الجديد في الدراسات الأفريقية

اللقاء الخامس من الموسم العلمي لمركز الحضارة

تقديم:

ضمن سلسة لقاءات “الموسم العلمي” للعام 2023؛ الذي يركز على (جديد المعرفة والفكر) في عدد من الموضوعات والقضايا -سواء كانت جديدة في ذاتها أو سابقة متجددة- نظم مركز الحضارة للدراسات والبحوث اللقاء الخامس يوم السبت الموافق 28 أكتوبر 2023، والذي كان تحت عنوان: “الجديد في الدراسات الأفريقية”، وقدمته د. عبير ربيع (مدرس العلوم السياسية في جامعة القاهرة).

افتتح اللقاء د. مدحت ماهر (المدير التنفيذي لمركز الحضارة)، مبيِّنا أهمية لقاءات الموسم العلمي في الوقوف على الجديد في العلم، ومن بينها هذا اللقاء الذي يستهدف التعرف على الجديد في الدراسات الإفريقية، ومحاولة الاستفادة منها في تجسير الفجوة بين الدول العربية والإفريقية خاصة في القضايا المشتركة. مذكِّرًا بأن هذه المحاضرة تأتي في أتون ما يجري في فلسطين والحرب على غزة، ولافتا إلى أنه لم يظهر أي تفاعل بارز من القوى الإفريقية ذات الشأن بخصوص هذه الأحداث، رغم أنها مرآة عاكسة للحالة الإقليمية والعالمية على مستوى القيم.

كما أكدت د. نادية مصطفى (رئيس المركز) أهمية الموضوع لتجديد الاهتمام والوعي بهذا المجال وقضاياه. وتحدثت بشكل موجز عن الذاكرة التاريخية الخاصة بالحالة الإفريقية وتحولاتها من: بناء الدول القومية حديثة الاستقلال ثم الحرب الباردة والدور السوفييتي والصيني والدور الأمريكي، وكذلك عن وضع إفريقيا من الصراعات الداخلية والإقليمية وما يرتبط بذلك من قضايا مثل: المجاعات والهجرات والجفاف، والتحول الديمقراطي، والمؤسسات الجماعية، وعودة الانقلابات العسكرية في ظل احتدام حرب عالمية جديدة حول إفريقيا. كما أكدت أن إفريقيا ساحة خصبة ورحبة للدراسة، وأنها دائرة من دوائر الانتماء المهمة لمصر، ومن ثم من المهم دراستها سواء على مستوى دراسات المناطق أو على مستوى العلاقات الدولية.

الجديد في الدراسات الإفريقية:

بدأت د. عبير ربيع حديثها بتأكيد أهمية وجود خيط ناظم للدراسات الإفريقية وبحث الجديد فيها؛ لأن الحديث عن “الجديد” أمر متسع يحتاج إلى نظمه. وأشارت في هذا الإطار إلى أن الذاكرة التاريخية للتحولات الإفريقية ما زالت مؤثرة، وأن بحث الجديد يكمن في كيفية تناول القضايا القديمة المتجددة وليس فقط دراسة قضايا جديدة. وفي هذا الإطار، فإن للدراسات البينية أهمية كقاعدة لدراسة القارة الإفريقية، لأن أدوات جمع وتحليل المعلومات فيها تستلزم الرجوع لعلوم أخرى مثل الاجتماع والأنثروبولوجي، ولا يمكن الاقتصار فيها على السياسي بالمعنى الضيق المقتصر على السياسات العليا.

ودار النقاش في اللقاء حول المحاور التالية:

* القضايا الأكثر تناولا في الدراسات الإفريقية:

الصراع وبناء السلام: يعد من الاهتمامات البحثية القديمة المتجددة؛ حيث تركز الدراسات الحديثة بشكل أكثر تخصصًا على دور الفاعلين من غير الدول، مثل دور الشباب في عمليات بناء السلام، أو التركيز على مناطق معينة وليس دول، كما سنجد دراسات عن دور الأدوات التقليدية في عمليات بناء السلام واسترجاع دور الإثنيات وآلياتها في بناء السلام، بالإضافة لدور الفاعلين الأحدث مثل قوات حفظ السلام أو الاتحاد الإفريقي.

الحوكمة والتنمية: يعد من المجالات البحثية الأساسية نظرا لتصنيف القارة الإفريقية باعتبارها قارة نامية ؛ سواء من الجانب الاقتصادي (الفقر وعدم المساواة في الدخول..)، أو من جانب إدارة الحكومة ومحاربة الفساد بأشكال وآليات مختلفة، أو من الجانب المتعلق بالبيئة والعدالة المناخية وعمليات استخراج الثروات المعدنية وعلاقة ذلك بالاستعمار.

الجندر: ولا يقتصر على عملية العنف واللاعنف، فهو يضيف إلى ذلك البحث عن تقديم الخدمات والسياسات العامة فيما يتعلق بالفتيات والأطفال وصحة المرأة، وكذلك موضوعات المثلية، ودعم دور السيدات الأكاديميات في القارة الإفريقية.

الروايات والذاكرة التاريخية: تأتي الروايات ضمن أشكال الإنتاج التي من المهم للباحثين في الدراسات الإفريقية الاطلاع عليه، فهناك اتجاه يعمل على إعادة إنتاج الذاكرة التاريخية بأشكال مختلفة ، لذلك من المهم للمعنيين بالدراسات الإفريقية الاطلاع على تلك الروايات كجزء من الذاكرة التاريخية التي يقدمها أهل تلك البلاد.

حركات التحرر ومجال القانون الدولي: موضوع حركات التحرر ودور المحاكم الدولية والقانون الدولي الجنائي والمحكمة الجنائية الدولية وإعادة النظر في أساليب العدالة الانتقالية، ما تزال عملية النشر والإنتاج البحثي فيه مستمرة وضمن الاهتمامات البحثية في الدراسات الإفريقية.

* قضايا وإشكاليات منهجية في الدراسات الإفريقية (باللغة العربية):

– إن كثيرا من الدراسات الإفريقية لا تنطلق من عمل ميداني، الأمر الذي يؤثر في الإنتاج المعرفي لتلك الدراسات؛ حيث يُظهِر أبعادًا مختلفة للقضية محل الدراسة والإنتاج المعرفي. وهنا، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن القنوات المعرفية المفتوحة، بالإضافة إلى ما تقدمه الدول والمجتمعات الداخلية من بيانات ومعلومات ودراسات عن نفسها وعن مجتمعاتها ومستجدات شؤونها يمثل مخزونًا بحثيًا مهمًا في عمل الباحث، وإن كان ينطوي –في الوقت ذاته- على مشكلة بحثية ومنهجية تتمثل في التأثر بالاقترابات الغربية في الدراسات الأفريقية.

– وذلك في ظل نقص ملحوظ عموما في الدراسات المكتوبة باللغة العربية عن الدول الإفريقية وقضاياها، مقارنة بكثرة الدراسات الأجنبية أو الغربية عنها؛ الأمر الذي يثير التساؤل عن أسباب ذلك.

– قلة أو غياب المقارنات بين الدولة الإفريقية ضمن دراسات المناطق، التي تمثل إضافة بحثية مهمة. وإذا أجريت تلك المقارنات فإنها تتم بشكل مناطقي (المقارنة بين دول جنوب الصحراء وبعضها البعض أو بين دول الشمال)، بما يعمِّق الفصل الذي صنعته قوى الاحتلال بين شمال وجنوب القارة.

– أهمية ردم الفجوة الجيلية البحثية بين الباحثين والأساتذة الكبار (مثل د.حلمي شعراوي ود.عبد الملك عودة ود.حورية مجاهد) والأجيال الجديدة من الباحثين، وتطوير الدراسات الإفريقية المتأخرة، وذلك في إطار القضايا التي يطرحها كل جيل سواء على صعيد مصر أو على الصعيد الإفريقي من حيث أوجه التماس والتشابه والافتراق بين الأجيال فيما يتصل بالدراسات الجديدة بالإضافة إلى الكيفية أو الاقترابات التي تستخدم في هذا المقام. وبهذا الصدد من المهم ملاحظة أنه لم تعد هناك جماعة علمية خاصة بالدراسات الإفريقية وذلك يجعل من مسألة النقاش وتبادل الخبرات وتوارثها ما بين الأجيال مسألة صعبة في حقل الدراسات الإفريقية.

– أهمية تحقيب الدراسات الإفريقية لفهم ارتباطاتها التاريخية، وبيان هل ظهرت تحت ضغط الموقف أو الأحداث المرتبطة بحقب معينة وبالقضايا الرائجة أو ذائعة الصيت آنذاك، أم أنها دراسات ممتدة لا تتوقف أو لا تنشغل بلحظة معينة راهنة أو بقضية رائجة. ومن ثم، هل اهتمام الباحثين بالقضايا الإفريقية يغلب عليه دافع الانتماء أم المصلحة!

– أهمية استدعاء الميراث الثلاثي لإفريقيا: الإسلام والغربي والتقليدي، ومدى إمكانية إسهامه في دراسة القارة الإفريقية وتراثها بشكل أفضل. فمثلا عند التعرض لقضية تفكيك الاستعمار، من المهم بيان أن بداية حركات مقاومة الاستعمار في إفريقيا كانت إسلامية، وكذلك التنبه إلى أن من دوافع غياب المقارنة بين شمال إفريقيا وجنوبها الفصل بين العروبة والزنوجة. ويرتبط بذلك أهمية المفهوم الحضاري للسياسة، فمن المهم دراسة وتناول القضايا الإفريقية من مدخل شامل وواسع، لا يقتصر على السياسات العليا.

* المفاهيم والقضايا المتعلقة بالقارة الإفريقية:

غالبا تدور في إطار ثنائية الدولة والمجتمع، وذلك بحكم تطور القارة وقوة المجتمعات الإفريقية في مواجهة الدول. وتظهر هنا إشكالية في ضعف كثير من الدراسات التي تتناول المجتمعات الإفريقية وتركيزها على مساحة صغيرة جدًا من تلك المجتمعات. وهذا ما يُبرز أهمية التمييز في مستويات التحليل بين الدولة والمجتمع، فأجندة القضايا المرتبطة بالنظم والدولة (حديثة العهد بالاستقلال) موجهة للمنظومة ما بعد الاستعمارية (كالمثلية والجندر) وهي أجندة غربية بالأساس ويتحرك فيها الباحثون وفق ما هو مسموح، أما المجتمعات الإفريقية فهي قوية وعريقة، وثرية بالعديد من القضايا المهمة مثل: دور الحركات الصوفية في نشر الإسلام والوساطة بين الحكام والمحكومين، ودور المرأة الإفريقية في مجتمعها، والتفاعلات التاريخية بين المجتمعات الإفريقية والقضايا العربية والإسلامية والإنسانية المشتركة، كما يجب الانتباه لمدى صلاحية خطوط التقسيم والتمييز ما بين العرقي والقبَلي والقومي وهل ما زالت تحظى بنفس الأهمية.

* كيف نفهم القارة الإفريقية؟

– البعض يدرسها من منظور حركات التحرر ونظام الدولي جديد: من ضمن الأبحاث الجديدة “لأدم جيتشاو” وهي باحثة اثيوبية مقيمة في الولايات المتحدة، تحاول إعادة ترسيم وتحليل النظام الدولي وفقا لحركات التحرر الإفريقية، من كروما ونايري ودبوا وغيره، وترى أن تلك الحركات ليست فقط لخلق وحدة دولة قومية، ولكن لخلق نظام دولي مختلف يسعى للمساواة.

– أو من منظور دراسات تفكيك الاستعمار: بحكم تجارب القارة مع الاستعمار ما تزال هناك الكثير من الدراسات والبحوث التي تبحث مسألة تفكيك الاستعمار. من خلال الجانب التنموي والاقتصادي (بالرجوع مثلا إلى كتابات “سمير أمين”)، أو فكرة المجتمع الدولي وتفكيك الاستعمار من المنظور الإفريقي (مثل كتابات الباحث النيجري “سابيلو ندباك”)، أيضًا من الباحثين المهمين “ولتر رُدمي” وكتابه “كيف ساهمت أوروبا في  تخلف إفريقيا؟” وهو من الكتابات الأساسية في تفكيك الاستعمار من الجانب الاقتصادي. وفي نفس الإطار تطرح كتابات عن المركزية الإفريقية وما يرتبط بها من تطورات ومصطلحات، وكتابات تتناول فكرة العرق واللون، التي تكون أحيانا أسلوبا بديلا لرفض العنف والاحتلال.

وقد يكون من المهم في هذا الإطار الانتباه إلى إمكانيات ظهور صور جديدة لاحتلال أو استغلال القارة الإفريقية من قِبل قوى عالمية صاعدة مثل روسيا أو الصين أو غيرهما بدلا من الاحتلال الغربي بأشكاله المختلفة.

– دراسات الساحل الشرقي للقارة: نمت بعض الدراسات في الجامعات الأجنبية والعربية تحاول الجمع ما بين شمال وجنوب الصحراء، وما يرتبط بذلك من إعادة تفسير حركات التجارة المجتمعية بين منطقة الهند والساحل الشرقي للقارة الإفريقية.

– دراسات سياسات استغلال الموارد: توجد دراسات جزئية تجريها بعض مراكز صنع القرار حول عملية استغلال الموارد الطبيعية والثروات والمناجم في القارة الإفريقية ووجود شركات تسعى لاستغلال تلك الموارد.

– مصر وإفريقيا إبان حكم محمد علي وخلفائه: تعرضت بعض الدراسات للجانب التاريخي لتلك الفترة، ولكنها كتابات أجنبية ولا يوجد لها نظير عربي، نجد منها على سبيل المثال “ألين ميكائيل” يتحدث عن النموذج الاقتصاد الزراعي الاستغلالي وإدارة الموارد المائية لعائلة “محمد علي” في سبيل نهضة مصر.

التعرض للإشكاليات التاريخية العالقة: لا بد من مواجهة بعض القضايا الحساسة التي تقف حاجزًا بين المجتمعات العربية والمجتمعات الإفريقية والوصول إلى حلول لها: مثل قضية الرق، وقضية المركزية الإفريقية “الأفروسنتريك” مقابل النزعة العروبية أو القومية.

– دراسات حول طرق الحج والقوافل: يعمل عدد من الباحثين من الدول الإفريقية الإسلامية وخاصة السنغال على دراسات متعلقة بطرق الحج والقوافل، وإعادة تفسيرها في مواجهة المستعمر البريطاني وبعض تلك الدراسات يدخل تحت حقل العلاقات الدولية وأيضًا حقل التاريخ. 

* إفريقيا والقضية الفلسطينية:

توجد بعض الدراسات تتحدث عن دور قادة جنوب إفريقيا في القضية الفلسطينية، والمقارنة بين نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وما تمارسه دولة الاحتلال. وإن كان من الملاحظ أن التعاون بين بعض الجامعات الإفريقية والجامعات الإسرائيلية ما زال موجودا بوضوح، خاصة في ظل التغلغل الصهيوني في القارة بأشكال وصور غير مباشرة، لكن تظل قضية نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وبحث قضايا العدالة من الأمور أو المقاربات التي يمكن إبرازها لتوضيح القضية الفلسطينية وربطها بنماذج تاريخية شهدتها القارة الإفريقية من استعمار استيطاني وممارساته العنصرية ومقاومته.

ومن الجدير بالذكر أن هناك مواقف شعبية ورسمية (وإن كانت بدرجة أقل) مناصرة للقضية الفلسطينية عبر مسارها التاريخي، ولكنها لا تلقى اهتماما أو انتباها كافيا.

ختاما..

نؤكد أهمية المتابعة الحضارية لأزمات الأمة، وعدم التوقف عن العناية بأي بقعة من بقاع الأمة الإسلامية المستهدفة، على الرغم من سخونة وكثافة المتابعة للأحداث الجارية في حرب الاحتلال الإسرائيلي الحالية على قطاع غزة على إثر معركة طوفان الأقصى التي خاضتها المقاومة ضد الاحتلال، وأن الرباط على الثغور العلمية يستلزم العناية بكافة قضايا وبقاع الأمة الإسلامية حتى مع بروز إحدى البقاع أو إحدى القضايا كأولوية في الوقت الراهن؛ فإن ذلك لا يلغي أهمية العناية بباقي الجغرافيا الحضارية للأمة الإسلامية.

مصادر مقترحة حول الشئون الإفريقية:

  • السيرة الذاتية للدكتور حلمي شعراوي.
  • إصدارات “كوديسا”
  • بعض إصدارات دار الكتب والوثائق القومية.
  • بعض إصدارات اليونسكو

 

Peer-reviewed Journals

  • Africa
  • Africa Development
  • African Affairs
  • African Studies
  • Journal of Asian and African Studies
  • Journal of Contemporary African Studies
  • Journal of Modern African Studies
  • Journal of Southern African Studies
  • Journal of Eastern African Studies
  • Review of African Political Economy
  • شئون أفريقية
  • آفاق أفريقية

Websites

Archival resources

Documentaries and Podcasts

الموسم العلمي لمركز الحضارة، للعام 2023/2024

اللقاء الخامس: السبت 10 يونيو 2023

يمكن مشاهدة المحاضرة من خلال هذا الرابط

تفريغ وتحرير: عبد الرحمن فهيم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى