حصاد شهر من المواقف الغربية والأوروبية تجاه الحرب على غزة

(7 أكتوبر – 7 نوفمبر 2023)

يقدِّم هذا التقرير -بعد رصد وتحليل- أهمَّ الجديد في المواقف الأمريكية والأوروبية في الأسبوع الرابع من الحرب على غزة (1 نوفمبر حتى 7 نوفمبر)، وخلاصات وافية بشأن تطورات هذه المواقف وخطاب الدول الغربية تجاه عملية طوفان الأقصى، وما تبعه من عمليات عسكرية إسرائيلية داخل القطاع.

الأسبوع الرابع[1]: أبرز الأحداث والمواقف

وجدت الدول المنحازة للجانب الإسرائيلي أن مظلَّة الدعم الدولي تقلُّ مع مرور الوقت، ومن هنا أخذت في التحرك ليس فقط تجاه إسرائيل لإقناعها بضرورة التركيز على الأهداف العسكرية، وتجنُّب إيقاع الخسائر بالمدنيِّين والمستشفيات، والإسْراع في إنهاء مهمَّتها في القطاع، وليس تجاه الدول المعنية مباشرةً بالصراع، وإنما بعددٍ كبيرٍ من الدول في مناطق مختلفة من العالم، وهو ما ترجمتْه تحرُّكات الدبلوماسية الأمريكية خلال الأيام القليلة في هذا الأسبوع.

ونحاول في هذا التقرير تناول أبرز مواقف الدول الغربية والأوروبية، وجديد خطابها تجاه الحرب على غزة، ونشاطها الدبلوماسي في هذا الصدد.

أولًا- الولايات المتحدة

نشهد منذ الأسبوع الثالث نبرة مختلفة في الخطاب الأمريكي، نبرة تُعلي -شيئًا ما- من الاعتناء بأرواح المدنيِّين في غزة، وهو ما تُرجم أكثر من مرة في تصريحات الرئيس بايدن، وأخرى في بيانات المتحدِّث باسم الخارجية، وأخيرًا على لسان وزير الخارجية قبيل زيارته إلى تل أبيب والمنطقة، وفي اجتماعه مع نظرائه العرب في عمَّان يوم الجمعة (2 نوفمبر)، إذ قال: “يجب على إسرائيل أن تتَّخذ كلَّ التدابير الممكنة لمنع وقوع إصابات في صفوف المدنيِّين. عندما أرى صبيًّا أو فتاة فلسطينية يُنتشل من تحت أنقاض مبنى؛ يُصيبني ذلك في أعماق قلبي تمامًا كما يُصيب قلوبَ الجميع، وأرى أطفالي في وجوههم”[2].

استمرَّت -إلى جانب ذلك- المحادثات بين بايدن ونتنياهو، إذ اتصل به يوم الإثنين (6 نوفمبر)، ليصل عدد المكالمات التي جمعتهما طيلة الأزمة إلى عشر مكالمات. وخلال هذه المكالمة أكَّد بايدن دعمه الثابت لإسرائيل، مع التشديد على حماية المدنيِّين الفلسطينيِّين، وتقليل الأضرار التي تلْحق بهم أثناء العمليات العسكرية. كما ناقش إمكانية عمل فترات توقُّف تكتيكية لتوفير فرص للمدنيِّين للخروج بأمان من مناطق القتال المستمر، ولضمان وصول المساعدة إلى المدنيين المحتاجين، ولتمكين إطلاق سراح الرهائن المحتمل. وناقش الرئيس –أيضًا- الوضع في الضفة الغربية، مؤكِّدًا ضرورة محاسبة المستوطنين المتطرِّفين على أعمال العنف[3].

شهدت الدبلوماسية الأمريكية خلال هذا الأسبوع نشاطًا مكثفًا ربما يفوق ما شهدته خلال الأسبوع الثاني للحرب، إذ سبق جولة بلينكن الموسعة، ورتَّب لها، زيارة مستشار وزارة الخارجية الأمريكية وزيارة مدير وكالة المخابرات الأمريكية (CIA)، وفي نفس الوقت، كانت نائبة الرئيس في زيارة عمل لمدة يومين في لندن لمناقشة الحرب الإسرائيلية على غزة إلى جانب قضايا أخرى. وكان دعم إسرائيل حاضرًا خلال قمة قادة الشراكة في الأمريكتين من أجل الازدهار الاقتصادي، وفي أثناء اللقاءات الثنائية مع قادة القمة من الدومينكان وغيرها.

تُعد جولة بلينكن، التي بدأت الجمعة 2 نوفمبر واستمرَّت حتى 10 نوفمبر، الأكبر منذ بداية الحرب. بدأ الجولة الوزير بزيارة إلى تل أبيب، ومنها إلى المنطقة العربية حيث عقد اجتماعًا مع وزراء خارجية الأردن، ومصر، وقطر، ولبنان، وبعدها انطلق إلى بغداد، ومنها إلى اليابان حيث عُقد اجتماع مجموعة الدول السبعة، ثمَّ إلى كوريا الجنوبية، وأخيرًا إلى الهند. الثابت الوحيد في خلال هذه الزيارات -رغم اختلافها- هو بحث قضية الشرق الأوسط، وتوفير دعم لإسرائيل لاستكمال عملياتها العسكرية، وإثناء الدول عن موقفها الداعي “لوقف إطلاق النار”[4].

أكدت الولايات المتحدة عبر هذه الزيارات جملة من المواقف:

  1. 1. وقوع الضحايا من المدنيِّين في فلسطين أمر تعترف به الإدارة الأمريكية، وتعتبره ضرورة لكون حماس تتَّخذ من المدنيِّين دروعًا بشرية، ولكون حماس قد دمجت بِنيتها العسكرية بالبِنية التحتيَّة المدنية في غزة عبر شبكة الأنفاق المنتشرة تحت المدارس والمساجد والمستشفيات.
  2. تدعو الإدارةُ الأمريكية -مع ذلك- إسرائيلَ إلى التمييز بين المدنيِّين و”الإرهابيِّين” عند توجيه عمليَّاتها[5].
  3. ضرورة منع توسُّع الصراع والبحث مع الأطراف المعنيَّة ذات الصلة كيفيَّة حدوث ذلك.
  4. لا وقف لإطلاق النار، وإنما هدن إنسانية أو فترات توقُّف تكتيكيَّة لعمليَّات القتال والقصْف، لمرور المساعدات وإجلاء المدنيِّين.
  5. ألَّا تكون حماس جزءًا من مستقبل الحكم في غزة بعد الحرب، فلا يمكن العودة إلى ما قبل 7 أكتوبر، وفقًا للمسؤولين الأمريكيِّين[6].

ولم يوضِّح بلينكن معالم هذا المستقبل، ولم يتَّفق مع نظرائه العرب عليه، اللهم إلَّا مع السلطة الفلسطينية، التي قال بشأنها أمام جلسة استماع بمجلس الشيوخ الأمريكي الأسبوع الماضي إنه: “سيكون من المنطقيِّ للغاية أن تتولى السلطة الفلسطينية -وقتما تكون فعالة- الحكم والمسؤولية الأمنية نهاية المطاف في غزة”[7]. ولكنه أكَّد في الوقت نفسه أن ملامح هذا المستقبل لابد أن يُترك للفلسطينيِّين حرية رسمها[8].

أما عن التعليقات الصحفية التي جاءت على المواقف الأمريكية، فأخذتْ معظمُها مواقفَ مناوِئة للخطاب الرسمي المُعلن، بدءًا من إشارتها إلى رفض نتنياهو اقتراح بلينكن بشأن فترات الهدنة الإنسانية[9]، مرورًا برفض نتنياهو مقترح إدارة فلسطينية للقطاع، إذ يرى ضرورة أن تكون إسرائيل أو قوة تحالف دولية هي المسؤولة عن الأمن في غزة[10]، وليس انتهاءً بأن الولايات المتحدة وإدارة بايدن أكَّدت لإسرائيل ضرورة أن تقلِّل من عمليات القصف وتُكَثِّفَ من عملياتها البرية المبنيَّة على الاستخبارات، وأنه لم يَبْقَ أمامَها سوى أسابيع وليس أشهرًا لإنهاء الحرب[11]، وأن الولايات المتحدة قد تجد نفسها مضطرة أمام الضغط الدولي والداخلي عليها إلى الدعوة إلى وقف إطلاق النار[12].

نجد أن الكونجرس الأمريكي، رغم هذه التعليقات، قد وافقَ على طلب إمداد إسرائيل بقنابل دقيقة التوجيه بقيمة 320 مليون دولار[13]، وقبلها كان اعتماد مجلس النواب الدفعة الإضافية لدعم إسرائيل بقيمة 14.3 مليار دولار، لدعم اقتصادها وإمدادها بمعدات عسكرية إضافية.

إذن، الولايات المتحدة مُصِرَّةٌ على اتباع الرواية الإسرائيلية، وإمداد إسرائيل بما تحتاجه لتحقيق أهدافها، التي تُعَدُّ -وفقًا لكثيرين- ليست واقعية أو قابلة للتحقيق، بل هي ماضية في التفكير إلى أبعد من هذه العملية العسكرية. كما بدا من تحرُّكات هذا الأسبوع أنها تريد أن تُرَمِّمَ صورةَ إسرائيل أمام كافَّة دول العالم، بعد وقوع آلاف القتلى من المدنيِّين، بما في ذلك الأطفال، والنساء، والشيوخ، بفعل استهداف قنابل وصواريخ الطائرات الإسرائيلية لهم دون سابق إنذار، ودون أدنى مراعاة لقوانين الحرب والقانون الدولي الإنساني.

ثانيًا- المملكة المتحدة وألمانيا

استمرَّ الدعم البريطاني والألماني للجانب الإسرائيلي، مع ترديد نفس الرواية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلَّق برفض وقف إطلاق النار، إذ استبعدَ وزيرُ الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، وجنوب آسيا، والأمم المتحدة أن تكون الشروط التي تؤدِّي إلى وقف إطلاق النار موجودة، وعلى رأسها اتفاق طرفي الصراع على مفهوم وقف إطلاق النار، ورفض اعتبار حماس شريكًا في السلام في المنطقة[14].

كما أرسلت ألمانيا خلال هذا الأسبوع قائد القوات الجوية دعمًا لإسرائيل، وتأكيدًا على موقف ألمانيا الثابت منها، كما وافقت الحكومة على تصدير معدات عسكرية بقيمة 323 مليون دولار إلى إسرائيل بدءًا من 2 نوفمبر 2023[15].

ثالثًا- فرنسا

تزامن الإعلان عن زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى تل أبيب مع مطالبة الخارجية الفرنسية تل أبيب بتوضيحات -من دون تأخير- بشأن ضربة إسرائيلية استهدفت المعهد الفرنسي في غزة في وقت مبكِّر من يوم الجمعة (1 نوفمبر). وفي بيان لاحق على ذلك، أدانت الوزارة “الهجمات ضد مواقع الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني الذين يُعَدُّ عملهم ضروريًّا للسكَّان المدنيِّين في غزة، وكذلك ضدَّ مقارِّ وسائل الإعلام”، كما أعربت عن “قلقها العميق إزاء عدد الضحايا المدنيين في غزة الذي وصل إلى عدَّة آلاف، وإزاء الوضع الإنساني الخطير”.

كما أعلن ماكرون عن دعوة الدول المعنية والمانحين الرئيسيِّين لفلسطين إلى “مؤتمر إنساني” في التاسع من نوفمبر في باريس، مؤكِّدًا أن “مكافحة الإرهاب لا تبرِّر التضحية بالمدنيِّين”. وقد أُعلن أن إسرائيل قد دُعيت إلى هذا المؤتمر، ولكنه من غير المتوقع حضور ممثل عنها فيه[16].

وزارت وزيرة الخارجية الفرنسية في الخامس من نوفمبر قطر والإمارات، وأشارت إلى أن أهداف هذه الزيارة إلى الشرق الأوسط هي: التوصُّل إلى هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة، وتنظيم الاستجابة الإنسانية لاحتياجات السكَّان المدنيِّين في غزة، والعمل بحزم لضمان عدم انتشار الصراع، وتهيئة الزخم من أجل حلٍّ عادل ودائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس حلِّ الدولتين، ووصفتْ أن ذلك يمثِّل شرطًا أساسيًّا للسلام والاستقرار على المدى الطويل في الشرق الأوسط[17].

تؤكِّد هذه المواقف والتصريحات على اتِّساع الفجوة بين فرنسا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وألمانيا، إذ إن الدعوة الصريحة لوقف إطلاق النار أو عمل هُدنة إنسانية دائمة تمثِّل دعوة لخرق الصفِّ الغربي الداعم لإسرائيل، وبمثابة إعلان صريح للخروج عن خطه الناظم.

رابعًا- المواقف الأوروبية المعتدلة: النرويج وإيرلندا وإسبانيا وبلجيكا

تستمرُّ النرويج -للأسبوع الثاني على التوالي- في تصدُّر المواقف الأوروبية الداعية لوقف الحرب ووقف إطلاق النار. وأشارت الخارجية النرويجية في أحدث بيان لها إلى أن: “القانون الدولي يضع حدودًا واضحة لما هو مسموح به في الحرب، ويجب على كلِّ الأطراف أن تتَّخذ خطوات فعَّالة للتمييز بين الأهداف العسكرية والسكَّان المدنيِّين إلى أقْصى حَدٍّ ممكن، ويجب ألا يكون الضرر الذي يلحق بالمدنيِّين أو البنية التحتيَّة المدنيَّة مفرطًا مقارنةً بالميزة العسكرية المتوقَّعة. لقد تجاوزت الحرب في غزة هذه القيود إلى حَدٍّ كبير، ويحظر بشكل صريح تنفيذ هجمات على المستشفيات والعاملين في مجال الرعاية الصحية وإقامة حواجز تمنع وصول الإغاثة الإنسانية المنقذة للحياة للمدنيِّين المحتاجين”.

كما حدَّدت ثلاث أولويات لعملها:

  1. وقف الحرب من أجل تخفيف المعاناة الإنسانية ومساعدة المتضررين.
  2. ضمان وصول المساعدات الإنسانية فعليًّا إلى الناس في داخل غزة.
  3. بذل قصارى الجهد لإخراج المواطنين النرويجيِّين وغيرهم من المواطنين الأجانب من غزة[18].

وبالنسبة لإسبانيا، فقد استمرَّت الوزيرة الإسبانية للحقوق الاجتماعية في إطلاق تصريحاتها ضدَّ إسرائيل، إذ دعت المجتمع الدولي إلى فرض عقوبات على إسرائيل بسبب ارتكابها “إبادة جماعية مخطَّطة للفلسطينيِّين في غزة”، وانتقدت المعايير المزدوجة في معالجة انتهاكات حقوق الإنسان، وسلَّطت الضوء على “الصمت المطبق” على القصف الإسرائيلي مقارنة بالصراعات الأخرى، كما انتقدت موقف الاتحاد الأوروبي واعتبرتْه يمارسُ نفاقًا أمام هذه الأحداث[19].

ونقلت وكالة الأنباء الإسبانية الرسمية عن مصادر حكومية قولها: “إن إسبانيا لا تخطِّط لتصدير أيِّ معدَّات عسكرية فتَّاكة لاستخدامها في الصراع بين إسرائيل وحماس”[20].

وعن إيرلندا، فقد وُصفت –مبكرًا- بأنها ضمن الحالات الشاذَّة في المواقف الأوروبية، إذ علَّق رئيس وزرائها بأن ما قامت به إسرائيل يرْقى إلى مستوى “العقاب الجماعي”، ويمثِّل نوعًا من الانتقام[21]. كما وصف الرئيس الإيرلندي مايكل دي هيجين ما تقوم به إسرائيل بأن فيه خرقًا للقانون الدولي[22].

وعلى نفس الخط مع الدول السابقة، دعا نائب رئيس وزراء بلجيكا إلى فرض عقوبات على إسرائيل بسبب قصفها المتكرر بالقنابل مخيمات اللاجئين والمستشفيات، مؤكِّدًا على ضرورة دعوة المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الانتهاكات التي تحدث ضد المدنيِّين في غزة من قِبل إسرائيل[23].

لم يضف الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي نتيجة لهذا الانقسام الأوروبي أي جمل جديدة مفيدة إلى مواقفه السابقة المتعلِّقة بالدعوة إلى الهُدنة الإنسانية، وحماية المدنيِّين، ومراعاة القانون الدولي، ومكافحة معاداة السامية[24].

وخلاصة ما سبق فإن التطورات الميدانية في هذا الأسبوع تمثِّل آخر فرصة للقوى الغربية والدول الأوروبية للتعديل من مواقفها، كما مثَّلت التحدِّي الأبرز أمام سياسات ومواقف الدول الداعمة لإسرائيل. صمدتْ مواقف الولايات المتحدة، وألمانيا، والمملكة المتحدة، في مواجهة هذه التطورات الضاغطة، من أجل دعم إسرائيل، وشرح موقفها، وإعادة حشد الدعم الدولي لها، وإيجاد تبريرات لاستمرار عملياتها العسكرية، وكانت التحركات الأبرز –كالمعتاد- من الولايات المتحدة، إذ زار إسرائيل حتى هذا التاريخ 8 من كبار القادة الأمريكيِّين الدبلوماسيِّين والعسكريِّين.

على الجانب الآخر، زادت مساحات الخلاف بين فرنسا وإسرائيل، خاصةً بعد قصف الأخيرة المعهد الثقافي الفرنسي في غزة، ومن ثمَّ، دعت إلى وقف إطلاق النار، وإلى مؤتمر يحشد الدعم الإنساني والإغاثي لقطاع غزة.

أما المواقف الأوروبية المعتدلة، فارتفعت داخلها الأصوات المنادية بإدانة إسرائيل، وتحميلها مسؤولية وقوع آلاف الضحايا والمدنيِّين، إلى جانب انتقاد قصْفها المستمرِّ للمدارس والمستشفيات.

خلاصة نتائج التقارير السابقة:

يُشير تتبُّع مواقف القوى الغربية والأوروبية وعلى رأسها: الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا بعد مرور شهر من عملية طوفان الأقصى، وما تَبِعَهَا من إعلان إسرائيل حربًا شاملة على قطاع غزة إلى جملة من النتائج:

أولًا: انطلقت المواقف الغربية والأوروبية تجاه عملية طوفان الأقصى، أو هجمات السابع من أكتوبر كما تسمِّيها قادةُ هذه الدول، من نفس النقطة بإعلانهم “الإدانة الصريحة” لحماس ودعمهم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، إذ يتضح أن مساحة التوافق في الخطاب بشأن ما حدث كانت أكبر وبين عدد كبير من الدول، سواء تلك المعروفة بدعمها التاريخي الثابت لإسرائيل أو تلك التي تتبع موقفًا أقلَّ انحيازًا لإسرائيل. ويوضِّح الشكل

(1) مدى قرب عدد من مواقف الدول وخطابها من التعاطف مع إسرائيل خلال الفترة من 7 أكتوبر وحتى 19 أكتوبر.

ثانيًا: بعد مرور ما يقرب من أسبوعين من الردِّ الإسرائيلي “العنيف” الذي تمثَّل في القصف العشوائي للمدنيِّين واستهداف المستشفيات والمناطق المدنية، أخذت المواقف والخطابات الغربية والأوروبية في إعادة التشكُّل بسبب ظروف تتعلَّق بالانقسامات الداخلية في هذه الدول تجاه وقف الحرب، وبسبب استمرار عملية عسكرية إسرائيلية لا يتَّضح أن أهدافها المُعلنة قابلة للتحقُّق على الأرض، والتي تتمثَّل في القضاء على حركة حماس وقادتها، وفي تغيير منظومة الحكم السياسي في غزة.

ثالثًا: ظلَّت مواقف خمس دول غربية في خلال هذا الشهر ثابتةً إزاء دعم إسرائيل وتبنِّي الرواية الإسرائيلية في التعاطي مع الأحداث، وإن ظهرت تغييرات تعترف بوقوع عدد كبير من الضحايا المدنيِّين. هذه الدول هي: الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وألمانيا، وإيطاليا، وكندا.

رابعًا: تمثَّل الشِّقُّ الأبرزُ في الكتلة الغربية في الموقف الفرنسي، فبعد الدعوة “الخلَّاقة” لرئيسها من تل أبيب لتكوين تحالف دولي لمكافحة حماس، إلى الدعوة إلى عمل هدنة إنسانية تُمَهِّدُ لوقف إطلاق النار في غزة، ومن ثمَّ رفض استمرار أعمال القصف ضد المدنيين. أخذ هذا الموقف الفرنسي عدَّة صور تعبِّر عن خروجه من الكتلة المُنحازة انحيازًا مطلقًا لإسرائيل نحو الكتلة صاحبة المواقف الأكثر اعتدالًا، من ذلك، تصويت فرنسا على مشروع قرار دعت إليه البرازيل لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن (18 أكتوبر)، كما كانت ضمن عدد قليل من الدول الأوروبية التي وافقت على القرار العربي الذي تبنَّته الجمعية العامة الطارئة، وكلا القرارين تضمَّنَا وقفًا لإطلاق النار (27 أكتوبر).

خامسًا: أخذت مواقف الدول الأكثر اعتدالًا في الارتفاع مع مرور الوقت، وإن كانت خافتةً مع بداية عملية طوفان الأقصى، حتى وصل بعضها إلى إدانة إسرائيل بسبب استمرارها في قصف المدنيِّين، والمدارس، والمستشفيات، حتى وُصفت من قِبل النرويج بأنها “ربما انتهكت القانون الدولي”.

سادسًا: بشأن التفاعل مع قضايا الحرب عبر الأسابيع، فقد تباينت مواقف وخطابات الدول الغربية والأوروبية بصدد القضايا المطروحة خلال الفترات المختلفة من تطورات الحرب، وكانت أبرزها:

  1. إدانة حماس.
  2. وصف حماس بالمنظمة الإرهابية أم وصف أعمالها بالإرهابية.
  3. دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
  4. هدنة إنسانية أم وقف دائم لإطلاق النار.
  5. إطلاق سراح الأسرى بالتفاوض والحوار أم بعملية عسكرية برية واسعة.

ويوضح الجدول (1) أدناه تطور قائمة القضايا محل الاتفاق والاختلاف بين الدول الغربية، ومجمل الجدول يشير إلى أن القضية المحورية هي تنفيذ “وقف دائم لإطلاق النار” وما يتبعه من مرور مستدام للمساعدات الإنسانية، والحفاظ على أرواح المدنيِّين، واحتمالات التحقيق بشأن انتهاكات القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.

جدول (1)

الأسبوع                         القضايا القضايا محل الاتفاق القضايا محل الاختلاف
الأسبوع الأول إدانة هجوم حماس

وصف العمليات التي قامت بها حماس “بالإرهابية”

دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها

التعاطف مع إسرائيل حكومة وشعبًا

الدعوة لإطلاق سراح الأسرى لدى حماس

 

وصف حماس بأنها منظمة إرهابية

وقف إطلاق النار

مراعاة القانون الدولي، قوانين الحرب، والقانون الدولي الإنساني

حماية المدنيين في غزة

الأسبوع الثاني استمرار إدانة حماس

دعم إسرائيل في الدفاع عن نفسها وفقًا للقانون الدولي

حماية المدنيين

مرور المساعدات الإنسانية

هدنة إنسانية

منع توسيع الصراع

 

المسؤول عن تدمير المستشفى المعمداني

وقف كامل لإطلاق النار

مراعاة أن يكون الرد متناسبًا

التأكيد على حل الدولتين

الأسبوع الثالث والرابع ضرورة حماية المدنيين

استدامة مرور المساعدات الإنسانية

هدنة إنسانية

منع توسيع الصراع

التأكيد على حل الدولتين

إخراج الأسرى

إجلاء المواطنين الأجانب من غزة

عمل ممرات آمنة

وقف دائم لإطلاق النار

انتهاك إسرائيل للقانون الدولي

مستقبل غزة بعد حماس

 

سابعًا: بشأن التفاعل المرتبط بالمواقف والخطابات، نجد أن تفاعل القوى الغربية والأوروبية قد أخذ صورًا مختلفة بين من اكتفى بالتصريحات والحديث إلى الصحف، أو من دخل في دبلوماسية مكوكية نشطة زار خلالها تل أبيب والمنطقة العربية لمرة أو أكثر، فضلًا عن استمرار التواصل المستمر مع الأطراف المعنية هاتفيًّا. ويوضح الجدول (2) عدد الزيارات التي قامت بها بعض الدول الغربية ومستوى القادة الذين انخرطوا فيها:

جدول (2)

الدولة عدد الزيارات إلى

تل أبيب

عدد الزيارات إلى المنطقة العربية صفة القائم بالزيارة
الولايات المتحدة الأمريكية 8 3 رئيس الدولة

وزير الخارجية

وزير الدفاع

قائد القيادة الوسطى

منسق الأمن القومي

مدير وكالة الاستخبارات CIA))

مستشار وزارة الخارجية الأمريكية

فرنسا 2 2 رئيس الجمهورية

وزيرة الخارجية

المملكة المتحدة 2 2 رئيس الوزراء

وزير الخارجية

ألمانيا 4 2 المستشار

وزيرة الخارجية

وزير الدفاع

قائد القوات الجوية

إيطاليا 1 2 رئيسة الوزراء

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي

إسبانيا  
النرويج 1 وزير الخارجية
بلجيكا 1 وزيرة الخارجية
الاتحاد الأوروبي 1 رئيسة البرلمان الأوروبي

رئيسة المفوضية الأوروبية

يتضح من الجدول أن الولايات المتحدة كانت الدولة الأكثر نشاطًا في زيارة الدول المعنية والحوار معها، فبلغت زيارات قادتها إلى تل أبيب 8 زيارات، إذ زار قادة الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية إسرائيل وحضروا مجلس الحرب، فضلًا عن زيارة بايدن ومهاتفاته رئيس وزرائها التي بلغت 10 مكالمات خلال شهر من الحرب، والاتصالات المستمرة مع قادة دول العالم بشأن دعم الموقف الإسرائيلي.

على الجانب الآخر، يتأكد أن الدول الأكثر اعتدالًا لم تنخرط في زيارات إلى تل أبيب -وربما- في محادثات مع قادة إسرائيل، بل على العكس من ذلك شهدت سجالات بين بعض هذه الدول وإسرائيل، وليس أدل على ذلك من السجال الذي وقع بين مجلس الوزراء الإسباني والسفارة الإسرائيلية في مدريد.

والمُلاحظ أيضًا أن معظم زيارات الدول المنُحازة إلى إسرائيل بدأت من تل أبيب ثمَّ إلى المنطقة العربية، وكان في ذلك رسالة واضحة أننا نقف معكم أولًا، ونرغب في تأييد موقفكم ونقله إلى الأطراف الأخرى في المنطقة العربية. ربما كان الاستثناء الوحيد مع رئيسة وزراء إيطاليا التي حضرت إلى مصر أولًا ثمَّ منها إلى تل أبيب، ولكنها أكَّدت في الوقت ذاته على نفس الرسائل الخاصة بدعم إسرائيل.

ثامنًا: يمكن القول بشأن تصنيف مواقف الدول الغربية والأوروبية بعد شهر من طوفان الأقصى، أنه يبرز – على الأقل- ثلاثة تصنيفات لهذه الدول: دول منحازة على طول الخط لأسباب أيديولوجية وتاريخية، وفيها: المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وألمانيا[25]، إذ يتَّضح أن دعم إسرائيل يرتبط بدوافع تاريخية لدى هذه الدول، فالمملكة أكَّدت أنها ملتزمة بوعد بلفور، رغم مرور أكثر من قرن وبضع سنوات عليه، في حين استمرت الولايات المتحدة في دعمها الراسخ لإسرائيل منذ إنشائها حتى وقتنا الراهن، وظلَّت عُقدة المحرقة تلاحق ألمانيا، وتُحتم عليها مسؤولية رعاية اليهود حتى خارج أرضها. ودول منحازة لأسباب تتعلَّق بالمصالح، وعلى رأسها فرنسا وإيطاليا، فالقاسم المشترك بينهم هو المصالح والحلفاء أكثر من الصلات التاريخية العميقة. ودول أخرى أخذت موقفًا مواربًا يتطوَّر ويتفاعل مع الأحداث حسب سياقها، ومنها إسبانيا، والنرويج، وبلجيكا. وهي دول -أيضًا- كانت عبر تاريخها في هذا الموقف المتوازن تجاه أطراف الصراع العربي-الإسرائيلي.

تاسعًا: يشير إجمالي هذه المواقف، والخطابات، والزيارات إلى أنه من المرجح مع استمرار الحرب أن تبتعد الدول المنحازة لأسباب تتعلَّق بالمصالح وصاحبة المواقف المواربة عن الجانب الإسرائيلي، وتقترب أكثر ناحية وقف إطلاق النار ودفع محادثات سلام بشأن حلِّ الدولتين. وفي المقابل، يتوقَّع أن تأخذ مواقف الدول المنحازة لعوامل تاريخية وأيديولوجية خطًّا منسقًا بين مواقف الولايات المتحدة وإسرائيل، إذ تبادلت هذه الدول طيلة الحرب تفاصيل الرواية الإسرائيلية ذاتها، فضلًا عن لغة ومصطلحات مشتركة عبَّرت في مجملها عن الدعم الثابت للموقف الإسرائيلي ووقف إطلاق النار.

 

هوامش

[1] ولمقارنة تطورات المواقف الأمريكية والأوروبية من الحرب على غزة، راجع:

  • أحمد عبد الرحمن خليفة، طوفان الأقصى: مواقف رسمية أمريكية وأوروبية، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 16 أكتوبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/46EfZtI.
  • أحمد عبد الرحمن خليفة، جديد المواقف الغربية والأوروبية من العدوان على غزة (17 أكتوبر – 25 أكتوبر)، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 25 أكتوبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/49iQz6x.
  • أحمد عبد الرحمن خليفة، مستجدات المواقف الأمريكية والغربية من الحرب على غزة (26 أكتوبر – 31 أكتوبر)، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 1 نوفمبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/3FKAjh6.

[2] Secretary Antony J. Blinken, Egyptian Foreign Minister Sameh Shoukry, and Jordanian Deputy Prime Minister and Foreign Minister Ayman Safadi at a Joint Press Availability, U.S Department of State, 4 November 2023, Available at: https://tinyurl.com/6u3ztw34

[3] Readout of President Biden’s Call with Prime Minister Netanyahu of Israel, The White House, 6 November 2023, Available at: https://tinyurl.com/4e6wzw2p

[4] Secretary Antony J. Blinken at a Press Availability, U.S Department of State, 3 November 2023, Available at: https://tinyurl.com/3s5n6wu3

[5] Vedant Patel, Department Press Briefing – November 6, 2023, U.S Department of State, 6 November 2023, Available at: https://tinyurl.com/mr4btuxd

[6] Press Gaggle by Deputy Press Secretary Emilie Simons and NSC Coordinator for Strategic Communications John Kirby En Route Minneapolis, MN, The White House, 1 November 2023, Available at: https://tinyurl.com/bdf9yad3

[7] Patrick Wintour, What happens to Gaza the day after the war ends?, The Guardian, 5 November 2023, Available at: https://tinyurl.com/2p8zhbee

[8] Secretary Antony J. Blinken at a Press Availability, Op, Cit.

[9] Adam Entous, Eric Schmitt, and Julian E. Barnes, U.S. Officials Outline Steps to Israel to Reduce Civilian Casualties, The New York Times, 4 November 2023, Available at: https://tinyurl.com/2yw9ps78

[10] Patrick Wintour, What happens to Gaza the day after the war ends?, Op. cit.

[11] مصادر لـCNN: أمريكا حذرت إسرائيل من أن معاناة المدنيين في غزة ستضعف الدعم للحرب على “حماس”، CNN العربية، 3 نوفمبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://tinyurl.com/mtwujz9c

[12] Donald Judd and MJ Lee, US anticipates shift in Israel’s tactics in the coming week, senior US official says, CNN Politics, 3 November 2023, Available at: https://tinyurl.com/2p96nev5

[13] Edward Wong, The State Department Approves $320 Million Sale of Guided Bomb Equipment to Israel, The New York Times, 6 November 2023, Available at: https://tinyurl.com/469kyjut

[14] وزير الدولة البريطاني: بعيدون عن وقف النار في غزة، العربية، 6 نوفمبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://tinyurl.com/2s44zv33

[15] «لمساعدتها في الحرب».. ألمانيا تضاعف تسليح إسرائيل 10 مرات، الخليج، 8 نوفمبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://tinyurl.com/2fjhmv4h

[16] باريس تطالب إسرائيل بتوضيحات بعد قصفها المعهد الفرنسي وماكرون يؤكد أن “مكافحة الإرهاب لا تبرر التضحية بالمدنيين”، France 24، 3 نوفمبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://tinyurl.com/hdpmrrff

[17] Qatar and the UAE – Visit by Catherine Colonna (5 November 2023), Ministére d l’europe et des affaires étrangères, 5 November 2023, Available at: https://tinyurl.com/2weuypcn

[18] One day, the war between Israel and Hamas will be over, Government.no, 8 November 2023, Available at: https://tinyurl.com/2s4c5ey8

[19] Spain’s Belarra: Israel must end ‘genocide’ of Palestinians in Gaza, a News, 8 November 2023, Available at: https://tinyurl.com/2nccfy5m

[20] Joan Faus, Barcelona dockers refuse to handle military material amid Gaza war, Reuters, 7 November 2023, Available at: https://tinyurl.com/24ubb58w

[21] Irish PM says Israel actions in Gaza resemble ‘something approaching revenge’, Reuters, 3 November 2023, Available at: https://tinyurl.com/zkrfc73b

[22] Una Mullally, Ireland’s criticism of Israel has made it an outlier in the EU. What lies behind it?, The Guardian, 2 November 2023, Available at: https://tinyurl.com/44nh2fjn

[23] Marine Strauss, Belgium wants sanctions against Israel for Gaza bombings – deputy PM, Reuters, 8 November 2023, Available at: https://tinyurl.com/4zj6v8rb

[24] Report by President Charles Michel to the European Parliament plenary session, European Council, 8 November 2023, Available at: https://tinyurl.com/3beswa8u

[25] عبد الكريم أهروبا، في انحياز ألمانيا إلى إسرائيل في حربها على غزة، الجزيرة، 5 نوفمبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://tinyurl.com/2trfpr7w

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى