أفكار حول أبعاد استراتيجية حضارية من الذاكرة التاريخية لأفريقيا قارة الإسلام

مقدمة:

تجارة الرقيق، تنافس قوى الاستعمار الأوروبي وتقسيم القارة، النظم الاستيطانية، سرقة الثروات المعدنية، حركات التحرر والاستقلال، التبعية والاستعمار الجديد، الانقلابات العسكرية، الصراعات والمذابح القبلية الدموية والوحشية، الديون والمعونات، نظام الحرب الواحد والاستبداد بالسلطة، التحالفات مع الشرق أو الغرب،… جميعها مفردات ذائعة تحكي جانبًا واحدًا من جوانب حكاية أفريقيا.. مثلها مثل قارات أخرى -يتوزع بينها عالـمُ المسلمين- خاصة في المراحلِ المتدهورةِ المنحدرة من تاريخِ هذه القارة المكلومة، التي طال ابتلاؤها؛ ليس بفعل عوامل داخلية فقط، ولكن بأثر ثقيل من عوامل خارجية؛ غربية بدرجة كبيرة.

إن الحكاية الغربية الذائعة –للأسف حتى بيننا نحن العرب والمسلمين- عن أفريقيا تبدأ مع ما يسمى -لدى الغرب- ببداية عصر النهضة والتنوير الأوروبي، ثم تتمدد مع عصر تقدم الغرب الصناعي والتكنولوجي، وعصر إمبراطورياته الكبرى المكلل بمهمة نشر التمدين والتنوير(!)، ثم تستمرُّ مع عصر أفول الدور الأوروبي وصعود التنافس الأمريكي الرأسمالي والسوفيتي الشيوعي على أفريقيا وعلى العالم حتى نهايات القرن الماضي.

لكنها جميعَها مفرداتٌ تتّصل بعواقب غلبة تاريخ ذلك الغرب – الغالب عالميًّا والمتحكم بأفريقيا لقرون- على تاريخ “أفريقيتنا“. نعم نحن -عربَ شمالِ أفريقيا- ينبغي أن نقف أمام سؤال زاوية النظر إلى أفريقيا: أننظر إلى أفريقيتنا جنوبَـنا بنفس المنظار الذي ينظر به إليها مستعمروها ومستعمرونا؟ إنه منظارُ “السيدِ القديمِ” الذي يحددُ بوصلةَ اهتمامِه وخرائطَ قضايا القارة ولكن بما يصبُّ في يده التي ما تزال تتحكم في إدارة تلك الخريطة، ولو عن بُعد، ولو بأيدٍ ترتدي قِفَّازات مخملـيَّة تتحايل على -وتتجاوز- صور التدخل المباشر الصَّلدة الكريهة كما كانت في عصور الاستعمار التقليدي. إنها خريطة القضايا التي تتصل بصميم الصراع على السلطة والقوة والنفوذ في أفريقيا -أرضًا وحكمًا وثرواتٍ- برؤية واقعية realistic تدور بالأساس حول الأمن التقليدي؛ أي: أمن ومصالح الحكومات والنظم الخارجية وحلفائها في الداخل، أو بصورة أدق: أتباعها ومستنسخيها من الداخل الأفريقي، الذين لحقوا بقطار الغرب المعرفي والفكري، مع إسقاطٍ تامٍّ لأمن شعوبهم ومصالحهم وأدوارهم.

بيد أن للحكاية الأفريقية جانبًا آخرًا يتزايد الاهتمام العالمي بأبعاده تدريجيًا؛ سواء لاعتبارات إنسانية أو لاعتبارات مصلحية واقعية أيضًا. إنها الحكاية التي يصدرها “ما بعد الكولونيالون” أو النقديون في الغرب… وهي حكاية ذات ثلاثة أبعاد تتجلى في صورة أسئلة ثلاثة: أين منظور الأفارقة أنفسهم لقضاياهم وقضايا العالم؟ ثم أين القضايا والجوانب الخاصة بالبشر أنفسهم -تكويناتٍ وهويةً وثقافةً ولغةً وتاريخًا- وخاصة من حيثُ عواقب الاستعمار عليها، ثم كيف يمكن إصلاحها؛ تحقيقًا لما أُسميه الأمنَ الحضاري، موصولاً بأنماط من القضايا غير التقليدية؛ أي المتصلة بالأمن الإنساني من غذاء وماء وطاقة وصحة وتعليم وحقوق إنسان. وأيًّا كانت دوافع أصحاب هذا الجانب الثاني من الحكاية الأفريقية؛ سواء من “الغربيين” أو من يناظر هذا التوجه المعرفي والفكري من أبناء القارة، فهي دوافع غير تقليدية لا تبحث فقط عن حلول جديدة لمشاكل القارة، ولكن تبحث أيضًا في كيفية جعل العالم أكثر –عدلًا وإنسانيةً وحريةً ومساواةً. ولكن يظل أصحاب هذا الجانب الثاني من الحكاية ينظرون أيضًا لحكاية القارة من خارجها؛ بحكم أنهم غربيون كما السياسيون الواقعيون أيضًا، أو بحكم أنهم من أبناء القارة المنقطعين عن تاريخها، أو الغائب عنهم رؤيةٌ كليةٌ للقارة بشمال وجنوب صحرائها.

لكن ماذا عنا نحن عرب شمال أفريقيا؟ لقد كنا -وما زلنا في معظمنا- ننظر إلى جنوب الصحراء كأنه عالم آخر وكأننا لسنا نحن من أفريقيا. فلقد تكرس في وعينا الجمعي الحديث هذا الانفصالُ الجغرافيُّ –السياسي -الحضاري الذي تدعَّم بانقسامٍ عرقيٍّ بين: عرب وزنوج (ثم صور نمطية عن تربص وعداء ومواجهة بين الطرفين)؛ وذلك منذ بدأت الهجمة الاستعمارية الحديثة؛ أي منذ قرون خمسة مضت، وعبر تطوراتها. ولكن هذا الانفصال في الوعي والجغرافيا والديمغرافيا يطرح التساؤل التالي: ماذا كان قبل هذه الحقبة من تاريخ أفريقيا؟ ومن الذي اهتم بها؟ وكيف؟ وما وزن اهتمامنا نحن العرب -بصفة عامة، من آسيا وأفريقيا وخاصة عرب شمال أفريقيا- بهذه التواريخ الأفريقية قبل عصر الاستعمار ودلالاتها -ليس فقط بالنسبة لجذور العلاقات العربية-الأفريقية، وخاصة منذ دخول الإسلام وانتشاره- ولكن بالنسبة لجوانب الحكاية الأفريقية كلها وأبعادها التقليدية والجديدة على حدٍّ سواء؛ والأهم من حيث ما أُسميه “الأبعاد الاستراتيجية الحضارية الغائبة” أو المنسية في خضم التهديدات والمخاطر المادية المباشرة على حساب أمور أخرى، والتي لا تقل أهمية، ولا تنفصل عن هذه الأمور المادية؟

هذه أسئلة من كومة أو سلسلة أسئلة أكبر عن منظورنا الحضاري الإسلامي عن أفريقيا، ولكن قبل أن أشرع -من ناحية أولى- في طرح منظومة الأسئلة التي تستدعي هذه الأبعاد الحضارية الاستراتيجية من الذاكرة التاريخية لأفريقيا في عالم الإسلام، وقبل أن أشرع -من ناحية أخرى- في طرح أفكار قد تساعد على إجابة منظمة تقتضي عملية بحث منظمة في المكتبة الثرية عن أفريقيا، ليس بالعربية فقط ولكن بلغات أخرى، قبل هذا وذاك، يجدر أن أنبه ذاتي وقرائي إلى أمرين مُهمَّيْن:

الأمر الأول- أن عملية بحث أولية –في المنشور عن أفريقيا بالعربية- تُبين أن التاريخ الحديث والمعاصر للإسلام في أفريقيا، وللاستعمار الأوروبي في أفريقيا، وللنظم السياسية في أفريقيا وأحوال المجتمع الإسلامي[1]، هي مجالات أساسية للتأليف من تخصصات مختلفة، وهي تنقل بالأساس عن “المستشرقين” الغربيين، لكن ما هي حالة التأليف الأفريقي ذاته ومصادره الأفريقية عن أفريقيا؟ وكيف تطور حال البحث الأكاديمي العربي والإسلامي عن أفريقيا من عدم الاهتمام إلى الاهتمام؟ ولماذا؟ وماذا عن حالة البحث والتأليف عن أفريقيا في الدوائر الأكاديمية والفكرية الغربية؟ كيف تطورت وكيف ارتبط تصاعدها بموجات الاستعمار ثم ما بعد الاستعمار[2]؟

الأمر الثاني- في نطاق مدرسة المنظور الحضاري المصرية، وارتكانًا إلى تأسيس أستاذتنا منى أبو الفضل عن خصوصية دراسة النظم المختلفة من منظور حضاري مقابل للغربي[3]، وانطلاقًا أيضًا من تأسيس أستاذنا د.حامد ربيع[4] والإنتاج الفكري لأساتذتنا (مالك بن نبي، طارق البشري، محمد عمارة، محمد الغزالي، محمد سليم العوا)[5] عن تاريخ الأمة وخصائصه، وعلاقاتها مع الأمم الأخرى قبل وبعد الاستعمار، فإنني أذكِّر نفسي وقُــرَّائي بإسهام المدرسة المصرية في الدراسات الأفريقية (من منظورات مقارنة، غربية وأفريقية وحضارية إسلامية) بريادة أ.د.حورية توفيق مجاهد وأ.د.عبد الملك عودة من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى جانب أساتذة آخرين من خارج الكلية. ويتسم إنتاج مدرسة كلية الاقتصاد، ومن واقع إسهامات جيلها الثاني والثالث أيضًا، بالاهتمام بالأبعاد الحضارية الاستراتيجية من ناحية، وبأنماط القضايا الأفريقية الجديدة من ناحية أخرى.

وفي هذا الصدد أشير -على سبيل المثال وليس الحصر- إلى المقدمة المعرفية الحضارية التي صدَّر بها أ.د.حمدي عبد الرحمن كتابه(قضايا في النظم السياسية الأفريقية)[6]، والتي موجزها: “أن الأطروحات النظرية والمنهاجية التي قُدمت لتفسير قضايا النظم السياسية في أفريقيا منذ الاستقلال أثبتت عجزًا واضحًا، وينطوي ذلك العجز يقينًا على أزمة في الفهم والتفسير”…؛ “لأن الإشكاليات الكبرى المرتبطة بالمعرفة الغربية لأفريقيا تتمثل في غياب الرؤية الكلية الملائمة لفهم الواقع السياسي والاجتماعي الأفريقي الراهن؛ وهو الأمر الذي يتطلب بناء إطار مفاهيمي ملائم يساعد على فهم الواقع الأفريقي بمشكلاته وإمكانياته…”.

ذكرتني كلمات د.حمدي عبد الرحمن المسطورة هذه بكلمات سمعتها، وما زالت تتردد في سمعي كأنها بالأمس (وذلك خلال زيارتي 2010 لجنوب أفريقيا، جامعة جوهانسبرح، ضمن وفد من جامعة القاهرة برئاسة رئيسها حينئذ د.حسام كامل، وكانت الزيارة الأولى لي لجنوب الصحراء والأخيرة حتى الآن، ولقد كانت طاقة نور على خبرة متميزة في جنوب أفريقيا)، كانت الكلمات هي: “يجب أن يكون لنا منظورنا المستقل في دراسة أوضاعنا، وأن شمال أفريقيا لم ينفصل تاريخـــيًّا عن جنوبها عبر العصور، وأننا يجب أن نكسر الصور النمطية التي كرسها الاستعمار عن أفريقيا والأفارقة؛ فهي ليست القارة المظلمة أو السوداء أو الهمجية”.

إلا أن د.حمدي عبد الرحمن كما أثبت بنفسه عن منهاجية دراسته (1998)، لم يكن هدفه تقديم هذا الإطار النظري، بل طرح مجموعة من الإشكاليات المنهاجية والنظرية المرتبطة بأسلوب التناول والتفسير الغربي السائد؛ سواء بالنسبة لبناء الدولة القومية أو التنمية الاقتصادية أو الديمقراطية … توطئةً لبناء هذا الإطار النظري وهذه الرؤية الكلية فيما بعد.

فماذا تم عبر ربع قرن من الزمان حتى الآن؟ لا أدعي هنا بالطبع إحاطتي بالبحوث التي قد تكون قدمت إسهامًا في هذا المجال نظريًا وتطبيقيًا[7]، ولا أنتوي أن أبحث عن إجابة لسؤالي هذا، فتلك –أي دراسة أفريقيا ضمن حقل دراسات المناطق- ليست تخصصي، إلا أن هذه الدعوة التي حملها د.حمدي عبد الرحمن، قد حملها أيضًا أساتذة أفارقة تحمسوا لمنظور أفريقي لقضاياهم ينبثق من طبيعة تكوين القارة التاريخي: قبليا ودينيا وثقافيًا وتكوينات اجتماعية وسياسية، ويمثل مقابلًا للمنظورات الغربية التي تطور اهتمامها بالدراسات الأفريقية منذ نهاية الخمسينيات. ولهذا فإن د.حمدي عبد الرحمن قد تبنى قاعدة منهاجية رآها ضرورية في إعداد كتابه؛ ألا وهي النظر إلى التاريخ الأفريقي باعتباره وحدة متكاملة الحلقات، فحتى لو كان الاهتمام بالقضايا المعاصرة هو محور الكتاب، إلا أنه لا ينفصل في فهم هذه القضايا عن المراحل السابقة من هذا التاريخ: ما قبل الاستعمار، وخلاله، وخلال مقاومته حتى الاستقلال.

وأخيرًا، فإن تذكيري نفسي بهذين الأمرين، كما لو كان اعترافًا بأن أفريقيا –جنوب الصحراء- لم تنل حظًّـا مناسبًا من اهتمامي البحثي طيلة عملي الأكاديمي، إلا فيما يتصل بوضع أفريقيا من منظومة تطور العلاقات الدولية بين أمتنا والعالم منذ عصور الخلافة الراشدة وحتى سقوط الخلافة[8]. ومن ناحية أخرى، اهتممتُ بأفريقيا ضمن موضع “القارة المنسية” من سلسلة أعداد “أمتي في العالم”[9]. إلا أن عدم التخصص في إقليم أو مجال لا يعني عدم الاهتمام العام بشئونه، وخاصة باعتباره جزءًا من أجزاء الأمة الإسلامية. وبالمثل فإن المشاركين في الملف الحالي يشاركون فيه؛ بحكم هذا الشعور بالهموم المشتركة مع “القارة المظلومة” وليست المظلمة أو “أفريقيا قارة الإسلام” لا الإظلام. هذا الجزء النابض من الأمة حقيقة، قد يكون عدم الإلمام بدقائق وتواريخ الأوضاع المركبة الأفريقية حائلًا دون التحليل والتفسير الأصح، إلا أن اشتراطه لمجرد الاهتمام –وليس البحث أو التدريس المنظمين- ليس إلا خدعة وحيلة لقطع الصلة والأوصال، بل ولفرض عزلة ممجوجة على هذه القارة الغنية بتاريخها: شعوبًا وثروات وخبرات، تحت ذرائع مصطنعة لا تخدم إلا مصالح الاستعمار وأتباعه.

هنا، من خارج الصندوق، وعلى الأقل على قدر ما طالعته من كتابات عن تاريخ أفريقيا، وعلى قدر اهتمامي بمتابعة شئونها العامة المعاصرة[10]، وعلى ضوء ما قمت بتدريسه والبحث فيه عن وضعها في لعبة الصراع العالمي الحديث (قرون الاستعمار الغربي الخمسة الماضية)، وفي ظل الخلافات الإسلامية المتعاقبة (العشرة قرون الأسبق: قرون الفتوح وازدهار الحضارة الإسلامية)؛ وذلك باعتباري أشارك في تخصص العلاقات الدولية من منظور حضاري إسلامي مقارن[11]، تثور في ذهني مجموعة من الأسئلة التي أراها تؤسس لمنظور مختلف إلى أفريقيا (يربط أحقاب تاريخها معًا، ويربط شمالها بجنوبها، ويربط داخلها بخارجها):

(أ) عن أي أفريقيا نتحدث: شمال أم جنوب الصحراء؟ وما حقيقة هذا التقسيم الجغرافي؟ وما مصداقيته عبر عصور تاريخ أفريقيا قبل وبعد انتشار الإسلام، وقبل وبعد الاستعمار الأوروبي الحديث ثم ورثته في صورة القطبين العالميين أولاً، ثم في صورة قوى جديدة صاعدة إقليميًا وعالميًّا (الصين، إيران، تركيا).

(ب) ما العلاقة بين عصور تاريخ أفريقيا وفق المتعارف عليه من تقسيمات (ما قبل الاستعمار، الاستعمار، الاستقلال)؟ ألا تمثل استمرارية تكشف عن مسار متميز لتاريخ أفريقيا؟ هل كانت أفريقيا دائمًا موضعًا لمبادرات من خارجها (غزوات إغريقية ورومانية، فتوح إسلامية، حملات صليبية تجارية وعسكرية… تنافسات عالمية على النفوذ…)؟ وماذا عن تاريخ حضاراتها الكبرى؟ ألم تكن ضمن منظومة الحضارات القديمة المعروفة (الفرعونية، الآشورية، البابلية، الفينيقية، اليونانية، الرومانية)؟ وما العوامل التي حالت دون سهولة التعرف المنظم العلمي على تواريخ هذه الحضارات حتى ما يقرب من القرن تقريبًا؟

(ج) ما خصوصية الأبعاد الاستراتيجية الحضارية في التاريخ الأفريقي: هل هي حضارة ذات نمط مادي (مثل مفهوم الحضارة الغربي الذائع) أم حضارة ذات أبعاد أخرى غير مادية من التقاليد والعادات والأعراف ذات المغزى والدلالة الإنسانية، مهما اختلفت الألوان واللغات، ومهما كان المستوى المادي الذي لا يقارن بتجليات الحضارة الغربية أو النظمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟

(د) ما الذي حاق بها من تغيرات وتحولات عند الانتقال من عصر الإمبراطوريات الأفريقية القديمة، إلى عصر انتشار الإسلام، إلى عصر الاستعمار في ظل تحولات توازنات القوى العالمية؟ كيف تراكمت التشوهات الهيكلية في البنى الأفريقية المختلفة؟ وكيف ومن أين بدأت؟

(هـ) وهل الأزمات المستمرة في هذه البنى منذ ما بعد الاستقلال هي أزمات هيكلية تنبثق من “جينات أفريقية ثقافية” كما يزعم عنصريون (وكما يدعي في المقابل متهمو الإسلام بأن الإرهاب والاستبداد والتخلف هي صفات لصيقة بالإسلام والمسلمين؛ أي إنها ذات أسباب ثقافية وليس بيئية) أم من فشل إداري، أم من التبعية للنظام العالمي وعواقب عصر الاستعمار؟

(و) ما وزن البعد الديني (الإسلام، المسيحية، الديانات التقليدية) في هذا التايخ؟ وما طبيعة تأثير دخول الإسلام في عمليات إعادة التشكيل والتحول المجتمعي والثقافي والسياسي، الداخلية والإقليمية، وفي الوضع الدولي؟ ولماذا ينتشر الإسلام بمعدلات معاصرة أكبر مقارنة بالمسيحية؟ والأهم ما طبيعة وجود الإسلام في القارة (وفق النظم أو المذاهب أو الحركات السائدة): هل هو وجود عقيدي فقط، أم مكون مجتمعي حضاري، أم قوة محركة للمقاومة للاستعمار والاستبداد؟

(ز) ألم يكن للإمبراطوريات أو الممالك والسلطنات الأفريقية -وحتى عصر الاستعمار- أدوار خارج القارة؟ ففيما عدا أدوار مصرية أو مغاربية، في عصور مختلفة، لماذا لم نسمع أو نعرف عن مثل هذه الأدوار الخارجية من قوى أفريقيا جنوب الصحراء؟ بمعنى آخر: هل غاب تاريخيًا دور الدولة القائد عن أفريقيا جنوب الصحراء؛ سواء إقليميًا أو خارج القارة؟ ولماذا غابت المبادرة المعاصرة الأفريقية تجاه قضايا ومشاكل العالم الإسلامي: هل انشغالًا بمشاكل الذات الأفريقية أم هو انقطاع صلة النظم والحكام على الأقل، ومنذ الاستعمار، عن الأمة؛ وفقًا لسياسات الاستعمار أولًا ثم سياسات شد الأطراف ما بعد الاستقلال نحو الفرانكفونية أو الكومنولث ثانيًا؟ بعبارة أخيرة: ألا تجد شعوب أفريقيا، إن لم تكن نظمُها وحكامُها، حلولًا لمشاكلها في إطار إسلامي أشمل؟ أم لا تقدر على ذلك؟ وهل يقتصر الأمر على مجرد انتظار معونات الإغاثة ومِنَح التعليم؟

(ح) أخيرًا، وفيما بعد هذه الأسئلة الكلية الشاملة -التي يتمثل خيطها الناظم في العلاقة بين الأحقاب المختلفة للتاريخ الأفريقي- تبقى مجموعات أخرى من الأسئلة الجزئية عن الدلالات الاستراتيجية الحضارية لكل حقبة بذاتها (كما سنرى في موضعه من أجزاء الدراسة التالية). وانطلاقًا من طبيعة تخصصي في العلاقات الدولية، وليس دراسات المناطق، (فتلك الأخيرة تحتاج قراءة في تواريخ نوعية: أنثروبولوجية، دينية، جغرافية، تعتمد على مصادر أولية مكتوبة ومسموعة؛ لتشخيص وتحليل وتفسير أوضاع جزئية محددة؛ وإن كان هناك فارق بين الشمال الأفريقي والغرب الأفريقي والشرق الأفريقي والجنوب الأفريقي، قد ظلت تربط بينهم قواسم مشتركة أفريقية جامعة)، فإن اقترابي من أفريقيا اليوم وذاكرتها التاريخية إنما هو اقتراب نُظُمي كُلي يبحث عن دلالات السياقات التاريخية المختلفة: مكانًا وزمانًا، سواء في الشأن الأفريقي أو تطورات وضعه في النظم الدولية التاريخية المتتابعة.

(1)

ملامح كبرى من تاريخ أفريقيا ما قبل الاستعمار

دلالات القرون العشرة الأولى من عمر الحضارة الإسلامية: من الإمبراطوريات والممالك التقليدية إلى ما بعد دخول وانتشار الإسلام

ما هي خريطة القوى الأفريقية الكبرى التقليدية؟ وما خصائصها وما مصادر قوتها أو ضعفها، ما درجة توجهها نحو خارج القارة أو ما موقفها من القادمين إليها؟

ابتداء لا أقصد جنوب الصحراء فقط، كما تجري الكتابات عن أفريقيا، وكأن شمال أفريقيا ليس من أفريقيا. بل أظل أتساءل تعجبًا: لماذا يتجذر هذا التمييز الواعي أو غير الواعي بين الشمال الأفريقي وبين جنوب الصحراء؟ هل هو يسبق الإرث الاستعماري الأوروبي الحديث؟ ولكن على كل فإنني أتكلم عن أفريقيا كلها، لعلنا –أثناء ممارسة هذا النظر- نفهم لماذا واقع ووقْع هذا التمييز؟

أجتهد للإجابة عن السؤال السابق بالقول المجمل التالي:

علميًّا، احتل التاريخ المصري القديم –الفرعوني- اهتمامًا عالميًّا، خاصة منذ كشوف الحملة الفرنسية بداية القرن التاسع عشر. ولكن تاريخيا كانت مصر الفرعونية –ولآلاف السنين- رأس حربة أفريقية خارجية نحو المتوسط شمالاً وشرقًا، ونحو الشام وأيضًا نحو بقية أفريقيا جنوب الصحراء. ولقد سمعت حديثًا -في زيارتي لجنوب أفريقيا- عن اكتشاف مراكب فرعونية أثرية هناك، وقرأتُ مؤخرًا عن ذلك أيضًا في أكثر من موقع إلكتروني[12].

وحين توالى الإغريق الهيلينيون ثم الرومان على مصر وعلى شمالي أفريقيا، استحكمَ التواصلُ الأوروبـيُّ بين ذلك الجزء من أفريقيا الأقرب إلى البحر المتوسط ودول جنوب أوروبا. فهل امتد الغزاة الأوروبيون والمستكشفون القدماء إلى قلب أفريقيا في هذه الحقبة؛ سواءٌ قبل المسيحية أو بعدها؟ لقد وصلت المسيحية إلى إثيوبيا/الحبشة –كما نعرف عن تاريخ كنيستها- قبل الغزوة الأوروبية الحديثة من الجنوب (الملك النجاشي ونصرة أول وفد من المهاجرين المسلمين خارج مكة). وفي المقابل لم يبدأ شرق وغرب أفريقيا في الاحتكاك الخارجي ذي التأثير الأهم على القارة إلا منذ بداية انتشار الإسلام بعد فتح شمال أفريقيا.

في مقابل هذه الحركية الحضارية في شمال أفريقيا وتفاعلاتها الخارجية شرقًا (العرب) وشمالًا (أوروبا)، لم تكن أفريقيا جنوب الصحراء خارج التاريخ، إنما كانت في قلبه ولكن بطريقتها الخاصة ووفق طبيعتها المتميزة؛ فللتاريخ الأفريقي -دون الخوض في تفاصيل تتعلق بأسماء وأماكن لدول أو إمبراطوريات أو قبائل أو أديان أو تكوينات بشرية حضارية وثقافية- خصائص عامة مميزة؛ سواء ما قبل الإسلام أو أثناء الاستعمار أو بعدهما. وفي عرض لكتاب جامع في شأن التاريخ الأفريقي لمؤلفة فرنسية[13]، نلحظ كيف ترفض الباحثة ذلك الفصل التعسفي بين التاريخ ما قبل الاستعماري والتاريخ الاستعماري والتاريخ ما بعد الاستعماري لأفريقيا؛ حيث إن العلاقات التي أقامتها القارة مع العالم قديمة وعميقة وثرية، تسبق الاستعمار على خلاف ما روج هذا الاستعمار نفسه. فلقد كان لأفريقيا بسبب مواردها البشرية وثرواتها وحنكة تجارها دورٌ بارزٌ في الاقتصاد والتجارة العالمية. فلقد استطاعت الإمبراطوريات الأفريقية المتعاقبة في غرب أفريقيا –على سبيل المثال- أن تؤسس قوتها وازدهارها على عوائد التجارة الدولية (الذهب مقابل الملح). ولقد تأثرت هذه الأدوار منذ ما قبل الاستعمار، بالتغيرات المناخية والخريطة المتحركة لتوزع الأمطار ومصادر المياه وعدم توافر تقنيات الزراعة غالبًا (على عكس مصر) رغم توافر الأنهار. إنه كما أشار ابن خلدون في مقدمة مقدمته: كان للجغرافيا البشرية والطبيعية لأفريقيا تأثير على تاريخها الاجتماعي والسياسي وحالة الهجرات المستمرة، حتى في ظل إمبراطوريات كانت ذات طبيعة تجارية وليست توسعية خارج أفريقيا! بعبارة أخرى، كما تقول المؤلفة الفرنسية، فإن تاريخ أفريقيا هو تاريخ معركة مستمرة لشعوبها مع الطبيعة! ولقد كانت مصادر قوة أفريقيا البشرية ومن المواد الأولية ظواهر أسهمت في صناعة أهم سمة ذاعت عن تاريخ أفريقيا؛ ألا وهي تجارة الرقيق والاستعمار الأوروبي. وبالرغم من أنه لم يرد لدى الكاتبة إشارة إلى تأثير دخول الإسلام، إلا أنها تصدت لدحض الصور النمطية الغربية الذائعة عن شعوب القارة؛ تلك الصور ذات الطابع العنصري والمغلَّفة بالازدراء والدونية للزنوجة وللقارة بأكملها.

لقد امتدت الممالك والسلطنات الأفريقية عبر “السودان الكبير” (غرب أفريقيا، ووسطها وصولًا للسودان) وعبر حوض النيل الأوسط (النوبة)، وشرق أفريقيا؛ وهي تكوينات حضارية إسلامية تشكلت مع تأثيرات دخول وانتشار الإسلام في أفريقيا منذ القرن الثاني الهجري؛ ابتداء من غرب وشرق أفريقيا. وكانت هذه التكوينات تمتد لتضم مساحات أوسع كان يمكن في تقديري أن تتطور في شكل دول مستقرة لولا ظاهرة الاستعمار الماركنتيلي أولًا؛ حيث كان لتجارة الرقيق الممتدة آثار مزلزلة للكيانات الاجتماعية والسياسية الأفريقية، ناهيك عن التنافس الاستعماري العسكري بعد ذلك الذي قطَّع ومزَّق أواصر هذه الكيانات[14].

فبقدر ما كان لدخول الإسلام وانتشاره في القارة آثاره التجميعية، بقدر ما كان لتجارة العبيد والاحتلال العسكري آثار معاكسة على مكونات التاريخ الأفريقي العريق، وعلى وحدة أراضي أفريقيا وتماسك شعوبها ومصير ثرواتها ومصير سلامها ونموها واستقرارها لقرون ممتدة. فمما لا شك فيه أن الهجرات العربية الإسلامية، شرق وغرب وشمال القارة، مدعومة بالدعوة والتجارة وحركة الطرق الصوفية، لم تكن غزوات مسلحة للهيمنة والسيطرة والاستغلال للثروات ونهبها، ولكن كانت ذات أهداف أخرى؛ مما جعل لها تأثيرات ثقافية اجتماعية سياسية ممتدة؛ تمثلت في نقل الثقافة العربية الإسلامية نقلا دعويًّا لا قسريًّا، ونشر العلم والحضارة الإسلامية نشرًا تفاعليا لا جبريًّا. والأهم أيضًا تقديم هذه الفتوح المثل الحضاري على التفاعل والتكيف التدريجي المعتدل مع السكان، دون اقتلاع جذورهم أو اجتثات نظمهم عنوة وقهرًا؛ ومن ثم دخل السكان الأفارقة في الإسلام طواعية وتدريجيا عبر قرون[15].

لقد ساعدت عوامل عدة على انتشار الإسلام في أفريقيا، وخاصة في منطقة جنوب الصحراء التي لم تُفتح عسكريًّا بالأساس على خلاف شمال أفريقيا والأندلس، وتم ذلك عبر عدة مراحل وعبر عدة منافذ، كما لم يكن الانتشار دائمًا –عبر بعض المراحل وعبر بعض الممالك- سهلًا ميسَّرًا؛ وهو الأمر الذي أثر ليس على مدى انتشار الإسلام فقط، ولكن أيضًا على العلاقات الإسلامية-الأوروبية شرق القارة وغربها وجنوبها من ناحية، وكذلك أثر على المقاومة الأفريقية لموجات الاستعمار الأوروبي المتعاقبة.

تقول د.حورية مجاهد في هذا[16]: “مسالك انتشار الإسلام في أفريقيا”:

والإسلام في انتشاره بالقارة الأفريقية مر بعدة مراحل وضح في أولها الدور الكبير للهجرات العربية والفتوحات الإسلامية والتوسع فيها، ولكن في المراحل التالية انتقلت الدعوة وانتشار الإسلام إلى أيدي الشعوب الأفريقية الأخرى كالبربر والزنوج خاصة السودانيين في منطقة الساحل (ساحل الصحراء). وقد مثلت مصر المدخل الشرقي للقارة الذي جاء عبره الإسلام للقارة خاصة غربها، كما سبق أن جاءت المسيحية من قبل في القرن الأول الميلادي: فقد دخل الإسلام مصر (العريش) في سنة 637م. حيث جاء عن طريق سيناء وبرزخ السويس، ومنه تدفقت الجماعات الإسلامية وتسربت القبائل العربية وعلى رأسها بني هلال إلى شمال أفريقيا، ومنها توجه للقارة وسلك عدة مسالك أو طرق:

  • طريق شمال أفريقيا: مصر وبرقة وطرابلس وتونس والجزائر والمغرب وبلاد السوس (السوسي) الأقصى إلى مصب السنغال. (وقد مثل هذا انتقال هجرات عربية إسلامية إلى شمال أفريقيا)، ويتبع هذا الطريقَ طريقٌ بحري بعد نمو البحرية الإسلامية: من ثغور الشام ومصر إلى ثغور المغرب الأقصى (مراكش).
  • طريق بمحاذاة المحيط حتى حوض النيجر وغربي أفريقيا: وهو يعتبر امتدادًا للمسلك الأول ويمتد إلى مصب نهر السنغال ويتجه نحو السودان الغربي. (ويمثل انتقال البربر الذين حملوا الإسلام إلى تلك المناطق ويبدو فيها بوضوح جهود المرابطين والموحدين).
  • طريق القوافل: وهي أصلًا طرق تجارة كانت موجودة قبل الإسلام بمئات السنين وعمَّرها القرطاجينيون، والفينيقيون، والرومان، وهي متعددة وتمتد من شمال أفريقيا متجهة نحو الجنوب إلى غرب أفريقيا، وذلك عبر الصحراء الكبرى مع المرور بالواحات الموجودة. وطرق القوافل هذه كمسالك لانتشار الإسلام –عن طريق التجارة- ملأت فراغ الدائرة التي طوقت بمسلكي الإسلام المذكورين آنفًا. وذلك عن طريق الربط الرأسي بين شمال القارة ووسطها وغربها بأهم طرق القوافل هذه.
  • طريق صحراوي: يبدأ من أسيوط مارا بواحات مصر الغربية ثم بجنوب بلاد المغرب حتى يصل إلى أواسط أفريقيا قرب غربها (في اتجاه غربها) ويلتقي عند نهاية ما انتهى إليه المسلك الثاني: مكونين ما يمثل إطارًا أو دائرة تحيط بالسودان الغربي وتضم منطقة غرب أفريقيا ولكنه لا يصل إلى سواحلها في ساحل غينيا في المنطقة الاستوائية.
  • طريق وادي النيل عبر الصحراء الشرقية إلى بلاد النوبة ودنقلة شمال السودان: طريق عبر الصحراء الشرقية ووادي النيل إلى بلاد النوبة وشمال السودان. وقد حاول العرب المسلمون في عهد الخليفة عمر بن الخطاب فتح بلاد النوبة، ومعروفة محاولات القائد العربي عقبة بن نافع. هذا وقد كانت مصر هي نقطة الانطلاق في كافة المسالك المذكورة، وبالإضافة إلى ذلك كان هناك مسلك هام وأساسي في انتشار الإسلام في شرق أفريقيا تمثل في المسلك التالي عبر البحر الأحمر.
  • طريق بحري على مياه البحر الأحمر من جنوب الجزيرة العربية وخليج عدن والمحيط الهندي: ومن هذا الطريق وصل الوعي الإسلامي عن طريق سكان جنوبي شبه الجزيرة العربية (اليمن، حضرموت، البحرين، الأحساء) إلى سواحل شرق أفريقيا: أريتريا، الصومال، زنزبار حتى جنوبي خط الاستواء. وهو طريق معروف منذ قديم العصور قبل ظهور الإسلام حيث تاجرَ العربُ في سواحل شرق أفريقيا تقليديًا. وعبر هذا الطريق البحري امتد الإسلام إلى أن وصل إلى مدغشقر وإلى مستعمرة الرأس في جنوب أفريقيا.
  • وأخيرًا طريق بحري من الملايو والهند إلى جنوب أفريقيا: وأخذ شكل موجات من المسلمين من سياسيين منفيين وتجار وعمال إلى جنوب أفريقيا. استوطن بعضهم بها، ومثلوا أقلية متماسكة عملت على نشر الإسلام في أقصى جنوب القارة”.

أما عن مراحل انتشار الإسلام[17]، فعلى نحو قد يبدو غير متوقع للبعض، تقول د.حورية:

“يلاحظ أنه على الرغم من أن الفتوح العربية أسهمت كثيرًا في انتشار الدين الإسلامي، حيث دخل الإسلام مع الجيوش العربية إلى البلاد التي تم فتحها، إلا أن الإسلام أساسًا انتشر سلميًا وليس بحد السيف. ويفخر الأفريقيون بأن أول هجرة للمسلمين –تدعيمًا للإسلام- كانت لأفريقيا بالذات في العام الخامس من بعث الرسول، تلك الهجرة التي سبقت الهجرة النبوية للمدينة وتأسيس الدولة الإسلامية بها. وكان ممن هاجر إليها عثمان بن عفان وزوجه رقية بنت الرسول وجعفر بن أبي طالب والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف، وممن أصبحن من أمهات المؤمنين أم سلمة وأم حبيبة، وقد أكرم النجاشي وفادتهم.

ولكن يبدو أن تأثير هاتين الهجرتين كان محدودًا ومحليًا حيث لم ينتشر الإسلام بحق في أفريقيا عامة إلا عندما دخل القارة من بابها الشمالي الشرقي إلى مصر بصحبة الجيش العربي بقيادة عمرو بن العاص (20هـ/ 640م). ومن الملاحظ بالنسبة لانتشار الإسلام في غرب أفريقيا، أنه وإن بدأ في أول الأمر على يد العرب النازحين من الجزيرة العربية –مثل بني هلال- إلا أن راية الإسلام حملها منهم في المرحلة التالية الأفريقيون أنفسُهم في المناطق التي احتكوا فيها بهم وقاموا بالدعوة للإسلام ونشره جنوبًا، والأمر ينطبق أيضًا على شرق أفريقيا.

وقد لعب التجار دورًا جوهريًا في هذا المجال كما قامت حركات دينية، وحتى حروب دينية، باسم الإسلام بزعامة أفريقيين مسلمين أصبحوا من أهم دعاته، وأقاموا دولا إسلامية على غرار الدولة الإسلامية الأولى[18].

والمرحلتان الأولى والثانية من الانتشار أسمتهما د.حورية مجاهد معًا بمرحلة كسب شمال أفريقيا بعد فتح مصر، والمرحلة الثانية: انتشار الإسلام في حزام السودان وشرق أفريقيا وتمتد من القرن الحادي عشر ميلاديًا إلى القرن السابع عشر ميلاديًا؛ حيث قامت الممالك والإمبراطوريات الأفريقية التي حملت تدريجيًّا لواء الإسلام، ولكنها أخذت تواجه تحديات الامتداد البرتغالي منذ القرن السادس عشر الميلادي على نحو أثــَّر على اتساع المد الإسلامي وازدهار ممالكه[19].

وإلى جانب الأبعاد الدعوية التجارية والإنسانية أساسًا لنشر الإسلام في جنوب الصحراء، كان لأفريقيا شمالها وجنوبها وضعها في التاريخ السياسي للخلافات الإسلامية المتعاقبة؛ سواء في عصور القوة والفتح والجهاد أو في عصور الضعف والانكماش والدفاع ضد الاستعمار. ولقد كان لشمال أفريقيا تاريخها الحي الثري منذ بداية الفتوح الإسلامية في مصر أولًا في العام العشرين هجريًا في عهد عمر بن الخطاب، ثم امتدت منذ عهد عثمان إلى شمال أفريقيا كله (منذ السابع والعشرين الهجري حتى ست وثمانين هجريا)، ووصلت إلى الأندلس في عهد الخلافة الأموية. ولهذه الفتوح حكايات عدة: مقاومة الروم وطردهم، إسلام القوميات غير العربية (البربر)، والشعوب غير المسلمة (المسيحية)، ونشر اللغة العربية وحضارة الإسلام، لتعيد هذه المنطقة تشكيل ذاتها التي امتد أسرُها في ظل الرومان لقرون.

كان استقرار الإسلام في شمال أفريقيا بداية لانتشار الإسلام إلى جنوب الصحراء؛ تدعيمًا وترسيخًا واستمرارًا لأول اتصال بين الإسلام وأفريقيا جنوب الصحراء مع الهجرة الأولى إلى الحبشة، ولقد مكن استقرار الحكم الإسلامي في شمال أفريقيا في عهد الخلافات الراشدة والأموية والعباسية[20] من تسهيل دور التجار والدعاة والطرق الصوفية عبر الطرق التجارية الموصلة بين المراكز الإسلامية في شمال القارة والطرق على طول ساحل الأطلسي والبلاد الواقعة جنوب الصحراء؛ سواء في “السودان الغربي: السنغال، النيجر، تشاد، أو السودان الأوسط، أو جنوب مصر”. هذا فضلًا بالطبع عن طرق باب المندب والبحر الأحمر التي تمركزت هجراتها في “السودان الشرقي” كما سبق الذكر.

وإذا كانت شمال أفريقيا وجزر المتوسط قد حازت اهتمام الدولة العثمانية، في عصر قوتها ومركزية دورها العالمي؛ ابتداء من السلطان سليم الأول وحتى السلطان سليمان القانوني؛ أي عبر معظم القرن الـسادس عشر الميلادي (1517- 1561م)، فكان ذلك لدوافع عدة في وقت انهارت فيه قدرات المماليك، وبعد سقوط آخر معاقل الاندلس، وبعد بداية الهجمة الأسبانية على شمال أفريقيا، والبرتغالية على غرب أفريقيا، ثم التفاف البرتغال حول شواطئ غربها وصولًا لجنوبها فيما سمى الكشوف الجغرافية وكان هذا بداية العصر الأول الاستعماري الأوروبي الحديث أي الماركنتيلي[21]، (كما سنرى).

وهنا بدأت حقبة أخرى لأفريقيا جنوب الصحراء قبل أن تمتد أصابع الأوروبيين إلى قلب العالم الإسلامي الذي كان يتمتع بحماية عثمانية حتى حين. بعبارة أخرى: يمكن القول إن سواحل أفريقيا شرقها وغربها وجنوبها كانت رأس الحربة الأولى للهجوم على قلب العالم الإسلامي في أفريقيا وآسيا، بعد أن فشلت الهجمة الأولى المباشرة (الحملات الصيلبية).

إذًا، وانطلاقًا من مفهوم وحدة أحقاب التاريخ الأفريقي الثلاث، فما كان تأثير التواريخ التقليدية وما بعد انتشار الإسلام على هذه الهجمة الجديدة، متعددة المراحل؟

(2)

من الهجمة الاستعمارية الأوروبية الحديثة حتى نهاية القرن التاسع عشر

مع الهجمة الاستعمارية الأوروبية الحديثة على العالم القديم منذ نهاية القرن الخامس عشر الميلادي، بدأ لأفريقيا جنوب الصحراء حكاية أخرى؛ هي وجه العملة الأسود الذي يقابل الوجه المضيء لشمال أفريقيا في إطار الحماية العثمانية لها. إنها قصة الوقوع في قبضة الأسبان والبرتغاليين ثم القوى الاستعمارية التالية حتى القرن التاسع عشر الميلادي.

وإذا كان الأوروبيون قد أطلقوا على أفريقيا القارة السوداء أو المظلمة، على أساس أن هناك جهلاً بتاريخها حتى القرن السابع الميلادي، حين بدأ تدوينه، وإذا كانت تواريخ أوروبية عدة عن أفريقيا قد شخصت صعوبات تدوين هذا التاريخ كتابة، والمراحل التي مر بها التقدم على هذا الصعيد[22]، فإن ذلك هو الجانب الأوروبي من الرواية؛ لأن للرواية جانبًا آخر على صعيد سرديات عربية إسلامية، فلم يكن قلب أفريقيا عصيًّا على الرحالة من العرب والمسلمين أو الفقهاء والعلماء والتجار كما سبق القول. وقد تم تدوين بعض هذه التواريخ في أعمال معروفة عن تاريخ هذه المنطقة حتى القرن السادس عشر الميلادي (العاشر هجريًا)[23].

في المقابل، تورد عدة مصادر صحفية أو أكاديمية أسماء رحالة وعلماء أوروبيين خاضوا عملية اكتشاف قلب أفريقيا السوداء، بعد أن تمركز البرتغاليون في مواضع استراتيجية على الساحل الغربي للقارة، وكانت مراكز لتجارة الرقيق؛ تلك التجارة التي لا يخفي الآن على أحد تفاصيل جرائمها البشعة وآثارها المدمرة للحياة الاجتماعية والاقتصادية في أفريقيا في عصر الاستعمار بكافة مراحله[24].

وكما مرت الفتوحات العربية الإسلامية وكذلك انتشار الإسلام في أفريقيا بمراحل، وكان لهم دوافعها ومسالكها وتحدياتها، فلقد مرت الهجمة الأوروبية الحديثة منذ نهاية القرن الخامس عشر، وحتى الحرب العالمية الأولى بعدة مراحل وكان لها أيضًا دوافعها ومسالكها وتحدياتها.

وبالطبع، ليس الغرض من الدراسة في هذا الموضع التأريخ لهذه العملية الممتدة المركبة، ولكن الغرض الأساسي هو استدعاء بعض الدلالات المهمة ذات الأبعاد الحضارية الاستراتيجية التي يمكن استخلاصها من السياقات التاريخية لتطور هذه العملية. ولقد كانت عملية ذات مرحلتين لكل منهما دلالاتها الممتدة:

المرحلة الأولى- هي المرحلة الماركنتيلية من الاستعمار التي قادتها البرتغال وأسبانيا وهولندا والتي اقترنت بتطور القوى البحرية لهذه الدول، وخاصة بعد إتمام سقوط الأندلس وبداية خروجهم من القارة عبر المياه؛ وهو ما سُمي بالكشوف الجغرافية للمياه من غرب وجنوب أفريقيا نحو شرقها وما وراءها من بحار جنوبية أخرى قادتهم أيضًا إلى آسيا. وكانت هذه المرحلة ذات طبيعة تجارية في الظاهر تلتحف بالصليب وبالقوة العسكرية، واستطاعت تأسيس مراكز تجارية ساحلية كان عماد نشاطها تجارة الرقيق وسرقة الذهب وجلب الحرير والتوابل من الشرق. وبالطبع لم تكن هذه البحار والمحيطات مجهولة لأهلها من الأفارقة والعرب، ولكنها دائمًا الرواية الأوروبية المتمركزة حول الذات الأوروبية؛ فلا تاريخ يبدأ لظاهرة إلا انطلاقًا من أفعال أوروبية. ولم تكن دوافع التجارة هي الدوافع الوحيدة المحركة، إلا أن دوافع أخرى تبلورت واتضحت بعد ذلك؛ ألا وهي الالتفاف حول قلب العالم الإسلامي من الجنوب؛ استهدافًا لمناطق نفوذ الدولة العثمانية التي تعذرت منافستها في حوض المتوسط وشمال أفريقيا. ومن هنا كان الاستهداف الشهير للبحر الأحمر وللأماكن المقدَّسة الذي قاده البرتغاليون بالتحالف مع الحبشة في وقت تداعت فيه قدرات الدولة المملوكية وحالت دون الدفاع بفعالية عن مياهها في البحر الأحمر. وكما تقول د.حورية مجاهد[25]، فإن من العوامل التي وقفت في طريق انتشار الإسلام إلى ما وراء المنطقة الساحلية الشرقية هو وجود الحبشة (الجزيرة المسيحية في بحر من المسلمين)، وكان وقوف الحبشة المسيحية في وجه تغلغل الإسلام من العوامل التي دفعت البرتغاليين للدوران حول أفريقيا في محاولة للتحالف معها.

ومن ناحية أخرى، فلقد كان المدُّ البرتغالي بعد الكشوف الجغرافية، من العوامل التي أثرت على المدّ الإسلامي في شرق أفريقيا وعلى ازدهار ممالكها (كما سبق القول)، إلا أن المقاومة العربية الإسلامية ضد هذا التمركز البرتغالي استطاعت تصفيته؛ لتبدأ مرحلة جديدة من الاستعمار الأوروبي في بداية قرن التاسع عشر[26].

وإذا كان القسيس يرافق التاجر والعسكري في الحملات البحرية؛ حيث امتزجت العوامل الاستراتيجية الثلاثة -الاقتصادية مع العسكرية مع الدينية- إلا أن هدف التنصير، الذي تطور وامتد بعد ذلك في ظل الاستعمار التقليدي، لم يكن حاضرًا في هذه المرحلة؛ حيث لم يكن الهدف تنصير العبيد المسلمين أو الوثنيين هو الهدف الأساسي، بل تمت مذابح هائلة “باسم الإيمان المسيحي” ضد الوثنية في إطار سياسات من الإبادة والتطهير كانت ساحة أمريكا الجنوبية الأكثر معرفة بها (وماذا أيضًا من دلالات حضارية استراتيجية لهذه المرحلة)؟[27]

المرحلة الثانية من الهجمة الاستعمارية الحديثة -والتي بدأت منذ نهاية القرن الثامن عشر ودشنتها الحملة الفرنسية على مصر والشام- هي المرحلة التي استهدفت الاحتلال العسكري المباشر؛ سواء في أفريقيا أو آسيا[28]. ومن أهم الدلالات ذات الأبعاد الحضارية الاستراتيجية والتي يمكن استخلاصها من تفاصيل التأريخ لسياقات هذه المرحلة، ما يلي[29]:

  • أنها تمت تحت دوافع متعددة على رأسها دوافع اقتصادية حركتها وحفزتها الثورات الصناعية الأولى والثانية، والتي أثرت على التوازنات الأوروبية–الأوروبية، وعلى مدى خروج القوى الأوروبية الكبرى نحو الخارج: بريطانيا، وفرنسا أولًا ثم ألمانيا وإيطاليا بعد وحدتهما وكذلك بلجيكا.
  • أنها تمت في إطار تنافس حاد بين القوى الاستعمارية الكبرى، ليس على المستعمرات في أفريقيا فقط، ولكن على الهيمنة على أوروبا ذاتها؛ ومن ثم ارتبطت عملية التنافس الاستعماري خارج أوروبا بالتحالفات والتحالفات المضادة بين القوى الأوروبية الكبرى على صعيد القارة وخارجها.
  • وكانت تحالفات غير مستقرة متغيرة بتغير المصالح (روسيا بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا، الدولة العثمانية بين روسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا).
  • ولهذا كانت المقاصات الاستعمارية في أفريقيا من أشهر هذه المقاصات خلال القرنين التاسع عشر والعشرين؛ وهي المقاصات التي دارت حول اقتسام مستعمرات شمال أفريقيا والسودان بين بريطانيا وفرنسا، وأشهرها: الاتفاق الودي عام 1904، وكذلك المقاصات التي دارت حول اقتسام مستعمرات أفريقيا جنوب الصحراء، وكان من أشهرها التي جرت في مؤتمر برلين 1884 الذي رسم حدود مستعمرات كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا.
  • واتسمت مقاصات الجنوب الأفريقي بتجزيئ الكيان الإقليمي الواحد (الممالك والسلطنات القائمة)، أو القبيلة الممتدة الواحدة، وبث العداوات بين القبائل وبين الأعراق (العرب والزنوج، العرب والبربر، والعرب والنوبة، وعلى عكس ما كان قائمًا في الفضاء الحضاري الأفريقي الإسلامي)؛ وهو الأمر الذي امتد حتى ما بعد الاستقلال، ومثل جذور كثير من الأزمات المعاصرة[30].
  • إذا كان المستعمر الأوروبي الماركنتيلي قد سرق واستعبد أهل أفريقيا ليبيعهم رقيقًا فإن المستعمر العسكري اقترب من الأرض بعقلية مزدوجة[31]: إنها -من ناحية أولى- أرضٌ فارغة من البشر، فهُمْ همَجٌ غير متمدينين، لا قيمة لهم إلا في سوق أدوات العمل وما تحوزه أراضيهم من ثروات. ومن ناحية أخرى: الصورة النمطية المشوهة والعنصرية عن أهل الأرض الجهلة بدون جذور حضارية….إلخ من الذرائع للاحتلال باسم “مهمة الرجل الأبيض في التنوير”. تلك الأيديولوجية التي أرادوا أن يجمّلوا بها دوافع الاستعمار الاقتصادية وأساليبه الدموية العنصرية، مثلما تُستخدم -منذ عقود- أيديولوجية نشر حقوق الإنسان والديمقراطية كرداء تجميلي لما يسمونه الآن “الحرب على الإرهاب” التي هي في الواقع القناع الراهن لأحدث أنماط الاحتلال العسكري.
  • لم تكن دوافع وأدوات الاستعمار الأوروبي لأفريقيا اقتصادية أو دينية فقط، ولكن أيضًا ثقافية؛ حيث سعت للهيمنة التعليمية والثقافية؛ وذلك مثل قيام فرنسا بانتقاء أقلية صغيرة من الأفارقة يمكن إخضاعها بالكامل لعملية الاستيعاب الثقافي واللغوي (أحد أعمدة نظام الاستعمار الفرنسي)؛ كي تصبح مؤهلة لمساعدة فرنسا في إدارة مستعمراتها في أفريقيا[32]. فإن التركيز على النخب الموالية الساعية للحاق بقطار الغالب -والتي ترى التغريب واستراتيجيته حلاًّ للمشاكل الوطنية- كانت سياسة استعمارية مشتركة لإدارة المستعمرات واستعدادًا -في الوقت نفسه- لما بعد الرحيل. فالخطورة لم تكن فقط في نزح الثروات، ومن قبلها العبيد، ولكن في تصفية القيادات الوطنية الحضارية واستبدال صنائع تغريبية بها، وفي هذا لم يختلف شمال أفريقيا عن جنوبها، غير أن البعض قد رأى في اللغة الفرنسية أو الإنجليزية وسيلة للتماسك بين القبائل مختلفة اللغات أو اللهجات عبر القارة.
  • اختلفت أنماط الإدارة الاستعمارية للمستعمرات الأفريقية، ما بين نمط الاستعمار الفرنسي الاستيطاني المباشر ونمط الاستعمار البريطاني غير المباشر، ونمط الاستعمار البلجيكي أو الإيطالي أو البرتغالي والألماني[33]؛ حيث تعرضت البنى والنظم التقليدية ذات الخصائص المشتركة للهدم وإعادة التشكيل على نحو زلزل وخلخل القواسم المشتركة من ناحية، ولم تقم -من ناحية أخرى- أبنية جديدة غربية (الدول الحديثة) قادرة على حل تشكلات ما قبل وما بعد الاستعمار[34].

ويقول د. حمدي عبد الرحمن عن الأمر الأول وعلاقته بالتاني: “شهدت القارة نظمًا سياسية واقتصادية واجتماعية مختلفة قبل الاستعمار، وتعد هذه النظم التقليدية جزءًا أصيلًا من الذات الحضارية الأفريقية، والتي تسهم بشكل بارز في تفسير حقيقة الأوضاع الأفريقية الراهنة”[35]؛ “وهذه النظم قديمة، مصادر تأريخها متعددة؛ إما مروية أو آثار أو كتابات رحّالة عرب قبل الأوروبيين، وتتعدد أنماط وطبيعة هذه النظم من حيث مركزية السلطة والعلاقة بين القبلية والسلطة”[36]. “من أهم سماتها العامة أنها عرفت نظم “اللا دولة” التي رأى فيها البعض تدعيمًا للتقاليد الديموقراطية، إلا أن المستعمر وجد فيها مصدر صعوبة للحكم؛ مما اضطره إلى إنشاء مراكز مصطنعة للسلطة، إلا أن القادة الذين احتلوا هذه المراكز افتقدوا الشرعية والرضاء الشعبي لاعتبارهم مستبدين يعملون لحساب الأجنبي”[37].

ومن أهم سمات نظام الدولة في التاريخ الأفريقي[38] أن هناك ضوابط ممارسة السلطة (دينية، مؤسسية، إسداء النصيحة وتوجيه اللوم للرئيس)[39].ويوجز د.حمدي ذلك: “وعليه يمكن القول إن النظم السياسية التي شهدتها القارة الأفريقية قبل مجيء الاستعمار، على الرغم من تباينها وتمايزها بشكل واضح، فإنها أقرت بقبول مجموعة من الإجراءات والمعايير التي تحظى بالاحترام العام، والتي شكلت ضمانًا قويًا لعدم إساءة استخدام السلطة، على أن ذلك لا يعني أن أفريقيا لم تشهد وجود نظم مستبدة أو حكام مستبدين، فقد ظهر هؤلاء واختفوا خلال تلك المرحلة السابقة على الاستعمار الأوروبي، وكانت القضية التي نؤكد عليها في هذا السياق أن الاستبداد وإساءة استخدام السلطة كان شيئًا مذمومَا في الثقافة السياسية التقليدية؛ ومن ثم وُضعت مجموعة من الضوابط والقيود على ممارسة السلطة في تلك المجموعات[40].

ويخلص د.حمدي من واقع هذا العرض إلى “وجود حالة انقطاع تاريخي بين ذلك الموروث الحضاري لأفريقيا، والأزمة الهيكلية التي تعاني منها الدول الأفريقية بعد الاستقلال؛ ومن ثم فإن التساؤل المطروح -عند الحديث عن النظام الأمثل لأفريقيا- ينبغي أن يأخذ هذا النسق الحضاري الأفريقي بعين الاعتبار. إننا لا ندعو إلى إحداث ردة نحو تبني أنماط سياسية انقضى عهدها، وإنما نؤكد على أهمية الاستفادة من تلك الخبرة التاريخية الأفريقية عند رسم ملامح المستقبل للخروج من أزمة الحاضر[41].

ولا تتضح حقيقة هذه الخلاصة إلا على ضوء ما سبق ذكره عن خصائص النظم الاستعمارية وقدر ما أحدثته من انقطاع بين ما سبقها وبين ما لحقها منذ الاستقلال. فيقول د.حمدي عن أهم ما خلفه الاستعمار وهو “الدولة الحديثة” وفشلها: “لقد أفضت عملية التدافع الأوروبي على احتلال أفريقيا إلى خلق ظاهرة الدولة الحديثة؛ إذ سعت الدول الأوروبية إلى وضع أسس السلطة الاستعمارية، فأنشأت الهياكل الإدارية والبنى الأساسية اللازمة لتحقيق هذا الغرض؛ وبالتالي فإن الدولة الأفريقية المعاصرة في معظم الحالات هي نتاج استعماري؛ أي إن أساسَها مصطـنعٌ، ولا تعبر عن واقع اجتماعي واقتصادي وسياسي وفقًا لمفهوم الدولة القومية. فالإقليم -وهو وعاء الدولة- ليس إلا نتاج تحديد تعسفيٍّ من السلطة الاستعمارية في إطار منظومة توازن القوى التي حكمت عملية تخاطف أفريقيا، ومجتمع الدولة يموج بالعديد من الجماعات المتمايزة في ثقافاتها ولغاتها وأديانها؛ ومن ثم انتفت إرادة التعايش الجماعي في سياق هذه الدولة المصطنعة؛ ولذلك فإن ظاهرة الدولة الأفريقية التي أنشاها الاستعمار هي تعبير قانوني أكثر من كونها حقيقة واقعية واجتماعية[42].

(3)

دلالات المقاومة الحضارية الأفريقية

إلى جانب دلالات مرحلتي الاستعمار لابد أن نفرد مكانة لدلالات المقاومة الحضارية الأفريقية: فلم تكن أفريقيا -شمالها وجنوبها- أرضًا فارغة أو ذات شعوب جامدة تقهرها الطبيعة والتقاليد البائدة؛ شعوب بدون تاريخ وبدون ذاكرة تاريخية عن الذاتية والمساهمة في الحضارة الإنسانية، شعوب متوحشة تأكل جميعها البشر أو تقتل بعضها بعضًا في الصراعات على الكلأ والماء وعبر الهجرات غير المستقرة. قد تكون هناك أجزاء من الحقيقة في بعض هذه المقولات، ولكنها لم تكن من طبائع الأمور أو من الجينات البشرية أو نتاج الثقافة والأديان فقط، ولكن كانت أيضًا مردودًا للسياقات الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة، ومن جراء عواقب تجارة الرقيق الاستنزافية، ونتيجة الانعزال عن الجديد في العلم والصناعة والأهم في التقنيات الزراعية؛ ذلك الانعزال الذي فرضه حصار المستعمر الماركنتيلي أولاً، ثم الاحتلال العسكري ثانيا، فإن حكاية المقاومة الحضارية الأفريقية للاستعمار -عند قدومه وخلال وجوده وحتى الاستقلال- تقدم لنا صورة معاكسة عن الصور النمطية الاستعمارية عن أفريقيا.

  • ولابد أن تكون البداية مع السؤال التالي: ألم يقاوم الأفارقة الفتح العربي الإسلامي ونشر الإسلام: غزوًا (ابتداء من مصر وشمال أفريقيا) أو سلمًا (تجارة وطرقًا صوفية)؟ وهل اقتصرت مقاومتهم على الاستعمار الأوروبي بموجتيه التي زخرت الكتب العربية والأجنبية بذكر تفاصيلها خلال القرنين التاسع عشر والعشرين الميلادي؟ سؤال لم يطرح صراحة، ولكن الإجابة عنه يمكن استشفافها من تناول بعض المصادر لفتح مصر وشمال أفريقيا وانتشار الإسلام غرب وشرق وجنوب القارة[43] في المرحلة الأولى من انتشار الإسلام (ما بين القرنين السابع والخامس عشر الميلادي) بصفة خاصة، والتي لم تكن قد شهدت بعد مدًا أوروبيًا يحاول تجاوز شواطئ المتوسط.

وتقول د.حورية عن مصر “إن دخول عمرو بن العاص مصر لم يلق أيه معارضة من الأقباط بل واجه ترحيبًا ومشاركة مع جيوشه؛ للتخلص من الحكم البيزنطي المجحف الذي تعرضوا في ظله لأقصى درجات الاضطهاد الديني الذي كرس ما سبق أن تعرضوا له على يد الرومان الوثنيين… فتاريخ المسيحية في مصر قبل دخول عمرو بن العاص كان تاريخ اضطهاد ديني سواء من الرومان الوثينين أو من أتباع المذهب الطائفي المخالف من بين المسيحيين أنفسهم[44]“…”وقد حرص عمرو بن العاص على التسامح الديني والعمل بالتعاليم الإسلامية ووفقًا لمبادئ الدولة في الإسلام وتأكيدها على العدالة والمساواة بين الجميع، وإعمالًا بوصية الرسول في شأن أقباط مصر… ولم يضع عمرو يده على شيء من ممتلكات الكنائس، ولم يرتكب عملًا من أعمال السلب والنهب. ويظهر أن حالة القبط في الأيام الأولى من حكم  المسلمين كانت معقولة نوعًا ما، وليس هناك شاهد من الشواهد على أن ارتدادهم من دينهم القديم ودخولهم في الإسلام على نطاق واسع كان راجعًا إلى اضطهاد أو ضغط يقوم على عدم التسامح من جانب حكامهم الحديثين، بل لقد تحول كثير من هؤلاء القبط إلى الإسلام قبل أن يتم الفتح، حيث كانت الإسكندرية حاضرة مصر وقتئذ لا تزال تقاوم الفاتحين، وسار كثير من القبط على نهج إخوانهم بعد ذلك بسنين قليلة.. والحق أن كثيرًا من مسيحيي مصر تركوا النصرانية بمثل هذه السهولة وتلك السرعة التي اعتنقوا بها النصرانية في مستهل القرن الرابع الميلادي.. ومن المرجح أن تأثير المسيحية في السواد الأعظم من أهل مصر كان قليلاً في القرن السابع…كما أن سرعة انتشار الإسلام في الأيام الأولى من الفتح العربي قد تكون راجعة إلى عجز ديانة كالديانة المسيحية وعدم صلاحيتها للبقاء أكثر من أن تكون راجعة إلى الجهود الظاهرة التي قام بها الفاتحون لجذب الأهلين إلى الإسلام[45].

تقول د.حورية:فمن الجدير بالذكر أن الفتح الإسلامي لم يفرض الإسلام بل فرض سلطة الدولة وتبع تدريجيًّا انتشار الإسلام نتيجة الاعتبارات الاجتماعية (الهجرة والتزاوج والاختلاط وغيرها) بين العرب الوافدين والمصريين؛ حيث أخذت مصر نحو قرنين من الزمان حتى أصبحت مسلمة في القرن التاسع الميلادي/السادس الهجري. كما عمت حركة التعريب في ذلك القرن وتلاشت اللغة اليونانية أمام اللغة العربية[46]“.

وعن البربر وشمال أفريقيا وغربها، “وقد حمل البربر لواء نشر الإسلام، فمن شمال أفريقيا تم فتح أسبانيا سنة 711م، بقيادة طارق بن زياد وهو من البربر، كما تم نشره جنوبًا، فقد بدأ الإسلام يدخل بين قبائل البربر والعرب الصنهاجة في الصحراء الكبرى، ولكن لم ينتشر إلا بعد أن قام المرابطون بدعواتهم، ولكن لم يحققوا نجاحًا ولم يستجب لدعوتهم، وعليه فقد قاد عبد الله بن يس المرابطين في حرب دينية هاجم بموجبها القبائل المجاورة وعمل على نشر سلطته بها، وبموته سنة 1059م لم تنته الحركة بل استمرت على يد أتباعه حيث استطاعوا نشر الإسلام في غرب أفريقيا وفرض سيطرتهم على أسبانيا[47].

وفي المقابل تقول د.حورية عن السودان والنوبة:وإذا كانت المسيحية قد تقلصت سريعًا في مصر التي أصبحت الغالبية العظمى لسكانها منذ الفتح الإسلامي مسلمين، وإن ظل بها نسبة متماسكة من المسيحيين اندمجت مع المسلمين في نسيج المجتمع المصري، فإن السودان قد استمر الصراع به خاصة في منطقة النوبة”، وإن ظلت النوبة تقاوم فرض المسيحية وظلت على وثنيتها في البداية إلا أنه لم يتم إجبارهم من قبل الخلافات المسلمة على اعتناق الإسلام؛ ولذا تأخر دخولهم حتى القرن الرابع عشر الميلادي[48]“. ولكن ظلت النوبة المسيحية (ممالك الفترة) تدخل في تحالفات مع الصليبيين الساعين إلى السيطرة على مصر بعد الشام؛ رغبة في الامتداد إلى البحر الأحمر وسواحل الحجاز والسودان، ومنه إلى الهند؛ وهو الأمر الذي أدخل النوبة في صراعات ممتدة مع المماليك وقبلهم الأيوبيين حتى ضعفت قواها وتغلب عليها العرب والإسلام[49].

  • ويبدأ الحديث عن مقاومة الاستعمار الأوروبي، مع موجته الماركنتيلية الأولى ابتداء من نهاية القرن الخامس عشر، في نفس الوقت الذي كان ما زال الإسلام على انتشاره الهادئ التدريجي شرق وغرب القارة، ونحو الجنوب حتى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي مع بداية الموجة الثانية من الاستعمار، التي شهدت تنامي ظاهرة الاحتلال العسكري طوال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كما سبقت الإشارة.

ولهذا يمكن التمييز بين موجتين من المقاومة: الأولى ضد البرتغال والثانية ضد الإمبراطوريات الأوروبية الاستعمارية الكبرى بقيادة ممالك وسلطنات أفريقية مسلمة قوية.

فعن الموجة الأولى:  ضد هجمة البرتغاليين -وسبق تحديد أنماطها وأدواتها وأهدافها- فلقد دخلت البرتغال في صراع دموي مع الإمارات والممالك الأفريقية؛ سواء في شمال أو شرق أو غرب القارة. وبقدر ما اتسمت هذه الموجة -بمراكزها الساحلية وأساطيلها العسكرية والتجارية- بالدموية، بقدر ما ارتدت رداء الصليب ومباركة البابوات على نشر المسيحية في البلاد الوثنية. ولكن لماذا لم تتم مقاومتها على الأقل قبل تحولها إلى احتلال عسكري في جنوب غرب أفريقيا؛ أي خلال مرحلة استنزاف أفريقيا بتجارة العبيد؟ كيف نجحت هذه الدولة البحرية الصغيرة: البرتغال، ثم هولندا معها –كما يذكر د.حمدى عبد الرحمن- في سرقة تسعة ملايين من الأفارقة وتحويلهم إلى عبيد ونقلهم إلى العالم الجديد قضى منهم في الطريق مليونان (بسبب قسوة الرحلة وسوء المعاملة)؛ وذلك في الفترة من 1650م وحتى 1850م؟[50] هل بسبب تعاون أو تآمر قيادات محلية استربحت بدورها  من هذه التجارة؟ أو بسبب الصراعات القبلية؟ أو بسبب رغبة شيوخ محليين في استبدال العبيد بسلع جديدة (أسلحة وملابس) يُحضرها التجار الأوروبيون الذين يعودون بسفنهم مليئة بالعبيد والمحاصيل الزراعية والذهب والعاج؟ وتشير بعض الدراسات إلى بوادر مقاومة أفريقية متنوعة الجهات (في هذه الفترة بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر ميلاديًا وبالأخص بعدها) ضد المراكز الساحلية[51].

وإذا كانت المراكز الساحلية البرتغالية على طول سواحل شرق وغرب وجنوب القارة مثلت –كما تقول د.حورية- أحد أهم عوائق انتشار الإسلام للداخل الأفريقي من شرقها وجنوبها[52]، إلا أنها ورغم ما أحاقته –بالتحالف مع الحبشة ومع القيادة الخائنة المحلية- من أضرار بمظاهر الحضارة والثقافة العربية الإسلامية، إلا أن دورة القوى قد فرضت قوانينها حيث انهارت الإمبراطورية البرتغالية في القرن السابع عشر ميلاديًا، “وبنهاية هذا القرن استطاع سلطنة مسقط أن يطرد البرتغاليين من جميع الموانئ والجزر في شرق أفريقيا بمساندة الأهالي العرب في تلك المنطقة، وبذلك أصبحت الموانئ التي كانت تحت نفوذ البرتغاليين تابعة لسلطنة مسقط، التي أصبح يرسل لأئمتها الجزية مقابل حمايتها. وبمضي الوقت أصبح سلاطين مسقط هم حماة شرق أفريقيا من أي تدخل أجنبي، وكان ذلك برضا الأهالي لحماية تجارتهم[53].

  • وجاءت مقاومة الموجة الاستعمارية الثانية مع تصاعد الهجمة الاستعمارية الأوروبية لاحتلال واقتسام أفريقيا خلال القرن التاسع عشر، واستمر انتشار الإسلام فلم يعُـــقْــه الاستعمارُ وسياساتُه التبشيرية المصاحبة، بل قادت الجهاد ضد مجيء الاستعمار ممالك وسلطنات إسلامية أفريقية في شرق وغرب القارة، أو قيادات حركات مقاومة إسلامية في دول شمال القارة العربية. ولم يستقر الاستعمار إلا بعد القضاء على رءوس هذه المقاومة، إلا أن المقاومة لم تنتهِ حتى تم الاستقلال مثبتة عكس أكاذيب الاستعمار أن الافارقة السود لا يتمعتون بحس وطني استقلالي، وأن شيمتهم الاسترقاق أو السيطرة عليهم. وكما كان الإسلام ركيزة ومنطلقًا لموجات من هذه المقاومة أسهمت عوامل عديدة في تشكيل أنماط هذه المقاومة عبر ما يقرب من القرن والنصف من الاحتلال.

شهدت دول شمال أفريقيا في مصر وتونس والجزائر والمغرب وليبيا، حين تعرضها للاحتلال العسكري، حركات مقاومة اتخذت أشكالًا وأطرًا مختلفة باختلاف السياقات الزمنية والمكانية: أحمد عرابي، عبد القادر الجزائري، عبد الكريم الخطابي، عمر المختار، .. أسماء من قادة هذه المقاومات المسلحة الذين واجهوا الغزو المسلح[54].

والقاسم المشترك بينها جميعًا أنها انطلقت من إطار إسلامي للجهاد ضد الغزو الأجنبي وإن كانت قد فشلت في وقف الاحتلال؛ لأسباب كثيرة أهمها –بالطبع- التفوق العددي والتكنولوجي للمستعمر، إلا أنها لم تجعل وقوع الاحتلال أو استمراره بلا ثمن، ولم يكن الأمر في أفريقيا شرقًا وغربًا وجنوب الصحراء مختلفًا في مواجهة التدافع الأبيض العسكري والاستيطاني طوال القرن الـقرن التاسع عشر الميلادي.

وتصف د.حورية هذه المرحلة باعتبارها المرحلة الثالثة من مراحل انتشار الإسلام في أفريقيا: مرحلة الدول الإسلامية والجهاد الإسلامي في أفريقيا[55]. وهي المرحلة التي امتدت من القرن الثامن عشر الميلادي وحتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، وتقول د.حورية إن هذه المرحلة: “تميزت بانتشار الجهاد الإسلامي في شمال وشرق وغرب أفريقيا تحت زعامات إسلامية نجحت كل منها في إنشاء دولة إسلامية مترامية مثل الإسلام فيها دين الدولة، ويمكن أن يقال في وصف كل من تلك الزعامات ما قيل عن عثمان دان فودير بأنه: “عالم وفقيه، وواعظ ومرب، ومصلح وزعيم، وقائد وأمير، وحاكم وإمام، بل هو أمة وحده، وقد أسهم الجهاد الإسلامي في تلك المرحلة في ترسيخ وتعميق الإسلام في المناطق التي ضمتها المملكات السياسية الإسلامية التي قامت على أساسه. وإذا كانت الدول الاستعمارية الغربية التي واجهت مقاومة ضارية من جانب الدول الإسلامية حيث قامت وانتقضت لمواجهتها، لم يستقر لها مقام في أفريقيا إلا بعد أن قضت على تلك الزعامات والدول، وقامت بتصفيتها الواحدة بعد الأخرى، إلا أنها لم تستطع أن تقف في وجه النفوذ الإسلامي والانتشار السريع للإسلام في ظل الوجود الاستعماري[56]“.

بعبارة أخرى -وفق الشرح التفصيلي لد.حورية- اقترنت كل مملكة بشخصية قيادية وزعيم روحي ديني، وكان الانتشار الإسلامي وتركز الممالك الإسلامية في غرب أفريقيا أكثر منه في شرق أفريقيا. بعبارة أخرى: اقترن الانتشار الممتد والعميق في هذه المرحلة بالهجمة الاستعمارية من ناحية، وباتساع نطاق التبشير المسيحي المصاحب لها من ناحية أخرى، وبالامتزاج العربي (دور مسقط) بالأفريقي في شرق أفريقيا وبالامتزاج العربي أيضًا (في ممالك المغرب، ومملكة مصر) بأفريقيا غربًا وجنوبًا من ناحية ثالثة.

وإذا كان الأوروبيون قد أغفلوا -عمدًا أو قصدًا وهم يسجلون تاريخ استعمار أفريقيا- حركات المقاومة الأفريقية لهم، كما يقول د.عبد الله عبد الرازق[57]، واكتفوا بالإشارة إليها في ثنايا مؤلفاتهم باعتبارها حدثًا عارضًا لا قيمة له أثناء غزوهم للقارة، في مقابل التركيز على التواريخ والسير الذاتية لقادة الاستعمار العسكريين، إلا أن نماذج المقاومة وخاصة جنوب الصحراء تستحق التركيز عليها؛ لأنها لم تنل القدر الكافي من الدراسة من جانب العرب (مقارنة بنماذج عربية متزامنة سبق الإشارة إليها)، وخاصة ولقد اقترن الجهاد لدى هذه النماذج بالدعوة لنشر الإسلام ولتدعيمه. ومن أهم هذه النماذج التي قدمها هذا المؤلف[58]، جهاد عثمان بن فودي وخلفه (إمبراطورية الفولاني)، “ويعالج الحركة الإصلاحية التي قادها زعيم الحركة الإصلاحية القادرية، ويدعى عثمان بن فودي في أوائل القرن التاسع عشر، وكيف نجح هذا المجاهد في تأسيس إمبراطورية إسلامية واسعة، طبقت الشريعة الإسلامية في هذه المنطقة. وأنشأ الشيخ عثمان نظامًا خلافيًا تولى أبناؤه الحكم من بعده مدة قرن من الزمان، ولما بدأت عمليات التقسيم الأوروبي لأفريقيا صارت منطقة شمال نيجيريا ضمن مناطق النفوذ البريطاني، ولما بدأ التوسع البريطاني داخل هذه الإمبراطورية الإسلامية تصدى الخلفاء المسلمون من سلالة الشيخ عثمان لتلك الموجة الاستعمارية، ودارت معارك مستمرة قدم فيها المسلمون نماذج مشرفة من لكفاح والنضال والفداء حتى استشهد الخليفة محمد الطاهر الأول على أرض بورمي، وكان استشهاده خاتمة سلسلة من الكفاح ضد التوسع الأوروبي”.

والنموذج الثاني يمثل جهاد إمبراطورية التوكولور بقيادة “زعيم جهاد آخر حمل معه الطريقة التيجانية إلى بلاد التوكولور في غرب القارة، وجاهد من أجل بناء إمبراطورية إسلامية، ولما وجد الفرنسيين يتربصون به ترك المنطقة واتجه شرقًا حتى وسع إمبراطوريته، لكنه دخل في صراع مع القوى الوطنية، وكان عليه أن يجاهد في جبهتين حتى استشهد عام 1864م تاركًا الإمبراطورية لأبنائه الذين واصلوا الجهاد وقاوموا الفرنسيين فترة من الزمان حتى سقطت دولتهم في أواخر القرن التاسع عشر”.

والنموذج الثالث يمثل حركة مقاومة في منطقة سانجامبيا “بقيادة مجاهد آخر هو الحاج محمد الأمين الذي تصادف قيام حركة جهاده مع التوسع الفرنسي في منطقة سانجامبيا، فقاوم هذا التوسع الفرنسي، واحتك بدولة أحمدو شيخو بن الحاج عمر الفوتي. وظل يقاوم داخليًّا وخارجيًّا مدة عامين حقق خلالهما انتصارات على الفرنسيين، وعلى قوات الشيخ أحمدو حتى انتهت هذه الدولة التي أقامها هذا المجاهد المسلم”.

والنموذج الرابع في غرب أفريقيا؛ حيث “أسس ساموري توري دولة إسلامية في بلاد الماندنجو بغرب القارة وطبق الشريعة الإسلامية فيها، ولما أحس بخطر الفرنسيين دخل في صراع معهم، وظل يقاوم هذا التوسع الفرنسي الذي استهدف دولته مدة بلغت عشر سنوات سجل خلالها العديد من الانتصارات والبطولات على القيادة الفرنسية، وحافظ على كيان الدولة الإسلامية التي كافح طويلًا من أجل إنشائها حتى سقطت أخيرًا تحت السيطرة الفرنسية في أواخر القرن التاسع عشر”.

والنموذج الخامس هو نموذج مقاومة دولة رابح فضل الله وهو زعيم مسلم “استطاع التحرك من السودان بعد خدمة الزبير باشا رحمت، وذهب إلى منطقة بحيرة تشاد؛ حيث أسس دولة إسلامية ودخل في صراع مع الفرنسيين الذين كانوا قد خططوا لاستعمار المنطقة. وحاولوا إغراء رابح بالأموال، ولكنه رفض كل العروض وحارب الفرنسيين مدة سبع سنوات كبدهم خلالها الكثير من الأرواح والمعدات حتى جاءت نهاية هذا الزعيم الوطني المسلم وهو يدافع عن دولته وعن شرف الإسلام والمسلمين في هذه المنطقة من غرب أفريقيا”.

والنموذج السادس الذي يقدمه د.عبد الله عبد الرازق نموذج مقاومة الصومال للاستعمار (الثلاثي) “وهو يعالج جهد زعيم الصوفية الصالحية الذي حاول نشر طريقته في بلاد الصومال، وفي قلب بلاد الحبشة، ولكنه وجد معارضة من الأحباش والإيطاليين والبريطانيين، فدخل في صراع معهم، وتكاتفت هذه القوى ضده فما لان ولا استسلم، بل قاوم وحارب وناضل حتى أجبرهم على توقيع شروط السلام والأمان، ولما أحس بأنهم غير جادين في احترام شروط السلام هددهم، ثم هاجمهم وهزمهم في أكثر من موقع، وظل يقاوم مدة عشرين عامًا متصلة سجل خلالها العديد من الانتصارات وأجبر البريطانيين على استخدام الطيران لأول مرة في معارك القارة الأفريقية، ورغم كل هذا عجز البريطانيون عن القبض عليه حيًا أو ميتًا، وأخيرًا سقط صريع المرض بعد أن أدى الواجب، وحمل الأمانة وصار بطلًا للقومية الصومالية”[59].

ورغم إخلاص النيه وقدسية هدف الجهاد، ورغم ما أوقعته هذه المقاومات الإسلامية بحركة الاستعمار من عراقيل، إلا أنها بدورها لم تنجح في وقف تقدمه أو هزيمته، بل كانت هزيمة هذه الحركات منطلق استقرار الاستعماريين وتقسيم القارة لقرابة قرن آخر حتى منتصف القرن العشرين، ويرجع ذلك، من واقع تقييم د.عبد الله عبد الرازق لمسار هذه الحركات ونتائج والعوامل المؤثرة عليه[60]، إلى الاختلافات بين صفوف وروافد الحركة الدعوية أو الصوفية الواحدة أو بينها وبين نظائر أخرى لها من ناحية أو الصراعات بين مراكز القوة السياسية للدول المجاهدة وبين قوى محلية أو إقليمية أخرى وثنية تخشى على نفوذها وسلطتها من ناحية أخرى، ناهيك من ناحية ثالثة عن عدم تخاضن أو تكاتف أو تنسيق حركات المقاومة عبر أرجاء القارة، في زمن يصعب فيه ذلك ماديًا، فضلاً عن تحالفات بعض الزعماء مع العدو ضد قوى إسلامية أخرى. وهذه الأمور استغلتها القوى الأوروبية الاستعمارية بتطبيق سياسة “فرق تسد” أو سياسة التحالف مع طرف ضد الآخر من الأفارقة.

خلاصة القول الذي يصل د.عبد الله إليه في نهاية تقييمه[61]: “أن الذي حدث هو أن هذه الزعامات ظهرت في مناطق متفرقة من القارة، وكان عليها أن تحارب في جبهتين: جبهة محلية وثنية، وجبهة خارجية أوروبية؛ وبالتالي لم تتمكن القيادات الإسلامية من أن تكرس جهودها في جبهة واحدة، ذلك لأن المستعمر كان يقف لها بالمرصاد، ويقوض كل بنيان تشيده هذه القيادات التي اضطرت إلى مهادنة هذا الطرف أو ذاك، لكن الأوان لم يكن مهيأً لفهم طبيعة الغزو الأوروبي الذي استغل هذه القوى المحلية، وراح يفرض عليها الحماية ويجندها ضد بنـي وطنها، فكانت هذه الروح سببًا في عدم تلاحم أبناء المنطقة الواحدة لتقف سدًا منيعًا أمام عدو مشترك، كما لم تدرك هذه القيادات المحلية أبعاد هذا التوسع الاستعماري، ولم تفهم الدرس إلا بعد فوات الأوان، وبعد أن ابتلعت القوى الاستعمارية المنطقة بأسرها، كما كان سر القضاء على هذه الحركات نابعًا من استخدام الأسلحة الحديثة ضد القوى الإسلامية التي تستخدم أسلحة تقليدية لا يمكن أن تجاري هذه الأسلحة الأوروبية، ولم يجد زعماء الإسلام من وسيلة سوى الاستمرار والكفاح بهذه الموارد المحددة، واستطاعوا أن يلحقوا بالأوروبيين خسائر فادحة في الأرواح والأسلحة، وكان الإيمان بالله والاستشهاد في سبيل العقيدة هما السلاح الأخير الذي حملوه حتى استشهادهم”.

وأخيرًا، لم ينته العصر الاستعماري لأفريقيا بالاستقلال الرسمي للدول الحديثة الأفريقية، فلقد بدأ استعمار غربي وتنافس غربي وشيوعي يرتدي أثوابًا جديدة لنفس الأهداف القديمة، ولكن في سياقات زمنية وعالمية مختلفة. ومن ثم لم تنته بعد قضايا التحرر والتنمية والاستقلال الحضاري والتقسيم والتجزئة. فما زالت القارة تعاني طيلة ما يقرب من ثلاثة أرباع القرن منذ الاستقلال وحتى الآن من أمراض مزمنة[62]، إلا أن القارة –كما تقول د.حورية[63]– تعيش منذ آواخر القرن التاسع عشر مرحلة “تتميز بالانتشار السريع لكل من المسيحية والإسلام على مستوى القارة في ظل الوجود الاستعماري، حيث لم تستطع السلطات الاستعمارية المختلفة التي اقتسمت القارة فيما بينها في ظل مؤتمر برلين 1884- 1885 أن تفرض سيطرتها الفعلية إلا بعد القضاء على الزعامات والمملكات الإسلامية التي واجهتها وأعلنت الجهاد ضدها، إلا أنها لم تستطع أن تقف في وجه انتشار الإسلام الذي تم بصورة أوسع في ظل الوجود الاستعماري على الرغم من جهود التبشير الذي عمل تحت حظوته والذي تكثف في القرن التاسع عشر، مما دعا البعض إلى تسميته بقرن التبشير في أفريقيا، ومع هذا فقد انتشر الإسلام بصورة أصبح يعرف معها القرن العشرون بقرن الإسلام في القارة”.

خاتمة قولي عن هذه الأفكار من واقع الذاكرة التاريخية:

إن الحديث عن الاهتمام، غير البعيد، بدراسة تاريخ أفريقيا “المظلمة أو السوداء”، هو حديث غربي استعماري بالأساس يربط التعرف على أفريقيا بتاريخ قدوم الرجل الأبيض تاجرًا ثم محتلًا. إلا أن أفريقيا، ما قبل الإسلام ومع الإسلام، كانت قائمة ومحل اهتمام تاريخي قبل نظيره الغربي الاستعماري، حين كانت الحضارات والكيانات الزاهرة حقيقة واقعة؛ تقليدية كانت أو إسلامية. إن تاريخ أفريقيا بكل عصوره موجود، وإن احتاج لإعادة قراءة لتقديم صورة جديدة، أو بالأصح صورة لحقيقة أفريقيا، كما يحدث الآن من إعادة لقراءة تواريخ قومية؛ مثل: التركي-العثماني بعيون غير استعمارية، بعيون حضارية، بعيون غير قومية متطرفة؛ سواء أكانت عربية أو طورانية أو أوروبية، وكما يحدث أيضًا من إعادة قراءة لتواريخ الاستعمار التي تكشف على التوالي عن جرائم “الرجل الأبيض” باسم التنوير أو التحضر أو التمدن للشعوب غير البيضاء، لدرجة دفعت بعض الدول الأفريقية (الجزائر مثلًا) لمطالبة دولة الاستعمار السابقة (فرنسا) بالاعتذار عن جرائمها.

إن تاريخ أفريقيا وحاضرها يتجدد الاهتمام بإعادة قراءته بعيون متعددة، منها الغربية النقدية الباحثة عن الاعتذار، ومنها الأفريقية الوطنية الباحثة عن البناء، ومنها العربية الباحثة عن الوصل الحضاري مع الشق الجنوبي من قارتها. وتقدم المدرسة المصرية للدراسات الأفريقية بصفة خاصة إسهامًا مهمًا.

وهناك حاجة لإطار كلي جامع تبنى عليه رؤية كلية شاملة لحسن فهم عدة إشكاليات حضارية برزت لي خلال إعداد هذه الورقة:

  • عصور أفريقيا الثلاثة الكبرى متصلة ولا يمكن الفصل بينها.
  • أفريقيا قارة افتقدت المبادرة للخارج أكثر مما كانت هدفًا أو مطمعًا لمبادرات من الخارج متعددة الدوافع والأهداف والسياسات، وخاصة دخول الإسلام وانتشاره وكياناته، وموجات الاستعمار الأوروبي وتأثيراتها.. فهل كان “الخارجي” دائمًا سلبيا أو دائمًا إيجابيا؟
  • حكاية أفريقيا حكاية الإنسان مع الأرض والطبيعة ومع الثقافة والأديان التقليدية والسماوية.
  • أفريقيا شمال، وأفريقيا جنوب الصحراء، ذات امتدادات بشرية وطبيعية وتجارية وسياسية، مهما تعددت محاولات التمييز المقصود، أو الفصل المتعمد بينهما باسم العرق أو الدين أو التاريخ أو الجغرافيا.
  • لماذا لا نبحث عن -ولا نكشف عن- دور دولة قائد، جنوب الصحراء في العصور المختلفة (مقابل مصر في الشمال الشرقي، وممالك المغرب في الشمال الغربي)، حقيقة توالت أو تزامنت إمبراطوريات في السودان الشرقي أو الأوسط أو الغربي، ولكن هل لعب أحدهم دور دولة قائد؟
  • إذا لم يكن اجتثات النظم والتكوينات والقواعد التقليدية قد ساعد على التحضر أو التنمية أو الاستقرار أو … كما ادعى الاستعمار الغربي، فهل يوجد في هذا الإرث علاجات ناجعة؟ وهل الانقطاع القهري عن هذا الإرث هو سبب التأزم الحالي بلا حل جذري؟ مثلا: لماذا فشل بناء الدولة القومية (الحديثة) حتى الآن بأكثر مما فشلت به في خبرات مستعمرات أخرى؟
  • وأخيرًا: هل ستظل أفريقيا قارة الإسلام؛ أي القارة التي يزيد نصف عدد سكانها عن 50٪؟ بعبارة أخرى، ووفقًا لد.حورية مجاهد[64]، “كانت هناك علامة استفهام كبيرة يطرحها ومازال يطرحها المفكرون الغربيون وخاصة منذ أواخر القرن التاسع عشر وخلال القرن العشرين حول: لماذا الإسلام في أفريقيا على الرغم من كل ما يبدل على التبشير المسيحي؟” وتقول د.حورية إنه من بين كل عشرة يتركون الديانة التقليدية تسعة منهم يدخلون الإسلام. ومن ثم أقامت د.حورية مجاهد كتابها على فرضية أساسية قوامها: “إن الإسلام ينتشر في أفريقيا بقوة دفع ذاتية يزكيها بطريقة غير مباشرة واقع كل من المسيحية والديانة التقليدية“. وإذا كان التحليل الجغرافي –البشري –الديني –الاجتماعي السياسي؛ أي التحليل المركب الحضاري الذي قام عليه الكتاب قد ناقش هذه الفرضية على نحو يشرح الفرضية، تاريخيًا ومعاصرًا، إلا أن واقع الحال طيلة العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين يظل يفرض نفس سؤالي المطروح عاليًا.

حيث إن صعود العلاقة بين الأبعاد الدينية-الثقافية والأبعاد السياسية في استراتيجيات القوى الكبرى الخارجية والقوى الإقليمية الخارجية المهتمة جميعًا بالتوجه نحو أفريقيا، قد انعكس على أهداف وأدوات هذه الاستراتيجيات؛ سواء في مجالات الأمن أو الإصلاح السياسي أو التنمية المجتمعية أو تماسك الدول القائمة، فهل هذه الأنماط الجديدة من تسييس الأديان ومن تديين السياسات (وهي قائمة دائمًا) تؤثر على مستقبل أفريقيا كقارة الإسلام، ليس فقط من الناحية العددية -فالعدد لايهم بقدر النوعية والفاعلية، ولنا في حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أسوة (التداعي على القصعة)- ولكن الأهم -كما أعتقد- هو: هل تصبح رؤى أو قيم أو خبرات إسلامية مصادر إصلاح رشيد، مجتمعي بالأساس ابتداء؟ أم سيظل ما يسمى “الإرهاب” في مالي أو في حزام البربر أو في القرن الأفريقي من ناحية، وكذلك مشاكل الأقليات المسلمة من ناحية أخرى، هي محل تركيز واهتمام الإعلام والساسة، في حين أنها ليست كل الحقيقة؟

بعبارة أخرى هل ما زالت شعوب أفريقيا تقاوم من أجل المستقبل؟ وأين صور هذه المقاومة وآثارها ونتائجها؟ لماذا تسود، حتى الآن وعلى نحو يكرس صور نمطية متجددة؛ صور الأزمات والدعوات للمساعدات الخارجية وأنماط التدخل الخارجي المتعددة؟ لماذا لا نغطي جوانب التفاؤل؟ والأهم: كيف نفتح النوافذ على الأحداث اليومية في دول أفريقيا ليزداد وعينا بها؛ فهي جزءٌ من الأمة، فلقد شرح لنا البشري في افتتاحية أول عدد من “أمتي في العالم” كيف نجح الاستعمار في إغلاق النوافذ بين أرجاء الأمة، فضعف السمع عن الأمة والإحساس بها قبل أن ينقطع التفكير فيها والحديث عنها.

الحمد لله

20 سبتمبر 2022

 

فصلية قضايا ونظرات- العدد السابع والعشرون ـ أكتوبر 2022

_____________________

[1]  انظر الكتب التالية:

  • د. فرغلي هريدي، تاريخ أفريقيا الحديث والمعاصر: الكشوف، الاستعمار، الاستقلال، الاسكندرية: العلم والإيمان للنشر والتوزيع، 2008.
  • آي.إم. لويس (محرر)، الإسلام في أفريقيا الاستوائية، عبد الرحمن الشيخ (مترجم)، القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2010.
  • د.عبد الله عبد الرازق إبراهيم، المسلمون والاستعمار الأوروبي لأفريقيا، سلسلة عالم المعرفة، العدد 139، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1998.
  • د.حمدي عبد الرحمن، قضايا في النظم السياسية الأفريقية، مركز دراسات المستقبل الأفريقي ، 1998.
  • د.جمال عبد الهادي مسعود، على لبن، المجتمع الإسلامي المعاصر بأفريقيا، القاهرة، الوفاء للطباعة والنشر، 1994.
  • د.حورية مجاهد، الإسلام في أفريقيا وواقع الديانة المسيحية والديانة التقليدية، القاهرة: مكتبة الانجلو المصرية، 2002.
  • د. زاهر رياض، استعمار أفريقية، القاهرة: الدار القومية للطباعة والنشر، 1965.

[2]    انظر إجابات منظمة عن تطور هذه الكتابات في: أحمد طاهر، أفريقيا: فصول من الماضي والحاضر، القاهرة: دار المعارف، 1975.

[3] انظر: منى أبو الفضل، المدخل المنهاجي لدراسة النظم السياسية العربية، تقديم طه جابر العلواني، القاهرة: دار السلام، 2013.

[4] انظر له على سبيل المثال: حامد عبد الله ربيع، مدخل في دراسة التراث السياسي الإسلامي، تحرير وتعليق: سيف الدين عبد الفتاح إسماعيل، القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2007.

[5] انظر لبعضهم على سبيل المثال:

– مالك بن نبي، ميلاد مجتمع: شبكة العلاقات الاجتماعية، ترجمة: عبد الصبور شاهين، دمشق: دار الفكر، ط3، 1986م.

– طارق البشري، منهج النظر في النظم السياسية المعاصرة لبلدان العالم الإسلامي، القاهرة: دار الشروق، ط2، 2007.

[6]  د.حمدي عبد الرحمن، قضايا في النظم السياسية الأفريقية، مرجع سبق ذكره.

[7]  انظر بحوث  كل من: د.حورية مجاهد، د. عبد الملك عودة، د.حمدي عبد الرحمن، د.أحمد علي سالم، د.محمد عاشور، د.راوية توفيق والسادة أعضاء كلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة.

[8]  د.نادية محمود مصطفى(محرر)، موسوعة العلاقات الدولية في الإسلام، القاهرة:دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 2022، المجلدان الخامس والسادس.

[9] انظر على سبيل المثال: بحوث عن أفريقيا في بعض أعداد أمتي في العالم:

  • محمد عاشور، القارة المنسية: أفريقيا- المنافسات الدولية والتحولات الإقليمية والداخلية، (في) د.نادية مصطفى، ود.سيف الدين عبد الفتاح (إشراف عام)، أمتي في العالم، العدد الأول: مسألة الأمة والعولمة، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 1998.
  • محمد عاشور، قمة سرت الإفريقية الطارئة ومشروع الوحدة الأفريقية: آفاق الفكرة وقيودها، (في) د.نادية مصطفى، ود.سيف الدين عبد الفتاح (إشراف عام)، أمتي في العالم، العدد الثاني: العلاقات البينية داخل الأمة الإسلامية، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 1999.
  • محمد عاشور، الصومال: عقد من الصراع، (في)، المرجع السابق.
  • محمد عاشور، السودان: تنافس المبادرات وصراع المبادرات، المرجع السابق.
  • د.حمدي عبد الرحمن، ثنائية الفقر والاستبداد في أفريقيا، (في) د.نادية مصطفى، ود.سيف الدين عبد الفتاح (إشراف عام)، أمتي في العالم، العدد العاشر: الحالة الثقافية في العالم الإسلامي، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات والبحوث، مكتبة الشروق الدولية، 2010-2011.
  • د.محمد عاشور، الإسلاميون والحكم في نيجيريا: تجربة محمد نموذجًا، (في) د.نادية مصطفى (إشراف عام)، أمتي في العالم، العدد الرابع عشر: السياسات العامة في نظم ومجتمعات العالم الإسلامي: نماذج وخبرات، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات والبحوث، مفكرون: الدولية للنشر والتوزيع، 2019.
  • د. محمد عاشور، الإسلاميون والحكم في الصومال: فشل التجربة أم إفشالها، في المرجع السابق.
  • مروة يوسف، وضع المسلمين في إفريقيا: نماذج ودلالات بين الداخل والتدخل الخارجي، (في) د.نادية مصطفى (إشراف عام)، أمتي في العالم، العدد الخامس عشر: سياسات ما بعد الإسلاموفوبيا: الجديد في الهجوم على الإسلام والعالم الإسلامي، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 2021.

[10] انظر التالي:

  • د.حمدي عبد الرحمن، قضايا في النظم السياسية الأفريقية، مرجع سبق ذكره.
  • أحمد طاهر، أفريقيا: فصول من الماضي والحاضر، القاهرة: دار المعارف، 1975.
  • د.جمال عبد الهادي مسعود، على لبن، المجتمع الإسلامي المعاصر بأفريقيا، مرجع سبق ذكره.
  • د.بشار جميل الملاح، تاريخ الإسلام في أفريقيا، عمان: دار الفكر، 2014.
  • ب.سي. لويد، أفريقيا في عصر التحول الاجتماعي، شوقي جلال (مترجم)، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أبريل 1980.
  • د.حورية مجاهد، الإسلام في أفريقيا وواقع المسيحية والديانة التقليدية، القاهرة مكتبة الأنجلو المصرية، 2002
  • د.مدثر عبد الرحيم الطيب، د.التيجاني عبد القادر (إشراف) الإسلام في أفريقيا، دار الفكر المعاصر، بيروت دار الفكر، دمشق 2001.

[11] د.نادية محمود مصطفى (محرر)، موسوعة العلاقات الدولية في الإسلام، مرجع سبق ذكره.

[12]  انظر التالي:

  • أكاديمية بولندية: اكتشاف آثار لحملات فرعونية وسط وجنوب إفريقيا، موقع الوطن، 19 يونيو 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/DR8fM
  • اكتشاف آثار فرعونية وسط وجنوب إفريقيا، موقع السياسة، 19 يونيو 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/LJ1ny

[13]   انظر التالي:

  • Catherine Coquery- Vidrovitch, Petite Histoire de l’Afrique: L’Afrique au sud du Sahara de la préhistoire à nos jours , Paris: La Découverte, 2011.

وانظر عرض الكتاب في: تاريخ مقتضب لإفريقيا منذ ما قبل التاريخ حتى اليوم، جريدة البيان، 18 ديسمبر 2011، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/kPhiw

وحول مزيد من التفاصيل عن ما قبل الإسلام، انظر:

  • د.حمدي عبد الرحمن، قضايا في النظم السياسية الأفريقية، مرجع سبق ذكره.
  • أحمد طاهر، أفريقيا: فصول من الماضي والحاضر، مرجع سبق ذكره.
  • Robert Brown )ed), The History and Description of Africa And of the Notable Things Therein Contained, Cambridge University Press, 2010, vol.,2, Second Book.

[14]  انظر تفاصيل خريطة هذه الممالك والسلطنات والامبراطوريات في:

  • د.حمدي عبد الرحمن، قضايا في النظم السياسية الأفريقية، مرجع سبق ذكره.
  • أحمد طاهر، أفريقيا: فصول من الماضي والحاضر، مرجع سبق ذكره.

[15]  محمد يوسف محمد، تاريخ الهجرات العربية إلى أفريقيا جنوب الصحراء: تشاد نموذجًا، دورية كان التاريخية، العدد 42، المجلد 3، ديسمبر 2018، ص 39- 31 ، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/Jpf2e

وحول مزيد من التفاصيل عن منافذ دخول الإسلام وانتشاره وتأثيراته، انظر:

  • د.حمدي عبد الرحمن، قضايا في النظم السياسية الأفريقية، مرجع سبق ذكره.
  • أحمد طاهر، أفريقيا: فصول من الماضي والحاضر، مرجع سبق ذكره.

[16]  د.حورية مجاهد، الإسلام في أفريقيا وواقع الديانة المسيحية والديانة التقليدية، مرجع سبق ذكره، ص ص21-25.

[17] المرجع السابق، ص ص26-27.

[18] انظر تفاصيل المرحلتين الأولى والثانية في: المرجع السابق، ص ص27-34.

[19] المرجع السابق، ص 26.

[20] انظر التفاصيل في ظل الخلافة الأموية (في الشام والأندلس) ثم العباسية، في:

– د. علا أبو زيد، الدولة الأموية: دولة الفتوحات، (في) د.نادية محمود مصطفى، موسوعة العلاقات الدولية في الإسلام، مرجع سبق ذكره، المجلد الخامس.

– د. علا أبو زيد، الدولة العباسية، (في) المرجع السابق.

[21]   انظر التفاصيل في:

– د. نادية مصطفى، العصر المملوكي، (في) د.نادية محمود مصطفى، موسوعة العلاقات الدولية في الإسلام، مرجع سبق ذكره، المجلد الخامس.

– د. نادية مصطفى، العصر العثماني من القوة والهيمنة إلى بداية المسألة الشرقية، (في) د.نادية محمود مصطفى، موسوعة العلاقات الدولية في الإسلام، مرجع سبق ذكره، المجلد السادس.

[22]  انظر التفاصيل في: أحمد طاهر، أفريقيا: فصول من الماضي والحاضر، مرجع سبق ذكره.

[23]  من الكتب والمخطوطات التي دونت تاريخ الإسلام في أفريقيا في القرن العاشر الهجري:

  • شهاب الدين أحمد بن عبد القادر بن سالم الجيزاني الملقب بـ”عرب فقيه”، مخطوطة فتوح الحبشة، تحقيق: فهيم محمد شلتوت، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1974.
  • محيي الدين عبد القادر بن شيخ بن عبد الله العَيْدَرُوس، النور السافر عن أخبار القرن العاشر، بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1405ه.
  • أحمد زين الدين المعبري المليبارى، تحفة المجاهدين في بعض أحوال البرتغاليين، تحقيق: محمد سعيد الطريحي، بيروت: مؤسسة الوفاء، 1405ه.

[24]  انظر التفاصيل في:

–                    د.حمدي عبد الرحمن، قضايا في النظم السياسية الأفريقية، مرجع سبق ذكره.

–                      أحمد طاهر، أفريقيا: فصول من الماضي والحاضر، مرجع سبق ذكره.

– Robert Brown  (ed), The History and Description of Africa And of the Notable Things Therein Contained, Op.Cit.

[25]  د.حورية مجاهد، الإسلام في أفريقيا وواقع المسيحية والديانة التقليدية، مرجع سبق ذكره، ص 21.

[26]    المرجع السابق، ص ص33-34.

[27]  انظر حول هذه المرحلة: د. زاهر رياض، استعمار أفريقية، القاهرة: الدار القومية للطباعة والنشر، 1965.

[28]  للمزيد من التفاصيل انظر الآتي:

  • د.حمدي عبد الرحمن، قضايا في النظم السياسية الأفريقية، مرجع سبق ذكر.
  • أحمد طاهر، أفريقيا: فصول من الماضي والحاضر، مرجع سبق ذكره.
  • د.زاهر رياض، استعمار أفريقية، مرجع سبق ذكره.
  • د. فرغلي هريدي، تاريخ أفريقيا الحديث والمعاصر: الكشوف، الاستعمار، الاستقلال، مرجع سبق ذكره.
  • ب.سي. لويد، أفريقيا في عصر التحول الاجتماعي، مرجع سبق ذكره.

[29] انظر ما يلي:

  • د. محمد السيد سليم، تطور السياسة الدولية في القرنين التاسع عشر والعشرين، القاهرة: دار الفجر للنشر والتوزيع، 2002.
  • نادية مصطفى، العصر المملوكي، (في)، نادية مصطفى (محرر) موسوعة العلاقات الدولية في الإسلام، مرجع سبق ذكره، المجلد الخامس.
  • نادية مصطفى، العصر العثماني من القوة والهيمنة إلى بداية المسألة الشرقية، المرجع السابق، المجلد السادس.

[30]  انظر مثلاً جذور للعداء بين العروبة والزنوجه في سياسات استعمار شرق أفريقيا، د.حورية مجاهد، الإسلام في أفريقيا وواقع المسيحية والديانة التقليدية، مرجع سبق ذكره.

[31]  انظر: أحمد طاهر، أفريقيا: فصول من الماضي والحاضر، مرجع سبق ذكره.

[32]  د. حمدي عبد الرحمن، قضايا في النظم السياسية الأفريقية ، مرجع سبق ذكره، ص55.

[33]  انظر كل من:

  • د. زاهر رياض، استعمار أفريقية، مرجع سبق ذكره.
  • د. حمدي عبد الرحمن، قضايا في النظم السياسية الأفريقية ، مرجع سبق ذكره ، ص ص57- 73.

[34]  انظر طبيعة النظم السياسية التقليدية ومقارنتها بالأنظمة في العصر الاستعماري في: د.حمدي عبد الرحمن، قضايا في النظم السياسية الأفريقية، مرجع سبق ذكره، ص ص25- 50، ص ص51- 57.

[35] المرجع السابق ص 25.

[36]  المرجع السابق، ص ص27-32.

[37] المرجع السابق، ص 30.

[38]  المرجع السابق، ص ص34- 44.

[39] المرجع السابق، ص ص44-48.

[40]  المرجع السابق، ص 45.

[41]  المرجع السابق، ص 48.

[42]  المرجع السابق، ص 56.

[43]  انظر مثلا: د.حورية مجاهد، الإسلام في أفريقيا وواقع المسيحية والديانة التقليدية، مرجع سيق ذكره، ص ص 26-33.

[44]   المرجع السابق، ص ص28-29.

[45]   المرجع السابق، ص ص29-31

[46]  المرجع السابق، ص 31.

[47]  المرجع السابق، ص ص31- 32.

[48]  المرجع السابق، ص 32.

[49] انظر: د.بشير إبراهيم بشير، الحروب الصليبية والبحر الأحمر (في) د.مدثر عبد الرحيم الطيب، د.التيجاني عبد القادر (إشراف) الإسلام في أفريقيا، مرجع سبق ذكره، ص ص179-187.

[50]  د.حمدي عبد الرحمن، قضايا في النظم السياسية الأفريقية، مرجع سبق ذكره، ص52.

[51] انتشرت المقاومة الإسلامية ضد الاستعمار البرتغالي في سواحل الشرق الأفريقي، حيث قاومها كل من مملكة زنجبار والعثمانيين، للمزيد انظر:

– فاطمة بنت محمد سليمان، المقاومة الإسلامية في مراحلها الأولى ضد الاستعمار البرتغالي في شرق إفريقية (1034 – 1143 هـ / 1624 – 1730م)، مجلة العلوم العربية والإنسانية، مجلد 7 ، العدد3،  2014، ص ص1134-1141.

–  طلال حمود عبده بن عبده، دور العثمانيين والعمانيين في مقاومة الاستعمار البرتغال ونشر الحضارة الإسلامية في شرق إفريقيا: القرنين السادس عشر والسابع عشر أنموذجا، مجلة السعيد للعلوم الإنسانية والتطبيقية، المجلد1، العدد1، 2017.

– نوال حمزة يوسف الصيرفي، الجهاد الإسلامي في شرق أفريقيا في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، رسالة دكتوراة، جامعة أم القري، المملكة العربية السعودية، 1987.

* أما في الغرب الأفريقي، فلم نجد العديد من الأدبيات التي تُفصل في المقاومة الإسلامية في الفترة بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر الميلادي وذلك لأن المستعمر البرتغالي في تلك الفترة، ركز على الاستيلاء على الجزر المقابلة للساحل الغربي مثل: جزر الرأس الأخضر وجوري، ولم يبن الاستعمار البرتغالي مراكز ساحلية على سواحل الشمال والوسط الغربي من القارة، وقام ببناء تلك المراكز الساحلية في الجنوب الغربي من القارة، ومنها على سبيل المثال: أنجولا والتي صُدّر منها الكثير من الرقيق خارج القارة حتى لقبت بملكة الرقيق ولم يكن قد وصلها الإسلام بشكل كبير في تلك الفترة، ولم تبرز الكتابات عن المقاومة الإسلامية في الغرب من القارة إلا عندما تكالبت كل من بريطانيا وفرنسا على الاستيلاء على المدن الداخلية في الغرب داخل الممالك الإسلامية في القرن الثامن عشر.

[52]  د.حورية مجاهد، الإسلام في أفريقيا وواقع المسيحية والديانة التقليدية، مرجع سيق ذكره، ص ص21-22.

[53]  المرجع السابق، ص34.

[54] انظر التفاصيل في: د. محمد السيد سليم، تطور السياسة الدولية في القرنين التاسع عشر والعشرين، مرجع سبق ذكره.

[55]  انظر خريطة هذه الممالك وطبيعتها “الدينية” وركائز جهادها في: د.حورية مجاهد، الإسلام في أفريقيا وواقع المسيحية والديانة التقليدية، مرجع سبق ذكره، ص ص 34-44.

[56]  المرجع السابق، ص ص 34-35.

[57] د.عبد الله عبد الرازق إبراهيم، المسلمون والاستعمار الأوروبي لأفريقيا، مرجع سبق ذكره، ص11.

[58]  المرجع السابق، ص ص12-13، وانظر التفاصيل في الفصول الستة الأولى من المرجع نفسه.

  [59]  وانظر أيضًا نماذج أخرى للمقاومة والجهاد الإسلامي ضد الاستعمار الأوروبي في: مدثر عبد الرحيم الطيب، د.التيجاني عبد القادر، الإسلام في أفريقيا، مرجع سابق.

[60] د.عبد الله عبد الرازق إبراهيم، المسلمون والاستعمار الأوروبي لأفريقيا، مرجع سبق ذكره، ص ص267- 273.

[61]   المرجع السابق، ص273.

[62] انظر خريطة هذه القضايا عصر ما بعد الاستقلال ما بعده، في : د.حمدي عبد الرحمن، قضايا في النظم السياسية الأفريقية،  ص ص75- 287.

[63]  د. حورية مجاهد، الإسلام في أفريقيا وواقع المسيحية والديانة التقليدية، مرجع سبق ذكره، ص 43.

[64]  في تقديم عملها الرائد عن انتشارالإسلام في أفريقيا الذي استغرق اعداده منذ بداية الاهتمام بالموضوع ربع قرن، ونشر 2002، ص11-12. وانظر احصائيات عن عدد المسلمين وتوزيعهم وأوزانهم النسبية من مكان لآخر في د.حورية مجاهد، الإسلام في أفريقيا وواقع المسيحية والديانة التقليدية، مرجع سبق ذكره،  ص12-20

  • وحول إحصائيات حديثة عن انتشار الإسلام في أفريقيا وتوزيعه في الدول الأفريقية المختلفة، انظر ما يلي:
  • African countries with the highest share of Muslims as of 2019, Statista, available at: https://cutt.us/MJZoZ
  • Muslim Population by Country 2022, World Population Review, available at: https://cutt.us/lTavn

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى