باكستان بين المطرقة والسندان: أزمات السياسة والاقتصاد

مقدمة:

في منتصف يونيو 2023؛ فُجع العالم بواحدة من أكبر حوادث الغرق لقوارب المهاجرين قُبالة اليونان، إذ كان القارب يقل بين 600 و750 راكبًا، ضمنهم نساء وأطفال، ولم ينج منهم سوى 104 فردًا، وقضى ما لا يقل عن 82 شخصًا غرقًا وفُقد المئات حين انقلب قارب الصيد الذي انطلق من ليبيا متوجهًا إلى إيطاليا، قبل أن يغرق خلال 15 دقيقة على مسافة 57 ميلا بحريًا من بيلوس جنوبي اليونان. وعلى الرغم من طول المسافة بين كلٍ من باكستان واليونان، إذ تبلغ قرابة (4,395 كم)، وتفصلهما عدة بلدان بتضاريسها وحدودها شملت مياه المتوسط محل تلك الكارثة، إلا أن تلك الحاثة كان للباكستانيين من مأساتها نصيب؛ فقد أظهرت بيانات -صدرت عن وكالة التحقيقات الفيدرالية الباكستانية- أن هناك ما لا يقل عن 350 باكستانيًا بين ضحايا ذاك القارب، ومن بين هؤلاء الضحايا 28 شخصًا من الشطر الخاضع للإدارة الباكستانية في كشمير، والبقية من باكستان[1]، وكان قد سبق ذلك الحادث المأساوي -في باكستان أيضًا- حادثي تدافع في رمضان (1444ه/2023م) نتج عنهما قتلى؛ حيث قُتل على إثر “الأول” شخص وأُصيب 8 آخرون بجروحٍ في شمال غرب باكستان في تدافع للحصول على الدقيق، ونتج عن “ثانيهما” مصرع 11 شخصًا على الأقل في مدينة كراتشي بجنوب باكستان في تدافع حشد باتجاه مصنع يجري فيه توزيع تبرعات غذائية بمناسبة شهر رمضان[2].

وعلى الرغم من التباعد الزمني والجغرافي بين الأحداث الثلاثة، وأن ضحاياهم يمثلون نسبة ضئيلة جدًا من بلد بلغ تعداد سكانه (233 مليون نسمة)، إلا أنها تقدم ملمحًا ومؤشرًا عن أزمة اقتصادية حادة دفعت بالمهاجرين منهم والمتدافعين إلي هذا المصير؛ بسبب أزمة طغى بؤسها على جميع أحوالها متأثرةً بأزمةٍ سياسية خانقة وحكومات متعاقبة غير مستقرة، ومعبرة عن أزمة باكستانية تضرب بجذورها منذ الاستقلال عن الهند في أربعينيات القرن الماضي، لتشكل تلك المظاهر حالة من التضافر والتشابك والتأزيم المزدوج للمشهد الباكستاني أوقعته في شِراك بين مطرقة (الأزمة السياسية) وسندان (الأزمة الاقتصادية).

وبالرغم من أن باكستان من الدول التي تتمتع بإمكانات كبيرة للتنمية والتعاون الإقليمي بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي وسوقها الاستهلاكية الضخمة ومواردها الطبيعية المتنوعة؛ إلا أنها تواجه تحديات جمة تعرقل استغلال إمكاناتها وتحقيق التنمية والرفاهية لشعبها. فالبلاد تُعاني ترديً متصاعدًا لمؤشرات التنمية البشرية والحكم الرشيد والأمن والقانون، إضافة إلى نسب نمو اقتصادي متدنية وارتفاع مستويات الفقر والبطالة والتضخم، كما أن أزمتها السياسية العميقة والمزمنة تُعقِد أي فرصة للاستقرار السياسي أو التنمية الاستراتيجية، بالإضافة إلى علاقاتها المتوترة مع دول الجوار، خصوصًا إيران والهند، مما يحد من فرص التجارة والاستثمار الإقليمي. ومنذ عام 2022، بدأت أزمة باكستانية تتفاقم من كافة الاتجاهات؛ فمن الاحتقان السياسي في أعقاب عزل عمران خان من رئاسة الوزراء إلى الظروف الخارجية إلى العمليات المسلحة العنيفة، وصولًا إلى الكوارث المناخية، مما ضاعف الأزمة الاقتصادية، حتى دفعت في الأشهر الأخيرة بقطاعاتٍ واسعة من الناس إلى ما دون خط الفقر، وجعلت أبسط السلع بعيدة المنال، وقد بلغ معدل التضخم السنوي مع بداية هذا العام في باكستان أعلى مستوى له منذ عام 1975، قرابة 40٪، ولا يزال مُرشحًا للارتفاع، كما تباطأ النمو إلى حدٍ مفزع، وتعرقلت الواردات بشدة بسبب النقص الحاد في الدولار. كما أن الأسعار في ارتفاعٍ شديد نتيجةً لنقص الغذاء، وارتفعت تكلفة الغذاء بأكثر من 52٪ في المناطق الريفية وأكثر من 47٪ في المناطق الحضرية في أبريل 2023، مما رفع التضخم إلى معدل سنوي قدره 36.4٪، ما دفع الناس في إسلام أباد بالاصطفاف في طوابير طويلة للحصول على حصة الدقيق التي توزعها الحكومة. وفي شهر رمضان (1444ه/2023م)، كان الكثير من الناس في باكستان يُعانون الجوع بسبب الوضع الاقتصادي الصعب، كما أن احتياطيات البنك المركزي البالغة 4.4 مليار دولار من النقد الأجنبي حتى منتصف يونيو كان كافية لتمويل الواردات لنحو شهر فقط[3].

وتأتي هذه الورقة لرصد أبعاد أزمة باكستان (السياسية -الاقتصادية)، والتي يُفاقم كل من جانبيها الآخر، وتدفع البلاد نحو مزيدٍ من التدهور في القطاعات كافة مع سلسلة لا تنتهي من الأزمات تضعها ضمن الدول ذات معدلات الفقر العالية.

أولًا- أبعاد الأزمة السياسية الباكستانية

بدأت الأزمة السياسية الحالية في باكستان منذ الإطاحة برئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في عام 2022 بعد التصويت بحجب الثقة عنه في البرلمان. ثم في اليوم التالي للإطاحة به، انتخب البرلمان الباكستاني “شهباز شريف” رئيسًا للوزراء، بعدما تقدم نواب حزب “إنصاف”، الذي يتزعمه خان باستقالة جماعية قبل بدء التصويت. وبذلك، أصبح شهباز شريف، الشقيق الأصغر لرئيس الوزراء الأسبق نواز شريف، رئيس الوزراء رقم 23 في تاريخ باكستان، وشكل حكومة جديدة يمكن أن تبقى في السلطة حتى أغسطس 2023، وهو موعد إجراء الانتخابات العامة المقبلة[4].

وقد تبع ذلك العزل عدد من الأحداث التي ضخمت الأزمة السياسية؛ حيث خرجت تظاهرات للاحتجاج على عزل “خان”، ثم تبعها العديد من الاتهامات ومحاولة اعتقاله في قضايا تتعلق بقبوله هدايا غير مشروعة قُدمت له من قبل شخصيات أجنبية عندما كان رئيسًا للوزراء والتربح من بيعها، وتهم أخرى منها: احتجاز وتعذيب مساعده المقرب، وهو تكتيك يقول محلّلون إن الحكومات الباكستانية المتعاقبة استخدمته لإسكات معارضيها. وقد يُمنع خان من تولي منصب عام في حال إدانته، الأمر الذي قد يؤدي إلى استبعاده من الانتخابات المقررة في وقتٍ لاحق من هذا العام. وقد تصاعدت حدة التوترات في البلاد منذ ذلك الوقت؛ إذ تجمع أنصار “خان” خارج منزله وتعهدوا “بالاستيلاء” على العاصمة، في حال اعتقاله. وظل خان منتقدًا صريحًا للحكومة والجيش في البلاد منذ الإطاحة به من سُدة الحكم، وخلال تلك الأحداث تعرض “عمران خان”، لهجومٍ بإطلاق النار على موكبه أثناء قيادته لمسيرة احتجاجية مناهضة للحكومة في مدينة وزير أباد شرقي البلاد. وتُوفي أحد أنصار خان بعد إصابته بالرصاص فيما أصيب أكثر من عشرة أشخاص، وذكر ذلك بتاريخ باكستان الطويل من العنف السياسي الدامي؛ حيث اُغتيلت رئيسة الوزراء السابقة، بينظير بوتو، عام 2007، خلال تجمع حاشد لمناصريها[5]، ومنذ ذلك الحين يعتبره أنصاره الصوت الصامد للشعب. لكن في المقابل، يرى معارضوه أنه شعبوي خطير، معتبرين “خان” أحد عوامل الفوضى أكثر من كونه قوة تدفع بالبلاد نحو التغيير، ليُعتقل عمران خان على إثر تلك الأحداث والاتهامات ثم أفرجت عنه محكمة إسلام آباد العليا لاحقًا عقب أعمال شغب وفوضى طالت عددًا من مدن البلاد ومنشآت عسكرية وأفراد، احتجاجًا على اعتقاله، وعلى وقع تلك الأحداث نظّم حزبان من الائتلاف الحاكم مُظاهرة أمام المحكمة العليا في العاصمة إسلام آباد احتجاجًا على ما وصفوه بالمعاملة القضائية التفضيلية لعمران خان، وطالب المتظاهرون رئيس القضاة في البلاد بالاستقالة[6].

وأتت أزمة عزل عمران خان كتأكيد على ظاهرة سياسية باكستانية؛ تتمثل في أنه لم يسبق لرئيس وزراء في الباكستان أن أكمل خمس سنوات من الفترة البرلمانية في البلاد لأسبابٍ متنوعة، ارتبطت في مناسباتٍ كثيرة بالصراع السياسي الداخلي سواء بين قادة الجيش والحكومات المدنية، أو بين القوى السياسية المتنافسة، ويأتي إسقاط حكومة عمران خان كنتيجة لتطوراتٍ محلية داخلية، سياسية واقتصادية، لكنّه أيضًا يُمثل حدثًا مهمًا حين النظر للعوامل الجيوسياسية التي قد تكون ساهمت في تحققه.

وكان للعوامل الاقتصادية دورها في هذه الأحداث؛ حيث دفعت الأزمات الاقتصادية في باكستان المعارضة لاتخاذ خطوة سحب الثقة من عمران خان، إذ اتهمته بسوء إدارة الاقتصاد منذ وصوله للسلطة في عام 2018. وفي حين تُعاني باكستان أوضاعًا اقتصادية معقدة ومزمنة لا تتحمل مسؤوليتها حكومة عمران خان وحدها، فإن تفاقم الضغوط الاقتصادية أضعف موقف الحكومة، حيث فقدت الروبية الباكستانية 30٪ من قيمتها منذ عام 2018 وحتى إسقاط عمران خان، ووصلت معدلات التضخم في مارس 2022 إلى 13٪، كما فقدت إسلام آباد جزءًا كبيرًا من احتياطات النقد الأجنبي، بسبب نفقات واردات النفط المرتفعة -بسبب الحرب الروسية الأوكرانية-، حيث بلغت احتياطيات النقد الأجنبي 12 مليار دولار، وهو رقم يكفي فقط لتغطية شهرين من مجمل واردات باكستان، وبينما استأنف صندوق النقد الدولي دعمه لباكستان، بعد أن توقف بسبب عدم تلبية حكومة عمران خان لشروط الصندوق في السابق، فإن برنامج صندوق النقد معرض مرة أخرى للتوقف، بسبب حزمة القرارات التي كان قد اتخذها خان للتخفيف من آثار الأزمة الاقتصادية والحد من ارتفاع تكاليف المعيشة، وتتهم المعارضة رئيس الوزراء السابق بالتسبب في القضاء على احتياطيات النقد الأجنبي، وتهديد باكستان بفقدان القدرة على سداد ديونها، نتيجة سياسته مع صندوق النقد التي تصفها بـ”النهج المتخبط”، بالإضافة إلى تعيينه أربعة وزراء مالية منذ وصوله للسلطة[7].

في المقابل، نجد أن الأزمة الاقتصادية تؤثِّر على الحملة الشعبية التي يقودها عمران خان، مساعدةً إياه للعودة إلى السلطة؛ حيث إنّ تداعيات الأزمة الاقتصادية جعلت الكثير من الباكستانيين غير قادرين على إطعام أسرهم، ويشعرون أنهم تحت تأثير أزمة اقتصادية حادة، لا تمكّن بعض شرائح المجتمع من شراء احتياجاتهم الضرورية، لدرجة أنّهم يشعرون بأنّ “عليهم النزول إلى الشوارع”، وذلك كما نادى متظاهرون سابقًا. ويعتبر محلّلون أنّ الشعور العام بعدم الاستقرار الاقتصادي في باكستان، سيكون داعمًا بقوة لحركة عمران خان في مواجهة الحكومة[8].

دور الجيش في الأزمة السياسية

من الشائع على نطاقٍ واسع في الساحة السياسية الباكستانية أن عمران خان جاء إلى السلطة بمساعدةٍ من الجيش الباكستاني القوي وجهاز الاستخبارات، وأنه قرر عزله نتيجة لاختلافه معهم. وبالعودة لتسلسل الأحداث التي دفعت بعمران وحزبه نحو سدة الحكم عقب انتخابات 2018، نجد أن خصمه الرئيسي نواز شريف وسلفه في رئاسة الوزراء قد تعرض في البداية إلى نزع الأهلية منه ثم أُدين بتهم الفساد. وشك كثيرون بأن شريف كان بالفعل متورطًا بالفساد في السابق، لكن السبب الحقيقي لمعاقبته في هذه المرحلة كان اختلافه مع الجيش، وعلى النقيض من ذلك، فإن خان عندما وصل إلى السلطة أعلن بفخر أنه والجيش على “صفحةٍ واحدة” عندما يتعلق الأمر بالقرارات السياسية[9]، وذلك قبل أن يتحول هذا الوفاق إلي خلافٍ حاد اصطدم مع ما يتمتع به الجيش الباكستاني من نفوذٍ سياسي هائل، حيث مرت باكستان منذ استقلالها بثلاثة انقلابات عسكرية ناجحة، وحتى في فترات الحكومات المنتخبة يلعب الجيش دورًا أساسيًا، بالإضافة إلى تمدد نفوذه في الأنشطة الاقتصادية والسياسة الخارجية والأمنية، وبالرغم من العلاقات الإيجابية بين الجيش الباكستاني وعمران خان منذ صعود نجمه السياسي، إلا أن ثمة تطورات لاحقة أثارت الشكوك حول استمرار دعم الجيش له؛ بسبب بعض توجهات خان الخارجية وتسببها في فتور علاقات حكومته مع واشنطن، بالإضافة إلى الأزمة التي نشبت بين الطرفين على إثر تعيين الجيش رئيسًا جديدًا للاستخبارات الباكستانية أواخر عام 2021، وسواء كانت هذه التطورات تعكس توترًا حقيقيًا بين عمران والجيش أم لا، فإن المؤكد أن سحب الثقة من حكومته لم يكن من الممكن تمريره دون وقوف الجيش على الحياد في الحد الأدنى[10].

سياسة عمران خان الخارجية

يرى مراقبون أن خطورة خان تكمن في أنه جاء من خارج المنظومة السياسية، ويفكر بطريقة غير تقليدية، وغير منضبط بالاعتبارات الدولية والمشاكل الداخلية، ويريد إحداث تغيرات جذرية لا يحتملها العمل السياسي العادي المعتمد على ميزان القوة وإحداث تغيير تدريجي[11]، فعلى الصعيد الخارجي، تراجعت مكانة باكستان في السياسة الخارجية الأمريكية في العقد الماضي، حيث تحول اهتمام واشنطن من مواجهة الإرهاب إلى مواجهة الصعود الصيني. وأصبحت واشنطن أكثر ميلا للنظر إلى علاقاتها مع باكستان ضمن إطار أوسع يأخذ في الاعتبار المصالح الأمريكية المتنامية مع الهند. يظهر هذا التراجع في الانهيار الحاد للمساعدات الخارجية التي تتلقاها إسلام آباد من واشنطن؛ فبينما بلغت في عام 2010 ما يناهز 4 ونصف مليار دولار؛ لم تتجاوز في عام 2020 حدود 70 مليون دولار، وعلى العكس من الجهود التي بذلتها واشنطن في السابق لتوازن بين علاقتها مع إسلام آباد وعلاقتها مع الهند، الخصم الرئيسي لباكستان؛ اتجهت واشنطن مؤخرًا إلى تفضيل علاقتها مع الهند، حيث أقامت أمريكا التحالف الرباعي “كواد” (QUAD) مع كلٍ من الهند واليابان وأستراليا، والذي يرتكز على التعاون في المجالات الأمنية والاقتصادية والتكنولوجية في سياق الصراع الأمريكي الصيني[12].

بالمقابل تطورت العلاقات الباكستانية مع الصين، إذ وسّعت باكستان علاقاتها الاقتصادية مع الصين واستمرت في سياسة الاقتراض منها بشكلٍ مكثف، وقدمت بكين في السنوات القليلة الأخيرة نحو 11 مليار دولار لباكستان على هيئة قروض تجارية ومبادرات لدعم احتياطيات النقد الأجنبي. ومع صعود “خان” لرئاسة الحكومة وهو يتبنى نهجًا أكثر استقلالية، وعلى الرغم من أن علاقة باكستان مع تركيا بدأت في اتخاذ أبعاد أوثق قبل حكومته، إلا أنه ومنذ صعوده للسلطة في 2018، ظهر كشريك للرئيس التركي أردوغان في السعي لبناء كتلة إسلامية أكثر استقلالا، وهو ما وتر علاقاته ليس فقط مع الولايات المتحدة، ولكن أيضًا مع السعودية والإمارات حيث هددت السعودية بحسب تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في ختام القمة، باكستان بسحب الودائع السعودية، من البنك المركزي الباكستاني، وبترحيل 4 ملايين باكستاني يعملون في السعودية، واستبدالهم بالعمالة البنغالية، لثني عمران خان عن المشاركة في القمة[13]. وزادت العلاقات توترًا مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، عندما التقي عمران خان بالرئيس الروسي عقب ساعات من دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا، ورفضه مطالب أمريكية وأوروبية بإدانة غزو أوكرانيا، حيث خاطب مبعوثي الاتحاد الأوروبي “لسنا عبيدًا لكم”، وهو الحدث الذي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير في العلاقات بين الطرفين، مما اضطر رئيس الأركان إلى إصدار تصريح يستنكر فيه الحرب على أوكرانيا[14].

هذه العلاقات المتوترة بين خان وواشنطن، ظهرت عقب عودته من موسكو؛ حيث أعلن استمرار شراء القمح والبترول من روسيا، هذه التحركات فُسِّرت بوصفها انحيازًا للمحور الصيني الروسي أكثر من كونها نهجًا محايدًا، لذلك سعى قائد الجيش، قمر جاويد، لمعالجة الوضع مؤكدًا أن لبلاده “تاريخ وعلاقة استراتيجية ممتازة مع أمريكا”، كما أنها تتمتع بـ”علاقة استراتيجية وثيقة مع الصين”، والأهم من ذلك؛ أنه انتقد غزو روسيا لأوكرانيا ودعا لوقفه، معتبرًا أنه “مأساة كبيرة”[15]، وبشكلٍ عام، فإن كل الأبعاد السابقة للأزمة السياسية الباكستانية وأسبابها سواء داخلية أو خارجية أدخلت البلاد في نفقٍ مظلمٍ بسبب حالة الصراع على السلطة، ومن المرجح أن حالة عدم الاستقرار السياسي ستدفع بمزيد من الضرر بالاقتصاد وربما إلى اضطراباتٍ اجتماعية واحتجاجات.

ثانيًا- أبعاد الأزمة الاقتصادية الباكستانية

عمقت الأزمة السياسية الأخيرة جراح الوضع الاقتصادي المتدهور؛ حيث تُعاني باكستان أزمةً اقتصادية منهكة تعد واحدة من أسوأ الأزمات في تاريخ باكستان، بسبب الديون الخارجية الكبيرة على مدى السنوات الخمس الماضية، بالإضافة لما أحاط بباكستان من أزمة اقتصادية عالمية على إثر إجراءات مكافحة وباء كورونا فضلا عن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية بالإضافة لسياسات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. وتُعاني البلاد عجزًا تجاريًا قدره 20 مليار دولار، وتدنٍّ في احتياطيات النقد الأجنبي إلى 4.4 مليار دولار (تكفي واردات باكستان لمدة 3 أسابيع فقط) انخفاضًا من نحو 17 مليار دولار عام 2022. ويُعاني ما يقرب من 70 مليون باكستاني الجوع، وفقًا لدراسة أجراها مركز ويلسون -وهو مركز أبحاث أمريكي رائد- في مارس 2023. وساهمت الفيضانات الأخيرة التي غمرت البلاد في تفاقُم أزمتها الاقتصادية، وأثَّر الدمار، الذي قدَّره البنك الدولي بحوالي 15 مليار دولار، فيما يقرب من 33 مليون شخصًا، وعصف بـ 60٪ من المحاصيل الزراعية القائمة.

وتشير البيانات إلى أنه منذ بداية عام 2023، انخفضت قيمة الروبية الباكستانية بنسبة 22٪ مقابل الدولار الأمريكي، مع ارتفاع معدل التضخم إلى أكثر من 30٪، وهو أعلى مستوى للتضخم في البلاد خلال الأعوام الخمسين الأخيرة. وقد احتلت باكستان في مؤشر التنمية البشرية المرتبة 161 من بين 185 دولة في عام 2022. وفي ديسمبر 2022، بلغت ديون باكستان الخارجية 126.3 مليار دولار، 30٪ منها مُستحقَّة للصين. وبين فبراير 2023 ويونيو 2026، سيتعين على باكستان سداد حوالي 80 مليار دولار من الديون الخارجية. ومع عدم وجود مؤشر على أن صندوق النقد الدولي سيوافق قريبًا على استئناف برنامج إقراض لباكستان بقيمة 6.5 مليار دولار، ترتفع احتمالات خطر تخلُّف إسلام أباد عن سداد ديونها. وكان قد تقرر أن ينتهي برنامج التمويل المتعثر من صندوق النقد الدولي في يونيو2023[16]، ما حدا بكثيرٍ من التقديرات إلى الحديث عن شبح انهيار الاقتصاد الباكستاني بموازاة أزمته السياسية الداخلية والأزمات الخارجية العالمية.

وقد فجر ذلك الإخفاق الاقتصادي عدة أزمات وضعت الاقتصادي الباكستاني على شفا الانهيار، يأتي على رأسها:

أ. أزمة الديون وشبح الإفلاس

تُعاني باكستان أزمة ديون مزمنة، لكن صناع القرار لطالما اعتقدوا أن بلادهم أكبر من أن تفشل أو أن يسمح العالم بفشلها، بسبب موقعها والدور الذي تلعبه في جنوب آسيا، علاوة على كونها دولة مُسلَّحة نوويًا، وخامس أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان[17]، وتُعد باكستان خامس أكبر دولة مدينة لصندوق النقد الدولي، ففي أغسطس ٢٠٢٢، قدم الصندوق قرضًا بقيمة ١.١ مليار دولار كجزء من برنامج بقيمة ٦.٥ مليار دولار، وهو قرض تمت الموافقة عليه من يوليو ٢٠١٩، وقد أظهرت بيانات رسمية، قفزة حادة في الديون الباكستانية بنهاية إبريل الماضي، مسجلةً 58.6 تريليون روبية (205.3 مليارات دولار)، بزيادة تبلغ نسبتها 34.1٪ على أساسٍ سنوي، في مؤشر جديد على انفلات الديون في الدولة التي تقف على حافة الإفلاس، بينما يتعين عليها سداد ثلثي الديون الخارجية فقط في غضون ثلاث سنوات. وكشف البنك المركزي الباكستاني أن الدين المحلي بلغ 36.6 تريليون روبية بما يعادل 62.3٪ من إجمالي الديون، بينما وصل الدين الخارجي إلى 22 تريليون روبية مستحوذًا على 37.6٪ من الدين العام للدولة الواقعة في جنوب آسيا، (علمًا أن الدولار يُعادل 285.5 روبية). ووفق البيانات، بلغت الزيادة في الدين الخارجي 49.1٪ على أساسٍ سنوي في إبريل[18].

لقد أصبحت باكستان بوضوح على رأس قائمة الاقتصادات التي يُخشَى من أن تلحق بسريلانكا في التخلُّف عن سداد الديون، وقالت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني في منتصف شهر فبراير 2023 إن الاقتصاد الباكستاني يعيش مخاطر ائتمانية كبيرة في ظل مستوياتٍ منخفضة من احتياطيات النقد الأجنبي، وأكَّدت الوكالة أن التخلف عن السداد بات احتمالا حقيقيًا في باكستان، ومن ثمَّ خفضت الوكالة التصنيف الافتراضي طويل الأجل للسندات الأجنبية لباكستان من “CCC+” إلى “CCC-“. ووفقًا للأرقام الصادرة عن البنك المركزي الباكستاني في فبراير 2023، انخفض الدَّيْن العام الخارجي في العام المنصرم من 102.2 مليار دولار إلى 97.5 مليار دولار بحلول نهاية 2022، ولكن لم يأتِ التخفيض بسبب أي زيادة في دخل البلاد، وإنما نتيجة السحب من إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي، وبحسب وكالة “رويترز”، فإن نسبة الدَّيْن إلى الناتج المحلي الإجمالي في باكستان الآن تقترب من 70٪[19]، وعلى نفس النهج، فإن وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني والمجلة الأمريكية «بلومبرج» حذرتا من احتمالية إفلاس باكستان، حال عدم حصولها على المساعدة من صندوق النقد الدولي، موضحتان أن باكستان تأمل في تلبية احتياجاتها من التمويل الخارجي لبقية السنة المالية، لكن تمويل باكستان بعد يونيو سيكون غير مؤكد، إضافةً إلى أن باكستان قد تُفلس بسبب ضعف احتياطيات النقد الأجنبي، وخفضت وكالة موديز تصنيف باكستان الائتماني إلى «سي إيه إيه 3»، انطلاقًا من الوضع غير المستقر الحالي لميزان المدفوعات، وقد لا يجري تأمين المدفوعات في الوقت المحدد، لتجنب التخلف عن السداد[20]، ورغم ذلك، لا تمتلك باكستان خيارات أخرى بخلاف المُضي قُدما مع صندوق النقد، والتعويل على مساعدات خليجية قد تُنقذ وضعها المأزوم.

ب. انهيار الروبية وشُح الدولار

في يناير الماضي، انهارت عملة البلاد (الروبية الباكستانية) إلى مستوى تاريخي أمام الدولار بعدما ألغت الحكومة الحد الأقصى لسعر الصرف من أجل الحصول على حزمة الإنقاذ المأمولة من صندوق النقد الدولي، ومن ثمَّ صارت الروبية من أسوأ العملات أداءً في آسيا حيث سجلت الروبية أدنى مستوى قياسي لها بنحو 300 مقابل الدولار الأمريكي، في غضون ذلك، تم تداول سندات الحكومة الباكستانية بالدولار بأسعارٍ متدهورة. ويُضاف إلى ذلك، تضاؤل احتياطيات النقد الأجنبي لأكثر من النصف في عامٍ واحد، حيث انخفضت احتياطيات العملات الأجنبية إلى أقل من 3 مليارات دولار في بداية شهر فبراير 2023، وهو ما يُغطي أقل من شهر من الواردات[21]. وبسبب شح العملة الخضراء، ترفض البنوك الباكستانية فتح اعتمادات جديدة للمستوردين، مما يؤثر على اقتصادٍ يُعاني من تضخم جامح ونمو بطيء، باتت آلاف الحاويات المحملة بالمواد الغذائية الأساسية والمواد الأولية والمعدات الطبية عالقة في ميناء كراتشي بباكستان، في الوقت الذي تواجه فيه البلاد أزمة عملات خطيرة.

وأدى هذا الشح في العملة الأجنبية إلي ظهور سوق سوداء للدولار في باكستان، بعد أن قيّد البنك المركزي الباكستاني الحصول على العملات الأجنبية للمحافظة على احتياطياته المتضائلة، حيث دفع استنفاد مخزون العملات الأجنبية بشكلٍ سريع البنك المركزي إلى تقييد المدفوعات الخارجية، وخفّض مبلغ العملة الأجنبية الذي يمكن لأي شخص أن يحمله إلى خارج البلاد بمقدار النصف إلى 5000 دولار، الأمر الذي يُربك المسافرين دوليًا[22].

ج. أزمة الاستيراد وأعمال الشركات:

كان لانهيار الروبية وشح الدولار تأثيرات سلبية على عملية الاستيراد واستثمارات الشركات والمصنعين وتأزيم عمليات الدفع بالعملة الأجنبية؛ فقد صرح مستثمرون كوريون، أن الشركات الكورية الجنوبية العاملة في باكستان على وشك الإغلاق ومغادرة السوق الباكستانية، في ظل الصعوبات التشغيلية الناجمة عن نقص المواد الخام، جراء قيود الاستيراد، وتأخير الإفراج عن الحاويات العالقة في الموانئ[23]. كما أوقفت “جوجل” التابعة لشركة ” ألفابت” السداد من خلال “بلاي ستور” التابع لها في أحد الشهور، بعد أن لاحظت تأخيرًا في السداد لعمليات الشراء التي تُجرى من خلال التطبيق. كما تعرضت الوحدات المحلية لشركتي صناعة السيارات “هوندا موتورز” و”تويوتا موتور” للإغلاق لأسابيع عدة خلال 2022، لعدم قدرتها على استيراد قطع الغيار. إنَّ ما لا يقل عن 1000 حاوية من المواد الغذائية توقفت في موانئ كراتشي هذا الأسبوع، بسبب عدم تسوية المعاملات لدى البنوك جراء نقص العملات الأجنبية، وفقًا لمجموعات صناعية محلية. كما حذّرت الشركات المصنّعة للأدوية من حدوث نقص، بعد عدم تمكّنها من استيراد المواد الخام. وفي خطاب إلى وزارة المالية في 5 ديسمبر 2022، كتبت شركات الأدوية أنَّ البنك المركزي قرّر في سبتمبر 2022 الموافقة على تسوية المعاملات التي تقل قيمتها عن 50 ألف دولار في غضون يومين، لكنَّ الوضع لم يتغير، واستغرق الحصول على الموافقات أكثر من شهرين[24].

د. مستويات التضخم المتصاعدة:

ارتفع معدّل التضخم على أساسٍ سنوي في باكستان إلى أعلى مستوى له على الإطلاق مسجّلا 36,42٪ في أبريل 2023، بعدما فرضت الحكومة ضرائب جديدة ورفعت أسعار الوقود سعيًا لتلبية شروط وضعها صندوق النقد الدولي لاستفادة البلاد من خطة إنقاذ. وأظهرت بيانات حكومية صدرت في مايو 2023؛ أن التضخّم على أساس شهري بلغ 2,41٪، فيما بلغ معدّل التضخّم للأشهر الـ 12 السابقة 28,23٪[25]، ومع موافقة في اللحظة الأخيرة من صندوق النقد الدولي لبرنامج قرض بقيمة 3 مليارات دولار بعد أن أكملت السلطات المطالب الرئيسية لكسب موافقة المقرضين، تراجع معدل التضخم السنوي في باكستان لأول مرة في 7 أشهر إلى 29.4٪، خلال يونيو 2023، حيث أدت ارتفاع معدلات الفائدة لمستوياتٍ قياسية إلى تراجع الطلب إذ ارتفعت الأسعار بوتيرة أقل في جميع الأنشطة، بحسب ما أفادت بيانات مكتب الإحصاء الباكستاني[26].

ه. ارتهان الاقتصاد للمنح والمساعدات:

أظهرت الأزمة الحالية مدى اتكالية الساسة في باكستان واعتمادهم على المنح والقروض في تدبير احتياطاتها من النقد الأجنبي واحتياجاتها خاصةً في القطاعات التي تعتمد على الاستيراد وسداد عجز الموازنة، فنجد أن لدى باكستان تاريخ طويل ومُعقَّد مع صندوق النقد الدولي، فقد وقعت في حباله منذ عام 1958، ولم تستطع الفكاك منه منذئذ. فقد اعتمدت على الديون الخارجية لتلبية حاجاتها التمويلية بشكلٍ هيكلي، وسادت دائمًا في إدارة الدولة العقلية القائلة إن أهمية باكستان الاستراتيجية ستُتيح لها دومًا الحصول على المال. واستعانت إسلام أباد بصندوق النقد 22 مرة منذ ذلك الوقت، بخلاف الديون التي استدانتها من الدول الأخرى. وفي حين أقامت الهند خطتها طويلة الأمد عام 1990 لتحقيق تنمية مستدامة بمعدلات مرتفعة، ظلت باكستان أسيرة حلقات مع الديون لتحقيق استقرار قصير الأجل، ومن ثم باتت سِمَتها الأساسية الإنفاق بأكثر مما تُنتج، ولم يستطع الاقتصاد الباكستاني أن يتحوَّل من صيغة ريعية إلى صيغة إنتاجية حقيقية فضلا عن الارتهان لخيار الاعتماد على المساعدات الخارجية في خضم تقوية الجيش متجاهلين أساسيات الاقتصاد، ما تسبَّب في تفاقم العجز الذي أدى بدوره إلى تفاقم الديون[27].

وتُعلق إسلام أباد آمالها على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي توصل إليه رئيس الوزراء السابق عمران خان، لكن الدفعة الأخيرة كانت معلقة حتى وقتٍ قريب بسبب مطالب صندوق النقد بسحب الدعم المتبقي على المنتجات النفطية والكهرباء بهدف مساعدة 220 مليون نسمة على تغطية تكاليف المعيشة. ومع اقتراب موعد الانتخابات في نهاية العام، سيكون تنفيذ شروط صندوق النقد الدولي بمثابة انتحار سياسي، ووافقت الإمارات في يناير 2023؛ على تمديد قرض قيمته ملياري دولار ومنحت باكستان مبلغ مليار دولار إضافيًا، مما ساعدها على تجنب التخلف الفوري عن الدفع. كما تم التعهد بتقديم أكثر من تسعة مليارات من الدولار من المساعدات الدولية لإعادة إعمار البلاد حتى تتمكن من المقاومة بشكلٍ أفضل للتقلبات المناخية. لكن هذه الأموال لن تكون كافية لحل أزمة العملة الحالية، ولهذا السبب يواصل شريف الضغط على حلفائه، بما في ذلك السعودية وقطر وبكين، التي استثمرت المليارات في إطار مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني[28].

وقد اعتمدت باكستان على الدعم الخليجي من حينٍ إلى آخر، لكنها فوجئت بعد سنوات أن بعضًا من أهم المانحين في الخليج غيَّروا استراتيجيتهم الخاصة بالمِنَح المالية، بعد أن قرروا أنها تُعزِّز ثقافة الاعتماد لدى الدول المُتلقية للمساعدات، فلا تُحدِث تغييرًا جادًا في بنية اقتصادها. ورغم أن المملكة العربية السعودية، الداعم المالي الأبرز للبلاد، لا تزال تزيد من استثماراتها في باكستان، لكن تغيُّر استراتيجيتها تجاه المعونات المالية يُثير قلق القيادة الباكستانية تجاه المستقبل[29].

و. أزمة الفيضانات:

كان للبيئة وتغيُّر المناخ دور في تعميق أزمة باكستان. فقد تسبَّبت فيضانات عام 2022 التي أغرقت أكثر من 10٪ من الأراضي الباكستانية في خسائر بمليارات الدولارات، علاوة على فقدان الدولة نحو 40٪ من محصول القطن، وخسارة 7 ملايين عاملا في قطاع النسيج وظائفهم، وانتقال 9 ملايين من ساكني الريف تحت خط الفقر. وقد أعلنت الدولة وقتها إنها غير قادرة على تحمُّل عبء التعافي من الكارثة في ظل المساعدات الدولية البطيئة، وقال تجار الفاكهة والخضراوات إن التغير المناخي صار يَضُر أرباحهم اليومية بشكلٍ ملحوظ، إذ بدأت المانجو تفسد أسرع عند التجار على سبيل المثال، ما يتسبَّب في نقص الأرباح[30].

جذور الأزمة الاقتصادية

بطبيعة الحال في الواقع السياسي المعاصر، فإن حالة التشابك بين السياسي والاقتصادي لا تُخطئها العين، وأن الاستقرار السياسي جوهري في عملية التنمية الاستراتيجية، وما تمثله الحالة الباكستانية بمثابة تأكيد على التأثير الهائل لانعدام الاستقرار السياسي على الوضع الاقتصادي لها، بالإضافة للمشكلات الهيكلية المزمنة؛ مما يُفاقم من مشكلاتها الاقتصادية ويجعل كل محاولات الإصلاح سطحية وبمثابة مسكنات، خاصةً إذا كانت الأزمة تحمل في طياتها جذور عميقة تعود لمرحلة التأسيس، وبالرغم من نجاحها في اختبار خمسة رؤوس نووية عام 1998، وبات يُنظر إلى باكستان في العالم الإسلامي بوصفها نموذجًا لدولة إسلامية ناجحة. ولم يكن هذا بعيدًا تمامًا عن الصحة، إذ كانت باكستان قبل عام 1990 أحد أنجح اقتصادات جنوب آسيا وأكثرها تحقيقًا للنمو، بل وفي وقتٍ ما من الثمانينيات، استطاعت أن تتجاوز جارتها اللدود الهند، وحققت معدلات مميزة في مكافحة الفقر. ومع ذلك، فإن طبيعة النموذج الباكستاني كانت تحمل في طياتها بذور انهياره، وأخذت باكستان دومًا طريق الإصلاحات قصيرة الأجل.

وقد برز ذلك أكثر ما برز في عدة مظاهر أساسية: هيمنة العسكر ولو خفيةً على مقاليد الدولة وعلى صعود الأحزاب وسقوطها، وتورط الدولة في الديون في وقتٍ مبكر من تأسيسها، وانشغال القوى الاجتماعية بالفروق أكثر من المشتركات وبالتنافس أكثر من الإنجاز، وإصرار الإسلاميِّين على تغليب الخلاف الفكري على المشترك العملي إلا قليلًا، ومن ثم حظي أمر بناء الدولة والمجتمع في باكستان بفرصٍ أقل من الفرص التي أُتيحت لممارسة التنازع الفكري والسياسي.

وفي إطار تقييم السياسات في باكستان ما بين الدولة والمجتمع، وعند النظر للفشل الحكومي المستمر في عملية بناء السياسات الناجحة نجد مرجعه لعددٍ من الأسباب؛ فقد نظَّمت مؤسسة جامعة أغاخان للتنمية التعليمية بكراتشي (AKU-IED) سلسلة من حوارات عن السياسات حول القضايا الرئيسية للتعليم (A series of Policy Dialogues on Key Issues in Education) بين عددٍ ممَّن يعتبرونها قضية مركزية، من منظمات حكومية وغير حكومية، والقطاع الخاص، وقد خلصوا إلى أن عملية صنع السياسات في باكستان تتَّسم بعدم الوضوح، وأن هذا أسهم في فشلها، وأوعزت كثير من الأوراق ذلك الفشل إلى سوء تنفيذ السياساتPoor Policy Implementation ، الذي تواجهه باكستان كغيرها من البلدان النامية؛ ويكشف تاريخها في عددٍ من السياسات أثر التفكير التقليدي على فشل السياسات، ويبرز بشكلٍ خاص عوامل مثل: عدم وضوح الأهداف، وعدم الالتزام السياسي، وغياب قواعد الرشادة (الحوكمة)، ومعضلة المركزية فضلا عن شُحِّ الموارد وسوء توزيع المساعدات الخارجية. ومن ثم يعرض البعض ضرورة تغيير المنظور الحاكم للسياسات العامة بشكلٍ عام، كما أن الفساد المستشري في جهاز الدولة الباكستانية والذي تعجز الحكومات المتتالية -مدنية كانت أو تحت قيادة عسكرية- عن مواجهته، يتطلَّب نهجًا غير الاقتصار على الإجراءات القانونية والقضائية رغم أهميَّتها البالغة، فالفساد ثقافة، ويحتاج إلى تعاون القطاعات الثقافية الدعوية الدينية والتعليمية والإعلامية الجماهيرية في تعزيز ثقافة الأمانة والنزاهة والشفافية، يُعززها سياسات العدالة المتعلِّقة بقطاعات العمل المختلفة العامة والخاصة وتشديد القوانين على المخالفين[31].

سياسات حكومة شهبازالإنقاذية

مع ضيق الوقت الممنوح للحكومة الجديدة عقب عزل عمران خان والاستحقاق الانتخابي المرتقب هذا العام؛ اعتمدت سياسات حكومة شهباز شريف على عدد من الآليات لحلحلة الأزمة الاقتصادية جزئيًا، ولا توحي تلك السياسات بأي رؤية استراتيجية لمعالجة الثغرات الجوهرية في أزمة الاقتصاد الباكستاني، بحكم أنها حكومة مؤقتة، فضلا عن مخاوفها من الإقدام على أي إجراءات اقتصادية قد تؤجج الشارع الباكستاني وتتسبب في تعميق الأزمة السياسية، إلا أنها أمام أربع عقبات لا فكاك من التعامل العاجل معها تتمثل في مشكلة عجز الحساب الجاري المستمرة منذ عقود، ونسبة الاستثمار الحالية إلى الناتج المحلي الإجمالي البالغة 14٪، في المقابل، تمتلك كمبوديا وفيتنام وبنجلاديش وتركيا معدلات استثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي بين 25٪ و30٪. وبدلا من استخدام القرض في الاستثمار البنّاء، تقترض باكستان الأموال لسداد ديونها الحالية، كما لا توجد آلية موحدة للاستثمار حتى الآن، وإن المشكلة الأهم في الوقت الحالي هي انخفاض النقد الأجنبي بالتزامن مع ضرورة سداد الديون الخارجية، وفي نفس الوقت هناك تضخم عالٍ جدًا في البلاد، بالإضافة لعدم ارتفاع نسبة النمو، وهذا يرجع إلى ارتفاع أسعار الطاقة وارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض مخزون النقد الأجنبي[32]، كل ذلك يضع حكومة شهباز المؤقتة أمام خيارات في غاية الحساسية وفي وقتٍ بالغ الضيق، أما عن تلك السياسات فكانت كالتالي:

  1. المزيد من الاقتراض: حرصت حكومة شهباز على المضي قدمًا في المفاوضات مع صندوق النقد للحصول على قرض إنقاذ لتفادي العجز عن السداد، وهو ما تم في آخر الأمر؛ حيث حصلت باكستان على موافقة في اللحظة الأخيرة من صندوق النقد الدولي لبرنامج قرض بقيمة 3 مليارات دولار بعد أن أكملت السلطات المطالب الرئيسية لكسب موافقة المقرضين، وهذه الأموال ستساعد الحكومة الباكستانية على تجنب التخلف عن السدادـ

يبدو الصندوق هذه المرة غير راغب في تقديم أي تنازل لباكستان فيما يخص السياسات القاسية التي يريد أن يفرضها على البلاد، بعكس “تنازلاته” في العقود السابقة ما يعني تكيُّفًا صارمًا سيعاني منه ملايين الفقراء الباكستانيين. وفي سياقٍ متصل، قال وزير المالية الباكستاني، إسحاق دار، إن بلاده حصلت على قرض بقيمة 700 مليون دولار من بنك التنمية الصيني في فبراير 2023،[33] ويظل طوق النجاة الرئيسي الذي تتشبث به الدولة الباكستانية أن تستلم الشريحة الثانية من صندوق النقد الدولي من قرض 6.5 مليارات دولار تم إيصال نصفه تقريبًا حتى الآن، بالإضافة إلى ما وعدت به عدة دول خليجية؛ حيث استطاعت باكستان تأمين تمويل من الإمارات والسعودية يُعادل القرض الذي وافق عليه مبدئيًا صندوق النقد الدولي، والذي يشمل تمويلًا يبلغ مليار دولار من الإمارات، يُضاف هذا إلى مليارَي دولار أودعتهما السعودية في بنك باكستان المركزي، عقب الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد[34]، وفي 13 يوليو 2023؛ أودع صندوق النقد القسط الأول -الذي طال انتظاره والبالغ 1.2 مليار دولار- لدى البنك المركزي بموجب خطة إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار، علي أن تتسلم إسلام آباد المبلغ المتبقي البالغ 1.8 مليار دولار خلال الأشهر التسعة المقبلة[35].

  1. تنويع أسواق الاحتياجات الأساسية والمدفوعات الخارجية: ففي الطاقة؛ تقوم الحكومة الباكستانية بتحول كبير في سياستها للمدفوعات الخارجية التي يُهيمن عليها الدولار الأمريكي؛ حيث دفعت إسلام أباد مقابل أول واردات حكومية من النفط الخام الروسي مخفض السعر بالعملة الصينية، وفق ما أعلن وزير النفط الباكستاني مصدق مالك، وذلك لمواجهة أزمة شح الدولار، حيث سمحت بإقرار آلية تجارة المقايضة بين الشركات، مع أفغانستان وإيران وروسيا في سلعٍ معيَّنة[36].
  2. ترتيبات سداد الديون: أعلنت الحكومة الباكستانية أنها اتخذت ترتيبات للوفاء بالالتزامات المالية الخارجية البالغة 3.7 مليارات دولار، وذلك من خلال تدفقات كبيرة في طور الإعداد هذه الفترة دون أن تُفصح عن هذه التدفقات ومصدرها بحسب بيان لوزارة المالية[37]، وقد توصلت الحكومة الباكستانية مع صندوق النقد الدولي إلى اتفاق بشأن اتفاق استعداد ائتماني مدته تسعة أشهر بمبلغ 2,250 مليون وحدة من حقوق “السحب الخاصة” أي ما يعادل 3 مليارات دولار تقريبًا[38].
  3. حقيبة الضرائب: في الوقت الذي تعثرت فيه المفاوضات مع صندوق النقد دفع ذلك البرلمان الباكستاني حينها إلى الموافقة على مشروع قانون لفرض ضرائب تهدف لجمع 170 مليار روبية (649 مليونًا و63 ألف دولار) خلال أربعة أشهر ونصف حتى أواخر يونيو لتلبية شروط الصندوق[39]، وكانت سياسة إنهاء الإعفاءات الضريبية للصناعات المُخصَّصة للتصدير واحدة من السياسات التي يريد صندوق النقد الدولي من باكستان الالتزام بها مقابل المساعدة، بالإضافة إلى إلغاء الدعم على الوقود والغاز والكهرباء. ورغم أن إلغاء الإعفاءات الضريبية إحدى سياسات الصندوق التي كثيرًا ما تتعرض للنقد، وتحديدًا من أصحاب التوجه اليساري، فإن مشكلة السياسات الضريبية في باكستان أبعد من تلك النقطة بكثير، فالوضع المالي البائس لباكستان في السنوات الأخيرة يعود إلى أسبابٍ عديدة، أهمها القاعدة الضريبية الضيقة وغير العادلة. ولدى باكستان نسبة لتحصيل الضرائب إلى الناتج المحلي الإجمالي تُعَدُّ من النِّسَب الأدنى في العالم، وتشير أرقام عام 2021 إلى أن ثلثي الأشخاص الذين لديهم رقم ضريبي سارٍ وأعمال تجارية لم يقدموا إقراراتهم الضريبية السنوية. ولتوضيح الأمر أكثر، فإن كل ولاية البنجاب التي يزيد عدد سكانها على 100 مليون نسمة، حُصِّلَت عنها ضرائب عام 2021 أقل من مدينة “تشيناي” الهندية التي يسكنها 10 ملايين نسمة فقط[40].
  4. بدائل الطاقة الأقل تكلفة: نتيجة لأزمة النقد الأجنبي، تتجه باكستان لتوليد الطاقة بالفحم، بهدف مضاعفة طاقتها المحلية 4 مرات ولخفض تكاليف توليد الطاقة ولن تبني محطات جديدة تعمل بالغاز في السنوات المقبلة، ويواجه قطاع الطاقة في باكستان العديد من الأزمات؛ أولها نقص الغاز الطبيعي المطلوب في توليد الكهرباء، حيث يُمثل الغاز أكثر من ثلث إنتاج الكهرباء في البلاد، وقد أدى نقصه إلى إغراق مناطق واسعة في الظلام العام الماضي، حيث إن باكستان لم تتمكن من شراء الغاز بسبب قفزة في الأسعار العالمية في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية والأزمة الاقتصادية الحادة. كما تعمل حكومة شهباز على عدة خيارات، أحدها الطاقة المتجددة، حيث تعمل على بناء بعض السدود لتوليد الكهرباء، وتسعى لاستخدام الألواح الشمسية أيضًا[41].

خاتمة:

إن ما تشهده باكستان من أزمة سياسية متصاعدة لم تختتم فصولها بعد، وأزمة اقتصادية تتعاظم مؤشرات تفاقمها وتضاعفها وساءت معها الأوضاع المالية والنقدية للبلاد، بدت ملامحه في عدد من المؤشرات والمظاهر من: تراجع في مؤشرات النمو وتضاعف مؤشرات البطالة والفقر، وتأخر صرف الشريحة السادسة من قرض صندوق النقد الدولي، بسبب عدم التزام الحكومة الجديدة بشروط الاتفاقية، وتعطيل بعض المشاريع والبرامج التي بدأها عمران خان، وتزايد معها التوترات السياسية والأمنية في البلاد، بالإضافة للعجز المتزايد في الميزانية والحساب الجاري، الذي ينعكس على ارتفاع مستويات الدين العام والخاص، وانخفاض احتياطيات النقد الأجنبي، وضعف سعر الصرف. هذا فضلا عن التضخم المرتفع، الذي يقلل من قوة الشراء للمواطنين ويزيد من تكاليف الإنتاج والمعيشة. أيضًا نقص الطاقة والبنية التحتية، الذي يحد من قدرة القطاعات الإنتاجية على تحقيق نمو مستدام وتنافسي. وضعف أداء القطاعات المصدرة، مثل المنسوجات والجلود والكيماويات، بسبب تدهور كلٍ من الجودة والابتكار والولوج إلى الأسواق الخارجية. ذلك بجانب عدم كفاءة وشفافية الإدارة العامة، وانتشار الفساد والمحسوبية والامتيازات، وانخفاض مستوى التحصيل الضريبي والإنفاق الاجتماعي. ترافق مع ما سبق تصاعد حملات التشويه والاتهامات المتبادلة بين أحزاب المعارضة والحكومة، وتفشي أعمال العنف والإرهاب، وتدهور العلاقات مع بعض الدول المجاورة والحلفاء، خصوصًا الصين والولايات المتحدة، بسبب تغيير مواقف باكستان حول قضايا إقليمية حساسة، مثل أفغانستان وكشمير والحرب الأوكرانية، وكل تلك المؤشرات لا توحي بإمكانية الحلول الجذرية للأزمة الباكستانية وأن أسبابها أعمق بكثيرٍ مما قد يبدو من أسبابها القريبة أو المباشرة.

وعند محاولة تفسير هذا التعثُّر الباكستاني في بناء سياسات تنموية ناجحة، نجد أنه تتنازعها ثلاثة اتجاهات: اتجاه سياسي يحمل الأمر على النخبة السياسية وفشلها أو فسادها أو استبدادها، أو ارتباطها بالمنظومة العالمية التي تقودها رأسمالية غربية جائرة، واتجاه اقتصادي -وهو الأبرز- يُشير إلى عدد من العوامل الفنية والإدارية المهمة التي تفسِّر التنمية الباكستانية المعوقة. لكن التفسير الأشمل يُشير إلى سياسات ومتغيرات اقتصادية وغير اقتصادية يمكن أن تساعد في فهم ضعف قطاع التنمية والإنتاج في باكستان، ففي ظل غياب استقرار اقتصادي كلي وتوافق سياسي واجتماعي، فإن عمليات تحرير الأسعار وخصخصة الأصول العامة وحوافز الاستثمار الأجنبي والمحلي لم تنتج طفرات في النمو، بل ظل مسار النمو المرتفع مجرد وهم على الرغم من الإصلاحات النيوليبرالية في التسعينيات.

ويشير باحثون إلى أن ضعف نظام الحكم الذي يقترن عادةً بعمليات التحرُّر الاقتصادي يُسهم في أزمات كالتي يعيشها النظام الباكستاني منذ عقود، ويمكن عزو عوامل التراجع إلى عمق فشل الأداء في المجالات الاقتصادية وكذلك السياسية والاجتماعية، وإلى أزماتٍ مستحكمة من قبيل: أزمة الطاقة والزيادات في أسعار الوقود، وعدم الاستقرار السياسي، وغياب الرؤية والإرادة الاستراتيجية للتنمية بمجالاتها، وغياب العدالة الاجتماعية حيث توجد فوارق كبيرة بين طبقات الشعب الباكستاني كما تسود الأمية ويُعاني قطاع الخدمات تدهورًا فادحًا في الصحة والمياه والإسكان[42].

ولتحسين أوضاعها الاقتصادية، تحتاج باكستان إلى اتخاذ سلسلة من الإصلاحات والسياسات والتدابير العاجلة لإيقاف الانحدار والنزيف الدامي للحالة الاقتصادية، بحيث يتم تعزيز قدراتها الإنتاجية والابتكارية والبشرية، وتطوير بنيتها التحتية وشبكات اتصالها مع دول المنطقة، خصوصًا في قطاع الطاقة. وتبدأ تلك الإصلاحات أولا باستعادة الاستقرار السياسي والأمني، وتعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد، ومكافحة الفساد والإرهاب والحد من تدخلات المؤسسة العسكرية في المشهد السياسي والاقتصادي. وتنويع الاقتصاد وتعزيز قدراته الإنتاجية والابتكارية والبشرية، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية والمحلية في القطاعات ذات القيمة المضافة. وتطوير البنية التحتية وشبكات اتصالها مع دول المنطقة، خصوصًا في قطاع الطاقة، والانخراط في مشاريع التعاون مثل الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني. كما تحتاج باكستان إلى تبني رؤية استراتيجية تقوم على مبدأ “الكسب المتبادل” مع شركائها الإقليميين، وإلى حل النزاعات المستمرة مع إيران والهند على أساس الحوار والتفاهم، وإصلاح المشكلات الهيكلية في اقتصادها، فبذلك، ستستطيع باكستان أن تحول موقعها من عامل خطر إلى فرصة، وأن تصبح مركزًا محوريًّا للتجارة والتنمية في المنطقة.

وعلى الرغم من وضوح كافة الإجراءات المطلوبة كعناوين رئيسية لحلحلة أزمة عميقة ومزمنة، إلا أن باكستان تجابه تحديات جمة مرجعها إلى أزمات بنيوية وهيكلية لازمتها منذ سنوات التأسيس الأولى، ومن ثم تستلزم إعادة ترميم الإرادة الوطنية وأسس نظام الحكم على مبدأ الرشادة والحوكمة والحكم المدني المستقر، وبغير ذلك فإن كافة الإجراءات والسياسات المتبعة حاليًا حتي مع نجاحها لن تكون سوى كسابقاتها؛ أداة للتسكين والحلول قصير الأمد من حكومات مؤقتة تحكمها المصالح السياسية القريبة لا المقاصد التنموية الاستراتيجية بما يوحي بتكرار الأزمات نفسها إن لم يكن بشكلٍ أسوء.

______________

الهوامش

[1] راجع:

– أكثر من 200 باكستاني بين ضحايا قارب المهاجرين الغارق في اليونان، الجزيرة نت، 22 يونيو 2023، تاريخ الاطلاع: 2 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/44DywF2

– إسلام آباد: 350 باكستانيا كانوا على متن القارب الغارق قبالة اليونان، الجزيرة نت، 23 يونيو 2023، تاريخ الاطلاع: 3 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/2hBjxpG

[2] في حادث تدافع هو الثاني خلال رمضان.. 11 قتيلا أثناء توزيع مساعدات في باكستان، الجزيرة نت، 1 أبريل 2023، تاريخ الاطلاع: 2 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/43fY7TC

[3] إلى أي حد يمكن أن تؤدي الأزمة السياسية في باكستان إلى انهيار البلاد اقتصاديا؟، عربي بوست، 14 يونيو 2023، تاريخ الاطلاع: 2 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/Zg0j8wX

[4] إسقاط حكومة عمران خان على وقع أزمة اقتصادية وغضب أمريكي، سياقات، موقع أسباب، العدد 48، 10 أبريل 2022، تاريخ الاطلاع: 3 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/3D9bxVl

[5] ربيع الحمامصة، عمران خان: لماذا تستمر السلطات الباكستانية في توجيه التهم لرئيس الوزراء السابق؟، بي بي سي عربي، 6 مارس 2023، تاريخ الاطلاع: 1 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3OjRvPV

[6] باكستان.. الجيش يتوعد من هاجموا مقراته ويتهم أنصار عمران خان بالاعتداء على المؤسسة العسكرية، الجزيرة نت، 16 مايو 2023، تاريخ الاطلاع: 1 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/nDa6qed

[7] إسقاط حكومة عمران خان على وقع أزمة اقتصادية وغضب أمريكي، مرجع سابق.

[8] الأزمة الاقتصادية في باكستان تؤجّج الاحتجاجات الداعمة لعمران خان، الميادين نت، 18 مايو 2023، تاريخ الاطلاع: 6 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/L3rjwot

[9] اسكندر كيرماني، عمران خان: لماذا سقط صاحب الشخصية الكاريزمية؟، بي بي سي عربي، 10 أبريل 2022، تاريخ الاطلاع: 1 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/5gevynM

[10] مؤامرة أميركية أم فقدان دعم الجيش.. لماذا سقطت حكومة عمران خان في باكستان؟، الجزيرة نت، مصدر سابق.

[11] محمد بلعاوي، مستقبل عمران خان خارج حكومة باكستان، المعهد المصري للدراسات، 28 أبريل 2022، تاريخ الاطلاع: 16 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/iDRvYSS

[12] إسقاط حكومة عمران خان على وقع أزمة اقتصادية وغضب أمريكي، مرجع سابق.

[13] محمد بلعاوي، مستقبل عمران خان خارج حكومة باكستان، مصدر سابق.

[14] المرجع السابق.

[15] راجع:

– إسقاط حكومة عمران خان على وقع أزمة اقتصادية وغضب أمريكي، مرجع سابق.

– محمد بلعاوي، مستقبل عمران خان خارج حكومة باكستان، مرجع سابق.

[16] أحمد دياب، الاقتراب من الحافة: الآفاق المحتملة للأزمة السياسية في باكستان، مركز الإمارات للسياسات، 30 مايو 2023، تاريخ الاطلاع: 4 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/oR3MSTS

[17] محمد عزت، إدمان الديون.. كيف دفع الجنرالات باكستان إلى حافة الانهيار الاقتصادي؟، الجزيرة نت، 5 مارس 2023، تاريخ الاطلاع: 1 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/4BLvIDC

[18] ديون باكستان تقفز 34٪ في عام متجاوزة 205.3 مليارات دولار، العربي الجديد، يونيو 2023، تاريخ الاطلاع: 5 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/bLk7z4n

[19] محمد عزت، إدمان الديون.. كيف دفع الجنرالات باكستان إلى حافة الانهيار الاقتصادي؟، مرجع سابق.

[20] وكالة «موديز» تحذر من احتمالية افلاس باكستان حال تخلي «النقد الدولي» عنها، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 9 مايو 2023، تاريخ الاطلاع: 4 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/ZGCDGQ1

[21] محمد عزت، إدمان الديون.. كيف دفع الجنرالات باكستان إلى حافة الانهيار الاقتصادي؟، مرجع سابق.

[22] أزمة باكستان الاقتصادية والسياسية تفرِّخ سوقًا سوداء للدولار، الشرق، 11 ديسمبر 2022، تاريخ الاطلاع: 4 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/HeAhU8L.

[23] الشركات الكورية على وشك مغادرة باكستان بسبب قيود الاستيراد وأزمة الدولار، العربي الجديد، 20 فبراير 2023، تاريخ الاطلاع: 9 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/jADCf99.

[24] أزمة باكستان الاقتصادية والسياسية تفرِّخ سوقًا سوداء للدولار، مرجع سابق.

[25] التضخم في باكستان يرتفع لمستوى تاريخي إلى 38٪ في مايو، سكاي نيوز عربية، 2 يونيو 2023، تاريخ الاطلاع: 6 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/Y9jD8UY

[26] التضخم في باكستان يتراجع لأول مرة في 7 أشهر، سكاي نيوز، 3 يوليو 2023، تاريخ الاطلاع: 5 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/7Vnkx3Z

[27] محمد عزت، إدمان الديون.. كيف دفع الجنرالات باكستان إلى حافة الانهيار الاقتصادي؟، مرجع سابق.

[28] اقتصاد باكستان يتباطأ بسبب أزمة نقص الدولار، سكاي نيوز، 15 يناير 2023، تاريخ الاطلاع: 5 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/44p2Pj9

[29] محمد عزت، إدمان الديون.. كيف دفع الجنرالات باكستان إلى حافة الانهيار الاقتصادي؟، مرجع سابق.

[30] المرجع السابق.

[31] مدحت ماهر، سياسات بناء الدولة والمجتمع ودور الإسلاميين في باكستان… حزبا الرابطة والجماعة الإسلامية نموذجًا (2008-2018)، في: مجموعة مؤلفين، السياسات العامة في نظم ومجتمعات العالم الإسلامي: نماذج وخبرات، (القاهرة: مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 2019)، سلسلة أمتي في العالم، العدد (14)، ص ص 142، 147، 148. (مقتطفات بتصرف).

[32] محمد العقاد، الاقتصاد الباكستاني يعاني.. مصانع تغلق أبوابها والفحم الطبيعي بديلا للغاز، الجزيرة نت، 27 فبراير 2023، تاريخ الاطلاع: 9 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/etxqphB

[33] باكستان تقترب من الإفلاس.. تعثر في سداد الديون وانهيار العملة، رؤية الإخبارية نقلا عن بلومبيرج، 2 مارس 2023، تاريخ الاطلاع: 6 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/j3xaha5

[34] باكستان تؤمّن تمويلًا من الإمارات والسعودية يعادل قرض صندوق النقد، الشرق بلومبيرج، 12 يوليو 2023، تاريخ الاطلاع: 12 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/08jOOXM

[35] صندوق النقد الدولي يودع 1.2 مليار دولار لدى “المركزي” الباكستاني، العربية، 13 يوليو 2023، تاريخ الاطلاع: 16 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/Y2UkXoW

[36] باكستان اشترت نفطا روسيا بسعر مخفض وبالعملة الصينية، عربي 21، 14 يونيو 2023، تاريخ الاطلاع: 11 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/9HJkiuc

[37] ترتيبات باكستانية لتجنب التخلف عن سداد الديون، العربي الجديد، 11 مايو 2023، تاريخ الاطلاع: 9 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/FDjUsCd

[38] صندوق النقد الدولي وباكستان يبرمان اتفاق استعداد ائتماني بقيمة 3 مليارات دولار، فرنسا 24، 30 يونيو 2023، تاريخ الاطلاع: 6 يوليو 2023، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/PbzwlsZ

[39] محمد العقاد، الاقتصاد الباكستاني يعاني.. مصانع تغلق أبوابها والفحم الطبيعي بديلا للغاز، مرجع سابق.

[40] محمد عزت، إدمان الديون.. كيف دفع الجنرالات باكستان إلى حافة الانهيار الاقتصادي؟، مرجع سابق.

[41] حمد العقاد، الاقتصاد الباكستاني يعاني.. مصانع تغلق أبوابها والفحم الطبيعي بديلا للغاز، مرجع سابق.

[42] مدحت ماهر، سياسات بناء الدولة والمجتمع ودور الإسلاميين في باكستان، مرجع سابق، ص 153. (بتصرف).

فصلية قضايا ونظرات – العدد الثلاثون – يوليو 2023

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى