من إعجابه بالنموذج التركى، فإن الرئيس الأوزبكى كريموف نفى أن بلاده تسعى إلى نسخ النموذج التركى كربونيًا وأن بلاده لا يمكن أن تجد فى تركيا “أخًا أكبر جديد.”(24). كما يشير الرئيس التركمانى صابر مراد نيازوف إلى أن اكتساب بلاده أصدقاء جدد (يقصد تركيا) فإن ذلك لا يعنى خسارة الأصدقاء القدامى(25). وهو نفس ما أكده الرئيس الكازاخى نور سلطان نازارباييف بأن حضور بلاده للقمة الدورية للدول الناطقة بالتركية لا يعنى أن بلاده قد انضمت إلى كتلة أو أنها أصبحت تابعة لأنقرة(26).
وفى مسعاها إلى التأكيد على الاستقلالية عن كافة القوى الإقليمية بما فى ذلك القوى الإسلامية أعلنت واحدة من دول آسيا الوسطى، تركمانستان، عن تبنيها للحياد فرفضت الدخول فى أية ترتيبات جماعية سواء مع دول الشرق الأوسط أو مع جمهوريات الاتحاد السوفييتى السابق. كما اتجهت بقية دول المنطقة بدرجات متفاوتة إلى إتباع سياسة إقليمية مفتوحة تنوع من خلالها شركائها الإقليميين على نحو يمكنها من موازنة القوى المتطلعة للنفاذ إلى المنطقة واحدةً بأخرى. وعلى الرغم من ذلك فإن الوجوه الإسلامية الجديدة تضطر فى بعض الأحيان للاستجابة لبعض ضغوط الوجوه الإسلامية القديمة. ويتضح ذلك فى حالة تركيا أكثر من حالتى باكستان وإيران. فقد سعت تركيا لتوظيف الوجوه الجديدة للعب دور المدعم للمواقف التركية. من قبيل ذلك تراجع أذربيجان هذا العام عن إكمال معسكر تدريب لفريق أذربيجان القومى لكرة القدم فى قبرص بعد احتجاج وزارة الخارجية التركية على إقامة هذا المعسكر على الجزء اليونانى من الجزيرة، التى لا تزال تركيا واليونان يتنازعان بشأنها. وهو الاحتجاج الذى استدعى تدخل الرئيس الأذربيجانى حيدر علييف بنفسه ليعلن عن إلغاء المعسكر فى قبرص وعودة فريق الكرة الأذرى إلى باكو واعتبار قرار إقامة المعسكر من الأساس خطًا مؤسفًا(27).
أما البعد الثالث وهو الربحية، فقد وقف عاملًا حاكمًا وراء اشتعال المنافسة بين الوجوه الإسلامية القديمة حول آسيا الوسطى والقوقاز. فالمنطقة غنية بالثروات الطبيعية وتعتبر سوقًا بكرًا جديدًا يتيح للدول الإسلامية القريبة فرصة تحقيق فوائض تجارية كبيرة. كما أن النفاذ إليها يضمن عمقًا استراتيجيًا يكفل للوجوه القديمة تعزيز أمنها القومى وتحريك موازين القوى لمصلحتها داخل النظم الإقليمية التى تنتمى إليها. وليس من قبيل المبالغة القول بأنه لولا ظهور الوجوه الإسلامية الجديدة لما اشتعلت المنافسة بين عدد من الوجوه القديمة. فلولا استقلال جمهوريات آسيا الوسطى لما بدأت المباراة الكبرى الجديدة أو تلك الأصغر بين القوى الإسلامية. فقد تحركت الوجوه الإسلامية القديمة إلى المنطقة وبدأت تزاحم بعضها البعض لأسباب تتصل مباشرةً بمصالحها القومية وليس بخدمة العقيدة حيث لم يتطور مشروع إسلامى واحد يجمع الوجوه الإسلامية القديمة معًا ودول آسيا الوسطى. وحتى منظمة التعاون الاقتصادى (إيكو) والتى تبدو وكأنها مشروع إسلامى صاف يجمع عشرة دول إسلامية من الوجوه القديمة والجديدة معًا(28)، إلا أنها لاعتبارات عديدة لا تعد فعالة فى دعم العلاقات بين هذه الدول. من هذه الاعتبارات مثلًا ضعف الموارد المالية التى ترصدها الدول الأعضاء لنشاط المنظمة، والتفاوت الصارخ فى مستويات التنمية بين الدول الأعضاء (أفغانستان وتركيا على سبيل المثال)، والاقتصار على البعد الاقتصادى دون الأبعاد السياسية والأمنية، والزيادة المفاجئة لعدد أعضاء المنظمة بعد انهيار الاتحاد السوفييتى بما جعل اعتبارات الكم تطغى على اعتبارات الكيف، والجمع بين دول لها برامج سياسية متنافرة (29). ونتيجة لضعف التنسيق الجماعى بين الوجوه القديمة والجديدة بدأت العلاقات الثنائية تتقدم على العلاقات الجماعية(30)، وهو ما كانت نتيجته تصاعد المنافسة بين الوجوه القديمة التى حرص كل منها على مزاحمة الآخر، وبخاصةً تركيا وإيران، بهدف كسب أكبر مواقع ممكنة فى وسط آسيا.

ثانيًا: الحرب الإسلامية الصامتة

اتخذت المنافسة بين الوجوه الإسلامية القديمة فى آسيا الوسطى طابعًا مكتومًا فهى ليست منافسة على التوسع الجغرافى بل من أجل اكتساب النفوذ وتحقيق كسب إستراتيجى يعمق الأمن القومى للوجوه القديمة ويزيد مكاسبها الاقتصادية. وقد انضم عدد من القوى الإسلامية إلى قافلة المتطلعين للنفاذ إلى وسط آسيا، ودار بين المتطلعين المسلمين مباراة لم تحسم نتيجتها بعد لواحدة منهم والأرجح أنها لن تحسم لمصلحة طرف بمفرده. فالمباراة الإسلامية فى آسيا الوسطى ليست صفرية ليس لأن الوجوه الإسلامية القديمة تنسق فيما بينها ولكن لأن دول المنطقة تحرص على تنويع شركائها الإقليميين والانفتاح عليهم جميعًا ربما بتفضيل بعضها على الآخر ولكن بالتأكيد ليس باستبعاد بعضها دون البعض الآخر. ونظرًا لكثرة الدول الإسلامية التى أقامت صلات بدول آسيا الوسطى، فإن الدراسة تقتصر على كل من باكستان وتركيا وإيران لاعتبارات يتصل بعضها بالجغرافيا فهذه الدول هى الأقرب من بين كل الوجوه القديمة لآسيا الوسطى. فإيران تمتلك حدودًا مع كل من أذربيجان وتركمانستان، وباكستان يفصلها عن المنطقة ممر واخان الضيق عبر أفغانستان. أما تركيا فتتماس مع إقليم ناخيشفان الأذربيجانى الواقع داخل أرمينيا. علاوة على ذلك تمتلك كل من تركيا وإيران صلات عرقية ولغوية، وبالذات تركيا، مع دول المنطقة.
أما باكستان فلا تمتلك مثل تركيا وإيران جذورًا عرقية أو لغوية مع سكان المنطقة وهو ما يجعلها منافس أضعف مقارنةً بكل من أنقرة وطهران. والأهم من ذلك أن نشاط باكستان فى المنطقة لا يمثل تنافسًا مقصودًا مع كل من تركيا وإيران بقدر ما هو سلوك غير مخطط هدفه الأساسى حماية المصالح الباكستانية فى مواجهة الاستراتيجية الهندية فى المنطقة. فقد تأثر المنظور الباكستانى للوجوه الإسلامية الجديدة إلى حد بعيد بهمومها الإقليمية المتفاقمة فى منطقة جنوب آسيا. فقد رأت باكستان فى جمهوريات آسيا الوسطى لاعبين إقليميين جدد يمكن توظيفهم لتأييد موقفها ضد الهند فيما يتصل بمشكلة كشمير، وهو ما نجحت إسلام أباد فى الحصول عليه كما جاء فى بيان مؤتمر وزراء خارجية منظمة التعاون الاقتصادى فى نوفمبر 1992 الذى أيد السياسة الباكستانية تجاه كشمير وهى تسوية أزمة جنوب آسيا الكبرى وفق قرارات الأمم المتحدة (31). وبالنظر إلى أن باكستان تعتمد على ميناء بحرى واحد فى تدبير تجارتها الخارجية، فإنها عادةً ما تشعر بالضعف والانكشاف إزاء القدرات الهندية البحرية لو أدت الأمور بنيودلهى لفرض حصار بحرى عليها، وهو ما يجعل باكستان تهتم بالنفاذ إلى آسيا الوسطى كبديل برى يضمن لها استمرار تجارتها الخارجية لو ساءت الأمور مع الهند(32). ونتيجةً لارتباط السياسة الباكستانية فى آسيا الوسطى بصراعها التقليدى مع الهند بدت إسلام أباد وكأنها فاعل إسلامى برىء جاء إلى المنطقة ليس لمزاحمة غيره من الفاعلين المسلمين ولكن للتصدى لقوة غير إسلامية. إلا أن براءة باكستان كثيرًا ما يثار حولها الشكوك سواء من قبل جمهوريات آسيا الوسطى أو من قبل المنافسين الإسلاميين الآخرين. فنتيجة الدعم الباكستانى لحركة طالبان فى أفغانستان وتخوف جمهوريات آسيا الوسطى من تطورات المسرح الأفغانى وعلى الأخص من أيديولوجية الطالبان وزحف المشكلة الأفغانية إلى داخل حدود هذه الجمهوريات باتت باكستان ترى فى آسيا الوسطى وكأنها سبب غير مباشر وراء القلاقل التى تحدثها المشكلة الأفغانية فى تلك المنطقة. (33). وهو ما يفسر دعوة بعض المفكرين الباكستانيين النافذين إلى دوائر صنع السياسة الخارجية الباكستانية، مثل الجنرال كمال متين الدين مدير معهد الدراسات الاستراتيجية فى إسلام أباد، إلى أن تؤسس باكستان صلاتها مع دول آسيا الوسطى على أرضية تبتعد عن البعد الإسلامى وتركز على بعد المصالح المشتركة(34). وهو ما بدأ ينعكس فى 1999 قبيل انقلاب الثانى عشر من أكتوبر وبعده. فقبل الانقلاب دعا وزير الخارجية الباكستانى السابق سر تاج عزيز مع وزير خارجية أوزبكستان عبد العزيز كميلوف إلى تكوين حكومة وحدة وطنية من مختلف الجماعات العرقية فى أفغانستان وهو ما أفاد أن باكستان قد بدأت تخفف دعمها غير المشروط لطالبان وتضع عليها ضغوطًا من شأنها تحسين صورة إسلام أباد فى آسيا الوسطى فيما يتعلق بموقفها من تطورات القضية الأفغانية(35).
أما بعد الانقلاب فقد واصلت حكومة الجنرال برويز مشرف إعادة هيكلة السياسة الباكستانية تجاه أفغانستان. فزار الجنرال مشرف طهران واتفق مع الرئيس الإيرانى خاتمى على أهمية بدء عملية سلام فى أفغانستان بهدف تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة فى كابول. كذلك بدأت باكستان فى تطبيق قرارات الأمم المتحدة الخاصة بفرض عقوبات اقتصادية على أفغانستان بسبب إيوائها لأسامة بن لادن، فأغلقت مصرفيين أفغانيين يعملان داخل الأراضى الباكستانية(36). ولاشك أن أحد النتائج المحتملة لو كللت مساعى إسلام أباد لتحقيق الاستقرار فى أفغانستان بالنجاح أن تتجدد المنافسة بين إسلام أباد وكل من أنقرة وطهران حول مسار خطوط النفط والغاز الطبيعى الخارج من آسيا الوسطى إلى العالم. فباكستان تمثل واحد من خمس بدائل لإخراج نفط آسيا الوسطى إلى العالم. هذه البدائل هى: أ-البديل الجنوبى (أفغانستان وباكستان)، ب- البديل الشرقى (الصين)، ج-البديل الشمالى (روسيا)، د-البديل الشمالى الغربى (جورجيا، تركيا)، ه-والبديل الغربى (إيران)(37). وأخذًا فى الاعتبار ما يمثله المشروع من ربح اقتصادى لإسلام أباد وبالنظر إلى وجود دراسات وعروض تقدمت بها بالفعل شركة برايدس الأرجنتينية لتنفيذ الخط الجنوبى، فإن باكستان ستصبح منافسًا نشطًا لكل من إيران وتركيا فى اقتسام حصيلة رسوم تصدير النفط من آسيا الوسطى إلى العالم.
أما التنافس التركى-الإيرانى فهو بحق نموذج جديد يضاف إلى بقية نماذج التنافس الإسلامى-الإسلامى والتى كثيرًا ما اتجهت الدول الإسلامية بسببها إلى بناء تحالفات مع قوى غير إسلامية. وتعكس المنافسة الإيرانية التركية اتجاه القوى الإقليمية إلى البحث عن دور يتناسب مع قدراتها ومواردها فى أقاليم غير ذلك الذى تنتمى إليه فى حالة عدم تناسب الدور الذى تلعبه فى محيطها الإقليمى مع طموحاتها ومواردها. فكل من إيران وتركيا دولتى أقلية فى الشرق الأوسط ذى الغالبية العربية الواضحة. فنظرًا للشروط التى يفرضها الاتحاد الأوروبى على استيعاب تركيا وبالنظر إلى حالة العزلة أو فقدان المصداقية التى عانت منها إيران الثورة، فإن ظهور دول آسيا الوسطى أتاح الفرصة أمام أنقرة وطهران لإعادة تشكيل موازين القوى الإسلامية فى الشرق الأوسط وآسيا الوسطى معًا وبالصورة التى تتفق والطموحات الإقليمية للدولتين.
ولا يقف تأثير التنافس التركى الإيرانى على الدولتين بل يتجاوزه ليؤثر على دول إسلامية أخرى أبرزها الدول العربية. فاهتمام تركيا وإيران باجتذاب دول آسيا الوسطى إليهما من شأنه أن يغير الطابع العربى الغالب على الشرق الأوسط ويزيد من نسبة العناصر التركية والفارسية على نحو يؤدى إما إلى تهميش وزن القومية العربية فى الإقليم أو تفتيت الشرق الأوسط إلى ثلاثة أنظمة فرعية أحدها عربى منحسر وآخران تركى وفارسى ممتدين. ويستند هذا الرأى على عدد من الحجج أبرزها(38):
1-أن جمهوريات آسيا الوسطى قد أعطت للدول الشرق أوسطية غير العربية منفذًا اقتصاديًا كبيرًا لا يتمتع به العرب بسبب افتقارهم إلى الاتصال الجغرافى مع هذه الجمهوريات وبالتالى يقلل من قدرتهم على المنافسة.
2-أن هذه الجمهوريات قللت من اعتماد الدول غير العربية فى الشرق الأوسط وبالتحديد تركيا على النفط العربى.
3-أن هذه الجمهوريات بحكم اقترابها الثقافى واللغوى من كل من تركيا وإيران سوف تميل تلقائيًا إلى تأييد أنقرة وطهران فى أية خلافات بينهما من جهة والدول العربية من جهة أخرى.
4-أن هذه الجمهوريات قد منحت الدول غير العربية فى الشرق الأوسط وخاصةً تركيا فرصة لعب دور الجسر بينها والدول الغربية، وهو ما يقوى مكانة أنقرة فى المنطقة باعتبارها الأكثر قربًا إلى العالم المتقدم من بين كل دول الشرق الأوسط.
وإذا كان بعض المحللين العرب قد ذهب إلى أن استقلال دول آسيا الوسطى سيكون لصالح العرب وعلى حساب تركيا وإيران استنادًا إلى الذكريات السلبية لتلك الدول مع الإمبراطوريتين الفارسية والعثمانية(39)، فإن معظم المحللين العرب يذهبون إلى أن الدول العربية لن تكون فى موضع يؤهلها للتنافس مع كل من تركيا وإيران بسبب غياب القرب الجغرافى والتشابه العرقى(40)، وأن أقصى ما يجب أن تذهب إليه الدول العربية هو التواجد الفعال فى المنطقة بغية عدم تركها تخضع لأحد القوتين الفارسية أو التركية أو أن تدخل فى علاقة استراتيجية مع إسرائيل بما يجعل دول الأقلية الثلاث فى الشرق الأوسط تتمتع بعمق إستراتيجى تفتقر إليه دول الأغلبية بكل ما يعنيه ذلك من تداعيات على موازين القوى فى الشرق الأوسط(41). باختصار فإن التنافس التركى الإيرانى فى آسيا الوسطى أخاف مسلمى الأغلبية فى الشرق الأوسط (العرب) من مسلمى الأقلية (الفرس والترك).
وعلى نفس المنوال دخل مسلمو الأقلية فى الشرق الأوسط فى منافسة اندفعت فيها أنقرة وطهران إلى تطوير آليات نشطة على المستوى السياسى والاقتصادى والثقافى لكسب سباق النفوذ فى آسيا الوسطى. أما تركيا فقد طورت علاقاتها السياسية بهذه الجمهوريات فى شكل عقد قمة دورية لرؤساء الدول التركية بدأت فى أنقرة منذ نوفمبر 1992. كذلك دعت أنقرة هذه الجمهوريات للانضمام إلى منظمة البحر الأسود للتعاون الاقتصادى فى أغسطس 1992. وفى المجال الثقافى بدأت تركيا مستفيدة من الجذور المشتركة التى تجمعها ودول آسيا الوسطى فى تطوير سياسة ثقافية نشطة حققت لها قصب السبق على إيران. فتركيا فى آسيا الوسطى تبدو إلى حد ما كما كانت فرنسا فى إفريقيا حيث ركزت على التشابك الثقافى كمدخل للهيمنة. ومن أبرز ملامح تلك السياسة الثقافية:
1-بناء إطار تنظيمى حيث يعقد سنويًا مؤتمر لوزراء الثقافة للدول الناطقة بالتركية يهدف إلى دفع التعاون بينها. ولعل اللقاء الثالث الذى عقد فى ألما أتى فى يوليو 1993 هو أبرز هذه اللقاءات. فمن خلال هذا الملتقى نجحت تركيا فى إقناع دول آسيا الوسطى بالمشاركة فى محيط تركى يعمل على تعزيز الثقافة التركية فى مناطق الشرق الأوسط والقوقاز والبلقان وآسيا الوسطى والصين والبحر المتوسط. كذلك تم تكوين الإدارة المشتركة للثقافة والفنون التركية JATA والتى تطور عنها مشروع التوريسكو (TURESCO) (Turkish Republics (Educational, Scientifics, and Cultural Organization (42). ومن بين أبرز الأطر التنظيمية الأخرى جاء تأسيس مؤتمر اتحاد كتاب العالم التركى فى يونيو 1993 والذى يضم اتحادات كتاب تركيا وهذه الجمهوريات وتنعقد اجتماعاته بشكل دورى بالتناوب بين عواصم الدول الناطقة بالتركية.
2-بناء روابط غير حكومية لعل أبرزها مؤتمر الصداقة والأخوة والتعاون بين الدول والمجتمعات التركية، وتأسس فى 1993 ويعقد بشكل دورى كل عام وتهدف هذه الرابطة كما أفصح الإعلان الصادر عن الاجتماع الثانى لهذا المؤتمر فى أكتوبر 1994 إلى إعطاء الروابط بين المجتمعات التركية الأولوية على ما عداها وتبنى مواقف مشتركة إزاء التهديدات التى يتعرض لها أتراك العالم(43)
3-البث الإذاعى والتليفزيونى فمن خلال القمر الصناعى التركى تمكنت تركيا من إيصال إرسالها التليفزيونى إلى جمهوريات آسيا الوسطى بشكل يومى. والجدير بالذكر فى هذا المقام أن إيران حاولت عند نقل معدات البث التركى عبر أراضيها إلى دول آسيا الوسطى تعطيل وصول هذه المعدات(44)
4-تقديم المنح الطلابية. وقد تفوقت تركيا فى هذا المضمار على كل دول الشرق الأوسط وبالذات إيران التى تتردد دول المنطقة فى إرسال مبعوثيها إليها خشية تأثرهم بالنموذج الأصولى الإيرانى. فقد وفرت أنقرة ما يزيد عن 10000 منحة دراسية حكومية، هذا بخلاف ما يقدمه رجال الأعمال الأتراك لطلاب هذه الجمهوريات.
5-إدخال نماذج التعليم التركى إلى المنطقة وإبراز الطابع التركى لدولها بالمساهمة النشطة فى ترميم أبرز الرموز الأثرية. من قبيل ذلك مساعدة تركيا فى بناء الجامعة الدولية الكازاخية فى مدينة تركستان وتجديد مزارات مثل مقبرة السلطان سنجر فى تركمانستان وقبرى أحمد الياسفى وأصلان بابا فى كازاخستان.
6-تشجيع التحول من الهجائية السيريلية إلى اللاتينية فى جمهوريات المنطقة. وفى سبيل تحقيق هذا الانتقال الثقافى الضخم قدمت تركيا آلاف الكتب المدرسية وآلات الطباعة مجانًا كما بدأت مشروعًا لا زال يتواصل لإيجاد هجائية مشتركة ووضع قاموس تركى يحتوى على أبرز المصطلحات المشتركة لتسهيل الاتصال الثقافى بين هذه الجمهوريات(45) وهو ما يعتبر تفوقًا على كل من إيران والدول العربية التى تمنت عودة هذه الدول إلى استعمال الحرف العربى.
وفى المجال الاقتصادى قدمت تركيا مساعدات متنوعة لهذه الجمهوريات كما قامت بتوجيه استثماراتها إلى المنطقة. إلا أن العلاقات بين الطرفين لا تزال أقل من مستوى التقارب الثقافى. فبعد أن كانت تركيا تحتل مكانة متقدمة بين الدول المستثمرة فى بعض جمهوريات آسيا الوسطى تراجعت بالتدريج نتيجة دخول مستثمرين أكبر قدرة منها مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية وعدد من القوى الاقتصادية الأسيوية. وبرغم ذلك تحظى تركيا بجاذبية اقتصادية لدى هذه الدول بحكم أنها منفذ التصدير الأكثر فوزًا برضاء شركات النفط الغربية والأمريكية منها بصفة خاصة فى ظل التخوف الغربى من إيران واضطراب الأوضاع فى أفغانستان(46).
أما إيران وإن كانت تتمتع مقارنةً بتركيا بميزة الجوار الجغرافى المباشر مع دول آسيا الوسطى، إلا أن علاقاتها لا تخلو من عوائق يعود بعضها إلى اختلاف المشارب الثقافية والبعض الآخر إلى تخوف هذه الدول من امتداد الأصولية الإسلامية إليها. فعلى الصعيد السياسى لم تنجح إيران فى دعوة دول آسيا الوسطى إلى الدخول معها فى تنظيم متعدد الأطراف على غرار ما فعلته تركيا من خلال آلية مؤتمرات القمة التركية. ولم يكن أمام إيران فرصة للعمل الجماعى أفضل من منظمة التعاون الاقتصادى وهو ما يعوقه دائمًا وجود تركيا وباكستان بها. وهو ما دفع إيران إلى الاعتماد المكثف على قناة التفاعل الثنائى مع تلك الدول. ورغبةً منها فى عدم إثارة أية حساسيات لدى هذه الجمهوريات من قضية الأصولية الإسلامية ولمنع منافستها تركيا من اللعب بهذه الورقة اتجهت إيران إلى تغليب المصالح على العقائد ونجحت طهران فى هذا إلى حد كبير. فعلى الرغم من الحذر السائد من انتشار الأصولية لدى قيادات هذه الدول، إلا أن أيًا منها لم يمتنع عن تطوير علاقة دولته بإيران. بل إن البعض منهم نفى صراحةً أن تكون إيران وراء نمو الأصولية فى المنطقة. فقد عارض الرئيس التركمانى نيازوف اتهامات الغرب بأن إيران تشجع الأصولية وأكد “أن بعض الأشخاص قد يشجعون الأصولية ولكن هذا ليس موقف الحكومة الإيرانية.”(47) وهو ما اشترك فيه الرئيس الكازاخى نازارباييف الذى نفى الصور السيئة التى تلصق بإيران فأشار إلى أن الوجه الحقيقى لإيران لا يشبه على الإطلاق الصورة الإعلامية الرائجة عنها كدولة أصولية. “فصورة إيران الصحيحة صورة دولة ليبرالية أكثر منها صورة دولة سقطت فريسة للشمولية.”(48)
وقد شجع الطابع العملى للسياسة الإيرانية على تشجيع هذه الدول على الانفتاح على طهران فأصبحت هى الشريك السياسى والاقتصادى الأول لتركمانستان من بين كل الدول الإسلامية فتم فتح أكثر من نقطة حدودية لربط الدولتين كما تم بناء خط سكة حديدية بطول 140كم بين البلدين وسمحت إيران بدخول الرعايا التركمان إليها بدون الحصول على تأشيرة دخول. ومن الناحية الاقتصادية وبالرغم من المعارضة الأمريكية والمنافسة التركية لإيران فقد نجحت طهران فى حفز تركمانستان، واحدة من أكبر دول آسيا الوسطى إنتاجًا للنفط، فى مد خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعى لإيران. ولكون إيران الأنسب فنيًا والأقرب جغرافيًا إلى موانئ التصدير فقد نجحت على الرغم من الضغوط الإقليمية والدولية التى تواجهها فى إقناع بعض دول المنطقة فى تبنى حملة لإقناع الولايات المتحدة بإعادة النظر فى مشروع خطوط الأنابيب وإعادة التفكير فى البديل الإيرانى(49). وعلى الرغم من تركز معظم التفاعلات الاقتصادية لإيران مع جارتها تركمانستان، إلا أنها لم تغفل الدول الأخرى فتعددت صور التفاعل الاقتصادى معها سواء من خلال فتح فروع لبنوك إيرانية فيها مثل البنك الوطنى للجمهورية الإسلامية فى طاجيكستان أو من خلال تقديم منح تدريبية لكوادر إدارية من هذه الدول.
وعلى الصعيد الثقافى اتبعت إيران منهجًا حذرًا لسببين الأول هو عدم اشتراكها فى الجذور الثقافية مع دول المنطقة. فحتى طاجيكستان صاحبة الثقافة الفارسية لا تدين بالمذهب الشيعى. أما السبب الثانى فيعود إلى خشية إيران أن يتم تفسير أى نشاط ثقافى واسع لها على أنه محاولة لنشر الأصولية الإسلامية وهو ما قد ينعكس سلبًا على إستراتيجيتها وأهدافها فى المنطقة. وبناء على ذلك ركزت إيران جانبًا كبيرًا من تفاعلاتها الثقافية مع طاجيكستان فتم تأسيس منظمة اللغة الفارسية. كذلك وقعت إيران اتفاقية للتعاون فى مجال البث الإذاعى والتليفزيونى مع طاجيكستان تصل بموجبها المواد الإعلامية الإيرانية إلى الأخيرة. وحرصًا منها على النفاذ إلى الجمهوريات الأخرى ذات الأصول التركية دخلت إيران فى منافسة مع تركيا فى إحياء الرموز التاريخية وخاصةً ما يتصل منها بالتراث الفارسى. من قبيل ذلك التعاون الإيرانى التركمانى فى جمع وتوثيق الرموز الثقافية الفارسية فى الفترة ما بين القرنين التاسع والثانى عشر الميلاديين، كما نجحت فى إقناع أوزبكستان فى إدخال مقرر لتعليم اللغة الفارسية فى عدد من مدارسها ومعاهدها العليا.
والملاحظ على كل من إيران وتركيا أن أيًا منهما لا يتردد فى بناء علاقات وتحالفات مع أطراف غير إسلامية بهدف محاصرة نفوذ منافسه الإسلامى فى آسيا الوسطى. يبرز ذلك مثلًا فى اتفاق التعاون العسكرى التركى-الإسرائيلى. فقد أثار الإنفاق انتقادات واسعة من قبل إيران من جهة لأنه يعطى الفرصة لإسرائيل أن تضع قواتها وتجرى جانب من تدريباتها العسكرية على مرمى حجر من الأراضى الإيرانية بما يسهل التجسس على إيران. ومن جهة ثانية لأن الاتفاق يجبر إيران على تركيز انتباهها على الشرق الأوسط ويسعى إلى صرف انتباهها عن آسيا الوسطى. فأى تنازل تركى لإيران بشأن علاقة أنقرة بتل أبيب سيقابله تنازل تحاول تركيا أن تجبر إيران على تقديمه فى آسيا الوسطى(50). وليس أقل من تحالف تركيا مع إسرائيل اعتماد تركيا على علاقتها بحلف الناتو كإطار تحاول أنقرة من خلاله اجتذاب دول آسيا الوسطى إليها. فقد أعلنت تركيا عن استعدادها إلحاق الفرقة الأذربيجانية التى قررت باكو إرسالها إلى كوسوفا بالكتيبة التركية العاملة بقوات الحلف وأن تتحمل أنقرة بالكامل تكاليف هذه الفرقة(51). وبحكم عضويتها فى الناتو قدمت تركيا نفسها لدول آسيا الوسطى المهتمة بتطوير علاقاتها بالناتو كبوابة يمكنهم من خلالها الانضمام إليه. وقد انعكس ذلك فى دعم تركيا مطالب دول المنطقة فى الانضمام إلى برنامج الشراكة من أجل السلام، وفى مشاركة قوات تركية تابعة للناتو مع قوات عسكرية أوزبكية فى تدريبات عسكرية جرت فى أوزبكستان، وفى سعى أذربيجان استضافة قواعد تركية أو أخرى خاصة بالناتو تكفل لها الحماية من تهديد التعاون العسكرى بين أرمينيا وروسيا(52).
ولم تختلف إيران عن تركيا فى توظيف علاقاتها مع غير المسلمين فى الرد على السياسة التركية فى آسيا الوسطى. ففى 1997 شكلت إيران مع كل من اليونان وأرمينيا، وكلتاهما عدوين لتركيا، جماعة التعاون الاقتصادى الثلاثية بهدف دعم التعاون بين الدول الثلاثة فى المسائل الإقليمية وتعزيز التجارة البينية فيما بينها. وفى اجتماع لوزراء خارجية الجماعة فى يريفان عاصمة أرمينيا فى 8 سبتمبر 1999 اتفقت الدول الثلاثة على تطوير برنامج تعاون فى مجال الطاقة والنقل من بين عناصره مشاركة اليونان فى تمويل بناء خط لنقل الغاز الطبيعى من إيران إلى أرمينيا بتكلفة تقدر بحوالى 120 مليون دولار. وعلى الرغم من إشارة وزراء خارجية الجماعة أنها ليست موجهة ضد أطراف أخرى، فإنه لا يخفى ما للمشروع المقترح، خاصةً وأنه تعاون بين إيران وخصمين لتركيا، من إشارة إلى أهمية دور إيران كمعبر مستقبلى منافس لتركيا فى نقل مصادر الطاقة من آسيا الوسطى والقوقاز إلى أوروبا(53).

ثالثًا: بدائل الأمة

تضافرت منافسة الوجوه الإسلامية القديمة مع سعى الوجوه الجديدة لطرق كافة البدائل الإقليمية لتأكيد استقلالها الوليد فى تهميش الأمة كإطار انتماء لدول آسيا الوسطى. فمن أجل تجنب مخاطر الانزلاق فى علاقات غير متكافئة مع القوى الإسلامية الفاعلة، لجأت دول آسيا الوسطى إلى البحث عن بدائل إقليمية متنوعة كان من بينها تطوير علاقاتها البينية باعتبارها تنتمى إلى كتلة جغرافية وثقافية واحدة مهما تشابهت مع المحيط الإسلامى الواسع، إلا أنه يظل لها مفاهيم وتطبيقات متميزة للإسلام وخبرة تاريخية تفرقها عن بقية مناطق العالم الإسلامى. وتعود فكرة التعاون الإقليمى بين دول آسيا الوسطى إلى ديسمبر 1991 وقت انهيار الاتحاد السوفييتى حيث اجتمع قادة دول المنطقة فى عشق أباد عاصمة تركمانستان لدراسة أسلوب الرد على إعلان روسيا وبيلاروس وأوكرانيا عن تكوين كومنولث سلافى يرث الاتحاد السوفييتى. وكان من بين البدائل المطروحة تكوين كومنولث إسلامى يجمع الجمهوريات الإسلامية فى الاتحاد السوفييتى السابق. إلا أن هذه الفكرة تم استبعادها بعد أن وافقت الدول السلافية على توسيع إطار التنظيم الذى أسسوه ليضم جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز. وبناء عليه فقد بقى التعاون بين جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية رهين برغبة هذه الدول فى توظيف علاقاتها البينية كأداة لتجنب الضغوط التى تواجهها من القوى الدولية والإقليمية الزاحفة إلى قلب آسيا. إلا أنه من الثابت منذ 1992 وحتى اليوم أن رغبة دول آسيا الوسطى فى حفز تعاونها الإقليمى لم يسندها عمل كاف. فقد ثارت بين هذه الدول نفس المشكلات التى ثارت بينها والقوى الإسلامية الفاعلة فى المنطقة وهى مشكلات المصداقية والدور والربحية بحيث أضحت العلاقات بين الوجوه الإسلامية الجديدة ليست بأحسن حالًا من العلاقات بينها والوجوه الإسلامية القديمة. وقد ساهم فى تضاؤل آفاق التعاون الإقليمى بين دول هذه المنطقة عدة عوامل يمكن إيجازها فى التالى:
1-تشابه قواعد الإنتاج الاقتصادى بينها حيث أنها إما منتجة للنفط والغاز الطبيعى أو للقطن، وهو ما يقلل من مصداقية التكامل الاقتصادى بينها باعتبار أن الدول المتشابهة اقتصاديًا تتنافس أكثر ما تتكامل وتسعى للبحث عن شركاء من خارج وليس من داخل المنطقة التى تنتمى إليها.
2-وجود تنافس لا يخطئه مراقب حول دور القائد الإقليمى فى المنطقة وعلى وجه التحديد بين كازاخستان الأكبر من حيث المساحة الجغرافية والموارد الاقتصادية وأوزبكستان أكبر الدول من حيث السكان وأقدمها من ناحية الميراث التاريخى. وقد ساهمت بعض المشكلات الحدودية علاوة على وجود أقليات سكانية من كل دولة داخل الدول الأخرى فى متفاقمة شكوك هذه الدول حول نوايا دولتى المنطقة الكبيرتين وبخاصةً أوزبكستان التى تتهم أحيانًا بالتدخل فى شئون دول الجوار(54). وقد نتج عن التنافس الأوزبكى الكازاخى عزوف واحدة من دول المنطقة وهى تركمانستان عن الدخول فى أية علاقة إقليمية جماعية مع دول المنطقة والاكتفاء بتطوير علاقاتها معهم على أساس ثنائى، كما بعدت أذربيجان عن أية روابط جماعية مع مسلمى آسيا الوسطى بحجة أنها تنتمى لمحيط جغرافى مختلف هو القوقاز. أما طاجيكستان وقرغيجستان وإن دخلا مع أوزبكستان وكازاخستان فى بعض الترتيبات الإقليمية الجماعية، إلا أن ذلك لم يشفع لهما فى تجنب قبضة دولتى آسيا الوسطى القويتين عليهما.
3-العائق الروسى حيث تنظر موسكو بعين الشك إلى بلورة أية كتلة إقليمية إلى جنوبها خشية أن يحمل ذلك تهديدًا لأمن وسلامة الجالية الروسية الكبيرة المقيمة فى المنطقة (حوالى 8 مليون فرد)أو أن يحرمها من التواجد إستراتيجيًا فى منطقة تعتبرها حيوية لأمنها القومى بحجة تجفيف عناصر الأصولية الإسلامية عند المنبع قبل أن تمتد إلى الأقاليم ذات الأغلبية المسلمة داخل الاتحاد الروسى نفسه مثل الشيشان وأنجوشيا وداغستان وقره شاى والشركس.
وقد انعكست هشاشة التنسيق الإقليمى بين الوجوه الإسلامية الجديدة بشكل واضح فى تعدد التفاعلات الخلافية التى لا تترك مجالًا واسعًا للتفاؤل بشأن نجاح الوجوه الإسلامية الجديدة فى تجاوز الأزمات التى كثيرًا ما عصفت بعلاقات الوجوه الإسلامية القديمة. فعلى الرغم من توقيع هذه الدول عددًا من المعاهدات واتفاقيات الصداقة والتعاون (مثل معاهدة الصداقة والتعاون بين كازاخستان وأوزبكستان فى يونيو 1992، أو بين أوزبكستان قرغيجستان فى سبتمبر 1992، أو بين كازاخستان وتركمانستان فى مايو 1993)، وعلى الرغم من إعلان كل من كازاخستان وقرغيزستان وأوزبكستان عن تأسيس سوق مشتركة تجمع دول المنطقة، فإن ذلك لم يحل دون نشوب خلافات وصلت فى بعض الأحيان إلى إغلاق الحدود بينها(55). من قبيل ذلك توتر العلاقات الاقتصادية بين هذه الجمهوريات بسبب مشكلة المدفوعات المتأخرة نتيجة تضارب أسعار صرف العملات المحلية مع الروبل والدولار، وهى المشكلة التى لا تزال حتى نهاية 1999 تبحث لها عن حل ولا تزال تسبب تفاقم فى الشكوك المتبادلة عند كل مرة تقطع دولة على أخرى إمداداتها من الغاز الطبيعى، أو المياه، أو الكهرباء(56). كذلك هناك الاختلاف حول الربحية من نفط بحر قزوين وكيفية اقتسام ثرواته من الطاقة بين دوله الإسلامية الأربعة إيران وكازاخستان وتركمانستان وأذربيجان بالإضافة إلى دولة خامسة غير إسلامية هى روسيا(57).
ونتيجة إخفاق التعاون الإقليمى بين الوجوه الجديدة وبعضها البعض ونتيجة المحاذير على الانفتاح الكامل على الوجوه القديمة مالت دول آسيا الوسطى إلى تطوير علاقاتها ببدائل تأخذها بعيدًا عن إطار الأمة. وقد عبرت أذربيجان بشكل واضح عن رغبتها فى اللحاق بإحدى هذه البدائل وهو الناتو. إذ أكدت قيادات أذربيجانية مختلفة خلال عام 1999 عن رغبة بلادها فى إقامة قواعد عسكرية تابعة للناتو فى أذربيجان كرد فعل على استمرار التعاون العسكرى الروسى الأرمينى. فقد عبر وزير الخارجية الأذربيجانى عن أن بلاده ستضطر إلى اتخاذ إجراءات كافية لضمان أمنها واستقلالها لو استمرت روسيا فى تعاونها مع أرمينيا. وفى أعقاب جولة من المفاوضات بين وفد من الناتو ومسئولين أذريين فى باكو، أعلن أراز عظيموف نائب وزير الخارجية الأذربيجانى أن بلاده تتبنى مفهوم شراكة التكامل مع الناتو كخطوة أولى نحو انضمام أذربيجان الكامل للتحالف الغربى(58). كذلك طالب اختيار شيرنبوف زعيم المؤتمر الوطنى الأذربيجانى أن تختار باكو ما بين استدعاء قوات تركية أو قوات من الناتو للتمركز فى أذربيجان كرد على إرسال روسيا صواريخ إس-300 إلى أرمينيا(59).
وسعيًا إلى تطوير علاقاتهما بالناتو انسحبت كل من أذربيجان وأوزبكستان من معاهدة طشقند للأمن الجماعى التى كانت تربطهما بروسيا وعدد من دول الاتحاد السوفييتى السابق. فرفضت الدولتان تجديد عضويتهما بالمعاهدة قبل مدة من نهايتها فى مايو 1999 مفضلتين التقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما أثار حفيظة كل من إيران وروسيا(60). ولدعم موقفيهما الجديدين انضمت كل من أذربيجان وأوزبكستان إلى جورجيا وأوكرانيا ومولدوفا، وهى من دول الاتحاد السوفييتى السابق الساعية بشدة للتقارب مع الغرب، فى مجموعة إقليمية جديدة تعرف بمجموعة “جوام” تهدف إلى تنسيق المواقف الأمنية والدفاعية بين أعضاءها. ومن الدال فى هذا الصدد أن الإعلان عن اكتمال مجموعة جوام بانضمام أوزبكستان لها وتحديد أهدافها جاء على هامش القمة الخمسين لحلف الناتو التى عقدت بواشنطن فى ربيع هذا العام، وقد كان فى مقدمة أهداف المجموعة دعم التعاون بين أعضائها ومجلس الشراكة الأوروبية الأطلنطية(61). وعلى الرغم من المعارضة القوية من قبل روسيا للعلاقات الناشئة بين أوزبكستان وأذربيجان مع الناتو، فقد مضت الدولتان قدمًا فى تطوير علاقاتهما بالتحالف الغربى فنظمت أوزبكستان بالتنسيق مع الناتو دورات تدريبية لتطوير قدرات المؤسسات المدنية على التعامل مع الأزمات(62).
وإلى جانب الناتو مالت بعض دول آسيا الوسطى إلى بدائل أخرى تقع خارج نطاق الأمة بل وتتعارض أحيانًا مع مصالح بعض الوجوه الإسلامية الأقدم فيها. فقد تبنت كازاخستان مبادرة لتأسيس منظمة شبيهة بمنظمة الأمن والتعاون فى أوروبا حيث استضافت فى مايو 1999 مؤتمرًا تأسيسيًا على مستوى الخبراء بعنوان “التفاعل وبناء الثقة فى آسيا” وكان المؤتمر الخطوة الأولى لعقد مؤتمر آخر على مستوى وزراء خارجية ست عشرة دولة عقد فى سبتمبر 1999 فى كازاخستان لتفعيل إطار إقليمى جديد بين دول من آسيا والشرق الأوسط جميعهم دول إسلامية باستثناء روسيا والصين والهند وإسرائيل. وتصطدم المبادرة الكازاخية بمصالح معظم الشعوب الإسلامية حيث تدعو على سبيل المثال لا الحصر فيما يتعلق بالصراع العربى الإسرائيلى إلى الانتقال مباشرةً إلى بناء الثقة بين الجانبين العربى والإسرائيلى بصرف النظر عن القضايا الجوهرية التى لا تزال عالقة بين الطرفين وهى بذلك تجمد الوضع القائم وتكرس الهيمنة الإسرائيلية(63).
وعلى نحو لا يقبل الشك فإن دول آسيا الوسطى لم تتردد فى اتخاذ أية خطوة تمكنها من التقارب مع دول غير إسلامية حتى لو جاء ذلك على حساب الاتساق ولو أدى بتلك الدول للكيل بمكيلين. على سبيل المثال فإنه فى الوقت الذى تتعقب فيه أوزبكستان وتضيق الخناق على الناشطين الإسلاميين وتفرض قيودًا محكمة على حرية الدعوة الإسلامية فى بلد غالبيته من المسلمين، فإنها ألغت فى أغسطس 1999 العقوبة التى كان قد حكم بها على عدد من أعضاء حملات التبشير المسيحية المتواجدة على أراضيها وكانت تتراوح بالسجن ما بين عشرة إلى خمس عشرة سنة وذلك بهدف إرضاء وزارة الخارجية الأمريكية قبل أن تبعث بتقريرها السنوى إلى الكونجرس الأمريكى بشأن حرية الأديان فى العالم(64)، وهو ما يتشابه مع سلوك كازاخستان التى تسعى لتحسين علاقاتها بالصين بكل الوسائل الممكنة بما فى ذلك تسليم مسلمى اليغور الذين تتهمهم الصين بالتحريض على الدعوة وإثارة نزعات انفصالية فى إقليم سينكيانج الصينى (65).

خاتمة: الإقليمية السائلة

لم تنضم دول آسيا الوسطى على مدار الأعوام الثمانية التى تلت سقوط الاتحاد السوفييتى إلى نظام إقليمى محدد. فبعد أن تخلصت من التبعية المطلقة لروسيا دخلت جمهوريات المنطقة فى شبكة واسعة من العلاقات جمعتها مع عديد من الشركاء الإقليميين البعض منهم مسلمون. إلا أن العامل العقيدى لم يكن هو العامل الحاسم لربط هذه الجمهوريات بالوجوه الإسلامية القديمة إذ تقدمت المصالح القومية على اعتبارات الأيديولوجية سواء كان الحديث عن سلوك الوجوه القديمة أو الجديدة. ونتيجة البراجماتية من الجانبين ولوجود شكوك حول المصداقية والدور والربحية بين الطرفين لم يكن مستغربًا أن تتراجع مكانة الشركاء الإسلاميين كلما دعت المصالح إلى ذلك. ولإنصاف الوجوه الجديدة فإنه تجدر الإشارة إلى أن سلوكها مع الوجوه الإسلامية القديمة لا يختلف كثيرًا عن سلوكها مع بقية دول العالم حيث تتحكم اعتبارات المصالح فى السياسات الخارجية لدول آسيا الوسطى مع الجميع وذلك فى حد ذاته دليل على غياب مفهوم الدائرة الإسلامية لدى تلك الدول. ويعزى إقدام الوجوه الجديدة على تفضيل علاقات إقليمية مفتوحة على علاقات قوية مع الوجوه الإسلامية القديمة إلى عدة اعتبارات يمكن تلخيصها فى الأتى:
1-طبيعة الموقع الجغرافى لهذه الدول والذى يفرض عليها التعامل مع قوى غير مسلمة ربما أكثر مما تتعامل مع دول مسلمة. فكازاخستان وطاجيكستان وقرغيجستان لهم حدود مع الصين تفرض عليهم التعامل مع هذا العملاق الأسيوى وتجنب التوتر معه حتى لو اضطرتهم الأحوال للتضحية بمسلمى اليغور الصينيين المطالبين بحكم ذاتى موسع. كما أن الموقع الجغرافى غير البعيد عن روسيا، كما هو الحال بالنسبة لكازاخستان التى تمتلك حدودًا طويلة مشتركة مع روسيا، فرض على هذه الدول الصمت المطبق إزاء بعض القضايا التى تهم الأمة كما هو الحال بالنسبة لقضية الإبادة الروسية لشعب الشيشان.
2-وجود تخوف من الشراكة مع الوجوه الإسلامية القديمة إذ قد يؤدى ذلك إلى الوقوع فى مشكلة المفاضلة بين قوى وأخرى، وهو ما لا تريده دول آسيا الوسطى. فحتى الآن تبدو هذه الدول حريصة على استمرار التنافس الإسلامى-الإسلامى طالما تستفيد منه سواء من خلال الأموال المرصودة لخدمة الوجوه الجديدة أو الدعم السياسى المقدم لها أو منافذ التصدير المتاحة لتصريف مواردها من الطاقة.
3-برغم وجود دعم من قبل الوجوه القديمة لتلك الجديدة إلا أنه يظل أقل بكثير من احتياجات جمهوريات آسيا الوسطى، وهو ما يدفعها لتطوير علاقات قوية بغير المسلمين لتعويض ما لا تستطيع الدول الإسلامية تقديمه وبالذات فى مجال الأمن. فالدول الإسلامية لا تستطيع تأمين جمهوريات آسيا الوسطى فى مواجهة الآلة العسكرية والأطماع الروسية غير الخافية لدى بعض التيارات السياسية الروسية والتى تعتبر آسيا الوسطى أراضى سياسية غائبة مؤقتًا.
فى ظل مثل هذا النوع من التهديد وفى ظل غياب إطار أمنى إسلامى جامع أصبح على دول آسيا الوسطى اللجوء إلى الإقليمية المفتوحة ومناشدة وتطوير العلاقة مع كل من يمكنه مساعدتها وخاصةً من الأقوياء بصرف النظر عن أية اعتبارات عقيدية. فالإقليمية المفتوحة أصبحت ضرورة لحل معضلة بقاء الوجوه الإسلامية الجديدة التى لا تزال تخوض عملية بناء الدولة وتأكيد الاستقلال .

الهوامش:

(1) Andre Gunder Frank, The Centrality of Central Asia, Amsterdam: VU University Press, 1992, 1.
(2) راجع فى هذا الصدد:
Raphael Israel, “Return to the Source: The Republics of Central Asia and the Middle East,” Central Asian Survey, vol.13, no.2, 1994; Bruce Vanghn, “Shifting Geopolitical Realities between South, Southwest, and Central Asia,” Central Asian Survey, vol. 13, no.2, 1994; Alexei Vasilyev, “Is Central Asia to be Middle East,” New Times, May 1992.
(3) فى دراسة عن أنماط التفاعلات الإقليمية لدول آسيا الوسطى خلال الفترة 1992-1994 باستخدام منهج تحليل الأحداث، تم اختبار فرضية اندماج دول آسيا الوسطى بالشرق الأوسط و ذلك عن طريق مقارنة حجم علاقات هذه الجمهوريات بدول الشرق الأوسط من جهة و علاقاتها ببعضها البعض من جهة ثانية و أخيرًا علاقاتها مع روسيا و بقية دول الكومنولث من جهة ثالثة. وقد تبين بعد رصد 6481 حالة تفاعل فى هذه الساحات الإقليمية الثلاثة (الشرق الأوسط، آسيا الوسطى، روسيا) آن علاقات دول آسيا الوسطى بالشرق الأوسط لم تمثل إلا 26,7% فقط من إجمالى تفاعلاتها على الساحات الثلاثة و هو ما يقطع باليقين أن هذه الجمهوريات لا تزال بعيدة عن فكرة الاندماج الكلى فى النظام الإقليمى بالشرق الأوسط. انظر: Ibrahim M. Arafat, Regional Redefinition in Post-Soviet Central Asia: A Study in Regional Choice and Regional System Reformation, Ph.D. Dissertation, Faculty of the Graduate School, University of Maryland at College Park, 1996.
(4)Louis Cantori and Steven Spiegel, The International Politics of Regions: A Comparative Approach, Englewood Cliffs, NJ: Prentice-Hall, Inc., 1979, 25-37.
(5) راجع فى هذا الإطار: إبراهيم عرفات، “حركات إسلامية فى آسيا الوسطى،” فى، علا أبو زيد،(محرر)، الحركات الإسلامية فى آسيا، القاهرة: مركز الدراسات الأسيوية، 1998،255-285.
(6) Martha Brill Olcott, “Central Asia’s Catapult to Independence,” Foreign Affairs, vol. 71, no.3, 1992.
(7) Keyhan, 24 December 1992, in FBIS-SOV., 12 January 1993, 71.
(8) http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html,7-5-1999; http://www.RFERL.ORG/newsline/ 2-tca.html, 11-5-1999
(9) http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html, 15-7-1999.
(10) http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html, 21-7-1999.
(11) http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html, 15-3-1999.
(12) http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html,1-2-1999; http://www.RFERL.ORG/ newsline/ 2-tca.html, 14-8-1999.
(13) http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html, 1-4-1999.
فى محاولة لتخفيف حدة التوتر مع إيران بعد أن لجأت طهران إلى تعزيز تعاونها مع روسيا، صرح الرئيس الأذرى حيدر علييف بأنه على خلاف المعارضة الأذربيجانية يرى أن وجود عدة ملايين من الأذربيجانيين فى إيران لا يعطى باكو حق التدخل فى شئون إيران الداخلية. إلا أن هذا التصريح لم يسهم فى تخفيف التوتر خاصةً بعد أن رفضت طهران تسليم ماهر جوادوف إلى أذربيجان كبادرة لتحسين الأجواء.
http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html, 23-8-1999.

(14) http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html, 24-9-1999.

(15) http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html, 28-6-1999.
من بين دول آسيا الوسطى تعتبر أوزبكستان الأكثر معاناة فى 1999 من ظاهرة المد الإسلامى المقترن باستخدام العنف والذى شمل محاولة لاغتيال رئيس الدولة فى فبراير 1999. وقد أعقب تلك المحاولة سلسلة من الإجراءات للحد من نمو تيار الإسلام السياسى. من ذلك اعتقال 25 طفل ما بين 9 إلى 12 عام بتهمة حيازة منشورات دينية. ويسود تقدير لدى بعض كبار معاونى الرئيس الأوزبكى بأن نمو الإسلام السياسى هو جزء من مؤامرة دولية تحاك ضد أوزبكستان. ففى معرض تعليقه على اختطاف مجموعة أوزبكية من حزب التحرير الإسلامى عدد من الأجانب والفرار بهم إلى الجبال فى دولة قرغيجستان المجاورة، أشار وزير الدفاع حكمة الله نورسونوف أن الحدث ما هو إلا جزء من مؤامرة يحيكها “مجرمون” من عدة دول قد لا يمثلونها بالضرورة ولكنهم يسعون إلى بناء دولة إسلامية فى آسيا الوسطى.
http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html,21-6-1999; http://www.RFERL.ORG/newsline/ 2-tca.html, 9-9-1999.
(16) Muriel Atkin, “Islam as Faith, Politics, and Bogeyman in Tajikistan,” in Michael Bourdeaux, The Politics of Religion in Russia and the New States of Eurasia, Armonk, NY: M.E. Sharpe, 1995, 252.
http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html, 4-3-1999.
(18) مذكرة معلومات صادرة عن إدارة شئون الكومنولث بالخارجية المصرية، 30-12-1997.
(19) Komsomolskaya Pravda, 17 October 1992, in Karen Dawisha and Bruce Parrott, Russia and the New States of Eurasia: The Politics of Upheaval, New York, NY: Cambridge University Press, 1994, 219.
(20) بسبب فقرات عديدة على نفس المنوال وردت فى بيان طشقند رفضت بعض المؤسسات الأكاديمية المصرية التابعة لجامعة القاهرة التوقيع كما طلب منها الجانب الأوزبكى على الوثيقة.
(21) Kamal H. Karpat, “The Socio-Political Environment Conditioning the Foreign Policy of Central Asian States,” in Adeed Dawisha and Karen Dawisha, eds., The Making of Foreign Policy in Russia and the New States of Eurasia, Armonk, NY: M.E. Sharpe, 1995, 189.
(22) يعد الصحفى التركى جنجيز كاندار أول من وظف مفهوم العثمانية الجديدة فى الدوائر الفكرية والسياسية التركية. ففى مداخلة له فى مجلة “نقطة” رأى كاندار أن الإمبريالية ما هى إلا مهمة تاريخية تخير لها الله بعض الشعوب، وما تركيا إلا واحدة من الأمم التى اصطفاها الله لأداء هذه المهمة. وفرق كاندار بين ثلاثة اتجاهات يمكن لتركيا من الناجية النظرية استخدامها للتعامل مع دول آسيا الوسطى. الأول هو رفض لعب أى دور بحجة الافتقار إلى الموارد، والثانى هو الاتجاه الاستعمارى الداعى إلى بناء تركيا الكبرى، والثالث هو العثمانية الجديدة وتسعى إلى بناء منطقة نفوذ على أنقاض الإمبراطورية السوفييتية بشكل يقلل من تبعية تركيا لأوروبا ويزيد وزنها الدولى فى منطقة ممتدة تشمل البلقان ووسط آسيا.
أنظر:Istanbul Nokta, 21 June 1992, in FBIS-SOV., 8 September 1992, 54-58.
(23) على سبيل المثال وصف الرئيس القرغيزى عسكر أكاييف تركيا بأنها “النجمة التى تنير طريق التنمية فى المنطقة.” كذلك أكد الرئيس الأوزبكى كريموف ” أن أوزبكستان وهى تواجه معضلة الاختيار بين طرق التنمية……فإننى أقول بالتحديد أن الطريق التركى أكثر قبولًا لدينا من الطريق الإيرانى لأنه يقود إلى التنمية وبناء مجتمع علمانى. لذلك يجب علينا شق طريقنا نحو التنمية باتخاذ تركيا نموذجًا يحتذى.”
Nezavisimia Gazetta, 15 May 1992, cited in Boris Z. Rummer, “The Gathering Storm in Central Asia,” Orbis, vol. 37, no., 1, Winter 1993, 103.
(24) Interfax, 31, July 1992, in FBIS-SOV., 3 August 1992, 40.
(25) Nezavisimaia Gazetta, 20 October 1992, in The Current Digest of th Soviet Press, 18 November 1992, 5.
(26) Interfax, 25 October 1994, in FBIS-SOV, 26 October 1994, 39.
(27) http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html, 17-3-1999.
على الرغم من عدم اعتراف دول آسيا الوسطى وأذربيجان بجمهورية شمال قبرص التركية، إلا أن الضغوط التركية دفعت هذه الجمهوريات للسير فى ركاب أنقرة بين الحين والآخر بشأن المشكلة القبرصية. من ذلك قبول كازاخستان استضافة اجتماعًا لوزراء الثقافة للدول الناطقة بالتركية شارك فيه ممثلًا عن حكومة شمال قبرص. وقد دعى هذا اللقاء إلى إقامة مجال ثقافى تركى موحد. TRT Television Network, 10 July, 1993 , in FBIS-SOV., 13 July 1993, 2
(28) تأسست منظمة التعاون الاقتصادى فى 1964 تحت مسمى “التعاون الإقليمى من أجل التنمية” وكانت تضم تركيا وإيران وباكستان. وبعد الثورة الإيرانية فقدت المنظمة كثيرًا من أهميتها ثم عادت إليها الروح مرة أخرى فى 1985 تحت اسمها الحالى. والدول الإسلامية العشرة أعضاء المنظمة هى تركيا، إيران، باكستان، أفغانستان، طاجيكستان، تركمانستان، أوزبكستان، قرغيجستان، كازاخستان، وأذربيجان.
(29) Kaveh L. Afrasiabi, “The Economic Cooperation Organization (ECO): Problems and Prospects, Central Asia Monitor, no.4, 1993, 28-30.
(30) فى دراسة اعتمدت على منهج تحليل الأحداث لبحث علاقات دول آسيا الوسطى بكل من تركيا وإيران خلال الفترة 1992-1994 تبين أن التفاعلات الجماعية بين هذه الدول وصل إلى 2.8% فقط. Ibrahim M. Arafat, op.cit.
(31) محمد السيد سليم، “توازنات القوى الكبرى حول آسيا الوسطى،” فى محمد السيد سليم، محرر، آسيا والتحولات العالمية، القاهرة: مركز الدراسات الأسيوية، 1998، 342.
(32) Kamal Matinuddin, ” Pakistan and Central Asian Ties: Political and Strategic Aspects,” in Moonis Ahmar, ed., Contemporary Central Asia, Karachi: University o Karachi and Hanns-Seidel Foundation, 1995, 117.
(33) مؤنس أحمر، ” القوى الإقليمية والمسألة الأفغانية،” فى إبراهيم عرفات، محرر، القضية الأفغانية وانعكاساتها الإقليمية والدولية، القاهرة: مركز الدراسات الأسيوية، 1999، 149.
(34) Kamal Matinuddin, op.cit, 113.
(35) http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html, 1-6-1999.
(36) الأهرام، 9-12-1999،4.
(37) سمير عابد شيخ، “اللعبة الكبرى فى جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية،” الأموال، العدد السابع، إبريل-يونيو 1998، 14-15.
(38) Anoushiravan Ehteshami, “The Non-Arab Middle East States and the Caucasian-Central Asian Republics: Turkey, International Relations,vol.11, np.6. 1993, 513-531.
(39) عبد المجيد فريد، المسلمون فى الاتحاد السوفييتى إلى أين؟،الأهرام، 9-1-1991.
(40) راجع فى هذا الصدد: مصطفى علوى، محرر، الوطن العربى وكومنولث الدول المستقلة، القاهرة: معهد البحوث والدراسات العربية، 1994.
(41) Mohammad E. Selim, Egypt’s Role in Central Asian Security and Development, a paper presented at the international conference on Security and Development in Central Asia organized by FRIENDS, Turkmenistan, 26-28 October 1997.
(42) Jacob Landau, Pan-Turkism: From Irredentism to Cooperation, Bloomington, IN: Indiana University Press, 1995, 211.
(43) فى الإعلان الصادر عن المؤتمر الثانى والذى عقد بأزمير فى تركيا تم توجيه النقد لمفهوم التجمع الهلينى على أساس أنه دعوة يونانية لتهديد أتراك شمال قبرص. أنظر
TRT Television Network, 23 October 1994, in FBIS-WEU., 24 October 1994, 57-58; Nicosia Bayrak Radio, 23 October 1994, in FBIS-WEU., 24 October 1994, 58.
(44) Istanbul Milliyet, 26 February 1992, in FBIS-WEU., 3 March 1992, 39.
(45) Jacob Landau, 211-212.
(46) من الملاحظ أن تركيا تحرص على تنويع مصادرها من الطاقة ليس فقط من بين دول آسيا الوسطى بل وأيضًا من دول من خارجها. فعلى الرغم من توقيع أنقرة اتفاقيات مع أذربيجان وتركمانستان وكازاخستان لتوريد الغاز الطبيعى إليها من هذه الدول، إلا أن أنقرة قامت فى يوليو 1999 بتوقيع اتفاق مع مصر تتولى الثانية بموجبه تزويد الأولى عبر أنبوب سيتم بناؤه عبر البحر المتوسط بما يقدر بنحو 10 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعى. وعلى الرغم أن بناء هذا الخط تعترضه عوائق عديدة،
إلا أن الاتفاق زج بمصر كمنافس لجمهوريات آسيا الوسطى وهو ما يعمق ويفاقم التنافس الإسلامى-الإسلامى.
Charles Recknagel, Turkey: Egypt Joins Race to Sell Energy, http://www.RFERL.ORG/nca/ features/F.RU.990721133650.html.
(47) Interfax, 29 January 1993, in FBIS-SOV., 1 February 1993, 48.
(48) Izvestiya, 6 November 1992, in FBIS-SOV., 10 November 1992, 67.
(49) فى أكثر من زيارة قام بها الرئيس الكازاخى نور سلطان نازارباييف ورئيس تركمانستان صابر مراد نيازوف إلى واشنطن، تمت مناقشة مسألة تمديد خطوط أنابيب النفط عبر إيران دون أن تنجح هذه القيادات فى إقناع الولايات المتحدة أن تغير مواقفها المعارضة. كان الرفض أيضًا من نصيب مقترحات تقدم بها بعض المتخصصين فى شئون المنطقة وعلى رأسهم بول جوبيل الذى كان يشغل منصب مستشار لمساعد وزير الخارجية الأمريكى لشئون آسيا الوسطى والقوقاز فى إدارة الرئيس بوش. إلا أن وجود ضغوط من قبل بعض قادة هذه المنطقة على واشنطن للتفكير فى البديل الإيرانى يعد فى حد ذاته نجاحًا لإيران فى حشد أنصار ومؤيدين. أنظر فى هذا الخصوص:
Sonia Winter, Turkmenistan: U.S. Questions Gas Pipeline Via Iran,http://www.rferl.org/nca/features/1997/10F.RU. 971016135301.htm1; Chris Bird,Central Asia Eyes Iran as Route to Export Oil, http://armen-info.com/hol/07306.htm; Paul Goble, An Opening on Iran?, http://www.RFERL.ORG/nca/features/1996/ 11/F.RU.961113163723.htm1; Paul Goble, No Light at the End of the Pipeline, http://www.rferl.org/nca/features/1997/F.RU.9707 29 110926. Htm1.
(50) Ibrahim M. Arafat, Israeli-Turkish Military Cooperation: Building A Regional Bogeyman, A paper presented at the international symposium titled “The New Geopolitical Environment in the Eastern Mediterranean and Beyond” organized by the Research and Development Center and the Hellenic Foundation for European Policy, Nicosia-Cyprus, October 21-23, 1999
(51) Http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html, 5-3-1999.
(52) http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html,4-2-1999; http://www.RFERL.ORG/newsline/ 2-tca.html, 2-3-1999.
(53) http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html, 9-9-1999.
أثار تكوين هذه الجماعة شكوك لدى واشنطن وجورجيا وأذربيجان وتركيا بأنها ستكون جماعة عسكرية دفاعية يمكن أن تضر بالتوازنات فى منطقة القوقاز وهو ما سارعت أرمينيا بنفيه. إلا أن وزير الدفاع اليونانى أكيس تسوهاتسوبولوس لم يستبعد أن تنمو الجماعة وتتحول إلى حلف دفاعى.
http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html, 7-7-1999.
(54) أثناء أزمة احتجاز مجموعة أوزبكية تنتمى إلى حزب التحرير الإسلامى لعدد من الرهائن اليابانيين فى أراضى قرغيجستان، قامت القوات الجوية الأوزبكية بمهاجمة المناطق التى أوى لها المختطفون. وعلى هامش تلك الأزمة، اتهمت طاجيكستان أوزبكستان بأنها وفى استعراض ظاهر للقوة قامت باختراق الحدود الطاجيكية وضربت بعض القرى داخلها. وفى المقابل اتهمت أوزبكستان تحالف المعارضة الطاجيكية المشارك فى الائتلاف الحكومى فى طاجيكستان بدعم الحركات الإسلامية الأوزبكية.
http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html,17-8-1999;http://www.RFERL.ORG /newsline/ 2-tca.html, 10-9-1999.
(55) فى أكثر من مرة قامت أوزبكستان وقرغيجستان بإغلاق حدودهما أمام اللاجئين الطاجيك الفارين من الحرب الأهلية الطاجيكية. كذلك أغلقت كل من أوزبكستان وكازاخستان حدودهما مع قرغيجستان فى مايو 1993 لمنع تدفق ملايين الروبلات إليهما من قرغيجستان بعد أن أعلنت حكومة الأخيرة عن استبدال الروبل بعملة جديدة هى السم القرغيزى.
(56) فى عام 1993 على سبيل المثال اختلف كل من أوزبكستان وكازاخستان حول تقدير واردات الثانية من الغاز الطبيعى الأوزبكى وواردات الأولى من القمح الكازاخى. فبينما أشارت الحسابات الكازاخية إلى أنه بعد تصفية قيمة واردات كازاخستان من الغاز الطبيعى الأوزبكى مقابل قيمة صادراتها من القمح إلى أوزبكستان، فإن كازاخستان تكون دائنة بمبلغ مقداره 39 مليون دولار، فإن الحسابات الأوزبكية تشير إلى أن كازاخستان مدينة بمبلغ مقداره 130 مليون دولار. ولم تفلح الأعوام الثمانية الماضية فى حل مشكلة المدفوعات المتأخرة والتى كثيرًا ما تسببت فى دفع واحدة من الدولتين لوقف صادراتها إلى الدولة الأخرى. مثال أخر يجسده اختلاف كازاخستان وقرغيجستان فى 1999 حول تسوية متأخرات الواردات القرغيزية من الفحم والغاز الكازاخى والواردات الكازاخية من المياه والكهرباء القرغيزيين.
Moscow Radio Mayak, 14 June 1993, in FBIS-SOV., 18 june 1993, 50; Segodnya, 21 June 1993, in FBO‎IS-SOV., 23 June 1993, 9;
http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html, 1-6-1999.
(57) تنقسم هذه الدول فيما بينها حول مسألة تعريف بحر قزوين وهل تنطبق عليه قواعد القانون الدولى الخاصة بالبحار المفتوحة أم أنه يحتاج بحكم أنه بحر مغلق إلى ترتيبات من نوع خاص يتعين على الدول المطلة عليه الوصول إليها. فعلى خلاف كل من أذربيجان وكازاخستان ترى كل من روسيا وإيران أن قزوين لا تنطبق عليه قواعد البحر المفتوح وبالتالى لا يمكن تقسيمه إلى مناطق تخضع لسيادة الدول المطلة عليه، ولهذا السبب تعتبر موسكو وطهران عددًا من الاتفاقيات التى عقدتها أذربيجان وتركمانستان وكازاخستان لاستخراج النفط غير قانونية. وبسبب عدم الاتفاق تحدث بين الحين والآخر منازعات حول ملكية بعض الحقول النفطية البحرية من أبرزها تنازع تركمانستان وأذربيجان ملكية بحر سيردار كما تسميه الأولى أو كياباز كما تسميه الثانية. وقد امتد الخلاف بين الجانبين إلى مسألة تحديد الحصة الخاصة بكل دولة من طاقة أنبوب الغاز الممتد من قزوين إلى تركيا حيث تتهم أذربيجان تركمانستان بأنها تطالب بحصة تصديرية تصل قيمتها إلى 50% من طاقة الضخ عبر هذا الأنبوب فى حين أنها لم تتحمل نسبة مماثلة من تكاليف مد وتطوير خط الأنابيب. راجع فى هذا الصدد
Merhat Sharipzhan,Kazakhstan: Oil frpm Troubled Waters: A Caspian Sea Analysis, http://RFERL.ORG/nca/features/ F.RU. 970604110833.html; Michael Lelyveld, Iran: Claim to Share of Caspian Sea Oil Renewed, http://www.RFERL.ORG/nca/features/ F.RU.990629125537.html; Michael Lelyveld, Azerbaijan: Turkmenistan Pay Dearly for Turkish Gas Line, http://www. RFERL.ORG/nca/features/F.RU. 9907 21133650.htm1
(58) http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html, 27-5-1999.
(59) http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html, 1-2-1999.
(60) http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html, 25-1-1999.
(61) http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html, 26-4-1999.
(62) http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html, 29-6-1999.
(63) http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html, 36-1999; http://www.RFERL.ORG/newsline/ 2-tca.html, 15-9-1999.
محمد السيد سليم، العرب وإسرائيل والأمن الأسيوى، آسيانا، العدد السابع، يناير 1999،1.
(64) http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html, 24-8-1999.
(65) http://www.RFERL.ORG/newsline/2-tca.html, 17-2-1999.

نشر في حولية أمتي في العالم، عدد 2000

للتحميل اضغط هنا 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى