الأقليات المسلمة في الغرب 2008

تقديم:

كان من المفترض أن يتصل هذا التقرير بملف المنطقة العربية على نحو ما جرى العمل عليه في إعداد الحولية. ورغم ما يبدو لمن ينظر للمشهد الأوروبي أو الأمريكي من خصوصية شديدة تضفي حالة من التفرد والانفصال على قضايا وهموم المسلمين هناك، وتظهرها وكأنها لا صلة لها البتة بما يجري داخل حدود العالم الإسلامي الرسمي، فإن النظرة المتعمقة وتأمل خلفيات المشهد المهيمن والإلمام بمجريات الأمور في كواليسه، تكشف النقاب عن حقيقة مختلفة جذريًّا، مؤداها أن صورة الوسط المسلم في الغرب، هي مجرد ترجمة حرفية صادقة وانعكاس دقيق في المرآة، لنفس القسمات والملامح المميزة لصورة الشرق المسلم (أو قل بعبارة أخرى أن الأمراض التي تصيب العالم الإسلامي في عقر داره، وفي قلب العالم العربي، تتجلى أعراضها على مسلمي أوروبا والولايات المتحدة، ومن البديهي أن مصدر الداء هو ذاته الذي يمتلك تقديم مفتاح الدواء).
وفي هذا الإطار، تجدر ملاحظة استمرار التفاعل حول بعض الملفات المفتوحة منذ سنوات مضت، واتخاذه اتجاهًا تصاعديًّا في طرح نفس القضايا لتكون هي محور التفاعل المرشح للتجدد والتفاقم لسنوات مقبلة. وتكفي الإشارة مثلًا لقضية “الهجرة”-أو قضية أخرى مرتبطة بها ارتباطًا طرديًّا تلازميًّا، ولكنها ذات منحى أكثر تأزمًا، ولذا، تعرف بأزمة “الاندماج”. هذا فضلا، عن قضية “المرأة”، من زاوية حقوقها، ومساواتها مع الرجل، فعلى نفس المنوال، يتم ربطها بشكل أو بآخر، بملفي الهجرة والاندماج.
اللافت في هذا الشأن، أن تشغل قضية “الحجاب” أو “النقاب” أو “الزي الإسلامي”، الذي ترتديه المرأة المسلمة، برغم صفتها الشكلية، هذه المكانة المحورية المفتعلة، وأن تضعها الدوائر السياسية والإعلامية في موقع “بؤرة” التركيز والاهتمام، وتسترشد بها كمؤشر ذي دلالة على حجم الشوط الذي قطعته الأقليات المسلمة من الأصول غير الغربية ومن أبناء وأحفاد المهاجرين على درب الاندماج في المجتمعات الجديدة المستقبِلة لهم. وتسلط عليها الأضواء بوصفها ذات وظيفة رمزية تتعدى الشعيرة الدينية التي تخص علاقة الفرد بربه، إلى تكييفها كمصدر تهديد للحضارة الغربية، يثير هواجس القلق والتخوف المرضي بما يصل إلى حد الفوبيا لدى الرأي العام الغربي، ويستدعي التحرك لمواجهته من جانب القائمين على الأمر في تلك البلدان. ثم يدفع التخوف إزاء الإسلام والمسلمين، الذي تحول إلى هاجس مرضي منتشر في أغلب بلدان الغرب، في اتجاه توسيع دائرة “الرموز” الإسلامية المطلوب التصدي لها، لتضم معالم معمارية من قبيل “مآذن” المساجد التي تحمل بمعاني ومضامين “الارتفاع” لتتعدى صفتها كبناء، وبحيث يرمز علو صوت المؤذن فوقها لارتفاع صوت المسلمين، وكونه يغير من معالم الشارع الغربي تأكيدًا لوجود قوي، وعزيز للإسلام في البلدان محل البحث.
ومن القضايا اللافتة والتي كانت تستدعي من المسلمين وقفة حقيقية هي كون الصعود في تيار اليمين المتشدد المعادي للإسلام والمناوئ للوجود المسلم في الغرب لم ينحصر في صعيد واحد بعينه، فهو ليس ظاهرة قاصرة على الأوساط السياسية فقط، ولا على دوائر الرأي العام ووسائل الإعلام فحسب، بل الأخطر، انتشارها وامتدادها لتطال الدوائر الأكاديمية العلمية وتجسدها مجموعة من مراكز البحوث والتخطيط الاستراتيجي ومستودعات التفكير Think Tank التي يشيع فيها نفس التوجه ويهيمن على إدارتها، وتتولى تحديد “أجندتها البحثية” عناصر تنتمي لنفس تيار اليمين.
والخطأ الذي وقع فيه أغلب المسلمين هو إغفالهم لهذه الدائرة الأخيرة، رغم أهميتها، وتركيزهم جل الاهتمام في الرد والتفنيد والدفاع عن الإسلام عبر القنوات التقليدية المعروفة السياسية والإعلامية، وعدم التفاتهم أو إدراكهم لحقيقة ما يجري عبر المؤسسات الجامعية والبحثية الغربية إلا في وقت متأخر. ولا تكاد الجهود البحثية في العالم العربي والإسلامي التي بدأت مؤخرًا، توازي أو تضاهي في شيء تلك الحملة المكثفة من الاهتمام الغربي بدراسة الإسلام، وإنتاج تراكم ضخم من الأعمال البحثية التفصيلية عن أحوال المسلمين (تارة غث، وتارة أخرى ثمين).
فالمسلمون لا يعرفون الكثير عن الغرب لأنهم لم يدرسوه دراسة وافية، والأخطر أنهم يجهلون الكثير أيضًا عن أنفسهم، والأشد خطرًا أنهم حتى عندما شرعوا في دراسة أنفسهم (على سبيل رد الفعل) اعتمدوا في أغلب الأحيان على ما قدمه لهم الغرب من منطلقات وتعميمات نظرية سابقة التجهيز، سواء من زاوية المناهج والمدارس والاقترابات والأدوات البحثية المستخدمة، أو من زاوية الأجندة والأولويات والموضوعات الجديرة بالدراسة، أو من زاوية التمويل، المؤثر حتمًا على تصميمات البحوث ومضامينها ونتائجها، أو من كافة تلك الزوايا معًا.
فكيف يتسنى للعالم الإسلامي التحرر من “أسر التبعية” للغرب، حتى وإن حاول ذلك على الصعيدين السياسي والإعلامي، بينما هو لا زال يدور في فلكه علميًّا وأكاديميًّا؟ والتساؤل الذي يفرض نفسه على هذا التقرير، هو عما إذا كانت “المواجهة” اقتصرت على الساحات التقليدية السياسية والإعلامية، أم امتدت إلى مراكز البحوث والتفكير أخذًا في الاعتبار، حقيقة أن تلك المراكز، وما تقدمه من إنتاج علمي ومساهمات بحثية تحتل في مجتمعات الغرب موقع القاعدة الأساسية والركيزة التي تبنى عليها السياسات، وتضبط على إيقاعها الأجندة الإعلامية (فهي المتغير المستقل وما عداها مجرد متغير تابع)(*).

تتصاعد أهمية رصد أحوال الأقليات المسلمة في الغرب عامًا بعد عام، ليس فقط لكونها امتدادًا للأمة الإسلامية؛ ولكن لأسباب متعددة من أهمها: أن هذه الأقليات تقف على رأس خطوط تماسٍّ ثقافية وسياسية وإجرائية بين العالم الإسلامي والغرب. إن دراسة أحوال هذه الأقليات تسمح ببلورة أفكار ورؤى وتساؤلات لم تكن لتظهر بهذا السطوع لولا اشتباكاتها ومعايشاتها لمجتمعاتها الغربية. ومن بين أهم هذه الأفكار حضور الدين في الحياة العامة.. نماذج العلمانية.. الاندماج والخصوصية الثقافية.. قضايا المرأة.. المشاركة السياسية.. المؤسسات والمرجعيات الدينية… وغير ذلك.
ثم جاءت ثورة الاتصالات لتتيح مجالًا أوسع لتلاقح المواقف والرؤى بين الأقليات (كأطراف حساسة للعالم الإسلامي) وقلب العالم الإسلامي سواء في إدارة الأزمات أو ردود الأفعال (مثال: قرار منع الحجاب في المدارس العامة في فرنسا 2004، أزمة الرسوم الدنماركية 2006…) بل وحتى في التعاطي مع أيقونات ثقافية وفنية (مثال: انتشار أغنيات المطرب البريطاني سامي يوسف).
ثم تزامن ذلك وتقاطع مع عواقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتلتها تفجيرات لندن ومدريد لتصبح هذه الأقليات عرضة لسلسلة من المواقف والإجراءات في إطار ما اصطلح على تسميته بمكافحة الإرهاب سواء في صوره القانونية والإجرائية، أو في مشروعات ورؤى تكتيكية واستراتيجية أعقد تحاول التأثير في أداء هذه الأقليات بما يتوافق مع أهدافها.
إلا أن رصد وتحليل أوضاع الأقليات المسلمة في الغرب يستوجب اعتبار عدد من التمايزات والاختلافات سواء على المستوى الجغرافي (ما بين أوروبا الغربية، أوروبا الشرقية، الولايات المتحدة، أستراليا) بما تحمله هذه النطاقات من ذاكرة تاريخية ورؤى سياسية متباينة، أو حتى على مستوى الدول المختلفة التي تقع في هذه النطاقات بما لها من نظم قانونية وسياسات للاندماج.
ووفقًا للباحث Marcel Maussen ، “فإن الأداء الفعلي للأقليات المسلمة في دول أوروبا الغربية وقدرتها على الحراك ودعم مطالبها تتحدد وفقًا لثلاثة عناصر: علاقة دولة هذه الأقلية بالدين (أو الكنيسة)، وحزمة القوانين والإجراءات ونموذج المواطنة الذي تتبناه هذه الدولة، ونظرة الدولة لما يعرف بالتعددية الثقافية”[1].

محددات التمايز بين الأقليات المسلمة عبر مختلف البلدان:

أ- نموذج الاندماج الذي تتبناه دولة بعينها، ومن أشهر تلك النماذج:
1- نموذج “التعددية الثقافية” في بريطانيا وهولندا.
2 – نموذج “الذوبان “Assimilation في فرنسا.
3- نموذج العمالة المؤقتة Guest Worker في ألمانيا.
4- نموذج بوتقة الانصهار Melting Pot في الولايات المتحدة الأمريكية.
ب- الخلفيات الإثنية والأيديولوجية المتباينة بين الأقليات المختلفة، أو حتى على مستوى أقلية بعينها (على سبيل المثال أغلبية مسلمي بريطانيا من أصول آسيوية، وأغلبية مسلمي فرنسا من أصول مغاربية، وغالبية مسلمي ألمانيا من أصول تركية…إلخ).
ج- الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي تتحدد وفقًا لمستوى التعليم والدخل، وهو ما نراه فرقًا واضحًا ما بين الأقليات المسلمة في أوروبا (التي يرجع تاريخ أغلبها إلى العمالة التي وفدت للقارة بعد الحرب العالمية الثانية) وبين الولايات المتحدة (والتي تمثل الطبقة المتوسطة من أصحاب المهن النسبةَ الغالبة فيها من المسلمين).
د- الفروق الجيلية: بين الأجيال الأولى التي جاءت إلى الغرب وهي تحلم بالعودة ولم تكن لتمتلك -في الأغلب الأعم- القدرات اللغوية والمهارات التي تدعم اندماجها، والأجيال الأصغر التي ولدت لتصبح من مواطني تلك البلاد، ولديها من المهارات ما يسمح لها بالاندماج، إلا أنها تواجه تحديات أكثر تركيبًا على رأسها سؤال الهوية وتأسيس أوضاعها.
هـ- التاريخ والتركيبة البشرية: التي تشكل وضع المسلمين في تلك البلاد، ويأتي المثال المميز من أوروبا الشرقية ومنطقة البلقان، حيث النسبة الأعظم من المسلمين هم مواطنون (مدنيون) أوروبيون، إلا أنهم يحملون تاريخًا معقدًا ما زال يحكم أوضاعهم الحياتية والسياسية في منظوره القريب (تاريخ الشيوعية وتأثيرات الحرب الباردة على تلك المنطقة) أو البعيد (تاريخ الدولة العثمانية والنظر لهم كبقايا للوجود التركي المسلم في مقابل الوجود الأوروبي المسيحي).

أوروبا والولايات المتحدة: النماذج الشائعة وإعادة التعريف

يجدر بنا الوقوف بشئ من التفصيل عند الحديث عن الفروق الأساسية بين النموذجين الأوروبي والأمريكي في مسألة خلفيات الأقلية المسلمة وسياسات دمجها، والأهم التغيير الذي طرأ على طبيعة كل نموذج وأسبابه.
وفي تحليلها الذي نشر على موقع قنطرة تحت عنوان “مسلمو أمريكا وأوروبا: قصة قارتين”، تقول Shada Islam: “إن غالبية الأقلية المسلمة في أوروبا جاءت من خلفيات فقيرة سكنت الضواحي وجاءت في عقود الستينيات والسبعينيات للعمل في مناجم الفحم والصناعات الثقيلة، وظلت في قاع السلم الاجتماعي بسبب تجاهل السياسيين والتمييز الذي تعرضت له في السكن، والمدارس، وسوق العمل”[2].
وتتفاوت التقديرات في تحديد عدد المسلمين في أوروبا ولكن أغلب المصادر تشير إلى أن ما بين (15) مليون مسلم يعيشون في دول الاتحاد الأوروبي، وأن كتلهم الأساسية في فرنسا، وألمانيا، وبلجيكا، وبريطانيا، وهولندا، واليونان وبلغاريا؛ حيث يمثل عددهم نسبة ما بين 3%-13% من عدد السكان في هذه الدول. وتقارن Shada بين مثل هذا الوضع ووضع سبعة ملايين مسلم في أمريكا ظلوا أكثر قدرة على الاندماج، وجاء أغلبهم من خلفيات مهنية لطبقة متوسطة لا تقل في دخلها وأدائها العام عن متوسط الدخل الذي تحققه الطبقة المتوسطة الأمريكية. وتضيف أن 60% من مسلمي أمريكا من المتعلمين وأن 52% يزيد دخلهم عن $50000 في العام، كما أن 63% منهم مسجلون بوصفهم ناخبين.
كما يظهر عامل آخر وراء السهولة النسبية للاندماج في المجتمع الأمريكي باعتباره مجتمع مهاجرين بالأساس. وتبدو ممارسات الشعائر الدينية أكثر يُسرًا في المجتمع الأمريكي الذي ظلت علاقته بالدين إيجابية لأسباب تاريخية وثقافية مختلفة، بينما بدت أكثر صعوبة بكثير في القارة الأوروبية التي تتجذر فيها العلمانية.
وتسوق الباحثة الخبيرة Jocelyn Cesari فرقًا آخر؛ إذ ترى أن الإدراك الأوروبي للتجليات السياسية والدولية للإسلام والمسلمين ظل عاملًا من عوامل رسم صورة المسلمين في أوروبا، بينما ظلت الولايات المتحدة لديها القدرة على الفصل بين مثل هذه التجليات في العالم الإسلامي من جانبٍ، والجالية المسلمة في الداخل من جانبٍ آخر[3].
ولعل مثل هذا النجاح النسبي للنموذج الأمريكي للدمج في الداخل ما دفع Thomas Farr في مقاله Diplomacy in Era of Faith في دورية Foreign Policies (مارس-أبريل 2008) ليتساءل: لماذا لم تتعلم أمريكا من نجاحها في التعامل مع ملف الأديان والحريات في الداخل، بحيث يجنبها ذلك الفشل الذي تعاني منه في سياستها الخارجية؟

11 سبتمبر: منعطف التغيير

تتفق كل من Shada وCesari على أن أمرًا ما قد تغير بعد 11 سبتمبر. وتؤكد الأولى أنه بالرغم من أن الولايات المتحدة كانت الهدف الأساسي للهجمات الإرهابية إلا أن بعضًا من مسلمي أوروبا والذين عانى كثير منهم من عدم الاندماج للأسباب سالفة الذكر، هؤلاء هم المرشحون المحتملون الذين يتم تجنيدهم للقيام بمثل هذه العمليات. وتستمر في تحليلها بأن التحديات التي واجهت المسلمين في كل من أمريكا وأوروبا بعد 11/9 خلقت رابطًا بينهم يجعلهم تحت المجهر، كما عززت لديهم رغبتهم في تأكيد هويتهم الإسلامية في مواجهة هذا التحدي.
وعلى صعيد آخر، ترىCesari أن توافقًا ما قد تحقق بين الخطابات السياسية في كل من أوروبا وأمريكا بعد 11/9، وأن هذا خلق تطابقًا بين محاور الحرب على الإرهاب، والإجراءات الأمنية الداخلية، وسياسات الهجرة، وأن مثل هذا التطابق قد غيَّب التمييز بين السياسات الخارجية والداخلية، بما ينعكس أثره ليس على الأقليات المسلمة فقط، بل على قضايا أعم مثل قضايا العلمانية، والتعددية الثقافية في المجتمعات الديمقراطية.
وفي سياق أوسع يرى عدد من الباحثين[4] أن الاتجاه لتقديم الإسلام باعتباره “أزمة” قد أخل كثيرًا بالاتجاهات الداعمة لدمج الأقليات المسلمة، وأن تصاعد موجات الراديكالية ووقوع أحداث 11 سبتمبر، وتفجيرات مدريد 2004، ثم لندن 2005، قد حركت قضايا الأقليات من كونها ملفًا للهجرة والاندماج إلى ملف أمني لمكافحة الإرهاب، وأنه ومنذ التسعينيات، هناك اتجاه لتصوير الإسلام والمسلمين على أنهم مصدر للأزمات على خلفية قضية سلمان رشدي 1989، وما تلاها من أزمات لها طابع ثقافي ومفاهيمي مثل: أزمة منع الحجاب في فرنسا 2004، وأزمة الرسوم الدانمركية 2006… وكل ما سبق يوحي لنا كيف يصور الإسلام بوصفه مشكلة تبحث عن حل، دون الالتفات الكافي للجهود البنائية اليومية للآلاف من أبناء المجتمعات الإسلامية في الغرب.
مجمل هذه الأحداث دفعت من تبنوا نماذج الاندماج المختلفة إلى مراجعة اتجاهاتهم وهو ما مهد لسيطرة الطابع الأمني الإجرائي على معالجة هذا الملف حتى بات يهدد منظومة الحقوق المدنية والتقاليد الغربية في هذا الشأن. وهو ملف يشهد نشاطًا كبيرًا وضغوطًا خاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية على الدول الأوروبية لاتخاذ خطوات حاسمة، وتبادل المعلومات (الأمنية والاستخباراتية).

خصوصية الحالة الأسترالية:

وهو الأمر الذي امتد ليشمل “أستراليا” حيث تسيطر على غالبية ما يبث من أخبار (مع ندرة ما ينشر) عن مسلمي أستراليا. والمواقف الرسمية في هذا الشأن تسيطر عليها امتدادات مسألة مكافحة الإرهاب والإجراءات التي تتخذ، وذلك مع اعتبار أستراليا حليفًا من حلفاء “الحرب على الإرهاب”. وهنا يفضل العودة لبعض الخلفيات الأساسية عن تاريخ وديناميكية وجود المسلمين في أستراليا[5]؛ حيث:
– يعد الإسلام رابع ديانة في أستراليا بعد المسيحية، و”اللادينية” والبوذية. ويبلغ عدد المسلمين (وفقًا لتعداد عام 2006) 340,392؛ أي أن 1.71% يعرفون أنفسهم على أنهم مسلمون.
– الموجة الأساسية من المسلمين الذين جاءوا إلى أستراليا كانوا من الجمالين الأفغان الذين استقدموا لمساعدة الباحثين في استكشاف القارة وطرقها الصحراوية. وهناك بعض المؤرخين الذين يرون أن الأمر بدأ قبل ذلك في القرن الـ17؛ حيث جاء التجار الإندونيسيون إلى القارة، وكانت لهم علاقات طيبة مع السكان الأصليين، حتى تزاوجوا معهم واندمج أبنائهم في المجتمع.
– وقد عانى المسلمون غير الأوروبيين في بداية القرن العشرين من سياسات الهجرة الأسترالية، التي سميت بـ”سياسة أستراليا البيضاء”، والتي كانت تحد من هجرة غير البيض لها.
– ولكن هذه السياسة قد اتسعت فيما بعد الحرب العالمية الثانية، وأجريت على سبيل المثال اتفاقية للهجرة من تركيا إلى أستراليا، واستقر معظم المهاجرين الأتراك في ملبورن وسيدني.
– منذ عقد السبعينيات، تبنت أستراليا نموذج “التعددية الثقافية”. وعلى أثر ذلك، هاجر إليها عدد أكبر من المسلمين من لبنان، وإندونيسيا، والبوسنة، وألبانيا، والسودان، ومصر، وأفغانستان، والهند.
– هناك خطوط فاصلة واضحة تميز بين روافد الأقلية الإسلامية في أستراليا وفقًا لخلفياتها الإثنية والأيديولوجية. فأغلب المسلمين في ساوث ويلز من العرب، بينما أغلب المسلمين في فيكتوريا من أصل تركي أو ألباني. ويوصف مجتمع المسلمين في فيكتوريا بأنه أكثر علمانية وأقدر على الاندماج من مجتمع ساوث ويلز. وقد تجلت هذه الفروق في رفض مسلمي فيكتوريا اختيار الشيخ ” تاج الدين هلالي ” مفتيًّا لأستراليا على خلفية تصريحاته المثيرة للجدل في 2006 من أن النساء تتحمل مسئولية اغتصابهن كعاقبة لكشف عوراتهن وتعرّيهن، وهو ما أثار غضب كثير من الأستراليين، واعتبر هجومًا غير منصف ضد المرأة.
– تزايد عدد المهتدين للإسلام في أوساط السكان الأصليين في أستراليا؛ وذلك لرفضهم المسيحية لكونها ديانة ما بعد الكولونيالية (استعمارية) “ولبروز الإسلام وظهوره بقوة”.
– منذ تفجيرات 11/ 9 وتفجيرات بالي أصبحت أوضاع الإسلام والمسلمين وعلاقتهم بقضايا الإرهاب والتطرف محل نقاش في الإعلام والمنتديات العامة، وكانت عادة ما تبدو النظرة إلى المسلمين تعميمية ونمطية تتجاهل حقيقة التركيبة التعددية التي يتسم بها المسلمون في أستراليا.
– وتعاني الأقلية في أستراليا من تراجعها اقتصاديًّا وتعليميًّا. حيث يقل دخل المسلمين عن متوسط الدخل في أستراليا؛ علمًا بأن معدلات البطالة تزيد في أوساط المسلمين ممن ولدوا خارج البلاد.
– بدأ المسلمون منذ عقود في تكوين مؤسسات وجمعيات لخدمة احتياجاتهم مثل بناء المساجد وتعليم أبنائهم عبر المدارس الدينية. وفي عام 1963، تجمعت المنظمات المختلفة في “اتحاد المنظمات الإسلامية الأسترالية”. وفي عام 1979، تم إنشاء مظلة لعدد من المجالس الإسلامية: “الاتحاد الأسترالي للمجالس الإسلامية”، ومن المفترض أن تمثل هذه المنظمات مسلمي أستراليا داخليًّا ودوليًّا.

الملامح الأساسية لأحداث عام 2008:

شهد عام 2008 استمرارًا في تصاعد الأحداث المؤثرة في أوضاع الأقليات المسلمة في أوروبا، وأمريكا، وأستراليا، كما بدت أصداء هذه الأحداث شديدة الدلالة في إثبات الأهمية المتزايدة التي يكتسبها مثل هذا الملف. وظهرت مسألة الأمن والتهديدات الإرهابية محركًا لعدد من المشروعات والإجراءات التي حملت تأثيرًا مباشرًا على أوضاع المجتمعات المسلمة في الغرب، سواء ما اتخذ منها شكلًا مباشرًا كحزم قوانين الاحتجاز، واستخدام البيانات الشخصية، وقوانين الهجرة، أو ما اتخذ شكلًا غير مباشر في مجالات التعليم والتدريب.
كما شهد عام 2008 صعودًا سياسيًّا لأحزاب وشخصيات يمينية في دول أوروبية مختلفة مع ما ترتب على ذلك من خلق أجواء تحدّ من فرص هذه الأقليات في تطوير أوضاعها.
أما ما يتعلق بمسألة الرموز الدينية ومسألة الحضور المرئي للإسلام في المجال العام، والذي تجلى بقوة في أزمة الحجاب بفرنسا عام 2004، فقد استمرت محل نقاش، وإن لم تكن بنفس الدرجة، وامتدت هذه الرموز لتشمل اللحى، والمآذن، والأذان… كما تجلت قضية مفاهيم العفة والعذرية لدى المسلمين في أوروبا لتطرح أسئلة أعمق حول دمج أكواد دينية واجتماعية تخص المسلمين في سياق اجتماعي شديد الاختلاف.
وفي سياق ظهور بعض الاتجاهات المعادية للإسلام، استمرت أصداء أزمة الرسوم الدانمركية. وظهر فيلم هولندي مسيئ للقرآن الكريم، كما ظهرت عدة ممارسات متفرقة في نفس السياق. وعلى الرغم من سيادة العلمانية نمطًا للتفكير والحياة في أغلب الدول الغربية فإن الحديث تجدد عن طبيعة الدين ودوره عبر تصريحات أسقف كانتربري عن مسألة تطبيق الشريعة في بريطانيا، وغير ذلك من تصريحات لشخصيات بارزة في نفس الإطار.
واستمرت جدلية تمثيل الإسلام والأقليات المسلمة في الدول الغربية، خاصة ما بين المؤسسات التقليدية من جهة، وتلك الحركات الشابة غير التقليدية الآخذة في التشكل من جهة أخرى.
وامتدت الظواهر سالفة الذكر إلى أوروبا (الغربية على وجه الخصوص)، وأمريكا وأستراليا. وإن ظلت بعض القضايا متعلقة بنطاقات بعينها، وطبيعة التطورات التي تشهدها. ففي أوروبا الشرقية، استمرت ظلال وبقايا مأساة حرب التطهير العرقي في البوسنة والبلقان من جانب، والبحث عن هوية وسط محاولات الاستقلال السياسي والثقافي من جانب آخر.
وفي الولايات المتحدة، تواجه الأقلية تحديات التهميش السياسي في ضوء الحملة الانتخابية الرئاسية التي شهدتها أواخر عام 2008. أما أستراليا، فعرفت بشكل واضح امتدادات لمسألة مكافحة الإرهاب وإجراءاتها.

ويمكن الوقوف على أهم تفاصيل هذه القضايا وتأثيراتها فيما يلي.

سياسات مكافحة الإرهاب و قوانين الهجرة

استمرت بريطانيا في استكمال حزمة القوانين والإجراءات المناهضة للإرهاب، حيث أقر مجلس العموم البريطاني (البرلمان) بأغلبية ضئيلة اقتراح رئيس الوزراء جوردن براون بشأن تمديد فترة الاعتقال في قضايا الإرهاب دون توجيه اتهام إلى (42) يومًا بدلًا من (28) يومًا[6]. وكانت خطة الحكومة البريطانية لتمديد فترة الاعتقال للمشتبه فيهم قد تعرضت إلى هجوم شديد من قِبل لجنة برلمانية، وصفت القانون بأنه معيب ومستهجن ومسيء للأقليات[7]. وامتدت إجراءات مكافحة الإرهاب إلى المواد المكتوبة التي تحض على التطرف مثلما تم مع سمينا مالك التي تم الحكم عليها بالسجن نظرًا لكتابتها لقصيدة تحض على قتل غير المسلمين. وكذلك، 5 طلاب مسلمين بريطانيين برأتهم محكمة الاستئناف بعدما كان قد تم الحكم عليهم بسبب حيازتهم مواد مكتوبة متطرفة[8].
وفي إطار ردود الأفعال حول مثل هذه الإجراءات والقوانين طالبت الأمم المتحدة بريطانيا بتحسين معاملة مسلميها. ووفقًا لما نشرته صحيفة تلجراف البريطانية، فإن انتقاد اللجنة جاء ردًّا على تقارير بريطانية حول طرق تنفيذ لندن التزاماتها بأحكام المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية الموقعة عام 1966.
كما حذرت إحدى الموثقات والتي تعمل في الأمم المتحدة في تقرير لها من (23) صفحة من أن إجراءات مواجهة الإرهاب في بريطانيا قد يتم النظر لها سلبًا؛ وذلك للتمييز الذي تمارسه ضد المسلمين. وفي إحدى استشهادات التقرير تمت الإشارة إلى أن 80% من المسلمين يشعرون بالتمييز ضدهم. وانتقد التقرير بشكل خاص الفصل 200 من قانون الإرهاب، والذي بناء عليه يمكن للشرطة أن توقف وتقوم بتفتيش الناس دون إظهار سبب وجيه لذلك. كما انتقد التقرير بشدة اللغة الغامضة، والمصطلحات الفضفاضة التي تتكرر بكثرة في نص قانون الإرهاب لعام 2006[9].
في نفس السياق، استخدمت بريطانيا عددًا من وسائل القوة اللينة Soft Power ؛ منها: الخطة التي كشفت عنها وزارة الجاليات والحكم المحلي البريطاني لمواجهة الأفكار “المتطرفة” من خلال تدريب المرأة المسلمة على مهارات التصدي لتلك الأفكار[10]، كما درست فكرة إرسال أئمة “معتدلين” بمدارس بريطانيا لمكافحة التطرف. كذلك، أثارت خطة وضعتها لجنة أكاديمية بريطانية لإدراج الحرب في العراق واعتداءات 11 سبتمبر 2001، ومناقشة أسباب لجوء بعض الناس إلى الإرهاب، ضمن المقررات المدرسية لمادة التاريخ في شهادة الثانوية العامة، جدلًا واسعًا[11].
أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد تجاوزت في محاولتها حصار أسباب التطرف والعنف مشروعاتها الداخلية، وأبدت اهتمامًا بالضواحي الباريسية «المسلمة» منذ 11 سبتمبر، فهي تساهم في تمويل عدد من الجمعيات الناشطة في هذه المناطق، وأيضًا في تمويل رحلات ومنح دراسية في الولايات المتحدة. ويذكر أن الاهتمام الأميركي بهذه الضواحي ازداد منذ الانتفاضة التي شهدتها عام 2005، ونقل عن الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية علي العيدي قوله إن ما يهم الأميركيين هو معرفة أسباب تطرّف منفذي هجمات 11 سبتمبر بعد إقامتهم في أوروبا[12].
وداخليًّا، ومع اقتراب ولاية الرئيس جورج بوش على نهايتها، وضعت الإدارة الأمريكية دليلًا إرشاديًّا يتضمن جُـملا ومصطلحات يتعين على الدبلوماسيين والمسئولين الأمريكيين استخدامها لتفادي الربط بين الإسلام والإرهاب[13]. ولكن اقتحام مسجد “وهمي” ضمن تدريب للشرطة على تحرير رهائن يحتجزهم “متشددون” أغضب مسلمي أمريكا؛ نظرًا لما ينطوي عليه من محاولة للربط بين دور عبادتهم والإرهاب[14].
وفي أستراليا، ظهرت عدة إجراءات وممارسات في نفس الإطار. فعملت الحكومة الأسترالية على صياغة جديدة لأحد قوانين مكافحة الإرهاب؛ وهي القوانين التي من شأنها أن تسمح لأرباب العمل بالتجسس على رسائل البريد الإلكتروني والاتصالات عبر الإنترنت للعاملين دون موافقتهم، بما أثار جماعات الدفاع عن الحريات المدنية[15].
كما داهمت الشرطة الأسترالية مكتب منظمة “الغوث الإسلامي” بمدينة سيدني، بتهمة تقديمها مساعدات للفلسطينيين عبر جمعية صندوق التنمية وإغاثة الفلسطينيين “إنتربال” الإسلامية الخيرية التي تحظرها كل من أستراليا والولايات المتحدة الأمريكية؛ بزعم علاقتها بالإرهاب[16]. وفي إطار التعاون في هذا الملف، اعتزمت أوروبا إطلاع أستراليا على بيانات المسافرين بالمطارات الذين يفدون من دول الاتحاد. وتمنح شركات الطيران بدول الاتحاد الأوروبي حاليًّا واشنطن حق الاطلاع على (19) بندًا من بيانات الركاب[17].
وفي الفاتيكان وبدعوى حماية البابا بنديكيت السادس عشر وسلطته الباباوية من أي محاولة استهداف، أنشأت فرقة لمكافحة الإرهاب فتحت على الفور خط تعاون مع المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (إنتربول)[18].
أما عن أثر هذه الإجراءات على مسألة الهجرة، فقد انتقدت بعض الممارسات غير المعتادة ومنها ما انتقدته جماعات حقوقية ووصفته بأنه تمييز ضد مهاجرين محتملين؛ حيث باتت السلطات تفرض امتحانًا لغويـًّا، وثقافيًّا، إجباريًّا على الراغبين في الهجرة إلى هولندا[19]. وفي السياق ذاته، أثار اختبار جديد للراغبين في الحصول على الجنسية الألمانية اعتراضات واسعة من جانب مسلمي البلد الأوروبي، وناشطين حزبيين من الحكومة والمعارضة؛ لمساسه بالقيم الدينية للمتقدم، وصعوبته الشديدة. ومن الأسئلة مثار الاستياء على سبيل المثال: ما رأيك فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير؟، وهل تقبل خروج النساء بمفردهن في الشوارع بدون صحبة محارمهن من الرجال؟[20]. كما رفضت فرنسا منح امرأة مغربية منتقبة الجنسية الفرنسية؛ بحجة أن مفاهيمها “المتشددة” للإسلام لا تتماشى مع القيم والمبادئ الفرنسية الأساسية، خاصة مبدأ المساواة بين الجنسين.
وعلى مستوى أوسع صادق النواب الأوروبيون على مشروع قانون يضع معايير مشتركة لتسهيل ترحيل الأشخاص المقيمين في بلدان الاتحاد الأوروبي الـ(27) بشكل غير قانوني، في وقت تشهد المنطقة تزايد المشاعر المعادية للمهاجرين[21].

الصعود السياسي للأحزاب اليمينية:

أسفرت الانتخابات المحلية في إنجلترا عن فوز العمدة اليميني مرشح حزب المحافظين البريطاني بوريس جونسون في لندن، وكان مسلمو بريطانيا قد احتشدوا لدعم كين ليفنجستون (المرشح المنافس له)، والذي طالما شجع المجتمع متعدد الثقافات والأقلية المسلمة في المدينة في مواجهة العنصرية والإسلاموفوبيا. لكن يبدو أن هذا الاختيار يأتي في ضوء توجه أوروبي عام؛ فقد أتت تلك التحولات في بريطانيا بعد عام من تحول مماثل في فرنسا عبّر عنه وصول نيكولا ساركوزي ليبدأ حقبة أكثر يمينية. وعلى نفس المنوال، عاد رمز يمين الوسط الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني إلى الحكم، وقد فاز برلسكوني بأصوات اليمين المتشدد ممثلًا في حزب رابطة الشمال وغيره من قوى الفاشيين الجدد، كما فاز عمدة يميني في روما للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية[22]. وكان من الآثار المباشرة لصعود اليمين، تعهد برلسكوني بترحيل من لا عمل له من المهاجرين غير الأوروبيين وبتجهيزه الشرطة لمواجهة “جيش الشر”، وهو التعبير الذي وُصِف به المهاجرين. وتعهد جياني أليمانو حاكم روما اليميني الجديد بتطهيرها من المهاجرين. وفي الإطار نفسه، بدأت رابطة الشمال شنّ حربها على المهاجرين والمساجد بهدم بناية كان يتخذها المسلمون مسجدًا في مدينة “فيرونا” (شمال إيطاليا)[23].
وفي إسبانيا، صعّد اليمين المتطرف من احتجاجاته ضد “الدار العربية” (كاسا آرابي) في العاصمة مدريد؛ حيث نظم العشرات من أنصاره مظاهرة احتجاجية على ما أسموه “تحول الدار العربية إلى مركز إسلامي[24].
وفي أمريكا، حذر أحد الكتاب المنتمين لتيار المحافظين من أن أمريكا ستصحو على صوت الأذان في كتابه “أمريكا وحدها.. نهاية العالم كما نعرفها”، أوضح الكاتب مارك ستاين تخوفه من زيادة أعداد المسلمين في أوروبا وآثاره[25]، وقال “بيد داي”، وهو من أبرز مناصري المرشح الجمهوري ماكين، في تصريحات لصحيفة “ميامي هيرالد” الأمريكية “إن المسلمين يخيروننا بين الركوع والانصياع لهم وبين القتل، وأنا لا أنوي أن أركع ولا أدعو أي شخص للركوع، وكذلك جون لا يدعو أي شخص لأن يركع”. وفي محاولة لامتصاص غضب المسلمين أعلنت “ميشيل جولد فارب”، الناطقة باسم الحزب الجمهوري، رفضها تصريحات داي، قائلة: “إن الخطر الذي نواجهه يأتي من الإسلام الراديكالي المتطرف، وليس كل المسلمين”.
على الجانب الآخر، استمرت المواقف والجهود البنائية الإيجابية؛ فصرح كيث إليسون (النائب الأمريكي المسلم في الكونجرس) أنه ليس أمام المسلمين في أمريكا إلا السياسة للتأثير والحصول على حقوقهم. كما تم اختيار جاويد إسحاق -المسلم من أصول باكستانية- كعمدة لإقليم نورث لينكونشير شرق إنجلترا وكأول عمدة مسلم في تاريخ بريطانيا. كما فتح مسجد في إيطاليا مدرسة للمواطنة لتعليم المهاجرين تاريخ إيطاليا، ومبادئ الدستور الإيطالي، وقوانين العمل[26].

الرموز الدينية و الأكواد الثقافية و الاجتماعية

يشير د.عمرو الشوبكي[27] أن هناك اتجاهًا إيجابيًّا بدأ يتكون للتصدي للفجوة الثقافية بين المسلمين ومجتمعاتهم الغربية فيما يعرف بـ«الخصوصية الإيجابية» التي تكفل حق التعبير عن الثقافة المختلفة، ولكن بصورة مندمجة في بنية المجتمع، إلا أن الأمر ما زال في طور التشكل ولذا ظلت مجتمعات مسلمة كثيرة تعاني من مثل هذه الفجوة.
وإن كان الحجاب قد تصدر سابقًا مسألة الحديث عن الرموز الدينية، فقد عاود الظهور خلال عام 2008 ولكن بمركزية أقل وفي حالات متفرقة، منها حملة في بلجيكا أطلقت لمناصرة محجبات معهد “إيرسلين” الإعدادي والثانوي في العاصمة البلجيكية بروكسل لإلغاء قرار من قبل إدارة معهدهن يمنع ارتداء الحجاب ابتداء من السنة الدراسية المقبلة، على الرغم من أن المعهد يضم غالبية من المسلمين، ويقع في حي تقطنه أغلبية من أصول مهاجرة. ولكن المعروف أنه ليس هناك قانون أو قرار حكومي يمنع ارتداء الحجاب بالمدارس والمعاهد العمومية، وإن ترك الأمر للإدارات لتحديد مثل هذا القرار.
كما شنّ حزب الشعب اليميني المتطرف حملة لحظر ارتداء الحجاب في المحاكم والأماكن العامة بالدنمارك، ولكن بيرثه رون هورنبيك وزيرة الاندماج دافعت عن حق المسلمات في الحجاب، وحذرت مما وصفته “بالتخوف غير المبرّر من الدين في المجتمع الدنماركي”[28]. وفي ظل هذه الحملة وكردّ فعل مختلف، نظمت الإذاعة الدنمركية مسابقة اختيار ملكة جمال الحجاب، وتأرجحت ردود الأفعال نحوها بين مؤيد ومعارض.
وفي أمريكا، تقدمت ست سيدات مسلمات في الولايات المتحدة بشكوى ضد مصنع للمخبوزات بعد مطالبة إدارته لهن بارتداء أزياء لا تناسبهن كمسلمات.
وفي السياق نفسه، تجلت قضية مفاهيم العفة والعذرية لدى المسلمين في أوروبا لتطرح أسئلة أعمق حول دمج أكواد دينية واجتماعية تخص المسلمين في سياق اجتماعي شديد الاختلاف، وتظهر المرأة و قضاياها هنا بوصفها نقطة انطلاق لمزيد من الجدل وتمييز الخطابات.
جاء هذا الأمر على خلفية قرار قاضٍ فرنسي حكم بتطليق زوجة من زوجها في مدينة ليل (شمال فرنسا) باعتبارها كذبت على زوجها وادعت أنها عذراء. و ثار جدل واعتراضات على أن يصدر مثل هذا الحكم في فرنسا، ووصف بعض الأئمة الأمر بـ”الضجة المفتعلة” التي تصور الحكم على أنه اضطهاد للمرأة، في حين أن أصل المشكلة يرجع إلى أن الزوجة كذبت على زوجها، وبالتالي فقد “أخلت بأحد بنود زواجهما”، وليست قضية عذريتها من عدمه[29].
وفي بريطانيا تم تقديم عقد زواج جديد لمسلمي بريطانيا يتنازل فيه الزوج طواعية عن حقه في تعدد الزوجات، ولزوجته حق الاحتفاظ بجميع الحقوق المالية مع الطلاق، وقوبل العقد الجديد بترحيب من منظمات إسلامية، ودعاة حقوق المرأة، وعدد من المشرعين البريطانيين معتبرين أنه يعطي حقوقًا وواجبات متساوية بين الزوجين[30].
وفي ألمانيا أثيرت مسألة انخفاض معدل الزواج بين الألمان المنحدرين من أصل تركي من الألمان من أصل ألماني خالص، بما يعيق الاندماج. ورأى المراقبون أن الغالبية الساحقة من الأتراك مسلمون في بلد غالبيتها من أصحاب الثقافة المسيحية في مجتمع تسوده العلمنة. وأن الأمر يعتمد كثيرًا على الدين؛ حيث لا يسمح الدين الإسلامي للمرأة بالزواج من غير مسلم بينما يسمح للرجل بذلك[31].
وفي أمريكا نشرت جريدة New York Times (21/2/2008) حول جدل أثير في الأوساط الجامعية بين الطلبة المسلمين عبر الولايات المتحدة الأمريكية حول ما إذا كانت المنظمات الطلابية يجب أن تكون جاذبة ومحتضنة للطلبة أو حاسمة في قواعدها، وذلك مع وجود أكثر من 200 جمعية طلابية إسلامية. وتعد قضايا الجندر والعلاقات بين الجنسين من أكثر القضايا التي تؤرق الطلبة المسلمين وتشكل الفجوة بينهم بخلفيتهم الإسلامية وبين الأجواء الشائعة بين الطلبة الأمريكيين في الجامعة. ويعد كل فرع من الجمعيات الطلابية الإسلامية مستقلًا في وضع قواعده بما فيها الاختلافات بين الرؤى الليبرالية والمحافظة ليعكس واقع التعددية في تمثيل الطلبة المسلمين وبحيث يشمل الاختلافات في الملامح والحساسيات الثقافية بدءًا من الملابس، إلى الاختلاط بين الجنسين، إلى التقبيل في المراسم العامة… وغير ذلك.
لقد اتسم هذا العام بظهور رمز آخر أثار جدلًا؛ وهو “المآذن”. حيث أحبط مسلمو النمسا من قانون بناء المآذن، بعد أن جعله أمرًا أشد صعوبة.
وفي سويسرا، تقدم نواب متشددون بمبادرة لحظر تشييد أي مسجد بمئذنة، ورحبت الأقلية المسلمة في سويسرا برفض الحكومة الفيدرالية مبادرة تقدمت بها مجموعة من البرلمانيين اليمينيين المتشددين بدعوى أن المآذن “ليست طابعًا دينيًّا”، بل “إحدى علامات السلطة والنفوذ التي يرغب المسلمون في ترسيخها بأوروبا”، ثم عادت الحكومة السويسرية لتعلن أنها ستجري استفتاء بهذا الشأن[32].
وفي أمريكا، أثارت قضيتان تتعلقان بشعائر المسلمين وممارسة عباداتهم الجدل في جامعة هارفارد. الأولى، عما إذا كان يمكن منح الفتيات المسلمات ساعات خاصة لممارسة التمرينات الرياضية بإحدى قاعات الجامعة المخصصة لهذا الأمر. والثانية، أثيرت بعدما رفع الأذان حتى سمع في أنحاء الجامعة، وذلك أثناء “أسبوع التوعية الإسلامي” في أواخر شهر فبراير، والذي يرعاه “نادي الطلبة المسلمون” بالجامعة[33].

الدين.. العلمانية: خطابات واتجاهات

فتح توني بلير الباب لحوار جديد حول مسألة حضور الدين في أوروبا بقوله إن القرن الحادي والعشرين هو قرن الأديان في مقابل القرن الماضي الذي كان قرنًا للأيدليووجيات، وذلك أثناء تدشينه لمؤسسة الأديان التي أسسها.
كما شهدت انجلترا تصاعد خطاب من نوع آخر عبر تعهد بول إيدي عضو المجلس الكنسي للكنيسة الإنجيليكانية بمواصلة حملته الرامية إلى دفع كنيسة إنجلترا للعمل بشكل علني على تنصير المسلمين في البلاد، وتحويلهم تحديدًا إلى الطائفة المسيحية الإنجيليكانية، إلا أن ردًا جاء من أساقفة بريطانيا حول أن تنصير المسلمين يهدد أمن بريطانيا[34].
في السياق نفسه، حذر أسقف مقاطعة روشستر البريطانية مما وصفه بتراجع تأثير المسيحية أمام تقدم الإسلام “المتطرف” ليملأ “الفراغ” الأخلاقي الذي بدأ في بريطانيا منذ عقود. كما قال الكاردينال جان لويس توران مسؤول الفاتيكان المعني بشؤون العلاقات مع الأديان الأخرى بأن العالم “مهووس” بالإسلام.
وبالمقابل، دعا روان ويليامز – كبير أساقفة كنيسة إنجلترا – مسلمي ومسيحيي العالم لمؤتمر ديني في أكتوبر 2008؛ لتقريب وجهات النظر، والقضاء على العنف المدفوع بالعصبية الدينية. وأتت دعوة ويليامز (الأب الروحي للإنجيليين في العالم) كرد على خطاب بعث به قادة مسلمون إلى نظرائهم المسيحيين في سبتمبر 2007 حمل عنوان “تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم”، وقّع عليه 138 شخصية إسلامية من 43 دولة، دعوا فيها إلى حوار يساعد في فهم الطرفين لبعضهما بصورة أوضح بعيدًا عن الخوض في الخلافات العقائدية.
وفي أمريكا، دعا ممثلون للأقلية المسلمة بالولايات المتحدة بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر إلى المساعدة على إقامة حوار دائم بين المسلمين والكاثوليك.
وفي إطار العملية الانتخابية والواقع السياسي الأمريكي، تعرضت جريدة Washington Post (3/2/2008) لحديث مرشحي الأحزاب الرئيسية في أثناء الحملات الانتخابية عن دينهم بشكل علني، حتى يصلوا إلى أكبر قاعدة تصويتية بين الناخبين، وهم بطبيعة الحال من المسيحيين؛ بما يسبب شعورًا لغيرهم من أتباع الديانات الأخرى بإقصائهم. وبالرغم من الفصل الدستوري بين الدولة والكنيسة، إلا أن الدين يلعب دورًا حاسمًا في السياسة الأمريكية.
وكردّ فعل مناوئ، حذرت منظمات أمريكية ذات توجهات علمانية مما أسمته إقحام الدين في الحملة الانتخابية الرئاسية الحالية، خاصة بعد فوز مايك هكابي -وهو قس أسبق- بترشيح الحزب الجمهوري في ولاية آيوا، معتبرين أن الربط بين الدين والدولة يضر بالديمقراطية والحرية الدينية للأمريكيين.

الاتجاهات المعادية للإسلام

من أبرز الأحداث التي شهدها عام 2008 في هذا الصدد:

· أزمة الفيلم الهولندي المسيء للقرآن الكريم:

حيث سعى جيرت فيلدرز عضو البرلمان الهولندي وزعيم حزب “الحرية” اليميني المتطرف لبث فيلمه المناهض للإسلام. وقد توالت ردود فعل على هذا الأمر وكان الموقف الجمعي للأقلية المسلمة وكذلك للمسلمين عمومًا قد استفاد ولو جزئيًّا من خبرته في إدارة أزمة الرسوم الدنماركية. فجاء الموقف الرسمي ليمتص نسبة كبيرة من الغضب بحظره عرض الفيلم، والذي قرر فيلدرز عرضه على الإنترنت. واحتشدت منظمة “أوقفوا الأسلمة” لدعم فيلدرز، وكانت هذه المنظمة قد بدأت نشاطها رسميًّا بعد هجمات 11/9 على الولايات المتحدة، غير أنها عرفت تأسيسها الحقيقي كحركة لها ناطقون رسميون في نهاية سنة 2006، مع إعادة نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في الدنمارك والعديد من دول الغرب.
في المقابل، توالت العديد من ردود الفعل البنائية وعلى رأسها: وثيقة الاحترام والتسامح التي وقعتها (16) منظمة إسلامية، والتي وجهها مثقفون هولنديون لكافة فئات المجتمع الهولندي، ودعت تلك المنظمات في الوقت نفسه الأقلية المسلمة إلى عدم الرد “بتهور” على استفزازات النائب البرلماني المتطرف “فيلدرز”، وانطلقت حملة لمقاطعة البضائع الهولندية بدعم من مجلس “اتحاد العلماء”.
وعلى غرار فيلم “فتنة” للبرلماني الهولندي المتطرف، أنتج مدوِّن سعودي فيلمًا قصيرًا استخدم فيه نصوصًا من الكتاب المقدس تدعو للعنف، مع مشاهد لغزو العراق واعتداءات بحق العراقيين؛ لبيان سهولة تحريف النصوص من أي كتاب مقدس عن معناها.

· امتداد ظلال أزمة الرسوم الدنماركية:

ظلت أزمة الرسوم 2006 حاضرة؛ فقد برأت محكمة دنماركية رئيس تحرير صحيفة “يولاند بوسطن”، ومحرر القسم الثقافي بها من التهم الموجهة إليهما في القضية التي رفعتها ضدهما مؤسسات إسلامية دنماركية بسبب نشر الرسوم المسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم) عام 2005. وأعرب مسلمو الدنمارك عن توقعهم لهذا الحكم وأعلنوا عن اعتزامهم رفع القضية إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
كانت الرسوم قد أعيد نشرها في ذكرى الأزمة، ولاقت اعتراضًا من مسلمي الدنمارك، كما صرحت المخابرات الدنماركية أنها اعتقلت دنمركيًّا من أصل مغربي ومهاجرين تونسيين بتهمة التخطيط لقتل رسام الكاريكاتير صاحب الرسوم التي اعتبرت مسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم). كما وقع تفجير انتحاري استهدف سفارة الدنمارك بباكستان وأدان مسلمو الدنمارك التفجيرَ، وإن توقعوا مزيدًا من التضييق عليهم من جرائه.

· أزمة تصريحات لأسقف كانتبري حول تطبيق الشريعة في بريطانيا:

صرح كبير أساقفة كانتربري الدكتور روان وليامز بضرورة تطبيق بعض جوانب الشريعة في بريطانيا، وواجهته موجة انتقادات قاسية طالبت باستقالته، كما طالبته الكنيسة بالتراجع والاعتذار. وصرح ديفيد كاميرون زعيم حزب المحافظين بأن مثل هذا الاقتراح بتطبيق الشريعة قد يسبب فصلًا عنصريًّا قانونيًّا في بريطانيا[35].
وقد عاد كبير قضاة بريطانيا اللورد نيكولاس فيليبس ليجدد جدلًا لم ينتهِ بعد في بلده حين أعلن أنه يرغب في أن يرى الشريعة الإسلامية جزءًا من القانون البريطاني في قضايا الأحوال الشخصية والمالية؛ لتطبيقها على من يرغب من المسلمين، شريطة ألا تكون مخالفة لمبادئ الدولة. وقد أبدى مسلمو بريطانيا ترحيبهم بالدعوة التي أطلقها كبير قضاة بريطانيا، وطالب فيها بأن تكون الشريعة الإسلامية جزءًا من القانون البريطاني، خاصة في قضايا الأحوال الشخصية والمالية، مؤكدين أن هذه الخطوة ستعزز الاندماج والتعايش بين كافة طوائف المجتمع.

· اتهام الطلبة المسلمين في بريطانيا بالتطرف:

وقد رفضت كبرى المنظمات الطلابية في بريطانيا نتائج استطلاع أجراه مركز بحثي يميني خلص إلى أن ثلث الطلاب المسلمين في بريطانيا يعتقدون أن “القتل باسم الإسلام مبرر”؛ مما جعله يصف الطلاب المسلمين بالتطرف.

· التمييز العنصري للشرطة البريطانية:

أوردت صحيفة الإندبندنت خبرًا يقول بأن المفوض المساعد طارق غفور أكبر ثالث مسؤول في شرطة سكوتلاند يارد ادعى أنه عاني من التمييز ضده خلال فترة طويلة من قبل قادة آخرين في الشرطة بعد أن تقدم بشكوى رسمية بهذا المعنى.

جدلية تمثيل الإسلام والمسلمين:

تظل مسألة تمثيل الأقليات المسلمة محل خلاف شديد؛ سواء داخليًّا في حركة الأقلية نفسها وبين الجماعات المختلفة التي تكونها، أو بين الرؤى الرسمية والحكومية التي تسعى لهذا الأمر لتستفيد من حلقة وصل قوية تضمن المتابعة وعدم الانفلات. ظهرت في العام 2008 أطراف وقوى مختلفة في رؤاها وطبيعة أدائها، ومن بينها:
1- المتطرفون سابقًا: إذ دشن اثنان من النشطاء “الإسلاميين” المنتمين سابقًا لحزب التحرير وجماعات العنف منتدى يهدف لدعم العلاقات مع الغرب ومواجهة الأيديولوجيات المتطرفة. وقد أطلقوا عليها اسم مؤسسة The Quilliam والتي تؤمن أن على المسلمين في بريطانيا الخروج من الرداء الثقافي لشبه القارة الهندية والتحرر من الأعباء السياسية للعالم العربي[36].
2- المجالس الإسلامية: تلك عادة ما تصبح مظلة لعدد من المؤسسات والجماعات وأحيانًا ما تظهر فيها معارك القوى والصراع على النفوذ، سواء الرسمي الداخلي، أو من دول أخرى تعود لها أصول أعضاء هذه المجالس. وخلال العام 2008، ظهرت بقوة “حرب القنصليات” مع اقتراب موعد انتخابات المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (الممثل الرسمي لمسلمي فرنسا) والتي تُستعمل فيها كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة من جانب القنصليات التابعة لبعض الدول المغاربية والخليجية من أجل إيجاد موطن تأثير بين مسلمي فرنسا، وقد فازت قائمة “تجمع مسلمي فرنسا”، التي تمثل غالبية من الفرنسيين من أصول مغربية، بمعظم مقاعد المجلس، وذلك في ظل المقاطعة التي أعلنها مسجد باريس المركزي، المدعوم من الجزائر، للعملية الانتخابية احتجاجًا على النظام الانتخابي.
وقد احتل اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا المرتبة الثانية، وتمكن من السيطرة على غالبية المجالس الجهوية للمجلس. ومن جهتهم، تمكن الأتراك من الرفع من مستوى وجودهم في المكتب الوطني للمجلس بأربعة أعضاء، كما أسفرت الانتخابات عن ميلاد قوة جديدة، هي “اتحاد الجمعيات المسلمة في المنطقة 93″، والتي دخلت الانتخابات في منطقة باريس، وفازت بمقعدين في المجلس الجهوي للمدينة، وهو الاتحاد الذي برز خلال أحداث انتفاضة الضواحي التي شهدتها فرنسا سنة 2005 احتجاجًا على التهميش الاجتماعي لسكان هذه المناطق.
كما شهدت ساحات بريطانيا جدلًا حول إنشاء مجلس للعلماء المسلمين. ووجهت عدة منظمات إسلامية في بريطانيا انتقادات شديدة لبرنامج حكومي جديد لإنشاء هذا المجلس للبتّ في قضايا المسلمين في بريطانيا، ووصفت هذه المنظمات البرنامج بأنه محاولة من الحكومة لفرض تصور على المسلمين يروق لها.
3- الصوفية: استمرت خلال عام 2008 مظاهر التنامي في أنشطة الجماعات والدوائر الصوفية. ففي لندن، تنعقد حلقة ذكر من داخل كنيسة مؤجرة لهذا الغرض، الحلقة التي ينظمها مسلمون من أتباع الطرق الصوفية أسبوعيًّا، وتعد واحدة من حلقات كثيرة تنعقد في أنحاء لندن، ويعتبرها البعض دليلًا على انتشار الصوفية في المملكة المتحدة. وقررت الحكومة في أعقاب تفجيرات لندن 7 يوليو 2005 دعم الطرق الصوفية لما يميزها من حرص على أن تنأى بنفسها عن السياسة. ومنذ عامين، حضر سياسيون من الأحزاب الرئيسية حفل غداء أعده المجلس الإسلامي الصوفي في بريطانيا. وحضرت “روث كيلي” وزيرة شئون الجاليات في بريطانيا آنذاك هذا الحفل، وامتدحت المجلس وقالت: “المبادئ الأصيلة تدين الإرهاب بكافة أشكاله”. وقد حدد المجلس الإسلامي الصوفي مهمته بوضوح في “مواجهة التطرف والابتعاد عن السياسة”. وعلى موقعه الإلكتروني، ينتقد المجلسُ العلماءَ التقليديين وجماعات المقاومة مثل حماس بفلسطين[37].
وفي روما، نظمت الطريقة الصوفية الإسلامية البرهانية سلسلة من الاجتماعات تحت عنوان “الشرق في الغرب” تعقدها مرتين شهريًّا وتناقش موضوعًا أساسيًّا هو “شخصيات الإسلام الصوفي: أصدقاء الله و رهبان المحبة”. ويقول عبد الغفور فرانكو جراسي المرشد الروحي للطريقة أنه يأمل أن مثل هذه اللقاءات تساعد الناس على التعرف أكثر على الجوانب الروحانية و”الأكثر قبولا” في الإسلام[38].

أوروبا الشرقية:

أبرزت متابعات أحداث عام 2008 ملفات بعينها من أهمها:

امتداد ظلال حرب التطهير العرقي في البوسنة:

فقد شارك عشرات الآلاف من مسلمي البوسنة، في إحياء الذكرى الثالثة عشرة لمذبحة سربرنيتسا التي حدثت عام 1995، وتضمنت الفعاليات إعادة دفن رفات أكثر من 300 ضحية تم التعرف حديثًا على هويات أصحابها[39]. كما بدأت محكمة هولندية النظر في قضية مدنية رفعها ضد الدولة الهولندية أقارب ضحايا مذبحة سربرنيتسا التي وقعت في البوسنة عام 1995. وكانت سربنيتسا تحت حماية قوات حفظ سلام هولندية حين جرى اقتحامها. وقد تطلب وصول القضية المدنية إلى محكمة في لاهاي عدة سنوات[40].
في نفس الإطار، ألقت الشرطة البوسنية القبض على زوران توميتش، الضابط السابق في الشرطة الصربية الخاصة، بتهمة ارتكاب جرائم إبادة تتعلق بمجزرة سربرنيتسا[41]. كما تم إلقاء القبض على وادوفان كارادزيتش زعيم صرب البوسنة السابق ووجهت له تهم بشأن جرائم الإبادة وجرائم حرب ضد الإنسانية؛ لدوره في حرب البوسنة (1992-1995).

استقلال كوسوفا:

جاء استقلال كوسوفا ليضع أسئلة كثيرة حول طبيعة هذا الاستقلال. وليشهد الشارع السياسي في كوسوفا انقسامًا حول الدستور الجديد لأحدث دولة بالقارة الأوروبية. ففيما رأت بعض الأصوات في الدستور ما يمثل تهديدا للهوية الإسلامية والقومية الألبانية للدولة الوليدة، دعت أصوات أخرى إلى التعامل معه بواقعية؛ باعتباره مرحلة مؤقتة تؤدي إلى الاستقلال التام، الذي يتيح فيما بعد إعادة صياغة الدستور بعيدًا عن الإملاءات الأوروبية[42].
ويرى مفتي البوسنة مصطفى كريديتش أن المسلمين يشكلون 90 % من سكان الإقليم، وألبان كوسوفا لديهم ثقافة وتقاليد إسلامية عميقة، ويتمسكون بالروابط الأسرية ويحرصون على إقامة شعائر دينهم. لكنه توقع أن يكون شكل الحكومة الجديدة على نفس نسق الحكومات الموجودة في باقي الدول الإسلامية، منها ما هو علماني، ومنها ما هو متمسك بالإسلام.

مسلمو أمريكا و تصاعد خطر التهميش السياسي:

رغم ما تمت مناقشته من أوضاع نسبية أفضل للأقلية المسلمة في أمريكا مقارنة بالأقليات المسلمة في أوروبا، إلا أن هناك خصوصية للعام 2008، والذي شهد السباق الانتخابي الرئاسي وتحديدًا بين الديمقراطي باراك أوباما والجمهوري جون ماكين، بالإضافة إلى شكوى المسلمين الأمريكيين من أن دينهم يتم استخدامه كفزاعة في السباق الانتخابي للعام 2008.
فقد ثار جدل حول الصورة التي نشرت لأوباما مرشح الحزب الديمقراطي في زيه الأفريقي، والذي رأى فيه البعض مؤشرًا على مشاعر عميقة معادية ضد المسلمين[43]، كما واجه المسلمون تجاهلًا من مرشحي الانتخابات الأمريكية في المؤتمر السنوي الـ44 للجمعية الإسلامية لشمال أمريكا (إسنا) في سبتمبر 2007 عندما تمت دعوة جميع مرشحي الأحزاب المختلفة في الانتخابات الرئاسية، ولم يحضر أي منهم. وعبر منظمو المؤتمر عن دهشتهم بقولهم إذا لم يهدف هؤلاء المرشحون إلى مجاملة المسلمين، فعلى الأقل عليهم أن يتذكروا أن لهولاء المسلمين أصواتًا انتخابية وقضايا محل اهتمام[44].
دفع ذلك المحللين للقول بأن الناخب المسلم يقف خارج حسابات أوباما وماكين، وأرجع مراقبون ذلك التجاهل إلى مواجهة أوباما حملة دعاية مضادة من منافسته السابقة هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية بسبب أصوله الإسلامية، جعلته ينأى بنفسه عن الأقلية المسلمة، كما عزوا تجاهل ماكين لمسلمي أمريكا إلى أنه يسير على درب بوش في سياساته، التي طالما أثارت غضب المسلمين.
كما أن موقفًا لافتًا قد استوقف أغلب المراقبين في حملة أوباما الانتخابية حينما قام أفراد من حملة المرشح الديمقراطي؛ بإجبار فتاتين محجبتين على تغيير مقعديهما؛ كيلا تظهرا بالحجاب في خلفية صور أوباما خلال حفل تكريمه في ولاية ميتشجان، ورغم اعتذار أوباما واعتباره أن تصرفات المتطوعين “غير مقبولة، ولا تعكس بأي حال سياسة حملته”[45] فإن استقالة منسق التواصل مع المسلمين في حملة أوباما مازن أصبحي أثارت جدلًا في السياق ذاته. جاء ذلك على خلفية أقاويل حول علاقة أصبحي مع رجل ورد اسمه في تحقيقات وزارة العدل الأمريكية حول ممولي حركة حماس في الولايات المتحدة، وأصبح هو محام من شيكاغو، قد عين لمساعدة أوباما على التواصل مع الناخبين المسلمين في الولايات المتحدة، لكنه استقال بعد هذا الجدل[46].
وكرد فعل وفي بيان لها قالت “كير”، كبرى المنظمات الإسلامية الأمريكية: إن استقالة مازن أصبحي بعد انتقادات وجهت له عبر الإنترنت بسبب علاقاته بالأقلية المسلمة تمثل “مفارقة”؛ لأن هذه العلاقات من المفترض أنها واحدة من متطلبات وظيفته[47]. رغم هذه المواقف، يقول نهاد عوض المدير التنفيذي لـ(كير) إن استطلاعات الرأي التي جرت مؤخرًا بين مسلمي أمريكا أظهرت تأييدهم للمرشح الرئاسي الديمقراطي باراك أوباما؛ رغم بعض مواقفه التي وصفت بأنها “غير مريحة”، في مواجهة المرشح الجمهوري جون ماكين. وما ذكره عوض يفسر انعقاد أول مؤتمر لـ”مسلمي أمريكا الديمقراطيين” والذي نظمه المسلمون المؤيدون والمنتمون للحزب الديمقراطي لتوحيد جهودهم، وتقديم أنفسهم ككتلة انتخابية يُحسب لها حساب على غرار الكتلتين اليهودية والإسبانية[48].
*****

الهوامش:

(*) قدم لهذا التقرير بالمقدمة السابقة، وأشرف على إعداده: د.ناهد عز الدين. والتقرير من بعد هذه المقدمة من إعداد الباحثة داليا يوسف.

[1] Marcel Maussen, “Representing and regulating Islam in France and in the Netherlands”, (Institute for Migration and Ethnic Studies (IMES), University of Amsterdam).
[2] “Muslims in the US and in Europe: The Tale of Two Continents” in:
http://www.qantara.de/webcom/show_article.php/_c-478/_nr-678/i.html
[3] Cesari Jocelyne, “Muslims in Europe and in the United States: A Transatlantic Comparison”.
[4] SAMIR AMGHAR, AMEL BOUBEKEUR, MICHAEL EMERSON (EDITORS), “EUROPEAN ISLAM: CHALLENGES FOR PUBLIC POLICY AND SOCIETY”.
[5] مصادر عن أستراليا:
Islam in Australia: http://en.wikipedia.org/wiki/Islam_in_Australia Structure of the Australian Muslim Community http://www.afic.com.au/api10.htm
[6] إسلام أون لاين.نت، 11 يونيو 2008.
[7] إسلام أون لاين.نت، 14 / 5/ 2008.
[8] بي بي سي عربي 13/2/2008 .
[9] مترجمًا عن Muslim Weekly 6/3/2007
http://themuslimweekly.com/newsdetails/fullstoryview.aspx?NewsID=C58CD51E973D1451430092BD&MENUID=HOMENEWS&DESCRIPTION=UK%20News
[10] إسلام أون لاين.نت، 6 يناير 2008
[11] جريدة الحياة اللندنية، 20/4/2008
[12] جريدة الحياة اللندنية، 22/4/2008
[13] إسلام أون لاين.نت، 26/4/ 2008
[14] إسلام أون لاين.نت، 8 مايو 2008
[15] مترجم عن القسم الإنجليزي لموقع إسلام أون لاين.نت، 14/4/2008
[16] إسلام أون لاين.نت، 24 يوليو 2008
[17] الجزيرة.نت، 7/2/2008
[18] إسلام أون لاين نت، 12 يونيو 2008
[19] جريدة الهيرالد تريبيون
[20] إسلام أون لاين.نت، 17 يونيو 2008
[21] الجزيرة.نت، 18/6/2008
[22] ) بي بي سي العربي، 3/5/2008
[23] إسلام أون لاين.نت، 24 مايو 2008
[24] إسلام أون لاين.نت، 23/5/ 2008
[25] إسلام أون لاين.نت، 1/1/2008
[26] مترجم عن AKI، 28/2/2008
[27] في مقال له بالمصري اليوم (10 / 7/2008)
[28] إسلام أون لاين.نت، 12 مايو, 2008
[29] إسلام أون لاين.نت، 1 يونيو 2008
[30] إسلام أون لاين.نت، 9/8/2008
[31] مترجما عن DW World 24/ 2/2008
[32] بي بي سي العربي، 29/7/2008
[33] مترجما عن New York Times ،21/3/2008
[34] إسلام أون لاين.نت، 26 مايو 2008
[35] مترجما عن Muslim Weekly، 6/3/2007
[36] مترجما عن الجارديان، 1/3/2008.
[37] إسلام أون لاين.نت، 27/8/2008
[38] مترجما عن موقع AKI، 21/ 2/2008
[39] بي بي سي العربية، 11/7/2008
[40] الجزيرة.نت، 16 يونيو 2008
[41] بي بي سي، 30 يونيو 2008
[42] إسلام أون لاين.نت، 10 يونيو 2008
[43] مترجم عن Washington Post ، 28/2/2008
[44] مترجم عن News Max، 4/3/2008
[45] إسلام اون لاين.نت، 20 يونيو 2008
[46] بي بي سي عربي، 7/ 8/ 2008
[47] إسلام أون لاين.نت، 7-8-2008
[48] إسلام أون لاين.نت، 28-8-2008

نشر في حولية أمتي في العالم، عدد 2009

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى