القوقاز: الصراعات الجيواستراتيجية وإشكالية الهوية

مقدمة:

القوقاز هو منطقة جغرافية سياسية تقع عند حدود أوروبا وآسيا، وهي موطن جبال القوقاز، وغالبًا ما يقسَّم إلى القوقاز الجنوبي والقوقاز الشمالي. يقع الأخير داخل أراضي روسيا الاتحادية وتتركَّز به وبمنطقة حوض الفولجا والأورال غالبية مسلمي روسيا. ويضم شمال القوقاز سبع جمهوريات تتمتع بالحكم الذاتي، وهي: أديغيا، وداغستان، والشيشان، وإنغوشيا، وأوسيتيا الشمالية، وقباردينو – بلقاريا، والقرتشاي/الشركس، إضافة إلى منطقتي ستافروبول وكراسنودار[1]. أما القوقاز الجنوبي فيضمُّ ثلاث دول هي جورجيا وأرمينيا وأذربيجان، وتقطن الأخيرة غالبية مسلمة.

شهد القوقاز تاريخيًّا العديد من الصراعات السياسية والعسكرية والدينية والثقافية والعمليات التوسُّعية عبر قرون، بل إنه عقب تفكُّك الاتحاد السوفيتي وقعت كلُّ الصراعات تقريبًا التي ارتبطت بنهاية القوة السوفيتية في القوقاز، مثل صراع الشيشان في روسيا، والصراعات الإقليمية حول ناغورنو كاراباخ في أذربيجان، وأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا في جورجيا. وفي تلك الصراعات لعبت روسيا دورًا محوريًّا كطرف رئيسي كما في حالة الشيشان أما في بقية الصراعات فقد تراوحت أدوارها أحيانًا بين التدخُّل المباشر أو دعم طرف على حساب آخر أو فرض نفسها وسيطًا أساسيًّا للتفاوض بين الأطراف المتصارعة أحيانًا أخرى[2].

يسعى التقرير لرصد أهم التطورات التي شهدتها منطقة القوقاز عبر السنوات الخمس الماضية؛ أي خلال الفترة من مطلع العام 2017 حتى مطلع يونيو 2022. ومن ثم يتمُّ التركيز على رسم خرائط للتوازنات الإقليمية وتحديد الإشكاليات التي تواجه دول المنطقة في ظل تلك التوازنات. وسوف يتم ذلك عبر الإجابة عن التساؤلات التالية:كيف كان القوقاز ميدانًا لصراعات القوى الكبرى أحيانًا، وبين فاعليه المحليِّين وما اعتبره محلِّلون أحيانًا حروبًا بالوكالة في المنطقة؟ كيف انعكست الحرب الأوكرانية على الصراعات في القوقاز؟ كيف أثَّرت مكانة وسياسات روسيا في جنوب القوقاز على مواقف دول الإقليم من الحرب في أوكرانيا؟

اتَّبعت دول جنوب القوقاز -أرمينيا وأذربيجان وجورجيا- منذ استقلالها بعد تفكُّك الاتحاد السوفيتي ولقرابة الثلاثين عامًا مساراتٍ مختلفةٍ في سياساتها الخارجية. ورغم إعلان الدول الثلاث أنها لن تنضمَّ للعقوبات ضدَّ روسيا ولن تغلق مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية، إلا أن حكوماتها تدرك أن هناك قطاعات من الرأي العام الداخلي، خاصة في جورجيا وأذربيجان، تؤيد أوكرانيا في صراعها الأخير مع روسيا، من ثم لم تحاول تلك الأنظمة قمع أشكال التعبير عن ذلك التعاطف[3].

انعكست هذه الاختلافات في البداية على رَدِّ الفعل الدبلوماسي للدول الثلاث على الغزو الروسي لأوكرانيا. ففي جلسة خاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في 2 مارس 2022، صوَّتت جورجيا مع 140 دولة أخرى لصالح قرار يدين الغزو الروسي، بينما امتنعت أرمينيا عن التصويت، وغابت أذربيجان، كان هذا هو الجانب الرسمي المعلن لكن وراء الكواليس، عانت الدول الثلاث كثيرًا بشأن كيفية التعامل مع هذه الأزمة التي يصعب التنبُّؤ بتداعياتها[4].

أولًا- مواقف دول جنوب القوقاز وجمهورياته الانفصالية من الحرب الأوكرانية

منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية واهتمام العالم قد تحوَّل للتركيز على تبعات تلك الحرب خاصةً ذلك الدمار الذي خلفته وتأثيراته على المدنيين الأوكرانيين. ومع استمرار الحرب التي تقرُّ تحليلات غربية بأن تكلفتها تزداد بالنسبة لروسيا إلا أن تلك التحليلات أشارت على صانعي السياسة في الولايات المتحدة وأوروبا بضرورة إيلاء اهتمام أكبر بالمناطق الأخرى التي ربما يؤدِّي تضاؤل سمعة روسيا العسكرية فيها إلى زعزعة موازين القوى المحلية. سيحدث خطر واضح ولكن أيضًا هناك فرصة ناجمة عن تراجع مصداقية روسيا كقوة عسكرية فيما يسمَّى “الصراعات المجمَّدة” في جنوب القوقاز: أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في جورجيا، وبين أرمينيا وأذربيجان حول ناغورنو كاراباخ. بالتالي، يمكن أن تعود تلك “الصراعات المجمَّدة” إلى العنف، ولكن من ناحية أخرى -بحسب تلك التحليلات- هناك أيضًا فرصة لإحياء الحلول الدبلوماسية[5]. وترى تحليلات أخرى أنه إذا طال أمد الحرب ولم تحقِّق روسيا أهدافها بسرعة في أوكرانيا، فقد تطالب حلفاءها في آسيا الوسطى بالاشتراك في المعركة، وفي جنوب القوقاز يحظى الكرملين بنفوذ أكبر، لكن ذلك لا يمنع أن تؤدِّي التوتُّرات بين اثنين من حلفاء موسكو -أذربيجان وأرمينيا- إلى إضعاف يد روسيا في المنطقة[6].

بالطبع لن تقف تبعات الحرب الروسية الأوكرانية عند طرفيها الرئيسين؛ فعلى مستوى معدلات النمو الاقتصادي -على سبيل المثال- من المتوقَّع أن تكلِّف الحربُ دولَ جنوب القوقاز وآسيا الوسطى 1.5 نقطة و2.3 نقطة نمو على التوالي في عام 2022. وستتباين الصدمة الاقتصادية من دولة لأخرى. يعتمد بعض تلك الدول على التحويلات المالية من المهاجرين العاملين في روسيا، مثل قيرغيزستان وطاجيكستان، أفقر دول المنطقة؛ حيث تمثِّل هذه الإيرادات وحدها 26٪ و 16٪ من الناتج المحلي الإجمالي للدولتين على التوالي. كما يشكِّل العمَّال المهاجرون حوالي 5 إلى 6 بالمائة من القوة العاملة الروسية لكن -حتى كتابة هذه السطور- لم تحدث عمليات مغادرة جماعية[7].

ولا يختلف الوضع كثيرًا في جنوب القوقاز عن نظيره في آسيا الوسطى من حيث تداعيات الحرب الأوكرانية. فقد تواجه دول القوقاز تداعيات اقتصادية محتملة من الأزمة، وخاصة من العقوبات الهائلة المفروضة على روسيا. ولدى البلدان الثلاثة هي الأخرى مجتمعات شتات كبيرة في روسيا ترسل الأموال بانتظام إلى أقاربها في الوطن، بل تشير الدلائل إلى أنه كان هناك بالفعل انخفاض في هذه التحويلات حتى قبل أن تدخل العقوبات حيز التنفيذ، ومن المحتمل أن تنخفض أكثر بكثير إذا استمرَّ الانكماش الاقتصادي في روسيا[8].

سوف تستعرض الدراسة في هذا القسم بإيجاز أهمَّ التطوُّرات الداخلية بدول القوقاز وكيف انعكست تلك التطورات على مواقفها من الحرب الأوكرانية وكيف تأثرت هذه المواقف بطبيعة علاقاتها بكلٍّ من روسيا وأوكرانيا.

1- جورجيا

سَعَتْ جورجيا كالعديد من جمهوريات الاتحاد السوفيتي إلى الاستقلال في مطلع تسعينيات القرن العشرين في الوقت الذي أيَّدت أبخازيا -جمهورية حكم ذاتي داخل جورجيا آنذاك- البقاء ضمن الاتحاد، وتعالت النبرة القومية في خطاب القيادات الجورجية، وما إن تفكَّك الاتحاد السوفيتي حتى شهدت جورجيا حالة من الاضطرابات والفوضى وخاضت البلاد حربًا أهلية في عام 1992 وامتدَّت المعارك لإقليم أبخازيا عقب اجتياح القوات الجورجية له[9].

أ) روسيا وتطورات الأوضاع الداخلية في جورجيا

عقب هزيمـة جورجيـا في أبخـازيا في عام 1993 مارست روسـيا ضغوطها على كلا الطرفيـن لتوقيـع اتفاقيـة سـلام أبرمت بالفعـل في مايـو 1994، ونصـت الاتفاقيـة على أن تقـود روسـيا مهـام حفظ السـلام في مناطق الصـراع، وكانت عندما تتوتَّر العلاقات تحرص روسيا على إرسال رسائل لجورجيا مفادها أن الأخيرة لا تزال في مجال التأثير الروسي مثل تصريح يلتسين -رئيس روسيا آنذاك- في 25 أغسطس 1997 أن روسيا ستظل هي وسيط المحادثات بين جورجيا وأبخازيا ولن تسمح للولايات المتحدة أن تلعب هذا الدور[10].

عنـدما أطلقت جورجيـا حملتهـا العسـكرية على أوسـيتيا الجنـوبيـة في أغسـطس 2008 وتدخَّلت القوات الروسية دفاعًا عن أوسيتيا، انتهـز قادة أبخـازيا الفرصـة لفـرض السـيطرة على سائر إقليم أبخازيا، وتركَّزت المواجهـات في أبخـازيا آنذاك في كودوري جورج، وهي المنطقـة التي هيمنت عليهـا الميليشـيات العسـكرية الجورجيـة منـذ تفكُّك الاتحـاد السـوفيتي إلى أن فرضت قوات الداخليـة الجورجيـة سـيطرتها عليها في عام 2006[11].

ارتبطت توتُّرات العلاقات الروسية الجورجية عمومًا بتنامي سعي جورجيا للتقارب مع الغرب وإعلان رغبتها في أن تصبح عضوًا في كلٍّ من حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، وقد ظهر ذلك بشكل أوضح منذ تولِّي ميخائيل ساكاشفيلي (Mikheil Saakashvili) الحكم في جورجيا في أواخر عام 2003 بعد الثورة الوردية التي أطاحت بالرئيس السابق إدوارد شيفرنادزه (Eduard Shevardnadze).

لذلك كان انتصار بيدزينا إيفانشفيلي (Bidzina Ivanishvili) في الانتخابات الجورجية أواخر عام 2012 بداية تحوُّل هام في السياسة الخارجية الجورجية. فقد أضحت حكومة تبليسي تسعى لإيجاد صيغة تفاهم مع موسكو دون التخلِّي عن حقوقها السيادية في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، قاد ذلك الاقتراب لتهدئة التوتُّر وخلق مناخًا أفضل للعلاقات بين روسيا وجورجيا، لكن ذلك كله لم تكن له انعكاسات مؤثِّرة على أيٍّ من قضايا الصراع بين موسكو وتبليسي، كما لم تظهر أيضًا أية مؤشِّرات على تغيُّر في نشر القوات الروسية في المنطقة[12].

فاجأت عودة الرئيس السابق ميخائيل ساكاشفيلي جورجيا، وهو الآن سجين ويدعو لثورة جديدة، ويتَّفق العديد من المحلِّلين على أن عودة ساكاشفيلي في مطلع أكتوبر 2021 واعتقاله في اليوم ذاته -وهو ما وافق عشية الجولة الأولى من الانتخابات المحلية- قد ساعد في حشد أنصار الحركة الوطنية المتحدة (United National Movement [UNM]). ونتيجة لذلك، فاز الحزب الحاكم “الحلم الجورجي” في الجولة الأولى بنسبة 46.75 في المائة من الأصوات على مستوى البلاد، في حين حصل حزب الحركة الوطنية المتحدة على 30.67 في المائة. والجدير بالذكر أن الحزبين مجتمعين حصلا على أصوات أكثر من الانتخابات البرلمانية لعام 2020 (ثم كانت الأرقام 48.22 في المائة و27.18 في المائة على التوالي)[13].

أصبح الخطاب السياسي للحلم الجورجي، الذي يأتي أساسًا من رئيس الوزراء إيراكلي غاريباشفيلي (Irakli Garibashvili)، أكثر حدَّة منذ يوليو 2021، عندما تمَّ حشد حشود عنيفة لمهاجمة أنصار مجتمع المثليِّين، ممَّا أدَّى إلى إصابة بعض الصحفيِّين، كما دفعت عودة ساكاشفيلي والخوف من التعبئة غير المسبوقة من قبل الحركة الوطنية في جورجيا حزبَ الحلم الجورجي للتركيز على الرغبة في “إنهاء الخطر الذي تمثله الحركة الوطنية”. تحدث غاريباشفيلي عن مخاطر العنف إذا فاز مرشحو المعارضة في الجولة الثانية، كما شدَّد على أن ساكاشفيلي “سيقضي بالكامل” سنوات سجنه الست، استخدم غاريباشفيلي أيضًا خطابًا شديد اللهجة تجاه أعضاء البرلمان الأوروبي الذين أعربوا عن قلقهم بشأن ساكاشفيلي، من ناحية أخرى، حاولت قيادات الحركة الوطنية المتحدة تهدئة مخاوف الانتقام السياسي في حالة النصر، وشدَّدت على سياسات التحالف وتحدثت عن المصالحة[14].

في الجولة الثانية في 30 أكتوبر 2021، وفقًا للنتائج الرسمية، فاز الحلم الجورجي في 19 بلدية من أصل 20، بما في ذلك جميع المدن الرئيسية، وإن كان بهامش ضئيل في بعض الحالات، صوَّتت المناطق الوسطى الغنية في العاصمة في الغالب ضد حزب الحركة الوطنية المتحدة. لكن في كبرى مدن غرب جورجيا، كوتايسي وباتومي، كانت هناك تقارير عن تزوير الأصوات والرشوة والترهيب، وهو ما تنامت معه الادِّعاءات بأن ذلك قد ساعد الحزب الحاكم على انتزاع النصر من الحركة الوطنية المتحدة[15].

سرعان ما أعلنت المعارضة أن الجولة الثانية “باطلة” ودعت أنصارها إلى النزول إلى الشوارع ولاقت الدعوة استجابة تمثَّلت في مظاهرات في 6 نوفمبر 2021 بالعاصمة تبليسي، كما اعتصم أعضاء من الحركة الوطنية حول سجن روستافي مطالبين بالإفراج عن ساكاشفيلي، الذي دعا إلى “انتزاع السلطة” من الحزب الحاكم. وفي إشارة منه إلى الثورة الأرمنية لعام 2018 واحتجاجات الميدان الأوكراني في أواخر 2013 ومطلع 2014، قال “يجب فعل الشيء نفسه هنا أيضًا؛ لأن فكرة مثل هذه الثورات ولدت بالأساس في جورجيا”[16].

ب) موقف جورجيا من الحرب الأوكرانية

قدَّمت الحكومة الجورجية في 3 مارس 2022 طلبًا رسميًّا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي رغم أنه كان مخططًا القيام بذلك في عام 2024، وفي ظل رغبة الاتحاد الأوروبي عدم زعزعة استقرار جورجيا أكثر من ذلك فالمتوقَّع أن يستخدم الاتحاد بعض الصياغات الحكيمة ويتأنَّى في الاستجابة لهذا الطلب[17].

على عكس الترحيب الذي أظهرته أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، الجمهوريَّتان الانفصاليَّتان داخل جورجيا، باعتراف موسكو بدونيتسك ولوغانسك -كما سيرد لاحقًا- تم تلقِّي الاعتراف بشكل مختلف تمامًا في تبليسي، ورسم الكثيرون مقارنة بين الحرب والاعتراف الروسي بالمناطق الانفصالية في جورجيا في عام 2008 وما يحدث في أوكرانيا. إذا كان صحيحًا أن هناك عناصر مشتركة، أي الإكراه العسكري والاعتراف السياسي، فمن الصحيح كذلك أن هناك اختلافات كبيرة أيضًا. في جورجيا، تم الاعتراف بعد حرب قصيرة على منطقة محدودة للغاية (حتى لو امتدَّ القصف الاستراتيجي إلى ما وراء منطقة الغزو برًّا). لكن في حالة الهجوم على أوكرانيا، قدَّم الاعترافُ ذريعةً لعمليات عسكرية أكبر بكثير. ولكن أيضًا، كما لاحظت الرئيسة الجورجية سالومي زورابيشفيلي (Salome Zourabichvili): “لم تكن روسيا في عام 2008 تمامًا مثل روسيا في عام 2022 […] تتَّجه روسيا مباشرةً نحو الضمِّ حتى بدون ذريعة الحرب، مما يعني أنها خطوة أعلى في مستوى الصراع”[18].

لكن على الرغم من تلك المقارنة وكون جورجيا الدولة الوحيدة في جنوب القوقاز التي تطمح إلى عضوية كلٍّ من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) وكذلك الدولة الإقليمية الوحيدة في صراع إقليمي مع روسيا، إلا أن قياداتها الحكومية رفضت زيارة أوكرانيا في وسط الأزمة المتفاقمة رغم الدعوات العديدة من الجمهور والمعارضة. وفي 25 فبراير 2022، رفض الحزب الحاكم “الحلم الجورحي” عقد جلسة برلمانية استثنائية بشأن الأزمة الأوكرانية كانت قد بادرت بها المعارضة البرلمانية وبدعم من رئيسة الدولة سالومي زورابيشفيلي، بل وأفادت تقارير صحفية بأن رئيس البرلمان شالفا بابواشفيلي (Shalva Papuashvili) منع دخول نواب المعارضة للقاعة العامة كي يمنع أية محادثات برلمانية حول هذه القضية[19].

بات واضحًا أن الحكومة الجورجية لا تخطِّط للانضمام للعقوبات الغربية ضدَّ روسيا، فعلى الرغم من إعلان البنك الوطني لجورجيا أنه “لا يستطيع ولن يساعد” أي شخص يسْعى للتهرُّب من تلك العقوبات، إلا أنه وفقًا لرئيس الوزراء إيراكلي غاريباشفيلي، فإن التوافق مع نظام العقوبات المفروض بصرامة من الغرب لن يؤدِّي إلا إلى إلحاق الضرر بجورجيا وشعبها. لاقت تلك التصريحات إشادة النائب الأول لرئيس اللجنة الدولية لمجلس الاتحاد الروسي (الغرفة العليا في البرلمان)، فلاديمير جباروف (Vladimir Jabarov)، الذي قال: “لا يسع المرء إلا أن يرحِّب بمثل هذا القرار”، لكن هذا الموقف السياسي للحكومة الجورجية أثار غضب المعارضة وقطاعات من الرأي العام الجورجي الذين أدانوا العدوان الروسي على أوكرانيا ودعوا إلى استقالة رئيس الوزراء غاريباشفيلي[20].

ردًّا على هذا النقد ودفاعًا عن قراره، أشار غاريباشفيلي، في 28 فبراير 2022، إلى غياب أية قوة خارجية حازمة لمنع قصف أوكرانيا؛ كما رأى أن “العقوبات ليست بالوسيلة الفعالة” لهذا الغرض. وأضاف: “نتعاطف مع الجميع، لكن يجب أن نحمي بلدنا وشعبنا أولًا”، لكن تلك التصريحات لم تمنع الحكومة الجورجية من الانضمام لأذربيجان في إرسال إمدادات طبية إلى أوكرانيا بقيمة مليون لاري (أي حوالي 315000 دولار)[21].

على المستوى الشعبي شهدت عاصمتا البلدين مظاهرات لدعم أوكرانيا وهو ما دفع الرئيس الأوكراني زيلينسكي (Volodymyr Zelensky) ليغرد بتاريخ 26 فبراير 2022 ليشكر الجورجيين على مسيراتهم المؤيدة لأوكرانيا، لكن في الوقت ذاته منتقدًا موقف الحكومة الجورجية؛ حيث قال: “في الواقع، هناك أوقات لا يكون فيها المواطنون هم الحكومة، ولكنهم أفضل من الحكومة”[22].

لم تقتصر الانتقادات الموجهة للحكومة على المستوى الشعبي فقط ومن جانب المعارضة، بل خرجت انتقادات من قبل رئيسة الدولة سالومي زورابيشفيلي، لكن نظرة متأنية لوضع جورجيا تظهر أن الدولة لديها عدد قليل من الخيارات المتاحة، وأن عدم لفت الانتباه لها وعدم استفزازها موسكو في المأزق الحالي هو على الأرجح الأمر الذي ينبغي القيام به، فمن الواضح أن جورجيا لا تملك الكثير لتقدِّمه لأوكرانيا، في حين أنها من ناحية أخرى عرضة في أي وقت لمغامرات جديدة من قبل الكرملين[23].

مواقف الحكومة الجورجية دفعت تحليلات للقول بأنه يسود اعتقاد واسع النطاق في تبليسي بأن الحكومة قد أساءت إدارة اتصالاتها بشأن ما كانت تفعله ولماذا، سواء في بياناتها أو في تعاملاتها مع كل من الجمهور الجورجي والمجتمع الدولي، بدا ذلك -بحسب تلك التحليلات- متماشيًا مع الاتجاه الذي ظهر في حزب “الحلم الجورجي” الحاكم في العام الماضي والمتمثل في عدم الاهتمام بما يقوله الرأي العام المحلي أو المجتمع الدولي؛ ذلك لأن الانتخابات البرلمانية المقبلة لن تتمَّ حتى عام 2024″[24].

وبالرغم من موافقة البرلمان الجورجي في فبراير 2022 على قرار يدعم وحدة أراضي أوكرانيا، فإن هذا القرار تعرَّض لانتقادات شديدة من قبل المعارضة لأنه لم يذكر روسيا صراحةً في أي موضع، لكن ردود أفعال الطبقة الحاكمة في تبليسي أضحت تشير إلى روسيا على أنها معتدية بدون ذلك التحفُّظ المعتاد في الماضي والذي كان -بحسب رئيسة الدولة زورابيشفيلي- مرده إلى الوضع الأمني الجورجي غير المستقر[25].

إن التحليلات التي تبدي تفهُّمًا للموقف الحكومي الجورجي وترى صعوبة الاختيارات المتاحة أمامه تنتقد بدورها المنادين باتباع السياسات الغربية وتعتقد أن الوقت قد حان لأن ترفض جورجيا ودول ما بعد الاتحاد السوفيتي الأخرى السياسات التي تملِي عليها النمط الذي ينبغي أن يبدو عليه التقدُّم والتطوُّر، بدلًا من ذلك يحتاج صنَّاع السياسات -بحسب تلك التحليلات- إلى مراعاة الاحتياجات الأساسية للناس العاديين، بما في ذلك الوصول إلى الوظائف والرعاية الصحية والتعليم[26].

من التحليلات الجورجية ما يرى أنه من السذاجة الاعتقاد بأن حرب بوتين في أوكرانيا -التي تقع في محيط جورجيا الإقليمي- لن تؤثِّر على جورجيا، بل إن ذلك التأثير -في رأي تلك التحليلات- يمكن التمييز فيه بين ثلاثة اتجاهات: أولًا، روسيا وأوكرانيا شريكان تجاريان مهمَّان لجورجيا. وتتركَّز مساهمات هذين الاقتصادين بشكلٍ رئيسي في مجالات التجارة والسياحة والتحويلات المالية، ومن الواضح أن تراجعها يعني خسارة الإيرادات لجورجيا. ثانيًا، شهدت جورجيا حرب أغسطس عام 2008 ولا تزال القوات الروسية تحتل أراضٍ جورجية ويمكنها الزحف نحو تبليسي في ظلِّ خطاب وسردية روسية تجعل جورجيا ضمن طموحات بوتين التوسُّعية، وكلُّ هذا بالطبع لا يساهم في خلق مناخ أعمال واستثمار إيجابي في البلاد. أخيرًا، جورجيا اقتصاد صغير ومنفتح، وهذا يعني أنه إذا تضرَّر الاقتصاد العالمي، فسيكون لذلك تأثير سلبي غير مباشر على اقتصاد جورجيا أيضًا. ولقد أظهرت جائحة كورونا بالفعل مدى أهمية هذا التأثير[27].

2- أذربيجان

من بين جمهوريات جنوب القوقاز الثلاث تتميَّز أذربيجان بغالبية سكَّان مسلمين، وهي عضو في منظمة التعاون الإسلامي، ورغم غياب الإحصاءات الدقيقة حول نسبة هؤلاء المسلمين إلا أنها تتراوح بين 92 و96 بالمائة من إجمالي السكان، وتعتنق غالبيتهم المذهب الشيعي، فهي تشبه وضع جارتها إيران، غير أن الدستور الأذربيجاني ينصُّ على علمانية الدولة على غرار تركيا التي تشترك معها في الخصائص العرقية واللغوية للسكان، وهي أيضًا تسعى لتعريف نفسها كدولة تريد التخلُّص من موروثها السوفيتي[28].

جعل الوضعُ الجغرافي أذربيجان جارةً قريبةً لعدد من الدول التي تسعى لتصدير نماذجها الثقافية؛ مثل إيران، وتركيا، والسعودية. ولذلك كانت مقصدًا للكثير من الدعاة والمنظمات، وبدأت تبرز فيها تجمُّعات ذات صبغة شيعية، وأخرى ذات صبغة سُنية، وهو ما اعتبرته حكومة باكو تهديدًا لعلمانية الدولة، وسَعَتْ للحدِّ منه أو السيطرة عليه[29]. ورغم تأكيد السلطات الأذرية على علمانية الدولة وحقيقة أن الدستور الأذربيجاني الصادر في 1995 يفصل بين الدين والدولة، وأن الدين لا يدرس بالمدارس العامة. لكن ذلك لا ينفي اهتمام النخبة الحاكمة بإبراز الموروث الإسلامي وأن التعليم الديني الخاص في تزايد، كما أنه بإمكان المدارس والجامعات تنظيم المحاضرات الدينية من مواردها الذاتية[30]، غير أن منظمات حقوقية غربية تتَّهم حكومة باكو باستخدام فزاعة التطرف الديني لقمع المعارضة التي تدعو للإصلاح عبر الوسائل السلمية والحرية الدينية[31].

أ) علاقات أذربيجان الخارجية

سعت أذربيجان لاتباع سياسة خارجية متوازنة قدر المستطاع، فمن ناحية تدرك الوضع المتميز لروسيا داخل إقليم القوقاز والضغوط التي تمارسها موسكو على دول الإقليم، ومن ناحية أخرى تسعى لتطوير علاقات اقتصادية متميزة مع الغرب. لكن يظل اعتماد أوروبا على موسكو في توفير احتياجاتها من الغاز الطبيعي أكبر بكثير من اللجوء إلى باكو، ففي عام 2021، استورد الاتحاد الأوروبي 155 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من موسكو، و8.2 مليار فقط من أذربيجان. وتخطط الجارة الجنوبية لروسيا لزيادة صادراتها إلى أوروبا، على الرغم من أن التوقُّعات -تسعة مليارات متر مكعب في عام 2022 و11 مليارًا في عام 2023- من غير المرجَّح أن تحدث فارقًا كبيرًا للمستهلكين الأوروبيِّين[32].

ومع ذلك، فإن باكو لديها استراتيجية طويلة الأجل لنمو الصادرات، تخطط السلطات لتحويل منطقة ناغورنو كاراباخ إلى “منطقة طاقة خضراء”، ممَّا سيسمح لأذربيجان بزيادة إنتاج الكهرباء من مصادر متجدِّدة وإتاحة المزيد من الغاز للتصدير. كما أنها بصدد التوصُّل إلى اتفاق من شأنه أن يسمح لشركة النفط والغاز متعدِّدة الجنسيات BP وشركة “مصدر” للطاقة ومقرها الإمارات العربية المتحدة ببناء محطات للطاقة الشمسية في ناغورنو كاراباخ[33].

وفقًا لاتفاقية وقف إطلاق النار في نوفمبر 2020، يجب على أرمينيا إزالة أية معوقات أمام الروابط الاقتصادية وخطوط النقل في المنطقة، ممَّا سيمكِّن أذربيجان من استكمال بناء ممرِّ نقل ناختشيفان (المعروف أيضًا باسم ممر زانجيزور) بحلول عام 2023، مما سيسمح لباكو بربط جمهورية ناختشيفان المتمتِّعة بالحكم الذاتي عبر الأراضي الأرمينية دون نقاط التفتيش الأرمينية[34]. وتقوم أذربيجان أيضًا ببناء الطرق والسكك الحديدية والمطارات في المنطقة، وهو ما سيتيح كذلك ربط أذربيجان بتركيا التي تربطها بها بالفعل علاقات عسكرية وثيقة، لكن المشكلة تكْمن في أن 45 كيلومترًا من الممرِّ المشار إليه يجب أن تمرَّ عبر الأراضي الأرمنية، لكن يريفان -على عكس باكو- لا يبدو أنها في عجلة من أمرها في البناء، ذلك على الرغم من أن خطَّ السكة الحديدية سيربط أرمينيا بشريكتها الوثيقة روسيا عبر البر الرئيسي لأذربيجان[35].

  • أذربيجان وروسيا

يمكن النظر إلى قضية ناغورنو كاراباخ كأحد أهم القضايا التي شهدت تدخُّلًا روسيًّا في شؤون أذربيجان، وقد استندت سياسة ناغورنو كاراباخ الروسية إلى الحفاظ على توازن القوات وتجميد الصراع، وعلى الرغم من الاتهامات التي كانت توجِّهها باكو لموسكو بدعم أرمينيا في مواجهة أذربيجان ضمن مخطَّط السيطرة على احتياطياتها النفطية إلا أن كون روسيا لاعبًا أساسيًّا في المنطقة دفع السلطات الأذرية إلى خلق علاقات استراتيجية معها.

وبالرغغم من أن يريفان عضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها موسكو منذ عام 1994، فإن موسكو وباكو وقعتا “اتفاقية تعاون مع الحلفاء” في 22 فبراير 2022، قبل يومين فقط من بدء روسيا غزوها لأوكرانيا، في ظلِّ هذه الظروف، يصعب على أذربيجان القيام بما يسيء لعلاقاتها مع الكرملين. وعلى الصعيد الاقتصادي بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين ما يقرب من 3 مليارات دولار في عام 2021، ولا تزال موسكو واحدةً من أهمِّ شركاء باكو التجاريِّين، وربما يكون هذا أحد أسباب عدم انضمام أذربيجان إلى العقوبات المناهضة لروسيا[36].

في خضمِّ الحرب الروسية ضدَّ أوكرانيا، تواصل أذربيجان ما يمكن وصفه بنهج متوازن في السياسة الخارجية التي تبنَّاها هذا البلد بوعْي في منتصف التسعينيات من القرن العشرين، كما يشكِّل التاريخ الحديث للعلاقات الأذربيجانية الروسية (على سبيل المثال، الدعم الروسي التقليدي لأرمينيا في النزاع الأرمني الأذربيجاني السابق، والإمدادات العسكرية من موسكو لأرمينيا قبل وأثناء حرب كاراباخ الثانية لعام 2020) الأساس المنطقي لسياسات باكو الحذِرة تجاه موسكو، حيث أعلنت القيادة السياسية لأذربيجان، على الرغم من امتناعها عن انتقاد روسيا علانية، دعمها غير المباشر لأوكرانيا من خلال تسليط الضوء على أهمية القانون الدولي، ولا سيما السيادة وسلامة الأراضي، كأساس لوقف إطلاق النار الذي يجب أن يتحقَّق بين الأطراف المتصارعة[37].

تمَّ تسليط الضوء على مواءمات باكو في يناير 2022، حيث كان الحشد العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية على قدم وساق، فقد زار الرئيس إلهام علييف (Ilham Aliyev) الرئيس فولوديمير زيلينسكي في كييف وأعاد التأكيد على دعم باكو لوحدة أراضي أوكرانيا، تمَّ توقيع إعلان تعاون استراتيجي ينصُّ على الاستعداد لتقديم الدعم المتبادل لسيادة الدولتين وسلامتهما الإقليمية داخل الحدود المعترف بها دوليًّا، وأيضًا ضدَّ التهديدات المختلطة. من أجل الاستقرار في منطقة بحر قزوين الأسود وما وراءها. في 22 فبراير 2022 -قبل يومين فقط من إعلان روسيا عن “العمليات العسكرية” في أوكرانيا- كان علييف في موسكو للتوقيع على معاهدة “تحالف” مع بوتين، وخلال الاجتماع، حرص بوتين على إبلاغ علييف أن عدم اعتراف روسيا بالسيادة الأوكرانية على الجمهوريَّتين الانفصاليتين لا شأن له بجمهوريات ما بعد الاتحاد السوفييتي الأخرى[38].

لكن لم يكن توقيت التوقيع على الإعلان موضع ترحيب في أذربيجان؛ حيث فسَّر بعضُ المحلِّلين الوثيقةَ على أنها تضحية باستراتيجية باكو طويلة المدى للسياسة الخارجية المتوازنة لصالح موسكو، لكن التواصُل مع روسيا لا ينبغي أن يكون مفاجأة؛ إذ طالما اتَّبعت باكو سياسة خارجية متوازنة بين موسكو والغرب كما تناور بأفضل ما يمكن لمنع أذربيجان من الوقوع تحت تأثير أي منهما، بل إن الإعلان الجديد جاء بعد أيام فقط من زيارة مفوض الطاقة بالاتحاد الأوروبي إلى باكو، واتَّصل رئيس حلف الناتو ينس ستولتنبرغ (Jens Stoltenberg) بعلييف لشكر أذربيجان لكونها مورد غاز موثوق لأوروبا وكذلك لزيادة صادرات الغاز. بينما كان الغرب يسْعى لزيادة شحنات الغاز الطبيعي لتعويض النقص المحتمل في حال قطعت روسيا الإمدادات كجزء من المواجهة بشأن أوكرانيا، كانت باكو توافق على الطلب[39].

يعتقد الكثيرون أن الوثيقة كانت سيناريو مربحًا للجانبين، بالنسبة لموسكو، أكَّدت عدم انضمام باكو إلى العقوبات التي يقودها الغرب ضدَّ روسيا، وبالنسبة لباكو، تلزم الوثيقة كلا البلدين بالاعتراف بوحدة أراضي كلٍّ منهما، أي إن موسكو تعتبر ناغورنو كاراباخ أرضًا أذربيجانية، وهو ما رفضته روسيا رسميًّا في السابق، فقد لُوحظ أن روسيا لم تؤكِّد رسميًّا قَطُّ على وحدة أراضي أذربيجان في أي مناسبة، ولا حتى في السياقات متعدِّدة الأطراف، لكن التحليلات المعارضة للاتفاق أشارت إلى أن الوثيقة تعهَّدت فيها الأطراف “بالامتناع عن القيام بأي نشاط اقتصادي يتسبَّب في ضررٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ لمصالح الطرف الآخر”، هنا يبدو أن هذا البند يعطي موسكو رأيًا في مشاريع الطاقة المستقبلية في أذربيجان[40].

  • أذربيجان وتركيا

تعود العلاقة بين البلدين للعام 1991 عندما كانت تركيا أول دولة تعترف بأذربيجان. كانت تركيا منذ استقلال أذربيجان الدولة الأجنبية الأقرب لها وأقامت معها علاقات اقتصادية وتعليمية وثقافية[41]، ساعد على ذلك التقاربِ حقيقةُ أن العرقية التي تشكِّل الأغلبية بالجمهورية هي الأذريون الأتراك الذين يمثلون حوالي 75 بالمائة من سكان أذربيجان[42].

سَعَتْ أنقرة لاتخاذ أذربيجان موطئ قدم لتوطيد شراكتها مع هذه الدولة على كافَّة الأصعدة، وفي الوقت نفسه للتمدُّد وتوسعة النفوذ عبر القوقاز، وقدَّمت تركيا لأذربيجان في 2020 دعمًا حاسمًا في حربها ضدَّ القوَّات الأرمينية في ناغورنو كاراباخ، وتضمن التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري بين البلدين خصوصًا تقديم مساعدة تركية لأذربيجان في مجال تدريب وتسليح جيشها، وتسهيل إرسال صادراتها من النفط والغاز إلى أوروبا عبر الالتفاف على روسيا[43].

  • أذربيجان وإيران

أما عن العلاقة مع إيران فمنذ فقدت الدولة القاجارية سيطرتها على خانات شمال نهر آراس في حربها ضد روسيا القيصرية خلال الفترة (1813-1804) فإن الأذريِّين بالمنطقة طوَّروا تدريجيًّا خصائص متباينة عن تلك التي يتَّصف بها أذريُّو إيران. فبينما شهدت أذربيجان الروسية رواجًا لعملية العلمنة والتتريك، استمرَّ الإسلام الشيعي والتأثير الثقافي الإيراني الفارسي مهيمنًا على أذريِّي إيران[44]. وكما هو الحال مع تركيا انخرطت إيران في علاقات اقتصادية وثقافية مع أذربيجان، لكن الأخيرة تخشى من إمكانية تصدير إيران لنموذجها الإسلامي[45]، لذلك ارتبط توتُّر العلاقات بين البلدين بالحديث عن التخوُّف من التطرُّف، فخرجت عن بعض القيادات الإيرانية تصريحات اعتبرتها باكو استفزازية، كما وجَّهت اتهامات لمتطرِّفين موالين لطهران بمحاولة اغتيال صحفي علماني التوجُّه في عام 2012[46].

وقد شهد الربع الأخير من عام 2021 تصاعد العداء بين إيران وأذربيجان، وتعود التوتُّرات لفترات سابقة تخصُّ الحدود ومقاطعة أذربيجان الشرقية في إيران، لكن زاد من التوتُّرات فرضَ باكو ضريبةً على شاحناتٍ تنقل وقودًا وسلعًا، من إيران إلى مناطق أرمينية في كاراباخ. ثم أغلقت باكو الجزءَ الرئيسيَّ من الطريق السريع جوريس كابان في أرمينيا الذي يمرُّ عبر أذربيجان، وسلَّمت مذكرة دبلوماسية إلى السفير الإيراني، واحتجزت السائقين الإيرانيِّين[47].

ترافق ذلك مع مضايقات أخرى لإيران، بما في ذلك سلسلة من التدريبات العسكرية التي شاركت فيها أذربيجان وتركيا وباكستان، وتصاعد الخطاب المعادي لإيران من قبل المسؤولين الأذربيجانيِّين. وللمرة الأولى منذ عقود، أجْرت طهران مناورات عسكرية واسعة النطاق على حدودها الشمالية مع أذربيجان. فبالتوازي مع التدريبات، تسارعت الحرب الكلامية بين البلدين، في حين أن هناك العديد من القضايا التي لا يمكن أن تتَّفق عليها طهران مع باكو، فإن لديها شاغليْن رئيسيَّيْن في الوقت الحالي، هما: استخدام إسرائيل المحتمل للأراضي الأذربيجانية لأغراض استخباراتية وعسكرية ضدَّ إيران، واحتمال أن تستولي أذربيجان على مقاطعة سيونيك الجنوبية في أرمينيا وتقطع العلاقات الإيرانية مع أرمينيا[48].

ب) تطورات الصراع في ناغورنو كاراباخ

بشكل عام وعلى مستوى دول الجوار تبقى علاقة أذربيجان بجارتها أرمينيا هي العلاقة الأكثر اضطرابًا وخطورة في ظلِّ قضية ناغورنو كاراباخ التي كانت سببًا في اندلاع مواجهات عسكرية مباشرة بين الدولتين آخرها في عام 2020، كانت ناغورنو كاراباخ نزاعًا مجمَّدًا منذ وقف إطلاق النار عام 1994، وكانت الجولة الأخيرة من القتال في عام 2020 هي الأكثر تدميرًا خلال 30 عامًا[49].

تطوَّر نزاع ناغورنو كاراباخ عام 2020 إلى حملة استرجاع لأذربيجان، التي استعادت، وفقًا لاتفاقية وقف إطلاق النار في 10 نوفمبر 2020، السيطرة على سبع مناطق كانت تحت سيطرة الجيش الأرميني منذ عام 1994، وكذلك جزء من إقليم ناغورنو كاراباخ نفسه[50]. ربما كان هناك اتفاق لوقف إطلاق النار، لكن لا يوجد سلام؛ حيث يطالب الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بكامل ناغورنو كاراباخ وجزءٍ كبيرٍ من أرمينيا، بما في ذلك عاصمتها يريفان[51].

كان استعداد أذربيجان للمضيِّ قدمًا في العملية العسكرية ودعم تركيا الصريح وغير المشروط لهذه المغامرة العسكرية سببًا في جعل موسكو تفتقر للخيارات الحاسمة، ومن ثم سَعَتْ موسكو قدرَ الإمكان لحماية أرمينيا من الهجوم الأذربيجاني، لكن لم يكن من المقبول نشر قواتها لمواجهة القوات الأذربيجانية -وربما التركية- على الأرض[52]، ثم جاءت الحرب في أوكرانيا لتزيد في الوقت نفسه من خطر عودة هذه النوعية من الصراعات المجمَّدة إلى أعمال عنف وتخلق نافذة من الفرص للولايات المتحدة وأوروبا للضغط من أجل حل دبلوماسي للصراعات[53].

سيكون أحد أكبر تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا على جنوب القوقاز هو زيادة النُّفوذ الغربي في المنطقة، وعليه ستواصل روسيا وتركيا على الأرجح تفاعلهما العملي مع جنوب القوقاز، بهدف تقليل دور الجهات الفاعلة الخارجية، بدأت هذه العملية بعد نهاية حرب ناغورنو كاراباخ الثانية بإنشاء تنسيق 3 + 3 / 3 + 2 (روسيا وتركيا وإيران وأذربيجان وأرمينيا وربما جورجيا) وسوف تتكثَّف فقط في أعقاب الحرب في أوكرانيا. كما أن المواجهة الروسية الغربية ستقلِّص إلى حدٍّ كبيرٍ مساحةَ أرمينيا للمناورة في قضايا السياسة الخارجية[54].

تلك الهيمنة الروسية لإدارة عملية الوساطة بين أذربيجان وأرمينيا في عام 2020 سيكون لها تداعيات كبيرة بشكل خاص على نمط الوساطة الدولية المتَّفق عليها سابقًا في نزاع ناغورنو كاراباخ. فعلى الرغم من أن مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا هي الشكل الوحيد المفوض دوليًّا للتوسُّط في نزاع ناغورنو كاراباخ إلا أنه قد تمَّ تهميشها إلى حدٍّ كبيرٍ في أعقاب حرب ناغورنو كاراباخ الثانية لعام 2020 بسبب الدور الروسي المتزايد وإحجام أذربيجان عن الاستمرار في هذا الشكل. لسنوات عديدة، كانت مجموعة مينسك (التي تشارك في رئاستها الولايات المتحدة، وفرنسا، وروسيا) واحدة من الأماكن القليلة التي تعاونتْ فيها روسيا والغرب ولم يواجه كلٌّ منهما الآخر. لكن لم يعدْ هذا هو الحال. بل قد تكون الحرب الروسية الأوكرانية المسمار الأخير في نعش مجموعة مينسك. كما أن سياسة الغرب الجديدة المتمثِّلة في العزلة الكاملة لروسيا وكذلك تطلُّعات موسكو لتشديد قبضتها على جنوب القوقاز لن تترك مساحة كبيرة لوجود مثل هذه الآثار من النظام العالمي بعد الحرب الباردة[55].

ج) موقف أذربيجان من الحرب الأوكرانية

شكَّل التعامل مع الحرب الأوكرانية تحديًا لقيادات أذربيجان؛ لذلك كانت هناك مزايا للبقاء على الحياد في مواجهةٍ بَدَا أنها تهدف لتغيير شكل أوروبا. لكن بينما يستمرُّ الخلاف مع أرمينيا، فإن الغزو الروسي لأوكرانيا يمثل تحديًا مختلفًا لأذربيجان الغنية بالطاقة. يبدو الحياد هو شعار باكو في سعيها للحفاظ على علاقاتها مع كلٍّ من موسكو وكييف، على الرغم من أن الوضع في أوروبا الشرقية يثير قلقَ الدولة القوقازية، فمن المحتمل أن تستفيد باكو من المشكلة، خاصة فيما يتعلَّق بصادرات الغاز إلى أوروبا. إن عملية “فك الارتباط” بين روسيا والاتحاد الأوروبي تمثِّل فرصة لأذربيجان، خاصة إذا توقَّفت دول الاتحاد في نهاية المطاف، لأي سبب كان، عن شراء الطاقة الروسية[56]. وجاء الدعم الإنساني والخطاب الداعم لوحدة أوكرانيا بمثابة مفاجأة للعديد من المراقبين الذين توقَّعوا أن تنحاز أذربيجان بشكلٍ لا لبْس فيه إلى روسيا في جميع القضايا الدولية الحاسمة -بالطريقة التي اعتادتْ أرمينيا وغيرها من حلفاء روسيا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) القيام بها- خاصةً بعد الإعلان الأذربيجاني الروسي الموقَّع في فبراير 2022 بشأن تعاون الحلفاء، لكن قبل شهر واحد فقط من اندلاع الحرب، ووسط تصاعد الأعمال العدائية، كان الرئيس علييف القائد الوحيد من منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي (باستثناء دول البلطيق) الذي سافر إلى كييف، حيث وقَّع عددًا من الاتفاقيات بشأن تعميق التعاون الثنائي وأعلن دعمه لوحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها.

في 25 فبراير 2022، بعد أن أعلن الرئيس بوتين بدءَ “عملياته العسكرية” في أوكرانيا، صرح حكمت حاجييف (Hikmat Hajiyev) -كبير مستشاري الرئيس علييف للسياسة الخارجية- للتلفزيون الحكومي بأن الأحداث التي تحدث في جميع أنحاء أوكرانيا “عمليات مقلقة ويجب حلُّها عن طريق الحوار”، ومن اللافت للانتباه أنه بينما اعترف حاجييف بوحدة أراضي أوكرانيا لكنه تجنَّب وصفَ الإجراءات الروسية بأنها “حرب” أو “غزو”، بل إنه عندما تعرَّضت القنصلية الأذربيجانية في خاركيف للقصف لم تصْدر أيَّة تعليقات رسمية وتمَّ إجلاءُ الموظَّفين الدبلوماسيِّين بهدوء من المدينة[57].

قدمت باكو الدعم عبر المساعدات الإنسانية مبكِّرًا، ففي 26 فبراير 2022، تبرَّعت أذربيجان بما قيمته 5 ملايين يورو من الأدوية والمعدَّات الطبية كإغاثة إنسانية لأوكرانيا، وأعلن عن المساعدة الرئيس الأوكراني زيلينسكي على تويتر بعد وقتٍ قصيرٍ من مكالمته الهاتفية مع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، وفي تغريدةٍ أخرى، ذكر زيلينسكي أن جميع محطات تعبئة البنزين التابعة لشركة النفط الحكومية لجمهورية أذربيجان “سوكار”SOCAR) ) في أوكرانيا قد صدرت لها تعليمات لتوفير الوقود المجاني لسيارات الإسعاف وسيارات الإطفاء[58].

3- أرمينيا

تمَّت الإشارة في أكثر من موضع لتطورات الصراع في ناغورنو كاراباخ وتأثيراته على طرفي الصراع. لذا سيقتصر هذا القسم على تأثيرات التحالف الروسي الأرميني على سياسات أرمينيا الإقليمية سواء في القوقاز أو في شبه جزيرة القرم.

أ) أرمينيا والسياسات الروسية

أرمينيا حليف مهم لروسيا في جنوب القوقاز، فهي موطن لقاعدتين عسكريَّتين روسيَّتين وأكثر من 3000 جندي روسي يواجهون الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، كما تشارك أرمينيا أيضًا في عددٍ من التكتُّلات الاقتصادية الكبرى التي تهيمن عليها موسكو مثل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EAEU) الذي تمَّ إضفاءُ الطابع الرسمي عليه في أعقاب ضمِّ روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، وهو المدار التجاري لموسكو لإبقاء جيرانها في أوراسيا تحت هيمنتها، بينما تحاول منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) موازنة الناتو في هذا الجزء من العالم[59].

رغم التحالف الروسي الأرميني إلا أن يريفان لم تعترفْ رسميًّا بالخيارات السياسية للأعوام الأربعة عشر الماضية (2008-2022) من الحروب الروسية، وبالتالي فهي لا تعترف بأبخازيا أو أوسيتيا الجنوبية أو بضم شبه جزيرة القرم، وحينما سُئل وزير الخارجية الأرميني عن الحرب في أوكرانيا أجاب: “نحن بالتأكيد نريد حَلَّ القضايا القائمة بين الدولتين الصديقتين من خلال الحوار الدبلوماسي والمفاوضات ووفقًا لقواعد ومبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ونأمل أن يكون الهدف من الخطوات اللازمة تخفيف حدَّة التوتر وحلَّ الوضعِ سلميًّا”. وعندما سئل عما إذا كانت أرمينيا ستعترف بدونيتسك ولوغانسك، أجاب بأن الاعتراف ليس على جدول الأعمال[60].

لكن كما أشرنا بخصوص قلة البدائل أمام أرمينيا وأنه ليس لدى يريفان مساحة كبيرة للمناورة لأنها لا تزال تعتمد بشدَّة على موسكو، إذ تُعتبر روسيا الشريك التجاري والمستثمر الرئيسي لأرمينيا مع مشاركة البلدين في سوقٍ واحدةٍ بفضْل عضويَّتهما في الكتلة التجارية الأوروبية الآسيوية، وتمَّ دمج أنظمة الدفاع في البلدين إلى حدٍّ كبير؛ حيث تعمل روسيا كضامن لأمن أرمينيا، كما تمَّ تصميم هيكل الأخيرة الأمني ​​من قبل روسيا ويتمُّ تدريب الضباط العسكريِّين الأرمن في الأكاديميات الروسية، وهي سياسة طويلة الأمد في فترة ما بعد الاتحاد السوفيتي[61].

ب) التحالف الروسي الأرميني والحرب الأوكرانية

برزت أرمينيا باعتبارها الدولة الوحيدة في جنوب القوقاز التي تحالفتْ مع روسيا في قضية أوكرانيا، ففي 25 فبراير 2022 صوَّتت أرمينيا وحدها مع الوفد الروسي ضدَّ قرار في مجلس أوروبا بتعليق عضوية روسيا في المنظمة بسبب هجومها المسلَّح على أوكرانيا. وفي اليوم نفسه، قام وزير الدفاع الأرميني سورين بابيكيان (Suren Papikian) بزيارة إلى موسكو والتقى نظيره الروسي، لكن البيان الصحفي الصادر عن الاجتماع لم يُشِرْ إلى حرب أوكرانيا، وفي 26 فبراير 2022، نفت وزارة الخارجية الأرمينية المعلومات التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي حول مشاركة مزعومة لأفراد من الخدمة الأرمينية في الحرب ضد أوكرانيا[62].

يضع العدوان العسكري الروسي اليوم أرمينيا في وضعٍ صعبٍ للغاية، ليس فقط لأن العلاقات الأرمينية الأوكرانية جيدة، ولكن أيضًا لأن هناك جالية أرمينية مهمَّة تُقيم في أوكرانيا -في دونيتسك وحدها، أكثر من 50 ألف أوكراني من أصل أرمني وأرمن هاجروا إلى أوكرانيا- تعمل السفارة الأرمينية في البلاد ويتم إعداد خطة إخلاء محتملة للأرمن[63].

وعلى ضوء ذلك يمكن تفسير قلق يريفان من الانعكاسات الإقليمية للعقوبات الدولية المناهضة لروسيا، فقد حذَّر رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان (Nikol Pashinian) في 27 فبراير 2022 في نور سلطان بكازاخستان أثناء كلمته أمام اجتماع المجلس الحكومي للاتحاد الاقتصادي الأوراسي -الذي تهيمن عليه موسكو- من الانعكاسات الخطيرة لهذه الأزمة. وقال: “بالطبع، من الواضح أن العقوبات سيكون لها تأثير مباشر على المناخ الاقتصادي في منطقة أوراسيا”، مضيفًا أن الدول الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوروبي بحاجة إلى اتخاذ تدابير لتقليل التأثير السلبي لهذه العقوبات على اقتصاداتها[64].

أثار موقف يريفان المحايد في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة غضب الكرملين بشكل ملحوظ. وفي 4 مارس 2022، أي بعد يومين من التصويت، جرتْ مكالمةٌ هاتفيةٌ بين وزيري خارجية روسيا وأرمينيا -سيرجي لافروف (Sergey Lavrov) وأرارات ميرزويان (Ararat Mirzoyan)، وقد عقبت وزارة الخارجية الروسية بأن الوزيرين ناقشا خلال الاتصال مسألة تنسيق الاقترابات على الساحة الدولية. من الواضح أن موسكو كانت مستاءةً من امتناع يريفان عن التصويت في الأمم المتحدة واستخدمت هذا الاتصال لتوبيخ شريكها الأصغر[65].

4- مواقف الجمهوريات الانفصالية في القوقاز من الحرب في أوكرانيا

أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 21 فبراير 2022 اعتراف روسيا باستقلال جمهوريتي دونيتسك (DPR) ولوغانسك (LPR) الانفصاليَّتين بأوكرانيا. وبعد ثلاثة أيام، شَنَّ بوتين هجومه العسكري على أوكرانيا قائلًا إنه كان لحماية سكَّان منطقة دونباس من الحكومة الأوكرانية. منذ ذلك الحين، تهاجم القوات الروسية المدن الكبرى والبنية التحتية في أوكرانيا[66]. احتفل الانفصاليون في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، المدعومتين من موسكو، بالاعتراف بدونيتسك ولوغانسك، في 23 فبراير 2022، تمَّ الاحتفال بـ”يوم المدافع عن الوطن”، كما هو الحال في روسيا، وبهذه المناسبة ألقى الرئيس الأبخازي أصلان بجانيا (Aslan Bzhania) خطابًا عامًّا قصيرًا بينما حضر رئيس أوسيتيا الجنوبية أناتولي بيبيلوف (Anatoly Bibilov) مراسم كرَّر خلالها جميع الاتهامات التي وجَّهها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد الناتو[67].

كانت أوسيتيا الجنوبية قد اعترفت بالفعل بالجمهوريَّتين الأوكرانيَّتين الانفصاليَّتين في عام 2014، وقد فعلت ذلك أبخازيا في فبراير 2022. بالإضافة إلى الدعم السياسي، أتاحت أوسيتيا الجنوبية أراضيها لاستضافة أيتام الصراع ووضعت دفاعاتها في حالة تأهُّب، وعقد رئيسُها بيبيلوف سلسلةً من الاجتماعات مع وزير دفاعه فيما يتعلَّق بالأزمة الأوكرانية للتحقُّق من حالة القوات ووسائل الدفاع والمعدَّات العسكرية والأسلحة والأفراد وكذلك الاستعداد للردِّ على الاستفزازات المحتملة من جورجيا وذلك في حالة انتشار التوتُّر الإقليمي[68].

الدعم الذي قدَّمته أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية امتدَّ كذلك للتوطين وإيواء اللاجئين من “جمهورية لوغانسك الشعبية” إلى الاتحاد الروسي بحيث يتمُّ نقلُهم لاحقًا إلى أبخازيا، وبحسب التقارير الواردة من السلطات المحلية، فإن “وزير الطوارئ الأبخازي” ليف كفيتسينيا (Lev Kvitsinia) أشرف بنفسه على النقل من لوغانسك، وستقدم أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا مساعدة نشطة لصالح الغزو[69].

ثانيًا- التنافس الروسي التركي في جنوب القوقاز

بعد حرب ناغورنو كاراباخ الثانية في 2020، عزَّزت روسيا نفوذها في القوقاز، نتيجةً لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بوساطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تم نشر حوالي 2000 جندي حفظ سلام روسي في ناغورنو كاراباخ. علاوة على ذلك، أضحت روسيا حليفًا فعليًّا لكل من أرمينيا وأذربيجان[70]، لكن التحليلات المشكِّكة في النوايا الروسية تجاه القوقاز ترى أن تطوُّر الأزمة الأوكرانية قد يدفع الكرملين إلى إشعال الحرائق الصغيرة في أجزاء أخرى من العالم. إذا تمَّ اتِّباع هذه الإستراتيجية فسوف يصبح جنوب القوقاز معرَّضًا للخطر بشكلٍ كبيرٍ، حيث يمكن لروسيا -صاحبة الوجود العسكري في جميع أنحاء المنطقة- أن تثير بسهولة حوادث من تلك النوعية والتي إذا لم يتمَّ تقييمها ومعالجتها بشكلٍ صحيحٍ يمكن أن تتفجَّر بسرعة إلى عنف واسع النطاق[71].

على الجانب المقابل، بينما كانت تركيا تلعب دور الحليف الرئيسي للولايات المتحدة وشريك الناتو في المنطقة، كانت مشاركتها في صراعات جنوب القوقاز مقيَّدةً بهذا الوضع، لذلك كان خطاب أنقرة الداعم لوحدة أراضي جورجيا -على سبيل المثال- دبلوماسيًّا في الغالب، كما أن التعاون العسكري مع أذربيجان -على الرغم من أهميته- يعتبره محلِّلون ذا صبغة تجارية: فقد باعت أنقرة الأسلحة إلى باكو ثم اشترت بالدولارات من الأخيرة النفط والغاز، كما فعلت موسكو الشيء نفسه[72]،  لكن أنقرة صاغت أهدافها في محيطها الإقليمي وبالقرب من حدودها عكس موسكو التي تسعى لاستعادة مكانتها العالمية.

إذا كانت موسكو تتخطَّى وزنها الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري الحقيقي، فقد كان الهدف في الغالب هو تأمين تلك الامتيازات الإقليمية، لكن يبدو أن منافسًا واحدًا على الأقل، وهو تركيا، رأى روسيا على حقيقتها كقوة إقليمية متوسِّطة. قد تميل تركيا -تحت قيادة رجب طيب أردوغان- مثل روسيا للعودة إلى زمن ما قبل الحرب العالمية الأولى. تمامًا كما في ذلك الوقت، ظاهريًّا تبدو روسيا وتركيا حليفتين لكنهما تتَّجهان باستمرار لتحقيق ميزة ضدَّ بعضهما البعض في مناطقهما الحدودية النائية. لذا تتَّفق أنقرة مع موسكو في انتقاد الازدواجية الغربية في تطبيق المعايير التي تدعو إليها، ويميل الرئيس أردوغان -مثل بوتين- للعودة إلى الماضي الإمبراطوري والقيم التقليدية ذات الصبغة الدينية، كقوة موازنة للمبادئ الليبرالية والديمقراطية[73].

منذ عام 2021، كانت أذربيجان شريكًا وثيقًا لتركيا وهناك مخاوف في موسكو من أن تسمح باكو لأنقرة ببناء قواعد عسكرية في الدولة الواقعة في القوقاز. على الرغم من ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه في عام 2021 افتتحت تركيا وروسيا منشأة عسكرية مشتركة في أذربيجان للمساعدة في مراقبة وقف إطلاق النار في ناغورنو كاراباخ. يسمح التفويض الأولي لقوات حفظ السلام الروسية بالبقاء في الدولة القوقازية حتى عام 2025[74]، لذلك نظريًّا، أذربيجان متحالفة مع روسيا وتركيا، ولكن من الناحية العملية ربما تتحرَّك باكو لتعزيز علاقاتها مع أنقرة، حتى مع بقاء موسكو شريكًا تجاريًّا رئيسيًّا. لكن هذا لا يعني أن أذربيجان ستسمح لتركيا بإنشاء قواعد عسكرية على أراضيها، لأن مثل هذه الخطوة ستعرِّض علاقات باكو مع موسكو للخطر[75].

خاتمة:

يكشف العرض السابق لخريطة تفاعلات القوقاز أهمية المنطقة في الاستراتيجية الروسية؛ حيث تنظر موسكو إلى جنوب القوقاز باعتباره جوارها القريب ومنطقة نفوذ وتأثير لا تسمح لأطراف منافسة أن تنازعها الهيمنة فيها أو أن تشكِّل مع دول المنطقة تحالفات تهدِّد المصالح الروسية. أما عن شمال القوقاز الذي يشكِّل جزءًا من الاتحاد الروسي وتشغله جمهوريات حكم ذاتي في مقدِّمتها الشيشان، فلم تركِّز عليها الدراسة لأن تلك الجمهوريات بحكم الخضوع الرسمي لموسكو ليس متوقَّعًا أن تخرج عن قياداتها ما يخالف السياسة الخارجية الروسية. تحظى الشيشان بوضعية خاصة بين تلك الجمهوريات حيث أطلق الكرملين يدَ رئيسها رمضان قديروف في التعامل سواء مع معارضيه أو مع أية تهديدات داخل الجمهورية. بل طالت قديروف اتهامات بقربه من عناصر نفَّذت عمليات اغتيال لشخصيات معارضة لبوتين وأطلقت بعض الدوائر الغربية على قديروف -ضمن أوصاف أخرى مسيئة- فتى بوتين المدلَّل. لذلك لم يكن مستغربًا تلك التصريحات التي يدعم فيها قديروف الحرب التي شنَّها بوتين على أوكرانيا والتقارير التي خرجت لتؤكِّد مساهمة قوات شيشانية في الحرب حتى وإن كانت تحليلات غربية قد رأت أن مساهمة تلك القوات بشكل هامشي ولا تخرج عن كونها جزءًا من الدعاية (البروباجندا) التي توظِّفها موسكو خلال العمليات العسكرية.

بالعودة لجنوب القوقاز نجد أن روسيا في تعاملها مع جورجيا كانت عادةً ما تستخدم إقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا كورقتي ضغط على النظام الجورجي، فقد كان تقارب الأخير مع أوروبا غالبًا ما يصاحبه خطابٌ معادٍ من روسيا. وجاءت قمة التصعيد الروسي في أغسطس 2008 عندما حاولت جورجيا استعادة أوسيتيا الجنوبية بالقوة العسكرية فما كان من روسيا إلا أن تدخَّلت للدفاع عن الإقليم وتزامن ذلك مع تدخُّل الأبخاز للسيطرة على كامل إقليمهم. ورغم وقف إطلاق النار إلا أن روسيا منحتْ أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الاعترافَ بالاستقلال وهو ما كان يطالب به الإقليمان لسنوات. لذلك كان متوقَّعًا ذلك التأييد والدعم الذي أظهرته الجمهوريَّتان لاعتراف موسكو بالجمهوريَّتين الانفصاليَّتين في أوكرانيا.

أما عن الصراع بين أذربيجان وأرمينيا فعلى الرغم من التقارب الروسي الأرميني إلا أن مصالح روسيا مع أذربيجان حالت دون تصعيد المواجهات في أبريل 2016 ونجحت الوساطة الروسية في تهدئة الأوضاع من جديد. لكن الأوضاع تدهورت بشكل متسارع واندلعت المواجهات العسكرية بين الطرفين في عام 2020 إلى أن نجحت موسكو من جديد في الوصول لاتفاق إطلاق النار بعد استبعاد واضح للدور الأوروبي الأمريكي في التسوية.

وعلى الرغم من حرص دول القوقاز المحافظة على علاقات جيدة مع الغرب فإن الوجود القوي لروسيا بالمنطقة دفع المخاوف الأوروبية إلى أن تمتدَّ للاعتقاد باحتمال لجوء روسيا لاستخدام شبكاتها في الدول القوقازية الثلاث للالتفاف على العقوبات الغربية. وهو ما سيضع تلك الدول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأطراف أخرى من المجتمع الدولي. تأتي تلك المخاوف على الرغم من تطمينات ومواقف مثل إعلان جورجيا في وقت مبكِّر عن تطلُّعاتها الأوروبية الأطلسية ورغبتها في الانضمام إلى الناتو والاتحاد الأوروبي في أقرب وقت ممكن.

في التحليل النهائي، هناك قاسمٌ مشتركٌ واحدٌ مهمٌّ جدًّا لأرمينيا وأذربيجان وجورجيا: إنهم جميعًا يريدون حماية وصوْن استقلالهم وسيادتهم. إنهم جميعًا يدركون الآثار المترتبة على تصرفات روسيا في أوكرانيا وكيف أن هذا لا يبشِّر بالخير بالنسبة لهم. لذا ترى تحليلات غربية أنه حان الوقت لاتخاذ الخطوة الأولى وتبنِّي التعاون الإقليمي، وإذا كان هناك شيء واحد من شأنه أن يربك الروس فسيكون كذلك، لقد بُنيت كل الاستراتيجيات الروسية في جنوب القوقاز في الثلاثين عامًا الماضية -منذ تفكُّك الاتحاد السوفيتي- على أساس استغلال القلاقل والاضطرابات والمنافسة غير الصحية بين البلدان الثلاثة وداخلها[76].

______________________________

الهوامش

[1] The North Caucasus: The Challenges of Integration (I), Ethnicity and Conflict, International Crisis Group, Europe Report; No. 220, 19 October 2012, p. 3.

[2] أحمد عبد الحافظ فواز، “القوقاز بعد ربع قرن من تفكك الاتحاد السوفيتي: خريطة القوى والتفاعلات،” فصلية قضايا ونظرات، مركز الحضارة للدراسات السياسية، العدد الرابع، يناير 2017، ص 40.

[3] Dennis Sammut, “Ukraine poses a dilemma to the three South Caucasus countries, but they have still one important card they can play”, Common Space ,10 March 2022, available at: https://cutt.us/Hsok1

[4] Ibid.

[5] Mary Glantz, Noah Higgins, “Russia’s Ukraine War Could Offer Chance to Resolve South Caucasus Conflicts”, United States Institute of Peace ,5 May 2022, available at: https://cutt.us/DT2Cs

[6] Nikola Mikovic, “The Caucasus card in Russia’s war on Ukraine”, Asia Times ,10 March 2022, available at: https://cutt.us/IWHOn

[7] Julien Bouissou, “The war in Ukraine is having a knock-on effect on Central Asian and Caucasian economies”, Le Monde ,20 April 2022, available at: https://cutt.us/xUZUI

[8] Dennis Sammut, “Ukraine poses a dilemma to the three South Caucasus countries, but they have still one important card they can play”, Op. cit.

[9] لمزيد من التفصيل عن تاريخ العلاقات الجورجية الأبخازية، انظر: أحمـد عبد الحـافظ فـواز، “الحركة الإسـلاميـة في تتـارسـتان وأبخـازيا”، في الخارطة التونسية بعد الثورة: السلفيون – التقدميون – الشيعة، كتاب المسـبار الشـهري، الكتـاب الثـاني والسـتون (فبـراير 2012)، ص ص 215-241.

[10] أحمد عبد الحافظ فواز، القوقاز بعد ربع قرن من تفكُّك الاتحاد السوفيتي، مرجع سابق، ص 43.

[11] Abkhazia: Deepening Dependence, International Crisis Group, Report No. 202, 26 February 2010, p. 1.

[12] أحمد عبد الحافظ فواز، القوقاز بعد ربع قرن من تفكك الاتحاد السوفيتي، مرجع سابق، ص 44.

[13] Otar Kobakhidze, “Mikheil Saakashvili is back”, International Politics and Society ,9 November 2021, available at: https://cutt.us/8kSF8

[14] Ibid.

[15] Ibid.

[16] Ibid.

[17] Dennis Sammut, “Ukraine poses a dilemma to the three South Caucasus countries, but they have still one important card they can play”, Op. cit.

[18] Marilisa Lorusso, “War in Ukraine: reactions from the South Caucasus”, Osservatorio Balcani e Caucaso, 24 February 2022, available at: https://cutt.us/LCzfL

[19] Vasif Huseynov, “The Countries of the South Caucasus Cautiously Follow the Russia-Ukraine War”, The Caspian Post ,2 March 2022, available at: https://cutt.us/WyNxK

[20] Vasif Huseynov, “The Countries of the South Caucasus Cautiously Follow the Russia-Ukraine War”, Op. cit.

[21] Ibid.

[22] Ibid.

[23] Dennis Sammut, “Ukraine poses a dilemma to the three South Caucasus countries, but they have still one important card they can play”, Op. cit.

[24] Ibid.

[25] Marilisa Lorusso, “War in Ukraine: reactions from the South Caucasus”, Op. cit.

[26] Bakar Berekashvili & Tato Khundadze, “The long road to democracy”, International Politics and Society ,25 June 2018, available at: https://cutt.us/Zma28

[27] Elene Kvanchilashvili, “Georgia in Putin’s War on Ukraine”, Forbes Georgia ,5 April 2022, available at: https://cutt.us/f8nus

[28] أحمد عبد الحافظ فواز، القوقاز بعد ربع قرن من تفكك الاتحاد السوفيتي، مرجع سابق، ص 44.

[29] فاطمة الصمادي، أذربيجان.. التعددية الدينية وتحديات بناء الهوية، مركز الجزيرة للدراسات، 14 سبتمبر 2015، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/q8Bi0

[30] Mohammad Karim, “Globalization and Post-Soviet Revival of Islam in Central Asia and the Caucasus”, Journal of Muslim Minority Affairs, Vol. 25, No. 3, December 2005, p. 442.

[31] Durna Safarova, Azerbaijan: Dubbing Critics as “Islamic Extremists”, Eurasia Net’s Weekly Digest Azerbaijani Politics Islam, 20 September 2016, accessed  at: 20 September, 2016, available at: https://cutt.us/VQ98j

[32] Nikola Mikovic, “Azerbaijan watches closely the Russian invasion of Ukraine”, The Interpreter, 11 March 2022, accessed at 27 May 2022, available at: https://cutt.us/BeU1m

[33] Ibid.

[34] Ibid.

[35] Ibid.

[36] Ibid.

[37] Vasif Huseynov, “The Countries of the South Caucasus Cautiously Follow the Russia-Ukraine War”, Op. cit.

[38] Marilisa Lorusso, “War in Ukraine: reactions from the South Caucasus”, Op. cit.

[39] Yeghia Tashjian, “A View from Baku: How Azerbaijan perceives the Russia-Ukraine conflict”, The Armenian Weekly ,29 March 2022, accessed: 14 May 2022, available at: https://cutt.us/H7ovS

[40] Ibid.

[41] Mohammad Karim, “Globalization and Post-Soviet Revival of Islam in Central Asia and the Caucasus”, Op. cit., p. 442.

[42] Raoul Motika, “Islam in Post-Soviet Azerbaijan”, Archives de sciences sociales des religions, July-September 2001, Available at: https://cutt.us/UXqab

[43] التمدد التركي في القوقاز من خلال نافذة أذربيجان،جريدة أحوال تركية، 19 فبراير 2021، متاح عبر الرابط التالي:  https://cutt.us/JiQ4B

[44] أحمد عبد الحافظ فواز، القوقاز بعد ربع قرن من تفكك الاتحاد السوفيتي، مرجع سابق، ص 45.

[45] Mohammad Karim, “Globalization and Post-Soviet Revival of Islam in Central Asia and the Caucasus”, Op. cit., p. 442.

[46] Shahla Sultanova, Azerbaijan: Islam Comes with a Secular Face, Eurasia Net’s Weekly Digest Azerbaijani Politics Islam, August 15, 2013, accessed: 4 November 2016, available at: http://www.eurasianet.org/node/67396

[47]  إيلي هيدموس، إيران وأذربيجان.. علاقات شائكة تحرّكها تعقيدات داخلية وتحالفات خارجية، موقع الشرق للأخبار، 1 أكتوبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://rb.gy/4azqiq

[48] Rovshan Mammadli, “What is behind the growing Iran-Azerbaijan tension?”, International Politics and Society , 25 October 2021, available at: http://shorturl.at/cfjGZ

[49] Valentina Pegolo, “The Impact of the Nagorno-Karabakh Conflict on the Middle East Region: Iran’s Policy of Strategic Retreat and the Dangers of a New Geopolitical Game in the Caucasus”, in: Francisco Jose B. S. Leandro et al. (eds.), The Geopolitics of Iran, Studies in Iranian Politics (Singapore: Palgrave Macmillan; 1st edition, 2021), p. 568.

[50] Ibid., pp. 567-568.

[51] Michael Rubin, “Ukraine war may lead to Middle East and Caucasus crises”, Washington Examiner ,14 March 2022, available at: https://cutt.us/vGOme

[52] Jaba Devdariani, “With Belligerent Ankara, Russia’s Global Ambitions Hit a Regional Snag”, Civil Georgia, 4 October 2020, available at: https://civil.ge/archives/373037

[53] Mary Glantz, Noah Higgins, “Russia’s Ukraine War Could Offer Chance to Resolve South Caucasus Conflicts”, Op. cit.

[54] Tigran Grigoryan, “Russia’s war could spell trouble for Armenia and Nagorno-Karabakh”, Open Caucasus Media ,21 March 2022, available at: https://cutt.us/qwV96

[55] Ibid.

[56] Nikola Mikovic, “Azerbaijan watches closely the Russian invasion of Ukraine”, Op. cit.

[57] Yeghia Tashjian, “A View from Baku: How Azerbaijan perceives the Russia-Ukraine conflict”, Op. cit.

[58] Vasif Huseynov, “The Countries of the South Caucasus Cautiously Follow the Russia-Ukraine War”, Op. cit.

[59] Hannah Wallace, “Armenia has a unique position in the Ukraine-Russia war”, Jerusalem Post, 3 May 2022, available at: https://cutt.us/o01DY

[60] Marilisa Lorusso, “War in Ukraine: reactions from the South Caucasus”, Op. cit.

[61] Hannah Wallace, “Armenia has a unique position in the Ukraine-Russia war”, Op. cit.

[62] Vasif Huseynov, “The Countries of the South Caucasus Cautiously Follow the Russia-Ukraine War”, Op. cit.

[63] Marilisa Lorusso, “War in Ukraine: reactions from the South Caucasus”, Op. cit.

[64] Ibid.

[65] Tigran Grigoryan, “Russia’s war could spell trouble for Armenia and Nagorno-Karabakh”, Op. cit.

[66] Elene Kvanchilashvili, “Georgia in Putin’s War on Ukraine”, Op. cit.

[67] Marilisa Lorusso, “War in Ukraine: reactions from the South Caucasus”, Op. cit.

[68] Ibid.

[69] Ibid.

[70] Nikola Mikovic, “Azerbaijan watches closely the Russian invasion of Ukraine”, Op. cit.

[71] Dennis Sammut, “Ukraine poses a dilemma to the three South Caucasus countries, but they have still one important card they can play”, Op. cit.

[72] Jaba Devdariani, “With Belligerent Ankara, Russia’s Global Ambitions Hit a Regional Snag”, Op. cit.

[73] Ibid.

[74]Nikola Mikovic, “Azerbaijan watches closely the Russian invasion of Ukraine”,Op.Cit.

[75] Ibid.

[76] Dennis Sammut, “Ukraine poses a dilemma to the three South Caucasus countries, but they have still one important card they can play”, Op. cit.

فصلية قضايا ونظرات – العدد السادس والعشرون ـ يوليو 2022

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى