مآلات السياسة الفرنسية في المنطقة العربية: بين الأهداف والفعالية

مقدمة:

تمتلك فرنسا تاريخًا طويلًا من السياسات الاستعمارية تجاه المنطقة العربية من الحملة الفرنسية على مصر 1798، ثم احتلال الجزائر 1830، ووضع تونس تحت الحماية الفرنسية 1882، تلتها المغرب 1912، واشتدَّ التنافس بين فرنسا وبريطانيا في المنطقة العربية وهو ما جعلهم يتَّفقون على صيغة مشتركة عكستْها اتفاقية سايكس-بيكو 1916 من أجل اقتسام منطقة الهلال الخصيب (الشام) واحتلاها واستعمارها بعد طرد العثمانيِّين منها[1]، ثم تطبيق نظام الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان بموجب قرار من عصبة الأمم في 1920، والإدارة العسكرية الفرنسية لأجزاء من ليبيا في 1943[2].

ظلَّت فرنسا تمارس جرائمها الاستعمارية في المنطقة العربية حتى أن انتهت الحرب العالمية الثانية 1945 ووجدت نفسها في مأزق حيث تعالَتْ أصوات حركات التحرُّر الوطني في مستعمراتها ممَّا اضطرَّها إلى الانسحاب التدريجي بداية من إعلان استقلال سوريا 1942، ولبنان 1943، حتى استقلال دول المغرب العربي مع تصفية الاستعمار في الجزائر 1962، لكن لم يكن يعني تصفية استعمار فرنسا انتهاء نفوذها في المنطقة بل استطاعت ترك بصماتها -خاصة في لبنان ودول المغرب العربي، التي كانت مدخلًا تتشبَّث به فرنسا، في ظل تراجع دورها وانحسارها عالميًّا- لاستعادة نفوذها خلال فترة حكم شارل ديجول[3].

تميَّزت فترة الرئيس ديجول بالدور الفرنسي النشط في المنطقة، حيث استطاع أن يؤسِّس سياسة خارجية قائمة على التقارب والتعاون مع الدول العربية وتوسيع دائرة المصالح الفرنسية وذلك لتأمين احتياجاتها البترولية وأسواق لصادراتها، وهو ما نتج عنه تضاعف للزيارات الدبلوماسية والمساعدات الاقتصادية وتبنِّي مواقف دولية مساندة للقضايا العربية، وهو النهج الذي لم يتغيَّر، بل سار عليه جورج بومبيدو وجيسكار ديستان حتى وإن لم يكن بنفس الفاعلية، وكان ذلك بسبب تصاعد أهمية البُعد الاقتصادي في العلاقات الدولية في الوقت الذي تخلَّل فيه الضعف الاقتصاد الفرنسي وهو ما جعلها في حاجه ملحَّة لمصادر الطاقة، أضفْ إلى ذلك التغيُّرات التي فرضها النظام الإقليمي العربي بعد حرب 1973[4].

ولقد تغيَّرت الخطوط العريضة التي تقوم عليها السياسة الفرنسية تجاه المنطقة العربية مع وصول الاشتراكيِّين للحكم في فرنسا 1981 حيث تخلَّى الرئيس فرانسو ميتران عن أيِّ دور فرنسي مستقل، بل أصبح مكمِّلًا للدور الأمريكي في المنطقة ومع الوقت تآكل تمامًا في ظلِّ التفرُّد الأمريكي غير المسبوق بشؤون المنطقة[5]، وصعود النفوذ التجاري الصيني، وهو ما أدَّى إلى خسارة فرنسا لجزء كبير من مصالحها ونفوذها في الدول العربية[6] في ظل اتباع جاك شيراك سياسة الانعزال، ثم تبنِّي ساركوزي توجُّهات معادية للعرب، وما اتَّسمت به تحرُّكات فرانسوا هولاند من الحذر الشديد[7].

ظلَّ الأمر هكذا -تتوالى دورات الانخراط والتراجع عن أمور المنطقة[8]– حتى تولَّى ماكرون رئاسة فرنسا وزاد من مستوى انخراط فرنسا في عدد من الملفات والقضايا العربية خاصة في الفترة الأخيرة، ويرجع ذلك إلى عدد من الأسباب:

أ) أسباب داخلية: يمكن إيجازها في ثلاث نقاط أساسية:

  • الأوضاع الاقتصادية السيئة دفعت ماكرون لأن يتوجَّه شرقًا ليبحث عن عقود تجارية وصفقات عسكرية تدعم اقتصاد فرنسا المتهالك[9].
  • إلهاء الشعب الفرنسي عن المشاكل الداخلية بالتدخُّل في عدد من القضايا الخارجية لتحقيق نصر خارجي يطمأن به الداخل ويخفِّف من وطأة احتجاجات السُّترات الصفراء[10].
  • تأثُّر فرنسا بتطوُّرات وتقلُّبات المنطقة لكونها موطنًا للمجتمعات العربية في أوروبا وقربها من السواحل الأفريقية والعربية، وهو ما يجعل تدخُّلها في المنطقة ضروري للحفاظ على أمن وسلامة حدودها وتوازنها السياسي والاجتماعي[11].

ب) مصالح إقليمية: تأْمل فرنسا في استعادة نفوذها في مستعمراتها القديمة بعد أن تراجع دورها لحساب منافسين جدد مثل تركيا، وتأمين حصص الشركات الفرنسية في المنطقة الغنية بالغاز والنفط، وضمان أمن واستقرار قواعدها العسكرية في أفريقيا في ظل تصاعد الفوضى واتِّساع نفوذ الميليشيات التي تهدِّد أمن دول الجوار الأوروبي، وحماية الحدود من عمليات التهريب والهجرة غير الشرعية[12].

ج) تنافس دولي وإقليمي: تبحث فرنسا عن دور فعال في ظلِّ الاهتمام الأمريكي بقضايا المنطقة، والنُّفوذ الروسي في سوريا، ودخول الصين في المعادلة من أجل تأمين طرق التجارة والملاحة الرئيسية وتنفيذ مشروع طريق الحرير، والتحرُّك التركي المتنامي في المنطقة، فترى فرنسا أنها الأجدر والأحق بهذا الدور لما تمتلكه من تاريخ استعماري في المنطقة، إضافة إلى أنها الدولة المتوسطية الوحيدة التي تحظى بمقعدٍ دائمٍ في مجلس الأمن ولديها قدرات عسكرية ونووية[13].

د) دوافع شخصية للرئيس ماكرون: فهو شاب طموح يحاول أن يُعيد فرنسا إلى سابق عهدها ومكانتها في العالم وضخ الروح الفرنسية في المجتمع الدولي[14]، ولديه قناعة بأن ذلك لن يتحقَّق إلَّا إذا امتلكت فرنسا سياسة خارجية مستقلَّة –على شاكلة فترات حكم الرئيس شارل ديجول وفرنسوا ميتران- ليست تابعة للتوجُّهات الأمريكية التي أفقدتها رونقها خلال حكم ساركوزي وهولاند وجعلتها على حافة الهاوية من المسرح الدولي، وهذا لا ينطبق على فرنسا وحدها بل على أوروبا كلها إذا لم تنقذ نفسها وتقوم بصياغة سياسة خارجية ودفاعية مستقلَّة متماسكة[15].

كان هذا هو التوجُّه العام لماكرون منذ تولِّيه الرئاسة، وهو ما انعكس على تطوُّرات السياسة الفرنسية في المنطقة العربية خلال العام ومآلاتها، وهو ما سوف يتناوله التقرير بشئ من التفصيل على مستويين: مستوى إقليمي يرصد ملامح السياسة الفرنسية تجاه بعض القضايا في المنطقة، ومستوى داخلي فرنسي يطرح خطابات وسياسات ماكرون تجاه الإسلام والمسلمين في فرنسا، ويطرح التدبُّر في المستويين السؤال التالي وهو: ما الرابطة بين المستويين؟

أولًا- التحركات الفرنسية في المنطقة العربية

كان لفرنسا نشاط واضح في المنطقة العربية خلال عام 2020، فلقد حرصت على أن يكون لها دور في العراق، وترفع من مستوى علاقاتها مع دول الخليج، وتظهر بمظهر الدولة الأبوية في لبنان، وتعمل على صيانة العلاقات مع دول المغرب العربي، وتعزِّز من وجودها في الملف الليبي والسوري، وتتواصل باستمرار مع الجانب المصري، وتدَّعي مساندة القضية الفلسطينية.

 

 

1) العراق:

تزايد النشاط الفرنسي في العراق بشكل ملحوظ مع تولِّي ماكرون الحكم، اتَّضح ذلك في تعاقب وتعدُّد زيارات كبار مسؤولي فرنسا للعراق -وزير الخارجية في يوليو 2020 ووزيرة الجيوش الفرنسية في أغسطس 2020- وكان آخرها زيارة ماكرون في سبتمبر 2020 والتي أطلق فيها مبادرة دعم سيادة العراق، كان الهدف من المبادرة -وفقًا لما أعلنه ماكرون- هو التأكيد على احترام سيادة واستقلال العراق ووقوف فرنسا إلى جانب شعب وحكومة العراق ضد أي محاولات للتدخُّل الخارجي ودعمهم في التصدِّي لتهديدات تنظيم داعش الإرهابي[16].

هذا هو ما أعلنته فرنسا لكن في الحقيقة كان الهدف هو أن تخلق لنفسها دورًا في العراق مستغلَّة حالة الفراغ التي سوف يخلِّفها الانسحاب الأمريكي من العراق، خاصة وأن لديها علاقات طيبة مع كافَّة الفصائل العراقية نتيجة لعدم مشاركتها في غزو العراق 2003 وعدم استهدافها من الجانب الإيراني في ظلِّ موقفها الحياديِّ من التوتُّر الأمريكي-الإيراني، وتستهدف فرنسا أيضًا أن يكون لشركاتها النصيب الأكبر من مشروعات السوق العراقي في إعمار المدن والبنى التحتية والمرافق الحيوية ومجال الطاقة والنقل من إنشاء محطات نووية وخطوط الأنفاق والاستثمار في مجال التسليح[17]، أضف إلى ذلك رغبة فرنسا في أن تكون العراق جبهة مواجهة جديدة مع تركيا يمكن أن تستغلَّها لمحاصرة تركيا والضغط عليها حتى تقلِّل من حجم مكاسبها في منطقة المتوسط.

يتَّضح من ذلك أن التواجد الفرنسي لم يصبَّ في صالح العراق بالقدر الذي استفادت منه فرنسا، فظلَّت العراق تعاني من الضغوط الأمريكية والإيرانية والتدخُّلات الخارجية ولم تكن فرنسا الحليف القوي القادر على ضمان أمن وسلامة سيادتها، ولم تستفد العراق من التضييق الفرنسي على تركيا فهي لا تتخوَّف من النُّفوذ التركي بالقدر الذي تتخوَّف فيه من إيران -في الوقت الذي تحرص فيه فرنسا على مهادنة إيران وعدم إثارة أيِّ توتُّرات أو خلافات معها- حيث تمتلك أذرعًا عسكرية تزعزع أمن العراق واستقرارها.

2) ليبيا:

احتلَّ الملف الليبي نصيب الأسد من اهتمام فرنسا بالمنطقة، ويرجع ذلك إلى قناعة فرنسا بأن لها حقًّا تاريخيًّا في ليبيا التي استعمرتْها -جزئيًّا بعد الحرب العالمية الثانية- مع إيطاليا، ولقد أضحت ليبيا محطَّ أنظار فرنسا بدرجة أكبر منذ بداية قيادة فرنسا للحملة الغربية على نظام القذافي عقب ثورة أكتوبر 2011[18]، لكنها كانت حذرة طوال فترة حكم هولاند، ومع تولي ماكرون نشط الدور الفرنسي في ليبيا من أجل فرض التسوية السياسية وجمع الفرقاء على مائدة تفاوض واحدة، حتى تجني فرنسا ثمار قيادتها لعمليات حلف الناتو التي كلَّفتها ما يقرب من 450 مليون دولار -وفقًا لتصريحات ماكرون- وكانت السبب في إسقاط القذافي، فترى فرنسا أنها الأحق بها بالرغم من أنها لم تجنِ ثمارها حتى الآن، حيث تتمثل المصالح الفرنسية في ليبيا فيما يلي:

– الحفاظ على حصص شركة توتال الفرنسية -حيث تحتل ليبيا المرتبة التاسعة من بين أكبر الدول النفطية- وحقها في التنقيب في حقول النفط والغاز بليبيا والاستحواذ على النسبة الأكبر من الاستثمارات في مجال الطاقة واستخراج المعادن والمواد الأولية في ظلِّ منافستها الشرسة مع شركة إيني الإيطالية[19].

– ارتباط مصالح فرنسا الاقتصادية في منطقة شرق المتوسط بوجودها في ليبيا لردع التحركات التركية في منطقة المتوسط، فهي منطقة واعدة لديها احتياطي غاز يكفي احتياجات أوروبا لمدة 30 عامًا ممَّا جعل فرنسا حريصة على تأمين نصيبها من عمليات اكتشاف الغاز وأنشطة الإنتاج في منطقة شرق المتوسط لتأمين احتياجاتها، وتقليل الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي، وضمان حق شركاتها في التنقيب، خاصَّة بعد أن حصلت شركة توتال الفرنسية على تراخيص العمل في سواحل قبرص منذ سبتمبر 2019[20].

– استعادة النفوذ الفرنسي في ليبيا هو بوابة لضمان المصالح الفرنسية في أفريقيا، فهي عينها على شمال أفريقيا ودول الساحل الأفريقي حيث تحوز منطقة الشمال الأفريقي وحدها نصف الواردات الفرنسية و60% من صادراتها، كما أنها تريد تأمين قواعدها العسكرية -التي تقع على الحدود الجنوبية لليبيا- في دول الساحل حيث تمتلك ثلاث قواعد عسكرية في تشاد واثنتان في النيجر -أهمها قاعدة ماداما- واثنتان في مالي، خاصَّة في ظلِّ التحديات المستمرَّة التي يواجهها التدخُّل الفرنسي في مالي.

– تأمل فرنسا كذلك في أن يكون لها النصيب الأكبر من عقود تصدير السلاح للجيش الليبي والاستثمار في مشروعات إعادة إعمار ليبيا في حالة الاستقرار[21].

– تهدف فرنسا أيضًا إلى التصدِّي لمحاولات الهجرة غير الشرعية التي تعتبر ليبيا إحدى نقاط انطلاقها الرئيسية من أجل الوصول للسواحل الأوروبية[22].

لذا تعتبر ليبيا من أولويات الرئيس ماكرون منذ توليه الحكم؛ فسعى إلى أن تكون فرنسا مفتاح الحل للأزمة السياسية ودفع العملية السياسية الليبية[23]، فتدخَّلت فرنسا مع كلِّ الأطراف وعلى كلِّ الأطراف -تحرِّض الجميع وتساند الجميع– حيث دعمت كل جهود التسوية السياسية لإيجاد مخرج للأزمة الليبية واستضافت اجتماعات لأطراف النزاع[24]، فعقدت لقاء بين فايز السراج وخليفة حفتر بباريس في يوليو 2017، وعقدت مؤتمر باريس في مايو 2018 لبحث تطورات الأزمة الليبية بحضور كافة الأطراف الليبية وممثلين من دول الجوار والدول الفاعلة في المشهد الداخلي الليبي[25]، وكانت ولا زالت حريصة على التواصل باستمرار مع الجانب المصري -حتى زيارة السيسي الأخيرة لباريس في ديسمبر 2020- باعتبارها أكثر دول الجوار فاعلية في الملف الليبي، خاصة وأن هناك تطابقًا واضحًا في موقف البلدين من رفض التدخُّل التركي والمسار السياسي الذي لا بدَّ وأن تسلكه ليبيا من خروج المرتزقة والمقاتلين ووقف إطلاق النار وإقامة حوار سياسي بين كافَّة الأطراف.

وفي الوقت ذاته لم تكتفِ فرنسا بالحل السياسي بل بحثت عن موطئ قدم لها من خلال دفع حفتر بالتصعيد نحو الإسراع في الحسم العسكري ودعم عملياته في جنوب وشرق ليبيا، وزحفه منذ أبريل 2019 نحو العاصمة طرابلس من أجل السيطرة على الحقول النفطية وضمان تأمين نفوذها ومصالحها الاقتصادية وتوفير حماية دائمة لها[26]، وهو ما أثار غضب الساسة الإيطاليين الذين رأوا في خطوات فرنسا محاولة لاحتكار ملف ليبيا.

في الحقيقة لم تحرز خطوات فرنسا أي تقدُّم ملموس في العملية السياسية أو العسكرية في ليبيا[27]، حيث تغيَّرت الحسابات الفرنسية وموازين القوة العسكرية مع تدخُّل تركيا ودعمها لحكومة الوفاق[28]، بل وتوقيع مذكرة تفاهم بين الجانبين في نوفمبر 2019 حول المنطقة البحرية مما يعطي تركيا حق التنقيب عن الغاز على السواحل الليبية وإفساد السيناريو اليوناني القبرصي لتقاسُم منطقة شرق المتوسط، وكان ذلك ردًّا على إنشاء منتدى غاز المتوسط في يناير 2019 -يضم الدول المنتجة والمستوردة للغاز ودول العبور بشرق المتوسط- دون وجود لتركيا لترسل بموجب ذلك رسالة أنه إذا لم يتم ضمُّها للمعادلة فسوف يكون من الصعب وصول خطوط الغاز لأوروبا، وهو أمر مهم لتركيا التي تستورد 99% من حاجتها من الغاز[29].

وهنا نجد أن التواجد الفرنسي في ليبيا لا ينفصل عن عدائها مع تركيا في منطقة المتوسط، وهو ما جعل فرنسا مستمرة في تقديم الدعم لحفتر المعادِي لحكومة الوفاق، والتنسيق مع الجانب المصري في ملفي تطورات الوضع في ليبيا والقضايا المتعلِّقة بغاز المتوسط، ودعم التحالف اليوناني المصري القبرصي ضدَّ اتفاقية ترسيم الحدود بين تركيا وليبيا، وطلب الانضمام إلى عضوية منتدى غاز شرق المتوسط في يناير 2020 ليكون لها حق الدفاع عن أعضاء المنتدى في مجلس الأمن بصفتها عضوًا دائمًا فيه، والاستفادة من عملية نقل الغاز لأوروبا عبر المنتدى وهو ما يصعب من موقف تركيا[30].

نستخلص مما سبق أن النفوذ الفرنسي في ليبيا أصبح مهدَّدًا في ظلِّ التدخُّل التركي، وتوافق حكومة الوفاق المعترف بها دوليًّا مع تركيا، والدور الإيطالي المعارض للتحرُّكات الفرنسية في ليبيا، أضف إلى ذلك التعارض بين المصالح الأمريكية والفرنسية في منطقة الشمال الأفريقي ممَّا صعَّب من دخول حفتر -المدعوم من فرنسا- لطرابلس.

3) دول المغرب العربي:

تعتبر منطقة المغرب العربي -الجزائر وتونس والمغرب- أولوية استراتيجية لفرنسا، يرجع ذلك لما تمتلكه هذه الدول من علاقات تاريخية طويلة مع فرنسا ومكوثها لعقود طويلة تحت الاستعمار الفرنسي، وعلى الرغم من ذلك فقدت فرنسا في العقدين الأخيرين جزءًا كبيرًا من نُفوذها في هذه المنطقة، فعلى المستوى الاقتصادي تراجع النُّفوذ الفرنسي لصالح دول أخرى حيث سيطرت إسبانيا والصين على السوق المغربي، وكان لألمانيا والصين وتركيا النصيب الأكبر من الاستثمارات في الجزائر، واستحوذت تركيا والولايات المتحدة على العلاقات التجارية مع تونس[31].

أما على المستوى السياسي فكان هناك قدر كبير من المواجهات نتيجة للذاكرة التاريخية عن وحشية الاستعمار الفرنسي وشعور جاليات هذه الدول بالاضطهاد والدونية في فرنسا، وتزايد التوتُّر مع تعمُّد بعض الجهات الإعلامية الفرنسية في مايو 2020 تصوير أفلام وثائقية وإصدار تصريحات تحمل توجُّهات عدائية وإهانة لرموز ثورات التحرُّر الوطني وبالأخص الثورة الجزائرية، وهو ما دفع برلمانات دول المغرب العربي إلى المطالبة باعتراف رسمي وصريح من جانب فرنسا بجرائمها خلال فترة الاستعمار وتقديم اعتذار رسمي وتعويض مادي عن ذلك إذا رغبت في تطوير العلاقات معهم[32].

استطاع ماكرون أن يتجاوز حدَّة هذه الخلافات حتى تستعيد فرنسا نفوذها في هذه المنطقة، وهو ما جعله يقوم بإعادة رفات ٢٤ من قادة المقاومة الشعبية للجزائر في يوليو 2020 والتي كانت معروضة طوال هذه السنوات في متحف الإنسان بباريس، وسبق أن تأزَّمت العلاقات الفرنسية-الجزائرية بسبب ذلك، حيث اعتبرته الجزائر إهانة لرموز المقاومة وأنه ليس من حق فرنسا الاحتفاظ برفاتهم، وظلَّت تطالب بهذا الرفات منذ يناير ٢٠١٨[33]، كما قام ماكرون بالاعتراف بجرائم الاستعمار الفرنسي وضحاياه، ولكن مع رفض الاعتذار الرسمي وذلك ليخفِّف من وطأة الغضب الشعبي في شمال أفريقيا ويفتح الباب أمام صفحة جديدة من العلاقات السياسية والشراكات الاقتصادية، لتظهر فرنسا بمظهر القوة العظمى ذات مناطق النفوذ الحيوية، وهو ما تجسَّد بالفعل في توقيع اتفاقيات للتدريب المشترك وتبادل الخبرات وتحديث المعدات العسكرية مع تونس، وتقديم منح مالية تصل إلى 350 مليون يورو من أجل دعم الاقتصاد التونسي في يونيو 2020[34]، وتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الجزائر ليصل عدد المؤسسات الاقتصادية الفرنسية فيها إلى أكثر من 500 مؤسسة بجانب عدد من المصانع لشركتي رينو وبيجو، واعتماد فرنسا على استيراد حوالي 10% من حاجتها من الغاز الطبيعي من الجزائر.

تتضاعف الأهمية الاستراتيجية لدول المغرب العربي في الوقت الحالي، حيث تمتلك هذه الدول حدودًا مشتركة مع مالي والنيجر وليبيا وتشاد، مما يكسبها أهمية في ظلِّ مكافحة فرنسا لما تسمِّيه بالإرهاب وتأمين عملياتها العسكرية في منطقة الساحل، كما أن هناك توافقًا في وجهات النظر بين فرنسا ودول المغرب العربي حول الأزمة الليبية، وهو ما يمكن الاستفادة منه حيث تشارك دول المغرب العربي فرنسا في تخوفها من التدخُّل العسكري التركي في ليبيا وترجِّح كفة تسوية الأوضاع ووقف تبادل إطلاق النار، وهو ما تجده فرنسا فرصة يمكن استغلالها لتشكيل تحالف إقليمي لردع تركيا[35].

4) دول الخليج:

تنامى الاهتمام الفرنسي بمنطقة الخليج تحت حكم ماكرون، وقد جاء ذلك في إطار سعي فرنسا إلى التسيُّد والظهور بمظهر القوة العظمى وتوسيع رقعة تواجدها حتى تكون أكثر تأثيرًا وفعالية في ظل التنافس الأوروبي -بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي- تجاه منطقة الخليج، وتأمين وارداتها النفطية من الخليج التي تعتمد عليها في خططها الصناعية[36].

تزامن ذلك مع ظهور اتجاهات داخل دول الخليج ترى ضرورة توسيع شبكة علاقاتها وعدم حصرها على الولايات المتحدة، ووجدت دول الخليج في فرنسا خيارًا منطقيًّا وعقلانيًّا على الرغم من أنها ليست مؤهَّلة لمنافسة الولايات المتحدة في التأثير والشراكة مع دول الخليج إلا أنها دولة لها ثقل عسكري وعلمي وعضوية دائمة في مجلس الأمن وتبنَّت مواقف مشابهة للمواقف الخليجية[37] في الملف الليبي ودعم المعارضة السورية وتقديمها الدعم الاستخباراتي والعسكري لقوات التحالف العربي ضد الحوثيِّين في اليمن[38].

وكانت هناك مؤشِّرات على زيادة النفوذ الفرنسي بمنطقة الخليج خلال هذا العام تمثَّلت في قيام فرنسا في يناير 2020 بنشر منظومة رادار على الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية من أجل تعزيز الدفاع عن المنشآت النفطية السعودية، وقيادة فرنسا لبعثة أوروبية في يناير 2020 لمراقبة أمن الملاحة في الخليج[39]، وإطلاق عدد من الفعاليات الثقافية بين فرنسا وبعض دول الخليج -قطر والإمارات- مثل منتدى العلاقات بين فرنسا والإمارات في فبراير 2020 لتعزيز التعاون الأكاديمي والتبادل الثقافي بين الجانبين، وبرنامج العام الثقافي بين قطر وفرنسا في يناير 2020 لدعم أواصر التعاون بين المتاحف والجمعيات الثقافية في البلدين[40].

كما حرصت فرنسا على استمرارية العقود التجارية والاستثمارات الاقتصادية التي قامت فرنسا بتوقيعها مع عدد من دول الخليج منذ 2015 في مجالات النقل والصحة والطيران المدني والدفاع والطاقة ومشاريع البنية التحتية وإنشاء خطوط للسكك الحديدية[41]، وضمان استمرارية التعاون الأمني والعسكري مع دول الخليج حيث تندرج الإمارات وقطر والسعودية في قائمة الشركاء الخمسة الكبار لفرنسا في مجال الدفاع[42]، وتعتبر السعودية ثالث مستورد للسلاح الفرنسي واعتماد التسليح الإماراتي على فرنسا، كما أن فرنسا لديها قاعدة عسكرية بحرية “معسكر السلام” في الإمارات[43].

5) القضية الفلسطينية:

غابت فرنسا -منذ تولِّي ماكرون الرئاسة- عن دورها التقليدي في تحريك أوروبا تجاه القضية الفلسطينية وتبنِّي موقف رافض للاستيطان، على شاكلة قرار باريس في يناير 2014 بمنع البضائع الإسرائيلية المنتجَة في المستوطنات من الاستفادة من التسهيلات الأوروبية، والتمسُّك بحلِّ الدولتين على أن تكون القدس عاصمة لهما[44]، ويرجع ذلك إلى عدد من الأسباب:

– ميول ماكرون لإسرائيل منذ خوضه انتخابات الرئاسة، فكانت هناك مؤشِّرات على ذلك، منها تعمُّده عدم الخوض في القضية الفلسطينية أثناء حملته الانتخابية لتفادِي خسارة أصوات الجالية المسلمة في فرنسا، واحتفاء إسرائيل والجالية اليهودية في فرنسا بخبر فوزه، حيث اعتبرتْه إسرائيل بشرى لتحسين العلاقات الفرنسية-الإسرائيلية، وما يربطه من علاقات صداقة قوية بشخصيات هامَّة في إسرائيل مثل أرييه درعي وزير الاقتصاد الإسرائيلي[45].

– عدم رغبة ماكرون في فتح جبهة جديدة للمواجهة مع الرئيس ترامب في الوقت الذي اشتدَّ فيه الخلاف بين البلدين حول الاتفاق النووي الإيراني، فهو يرى أن معارضة الإرادة الأمريكية في هذه القضية غير مجدية فهي قضية خاسرة، وهو ما جعله يقرِّر الابتعاد عنها منذ وصوله للرئاسة[46].

– حرص معظم القادة العرب على التواصل مع الطرف الأمريكي فيما يتعلَّق بالقضية الفلسطينية، فهم يرون أنها الأجدر على حلِّ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي نظرًا لقدرة الولايات المتحدة على تحريك إسرائيل[47].

– ظهور تهديدات جديدة للقادة العرب -مثل إيران وداعش والإسلام السياسي- بديلة عن إسرائيل وأصبح لها الأولوية وعلى رأس أجندة أي لقاءات عربية مع فرنسا[48].

– ترى فرنسا أن المعطيات قد تغيَّرت بموجب توقيع الإمارات والبحرين اتفاقيات للتطبيع مع إسرائيل، ومن المتوقع أن تحذو عدد من الدول العربية الأخرى حذوهم مثل السودان والمغرب وسلطنة عمان[49].

على الرغم من كلِّ ذلك كان لدى ماكرون قدر من الذكاء الذي جعله لا يتَّخذ موقفًا واضحًا من القضية الفلسطينية، بل تعمَّد الجمع بين كلِّ الأطراف وأمسك العصا من المنتصف، واكتفى بأن تقتصر ردود فعل فرنسا على التنديد والتفاوض والتواصل الدبلوماسي دون جدوى، واتَّضح ذلك في عدد من المواقف فلم يتَّخذ ماكرون أيَّ موقف جدي تجاه إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل في 7 ديسمبر 2017 ونقل السفارة الأمريكية إليها[50]، بل رفض ماكرون طلب الرئيس عباس -عندما ذهب إلى باريس مباشرة بعد إعلان ترامب- باعتراف فرنسي بدولة فلسطين ليكون مشجعًا لباقي دول أوروبا أن تحذو حذوها وتفتح الباب أمام محادثات السلام المتوقِّفة، وبرَّرَ ماكرون رفضه بأن الاعتراف الفردي لن يفيد وأن المطلوب هو اعتراف أوروبي جماعي[51].

واكتفى ماكرون بعد إعلان ترامب عن صفقة القرن في يناير 2020 بالإعلان عن شروع فرنسا في دراسة خطة السلام بعناية والعمل مع الولايات المتحدة والأطراف الأوروبية في إطار ذلك، بل وتعمد ماكرون التلاعب بالألفاظ في تصريحاته لكسب ود الجميع حيث علق على خطة ترامب بأن فرنسا ما زالت متمسِّكة بحلِّ “السيادتين” بدلًا من “الدولتين” وهو ما يحمل دلالة واضحة[52].

وظلَّ ماكرون يتظاهر بممارسة دور في القضية الفلسطينية من إعلانه عزم فرنسا على إطلاق مبادرات سلام والتواصل مع إسرائيل من أجل إيجاد حلٍّ عادلٍ يحترم القانون الدولي، ودعوته للرئيس محمود عباس إلى فرنسا في أغسطس 2020 لاستئناف المشاورات[53]، وحرصه في زيارة الرئيس السيسي الأخيرة لباريس في ديسمبر 2020 على بحث القضية الفلسطينية وسبل عقد مؤتمر لإحياء عملية السلام في الشرق الأوسط من جديد في ظلِّ الإدارة الأمريكية الجديدة[54].

يمكن القول، إن ماكرون يحاول الجمع ما بين الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل من ناحية، وعدم خسارة شعبية فرنسا في المنطقة العربية من ناحية أخرى، فكانت المحصلة هو عدم التوصُّل إلى حل وغياب فاعلية التأثير، وعلى الرغم من ذلك يرى البعض -السلطة الفلسطينية وعدد من الأطراف العربية- أن الموقف الفرنسي من القضية الفلسطينية متقدِّمًا، حتى وإن كان لا يلبِّي طموحات وآمال الشعب الفلسطيني، مقارنة بالموقف الأمريكي المتحيِّز بالكامل للجانب الإسرائيلي[55].

6) لبنان:

ترجع العلاقات الفرنسية اللبنانية إلى سقوط الدولة العثمانية وتقسيمها بعد الحرب العالمية الأولى لتكون لبنان من نصيب فرنسا التي استمرَّ الانتداب الفرنسي عليها ما يقرب من 25 عامًا حتى حصلت على استقلالها عام 1943، وكان لفرنسا دور واضح في تأسيس دولة لبنان وترسيم حدودها مع سوريا، وأن يقوم نظامها السياسي على أساس طائفي حيث اشترطت فرنسا أن تكون النسبة الأكبر من مقاعد البرلمان للطائفة المسيحية وأن يكون منصب رئيس الجمهورية لمسيحي ماروني[56].

شهدت العلاقات الفرنسية اللبنانية بعد الاستقلال ولعقود طويلة فتورًا شديدًا حتى استغلَّت فرنسا حادثة انفجار المقر العام للكتيبة الفرنسية في لبنان 1983 لعودة العلاقات بين البلدين، وهو ما اتخذه الرئيس فرانسوا ميتران حجة لزيارة لبنان -وهي الزيارة الأولى لرئيس فرنسي بعد استقلال لبنان- والتمهيد لتوطيد العلاقة معها، ومنذ ذلك الحين كان لفرنسا دور واضح في لبنان وصلت لأوجها في 2005 حيث علاقة الصداقة التي جمعت بين الرئيس جاك شيراك والرئيس رفيق الحريري، حتى تولَّى ماكرون الرئاسة في 2017 وكان توطيد العلاقة مع لبنان محطَّ اهتمامه وهو ما جعله يبذل جهدًا في عودة سعد الحريري من الرياض بعد أن أعلن استقالته من منصبه، ورعاية فرنسا لعدد من المؤتمرات لدعم لبنان المثقل بالديون[57].

قد تكون العلاقات التاريخية مفسِّرة لسرعة ردود الأفعال الفرنسية على حادث انفجار مرفأ بيروت، حيث كان ماكرون أول رئيس يزور لبنان وبدت الزيارة مفاجأة للجميع من حيث السرعة، فهي جاءت بعد يومين من الانفجار الذي دمَّر مرفأ بيروت وعددًا كبيرًا من أحيائها في 4 أغسطس 2020، بل تكرَّرت زيارة الرئيس ماكرون لبيروت بعد مدَّة قصيرة للغاية تحديدًا في 31 أغسطس 2020، أما من حيث الدوافع الآنية المفسِّرة لسرعة وتعدُّد زيارات ماكرون لبيروت بعد حادث الانفجار هو حرص فرنسا على غلق الباب أمام أي محاولة لتدخُّل تركي يضرُّ بنفوذ فرنسا في لبنان ومنطقة شرق المتوسط أو أن تشهد لبنان انهيارًا اجتماعيًّا واقتصاديًّا -في ظل تحميل حزب الله مسؤولية تخزين المواد المتفجِّرة وهو ما قد يفجِّر صراعات دينية ومذهبية خاصَّة وأن معظم الأحياء المتضرِّرة مسيحية- يخلق واقعًا جديدًا تخسر فرنسا نفوذها فيه[58].

تدرك فرنسا أن الحفاظ على استقرار لبنان شرط لضمان مصالحها ونفوذها فيه، وهو ما جعلها حريصة على أن تتحاور وتعمل جنبًا إلى جنب مع كافَّة الأطراف بلا أيِّ مصادمات حتى مع حزب الله، فكانت فرنسا الدولة الغربية الوحيدة التي امتنعت عن تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية، فهي تدرك مدى أهمية وقوة حزب الله السياسية والحزبية في لبنان، وبرَّرت ذلك بأنه لا يمكن وضع حزب لبناني ممثَّل في الحكومة على قائمة الإرهاب وأنها تفرق بين جناحه السياسي الذي يمكن التواصل معه وجناحه العسكري، فبدون التحاور والتفاوض مع حزب الله لن يسمح للشركات الفرنسية بالتنقيب عن النفط على ساحل البحر المتوسط، وهو ما جعل فرنسا حريصةً على المناورة والتواصل والتفاوض مع كافَّة الأطراف اللبنانية والتأثير فيها حتى تتمكَّن من تمرير أهدافها وسياستها[59].

هذا من حيث توقيت الزيارة ومبرِّراتها، أما من حيث مضمون الزيارة فلم تكن زيارة ماكرون لبيروت زيارة قائد غربي لدولة عربية بل بدت كزيارة لمسؤول محلي يتفقَّد الحطام الناتج عن التفجير ويصدر تعليماته للمسؤولين ويوجِّه لهم رسائل جافة وحازمة كما لو كان يتجوَّل في شوارع باريس، ولن نكون مبالغين إذا وصفنا تجوُّله في شوارع بيروت وأحياءها المنكوبة بالقائد الشعبي الذي لاقى ترحيبًا شعبيًّا وهتافات مدوية “تحيا فرنسا” ومطالب من المواطنين باتخاذ خطوات جدِّيَّة نحو إنهاء نظام الحكم القائم على المحاصصة باعتباره المسؤول عن الدمار الذي لحق بها والفساد والكوارث الذي تشهده البلاد، ووصل الأمر إلى مطالبة البعض منهم بعودة الانتداب الفرنسي وتوقيع 55 ألف مواطن لبناني على عريضة تطالب بذلك، حيث إن هناك حالة من الاستنفار الشعبي من القيادة السياسية اللبنانية وأدركوا أنهم في حاجة إلى أن تتولَّى قوة من الخارج زمام أمورهم[60].

وألقى ماكرون خطابًا عاطفيًّا مؤثِّرًا وجَّهه للشعب اللبناني استخدم فيه كلمات عربية ليعلن عن دعم فرنسا ووقوفها إلى جانب الشعب وتحميل قادة لبنان مسؤولية ما حدث ودعاهم إلى مكافحة الفساد وإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية[61]، كما قام بزيارة لفيروز إحدى رموز الشعب اللبناني ومنحَها وسامًا، وقابل المطربة ماجدة الرومي ليطمئنها على مستقبل لبنان!

وأرسلت فرنسا إلى لبنان طائرة على متنها عمال للمشاركة في أعمال التطهير وإزالة بقايا التفجير، وثلاث طائرات للمساعدة في عمليات البحث والإنقاذ والتنقيب عن الضحايا في مناطق التفجير، وعيادات طبية متحركة لمعالجة الجرحى، وسفنًا وطائرات محمَّلة بنحو 100 طن من الأدوية والمواد الإغاثية والغذائية والمساعدات الإنسانية وتجهيزات البناء[62].

ودعا الرئيس الفرنسي إلى مؤتمر دولي لمساعدة لبنان وقد تمَّ تخصيص 250 مليون يورو في المؤتمر لصالح إعادة إعمار لبنان بلغت حصة فرنسا فيه 30 مليون يورو، وكان هدف فرنسا هو أن يكون النصيب الأكبر من خطة الإعمار لصالح الشركات الفرنسية من أجل إنعاش الاقتصاد الفرنسي، بالإضافة إلى وصول ما يقرب من 750 جنديًّا فرنسيًّا ووزيرة الجيوش الفرنسية للترويج لخطة الإصلاحات الفرنسية، وبرز دور مدير المخابرات الفرنسية في الإشراف على تنفيذ الخطة الفرنسية، والغريب أنه لم يقم بهذا الدور سياسيُّون ودبلوماسيُّون فرنسيُّون كما هو معتاد، بل عُهد به إلى عسكريِّين واستخباراتيِّين، وهو ما يعني أن حضور فرنسا أبعد من مساعدة لبنان على تجاوز الأزمة الاقتصادية والسياسية وتقديم مساعدات إغاثية[63]، ففرنسا ليس لديها قدرة على إخراج لبنان من ورطتها الاقتصادية نظرًا لوضع فرنسا الاقتصادي المرير، كما أن الحلول التي كثيرًا ما يقترحها ماكرون لا يمكن لها أن تحل تعقيدات الأزمة السياسية اللبنانية[64].

ومن هنا نجد أن فرنسا تبحث عن وجود عسكري لها في لبنان من أجل تعزيز نفوذها في شرق المتوسط، فلبنان هي بوابة المتوسط؛ لذا وجد ماكرون في الأزمة اللبنانية فرصة لتعزيز دور فرنسا في صراعها المرير مع تركيا حول منطقة شرق البحر المتوسط وثرواته[65]، كما أنها تضمن حصص شركة توتال الفرنسية في التنقيب عن الغاز -في ظل تنافسها مع شركة إيني الإيطالية ونوفاتيك الروسية- خاصة بعد أن بدأت المفاوضات بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي حول ترسيم الحدود البحرية في منطقة المتوسط، وأن يكون لفرنسا دور في هذه المفاوضات ولا تتركها برمَّتها للوساطة الأمريكية التي أعلنت رعايتها للمفاوضات حتى لا تغيب الشركات الأمريكية عن طاولة الغاز وتتركها للشركات الفرنسية والروسية والإيطالية[66].

كل هذا دفع فرنسا إلى أن تكون أول الساعين إلى إعادة بناء مرفأ بيروت لتؤمِّن لنفسها نقطة ارتكاز على شاطئ البحر المتوسط، وهو ما يهمها، فهي ليس لديها القدرة على إيجاد حلول لمشاكل لبنان بل على العكس تزج بها في أزمات إقليمية بعيدًا عن مطالبها الحقيقية من تمكين الدولة على تجاوز أزماتها الداخلية والقضاء على الفساد ونظام المحاصصة الطائفية -فمهما عارض ماكرون نظام المحاصصة فهي مجرد تصريحات ولن يسعى إلى إنهائه لأنه يصبُّ في صالح الموارنة حلفاء فرنسا في لبنان- والاستفادة من خيرات وثروات لبنان لتحسين أوضاعها الاقتصادية[67].

ثانيًا- فرنسا والمسلمون:

تكاثرت أحاديث وتصريحات ماكرون عن الإسلام منذ توليه لرئاسة فرنسا، فلم يكن حديثه في 2 أكتوبر 2020 هو الأول من نوعه -بل سبقه خطاب مماثل في فبراير 2020 بمدينة ميلوز الفرنسية- عن الإسلام والمسلمين، فهو يرى أن الدين الإسلامي يمرُّ بأزمة في فرنسا وكافة أنحاء العالم، وتحدث عن الانعزالية الإسلامية وأوضاع الأقليات المسلمة في فرنسا -التي يقدَّر تعدادها بحوالي ستة ملايين نسمة- ونظرته لهم على أنهم يشكِّلون خطرًا، فهم دولة داخل الدولة يسعون إلى استخدام الدين الإسلامي من أجل تأسيس مشروع واقعي واستراتيجي يهدف إلى الانفصال عن الجمهورية الفرنسية وإرساء قوانين جديدة -تأسيس مجتمع مضاد- ودلَّل على ذلك بأن هناك جمعيات ومدارس داخل فرنسا تقوم بممارسات متطرفة وتمنع الاختلاط وتدرِّس الدين وتتلقَّى تمويلًا من الخارج[68].

حاول ماكرون أن يخفِّف من العنصرية والكراهية التي يحملها خطابه، حيث حمَّلَ الحكومةَ الفرنسية جزءًا من المسؤولية، فبفضل السياسات الحكومية نشأت ظاهرة المجتمعات المنغلقة والأحياء المنفصلة التي جمعت السكان بناءً على أصولهم، الأمر الذي لم يوفِّر فرصة الاختلاط والاندماج وحرمانهم من التدرُّج الاجتماعي والاقتصادي، وواصل ماكرون حديثه عن الخطوات الجادَّة التي يجب أن تتَّخذها الدولة تجاه ظاهرة الانعزال الإسلامي، وعبَّر في إطار ذلك عن خطَّته لإيجاد إسلام فرنسي منفتح على الآخر ومتوافق مع قيم الجمهورية الفرنسية ونظامها العلماني وقابل للتعايش مع المجتمع الفرنسي، وتتضمَّن الخطة خمسة محاور أساسية وهي: حيادية المرافق العامة أمام الممارسات الدينية، وفرض الرقابة على الجمعيات الدينية، وإلغاء نظام التعليم في المنازل المنتشر في الأحياء التي يسكنها مسلمون من أصول مختلفة، والتوقُّف عن الاستعانة بأئمة من الخارج، وتنشئة أئمة يؤمنون بالقيم الفرنسية، وأكَّد على صياغة هذه المحاور في قانون تكون له قوة إلزامية للسلطات المحلية والمركزية[69].

واستنتج البعض أن الهدف من تصريحات ماكرون هو البحث عن عدو وهمي “الإسلام” ليغطِّي على أزمته السياسية والاقتصادية والتظاهرات والحركات الاحتجاجية التي تخرج مندِّدة بسياساته، وأن يكون ذلك مدخلًا لجذب متعاطفين معه في حملته الانتخابية أمام اليمين المتطرف الذي يحظى بشعبية وكتلة انتخابية كبيرة.

فكان الدين الإسلامي كبش الفداء، الذي اتَّهمه عن جهل وعدم معرفة بما يدعو إليه من تسامح وتعايش مشترك مع معتنقي الديانات الأخرى، وتناسى أن النزعات الانفصالية لمسلمي فرنسا وأوروبا ترجع إلى سياساتهم الخاطئة التي حرمت المسلمين من الخدمات العامة وسوء أوضاعهم، وهو ما أدَّى إلى شعور بالانفصال عن المجتمع وغضب تجاه المؤسسات التي تنكر عليهم حقوقهم وهو ما يولد متطرفين يعادون الدولة وقيمها، فبدلًا من أن يقوم ماكرون بإلقاء الاتهامات التي تسبَّبت في زيادة مشاعر الغضب والكراهية والتضييق على الجاليات المسلمة في فرنسا وملاحقة أئمة المساجد والجمعيات الإسلامية وإغلاق البعض منها، كان عليه أن يقوم بحوار معمَّق مع ممثِّلي المسلمين الفرنسيِّين وإعادة فهم الدين الإسلامي بعيدًا عن التفسيرات الخاطئة والمقولات العدائية وإعادة تدريس اللغة العربية في المدارس العامة والتعرُّف على رموز الفكر الإسلامي ونتاجهم العلمي وتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام والمسلمين[70].

لم يُثر خطاب ماكرون عن الإسلام الغضب في عواصم الدول العربية والإسلامية مثلما أثار خطابه الأخير خلال حفل تأبين المدرس الفرنسي في 21 أكتوبر 2020 -الذي قُتل على يد طالب مسلم- والذي صرَّح فيه بعدم تخلِّي فرنسا عن الرسوم المسيئة للرسول التي إن أغضبت البعض فهي تعبِّر عن قيم الجمهورية العلمانية المتعلقة بحرية الرأي والتعبير[71]، وهو ما اعتبره المسلمون إشارة إلى تمسُّكه بازدراء الدين الإسلامي وإهانة رسوله، ولم يتوقَّف الأمر هنا، بل تمَّت إعادة نشر الرسوم المسيئة على مباني حيوية بفرنسا.

أدانت كافة الدول العربية والإسلامية تصريحات ماكرون من خلال وزراء خارجيتها ومؤسساتها الدينية حيث اعتبروها إساءة للإسلام والمسلمين ورسائل استفزازية لمشاعر 1.9 مليار مسلم تحت شعار حرية الرأي والتعبير وهو ما يعزِّز خطاب الكراهية ويسيء للعلاقات الفرنسية مع دول العالم الإسلامي، ووصف الإرهاب بالإسلامي في الوقت الذي تشهد فيه فرنسا وعدد من العواصم الأوروبية هجمات إرهابية يقوم بها أنصار اليمين المتطرف على الجاليات الإسلامية ولا تخرج تصريحات عن مسؤولين تندِّد بها وتصفها بالإرهاب -فقد تعرَّض مسجدان في فرنسا لهجومين إرهابيَّيْن في مدينتي بريست وبايون- وهو ما يعني أنها تصريحات تستهدف في مجملها الإسلام والمسلمين وليس محاربة التطرُّف كما تدَّعي[72].

كان لتصريحات ماكرون تأثيرات سلبية أضرَّت بالسياسة الفرنسية في المنطقة العربية ومصالحها، حيث دعا بعض قادة الدول الإسلامية وعلى رأسهم أردوغان إلى تدشين حملة لمقاطعة المنتجات الفرنسية، وهي الدعوة التي وجدت صداها بين الأوساط الشعبية التي تبنَّتها وقامت بتطبيق المقاطعة والعزوف عن المتاجر والبضائع الفرنسية[73]، كما نتج عن التصريحات وقوع عدد من الحوادث الإرهابية التي استهدفت مؤسسات وشخصيات فرنسية منها حادثة كنيسة نيس في 29 أكتوبر 2020 حيث قام شاب تونسي بطعن امرأة ورجلين في محيط الكنيسة[74]، واستهداف مقابر غير المسلمين في جدة بعبوة ناسفة في 11 نوفمبر 2020 أثناء حضور وفود دبلوماسية مراسم إحياء ذكرى انتهاء الحرب العالمية الأولي التي نظَّمتها السفارة السعودية وكانت بحضور القنصل الفرنسي، وجاء ذلك بعد أيام قليلة من الهجوم على حارس أمن القنصلية الفرنسية في جدة[75].

كان هذا دافعًا لقيام ماكرون بإجراء مقابلة مع قناة الجزيرة في 31 أكتوبر 2020 لتوضيح موقفه وتقديم الاعتذار بشكل غير مباشر للعالم العربي والإسلامي الغاضب من تصريحاته -التي أضرَّت بالمصالح الفرنسية في المنطقة العربية- والتراجع عنها، حيث قال إنه يتفهَّم مشاعر الغضب والاستياء إزاء الرسوم المسيئة للرسول، لكنه لا يتبنَّى هذه الرسوم فهي صادرة عن صحيفة شارل إيبدو وهي صحيفة حرة مستقلة غير حكومية لا تعبر عن رأي الدولة والحكومة بل هي صحيفة ساخرة لا تعادي الإسلام بالأخص بل تقوم برسم كاريكتور مماثل عن رموز الدين اليهودي والمسيحي وزعماء وقادة دول وعلى رأسهم ماكرون[76].

وأضاف ماكرون أنه لا يحمل أيَّ توجُّهات عدائية تجاه الإسلام، بل إن تصريحاته فُهمت خطأ، فكان المقصود هو أنه يوضِّح موقفه كمسؤول أمام الشعب الفرنسي عن احترام وحماية قيم وقوانين الجمهورية الفرنسية العلمانية والتي من أهمها حرية الرأي والتعبير المكفولة للجميع[77]، وكان ماكرون حريصًا على أن تصل رسالته للشعوب الإسلامية ممَّا جعله يقوم بنشر مقتطفات من حواره مع قناة الجزيرة باللغة العربية على حسابه على الفيس بوك وتويتر.

وفي محاولة أخرى من فرنسا لتهدئة الرأي العام العربي والإسلامي الغاضب، وتفادي الخسائر السياسية والاقتصادية التي جنتها فرنسا من وراء تصريحات ماكرون، قام وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بإجراء زيارة إلى مصر في 8 نوفمبر 2020 لتوضيح موقف فرنسا والحرص على مقابلة شيخ الأزهر ليؤكِّد على احترام بلاده العميق للإسلام ورموزه ومقدَّساته وأن الهدف هو محاربة الإرهاب والتطرُّف[78].

خاتمة:

يمكن أن نستخلص في الخاتمة أمرين فيما يتعلق بمآلات السياسة الفرنسية في المنطقة العربية:

  • الأمر الأول هو أنه في كل مرة كانت تحاول فيها فرنسا البحث عن دور لها في الشرق الأوسط كقوة عظمى وترفع من مستوى انخراطها في قضايا المنطقة، كانت تصطدم بدول وقوى إقليمية ودولية تقف أمام طموحها وتعيدها إلى ما كانت عليه، والأمثلة على ذلك لا حصر لها منها:

– فشل ماكرون في أن يُدخل مبادرة تسوية الوضع في ليبيا بين حكومة فايز السراج والمشير حفتر حيز التنفيذ -التي سبق وطرحها بعد توليه للرئاسة بشهرين- نتيجة لعدم رضاء إيطاليا.

– حاولت فرنسا تعزيز العلاقات مع إيران من خلال الدفاع عن الاتفاق النووي الإيراني وفي الوقت ذاته الحفاظ على العلاقات الودية مع السعودية، لكنها أخفقت في تحقيق ذلك حيث رأت كلٌّ من السعودية وإيران أن هناك تناقض في الموقف الفرنسي.

– رغبت فرنسا في أن تجد لها دورًا في الملف السوري فاضطرَّت إلى التخلِّي عن شرطها السابق بضرورة تنحِّي الأسد، وعلى الرغم من ذلك لم تلق ترحيبًا من سوريا ولم تولِها روسيا أي اهتمام، حيث فضَّلت التحاور مع الولايات المتحدة فيما يتعلَّق بالشأن السوري.

– كانت الذاكرة الاستعمارية عائقًا أمام محاولات فرنسا المستمرَّة لتطوير العلاقات مع دول المغرب العربي وخاصة الجزائر.

– لم يقدم ماكرون أي جديد -بفضل التعنُّت الإسرائيلي وغياب التكاتُف العربي- في ملف الصرارع العربي الإسرائيلي بل حرص على إعلاء أسهم النفوذ الفرنسي في المنطقة[79]، مستغلًّا تخلِّي إدارة ترامب عن حلِّ الدولتين والانخراط في سياسة مساندة تمامًا لإسرائيل على نحو غير مسبوق لم تشهده الإدارات الأمريكية السابقة وانشغال بريطانيا بملف الخروج من الاتحاد الأوروبي والتفات ألمانيا لشؤونها الداخلية.

وأخيرًا، عصفت التصريحات الأخيرة لماكرون عن الإسلام بكافة الجهود الفرنسية في المنطقة ومحاولاتها لممارسة دور في كافة القضايا والملفات العربية.

  • والأمر الثاني هو أنه لا يمكن للتحركات الفرنسية في المنطقة أن تكون سبيلًا لحل أزمات فرنسا الداخلية أو إيجاد حل لمشاكل المنطقة أو حتى تمكِّن فرنسا من استعادة دورها القديم كقوة عظمى، حيث ارتفعت أصوات معارضة في الداخل بعد تدخُّل ماكرون في لبنان ومساندته لقوى الاستبداد في ليبيا وانتقاداته المستمرَّة للدور التركي في منطقة المتوسط وهو ما اعتبرته المعارضة الفرنسية استعادة للوصاية الاستعمارية بشكل يسيء لسمعة فرنسا كدولة ديمقراطية، كما أن مشاكل المنطقة أصبحت على درجة عالية من التعقيد بشكل لم يعد يتناسب معه التوجُّه الاستعماري، أضف إلى ذلك التغيرات التي طرأت على النظام العالمي ككل وبروز قوى أخرى غير غربية وهو ما يغير من شروط المساومات والاتفاقات في المنطقة[80].

*****

الهوامش

[1] د. بوقنطار الحسان، السياسة الخارجية الفرنسية إزاء الوطن العربي منذ 1967، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى 1987)، ص ص 9-11.

[2] جي فورمونت، سياسة فرنسا العربية بين إرث التاريخ وتحديات الحاضر، جريدة أخبار الخليج، 25 مايو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/Yo1h7

[3] د. بوقنطار الحسان، السياسة الخارجية الفرنسية إزاء الوطن العربي منذ 1967، مرجع سابق، ص ص12-25.

[4] كريمة بو عافية، سياسة ديجول تجاه بلدان المشرق العربي: سوريا والعراق نموذجًا (1962-1969)، (جامعة محمد بوضياف – المسيلة: كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية)، رسالة ماجستير، 2015-2016، ص ص 25-47.

[5] رواء طه درويش، السياسة الخارجية الفرنسية حيال المشرق العربي: حقبة ما بعد الحرب الباردة، (جامعة النهرين: كلية العلوم السياسية)، رسالة ماجستير، 2011، ملخص الرسالة، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/hRbCI

[6] جي فورمونت، سياسة فرنسا العربية بين إرث التاريخ وتحديات الحاضر، مرجع سابق.

[7] وحدة الرصد والتحليل، تقدير موقف: التحركات الفرنسية في المنطقة.. الدوافع والأبعاد، مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، سبتمبر 2020، ص3 متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/3mX2pKa

[8] للمزيد انظر: د. نادية مصطفي، أوروبا والوطن العربي، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ١٩٨٦).

[9] وحدة الرصد والتحليل، تقدير موقف: التحركات الفرنسية في المنطقة.. الدوافع والأبعاد، المرجع السابق، ص 6.

[10] د. علي حسين حميد ود. فراس عباس هاشم، رؤية استراتيجية في ضوء ملامح التجديد الفرنسي: الماكرونية أنموذجًا، الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والاستراتيجية، 6 مارس 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/guPFh

[11] كاثرين شكدام، تغير الموقف الفرنسي تجاه الشرق الأوسط، مركز البيان للدراسات والتخطيط، 8 يناير 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/syW76

[12] وحدة الرصد والتحليل، تقدير موقف: التحركات الفرنسية في المنطقة.. الدوافع والأبعاد، مرجع سابق، ص 7.

[13] المرجع السابق، ص ص 7-8.

[14] د. علي حسين حميد ود. فراس عباس هاشم، رؤية استراتيجية في ضوء ملامح التجديد الفرنسي، مرجع سابق.

[15] تقييم السياسة الخارجية الفرنسية في عهد ماكرون، مركز سيتا، 6 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/RP6k7

[16] كمال البني، ماكرون يؤكد دعمه للعراق أمام تحديات التدخل الأجنبي وتهديدات تنظيم الدولة الإسلامية، موقع دويتشه فيله، 2 سبتمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/NgK15

[17] محمد كريم الخاقاني ومروان محمد الطيارة، الدور الفرنسي في الشرق الأوسط، مركز سيتا، 4 سبتمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/WBWO2

[18] يمان دابقي، فرنسا في ليبيا: الدور التاريخي المتجدِّد ومستقبل النفوذ، برق للسياسات والاستشارات، 11 مارس 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/abvWN

[19] المرجع السابق.

[20] محمود قاسم، مساع فرنسية لتحجيم الطموح التركي في المتوسط، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 1 سبتمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/LAFHA

[21] يمان دابقي، فرنسا في ليبيا: الدور التاريخي المتجدِّد ومستقبل النفوذ، مرجع سابق.

[22] رائد نجم، دوافع التدخل الفرنسي في ليبيا، شبكة رؤية الأخبارية، فبراير 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/c0A9b

[23] أحمد قاسم حسين، التنافس الفرنسي – الإيطالي على النفوذ في ليبيا، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، سلسلة تقييم حالة، فبراير 2019، ص 5.

[24] يمان دابقي، فرنسا في ليبيا: الدور التاريخي المتجدِّد ومستقبل النفوذ، مرجع سابق.

[25] أحمد قاسم حسين، التنافس الفرنسي – الإيطالي على النفوذ في ليبيا، مرجع سابق، ص ص 5-6.

[26] يمان دابقي، فرنسا في ليبيا: الدور التاريخي المتجدِّد ومستقبل النفوذ، مرجع سابق.

[27] أحمد قاسم حسين، التنافس الفرنسي – الإيطالي على النفوذ في ليبيا، مرجع سابق، ص 6.

[28] يمان دابقي، فرنسا في ليبيا: الدور التاريخي المتجدِّد ومستقبل النفوذ، مرجع سابق.

[29] الطريق إلى غاز المتوسط يبدأ من ليبيا، موقع البيان، 18 مايو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/a2MDj

[30] المرجع السابق.

[31] إسماعيل عزام، كيف يؤثر الصراع التركي – الفرنسي حول ليبيا على الدول المغاربية؟، موقع دويتشه فيله، 19 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/1uolk

[32] حراك الجزائر: وثائقي فرنسي يثير أزمة أم مجرد زوبعة في فنجان؟، موقع BBC عربي، 29 مايو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/T38sE

[33] يونس بورنان، الجزائر تسترجع الجماجم وتنهي أزمة الذاكرة مع فرنسا، موقع العين الاخبارية، 2 يوليو ٢٠٢٠، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.ly/2KHXjEH

[34] 415 مليون دولار.. فرنسا تدعم إصلاحات الاقتصاد التونسي بقرض، موقع العين الإخبارية، 22 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/zDBex

[35] إسماعيل عزام، بعد تدخل أردوغان: أين تقف الدول المغاربية من الأزمة الليبية؟، موقع دويتشه فيله، 3 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/tyFFZ

[36] أشرف محمد كشك، مستجدات السياسة الفرنسية تجاه أمن الخليج العربي، موقع أخبار الخليج، 3 فبراير 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/irx37

[37] أحمد دياب، دبلوماسية جيواقتصادية: محفزات تعزيز الشراكة بين فرنسا والخليج، موقع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 8 مايو 2015، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/zKeoZ

[38] يوسف بوفيجلين، التطلعات الأوروبية في الخليج – مجرد صفقات سلاح؟، موقع دويتشه فيله، 5 يونيو 2015، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/QKwK9

[39] أشرف محمد كشك، مستجدات السياسة الفرنسية تجاه أمن الخليج العربي، مرجع سابق.

[40] جامعة الإمارات تطلق فعاليات منتدى العلاقات بين فرنسا والإمارات، 17 فبراير 2020، موقع جامعة الإمارات العربية المتحدة، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/WwsbS

[41] أحمد دياب، دبلوماسية جيواقتصادية: محفزات تعزيز الشراكة بين فرنسا والخليج، مرجع سابق.

[42] علي زياد، مضمون الاستراتيجية الفرنسية في الخليج، موقع القدس العربي، 9 يونيو 2015، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/34fWn

[43] ميشال أبو نجم، ماكرون يسعى لتعزيز الدور الفرنسي في الخليج، موقع جريدة الشرق الأوسط، 10 نوفمبر 2017، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/U3n3d

[44] ميشال أبو نجم، ماكرون في القدس: النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي حاضر والجهود السياسية غائبة، جريدة الشرق الأوسط، 22 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/LX1i0

[45] أسماء خليفة، ماكرون الطريق إلى الإليزيه محملًا بمباركة إسرائيل، موقع إضاءات، 24 مايو 2017، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/8AxyX

[46] ميشال أبو نجم، ماكرون في القدس: النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي حاضر والجهود السياسية غائبة، مرجع سابق.

[47] المرجع السابق.

[48] المرجع السابق.

[49] حسن الحسيني، هل يصطف ماكرون خلف صفقة القرن، موقع مؤسسة مونت كارلو الدولية، 7 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/GMWpm

[50] أرليت خوري، موقف ماكرون من خطة السلام يثير قلقًا وحيرة في الأوساط العربية، INDEPENDENT عربية، 2 فبراير 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/KNhrR

[51] ميشال أبو نجم، ماكرون في القدس: النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي حاضر والجهود السياسية غائبة، مرجع سابق.

[52] أرليت خوري، موقف ماكرون من خطة السلام يثير قلقًا وحيرة في الأوساط العربية، مرجع سابق.

[53] ميشال أبو نجم، ماكرون في القدس: النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي حاضر والجهود السياسية غائبة، مرجع سابق.

[54] تجاوزات تركيا تتصدَّر أجندات لقاء السيسي وماكرون في باريس، موقع العرب، 5 ديسمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/6i3JC

[55] د. زياد مدوخ، الموقف الفرنسي في مواجهة السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية القدس أنموذجا، موقع كلية الآداب والعلوم الإنسانية، 28 أغسطس 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/4T4W7

[56] ماري زعرور حنا، من التأسيس إلى الاستقلال وحتى انفجار مرفأ بيروت: تاريخ العلاقات الفرنسية اللبنانية، موقع فرنسا 24، 7 أغسطس 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/nWr2X

[57] المرجع السابق.

[58] وحدة الدراسات السياسية، تقدير موقف: زيارة ماكرون لبيروت.. الدلالات والدوافع، المركز العربي للأبحاث ودراسة الدراسات، 8 سبتمبر 2020، ص2، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/4gTXe

[59] وحدة الرصد والتحليل، تقدير موقف: التحركات الفرنسية في المنطقة.. الدوافع والأبعاد، مرجع سابق، ص 5.

[60] قسم المتابعة الإعلامية، انفجار بيروت: ما الرسالة التي تحملها زيارة ماكرون إلى لبنان؟، موقع BBC عربي، 7 أغسطس 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/QmQeG

[61] خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من بيروت، Al Jadeed News، 6 أغسطس 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/WXVrv

[62] وحدة الدراسات السياسية، تقدير موقف: زيارة ماكرون لبيروت.. الدلالات والدوافع، مرجع سابق، ص ص 1-3.

[63] المرجع السابق، ص ص 1-3.

[64] وحدة الرصد والتحليل، تقدير موقف: التحركات الفرنسية في المنطقة.. الدوافع والأبعاد، مرجع سابق، ص 6.

[65] وحدة الدراسات السياسية، تقدير موقف: زيارة ماكرون لبيروت.. الدلالات والدوافع، مرجع سابق، ص ص 1-4.

[66] إيهاب عمر، كيف نقرأ بدء مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل؟، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 2 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/EEbIw

[67] وحدة الدراسات السياسية، تقدير موقف: زيارة ماكرون لبيروت.. الدلالات والدوافع، مرجع سابق، ص ص 1-4.

[68] علاء الدين بونجار، ماكرون يرغب في صحوة جمهورية ضد التطرف والتأسيس لإسلام تنويري، موقع مونت كارلو الدولية، 2 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/kapg0

[69] د. حسن أبو طالب، ماكرون والإسلام الفرنسي: حدود المسؤولية المشتركة، موقع جريدة الشرق الأوسط، 6 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/PqBvM

[70] المرجع السابق.

[71] مراسم التأبين والتكريم الوطني للمعلم الفرنسي صامويل باتي بجامعة السوربون في باريس، 22 أكتوبر 2020، فيديو من قناة فرنسا 24 على موقع يوتيوب، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/x2Ej7

[72] معتز ممدوح، مغازلة الشعبوية: أزمة الإسلام في فرنسا أم أزمة ماكرون؟، موقع إضاءات، 12 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/9psaZ

[73] أردوغان يدعو لمقاطعة المنتجات الفرنسية: ماكرون يحتاج لعلاج عقلي، موقع CNN بالعربية، 26 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/uvoJP

[74] قسم المتابعة الإعلامية، هجوم نيس: من يتحمل مسؤولية الهجوم الذي وقع في كنيسة نيس في فرنسا؟، موقع BBC عربي، 30 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/0CZWN

[75] السعودية: عدة إصابات في اعتداء بعبوة ناسفة استهدف مقبرة لغير المسلمين في جدة، موقع فرنسا 24، 11 نوفمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/QFbPb

[76] لقاء الرئيس ماكرون على قناة الجزيرة، فيديو على موقع يوتيوب، 31 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/VoyfJ

[77] المرجع السابق.

[78] وزير خارجية فرنسا يؤكد من مصر احترام بلاده “العميق للإسلام”، موقع دويتشه فيله، 8 نوفمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/a7Uau

[79] ماكرون الحائر بين تناقضاته: هل ينجح في الشرق الأوسط؟، موقع إضاءات، 3 يناير 2015، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/NEfx2

[80] وحدة الرصد والتحليل، تقدير موقف: التحركات الفرنسية في المنطقة.. الدوافع والأبعاد، مرجع سابق، ص 8.

 

فصلية قضايا ونظرات – العدد العشرون – يناير 2021

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى