مبادرات المجتمع المدني العربي للإصلاح السياسي

مقدمة

عرف العرب على مر تاريخهم الطويل أعوامًا اشتهرت بأحداث وقعت فيها وكانت جسامًا، وصارت علمًا دالًا عليها، وصار كل حدث يؤرخ لما سبقه ولما لحقه من أحداث، وربما من أعوام أيضًا. ومن ذلك في التاريخ القديم “عام الفيل” قبيل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، و”عام الهجرة” من مكة إلى المدينة، و”عام الفتح” الذي عاد فيه الرسول إلى مكة منتصرًا ودخل الناس في الدين الله أفواجًا، و”عام الرمادة” في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب. أما في التاريخ الحديث فلدينا أعوام كثيرة منها: “عام النكبة ” الذي هزم فيه العرب أمام العصابات الصهيونية وتأسست إسرائيل سنة1948، و”عام النكسة” الذي هزم فيه العرب أيضًا واحتلت إسرائيل المزيد من الأراضي العربية في مصر وسوريا والأردن وفلسطين، ونضيف إلى ذلك “عام المبادرات” وهو العام 2004 الذي تعرض فيه العالم العربي لهجوم عاصف، وإن كان ناعمًا بالمبادرات الإصلاحية، وقد بدأ هذا الهجوم من الخارج بالمبادرة الأمريكية عن “الشرق الأوسط الكبير”[1]، وتلتها مبادرات أوربية فرنسية وألمانية[2] وبريطانية، وأوربية أمريكية من خلال مجموعة الثمانية، ثم ما لبثت الحكومات العربية أن انطلقت من عقالها فرادى وجماعات معلنة عن مبادرات للإصلاح؛ مصرية[3]، ومصرية/ سعودية/ سورية مشتركة لإصلاح الجامعة العربية[4]، وسودانية، ويمنية، وأردنية، وأخرى جماعية عبر الجامعة العربية بكاملها. وأسرع المجتمع المدني العربي بالمشاركة أيضًا في مسلسل المبادرات، فأعلنت بعض منظماته وجماعاته عن مبادرات إصلاحية، كان من أهمها المبادرة التي انطلقت من مكتبة الإسكندرية وعرفت باسم “وثيقة الإسكندرية”، وتلتها مبادرة المنتدى المدني الأول الموازي للقمة العربية، وجاءت تحت اسم”الاستقلال الثاني”، ثم مبادرة الإصلاح التي أعلنتها جماعة الإخوان المسلمين من مقر نقابة الصحفيين بالقاهرة، وعدد آخر من المبادرات التي أطلقتها جماعات وأحزاب سياسية على امتداد الوطن العربي الكبير.
وإذا كان المحرك الأول والمعلن لمبادرات الخارج هو سعي القوى الأوربية والأمريكية لتأمين مصالحها الإستراتيجية في منطقتنا والوطنية في بلادهم ذاتها انطلاقًا من افتراض مؤداه أنه “كلما زاد عدد المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية في المنطقة العربية، وفي الشرق الأوسط الموسع الذي يضم إيران وأفغانستان أيضًا؛ فإن المنطقة ستشهد مزيدًا من التطرف والإرهاب والجريمة الدولية والهجرة غير المشروعة”، وكلها عوامل تهديد للمصالح الإستراتيجية والوطنية الأوربية والأمريكية. إذا كان ذلك كذلك؛ فإن المحرك الأول المعلن للمبادرات العربية الحكومية منها وغير الحكومية هو محاولة صوغ رؤية إصلاحية ذاتية تنطلق من الداخل، وتؤكد على أهمية الخصوصيات التي تميز المنطقة بشكل عام، وتلك التي تميز كل دولة على منها بشكل خاص.
وحول مبادرات الداخل ومشاريع ومبادرات الخارج احتدم الجدل الفكري والسياسي -ولا يزال- بحثًا عن أفضل السبل التي تسهم في تحقيق أهداف الإصلاح بمعناه الشامل؛ بما في ذلك الإصلاح السياسي الذي يتعلق أساسًا بأنظمة الحكم القائمة على الاستبداد واحتكار السلطة والثروة وإقصاء الأغلبية الساحقة من الجماهير عن المجال العام. وحول الإصلاح السياسي بالتحديد احتدم الجدل ولا يزال بين رؤى الحكومات، ورؤى المجتمع المدني، على الصعيدين الداخلي والخارجي.
إن تعدد مشاريع الإصلاح على النحو الذي أشرنا إليه يثير عديدًا من التساؤلات حول الأصلح منها، وحول الروابط بين الإصلاح والمصالح التي لا تنفك عن الأطراف المنادية به من القوى الاجتماعية والسياسية المحلية والأجنبية، كما يثير تساؤلات حول طبيعة الحوار الدائر بيننا وبين الغرب بوسائل لينة حينًا وخشنة أحيانًا، وهل يمكن فصل عملية الإصلاح الداخلي عن تأثيرات الخارج؟ وهل رفض الإصلاح من الخارج يقابله بالفعل حركة داخلية منتظمة وجادة على طريق الإصلاح انطلاقًا مما تسميه هذه الندوة “رؤية عربية للإصلاح”؟ أم أن رفض الإصلاح من الخارج لا يعدو الهروب من استحقاقات العملية الإصلاحية حفاظًا على مصالح السلطات الحاكمة والفئات المتحالفة معها؟
وبقدر شمولية التردي الذي يعاني منه العالم العربي في مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقانونية والإدارية، اشتملت مبادرات الإصلاح الخارجية والمحلية على تصورات ورؤى لكيفية إصلاح تلك الجوانب.
ويقتصر هدفنا من هذا البحث على تناول الجانب السياسي في مبادرات المجتمع المدني دون سواها من المبادرات التي أشرنا إليها. ومن ثم تخرج مبادرات الحكومات العربية، وكذا المبادرات الأجنبية عن دائرة اهتمامنا في هذا البحث، ولن نتناولها إلا بالقدر الذي يوضح تصورات المجتمع المدني العربي. كما يخرج عن اهتمامنا هنا المبادرات الخاصة بالإصلاح في بلد عربي بعينه ومنها مبادرة الإخوان المسلمين في مصر)[5](، ومبادرة لجان المجتمع المدني والإخوان المسلمين في سوريا، ومبادرات لجمعيات ومنظمات أخرى منها المغرب، والسعودية، واليمن.
وقد وقع اختيارنا على وثيقتين رئيسيتين من وثائق المجتمع المدني للإصلاح، وكان معيار اختيارنا لهما هو شمولية الرؤية المطروحة من الناحية الجغرافية لجميع أقطار العالم العربي، وهاتان الوثيقتان هما:
1- وثيقة الإسكندرية، التي صدرت عن المؤتمر الذي انعقد في الإسكندرية في الفترة من 11- 14/3/2004 تحت عنوان “الإصلاح العربي: الرؤية والتنفيذ”[6]، وقد نظمته مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع عدد من منظمات المجتمع المدني العربي وهي: المنظمة العربية لحقوق الإنسان، ومجلس الأعمال العربي، ومنتدى البحوث الاقتصادية، ومنظمة المرأة العربية، والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا. وشارك فيه أكثر من مائة وخمسين شخصية عربية ينتمون إلى تيارات فكرية وسياسية تتبنى في أغلبيتها الرؤية العلمانية، وتبتعد عن المرجعية الإسلامية بقدر ما تقترب من الليبرالية ومن المرجعيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية للمواطنين.
2- وثيقة بيروت، الصادرة بعنوان “الاستقلال الثاني: نحو مبادرة للإصلاح السياسي في العالم العربي”[7]، وهي عبارة عن التوصيات التي أصدرها المنتدى المدني الأول الموازي للقمة العربية التي انعقدت في تونس 29- 30 مارس 2004. وقد انعقد ذلك المنتدى في بيروت في الفترة من 19- 22 مارس 2004 بمشاركة ثلاث وخمسين منظمة من منظمات المجتمع المدني التي تنتمي إلى ثلاث عشرة دولة عربية، بعضها منظمات قطرية، وبعضها منظمات إقليمية عربية لا تنتمي لدولة بعينها، ويغلب عليها ما غلب على مشاركي مؤتمر الإسكندرية من حيث المرجعية الفكرية والقناعات السياسية.
وسوف نحلل ما تضمنته الوثيقتان فيما يتعلق بالإصلاح السياسي على المستوى العربي، مع التركيز على محورين أساسيين هما:
أ- تصور كل وثيقة لأولوية الإصلاح السياسي.
ب- أهداف الإصلاح السياسي ووسائل تحقيقها.
ولعل المسألة المنهجية المهمة التي تستحق التوضيح هنا هي أننا نأمل في تحليل ما ورد في الوثيقتين المشار إليهما بخصوص الإصلاح السياسي، بالتركيز على توضيح الأمر المميز في كليهما. إن التركيز على ما هو مميز -والمميز هنا لا يعني بالضرورة أنه إيجابي- هو مسألة مهمة في عملية التحليل؛ فالنص -نص الوثيقة أو أي نص آخر- دال على حركة، ويخدم فعلًا تاريخيًا ما، وبهذا المعنى يكون التركيز على جوهر الخطاب لا ظاهره، وعلى أصوله لا فروعه. وسنقوم بعملية التحليل في ضوء النقاط الآتية:
‌أ. تحديد الذات الفاعلة، أو المنتجة للخطاب؛ لأنها تكشف عن وحدة التحليل الأساسية التي تتبناها معرفيًا؛ فهل هذه الوحدة هي الفرد كما في المنظور الليبرالي، أم الطبقة كما في الماركسي، أم الجماعة كما في الإسلامي؟
‌ب. تعريف الموضوع محل البحث والتحليل، وموضوعنا المتعلق بالإصلاح هو مجال توتر بين عدد من الفاعلين (الحكوميين وغير الحكوميين من تيارات شتى) وتوجد بينهم منازعة بشأنه. ويهمنا توضيح جوهر هذه المنازعة وما القيم المتنازع عليها، ومدى ارتباطها بمصالح كل طرف من أطراف المنازعة؟
‌ج. تعريف شدة المنازعة بين أطراف الخطاب، فكل خطاب يتسم بقدر كبير من المحاجاة؛ إما أن تعقد خصومة مطلقة مع الآخر أو توجد مفتاحًا لحل المنازعة. وهنا تختلف التصورات التي يطرحها ممثلو المجتمع المدني فيما بينهم، عن تلك التي تطرحها جهات أخرى حكومية أو غير حكومية، داخلية وخارجية. والمهم هو تحليل الفعل التاريخي المقترح من كل طرف، وهذا التحليل لا يكون موضوعه المسائل الفرعية -على أهميتها في سياقات بحثية أخرى- بل المهم هو الاقتراحات والقضايا الأساسية التي من شأنها إحداث تصحيح جوهري في الموضوع محل الجدل وهدف الإصلاح السياسي العربي تحديدًا.
‌د. نقد الخطابات الأخرى المعنية بالإصلاح السياسي، فالخطاب عادة ما ينشغل بمنازعة الخطابات الأخرى، ولا يكاد يوجد إلا في إطار الجدل مع تلك الخطابات، وهو ما يشير إليه مفهوم التناص في أحد أبعاده التحليلية.
وتظل المسألة المنهجية المهمة هنا أيضًا هي: كيف يمكن اكتشاف مضمون ما يقال، أو ما يحمله خطاب المجتمع المدني العربي بشأن الإصلاح السياسي؟ قد نلجأ هنا إلى استخدام ما يسمى أسلوب “تحليل الإثبات”؛ وهو الأسلوب الأكثر تقدمًا في تحليل الخطاب والكشف عن أبعاده الأنطولوجية، التي تدخل ضمن بدائيات المنطق وبديهياته التي يصعب إثباتها أو نفيها. وقد لا نحتاج إلى الأخذ بإجراءات هذا الأسلوب بأكملها في دراسة الأفكار المرجعية الكبرى لخطاب الإصلاح السياسي في الوثيقتين محل هذا البحث، ولكن السؤال الأساسي في نظرنا هنا هو هل ما قدمته الوثيقتان مؤسس على فهم نقي للمرجعية المعرفية التي يستند إليها صانعوا الوثيقتين أم لا؟ أم أن الأمر خضع -كما يحدث عادة- لعمليات انتقاء وتلفيق ومواءمة وموازنة بين اعتبارات متنوعة، ومصالح متداخلة بين الأطراف المعنية بالعملية الإصلاحية؛ سواء كانت هذه الأطراف من طالبي الإصلاح أو من المخاطبة بتحمل أعبائه أو قسطًا منها، أو كانت هي المستهدفة بعملية الإصلاح؟
ولكن قبل الدخول في تحليل الرؤية التي تضمنتها الوثيقتان للإصلاح السياسي، قد يكون من المفيد أن نشير أولًا إلى الجدل حول تعريف المقصود بالمجتمع المدني في السياق العربي من الناحيتين النظرية والواقعية، وعلى ذلك؛ فإن الأفكار الأساسية لهذا البحث ومحاوره الرئيسية سوف نتناولها من خلال الآتي:
أولًا- المنازعة في مصطلح المجتمع المدني ودوره في السياق العربي.
ثانيًا- أولوية الإصلاح السياسي وغياب الإصلاح الأخلاقي.
ثالثًا- أهداف الإصلاح السياسي ووسائل تحقيقه.
خاتمة- مؤشرات الإصلاح السياسي في الإطار العربي، ودور المجتمع المدني في تطوير هذه المؤشرات ومتابعتها في الواقع.

أولًا- المنازعة في مفهوم المجتمع المدني وإشكالياته في السياق العربي

ثمة منازعة فكرية وعملية، نظرية وتطبيقية، حول مفهوم المجتمع المدني منذ وروده إلى السياق العربي قبل حوالي عقدين من السنين. فقد انشغلت الأوساط الفكرية والسياسية والإعلامية بهذا المفهوم وبالجدل حوله؛ وذلك سعيًا للوقوف على مضامينه التي يحتويها، ومعرفة دلالاته التي يشير إليها على أرض الواقع الاجتماعي في هذا البلد أو ذاك، ومن ثم معرفة الدور الذي يمكن أن يسهم به في عملية الإصلاح التي يحتاجها العالم العربي في مختلف الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ونظرًا؛ لأن الأصول الغربية لهذا المصطلح تجعله ملتبسًا وربما غامضًا عند استعماله في السياق العربي الإسلامي، فقد انقسمت الآراء بشدة بين عدد من الاتجاهات منها:
فريق ذهب إلى أن “المجتمع المدني” مفهوم يشير إلى مجموعة المؤسسات والتنظيمات التي تستند إلى أسس مدنية اجتماعية من وضع البشر أنفسهم؛ أي أنه نقيض مباشر لكل ما هو ديني أو ذا مرجعية دينية.
وفريق آخر ذهب إلى أنه يشير إلى تلك المؤسسات والتنظيمات التي تنبع من المجال الاجتماعي، وتعمل لصالحه، أيًا كان الأساس الفلسفي الذي تقوم عليه؛ دينيًا أو مدنيًا, وأن هذه المؤسسات والتنظيمات تستهدف، أيضًا، وضع مجموعة من الكوابح والروادع التي تحد من سلطة المجتمع السياسي، أو العسكري الذي تمثله الدولة؛ وبهذا المعني يصبح المجتمع المدني نقيضًا لما هو سياسي أو عسكري، أو لكل ما هو حكومي.
وذهب فريق ثالث إلى تحديد المقصود بالمجتمع المدني من خلال عدد من المؤشرات الإجرائية التي تصف مؤسساته ومنظماته وفاعلياته المختلفة، ومن هذه المؤشرات مثلًا: أن تلك المؤسسات والمنظمات تحتل موقعًا وسطًا بين العائلة؛ باعتبارها الوحدة الأساسية التي ينهض عليها البنيان الاجتماعي، والنظام القيمي الأخلاقي في المجتمع من جهة، والدولة ومؤسساتها وأجهزتها البيروقراطية الحكومية من جهة أخرى.
ومثلما انقسمت الآراء بصدد تعريف مضمون “المجتمع المدني”، تباينت المواقف من الحكم على وجود ما يصدقه من مؤسسات وتنظيمات في الواقع الاجتماعي. فالبعض أنكر وجوده بأي شكل من الأشكال، وذهب إلى أنه إنجاز حضاري غربي بحت، وأن علينا استزراعه في بلادنا وتنميته في تربة مجتمعاتنا التي لم تعرف ما يشبهه في تاريخها الطويل. بينما ذهب البعض الآخر إلى أن هناك عديدًا من المؤسسات والهيئات التي يمكن تصنيفها مجازًا ضمن “المجتمع المدني”، وهي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ العربي، وفي مقدمتها المساجد الجامعة، والأوقاف، والمدارس الأهلية ومكاتب تحفيظ القرآن، والبيمارستانات ومشافي العلاج المجاني، وصور أخرى متعددة من أعمال الخير والمنافع العمومية[8].
ولم تجمع أوساط النخب الفكرية والثقافية والسياسية في مجتمعاتنا العربية على مفهوم المجتمع المدني[9] من حيث قبوله أو رفضه ابتداءً، ولم تتفق أغلبية هذه النخب فيما بينها لا على مضمونه، ولا على مقاصده وأهدافه؛ فالبعض ذهب إلى أن المجتمع المدني قرين الديمقراطية وعلامة على وجودها، ومن ثم إذا أردنا تحقيق الإصلاح الديمقراطي فعلينا إفساح المجال أمام تكوين وتطوير مؤسسات المجتمع المدني ومنظماته، ولكن البعض الآخر رأى أن المجتمع المدني هو بالأساس أداة لتصنيف القوى والتيارات السياسية فهي إما حديثة ومستنيرة، وإما تقليدية وظلامية ومعادية للتقدم وفي مقدمتها -حسب زعمهم- التيارات والقوى الإسلامية، ووفقًا لهذا الاستخدام جرى توظيف مفهوم المجتمع المدني كأداة لتأجيج الصراع السياسي الداخلي في بعض المجتمعات العربية والإسلامية، بدلًا من أن يكون أداة تستهدف المشاركة في الإصلاح، وفي مواجهة المشكلات التي تعاني منها قطاعات واسعة من جماهير هذه المجتمعات.
وبدلًا من أن يكون “المجتمع المدني” المنشود مفهومًا مبنيًا على الانسجام والعمل المشترك بين المجتمع والدولة، سعى بعض الذين تبنوه في مجتمعاتنا إلى التركيز على ما يفيد اعتباره أداة لمواجهة الدولة، والحد من سيطرة نظام السوق على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية، والقضاء على التكوينات التقليدية الموروثة باعتبارها سببًا من أسباب التخلف، وعاملًا من عوامل الاستبداد والقهر، وحتى لتعميق الهوة بين المجتمع والدولة، وتقليص فرص نمو مجال مشترك بينهما لمصلحتهما معًا.
ونستخلص مما سبق -وفيما يتعلق بموضوع بحثنا هذا- أن اقتحام مفهوم المجتمع المدني لثقافتنا المعاصرة قد أسهم في تعميق الانقسامات بين النخب الفكرية والسياسية والثقافية المنادية بالإصلاح في مجتمعاتنا العربية، وأن هذا الاقتحام قد أشعل الجدل بشأنه لسنوات عدة في محاولة لاكتشاف أبعاده الفلسفية، ومحتوياته النظرية، ومقاصده الاجتماعية والسياسية والثقافية انطلاقًا من خلفياته التاريخية التي ميزت نشأته في التجربة الأوربية بوجه خاص.
ولكن بمرور الوقت، ومع اتضاح تلك الأبعاد والمضامين والمقاصد، وبفضل انخراط أعداد متزايدة من أعضاء النخبة الفكرية والثقافية ذات الخلفية الإسلامية في الجدل المشار إليه، بدأت حدة هذا الجدل تنخفض، وطفق الفرقاء يكتشفون أن ثمة كثيرًا من جوانب الاختلاف فيما بينهم لا مبرر لها، وأن مردها إلى مشاحات اصطلاحية أكثر منها قضايا مبدئية أو جوهرية، والأهم من ذلك أن أعدادًا متزايدة أيضًا من النخب ذات الخلفيات والمرجعيات العلمانية بدأت تدرك أنها قد أخطأت عندما صورت المؤسسات والمنظمات الموروثة على أنها تقع جملة وتفصيلًا خارج نطاق الحقول الدلالية لمفهوم “المجتمع المدني”، وأنه على العكس من ذلك توجد صيغ وأنماط متعددة من تلك المنظمات والمؤسسات الموروثة تصب مباشرة في الاتجاه نفسه الذي يقصده أنصار مؤسسات المجتمع المدني الحديث، بل ربما تكون الصيغ الحديثة المستوردة أقل كفاءة في الإنجاز، وأضعف قدرة على اكتساب الشرعية الاجتماعية من تلك الموروثة، أو المستندة إلى منظومة القيم والمبادئ والتعاليم الإسلامية؛ التي تسهم -في الوقت نفسه- في تشكيل هوية المجتمع، وفي ضبط سلوكياته.
وما يهمنا التأكيد عليه هنا هو الآتي:-
1- أن مصطلح “المجتمع المدني” حديث في استخدامه مجتمعاتنا، وهو شديد الارتباط بالتجربة الغربية؛ لاسيما في وجهها الليبرالي- الديمقراطي[10]، وهو أكثر التصاقًا بعملية تشكيل وعي المواطن وحقوقه في التمتع بحياة مدنية حرة في مواجهة النظام الكنسي المستبد الذي خنق العلم، وأهدر الحريات، وأدان العقل، وتحالف مع سلطات الدولة في قهر المجتمع، وفي إقصاء الجماهير عن المشاركة السياسية.
2- أن ثمة إشكالًا مفهوميًا حدث نتيجة ترجمة مصطلح المجتمع المدني إلى اللغة العربية؛ ذلك لأن التعبير الاصطلاحي الذي تردد في تراث العرب والمسلمين عبر تاريخ علاقاتهم الاجتماعية والسياسية والثقافية هو الأخ، والأخوية، والإخوان، والأهل، وما شاكل ذلك، وكلها تعابير تعكس سمة أساسية من سمات الانتماء الإسلامي، أو الولاء العام للأمة الإسلامية، ومن ثم؛ فإن مختلف الممارسات العملية لهذه المفاهيم -التي تضاهيها ممارسات مفهوم المجتمع المدني في بعض جوانبها على الأقل- كانت تترجم الشعور بالوحدة التي توثق عرى الترابط بين مختلف فئات المجتمع من جهة، وبين مختلف تكوينات الأمة الإسلامية من جهة أخرى.
3- أننا مع الرأي القائل بأنه لا مشاحة في الاصطلاح، وعليه فلا بأس من أن نستخدم مفهوم “المجتمع المدني” بمضمون يشير إلى خصوصية الممارسات والمؤسسات والمقاصد التي تعبر عنه في السياق العربي، لا أن ننقل هذا المفهوم نقلًا أعمى بمضمونه الوافد من الخارج والمعبر عن خصوصية مجتمعات أخرى.
وأعتقد أن من مقتضيات قولنا أنه لا مشاحة في الاصطلاح، أنه يجوز أن نملأ المصطلح بالمعنى الذي يعبر عما نرغب في التعبير عنه، كما يجوز أيضًا أن نستبدله بمصطلح آخر، بحيث يكون أكثر منه دقة، وأكبر مقدرة على مساعدتنا في الفهم والتحليل والتقييم أيضًا.
4- أن المقارنة بين المجتمع المدني بمؤسساته الحديثة، والمجتمع الأهلي بمؤسساته التقليدية الموروثة، لا تعني أننا ندعو إلى استبدال حتمي للمؤسسات الموروثة بالمؤسسات الحديثة، أو أن نرفض الحديثة فقط لكونها موصوفة بهذه الصفة، وخاصة أن المؤسسات والصيغ التقليدية للعمل الأهلي، أو المدني، التي قامت على أساس فكرة “العصبية”، أو الانتماء إلى طائفة مهنية، أو حرفية، أو جهوية، هذه المؤسسات خضعت في معظم الحالات لتغيرات جوهرية في أدائها لوظائفها. فقد كانت تشكل في مجملها صورة للتوحد القائم على الولاء للأمة، والإيمان بعقيدتها، والالتزام بأهدافها الجماعية، أما في الوقت الحاضر، وفي ظل الدولة القطرية التي رسمت حدودها السياسات الاستعمارية أكثر مما رسمتها المصالح الوطنية أو القومية، فإن قيام تلك المؤسسات على أسس طائفية مهنية أو فئوية، أو حرفية قد يقودها إلى العمل في خدمة أغراض أخرى، تخدم التجزئة، والحروب الأهلية، والتفكك الاجتماعي، ولا تخدم بالضرورة مبدأ الوحدة، أو مبدأ الإصلاح الاجتماعي الشامل، وهو المبدأ الذي خدمته من قبل في سياق اجتماعي وسياسي مختلف.
5- ثمة اتجاهات متعددة للتعريف بالدلالات السياسية التي يشير إليها مفهوم المجتمع المدني. وهي تدور حول توصيف حالة المجتمع في علاقته بالدولة ومدى تمتعه بقدر من الاستقلالية النسبية تجاهها.
البعض يعرفه بأنه “مجال للحرية أو الاستقلال النسبي عن الدولة”. والبعض يعرفه بأنه “مجال يشتمل على كافة الظروف التي تكفل الحياة الاجتماعية الجيدة، ويكوِن الناس فيه شكلًا يتواصلون من خلاله، ويرتبطون ببعضهم”، وآخرون يقولون إنه “مجال للتفاعل الإيجابي ما بين الدولة من جهة والمجال العام بما يضمه من تنظيمات طوعية من جهة أخرى، والسوق بما يشمله من اتحادات وشركات خاصة من جهة ثالثة”[11].
ويرى فريق آخر أن للمجتمع المدني مفهومين: الأول يتصوره قطاعًا من المجتمع الأوسع، ويضع له خصائص أو مواصفات، مثل الاستقلال النسبي عن المجال الحكومي، وأنه غير هادف للربح، ويتمتع بوضع قانوني منظم، ويقوم على أساس طوعي..إلخ. والاتجاه الثاني يتصور مفهوم المجتمع المدني على أنه حالة للمجتمع الأوسع ذاته، وليس قطاعًا منه فقط، وأن صفة المدنية فيه تفترض حضور الفرد وقبوله الطوعي الحر للمشاركة في اتخاذ القرارات التي تتعلق بمستويات مختلفة من الحياة العامة انطلاقًا من قناعاته الذاتية، وليس من التزاماته القبلية أو الدينية[12]. وطبقًا لهذا التصور فإن المجتمع المدني يشير إلى منظومة من العلاقات التي تحكم الحركة الكلية للمجتمع وعلاقاته.
وأيًا كان الأمر؛ فقد بادر المجتمع المدني العربي إلى طرح رؤى إصلاحية تستهدف بلورة مطالب المجتمع وآماله في التغيير المنشود، بما في ذلك الإصلاح السياسي الذي يضمن حقوق الإنسان والمواطن في مجتمعاتنا العربية. وجاءت تلك المبادرات عبر عديد من المنظمات والهيئات على اختلاف مرجعياتها الإسلامية والعلمانية خلال العام الماضي 2004 كما أشرنا آنفًا، وكان منها مبادرتا الإسكندرية وبيروت.

ثانيًا- أولوية الإصلاح السياسي من منظور المجتمع المدني العربي

تعطي منظمات المجتمع المدني العربي -على اختلاف توجهاتها الفكرية والسياسية- الإصلاح السياسي الأسبقية الأولى على ما عداه من جوانب أخرى للإصلاح؛ بما في ذلك الإصلاح الاقتصادي، بينما تؤكد أغلبية الأنظمة الحاكمة على أن الأسبقية الأولى يجب أن تعطى للإصلاح الاقتصادي، ويذهب آخرون من أنصار المجتمع المدني إلى أن الأولوية الأولى يجب أن تعطى لما يسمونه الإصلاح الديني. وسنتابع هنا حجج القائلين بأولوية السياسي، والقائلين بأولوية الديني والأخلاقي؛ حيث إنهم في الحالتين يعبرون عن رؤى منسوبة إلى المجتمع المدني.

1- لماذا الإصلاح السياسي أولًا؟

إن مبادرات الإصلاح عامة، وتلك التي صدرت عن منظمات المجتمع المدني خاصة تتضمن مختلف الجوانب التي تحتاج إلى الإصلاح ابتداءً من الجانب السياسي مرورًا بالجوانب الاقتصادية والدينية والثقافية والتعليمية والقانونية والإدارية. وهذا هو ما نجده في وثيقتي الإسكندرية وبيروت محل اهتمامنا هنا.
ففي وثيقة الإسكندرية أتي الإصلاح السياسي في مقدمة مطالب الإصلاح، وعرفته الوثيقة بأنه: “جميع الخطوات المباشرة وغير المباشرة التي يقع عبء القيام بها على عاتق كل من الحكومات والمجتمع المدني ومؤسسات القطاع الخاص، وذلك للسير بالمجتمعات والدول العربية قدمًا، وفي غير إبطاء أو تردد، وبشكل ملموس، في طريق بناء نظم ديمقراطية”.
أما وثيقة بيروت؛ فقد أكدت على أن: “المدخل السليم للإصلاح إذا شاءت الحكومات العربية إنقاذ المنطقة من خطر الانهيار والتحلل والفقر وتفشي الفساد السياسي والأخلاقي والمالي والإرهاب والتطرف، أو خطر تهيئة شعوبها للاستعمار بطلب الإنقاذ من الخارج هو: إطلاق الحريات، وإعادة الاعتبار لمبادرات الداخل للإصلاح، والاعتذار لشهدائها وضحاياها، والشروع العملي بالإصلاح بدلًا من الحديث المناور عنه”[13].
وإذا كانت مشكلة الأولوية تطرح سؤال البداية؛ فإنها ترتبط في الوقت نفسه بالخلفية الفكرية لاختيارات أصحابها، باعتبار وجود جانب أصيل وأساسي في الإصلاح تعود إليه بقية الجوانب الأخرى، بالنظر إليها كجوانب اعتبارية؛ أي أن مسألة أولوية الإصلاح “تشبه الإشكالية الفلسفية الشهيرة في التمييز بين الوجود الأصيل، والماهية الاعتبارية، إنها تظهر أن الإصلاح الأول الذي نبدأ به هو الأصيل، بينما الإصلاحات الأخرى توابع له ولواحق”. ولا يعني هذا الأمر أن جوانب الإصلاح المتعددة منفصلة، أو غير متداخلة، بل هي في الواقع شديدة الاتصال والارتباط، ولكن السؤال من أين نبدأ يخضع لفهم كل فريق من الداعين للإصلاح.
ولكن هل أسبقية الإصلاح السياسي كما تتصوره منظمات المجتمع المدني العربي تلغي إمكانية أن تجري عملية الإصلاح على التوازي في مختلف الجوانب؟ إن مبادرات الإصلاح المتداولة -ومنها مبادرتا الإسكندرية وبيروت- تكشف عن وجود نزعة في هذا الاتجاه الترتيبي لا المتوازي. والأكثر من ذلك هو أن السجالات الفكرية حول الأولويات قد ذهبت إلى الاختيار الذي يغلب جانبًا محددًا على ما عداه. وتراوحت الأولويات بين البداية بالإصلاح السياسي، أو بالإصلاح الديني أو بالإصلاح الاقتصادي.
وبتدقيق النظر في حجج القائلين بأولوية الإصلاح السياسي يتضح أنهم ينطلقون من أن الفراغ السياسي الحاصل هو جوهر الأزمة التي تمر بها المجتمعات العربية، شعوبًا وحكومات، ومن ثم فإن المشكلة الأساسية هي عجز النظم الحاكمة عن إدارة مجتمعاتها وقيادتها نحو أهداف الحرية والرخاء والتنمية وتكافؤ الفرص واحترام حقوق الإنسان والشعور بالكرامة وضمان المكانة للدولة والمنطقة. وبسبب هذه الأنظمة انحدر السفه السياسي بهذه المنطقة إلى مدارك التخلف والضياع واليأس والإرهاب، بل تفاقمت هذه الآثار المؤلمة لفساد النظم الحاكمة وعجزها عن تقديم مبرر وجودها وانعدام أي أساس لشرعيتها، إلى الحد الذي أدي إلى تعرض الأوطان للمهانة والغزو. وتعلم هذه الأنظمة علم اليقين أنها هي المستهدفة بالإصلاح في المقام الأول، ولهذا تحاول الإفلات والهروب إلى الأمام بإثارة أولويات أخرى للإصلاح، وبخاصة في تحت دعوى محاربة الإرهاب، أو في الجانب الاقتصادي؛ الذي تجده ميدانا خصبًا لممارسة مزيد من أعمال الفساد والإلهاء وإضاعة الوقت.
وعلى عكس ما تذهب إليه النظم الحاكمة وما يؤكده منظروها، يرى أنصار المجتمع المدني العربي أن الإصلاح السياسي والدستوري على وجه الخصوص هو قاطرة عملية التغيير، وأن الإصلاح سيبقى مرتهنًا بقضية الديمقراطية، وأن الذين يحاولون التملص من هذه الحقيقة والمراوغة فيها إنما يهدرون وقتًا ثمينًا، وأن تجارب الأمم والشعوب تؤكد على أن الإصلاح ليس تحولًا تكنولوجيًا يقوده بعض التكنوقراط، ولكنه عملية سياسية. وإذا كان الأمر كذلك فإن القيادات الممسكة بمقاليد السلطة لابد أن يطالها الإصلاح، ولا بد أن تدفع القسط الأوفر من فاتورة هذا الإصلاح كجزء من مسار طويل.

2- لماذا الإصلاح الديني أولًا؟

ثمة أصوات أخرى تنتمي بشكل أو بآخر إلى المجتمع المدني العربي، وغير محسوبة على الأنظمة الحاكمة، تذهب إلى أن أولوية الإصلاح الأولى يجب أن تعطى للجانب الديني. وحجتهم في ذلك هي أن العقلية التقليدية الموجودة عند الناس لا تقبل أي إصلاح سياسي، قبل أن يتم إصلاح تصوراتها وأفكارها التي أسستها المعرفة الدينية، وأذاعها الخطاب الديني، الذي يحتاج هو الآخر إلى الإصلاح من جوانب متعددة[14]. ويضربون على ذلك بعض الأمثلة من أبواب الفقه الإسلامي ويرون أنها تحتاج إلى تغيير، ومنها مثلًا:-
أ- باب “سد الذرائع”. وهو باب، حسب المعنى السياسي، يعني حالة الطوارئ والأحكام العرفية.
ب- باب آخر هو باب “درء المفاسد خير من جلب المنافع”. ويرون أن هذا الباب حوَّلنا إلى جبناء وبلداء وكسالى، انحصرت علاقتُنا بالدولة والحياة إلى درء مفاسد دون جرِّ منافع، رغم أن قانون الوجود قائم على المفاسد والمنافع معًا، على الخير والشر معًا، ونفي أحدهما يعني نفي الآخر حتمًا. يقول تعالى: ]كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ[ (الأنبياء: 35).
ج- باب ثالث هو “كل قرض جرَّ منفعة فهو ربا”. تشددوا فيه بتعريف “المنفعة” وبالغوا بتوسيع حدود “الربا”، وقرنوه بقواعد أخرى في تبديل الذهب بالذهب والفضة بالفضة والقمح بالقمح، حتى صارت المعاملات في الأسواق التجارية بالغة الصعوبة والتعقيد.
د- باب رابع هو باب التساهل في رواية الأحاديث الضعيفة في مجال الترغيب والترهيب.
هـ- باب خامس خطير ومهم هو باب “الشورى”. قال تعالى آمرًا نبيَّه الكريم: ]وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ[ (آل عمران: 159)، ثم قرن الشورى مع الصلاة ليدل على أهميتها في قوله تعالى: ]وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ[ (الشورى: 38). ومع ذلك جعلوا الشورى للحاكم العادل الفقيه معلمة غير ملزمة؛ أي أنهم حوَّلوه إلى ديكتاتور، ليس في الشرع ما يُلزِمه بآراء الآخرين.
و- باب آخر هو باب “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، وهو ما نعرفه اليوم باسم محاربة الفساد. هذه المهمة الخطيرة وضعوها بيد الحاكم وأسندوها إلى الدولة، في الوقت الذي يعلم الجميع أن الدولة، بما لديها من أموال وجيش وأمن وشرطة وسلطة، هي الأحوج من غيرها لأن تؤمَر بالمعروف وتُنهى عن المنكر.
ويخلص أنصار هذا الرأي إلى أنه لا حاجة إلى إصلاح سياسي، ولا إلى مؤسَّسات مجتمع مدني. فمجالس الشعب ودور الإفتاء والنقابات والاتحادات والمنتديات والصحف موجودة. ويؤكدون على أننا “بحاجة، أولًا، إلى إصلاح فكري وديني وثقافي، وإلى خلق الإبداع الفقهي المتجدد، لتفعيل ما عندنا من مؤسَّسات موجودة”.
صحيح أن مبادرات المجتمع المدني للإصلاح لم تغفل عن أهمية إصلاح الخطاب الديني، ولكنها أكدت دومًا على أن الإطار العام لكافة جوانب الإصلاح هو الإطار السياسي وفقًا لبرنامج إجرائي يجب الالتزام به. أما الرأي القائل بأولوية الإصلاح الديني فلم يحظ بقبول واسع حتى الآن على الأقل؛ حتى من جانب منظمات وجماعات ذات خلفية إسلامية، وتعمل في ميدان المجتمع المدني منذ عقود طويلة.
3- غياب الإصلاح الأخلاقي: إصلاح سياسي بلا مضمون أخلاقي
فيما عدا إشارات عامة إلى أهمية إصلاح الخطاب الديني، لم تحفل وثيقتا الإسكندرية وبيروت بالجانب الأخلاقي في الإصلاح المنشود، وبخاصة في أبعاده المرتبطة بالإصلاح السياسي موضوع اهتمامنا في هذا البحث، بل إن الخط الأساسي في الوثيقتين هو تهميش كل ما له صلة بمصادر التكوين الروحي والأخلاقي والقيمي والديني للمجتمع العربي على وجه التحديد. وفي تصورنا أن إسقاط هذا الجانب من مبادرات المجتمع المدني بصفة عامة، ومن تلك المتعلقة بالإصلاح السياسي بصفة خاصة، يعتبر أحد أهم مواضع الخلل في هذه المبادرات، وحجتنا في ذلك هي أن أحد النقاط التي تحظى بشبه اتفاق بين المشاركين في المناقشات النظرية المتعمقة بخصوص مفهوم المجتمع المدني عالميًا ومحليًا هي تعددية أبعاده وشمولها للبعد الديني أو الروحي والأخلاقي كأحد المصادر المكونة له على المستوى المعرفي، باعتبار أن القدرات البشرية الأساسية الثلاث (العقل، والمصلحة، والعاطفة) تستوجب ترجمة عملية لها في الواقع الاجتماعي حتى يمكن تفعيلها في هذا الواقع، وتأتي الدولة لتعبر عن منطق العقل، والقطاع الخاص عن المصلحة، أما المجتمع المدني فيأتي للتعبير عن الجانب الروحي والعاطفي وما يضمن التماسك بين مكونات المجتمع والمحافظة على هويته[15].
وما كان ينبغي أن تغفل المبادرتان عن هذا الجانب الحيوي في سياق مجتمعنا العربي، وخاصة بعد أن وصل الجدل الفكري حول الإصلاح إلى مرحلة لم نعد فيها بحاجة إلى مزيد من الحديث عن ثلاثة أمور أساسية هي:
1- لسنا في حاجة لمزيد من توصيف علل الواقع وتشريح مشكلاته وتشخيص أمراضه، ناهيك عن الشكوى من هذا الواقع؛ فجمهور الناس، وليست النخبة فقط يعرفون علل مجتمعهم -كما يعرف الأعرابي علة جمله- ويرددونها، ولا يملون من تكرارها حتى حفظها الجميع. ولا يكاد أحد يختلف حول أن مجتمعنا المصري -والعربي عامة- يعاني من ثلاث علل كبرى مترابطة ومتزامنة هي: الاستبداد السياسي، والفساد الفردي والهيكلي، والتحلل الاجتماعي.
2- لسنا في حاجة لمزيد من تزكية المدخل السياسي للإصلاح، وإن كنا في أمس حاجة إلى وضع حزمة الإجراءات العملية التي تترجمه على أرض الواقع (إطلاق الحريات، إلغاء القوانين والمحاكم الاستثنائية، صيانة حقوق الإنسان، وإقرار التعددية السياسية، وتداول السلطة…)، ووضع برامج تفصيلية ذات طابع إجرائي عملي لكيفية تنفيذ هذا الإصلاح السياسي. كذلك لسنا في حاجة إلى الإلحاح كثيرًا على منهجية التغيير من أعلى، أو ما يسمى في أدبيات التغيير الاجتماعي “بالإصلاح الصريح” الذي يأتي دومًا بقرارات أو بقوانين تصدرها السلطة وتعهد بتنفيذها إلى الجهاز البيروقراطي للدولة.
3- لسنا في حاجة كذلك إلى التأكيد كثيرًا على أن الدعوة للإصلاح لها تاريخ طويل في بلادنا، وأن من العبث ربطها بالمبادرات التي تقتحمنا من الخارج، كما أن تأريخها بالتوقيت الذي طرحت فيه المبادرات الخارجية هو العبث ذاته. وإذا اقتصرنا فقط على التاريخ الحديث فسنجد أن أفكار الإصلاح، وحركات الإصلاح، وسياسات الإصلاح يكاد يبلغ عمرها قرنين من الزمان، وإن كانت لم تبلغ من مقاصدها وأهدافها إلا القليل بفعل عوامل داخلية وأخرى خارجية؛ باتت هي الأخرى معلومة بالقدر الذي يدعونا إلى الانتقال مباشرة إلى أن نخطو خطوات جادة إلى الأمام من أجل تعزيز عملية الإصلاح وتفعيلها في الواقع.
لقد حظيت مختلف مداخل الإصلاح السياسي والاقتصادي والقانوني بما تستحقه من الاهتمام النظري والفكري، ولم تغب مداخل الإصلاح الثقافي والاجتماعي عن أجندة الفكر الإصلاحي أيضًا وإن لم تنل القدر الكافي من الجدل والحوار بين التيارات الفكرية الأساسية؛ ربما تحاشيًا لما يولده الجدل في مثل هذه الموضوعات من توسيع شقة الخلاف فيما بين المتحاورين؛ كل حسب المرجعية التي يؤمن بها وينطلق منها ويحتكم إليها. وهذا هو بالضبط ما يستحق مزيدًا من البحث والتفكير من أجل التوصل إلى تحقيق توافق وطني عام بشأن القضايا التي يثيرها.
ولكن ثمة بعدًا يكاد أن يكون غائبًا غيابًا تامًا عن أطروحات الإصلاح وبرامجه ومنها وثيقتا الإسكندرية وبيروت، وهو المدخل الأخلاقي. لقد قدمت “وثيقة الإسكندرية” تصورًا ثريًا للمناقشة حول مختلف جوانب الإصلاح ومداخله وكيفية تطبيقه، وكذلك فعلت وثيقة المنتدى المدني الأول في بيروت، ولكن أيًا من الوثيقتين لم تأت من قريب أو من بعيد على ذكر حالة التدهور الأخلاقي -بمعناه الواسع الذي سنبينه- ولم تلحظ الصلة القوية بين هذا الجانب وغيره من جوانب العملية الإصلاحية، باعتبار أن الإصلاح الأخلاقي شرط ضروري ولازم لإدراك النجاح في عملية الإصلاح ذاتها في أي بعد من أبعادها. كذلك لم تلحظ المبادرات الخارجية هذا البعد، وهو أمر متوقع على أية حال. وهذا بالتحديد هو ما أود لفت النظر إليه وإعطاءه الأهمية التي يستحقها والأولوية التي تكافئ تلك الأهمية على كافة المستويات النظرية والتطبيقية. وسأبدأ أولًا بتوضيح المقصود بالإصلاح الأخلاقي في السياق العام للعملية الإصلاحية، ثم أبين ثانيًا أهم آليات تحقيقه وضرورات ارتباطه بغيره من مداخل الإصلاح؛ سواء كانت تربوية أو ثقافية أو سياسية، أو اقتصادية، أو تشريعية.

أ- مفهوم الإصلاح الأخلاقي

ثمة معنى ضيق للإصلاح الأخلاقي يقصره –عادة- على كيفية تقويم السلوك الفردي حتى ينضبط وفقًا لمنظومات من القيم والمعايير المستمدة من ثوابت المجتمع ومرجعيته العليا التي يؤمن بها. وثمة معنى واسع لهذا الإصلاح يقوم على أسا س إحياء وتفعيل منظومة القيم والمبادئ الإسلامية التي تحض على مكارم الأخلاق وفضائل الأعمال[16]. والإصلاح بهذا المعنى الأخير يمتد إلى البحث في كيفية إعادة التوازن والفاعلية إلى منظومات القيم والمعايير الفردية والجماعية السائدة في المجتمع. الإصلاح الأخلاقي بهذا المعنى يفترض وجود خلل جسيم في تلك المنظومات على مستوى غالبية الأفراد والأسر والجماعات والتكوينات الاجتماعية والمهنية والسياسية والثقافية. ويفترض كذلك أن القدرات المهنية والمهارات الحياتية والآداب المدنية السائدة هي في أدنى درجات فعاليتها، وأبعد ما تكون عن احترام التوجهات المعيارية الكبرى التي يجب احترامها في كل جانب من جوانب الحياة الخاصة والعامة في المجتمع. وهذا هو بالضبط ما نلمسه جميعًا، وتزيد الشكوى منه يومًا بعد يوم.
الإصلاح الأخلاقي بهذا المعنى الواسع يعنى بتقييم وتقويم السلوك الإنساني من منظور صواب الأفعال أو خطئها، جوازها أو عدم جوازها، وهل هي خيرة طيبة أم شريرة وفاسدة، ويعتمد أول ما يعتمد على قوة الوازع الداخلي إلى جانب المناخ الملائم والقانون العادل والمؤسسات الفاعلية…إلخ. ويدعونا الإصلاح الأخلاقي أيضًا للاهتمام بكيفية معالجة أسباب ومظاهر الخلل القيمي والمعياري على مستوى السلوكيات والآداب المدنية والأخلاقيات العملية والمهنية والطبائع الإنسانية، وهو ما يبدو فيما يمكن تسميته “التحلل الاجتماعي” على تلك المستويات كلها. وبهذا المعنى يكون الإصلاح الأخلاقي بمثابة القاعدة الصلبة التي يرتكز عليها الإصلاح السياسي بوجه خاص، والإصلاح الاجتماعي والاقتصادي بوجه عام.

ب- التحلل الاجتماعي والإصلاح الأخلاقي

“الإصلاح الأخلاقي” إذن هو المقابل المنطقي “للتحلل الاجتماعي” الذي تتجلى مظاهره في الجوانب السياسة والاقتصادية والقانونية والتربوية والثقافية. وفي ظل “التحلل الاجتماعي” تكون تصرفات وسلوكيات وحتى تطلعات مجموعات كبيرة من الأفراد والجماعات والتكوينات المهنية محكومة بمنظومات من القيم والمعايير السلبية -المعلنة وغير المعلنة- التي تتشكل من مفردات وسلوكيات سلبية شائعة في أغلب بلادنا العربية، وتعرقل كافة محاولات الإصلاح السياسي وغير السياسي، ومن أهمها:
– النفاق والكذب وإخلاف الوعد.
– الرشوة والمحسوبية والاختلاس والنصب.
– التسيب والإهمال واللامبالاة.
– ضعف الميول نحو المشاركة والمبادرة والاهتمام بالشأن العام.
– غلبة النزعة المادية والاستهلاك الترفي.
– زيادة معدلات الجريمة والعنف.
– ضمور معنى المصلحة العامة.
– انخفاض قدرات البشر -وأحيانًا رغباتهم- على العمل المنتج النافع.
– اختلال ميزان العدالة (في توزيع الدخل- في تطبيق القانون- في توفير فرص العمل- …).
– انحراف الفنون والآداب عن مقاصدها النبيلة إلى التركيز على غرائز الجنس واللذة والتفكير الخرافي… .
إن قائمة مؤشرات التحلل الاجتماعي طويلة ومعروفة في أغلبها، ويمكن التعبير عنها بكلمة واحدة مثقلة بالمعاني السلبية وهي “الفساد” أو “الإفساد” ـ الذي هو بالمناسبة عكس” الصلاح”أو “الإصلاح” ـ وما نود التأكيد عليه هنا هو أنها تمثل قاسمًا مشتركًا أعظم بين مختلف الجوانب التي تتجه إليها جهود الإصلاح، ولا تكاد تغيب عن جانب واحد منها، الأمر الذي يعني أنها واقعة أيضًا في صميم أي عملية إصلاحية مبتغاة، وأن الإصلاح الأخلاقي يجب أن ينظر إليه لا باعتباره ” دعوة إلى مكارم الأخلاق ” فحسب ـ وهذا بحد ذاته ليس بالقليل ـ وإنما باعتباره قاسمًا مشتركًا أعظم بين مختلف مداخل العملية الإصلاحية، وشرطًا ضروريًا ولازمًا لنجاحها في الواقع. ولو افترضنا جدلًا أننا أفلحنا في إنجاز الإصلاح السياسي والاقتصادي والتشريعي على النحو الذي تطالب القوى والتيارات الوطنية والإسلامية المطالبة بالإصلاح في بلدنا، مع بقاء الأوضاع على ما هي عليه في الجوانب الأخلاقية السائدة، فإن إمكانية تفعيل برامج الإصلاح في تلك الجوانب ونجاحها في الواقع قليلة، وستكون فرصتها في تحقيق مقاصدها محدودة.
ماذا سيحدث مثلًا لو استجابت السلطة لمطالب الإصلاح السياسي في إطار الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني ـ كما يطمح واضعو وثيقة الإسكندرية ـ من الإصلاح الدستوري والتشريعي، وإطلاق حريات التعبير وتكوين الأحزاب والجمعيات…إلخ، ولكن بقي الكذب والنفاق، واستمرت الأثرة والأنانية، وظلت الرشوة والمحسوبية هي التي تشكل ” قوانين” السلوك الفعلي على أرض الواقع؟ ترى هل سيكون للإصلاح السياسي أي معنى على فرض إقراره في القوانين واللوائح والنظم والمؤسسات؟ وقل مثل ذلك في شأن بقية جوانب أو مداخل العملية الإصلاحية المنشودة.
ولكن ثمة أسئلة مهمة يمكن أن تثار بصدد عملية الإصلاح الأخلاقي وارتباطها بمداخل الإصلاح الأخرى، فمثلًا: من أين تبدأ عملية الإصلاح الأخلاقي؟ ووفقًا لأية مرجعية معرفية؟ وهل الفساد الأخلاقي هو سبب التحلل الاجتماعي فنعطي الأولوية الأولى لعمليات التنشئة والتربية؟ أم أن التحلل الاجتماعي بالمعنى الذي أوردناه هو السبب في البعد عن الأخلاقيات الصالحة، وفي هذه الحالة علينا أن نعطي الأولوية الأولى للارتقاء بمستويات الأداء والالتزام المهني والمدني؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مزيجًا من هذين التصورين معًا وإن بنسب متباينة من مكان لآخر ومن زمن لزمن؟
إن مثل هذه التساؤلات تحتاج إلى كثير من الحوار والمناقشة حتى يمكن التوصل إلى توافق فكري حول الإجابات المتصورة بشأنها، وهو ما لا يتسع له المجال هنا. وما نود التأكيد عليه مجددًا هو أن إدماج الإصلاح الأخلاقي في مختلف المداخل الإصلاحية السياسية والاقتصادية والتشريعية والثقافية والاجتماعية، أمر ضروري ولازم، وبدونه ستظل كافة التصورات والأفكار الإصلاحية لتلك المداخل مفتقرة لواحدة من أهم ضمانات النجاح والفاعلية التطبيقية وهي ضمانة الوازع الذاتي واحترام التوجهات المعيارية والأخلاقية الكبرى التي تحفظ تماسك المجتمع وتشكل المناخ الملائم لتطوره.
ومهما كانت صعوبة عملية إدماج الأخلاق في مداخل الإصلاح المختلفة عامة، وفي الإصلاح السياسي خاصة؛ لكون السياسة في تعريفها الوضعي وممارساتها العملية لا تعرف الأخلاق إلا قليلًا، رغم ذلك فإن عملية الإدماج هذه تستحق ما سيبذل فيها من الجهد والوقت طالما أنها ـ كما قلنا ـ شرط ضروري ولازم لنجاح الإصلاح وإدراك مقاصده.
ج ـ مداخل الإصلاح الأخلاقي
ما الذي يمكن عمله حتى نعزز عملية الإصلاح السياسي في بلادنا؟ لم تطرح مبادرات المجتمع المدني هذا السؤال من الجانب الأخلاقي أو الديني[17]. وأعتقد أن هذا هو السؤال الأكثر أهمية من بين الأسئلة التي تثار عادة في أي حديث عن الإصلاح. بل يمكن أن نغامر بالقول أن العمل في الإصلاح الأخلاقي أيسر من الحديث النظري عنه بخلاف الحال مع أغلبية المداخل الإصلاحية؛ وقد يرجع ذلك إلى أن مبحث “الأخلاق” محل إجماع أو توافق فكري كبير بين مختلف التوجهات الفكرية، وهو مطلب الجميع ـ أو هكذا يفترض ـ سواء كانوا من أهل السلطة أو من أهل المعارضة. كما أن مسئولية القيام به تقع على عاتق الجميع من الأفراد والمؤسسات الأهلية والحكومية وتشمل مختلف المستويات من قمة المجتمع وأعلى هرم السلطة والمسئولية إلى القاعدة العريضة من جمهور المواطنين.
وفيما يلي بعض الأفكار حول بعض المداخل المقترحة لتفعيل الإصلاح الأخلاقي وربطه في الوقت نفسه بمداخل الإصلاح الأخرى:
§ المدخل التربوي التعليمي
يرتكز هذا المدخل على الدور الكبير الذي تقوم به مؤسسات التربية والتعليم في بناء العقليات وتوجيه السلوك الفردي والجماعي. ومن خلال هذه المؤسسات يمكن أن نغرس في عقول الناشئة والأجيال الجديدة منظومة القيم والمبادئ والمعايير التي تحقق الإصلاح الأخلاقي المرغوب. وإذا كانت البرامج التربوية ـ في وضعها الحالي ـ تفتقر إلى المضمون الأخلاقي المرغوب؛ فمن الضروري تطوير المناهج الدراسية والأنشطة الترفيهية والتربوية الصفية واللاصفية في هذا الاتجاه الذي يؤكد على القيم والمعايير الإيجابية، ويرفع من شأنها فرديًا ومؤسسيًا. وتقع مسئوليات إنجاز هذه المهمة التطويرية في مناهج التربية والتعليم على الهيئات والمراكز التربوية والتعليمية الحكومية، كما تقع أيضًا على المفكرين ودعاة الإصلاح وصانعي الرأي وقادة المجتمع المدني.
§ المدخل الثقافي الإعلامي
نظرًا لضعف الخطاب الثقافي الذي تبثه وسائل الإعلام فيما يتعلق بالمضامين الأخلاقية الإصلاحية بالمعنى السابق شرحه؛ فإن المطلوب وفقًا لهذا المدخل هو صياغة ونشر خطاب ثقافي إعلامي يركز على تلك المعاني الغائبة، ويهدف إلى بناء صورة ذهنية صحيحة وواقعية عن القيم والمعايير الأخلاقية الواجب احترامها والالتزام بها. ولتيسير مهمة وسائل الإعلام في أداء مهمتها في هذا المجال يجب أن تخصص أكبر مما هي عليه الآن للبرامج التثقيفية المدروسة حول تلك القيم ومنظوماتها المعيارية، وما تقوم به من أدوار في خدمة مختلف الجوانب الإصلاحية الأخرى: السياسية والاقتصادية والقانونية، مع التركيز على تغيير الصورة الذهنية النمطية الشائعة عن القيم السلبية المنحرفة عن الأصول والثوابت المجتمعية والدينية.
§ إصلاح الخطاب الديني
يحتاج الخطاب الديني السائد في أغلبية البلدان العربية والإسلامية أكثر من أي وقت مضى إلى إصلاح أساليبه، وتجديد مضامينه وتنحية المفاهيم السليبة واللغة الاعتذارية والمعاني الانعزالية التي يحتويها[18]؛ وذلك بهدف استيعاب متغيرات الواقع، وتفعيل دور الخطاب الديني في مواجهة المشكلات التي يعاني منها المجتمع، وبخاصة فئة الشباب، كما أن هذا التجديد يجب أن ينعكس بشكل إيجابي على مختلف قضايا المجتمع العربي والإسلامي المعاصر. وهذه الدعوة لتجديد الخطاب الديني ليست جديدة ولا مرتبطة برد فعل على ضغوط من الخارج، ولكنها دعوة قديمة ومتأصلة تبناها المصلحون والمفكرون الإسلاميون قديما وحديثًا؛ لأنه واجب ديني ووطني لإدراك الواقع والتفاعل معه وتطويره بما يخدم مصالح الأمة ويدفعها على طريق التقدم والرقي.

ثالثًا- رؤية المجتمع المدني لأهداف الإصلاح السياسي ووسائل تحقيقه

تكشف وثيقة الإسكندرية ووثيقة بيروت عن أن رؤية المجتمع المدني العربي في الإصلاح السياسي هي ذاتها الرؤية التي دعت إليها قوى المعارضة السياسية لأنظمة الحكم العربية على مدى العقود المنصرمة. كما تكشف الوثيقتان عن أن أهداف الإصلاح السياسي ووسائله تمثل قاسمًا مشتركًا بين مختلف تيارات الفكر السياسي وجماعاته القائمة على الساحة منذ ما يقرب من نصف قرن من الزمان على الأقل. ولكن الذي نلاحظه هو أن غلبة الخلفية العلمانية على واضعي الوثيقتين قد جعلت الصياغات المطالبة بالإصلاح السياسي ذات طابع متحيز بصدد ضرورة إقصاء الأفكار والممارسات السلبية، فتحدثت عن هذا الإقصاء في جانب، وغفلت أو سكتت عنه في جانب آخر، وجاء هذا التحيز صريحًا حينًا ومضمرًا أحيانًا أخرى على ما سنرى فيما يلي:
1ـ برنامج وثيقة الإسكندرية للإصلاح السياسي
أكدت الوثيقة على أن ما تضمنته بخصوص الإصلاح السياسي يجب أن يتحول إلى خطوات ملموسة، في إطار من الشراكة بين الحكومات والمجتمع المدني، دون أن ترسم الوثيقة كيفية وضع هذه الشراكة موضع التطبيق. أما أهداف الإصلاح السياسي فهي الآتي:
أ ـ الإصلاح الدستوري والتشريعي، بما أن الدستور هو أساس قوانين الدولة، فلا يجوز أن تتناقض مواده مع نموذج النظام السياسي الذي ينشده المجتمع، وأن تتوافق مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ويعني ذلك أن تعكس نصوص الدستور المتغيرات والتطورات التي وقعت بالفعل، الأمر الذي يفرض ضرورة تصحيح الأوضاع الدستورية في البلاد العربية بتعديل المواد التي تتعارض مع المتطلبات الديمقراطية الحقيقية، أو وضع دساتير عصرية لتلك الدول التي لم تشهد هذه المرحلة بعد، مع إزالة الفجوة بين نصوص الدساتير وأهداف المجتمع في التطور الديمقراطي وذلك بما يضمن:
§ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية فصلًا واضحًا وصريحًا.
§ تجديد أشكال الحكم بما يضمن تداول السلطة بالطرق السلمية دوريًا، وطبقًا لظروف كل بلد، فالدولة الحديثة دولة مؤسسات ونصوص، وليست دولة نيات حسنة.ومن الواضح هنا أن واضعي الوثيقة لم يبتعدوا عن ممالأة السلطات الحاكمة، حيث تجنبوا وصف الدولة بأنها مشخصنة، ومحتكرة، وخاصة أنه لا دلائل على وجود نيات حسنة ملموسة يمكن ملاحظتها لدى أغلبية الأنظمة.
§ إقامة انتخابات دورية حرة تصون الممارسة الديمقراطية، وتضمن عدم احتكار السلطة، وتضع سقفًا زمنيًا لتولي الحكم.
§ إلغاء مبدأ الحبس أو الاعتقال بسبب الرأي في كل الأقطار العربية، وإطلاق سراح سجناء الرأي الذين لم يقدموا إلى المحاكمة أو تصدر ضدهم أحكام قضائية.ورغم أهمية ما نصت عليه الوثيقة إلا إنها لم تذكر شيئًا عن سجناء الرأي الذين صدرت ضدهم أحكام جائرة، ولا عن الدول التي يوجد فيها قوانين تحكم بالإعدام على من ينتمي مجرد انتماء إلى جماعة أو تيار فكري لا ترضى عنه السلطة الحاكمة.
ب ـ إصلاح المؤسسات والهياكل السياسية. ولما كان النظام الديمقراطي يرتبط بوجود مؤسسات قوية، تتمثل في الفروع الثلاثة المعروفة من تنفيذية وتشريعية وقضائية، فضلًا عن الصحافة والإعلام ثم مؤسسات المجتمع المدني، فلابد من مراجعة هذه المؤسسات لضمان أدائها الديمقراطي السليم. ج ـ ومن هنا فإن ممثلي المجتمع المدني والعمل الأهلي في هذا المؤتمر يؤكدون ضرورة إلغاء قوانين الطوارئ المعمول بها في بعض البلدان العربية، وإلغاء المحاكم الاستثنائية أيًا كانت أشكالها ومسمياتها، لأنها تنتقص من ديمقراطية النظام السياسي، وتكفي القوانين العادية لمواجهة كل الجرائم دون حاجة إلى قوانين استثنائية، فذلك مطلب أساسي للإصلاح التشريعي الديمقراطي، ولا ينفصل عن ذلك مراعاة الخروج بإطار تشريعي فعال لضمان التعامل مع الإرهاب، وبلورة ضمانات تكفل عدم الاعتداء على الحريات العامة والحقوق السياسية.
د ـ إطلاق حريات تشكيل الأحزاب السياسية في إطار الدستور والقانون، بما يضمن لجميع التيارات الفكرية والقوى السياسية المدنية. ومثل هذا التوجه يتضمن إقصاءً لكل ما تعتبره الوثيقة “دينيًا” وهي تتفق في ذلك مع المواقف التي تتخذها سلطات الحكم.
هـ ـ تصديق جميع الدول التي لم تصدق على منظومة المواثيق الدولية والعربية.
و ـ تحرير الصحافة ووسائل الإعلام من التأثيرات والهيمنة الحكومية، ذلك لأن هذا التحرير دعامة قوية من دعائم النظام الديمقراطي، والتجسيد الواضح لحرية التعبير، والدعامة القوية للشفافية، ويكون ذلك بتطوير أساليب الإعلام والتحرير في القوانين المنظمة لإصدار الصحف وإنشاء الإذاعات والقنوات التلفزيونية، كي تعتمد على الاستقلال في الملكية والإدارة، والشفافية في التمويل، وتحقيق قدرة الإعلاميين على تنظيم مهنتهم وممارستها دون تدخل السلطة.
ز ـ إطلاق حرية تشكيل مؤسسات المجتمع المدني، وذلك بتعديل القوانين المقيدة لحرية تكوين الجمعيات والنقابات والاتحادات التطوعية، مهما كان طابعها السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الاقتصادي، لضمان حريتها في التمويل والحركة. مرة أخرى نلاحظ الإصرار على إقصاء كل ما هون إسلامي (بزعم إنه كهنوتي) رغم إن التجربة الأوربية والأمريكية مليئة بالجمعيات الدينية، وهكذا يتضح هنا أن ممثلي المجتمع المدني المشاركين في وضع الوثيقة يضمرون الروح الإقصائية، ويفصلون إصلاحًا على مقاس فكرهم فقط.
ح ـ تشجيع قياسات الرأي العام وتحريرها من العوائق بوصفها إحدى وسائل الديمقراطية الأساسية، والعمل على تأسيس الهيئات والمراكز البحثية لاستطلاع الرأي العام العربي بصورة دورية في جميع القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية.وقضية استطلاعات الرأي العام في العالم العربي من القضايا المهملة، وفي إهمالها دليل على تعثر محاولات التحول الديمقراطي، أما في المجتمعات الديمقراطية فيعتبر الرأي العام مؤشرًا على مشاركة المواطنين في صنع السياسات العامة، وتذكر الإحصاءات أن معهد جالوب قد أجرى 125 ألف استطلاع في الستين سنة الماضية منذ تأسيسه،بمتوسط 21.000في السنة،و 1.700 في الشهر، 56 في اليوم الواحد، أما في كل العالم العربي لا تتجاوز الاستطلاعات المزورة أصابع اليدين.

2ـ برنامج وثيقة بيروت للإصلاح السياسي
تضمنت الوثيقة إشارة واضحة إلى أن المنتدى المدني الأول ـ الذي أصدرها ـ قد حرص على أن يعقد اجتماعه قبل انعقاد مؤتمر القمة العربية في تونس (29 ـ30 مارس 204) ( ولاحظنا أنه لم تمثل في الاجتماع كل التيارات ) وذلك بهدف وضع حصيلة المناقشات التي دارت لصياغة رؤية شعوب المنطقة لمطالب الإصلاح السياسي والدستوري التي يستحيل دونها إقرار أو احترام وتعزيز حقوق الإنسان، وهي أحد أهم بنود جدول أعمال القمة العربية.
وتقرر الوثيقة أن قضية الإصلاح السياسي والدستوري وإقرار وتعزيز واحترام حقوق الإنسان أكبر وأعقد من أن تتصدى لها الحكومات وحدها، ولذلك فقد آن الأوان لقيام شراكة حقيقة بين منظمات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية في كل بلد عربي وبين حكومته تتناول هذا الملف، وتنطلق من نية صادقة لتحقيق هذا الإصلاح، بعيدًا عن الرغبة في التسويف، أو المناورة لاحتواء الضغوط الخارجية، كما تقرر أن الضغوط الداخلية قبل الخارجية تفرض ضرورة التسريع بخطوات الإصلاح حتى تتوقى المجتمعات العربية مخاطر الهزات والقلاقل وأشكال الفوضى، التي يمكن أن تترتب على استمرار الوضع الراهن، مما يهدد استقلالها واستقرارها ويعرضها لمزيد من التدخلات الأجنبية في شئونها.
ومع تسليمنا بأن الظروف الخاصة لبعض البلدان العربية قد تفرض تدرجًا في خطوات الإصلاح، فمن الضروري أن يتم ذلك في إطار برنامج زمني معلن، وفي سياق خطة محددة الأهداف تنتهي بإصلاح سياسي ودستوري جذري وتأكيد حقوق الإنسان طبقًا للأسس الواردة في هذه الرسالة وللتفاصيل الواردة في البيان المرفق ” الاستقلال الثاني: نحو مبادرة للإصلاح السياسي في الدول العربية”.
وبينما نجد أن وثيقة الإسكندرية غير موجهة إلى أحد بعينه وآثرت استخدام الصيغة العامة التي يصعب تعيين فاعلين اجتماعيين وسياسيين لحمل الأعباء التي تضمنتها هذه الوثيقة، ويمكن متابعتهم ومحاسبتهم بقدر كبير أو معقول من الموضوعية والدقة تضمنت الرسالة إلى القادة العرب، نجد أن وثيقة بيروت توجهت بشكل محدد إلى القادة العربي، وقررت الآتي:
أ ـ حق كل شعوب دول الجامعة العربية في التمتع بأنظمة حكم تمثيلية مدنية، تصوغها دساتير تقوم على قاعدة أن السيادة للشعب، وأنه مصدر كل السلطات، وعلى الفصل بين السلطات واستقلال كل منها، وعلى مبدأ سيادة القانون الذي يحترم مواثيق حقوق الإنسان، وتقر بحق الشعوب في أن تشرع لنفسها وبنفسها ما يوافق زمانها، وتضمن كل حقوق المواطنة وتحتفظ لكل مواطن أيًا كان جنسه أو انتماؤه القومي أو الديني أو السياسي، بالحق في تقلد الوظائف العامة والسياسية في بلده.
ب ـ أن تصون هذه الدساتير الحق في التعددية الفكرية والسياسية والحق في تشكيل الأحزاب والجمعيات، ويحظر تشكيل الأحزاب والجمعيات التي تحرض على العنف أو تمارسه. ويبدو لنا أن هذه صيغة أقل ديمقراطية من صيغة أخرى كان يمكن أن تكون أكثر ديمقراطية إذا تم النص على حل أي أحزاب تحض أو تمارس العنف، بدلا من المنع من المنبع كما تفعل النظم الحاكمة بالفعل.
ج ـ أن تنص هذه الدساتير على حياد السلطة العامة تجاه أتباع الديانات المختلفة والمذاهب المتعددة داخل الدين الواحد، وتضمن حق الجميع في المعتقد الديني، وفي أداء شعائرهم الدينية. وهنا نلاحظ عمق النزعة الإقصائية في تحديد معنى للدين علمانيا ً ثم يترك حرية التدين، دون أن يأخذ معنى الدين كما تتصوره التيارات الإسلامية ذاتها مثلًا، ودون إعطاء تصوراتها أي اعتبار، وهذه نزعة وصائية وليست إقصائية فقط.
د ـ أن تقوم هذه الدساتير على قاعدة ألا سلطة بلا مسئولية أمام ممثلي الشعب، وأن تضع آليات لتداول السلطة السياسية ومددًا زمنية لشغل المواقع الرئيسية في قمة هرم هذه السلطة.
هـ ـ ضمان الحقوق والحريات العامة، ومن بينها حقوق الاعتقاد والاجتماع والتظاهر والإضراب وحرية الصحافة والنشر والتعبير والبحث العلمي، وتدفق المعلومات.
و ـ احترام حقوق الجماعات القومية والدينية والثقافية واللغوية في البلاد العربية في المساواة والكرامة وفي التمتع بكافة حقوق المواطنة.
ز ـ الإقرار بحقوق النساء في الكرامة وفي الأهلية وفي المساواة الكاملة بين الجنسين.
ثم تحدد الوثيقة مجموعة إجراءات لتهيئة الأوضاع لإحياء وتجديد وتنفيذ المشروع الوطني للإصلاح السياسي والدستوري وتعزيز حقوق الإنسان، وذلك في الآتي:
اـ إلغاء الأحكام العرفية ووقف العمل بالقوانين الاستثنائية، وإلغاء المحاكم الاستثنائية أو الخاصة، وإنهاء ممارسة التعذيب والإعدام التعسفي خارج إطار القانون، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي، وضمان استقلال القضاء، وتطبيق معايير المحاكمة العادلة، واتخاذ خطوات حاسمة للإصلاح الإداري والمالي العام، وتعزيز آليات الشفافية والمحاسبة. ونلاحظ هنا غياب أية إشارة إلى الإصلاح الأخلاقي، وقد أفردنا له فقرة خاصة سابقًا في هذا البحث.
2ـ إنشاء آليات وطنية لحماية حقوق الإنسان، وإعطاؤها سلطة حقيقة في ممارسة دورها، وحماية المدافيعن عن حقوق الإنسان، وضمان حقهم في الحصول على المعلومات وعقد الاجتماعات والاتصال بكافة الأطراف المعنية.
3ـ إلزام المؤسسات الدينية حدود سلطتها، وعدم السماح لها بممارسة الرقابة على النشاط السياسي والفكري والأدبي والفني. ونلاحظ هنا إغفال الوثيقة أية إشارة إلى ضرورة إلزام تلك النشاطات بالآداب العامة والنظام العام على نحو ما نجده في كثير من النماذج في التجارب المتطورة في هذا المجال.
4 ـ رفع الرقابة عن كافة وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، وإطلاق حرية إصدار الصحف وتملك وسائل الإعلام وتداول ونشر المعلومات، ورفع القيود عن حرية الاجتماع، واحترام حرية واستقلالية الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني لإتاحة الفرصة لكل القوى للمشاركة في الحوار حول القضايا الإصلاح السياسي.
5ـ التوقيع والتصديق على الإعلانات والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وإعادة النظر في التحفظات التي أبدتها بعض الحكومات العربية على تلك المواثيق بما ينتقص من الحقوق الواردة بها.
6 ـ مراجعة مشروع الميثاق العربي لحقوق الإنسان بما يتواءم مع المعايير الدولية.
والسؤال المهم هنا هو: هل يمكن أن يتم الإصلاح بالإقصاء والتحيز على هذا النحو الذي تضمنته الوثيقتان؟

خاتمة

المجتمع المدني ومؤشرات الإصلاح السياسي

يبدو لنا أن من المهم إعادة النظر في مبادرات المجتمع المدني العربي للإصلاح السياسي من منظور البعد الديني والأخلاقي على النحو الذي أشرنا إليه فيما سبق. كما أنه من الضروري السعي لتطوير معايير لقياس مدى تقدم العملية الإصلاحية على كافة المستويات، بما في ذلك المستوى السياسي؛ حتى لا يظل الأمر مجرد مناقشات نظرية، ورياضات ذهنية لا حظ لها من الواقع والتطبيق، وهو ما أشار إليه وثيقة الإسكندرية مرتين على الأقل: الأولى في عنوانها الذي قرن بين الرؤية والتنفيذ، والثاني فيما نصت عليه في أحد توصياتها وهو: ” تأسيس منتدى الإصلاح العربي في مكتبة الإسكندرية ‏,‏ ليكون فضاء مفتوحا للمبادرات والحوارات الفكرية والمشاريع العربية… ,‏ ويتصل بعمل هذا المنتدى تأسيس مرصد اجتماعي عربي‏,‏ لمتابعة نشاط المجتمع المدني العربي‏,‏ ورصد وتقييم مشاريع الإصلاح السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية‏”‏.
وبالرغم من الصعوبات الكثيرة التي تعترض عملية بناء مؤشرات لقياس الظواهر الاجتماعية والسياسية والثقافية ـ وحتى الاقتصادية وإن بدرجة أقل ـ إلا أن ثمة تراكمًا مطردًا في الكتابات النظرية حول المؤشرات ومنهجيات بنائها من جهة، وفي التقارير الدورية من جهة أخرى (القطرية والإقليمية والعالمية)؛ التي تلتزم بتلك المؤشرات في رصدها وتحليلها لجوانب مختلفة من أوجه التطور الذي تشهده المجتمعات المختلفة. ولهذا فإننا بصدد مؤشرات المرصد الاجتماعي الذي أوصت به وثيقة الإسكندرية لن نبدأ من فراغ؛ بل لدينا سوابق علمية مهمة على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وستكون مهمتنا هي محاولة الاستفادة قدر المستطاع من تلك الجهود والإضافة إليها من خلال التركيز على تحقيق أهداف المرصد الاجتماعي العربي، وفقًا لما أشارت إليها الوثيقة، ويمكن تحديدها في الآتي:
1ـ متابعة نشاط المجتمع المدني العربي
2ـ رصد وتقييم مشاريع الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في الوطن العربي.
وإذا ألقينا نظرة عامة على مجمل التطورات التي شهدتها عملية بناء المقاييس والمؤشرات الخاصة برصد وتحليل وتقييم الجوانب والنشاطات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فإنه يمكن إبداء عدة ملاحظات أهمها الآتي:
1ـ أن التطور في بناء المقاييس والمؤشرات ارتبط بالتطور في مفهوم ” التنمية “، على مدى عقود النصف الثاني من القرن العشرين، وقد سار هذا التطور من مفهوم اقتصادي ضيق للتنمية، كان يقصرها على زيادة متوسط الدخل القومي، إلى مفهوم آخر أخذ يتسع رويدًا رويدًا، حتى صارت التنمية مرادفًا لمفهوم التحرر الإنساني، أو هي ” تحرير الفرد والمجتمع من الفقر والحرمان ومن شتى صنوف الاستغلال والتبعية، وإطلاق قدرات البشر وتوسيع مجالات الاختيار أمامهم، والانتفاع بهذه القدرات لصالحهم، وتمكين المجتمع من السيطرة على شروط تجدده وتطوره”[19]. وقد انعكس هذا المفهوم الواسع على المقاييس والمؤشرات المستخدمة لمتابعة ورصد الإنجازات التي تحدث على طريق التنمية بهذا المعنى الواسع، وإن لم يحصل اتفاق عام بين المختصين على نمط أو أنماط محددة لتلك المقاييس والمؤشرات.
2ـ أن التطور في عملية القياس والمؤشرات يسير باتجاه التركيب والتنوع والشمول، والبعد عن الاكتفاء بمؤشر واحد، أو حتى عدد قليل من المؤشرات، هذا إلى جانب الاتجاه المتزايد للكشف عن شبكة العلاقات التفاعلية التي تربط مجموعة المؤشرات ببعضها ـ أيًا كان نوعها: اقتصادية، أو سياسية ن أو اجتماعية،… ـ، وذلك مع الإدراك المتزايد لعلاقات التأثير والتأثر بين مختلف جوانب الحياة في المجتمعات المعاصرة.
3ـ هناك ميل لعدم الاكتفاء بالمؤشرات الكمية أو الرقمية التي تقيس الجوانب القابلة للملاحظة والقياس؛ ذلك لأنه بالرغم من أهمية تلك الجوانب إلا أنها لا تمثل بالضرورة الصورة الحقيقية للواقع الاجتماعي بتعقيداته وتشابكاته المتعددة. وعليه فإن هناك محاولات جادة لإدراج ملا يمكن قياسه كميًا في عملية التقييم والرصد، وذلك استنادًا إلى مؤشرات قيمية تتعلق بمضمون بعض التحولات والظواهر، وآراء الناس فيها ودرجة رضاهم عنها، أو نوعية شعورهم نحوها، مثل بعض الظواهر المتعلقة بالأمن، والخدمات العامة، أو ما يطلق عليه ” السلع العامة” في المجتمع.
4ـ نظرًا لأن أغلبية الجهود السابقة في مجال تطوير المقاييس والمؤشرات قد جرت في المجتمعات الصناعية المتقدمة، فإن استنساخها وتطبيقها في حالة البلدان الآخذة في النمو تواجه بصعوبات ميدانية وانتقادات نظرية حادة؛ بحيث يبدو الأمر وكأن عملية تطبيقها لا هدف لها سوى اختبار مدى صلاحية هذه المقاييس والمؤشرات، وليس العكس المفترض وهو أن تكون قادرة على ملاحظة معطيات الواقع والإمساك بها بطريقة منهجية والتعبير عنها بأسلوب كمي أو كيفي، أو بمزيج منهما. وعليه فإن الاستفادة من تراث المقاييس والمؤشرات التي جرى تطويرها في السابق ـ وبخاصة في البلدان المتقدمة ـ يجب أن تخضع لرؤية نقدية واعية، ويجب أن تكون لدينا المقدرة على تكييفها وإعادة صوغها على النحو الذي يستجيب لمعطيات مجتمعنا العربي المعاصر محل اهتمامنا في إجراء عملية الرصد والقياس.
5ـ تثير الملاحظة السابق ذكرها ملاحظة أخرى وهي تتعلق بالجدل حول مسألة الالتزام بالمعايير الوطنية لعملية القياس وبناء المؤشرات من جهة، وبالمعايير العالمية في هذا المجال. وأيهما أكثر فاعلية في رصد متغيرات الواقع وتطوراته: هل هي المعايير الوطنية أو القطرية؟ أم المعايير العالمية، أو المعولمة؟ والواقع أن لكل من الخيارين إيجابياته وسلبياته على قضية التنمية والتقدم، وهذه النقطة تحتاج إلى مزيد من النقاش الجاد حول أهمية الالتزام بالمعايير الوطنية باعتبارها الأكثر قدرة على الرصد والتحليل والتفسير من جهة، والمعايير المثالية أو العالمية؛ باعتبارها الأكثر قدرة على الحفز والتطوير ورفع الكفاءة. ومن ثم فقد يكون الحل الأمثل هو الجمع بين المعايير المحلية والإقليمية مع جانب من المعايير العالمية؛ الذي يعتبر قاسمًا مشتركًا بين مختلف الشعوب والأمم.
وفي ضوء تلك الملاحظات العامة، وأخذًا في الاعتبار أهداف المرصد الاجتماعي العربي السابق ذكرها، فإن مهمة هذا المرصد تختلف عن مهمات التقارير الدورية، وعلى وجه الخصوص تقارير التنمية البشرية أو الإنسانية التي تسعى لقياس كل ما يمكن التعبير عنه عدديًا بالدرجة الأولى، وتحاول تقديم بعض التفسيرات والرؤى من خلال قراءة سريعة للأرقام والإحصاءات المبنية على منهجية “الإحصاء الاجتماعي” بمعناه الواسع. وعلى خلاف ذلك فإن المفترض أن تكون المهمة الأساسية للمرصد الاجتماعي مبنية على ” مؤشرات اجتماعية”، والفرق بين الإحصاء الاجتماعي والمؤشرات الاجتماعية كبير جدًا، وإن كانت الثانية مستخلصة من الأولى[20]، كما أن التعامل مع المؤشرات أكثر صعوبة، وكذلك أكثر فائدة من التعامل مع الإحصاءات الاجتماعية.

في منهجية بناء المؤشرات وعملية القياس

نوهنا فيما سبق إلى أهم الصعوبات التي تواجه عملية القياس وبناء المؤشرات في العلوم الاجتماعية عمومًا، وفي مجال رصد ما يحدث من تطورات وإصلاحات في المجالات المختلفة من الواقع الاجتماعي على وجه الخصوص. ونؤكد هنا مرة أخرى إلى أن من أهم أهداف هذا المشروع الذي نحن بصدده هو فتح الطريق أمام تذليل تلك الصعوبات ومحاولة التغلب عليها بتبني أحدث الأساليب المنهجية والعلمية في هذا الشأن. وثمة خطوط عامة يمكن الاسترشاد بها من الناحية المنهجية في تحديد المؤشرات وعملية القياس، وهي على النحو الآتي:
1ـ أن تكون المؤشرات المختارة مرتبطة ببرامج ومشروعات الإصلاح محل الرصد والتقييم والقياس، ومستمدة من طبيعة النشاطات والمشروعات والبرامج والفلسفات التي تنطوي عليها هذه المشروعات والبرامج أو تنطلق منها.
2ـ أن تكو المؤشرات المختارة مرتبطة أيضًا بالمعايير الوطنية للقياس حتى تعكس الحجم النسبي للإسهام الاجتماعي والاقتصادي.
3ـ أن يكون من الممكن تتبع بيانات تلك المؤشرات في الواقع وجمعها بشكل منتظم، وأن تكون سبل التحقق من تلك البيانات ممكنة وملائمة.
4ـ أن يكون من الميسور تحليل البيانات المستخدمة في المؤشر، وتفسيرها، وتقدير قيمتها.
5ـ أن تساعد المؤشرات على تعقب التغيير الذي يحدث في أداء القطاعات المختلفة (الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ) بمرور الوقت، ومن ثم يجب ألا تكون المؤشرات ستاتيكية أو جامدة تتوقف عند لحظة معينة ولا تتخطاها.
6ـ يجب أن تتضمن المؤشرات وسائل وأهداف الإصلاح والتنمية في آن واحد، حتى تساعد على قراءة أكثر عمقًا للإنجازات التي تحدث وتقديرها بدرجة أكبر من الدقة.
7ـ عدم الاكتفاء بمؤشرات الوقائع والأحداث ـ كما يقول العيسوي ـوالالتجاء إلى مؤشرات الرأي والاتجاه لدى المواطنين الذين هم الهدف الأخير للتنمية والإصلاح.
8 ـ يفضل عدم الإسراف في عدد المؤشرات الفرعية، وعدم إتخام التقرير الذي سوف يصدر عن المرصد بالأرقام والجداول الإحصائية الصماء، ومن ثم يراعي ذلك في تصميم واختيار المؤشرات منذ البداية توفيرًا للجهد والوقت والنفقات.
وفيما يلي اقتراحات أولية بأهم المؤشرات في الجوانب المتعلقة بالمجتمع المدني العربي، وبجوانب الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

أولًا: مؤشرات الإصلاح السياسي

وفي ضوء ما سبق يمكن اقتراح المؤشرات الآتية لرصد التقدم على طريق الإصلاح السياسي في المجتمع العربي الراهن:
1ـ احترام إرادة الشعب ( معبرًا عنها في الانتخابات الدورية النزيهة ـ انتظام الدورات الانتخابية ـ النزول عند رأي الأغلبية ـ….).
2ـ توسيع نطاق الحريات السياسية ( تكوين الأحزاب: كم حزب تم إشهاره، أو تم رفض إشهاره مثلًا ـ عدم مصادرة النشاط السياسي: كم نشاط حصل على موافقة رسمية، وكم تم رفضه ومصادرته مثلًا ـ تقليل اختصاصات الأجهزة الأمنية في الرقابة على العمل السياسي، وبخاصة الذي تمارسه قوى المعارضة ـ إلغاء القوانين الاستثنائية المقيدة للحريات: هل ألغيت بعض هذه القوانين في هذا البلد أو ذاك، أم صدرت قوانين جديدة مثلًا…ـ…
3ـ توسيع نطاق الحريات المدنية، وهي عادة ما تشمل: الحق في التعبير، وفي التظاهر، وحرية التنقل والسفر والإقامة والعمل،…إلخ. ومن المفترض أن تجري عملية الرصد في اتجاهين هما:
أ ـ التغيرات في الإطار القانوني المنظم لتلك الحريات ( سواء بالتوسيع أو بالتضييق )
ب ـ الممارسات التي يشهدها الواقع، وهل يجري احترام القانون أم يتم تجاوزه؟( إفراج عن معتقلين ـ إعتقالات جديدة ـ مصادرة كتب، السماح بها، صدور صحف جديدة، مصادرة صحف قائمة، محطات فضائية…إلخ)
4ـ معدل تداول السلطة، وهل يجري الأمر وفقًا للقانون؟ أم يجري تطويع القانون لمصلحة استمرار الأحزاب أو الجماعات الحاكمة في مواقعهم؟ ما الذي حدث مثلًا في البلدان العربية خلال السنوات الخمس الأخيرة بهذا الخصوص؟
5ـ المبادرات التي تطرحها القوى والتيارات الفكرية والسياسية والحزبية من أجل تحقيق الإصلاح السياسي. هل هناك مبادرات؟ وفي أي الاتجاهات تسير وما أفكارها الأساسية؟ وأهم اتجاهات الجدل المجتمعي حولها؟ وإلى أي مدى كان لتلك المبادرات تأثير في مجريات التطور السياسي إن وجد؟.
6ـ تطور المشاركة في اتخاذ القرارات، ويمكن قياس هذا التطور، كما يقترح العيسوي من خلال المؤشرات الآتية:
ـ نسبة المقيدين في جداول الانتخابات إلى جملة من يحق لهم الانتخاب
ـ نسبة من أدلوا بأصواتهم إلى عدد المقيدين في جداول الانتخابات في آخر انتخاب أو استفتاء
ـ نسبة القيادات المحلية التي تصل إلى وظائفها بالانتخاب إلى جملة القيادات المحلية، كالمحافظين ورؤساء المدن والقرى
ـ نسبة النساء اللاتي يشغلن مراكز قيادية إلى جملة شاغلي المراكز القيادية
ـ نسبة النساء في المجالس النيابية القومية وفي المحافظات والمحليات
ـ نسبة الشباب الذين يشاركون في برامج خدمة المجتمع وما إليها

ثانيًا: مؤشرات إصلاح “المجتمع المدني”

لم تظهر المؤشرات الخاصة بتطور المجتمع المدني العربي في التقارير المعنية بالتنمية البشرية/الإنسانية إلا مؤخرًا، وعادة ما يجري الحديث عنها بإيجاز، وبصورة مجملة. ولعل من أهم أسباب ذلك عدم وجود قواعد بيانات منتظمة ومعتمدة لتغطية هذا القطاع؛ سواء على المستوى القطري، أو على المستوى العربي العام.
وثمة محاولات لا زالت في بداياتها لسد هذا النقص، ومن أهمها على الإطلاق المشروع الذي أسهمنا في اقتراحه وبلورته في الأمانة العامة للأوقاف بالكويت لتأسيس “بنك المعلومات الوقفية” بالتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية بجدة، وتكون مهمته رصد وتصنيف المؤسسات والأنشطة والبرامج والمشروعات والقوانين الخاصة بقطاع الأوقاف عبر العالمين العربي والإسلامي باعتبارها من صميم منظومة مؤسسات المجتمع المدني. هناك أيضًا مشروع قاعدة المعلومات عن المنظمات الأهلية الذي تسعى لإنجازه الشبكة العربية للمنظمات الأهلية.
ومثلما تأثرت مؤشرات التنمية بتطور مفهوم التنمية ذاته، فإن مؤشرات المجتمع المدني لابد أن تتأثر بالاختلافات الحاصلة حول مضمونه، بل وتختلف من مضمون يقصره على نمط معين من المنظمات والأنشطة، ومضمون آخر يتسع ليضم مختلف المنظمات والمؤسسات الأهلية أيًا كانت طبيعتها(دينية ـ مدنية ـ اجتماعية ـ ثقافية….)، كذلك فإن طبيعة علاقة هذه المنظمات بالحكومة ودرجة اعتمادها عليها في توفير مصادر التمويل اللازمة لأنشطتها تحدد ما يدخل ضمن المجتمع المدني وما يستبعد منه لكونه أقرب إلى الحكومة.
وعلى أية حال فإننا نتصور أن المرصد الاجتماعي العربي سوف يتبنى أوسع تعريف للمجتمع المدني؛بحث لا يستبعد سوى الهيئات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص الاقتصادي.
ومن ثم فإن وحدات المجتمع المدني التي ستكون محل اهتمام المرصد تشمل الآتي:
1ـ المساجد والكنائس
2ـ الأوقاف الخيرية
3ـ الجمعيات الأهلية
4ـ الأندية الرياضية
5ـ النقابات المهنية
6ـ النقابات العمالية
7ـ التعاونيات
8ـ تكوينات وأنشطة أخرى (مثل:النذور ـ الصدقات ـ الاحتفالات والمواسم والأعياد )
أما المؤشرات التي يجري الرصد على أساسها بالنسبة لأغلبية تلك الوحدات المكونة للمجتمع المدني العربي فتشمل عدة أبعاد[21]، وأهمها الآتي:
1ـ العدد الإجمالي لكل نمط من وحدات المجتمع المدني، على المستوى القطري، وعلى المستوى العربي العام.
2ـ حجم العضوية في كل نمط (قطريًا ـ عربيًا)
3ـ الفئات المستفيدة من كل نمط (قطريًا ـ عربيًا)
4ـ حجم الميزانية لكل نمط (قطريا ـ عربيًا )
5ـ تكلفة المشروعات والبرامج التي يؤديها كل نمط (قطريًا ـ عربيًا)
6ـ فرص العمل التي يوفرها كل نمط (قطريا ـ عربيًا )
7ـ تقدير الإنتاجية (بمعناها الاجتماعي، الذي يقيس جودة رأس المال الاجتماعي لوحدات المجتمع المدني قطريا ـ عربيًا ).
8ـ الأطر القانونية المنظمة لوحدات المجتمع المدني ومدى ديمقراطيتها وأهم التعديلات التي أدخلت عليها خلال السنوات الخمس الماضية مثلًا.

المراجع:

[1] – إبراهيم البيومي غانم(محرر) نظام الوقف والمجتمع المدني في الوطن العربي(بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية،2003)،
2ـ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ: نحو مقياس علمي لإسهام المنظمات الأهلية في عملية التنمية ـ صحيفة الأهرام 20/2/2004.
3ـ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ: تجديد الخطاب الديني: تحليل آراء عينة من الجمهور العام(بحث قيد النشر تحت إشراف أ.د نادية مصطفى، ضمن أعمال مشروع: تجديد الخطاب الديني في مصر ـ مركز البحوث والدراسات السياسية – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية).
4ـ إبراهيم العـيسوي: التنمية في عالم متغير(القاهرة:2003).
5ـ أنتوني جيدنز: الطريق الثالث: تجديد الديمقراطية الاجتماعية، ترجمة أحمد زايد، ومحمد محي الدين، ومراجعة محمد الجوهري، (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة المشروع القومي للترجمة، 1999).
6ـ الحبيب الجنحاني، وسيف الدين عبد الفتاح: المجتمع المدني وأبعاده الفكرية (دمشق: دار الفكر،2003).
7ـ عبد الغفار شكر، ومحمد مورو: المجتمع الأهلي ودوره في بناء الديمقراطية (دمشق: دار الفكر، 2003).
8ـ عزمي بشارة: المجتمع المدني: دراسة نقدية مع إشارة للمجتمع المدني العربي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط2, 2000)
9ـ فهمي جدعان: أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1979).
10ـ كلاوس أوفــــــــــــه: المجتمع المدني والنظام الاجتماعي: الفصل بين السوق والدولة والمجتمع المحلي والجمع بينها، ترجمة أحمد محمود، في: مجلة الثقافة العالمية (الكويت) العدد107يونيو2001.
11- كريشان كومـــــــار: حول مصطلح المجتمع المدني: مذكرة إضافية عن مفهوم المجتمع المدني وميادينه، ترجمة عدنان جرجس، مجلة الثقافة العالمية (الكويت) العدد107يونيو2001.
12ـ محمد السيد سعيد، نظرات في خبرة الجتمع المدني المصري في عقدين. بحث في ندوة (المجتمع المدني: التغير الاجتماعي والتحول الديمقراطي في مصر 14-15 ديسمبر 2004).
13ـ نص مشروع الشرق الأوسط الكبير في صحيفة الحياة اللندنية 13/2/2004.
14ـ نص المبادرة الألمانية ـ صحيفة الحياة اللندنية 20/2/2004.
15ـ نص المشروع الفرنسي الألماني أيضًا ـ صحيفة الحياة اللندنية 7/3/2004.
16ـ نص المبادرة المصرية ـ صحيفة الوفد 10/3/2004.
17ـ نص المبادرة المصرية السعودية السورية ـ صحيفة الأهرام 1/3/2004.
18ـ نص مبادرة الإخوان ـ صحيفة آفاق عربية 11/3/2004.
19ـ نص وثيقة الإسكندرية على موقع إسلام أون لاين: www.islamonline.net
20ـ الاستقلال الثاني: نحو مبادرة للإصلاح السياسي في العالم العربي (القاهرة: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بمساعدة من المجموعة الأوربية، ب ت).
21ـ المجتمع المدني في الوطن العربي ودوره في تحقيق الديمقراطية ( بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1992).
22- Adam seldgman: The Idea of Civil Society (New York: Free press,1992).
23-Adam B. Sligman, The Idea of Civil Society(New York: Free Press; Toronto:Maxwell Mac.,1992).

الهوامش:

[1] – انظر نص مشروع الشرق الأوسط الكبير في صحيفة الحياة اللندنية 13/2/2004.
[2] – انظر نص المبادرة الألمانية في صحيفة الحياة اللندنية 20/2/2004. ونص المشروع الفرنسي الألماني أيضًا في صحيفة الحياة اللندنية 7/3/2004
[3] – انظر نص المبادرة المصرية في صحيفة الوفد 10/3/2004.
[4] -انظر نص المبادرة المصرية السعودية السورية، في صحيفة الأهرام 1/3/2004.
[5] – انظر نص مبادرة الإخوان في صحيفة آفاق عربية 11/3/2004.
[6] – انظر نص وثيقة الإسكندرية على موقع إسلام أون لاين: www.islamonline.net
[7] – الاستقلال الثاني: نحو مبادرة للإصلاح السياسي في العالم العربي (القاهرة: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بمساعدة من المجموعة الأوربية، ب ت).
[8] – انظر: إبراهيم البيومي غانم (محرر) نظام الوقف والمجتمع المدني في الوطن العربي(بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية،2003)، ص75-114، ومواضع أخرى متفرقة تؤكد على تعدد صيغ مؤسسات العمل المدني في التاريخ العربي الإسلامي على أساس قاعدة نظام الوقف الإسلامي.
[9] – حول مفهوم ” المجتمع المدني ” انظر على سبيل المثال Adam seldgman: The Idea of Civil Society (New York: Free press, 1992) والبحوث والدراسات العربية حول هذا المفهوم كثير ة جدًا، ولا تزال أكثرها رصانة أعمال ندوة مركز دراسات الوحدة العربية التي عقدها في بيروت سنة 1992 انظر: المجتمع المدني في الوطن العربي ودوره في تحقيق الديمقراطية (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1992). ومن نماذج الجدل حول مفهوم المجتمع المدني انظر: الحبيب الجنحاني، وسيف الدين عبد الفتاح:المجتمع المدني وأبعاده الفكرية(دمشق: دار الفكر،2003). وانظر أيضًا: عبد الغفار شكر، ومحمد مورو:المجتمع الأهلي ودوره في بناء الديمقراطية(دمشق: دار الفكر، 2003).
[10] – انظر بهذا الخصوص: أنتوني جيدنز، الطريق الثالث: تجديد الديمقراطية الاجتماعية، ترجمة أحمد زايد، ومحمد محي الدين، ومراجعة محمد الجوهري(القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة المشروع القومي للترجمة، 1999) ص105 وما بعدها، حيث يناقش علاقة المجتمع المدني بالدولة من زوايا مختلفة.
[11] – ثمة جدل واسع المدى حول تعريف المجتمع المدني، ولمزيد من التفاصيل حول الاتجاهات التي أوردنا نبذة عنها انظر على سبيل المثال:
Adam B. Sligman, The Idea of Civil Society(New York: Free Press; Toronto:Maxwell Mac.,1992)
Blaney,D.&Pasha.M.,” Civil Society and Democracy in the Third Worled, Ambiguities and Historical Possibilities”.Studies in Comparative International Development,Vol.28,No.1, Spring1993,p.6-10.
عزمي بشارة، المجتمع المدني: دراسة نقدية مع إشارة للمجتمع المدني العربي(بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط2, 2000) ص29- 37.
[12] – محمد السيد سعيد، نظرات في خبرة المجتمع المدني المصري في عقدين. بحث في ندوة(المجتمع المدني: التغير الاجتماعي والتحول الديمقراطي في مصر 14-15 ديسمبر 2004) ص2و3.
[13] – انظر وثيقة الاستقلال الثاني، مرجع سابق، ص22.
[14] – انظر: إبراهيم البيومي غانم، تجديد الخطاب الديني: تحليل آراء عينة من الجمهور العام(بحث قيد النشر تحت إشراف أ.د نادية مصطفى، ضمن أعمال مشروع: تجديد الخطاب الديني في مصر )مركز البحوث والدراسات السياسية ت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية).
[15] – ثمة كتابات نظرية مهمة في هذا الموضوع منها على سبيل المثال: كلاوس أوفه، المجتمع المدني والنظام الاجتماعي: الفصل بين السوق والدولة والمجتمع المحلي والجمع بينها، ترجمة أحمد محمود، في: مجلة الثقافة العالمية (الكويت) العدد107يونيو2001. وكريشان كومار، حول مصطلح المجتمع المدني: مذكرة إضافية عن مفهوم المجتمع المدني وميادينه، ترجمة عدنان جرجس، في المصدر نفسه.
[16] – اهتم قادة حركات الإحياء الإسلامي والمصلحين الإسلاميين بصفة عامة بقضية الإصلاح الأخلاقي باعتبارها مدخلًا لا غني عنه لضمان نجاح أية جهود إصلاحية في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولمزيد من التفاصيل انظر على سبيل المثال: فهمي جدعان، أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث(بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1979).
[17] – راجع نصوص مبادرات الإصلاح التي وردت الإشارة إليها في الصفحات السابقة.
[18] – انظر، إبراهيم غانم، تجديد.، مرجع سابق.
[19] -: فهمي جدعان، أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث(بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1979).
[20] – المرجع السبق، ص127و128.
[21] – إبراهيم البيومي غانم: نحو مقياس علمي لإسهام المنظمات الأهلية في عملية التنمية ـ صحيفة الأهرام 20/2/2004.

نشر في حولية “أمتي في العالم” 1427 هـ/2006م

للمزيد اضغط هنا 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى