العرب وإسرائيل وأفريقيا: بين سياسات الإغفال وسياسات الاستغلال

مقدمة:

رغم أوضاعها التنموية المتواضعة، مقارنةً بنظيراتها من قارات العالم الأخرى، ناهيك عن انتشار الفساد والإرهاب والنزاعات المسلحة في كثيرٍ من أوصالها، إلا أن أفريقيا لم تزل تجذب إليها الأنظار من كل حدبٍ وصوب؛ من الشرق والغرب، ومن الشمال بالطبع؛ لمواردها الطبيعية ومقدَّراتها الهائلة، التي قد تساعد القوى المتنافسة عليها في تعزيز أقدامها على الساحة الدولية، أو إعانتها -على أقل تقدير- على معالجة بعض قضاياها الداخلية التى لا تكاد تسلم منها دولة ما اليوم. فالقارة التي استُنزِفَ كثيرٌ من مواردها على مرِّ العقود من قِبَل الغير لا تزال تزخر باحتياطيات متميزة من الثروات[1]، كما تتمتَّع بثِقَلٍ سياسي مؤثِّر في العديد من المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة. تلك الأمور التي تُغْرِي بشدَّة للتكالُب عليها، خاصةً عند الأخذ في الاعتبار التحديات المتنامية التي باء بها العالم على مدى السنوات القليلة الماضية؛ جرَّاء التغيرات المناخية ووباء Covid-19، وكذا التنافس الاستراتيجي الأمريكي / الصيني، والنزاع العسكري المفصلي الروسي / الغربي في أوكرانيا منذ فبراير الماضي.

وإذا كان التنافس على تعزيز النفوذ فى أفريقيا مُتجلٍّ بوضوح على خريطة الصراعات الاستراتيجية بين القوى الكبرى، فلا ريب أنه من الأولى بالدول الصغرى والمتوسطة، القريبة جغرافيًّا من القارة السمراء أو تلك التي تتمتع بوجودٍ بها، البحث عن الآليات الموصِّلة إلى تعظيم الاستفادة منها كذلك، بما يمكِّن تلك الدول من تعزيز فرص وجودها على الأقل، لا سيَّما عند مراعاة التداعيات الناجمة عن التحديات المذكورة أعلاه. وفي هذا السياق، يصبح من الضروري -إنْ لم يكن واجبًا- التطرُّق إلى بحث حجم الوجود العربي ومدى فاعليته في هذه القارة المتنامية الأهمية، مقابل ذلك الإسرائيلي وتأثيره هو الآخر، والذي أخذ يتوسَّع في القارة بشكلٍ لافت على مدى السنوات الأخيرة دبلوماسيًّا وتقنيًّا وأمنيًّا، والذي لا ريب يُعَدُّ خصمًا استراتيجيًّا من الرصيد العربي بها. ومن ثمَّ، تسعى هذه الورقة الموجزة إلى التعرُّض لهذه المسألة بشيءٍ من التفصيل، وذلك على مدى الصفحات القليلة التالية.

أولًا- العلاقات العربية / الأفريقية .. أطوارٌ ومآلات:

من المعلوم جغرافيًّا أنه من بين اثنتَين وعشرين دولة عربية، توجد عشرُ دول بالقارة الأفريقية؛ تقع سبعٌ منها في شمال الأخيرة، وهي مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا؛ وثلاثٌ أخرى في شرقها، هي الصومال وجيبوتي وجزر القمر. ومع ذلك، لم يكن ذلك الوجود في حدِّ ذاته كافيًا للحفاظ على حيوية ونشاط العلاقات العربية / الأفريقية في الوقت الراهن، بذات القدر الذي كانت عليه منذ عقود قلائل، إبَّان عمليات تصفية الاستعمار وحصول العديد من البلدان العربية والأفريقية على استقلالها؛ وذلك لأسبابٍ سيأتي الذكر عليها في طيَّات هذه الورقة. وبِغَضِّ النظر عن هذه الحال الراهنة، فقد يكون مفيدًا الوقوف على لمحة تاريخية موجزة للعلاقات العربية / الأفريقية؛ للتأكيد على مدى أهميتها ووجوب تعزيزها، خاصة في ظل التقلُّبات العالمية الحالية.

لقد اتَّسمت العلاقات العربية / الأفريقية بروابط ثقافية وبشرية متميزة، نسجتْها قرون طويلة من الحراك الاجتماعي والتفاعل الحضاري[2]. ثم شهد الاتصال العربي / الأفريقي اطِّرادًا عقب ظهور الإسلام؛ بفضل الأنشطة التجارية والهجرة والفتوحات الإسلامية في القارة السمراء[3]. بيد أن الوجود العربي والإسلامي في القارة السمراء أخذ يواجه تهديداتٍ متنامية، منذ أواخر القرن الخامس عشر؛ بفعل التنافس الاستعماري الأوروبي، حيث ساعدت سياسات القوى الأوروبية، على مدى قرابة خمسة قرون تالية، على تمزيق الروابط العربية/ الأفريقية، وطمْس معالم تاريخ العرب في أرجاءٍ عدَّة من أفريقيا. ومع ذلك، أدَّتْ سياسات التغريب والتقسيم والاستغلال إلى تعزيز شعور العالم العربي والقارة الأفريقية تدريجيًّا بأنهما يواجهان مصيرًا مشتركًا وتهديدًا واحدًا. ومن ثمَّ، شهدت العقود الوسطى من القرن الماضي درجةً عاليةً من التنسيق والتضامن العربي / الأفريقي في أروقة التنظيمات الدولية كالأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز، وكذا توفير الدعم السياسي المتبادل في قضايا مصيريَّة للطرفَيْن، من أبرزها مناهضة الاستعمار، والفصل العنصري، وأيضًا الوجود الصهيوني في الأراضي العربية المحتلَّة[4].

وفي هذا السياق، حرص مؤتمر القمة العربي الذي عُقِدَ بالجزائر في نوفمبر 1973 على الإشادة بمواقف الدول الأفريقية الداعمة للمساعي العربية، خاصةً في ضوء حرب أكتوبر 1973. وخلال الفترة التي تلت انعقاد ذلك المؤتمر، أُنشِئ عدد من المؤسسات الهادفة إلى تعزيز وتنمية التعاون بين الجانبين، من بينها المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا، والصندوق العربي للمعونة الفنية للدول الأفريقية[5]. وقد مهَّدت تلك الخطوات الإيجابية بدورها لانعقاد أول مؤتمر قمة عربي / أفريقي بالقاهرة في مارس 1977، والذي صدر عنه عدَّة وثائق تغطِّي الأسس التاريخية والحضارية والأيديولوجية للعلاقات العربية / الأفريقية المتنامية آنذاك، بما في ذلك تحديد مجالات التعاون وآلياته الفنية والمؤسَّسية[6].

ومع ذلك، لم يلبث أن شهدت تفاعلات الطرفَيْن منحىً مغايرًا، أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات، نتيجة اتفاقات كامب ديفيد وإبرام معاهدة السلام المصرية / الإسرائيلية في مارس 1979؛ ذلك أن تلك المعاهدة قد شكَّلت في ظاهِرِها مفارقة، أحدثت بدورها شكوكًا بين الجانبَيْن العربي والأفريقي، والتي دعمتها حالة الارتباك والتشتُّت داخل النظام العربي ذاته آنذاك، حتى إن قضية عضوية مصر في منظمة الوحدة الأفريقية وفي اللجنة الدائمة للتعاون العربي / الأفريقي المُؤسَّسة بقرار قمة مارس 1977، أثارت كثيرًا من الجدل، كما حدث توقُّفٌ في اجتماعات اللجنة بين عامَي 1978 و1982 [7]. والواقع أن الفتور قد شرع يسْري في مجمل العلاقات العربية / الأفريقية منذئذٍ، وعلى مدى نحو ثلاثة عقود لاحقة، لأسبابٍ منها:

  • تراجع دور القاهرة التاريخي في العالمَيْن العربي والأفريقي، نتيجة المعارضة التي شهدتها، ثم تركيزها على قضاياها الداخلية، بما أفضى إلى انزواء ركنٍ محوري من أركان التفاعل العربي / الأفريقي، والذي كان له دوره المؤثر في تعزيز وتنشيط ذلك التفاعل من قبل [8].
  • الأثر السلبي لانضمام كلٍّ من مصر والسعودية والمغرب إلى ما سُمِّيَ بـ”نادي السفاري” الذي ترعاه واشنطن، جنبًا إلى جنب مع إسرائيل وإيران البهلوية، والذي استهدف محاربة الأنظمة الأفريقية التي تنتهج الشيوعية والاشتراكية والأفكار الثورية وتتحالف مع الاتحاد السوفيتي، والذي يُنْسَبُ له تدخُّله العسكري في زائير (الكونغو الديمقراطية حاليًّا)، وتزويد الصومال بالسلاح في نزاعها مع إثيوبيا؛ ما ولَّد نظرة أفريقية مضادة إزاء النادي الذي يضم دولًا عربية[9].
  • اتساع دور الدول المانحة الأوروبية والأمريكية في ميدان القروض والمنح والمساعدات، وكذا دور المؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد في دعم اقتصاديات العديد من دول أفريقيا، الأمر الذي وَضَعَ حجم المساعدات العربية لتلك الدول في مقارنة صعبة، ممَّا دفع كثيرًا منها إلى التشكيك في جدوى التعاون العربي / الأفريقي ومدى حماس الجانب العربي للانخراط فيه. وقد انعكس ذلك بشكل سلبي على اجتماعات أجهزة التعاون المشتركة ووتيرة انتظامها، حيث لم تُعقَد أية اجتماعات للجنة التعاون الدائمة طيلة حقبة التسعينيات[10].

هذا، وفي ظلِّ تنامي مفاهيم العولمة وتحدياتها مع مستهل القرن الجاري، وإيمانًا بأهمية العمق الأفريقي للعالم العربي، فقد بادرت الجامعة العربية، في قمَّتها المنعقدة بالعاصمة الأردنية عمَّان في مارس 2001، بالدعوة إلى إحياء التعاون العربي / الأفريقي، فيما استأنفت لجنة التعاون الدائمة اجتماعاتها، وعقدت دورتها الثانية عشرة في الجزائر في أبريل من العام نفسه بعد انقطاعٍ لأكثر من عشر سنوات. وأصدرت اللجنة في ختام أعمالها بيانًا يعكس مدى حرص الجانبَيْن العربي والأفريقي على تفعيل التعاون بينهما في مجالاته المختلفة، والارتقاء بمستوى العمل المشترك للوصول به إلى الشراكة الكاملة[11]. كما نجح الطرفان في عقد القمة العربية / الأفريقية الثانية بمدينة سرت الليبية في عام 2010، تحت شعار “نحو شراكة استراتيجية عربية أفريقية”، وذلك بعد مرور أكثر من 30 عامًا على انعقاد القمة الأولى في عام 1977، فيما توالَى انعقاد قمَّتَيْن أُخريَيْن بالكويت وغينيا الاستوائية في عامَي 2013 و2016، على التوالي، حيث اتَّخذت الأولى شعار “شركاء في التنمية والاستثمار”، والثانية “معًا لتنمية مستدامة وتعاون اقتصادي”[12].

وحريٌّ بالذكر في هذا السياق أنه إلى جانب المقتضيات الاقتصادية والتنموية المتنوِّعة التي هيمنتْ على آخر قمَّتيْن، فإن هناك دواعٍ أمنية وجيوستراتيجية مُلِحَّة أوجبت ضرورة الانخراط العربي في تعاون فعَّال مع الجانب الأفريقي لمحاولة تعزيز الأمن والاستقرار وتحقيق نوع من التوازن الإقليمي. لعلَّ من أبرزها النزاعات العسكرية وإشكالية تغلغل التنظيمات الإرهابية واتِّساع رقعتها خلال العِقد الأخير على الأقل، وكذا تعاظمَ الوجود الأجنبي بوتيرة متسارعة في أرجاء القارة عمومًا والمنطقة الشرقية منها خصوصًا، بما في ذلك حضور دول عَمِلَتْ على مناهضة بعض الحكومات العربية لفرض أجندتها وبسْط نفوذها، كإيران وتركيا تحديدًا، وكذلك إسرائيل كما سيأتي[13]. ولا ريب أن كثافة الوجود الأجنبي غير العربي، سواء كان عسكريًّا أو مدنيًّا، يمثِّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي العربي بشكلٍ عام؛ إذ إن من شأنه أن يفرض قيودًا نسبية على إمكان التنسيق العربي لتأمين الملاحة، خاصة في البحر الأحمر، وأيضًا على حركة التجارة العالمية في قناة السويس، وعلى فرص الحدِّ من تهريب الأسلحة والذخائر للعناصر الإرهابية في جيوبٍ متفرقة في المنطقة، سواء كان ذلك على ضفَّتَي البحر الأحمر أو في منطقة الساحل والصحراء[14]. فضلًا عن ذلك، فإن لذلك الوجود الأجنبي أثره أيضًا في تعزيز معضلة الأمن المائي لمصر، بصورةٍ خاصة، عبر التأثير الذي يُمارَس على منبع ومجرى شريانها النيلي.

وفي هذا الصدد، عمدت البلدان العربية، لاسيَّما المُعرَّضة لأغلب تلك التهديدات، كالبلدان الخليجية ومصر، إلى إيلاء المزيد من الاهتمام للقارة السمراء وتعزيز علاقاتها بها على كافة الأصعدة؛ حيث أعلنت الإمارات على سبيل المثال ضخَّ استثمارات مباشرة في أفريقيا بقيمة 10 مليارات دولار إبَّان انعقاد معرض أفريقيا التجاري الذي أُقِيمَ في يونيو 2019 بجوهانسبرج، كما طرحت في فبراير 2020 مبادرة بقيمة 500 مليون دولار، بهدف الإسهام في تحقيق رؤية استثمارية شبابية في القارة. ومن جانبها، استحدثت الرياض وزارة للشئون الأفريقية في عام 2018، كما أعلن ولي العهد السعودي في ذات العام أثناء زيارته لجنوب أفريقيا عن اتجاه المملكة لاستثمار ما لا يقل عن 10 مليارات دولار في العاصمة “كيب تاون” معظمها في قطاع الطاقة، هذا إلى جانب توجُّه الرياض إلى إقامة خطوط ملاحة مباشرة بين جيبوتي وجدَّة لدعم التبادل التجاري بين البلدَيْن، وتعزيز وجود المنتجات السعودية في منطقة القرن الأفريقي. ومن قبلُ، طرحت الكويت التي استضافت أعمال “القمة العربية / الأفريقية” الثالثة في عام 2013، عدَّة مبادرات اقتصادية في أفريقيا، من بينها أعمال استثمارية وقروض ميسَّرة للدول الأفريقية تبلغ مليار دولار على مدى 5 سنوات، وكذا تخصيص جائزة مالية سنوية بمبلغ مليون دولار للأبحاث التنموية في القارة[15].

في سياقٍ متَّصل، استضافت الرياض مقرَّ “مجلس الدول العربية والأفريقية المُطِلِّ على البحر الأحمر وخليج عدن” الذي تمَّ الإعلان عنه في يناير 2020، كما احتضنتْ مدينة جدَّة اتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا في سبتمبر 2018، فيما لقيت الوساطة السعودية آنذاك لتطبيع العلاقات بين جيبوتي وإريتريا ترحيبًا حارًّا من كلا البلدَيْن، بل وأسفرت عن مشاركة إريتريا في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن ضد الحوثيين، فضلًا عن استضافتها لقاعدة عسكرية إماراتية على مقربة من ميناء “عصب” الإريتري الذي يقع على مضيق باب المندب ولا يفصله عن الساحل اليمني سوى 60 كم فقط، فيما سَعَتْ شركة موانئ دبي العالمية إلى الاستثمار في هذا الميناء التجاري، وميناء “مصوع” أيضًا، وكذلك في ميناء “بربرة” الواقع في إقليم “أرض الصومال” والذي حصلت على امتياز إدارته في عام 2015 لمدة 30 عامًا. تُضَاف تلك الجهود إلى المشروع الإماراتي المُعلَن عنه في أغسطس 2018 لمدِّ خط أنابيب بين “عصب” والعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، والذي من المتوقَّع أن يتيح لكلٍّ من الإمارات والسعودية وصولًا أكبر إلى الإنتاج الزراعي الإثيوبي، ارتباطًا بأمنهما الغذائي[16].

هذا، ومن جانبها، حرصت مصر في إطار سياستها الخارجية منذ عام 2014 على استعادة دورها الفعَّال داخل القارة، وكان من فيض ذلك أنْ أطلقت المبادرة الأفريقية للطاقة المُتجدِّدة، خلال تمثيلها للقارة فى مؤتمر المناخ بباريس في نوفمبر 2015، كما نظَّمت أول اجتماع استشاري بين مجلس السلم والأمن الأفريقي ونظيره العربي في مايو 2016، حيث ظفرتْ بعضوية المجلس الأفريقي مرتين في يناير 2016 وأكتوبر 2020. وخلال رئاستها للاتحاد الأفريقي في عام 2019، دخلت اتفاقية التجارة الحرَّة الأفريقية حيِّز النَّفاذ، وأُبرِم اتفاقٌ مع الصين لإيصال الكهرباء لـ 600 مليون أفريقي، كما طرحت القاهرة إبَّان ذلك العديد من المبادرات مثل إنشاء صندوق ضمان مخاطر الاستثمار فى أفريقيا، ومنتدى أسوان للسلام والتنمية، ومنتدى الشباب العربي / الأفريقي، والمنتدى الأفريقي الأول لمكافحة الفساد، ومبادرة 100 مليون صحة الأفريقية، ومبادرة علاج مليون أفريقيٍّ من فيروس سي. يُضَاف إلى ذلك نجاحُ مصر في استضافة المقرَّات الدائمة لوكالة الفضاء الأفريقية، ومركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية بعد النزاعات، ومركز مكافحة الإرهاب لتجمُّع دول الساحل والصحراء[17].

هذا فيما برزت جهودٌ مصرية دؤوبة لتوثيق العلاقات مع العديد من البلدان الأفريقية عبر مختلف القنوات. فقد ساهمت مصر، على سبيل المثال، بدورٍ قيِّم نحو توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة السودانية والفصائل المسلحة في جوبا في أكتوبر 2020، كما شهدت القاهرة في أبريل 2021 أول اجتماع للجنة العسكرية المصرية / البوروندية لتعزيز التعاون العسكري بين البلدَيْن، كما قامت بتوقيع مذكرة تفاهم لتأسيس شركة طيران وطنية في غانا، ودعم جهود التنمية في تنزانيا عبر إنشاء سد ومحطة “جيوليوس نيريري” لتوليد الطاقة الكهرومائية على نهر “روفيجي”، وإنشاء محطة “بوسيا” للطاقة الشمسية في أوغندا، وذلك إلى جانب اتفاقاتٍ مع كينيا لإنشاء مزارع بها لإنتاج محاصيل استراتيجية لصالح مصر، وكذا تصدير الأمصال واللقاحات البيطرية إليها[18].

ثانيًا- التأثير الإسرائيلي في أفريقيا وأدواته

في 22 يوليو 2021، أعلن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي “موسى فقي” قبول عضوية إسرائيل في الاتحاد بصفة مراقب، ليُثِير بذلك انتقاداتٍ حادة داخل الكيان الأفريقي؛ باعتبار ذلك القرار -الذي اتخذه “فقي” منفردًا- خروجًا على تقاليد ومقرَّرات الاتحاد الذي عكف تاريخيًّا على تصنيف إسرائيل كنظام استيطاني عنصري ودولة احتلال. ولقد قامت سبع دول عربية، هي مصر والجزائر وليبيا وتونس وموريتانيا وجيبوتي وجزر القمر، في الثالث من أغسطس التالي، بتقديم مذكرة اعتراض رسمية على تلك الخطوة، مُعتبِرة إيَّاها “تجاوزًا إجرائيًّا وسياسيًّا غير مقبول من جانب رئيس المفوضية لسلطته التنفيذية”، ومخالفة “لمعايير منح صفة مراقب ونظام الاعتماد لدى الاتحاد الأفريقي”[19].

وفي ظل الانقسام غير المسبوق الذي أحدثه ذلك القرار بين بلدان القارة، قرَّرت قمة الاتحاد الأفريقي الخامسة والثلاثون، في فبراير 2022، تجميد عضوية إسرائيل كمراقب لدى الاتحاد، وتعليق النقاش والتصويت حول سحب صفة المراقب منها، والإيعاز إلى لجنة سداسية بالنظر في أهلية وجدوى قرار “فقي” والبتِّ فيه[20]. وبينما واصل كلٌّ من الجزائر وليبيا وتونس ونيجيريا وناميبيا وجنوب أفريقيا رفضَهم التام لقرار رئيس المفوضية، اعترضت عليهم كلٌّ من تشاد وليبيريا ورواندا والمغرب والكونغو الديمقراطية، حيث طالبوا بأن يُترَك ذلك لتقدير اللجنة السداسية[21]. وفي الوقت الذي رحَّبت فيه الجامعة العربية بقرار التجميد[22]، أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية بيانًا تؤكِّد فيه استمرار مساعيها للانضمام إلى المنظمة الأفريقية، مُعتبِرة “تشكيل الاتحاد الأفريقي لجنة لدرس مسألة ضمِّها كعضو مراقب، هو رفض من المنظمة لمحاولات الجزائر وجنوب أفريقيا منع الانضمام الإسرائيلي”[23].

قد يُغني عن البيان هنا أن مجرد الوصول إلى هذه المرحلة يمثل انعكاسًا قويًّا لمدى الاختراقات التي حقَّقتها تل أبيب في أفريقيا مؤخَّرًا، ولمستوى الاهتمام الإسرائيلي بها، لاسيَّما إذا عُلِم أن صفة المراقب كانت قد نُزِعَت منها، بعد ضغوط من الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، لدى استبدال منظمة الوحدة الأفريقية بالاتحاد الأفريقي في عام 2002، وأن طلبها لاستعادة تلك الصفة قُوبِل بالرفض منذئذٍ وعلى مدى عِقدَين من الزمان[24]. ولعلَّ من أبرز الأمثلة على الاختراقات المُشَار إليها هو تمكُّن إسرائيل من التطبيع مع غينيا (2016)، وتشاد (2019)، بل ومع الدولتَيْن العربيَّتَيْن المغرب والسودان (2020)، وربما الصومال قريبًا[25]، حتى أضحتْ إسرائيل تمتلك علاقات دبلوماسية كاملة مع أكثر من 45 دولة أفريقية من نحو 55 دولة[26].

والواقع أن أفريقيا قد حظيت باهتمام قادة تل أبيب بعد الإعلان عن دولة الاحتلال بسنواتٍ قلائل، خاصة بعد وصول الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى سُدَّةِ الحكم في خمسينيات القرن الماضي، والذي كان له تأثيره الخاص على أفريقيا. فقد وقفت مصر في مُقدِّمة العشرات من الدول الأفريقية والآسيوية في مؤتمر “باندونج” بإندونيسيا عام 1955 لدعم حركات التحرُّر الوطني والتخلُّص من الاستعمار، بما ترتَّب عليه من هجومٍ على إسرائيل لاحتلالها أراضٍ عربية، ورفْض دعوتها لحضور المؤتمر. أضِف إلى ذلك مشاركة مصر في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963، لتضع بذلك تحديًا صعبًا أمام دولة الاحتلال للتغلغل في القارة التي حصل عددٌ كبير من دولها على استقلاله للتوِّ، ومن ثمَّ حازَ صوتًا في الأمم المتحدة، وهو تكتُّل صنع تأثيرًا في المحافل الدولية، لا سيَّما والصراع العربي / الإسرائيلي كان من أبرز القضايا المطروحة للتصويت باستمرار في ذلك الوقت[27].

ومن ثمَّ، سعت دولة الاحتلال إلى الانخراط في أفريقيا؛ رغبةً في كسر التأييد الأفريقي التلقائي للقضية الفلسطينية، والظفر بالكتلة التصويتية الأفريقية المؤثرة في الأمم المتحدة لصالحها، فضلًا عمَّا تشكِّله من أهمية لترسيخ نفوذ تل أبيب السياسي والجيوستراتيجي، وتطويق الدول العربية الأفريقية من الجنوب، مع إيلاء أهمية خاصة للدول الواقعة في منطقة شرق أفريقيا وحوض النيل، بما يساعد على تأمين الوصول إلى البحر الأحمر، وتهديد حصة مصر المائية للضغط عليها[28]. وبمرور الوقت، أضافت إسرائيل إلى قائمة الأهداف تحييد المتغير الديني في الصراع العربي / الإسرائيلي، وفكَّ الارتباط بينه وبين المتغير السياسي؛ بالنظر إلى أن توثيق التعاون مع أفريقيا، التي يحتل الإسلام فيها الديانة الأولى، قد يساعد على تذليل الصدام بين إسرائيل والعالم الإسلامي[29]. فضلًا عن ذلك، تعاظمت رغبة إسرائيل في استغلال مُقدَّرات القارة من الموارد الطبيعية، بما في ذلك السيطرة على تجارة الألماس والذهب واليورانيوم، وكذا الاستفادة من سوقها الضخم لتعزيز عوائد صفقاتها التكنولوجية وصادراتها من السلاح[30].

وفي هذا السياق، يشير التاريخ إلى اعتماد الحكومة الصهيونية خلال الخمسينيات والستينيات، خطة للتوغُّل في أفريقيا، وكان من بينها تأسيس الوكالة الإسرائيلية للتعاون الدولي (MASHAV) في عام 1958، والتي استهدفت دعم الدول النامية المستقلَّة حديثًا، ما ساعد دولة الاحتلال آنذاك على إقامة علاقات رسمية وغير رسمية مع أكثر من 30 دولة أفريقية جنوب الصحراء[31]. وباستغلال الضربة التي أحدثتها معاهدة السلام المصرية / الإسرائيلية للجدار العربي / الأفريقي في نهاية السبعينيات، نجحت تل أبيب في استعادة علاقاتها الدبلوماسية تباعًا مع معظم بلدان أفريقيا التي قاطعتْها منذ حربَي 1967 و1973، بداية من زائير (1982) وليبيريا وأفريقيا الوسطى (1983)[32]، ليتنامى الانخراط الإسرائيلي تدريجيًّا في أفريقيا، وليزداد رسوخًا إبَّان فترة بنيامين نتنياهو الثانية (2009-2021)، حيث أصبح، لدى زيارته أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا في يوليو 2016، أول رئيس وزراء إسرائيلي يطأُ القارة منذ عام 1994، بل وأول زعيم غير أفريقي يحضر القمة الحادية والخمسين للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS) في يونيو 2017، مُعلِنًا: “إسرائيل تعود إلى أفريقيا.. أفريقيا تعود إلى إسرائيل”[33]. هذا بالطبع إلى جانب نجاحه في إحراز التطبيع مع المزيد من الدول الأفريقية والعربية، كما مرَّ.

في الواقع، لقد بذلت إسرائيل جهودًا دبلوماسية وتعاونية كبيرة، لأجل توثيق علاقاتها ببلدان القارة السمراء، وتعزيز حضورها فيها، واضعةً نصب أعينها الأهداف سالفة الذكر. فعلى سبيل المثال، قامت تل أبيب منذ ستينيات القرن الماضي بإرسال خبرائها في مجالات الاقتصاد والأمن والاتصالات إلى إثيوبيا، التي تربطها بها علاقات لاهوتية، ودشَّنت سفارتها، الأضخم بعد نظيرتها في الولايات المتحدة، بأديس أبابا، كما حرصت على تأييد الأخيرة بقوة في نزاعها المائي مع القاهرة، فيما تُقدِّم دعمًا تقنيًّا لها في مشروع سد النهضة، وتُدِير بها نحو 190 مشروعًا زراعيًّا[34]. بالمثل، قامت تل أبيب بدعم انفصال جنوب السودان عن الشمال عام 2011، ووضعت مجموعة من ضباط الجيش الإسرائيلي تحت تصرُّف قيادة المعارضة لتدريب الجيش الشعبي لتحرير السودان، الذي أصبح فيما بعد القوات المسلحة الرسمية لجنوب السودان. وهو ما آتى أكله بأن أصبحت جنوب السودان اليوم حليفًا لإسرائيل في المحافل الأُممية، وفي منطقة جغرافية ملتهبة تعتبرها مصر عمقًا استراتيجيًّا وموقعًا مهمًّا في الصراع مع أديس أبابا، وهو ما يُفسِّر اتجاه مصر للاعتراف بجنوب السودان، رغم أنها عارضت سابقًا الانفصال، ورأت فيه خطرًا على أمنها القومي[35].

في سياٌقٍ متَّصل، ولِصِيتِ إسرائيل البرَّاق في تكنولوجيا المياه والزراعة، فقد أوعزت رواندا إلى شركة “إيبوني” الإسرائيلية بوضع خطة شاملة لتطوير عملية الري في أراضيها. وفي كينيا، تتشارك إسرائيل مع ألمانيا في تطهير بحيرة فيكتوريا، أكبر خزان للمياه العذبة في أفريقيا، وهو ما وفَّر الآلاف من فرص العمل في موقع البحيرة. كما أتاحت إمكانية الوصول إلى تقنياتها الأكثر تطوُّرا في مجال الطاقة لكلٍّ من أوغندا وتنزانيا وجنوب أفريقيا، بما يساعد تلك البلدان على إيصال الكهرباء إلى عدد أكبر من مواطنيها[36]. وفي ديسمبر 2016، استضافت إسرائيل سبعة وزراء وعددًا من كبار المسئولين الآخرين من أكثر من اثني عشرة دولة من غرب أفريقيا في مؤتمر حول سبل تعظيم الاستفادة من التكنولوجيا الزراعية، والذي عُقِد برعاية مشتركة من “ECOWAS” و”MASHAV”. وإبَّان حضورهم قمة “ECOWAS” في ليبيريا في يونيو 2017، وقَّع المسؤولون الإسرائيليون مذكرة تفاهم لاستثمار مليار دولار لتطوير البنى التحتية الشمسية في دول المجموعة. وفي أكتوبر 2018، نظَّمت “MASHAV” دورة تدريبية طبية في دولة توجو، إحدى أعضاء “ECOWAS”، شارك فيها أطباء من بلدان غرب ووسط أفريقيا (الكاميرون وبنين وبوركينا فاسو وكوت ديفوار والسنغال وليبيريا وغينيا كوناكري وتوجو)[37].

ومن الأمور الجديرة بالملاحظة هو تبنِّي تل أبيب مجال مكافحة الإرهاب كمدخل جديد يُعزِّز روابطها بالبلدان الأفريقية. فلقد شارك نتنياهو، لدى زيارته للقارة في يوليو 2016، في القمة الأفريقية الإقليمية المصغَّرة التي عُقِدت بأوغندا، بشأن تعزيز الأمن والتصدِّي للإرهاب، والتي حضرها رؤساء دول وحكومات كينيا ورواندا وإثيوبيا وجنوب السودان وزامبيا ومالاوي، حيث وَعَدَ خلالها بتعزيز التعاون مع أفريقيا للقضاء على تلك الآفة، مضيفًا أنه ليس هناك صديق أفضل من إسرائيل عندما تكون هناك حاجة لأمور عملية متعلقة بالأمن والتنمية، وهو ما تبعه حصوله على تعهُّد من هؤلاء بقبول إسرائيل عضوًا مراقبًا في الاتحاد الأفريقي[38].

كما شهد نتنياهو أيضًا إصدار “إعلان مشترك لمحاربة الإرهاب” في ختام فعاليات قمة “ECOWAS” الحادية والخمسين في يونيو 2017، والذي اقترن كذلك بالإعلان عن جملة اتفاقيات مشتركة بين إسرائيل ودول المجموعة، من بينها تعزيز التعاون في مجالات الزراعة والمناخ والمياه والتجارة والصحة والأمن والاتصالات والطاقة والعلوم[39]. والواقع أن مثل تلك الصفقات قد ساهمت في دعم تل أبيب على الساحة الدولية، حيث دعمت عدَّة دول أفريقية في عام 2016 وصول مرشح إسرائيل لرئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة، كما امتنعت خمس دول أفريقية، هي جنوب السودان وأوغندا ورواندا وبنين والكاميرون، عن التصويت لإدانة القرار الأمريكي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل عام 2017، فيما رفضت توجو إدانته[40].

هذا، ولا بدَّ من التنويه إلى الدور المتعاظم الذي تقوم به التجمعات والتنظيمات اليهودية في البلدان الأفريقية، كقنوات تساعد على تعزيز التواصل المجتمعي بين يهود إسرائيل والشعوب الأفريقية، وبما يفتح المزيد من آفاق التعاون مع إسرائيل. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يُشَار إلى ما قام به أحدهم من إنشاء جماعة “Etz Hayim” بدولة كوت ديفوار في عام 2004، لتكون أول جماعة يهودية أرثوذكسية فى البلاد، والتي نجحت في جذب أتباعٍ لها تحت دعوى نشر مبادئ الإخاء وبناء السلام، فيما قدَّمت العديد من المساعدات بعد الحرب الأهلية الثانية التي شهدتها البلاد في عام 2011[41]. وفي رواندا، أنشأت امرأة يهودية “مؤسسة المحرقة والإبادة الجماعية” لدعم الروابط بين إسرائيل ورواندا، عبر نشر الوعي بين طلاب المدارس، وتبادل الخبرات المشتركة بين ضحايا الاضطهاد. كما لا يمكن التقليل هنا من دور الجالية اليهودية في جنوب أفريقيا، والتي تُعَدُّ واحدةً من أغنى الجاليات في العالم، والتي تأتي مساهماتها في خزانة دولة الاحتلال -طبقًا لأحد التقديرات- في المرتبة الثانية بعد مساهمة يهود الولايات المتحدة[42].

خاتمة- ما بين الإغفال والاستغلال.. تحدياتٌ وفرص

كما يتجلَّى من العرض أعلاه، فإن التغلغل الإسرائيلي في القارة السمراء قد بلغ في الوقت الراهن مرحلة متقدمة لا يمكن تسطيحها أو اختزالها أو التقليل من شأنها بأي حال، خاصة وأن تلك المرحلة جاءت بعد شقاقٍ بيِّن وخصومة حادَّة اتَّسم بها الخط العام للعلاقات الإسرائيلية / الأفريقية على مدى عقود. كما أنه ليس عسيرًا في الوقت ذاته ملاحظة أن هناك اهتمامًا عربيًّا بأفريقيا، أخذ يتنامى على مدار السنوات القليلة الماضية، بعد فترة علاقات فاترة جرَّاء عوامل سلف بيانها. ومع ذلك، لا بدَّ من الإقرار بأن الجولة الراهنة هي لصالح إسرائيل، وليست للبلدان العربية. والعامل الرئيسي في ذلك ببساطة هو رغبة الضلع الثالث المتمثِّل في البلدان الأفريقية، ومدى انفتاح الأخيرة على الجانبَيْن الإسرائيلي والعربي. وليس خافيًا أن كثيرًا من تلك البلدان قد منحت إسرائيل ما هو أكثر من الحد الأدنى للتعاون معها، وهو أمرٌ لا ريب يأتي على حساب البلدان العربية وفرص تقدُّمها إجمالًا في البيئة الأفريقية كما هو معلوم.

قد لا تحتاج سمة الاستغلال التي تتَّسم بها الممارسات الإسرائيلية في القارة الأفريقية، لا سيَّما في ظل الأهداف التي سِيقَتْ أعلاه، إلى مزيد بيان. أمَّا بالنسبة للإغفال الحاصل للجانب العربي، فلا بدَّ من التنويه إلى أنه أمرٌ لا يتعلَّق ببلدٍ عربيٍّ محدَّد، بقدر ما هو متعلِّقٌ بالبلدان العربية جميعًا. فعلى الرغم من الإجراءات والمبادرات الصادرة عن بعض البلدان العربية إزاء أفريقيا، والتي قد تسهم جزئيًّا، وبصعوبة، في مجابهة المدِّ الإسرائيلي في القارة، إلا أنه لا يمكن الادِّعاء بقدرتها على ترميم كافة مداخل العلاقات العربية / الأفريقية التي شهدت تراجعًا غير يسير، في الوقت الذي أخذت فيه العلاقات الإسرائيلية بالمقابل منحًى متصاعدًا.

في السياق عاليه، قد يكون مفيدًا الوقوف عند بعض التحديات التي تجابه العالم العربي إزاء علاقته بأفريقيا، ارتباطًا بإسرائيل، وكذا بعض الفرص التي يمكن من خلالها توثيق الروابط العربية / الأفريقية واستعادة فاعليَّتها على النحو المنشود مرة أخرى. فبالنسبة للتحديات، يمكن القول بأن أولها هو ذلك التدهور المشهود الذي يعانيه العالم العربي حاليًّا، من اضطرابات عسيرة سياسيًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، ناهيك عن تدخُّل العديد من القوى الدولية في شؤون بلدانه، وغنيٌ عن البيان أن هذا الوضع في حدِّ ذاته كفيل بإبراز الضعف العربي أمام أفريقيا، مقارنةً بإسرائيل. أضِف إلى ذلك أن فشل بعض البلدان العربية في السيطرة التامَّة على أقاليمها قد سمح بنشوء ومروق عدَّة تنظيمات إرهابية ومرتزقة أجانب إلى العمق الأفريقي، من أهمها تنظيم داعش، ليزداد الوضع سوءًا لدى عددٍ من البلدان الأفريقية غير العربية التي تُعاني أصلًا من عدم الاستقرار، الأمر الذي ربما يُسْفِر عن النظر إلى الشمال الأفريقي العربي باعتباره بوابة لمزيد من المتاعب في القارة. ولقد سلفت الإشارة إلى أن إسرائيل قد استغلَّت هذه المسألة لاختراق قلوب حكومات وشعوب بعض البلدان الأفريقية، باعتبارها دولة صديقة لا ترغب سوى في تحقيق الأمن والازدهار في تلك البلدان، متغاضِية بذلك عن الإرهاب والممارسات العنصرية التي تقوم بها تل أبيب نفسها في حق الفلسطينيِّين.

يتمثَّل التحدِّي الآخر في فقدان البلدان العربية القدرة على تنسيق الأجندات والأهداف، بما في ذلك عدم التوافق العربي / العربي إزاء بعض القضايا التي تتجاوز بالضرورة العالم العربي إلى الفضاء الأفريقي. وربما يُشَارُ هنا على وجه الخصوص إلى الخلاف التاريخي بين الجزائر والمغرب إزاء قضية الصحراء الغربية. فعلى الرغم من أن عودة المغرب إلى عضوية الاتحاد الأفريقي في عام 2017، بعد غيابٍ دام ثلاثة عقود، عُدَّتْ خطوة مهمَّة، باعتبارها تشكِّل تصالحًا للمغرب مع فضائه القاري، وتعزِّز الحضور العربي في البيت الأفريقي، إلا أن فشل كلٍّ من الجزائر والمغرب في تصفية خلافاتهما، أضعف الدور العربي في الاتحاد، وفوَّت على الدول العربية الأفريقية أن تكون جسر تواصل فعَّال بين أفريقيا وباقي دول الجامعة العربية. ولقد انطوت القمة العربية / الأفريقية الرابعة عام 2016، على ما يُسهِم في تأكيد ذلك، حيث انسحبت منها المغرب، فيما قاطعتها كلٌّ من السعودية والإمارات والبحرين وقطر وعمان والأردن واليمن والصومال، احتجاجًا على إصرار الاتحاد الأفريقي على مشاركة جبهة “البوليساريو”[43]. وربما يمكن في هذا السياق استشفاف سبب عدم انعقاد القمة العربية / الأفريقية الخامسة حتى الآن، رغم أنه كان من المقرَّر انعقادها في نوفمبر 2019، بالعاصمة السعودية الرياض.

بالمثل، انخرطت الجزائر، إلى جانب إثيوبيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا، في المبادرة التي دعا إليها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، لإنشاء تكتل “الأربعة الكبار” للتشاور والتنسيق من أجل إيجاد حلول عملية وفعَّالة لمختلف القضايا التي تواجه القارة الأفريقية. ولا ريب أن تلك الخطوة تستهدف تحييد أية قوة عربية أخرى، لا سيَّما مصر، من لعب دورٍ ما -أو تقزيم دورها- في قضايا القارة، ناهيك عمَّا يتضمَّنه ذلك من تعزيزٍ لشوكة إثيوبيا في قضية سد النهضة أمام مصر. ورغم أن الجزائر لا تملك تأثيرًا على إثيوبيا بالإيجاب أو السلب، إلا أن اقترابها الظاهر من أديس أبابا يوفر إيحاءات سياسية تفيد بأنها تقف بجوارها على حساب الدولتَيْن العربيتَيْن، مصر والسودان. والمحصِّلة أن انضمام الجزائر إلى ذلك التكتُّل يصبُّ في صالح إثيوبيا، بصرف النظر عن النتائج المباشرة على السدِّ، وهو ما يجعل القاهرة في وضعٍ حرِج، خاصة وأن أديس أبابا قد بَنَتْ جزءًا كبيرًا من دعائم تحرُّكاتها أمام المجتمع الدولي بأن مشروعها يحظى بدعم العديد من الدول وتفهُّمها، من بينها دول عربية[44]، كما تمثِّل تلك الخطوة هدية مجانية لإسرائيل التي تربطها علاقات وثيقة بإثيوبيا.

في سياقٍ متَّصل، تأتي عمليات التطبيع الإسرائيلي / العربي الأخيرة لتُضْفِي مزيدًا من التعقيد أمام العالم العربي بشأن قدرته على منافسة إسرائيل -ككتلة عربية موحَّدة- في أفريقيا؛ ذلك أنه قد أضحى معلومًا أنه كلَّما زاد تقارب إسرائيل مع البلدان العربية، تآكلت المسافات بين إسرائيل والبلدان الأفريقية، ولو عن غير قصد. وقد كان ذلك الأمر في حدِّ ذاته هو المُسوِّغ الرئيسي الذي برَّر به “موسى فقي” قرار منحه إسرائيل عضوية المراقب بالاتحاد الأفريقي في يوليو 2021، حيث أكَّد أن “العنصر الأساس في اتخاذ هذا القرار هو اعتراف ما يقرب من ثلثي الدول الأعضاء بإسرائيل، بما فيها بعض الدول المُعترِضة على القرار، وهو [ما] لا يستطيع أن يستوعبه”[45]. كما يُشَار هنا بصفة خاصة إلى اتفاقية التطبيع الإسرائيلية / السودانية والتي شكَّلت تحولًا مهمًّا في العلاقات الإسرائيلية / الأفريقية، لا سيَّما أن السودان كان يقود موقفًا حازمًا مناهضًا لإسرائيل، كأحد المروِّجين الرئيسيين لقرار جامعة الدول العربية، والمعروف باسم “اللاءات الثلاثة”: (لا سلام – لا اعتراف – لا مفاوضات)، ولأن السودان يلعب دورًا إقليميًّا مهمًّا كجسر بين العالم العربي وأفريقيا جنوب الصحراء[46].

وربما يجوز القول في هذا السياق بأن قمة النقب التي استضافتْها إسرائيل، أواخر مارس الماضي، والتي شارك فيها وزراء خارجية الولايات المتحدة والإمارات والبحرين والمغرب ومصر، تدعم بصورة غير مباشرة مسار التوغُّل الإسرائيلي في أفريقيا، خاصة إذا برز تعاون عربي / إسرائيلي في الأخيرة، وذلك على شاكلة اتفاقية التعاون التي وقَّعتها الإمارات وإسرائيل في 21 يونيو الماضي لتقديم ضمانات للبنك المموِّل لمشروع الرعاية الصحية في غانا، ذي الـ 147 مليون دولار، بما يعزز سهولة الوصول إلى المرافق الطبية المتقدِّمة لآلاف الغانيِّين. إذ لا شكَّ أن ذلك يوفِّر أيضًا المزيد من فرص التعرُّف الأفريقي على إسرائيل، بالنظر إلى أن الاتفاقية المذكورة تُعَدُّ أول مشروع شراكة بين القطاعَيْن العام والخاص في الإمارات وإسرائيل منذ توقيع اتفاق التطبيع في عام 2020[47].

أخيرًا وليس آخرًا، وعلى ضوء ما سبق، لا بد من استيعاب أمرَيْن في غاية الأهمية؛ الأول هو أن مصير الأراضي الفلسطينية الذي اعتُبِر منذ فترة طويلة خلافًا لا يمكن التغلُّب عليه بين إسرائيل وأفريقيا، لم يعد تنظر إليه كثير من البلدان الأفريقية من زاوية التحرير الوطني، بقدر ما تقوم بالتركيز على السلطة الفلسطينية التي تُفْهَمُ تدريجيًّا على أنها سلطة مثل أي سلطة أخرى[48]. ولعلَّ هذا الأمر هو ما ساعد جزئيًّا على تغيير ميزان الأصوات الأفريقية ضد إسرائيل في الأمم المتحدة، على حدِّ قول نتيناهو في عام 2017 لدى محادثته السفراء الإسرائيليِّين العاملين في أفريقيا، مضيفًا أنه “ليس بعيدًا اليوم الذي سنحظى فيه بالأغلبية هناك”[49]. الأمر الثاني هو تآكل الرصيد العربي في أرجاء أفريقيا؛ فعلى النقيض ممَّا كان عليه الحال أيام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، الذي ذاع صيته في البلدان الأفريقية لدعمه إياها بقوة في كفاحها ضدَّ الاستعمار، فقد تبدَّلت الأجيال، ونشأت أجيالٌ أخرى ربما لا تعي كفاية -أو بالأحرى لا يهمُّها تذكُّر- ذلك الدور العربي الذي مَضَتْ عليه عقود، بقدر ما يهمها تحقيق أهدافٍ جديدة فرضها الواقع، كالعيش الكريم والتنمية المستدامة والأمن والسلام الدائمين، وهذه أمور لا شك تنوء بالبلدان العربية الوفاء بها، بوضعها الراهن. كما أن غياب شخصيات عربية كان لها تأثير يُحْتَرَم في إقليمها، كالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، منح الفرصة لبعض البلدان الأفريقية بالتحلُّل من التزاماتها تجاه العالم العربي.

ومن ثمَّ، يُلاحَظ أن المؤتمر الحاشد الذي أقامتْه السفارة الإسرائيلية بفرنسا في 31 مايو الماضي، تحت شعار “إسرائيل تعود إلى أفريقيا”، احتفالًا بمدى تطور العلاقات الإسرائيلية / الأفريقية، قد شهد مظاهر شتَّى تؤكِّد الاستخلاصات السابقة. فلقد ذكر سفير السنغال لدى فرنسا، والذي كان من بين الحضور إلى جانب ممثلين من المغرب ومدغشقر وغانا ومالي ومصر، أن بلاده تتبنَّى شعارًا دبلوماسيًّا جديدًا هو “لا استثناء ولا حصرية”؛ حيث “لا استثناء” تعني عدم وجود سبب لاستبعاد إسرائيل من العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأفريقية، خاصة وأن العديد من الأخيرة أفريقية تقيم علاقات دبلوماسية مع السلطة الفلسطينية، والأخيرة تتمتَّع بعضوية المراقب لدى الاتحاد الأفريقي منذ سنوات. أمَّا جزء “لا حصرية”، فيعني تتبُّع المصلحة أنَّى وُجِدَتْ، وأنه لا يوجد شيء مضمون في ساحة الأمم المتحدة؛ أي إن السنغال، على سبيل المثال، ملتزمة بتعزيز العلاقات الثنائية، لكنها لن تلتزم بالتصويت لصالح إسرائيل في الأمم المتحدة[50]. من جهةٍ أخرى، خاطب وزير الدفاع والخارجية المالي السابق -الدولة التي لا تعترف بإسرائيل- المؤتمرَّ، فيما مثَّل إقليمَ أرض الصومال المتمتِّعة بالحكم الذاتي، والذي لا تربطه أيضًا علاقات رسمية بتل أبيب، وزيرُ دفاعها، ما يعني انجذاب هذين البلدين للتعرف على ما يمكن لإسرائيل منحه لهما، كما يطلق العنان أيضًا لتصوُّر احتمال استغلال إسرائيل للإقليم المذكور كأداة لتأليب الأمور ضد دولة الصومال العربية، أو حتى مساومة الأخيرة لإبرام اتفاق تطبيع. هذا، وقد شهد المؤتمر كذلك مشاركة رؤساء عدَّة شركات أفريقية تنموية ناشئة من الكاميرون ونيجيريا، وتوقيع أحدهم مذكرة تعاون مع الجانب الإسرائيلي، في سياق ما برز من سمعة تل أبيب كقوة داعمة لمثل تلك الشركات[51].

أَضِفْ إلى ذلك رغبة بعض البلدان الأفريقية في توثيق علاقاتها مع الولايات المتحدة وبعض المنظمات الدولية الرفيعة عن طريق الوساطة الإسرائيلية، وهو ما تحقَّق في حالة أوغندا التي زارها نتنياهو عام 2016، حيث تبعها تقارب مفاجئ بين أوغندا والولايات المتحدة، فأرسلت أوغندا قواتها إلى الصومال والعراق وأفغانستان، وفي المقابل دفعت لها الولايات المتحدة 750 مليون دولار سنويًّا كمساعدات، بالإضافة لـ 170 مليون دولار على هيئة مساعدات عسكرية[52].

كما قامت رواندا، في أعقاب اتفاق رئيسها بول كاجامي ونتنياهو على افتتاح سفارتَين في كيجالي وتل أبيب في عام 2019، بالتماس وساطة اثنين من كبار المسؤولين الإسرائيليين السابقين -المدعي العام السابق يهودا وينشتاين، والسفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة رون بروسور- لاتخاذ الخطوات اللازمة من أجل قبول رواندا في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، حيث ستجعل العضوية النهائية رواندا أول دولة أفريقية تنضم إلى هذه المنظمة المكوَّنة من 36 عضوًا، وستكون قادرة على زيادة تعاونها مع الجهات الفاعلة الرئيسية في جميع أنحاء العالم[53].

هذا، وبالنسبة للفرص والحلول التي يمكن من خلالها استعادة فاعلية العلاقات العربية / الأفريقية مرة أخرى، فلا بدَّ من التأكيد بدايةً على ضرورة إحداث توافق عربي وتنسيقٍ للمواقف بشأن مختلف القضايا، أو على الأقل التوصُّل إلى حدٍّ أدنى من التوافق بشأن القضايا العالقة، والنأي عن إقحامها قدر الإمكان في الاتحاد الأفريقي. كما يجب التنسيق العربي أيضًا بشأن سقف العلاقات العربية / الإسرائيلية الذي لا يمكن تجاوزه، مع إعادة التأكيد على القضية الفلسطينية كأولوية لدى البلدان العربية، وإشعار إسرائيل بأن الاتفاقيات العربية التي وُقِّعَتْ معها مؤخَّرًا لا تُعَدُّ بأيِّ حال تنازلًا عن تلك الأولوية، قولًا وفعلًا، بما في ذلك الضغط عليها بسبب ممارساتها في الأراضي المحتلة.

اتصالًا بذلك، لا بدَّ من صياغة استراتيجية أمن قومي عربي، يتحدَّد من خلالها وجهات التحرُّك العربي إجمالًا وأدواته، بما فيها تعزيز أدوات القوة الناعمة العربية في أنحاء أفريقيا، على مختلف الأصعدة الرسمية وغير الرسمية وفي مختلف المجالات، لا سيَّما الأمنية والتنموية منها، بما في ذلك الإسراع في عقد القمة العربية / الأفريقية الخامسة التي لم تُعقَد إلى اليوم، وكذا إنشاء صندوق استثماري عربي مشترك خاص بأفريقيا، وتحفيز القطاع الخاص لتعظيم استثماراته فيها، خاصة في ظلِّ الفرص الهائلة التي توفِّرها اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية التي دخلت حيِّز النفاذ في أبريل 2019، والتي أفضتْ إلى إقامة أكبر منطقة للتجارة الحرة منذ تأسيس منظمة التجارة العالمية. في ذات السياق، ينبغي استغلال عضوية الكثير من البلدان العربية والأفريقية فى الأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز ومجموعة الـ 77 + الصين، للتعبير الفعَّال بصورة جماعية ومتعدِّدة الأطراف عن آمال وطموحات تلك البلدان مُجتمِعة، بدلًا من تبنِّي سياسات تُعْلِى من آليات التعاون المنفردة.

من جهةٍ أخرى، يجب على الجامعة العربية النظر في دعوة تشاد للانضمام إليها، فاللغة العربية لغة رسمية بها ومعظم أهلها يدينون بالإسلام، ناهيك عن أنها تمثِّل همزة وصل قوية بين الشمال الأفريقي العربي وباقي بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، وكان نتنياهو فخورًا باستعادة العلاقات معها بشكل خاص. هذا، وبالنظر إلى ما يردِّده بعض المراقبين ارتباطًا بما كشفتْ عنه الأزمات الدولية الأخيرة، من تعطُّل سلاسل الإمداد العالمية بين القارات، واحتمال تعظيم الاعتماد على التكتُّلات الإقليمية لتحقيق الاكتفاء الذاتي “الإقليمي”، فينبغي على العالم العربي تعزيز روابطه بالتكتُّلات الاقتصادية في القارة الأفريقية، وعدم إغفال ذلك لصالح تل أبيب. وفي هذا السياق، يمكن دعم، والبناء على، رغبة صانعي القرار في المغرب وموريتانيا وتونس للانضمام إلى تكتل “ECOWAS” المحوري في غرب أفريقيا، والذي يضمُّ دولًا مؤثِّرة سياسيًّا واقتصاديًّا ودبلوماسيًّا في رسم ملامح استراتيجيات القارة مثل نيجيريا والسنغال.

قد يكون من الصعب على البلدان العربية -بوضعها الحالي- إحداث اختراقاتٍ كبيرة وعميقة في القارة الأفريقية، مثل ما تقوم به دولُ إقليمية ودولية أخرى، إلا أن ذلك ليس مستحيلًا. ولا ريب أن عدم التواني في اتخاذ بعض الخطوات العربية “الجمعية” من شأنه الاحتفاظ بالإرث المتبقِّي من العلاقات العربية / الأفريقية، ومن ثمَّ البناء عليه. وعسى بعض الطروحات التي ذكرتها هذه الورقة كفرص وحلول لاستعادة حيوية تلك العلاقات، أن تُسهِم في تعزيز ذلك المنحى.

وغنيٌّ عن البيان أنه لا بدَّ من تسلُّح البلدان العربية بالوعي الكافي للمخطَّطات الإسرائيلية في أفريقيا، وعدم التماهي العربي مع سياسات تل أبيب في تلك القارة، تجنُّبًا لإعطاء الفرص لمزيدٍ من الانفتاح الأفريقي على إسرائيل، وتحاشيًا كذلك أنْ تزعُم بعض القيادات الأفريقية بأن القضايا والمشكلات العربية التي كان يتمُّ إقحامها في الفضاء الأفريقي طوال العقود الماضية، قد منعت البلدان الأفريقية من التعرُّف بصورة أفضل على إسرائيل، بل ومن التمتُّع بثمار التعاون البنَّاء معها، الأمر الذي من شأنه الإسهام في القضاء على مصداقية العالم العربي إزاء نظيره الأفريقي، خاصةً إذا فشل الأول في ترميم علاقاته بالأخير، وسط اختراقاتٍ لا تهدأ من قِبَل تل أبيب.

————————-

الهوامش

[1]  إذ تنعم القارة بـ 75 مليار برميلًا من احتياطي النفط العالمي، ونحو 480 تريليون قدمًا مكعبًا من الغاز، كما أن لديها 40٪ من احتياطي الذهب العالمي، ونحو 90٪ من الكروم والبلاتين، و95٪ من الألماس، كما تحظى القارة أيضًا بأكبر الاحتياطيات من الكوبالت واليورانيوم في العالم، فضلًا عن احتياطيات أخرى من الحديد والمنجنيز والفوسفات والنحاس تُقدَّر ما بين 15 إلى 40٪، هذا إلى جانب استئثارها بـ 65٪ من الأراضي الصالحة للزراعة عالميًّا، ونحو 10٪ من مصادر المياه العذبة المتجدِّدة الداخلية، وكذا “الصحراء الكبرى” أكبر وأوسع صحارى العالم التي تُعَد المصدر الأساس لتوليد الطاقة الشمسية المتجدِّدة. للمزيد، انظر الآتي:

– برنامج الأمم المتحدة للبيئة – أفريقيا، تاريخ الاطلاع: 25 يوليو 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/3BhTi

– ثروات أفريقيا.. كنوز ترسم خارطة أطماع أردوغان، موقع العين الإخبارية، 15 يوليو 2020، تاريخ الاطلاع 25 يوليو 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/sd6tz

– نهى الطويل، يوم أفريقيا.. ذهب ومعادن وثروات أخرى تكشف الحجم الحقيقى لكنوز القارة السمراء، موقع اليوم السابع، 25 مايو 2022، تاريخ الاطلاع: 25 يوليو 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://www.youm7.com/5775261

[2] إبراهيم محمد، العلاقات العربية الأفريقية، الحوار المتمدن، العدد 6793، 20 يناير 2021، تاريخ الاطلاع: 2 أغسطس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/Hh5d4

[3] المرجع السابق.

[4] فقد ساعدت الموقف العربية / الأفريقية المشتركة على إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 1514 لعام 1960، المعنِي بمنح الاستقلال للبلاد والشعوب المستعمَرة. كما أيَّدت البلدان الأفريقية القرار رقم 242 لعام 1967، والذي قضى بسحب القوات الصهيونية من الأراضي التي احتلَّتها، فيما دعم العديد من تلك البلدان القرار رقم 3379 لعام 1975، باعتبار الصهيونية شكلًا من أشكال العنصرية. وفي حرب أكتوبر 1973، تضامنت حكومات الدول الأفريقية المستقلة ومنظمة الوحدة الأفريقية مع الشعوب العربية، عبر قطع علاقاتها مع إسرائيل. وبانتهاء الحرب، بلغ عدد الدول الأفريقية تلك 29 دولة، ولم يتبقَّ سوى أربع دول أعضاء في المنظمة لها علاقات مع الكيان الصهيوني، هي مالاوي وموريشيوس وليسوتو وسوازيلاند. للمزيد، انظر: إبراهيم محمد، العلاقات العربية الأفريقية، مرجع سابق.

[5] التعاون العربي الأفريقي: واجبات ومسؤوليات، موقع المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا، تاريخ الاطلاع: 8 أغسطس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/rt5By

[6] انظر النص الكامل لوثائق ومقررات مؤتمر القمة العربي الأفريقي الأول (القاهرة: 7-9 مارس 1977)، موقع جامعة الدول العربية، تاريخ الاطلاع: 8 أغسطس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/yckwhfee

[7] إبراهيم محمد، العلاقات العربية الأفريقية، مرجع سابق.

[8] محمد العربي، حين أفل نجم القاهرة.. هكذا توغَّلت إسرائيل في أفريقيا، موقع ميدان، 22 أغسطس 2021، تاريخ الاطلاع: 8 أغسطس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/4sha8hj3

[9] المرجع السابق.

[10] راوية توفيق، الجذور التاريخية للعلاقات العربية الأفريقية، موقع الجزيرة نت، 3 أكتوبر 2004، تاريخ الاطلاع: 6 أغسطس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/dPMu6

[11] المرجع السابق.

[12]  للمزيد حول تلك الدورات، انظر: دورات القمم العربية الأفريقية، موقع جامعة الدول العربية، تاريخ الاطلاع: 8 أغسطس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/2d8d93hs

[13] راجع في ذلك ما يلي:

– نجم الدين محمد عبد الله جابر، الجهود الإقليمية والدولية لمجابهة ظاهرة الإرهاب في إفريقيا، مجلة آفاق للأبحاث السياسية والقانونية، المجلد الثالث، العدد الثاني، نوفمبر 2020، ص ص 264-280، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/yxf8tmyw

– الشيماء عرفات، 23 حربا دائرة، ماذا تعرف عن خريطة الصراعات في إفريقيا؟، موقع إضاءات، 6 فبراير 2016، تاريخ الاطلاع: 10 أغسطس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/bdckphp4

– 16 دولة تمتلك قواعد عسكرية في القرن الأفريقي، موقع Sputnik عربي، 29 أكتوبر 2019، تاريخ الاطلاع: 10 أغسطس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/3b8m9ery

– بدر حسن شافعي، الدور الإيراني في أفريقيا: المحددات التحديات، المعهد المصري للدراسات، 14 فبراير 2020، تاريخ الاطلاع: 10 أغسطس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/3vwjthww

– سرحات أوراكشي، بروز دور تركيا في أفريقيا الصاعدة، موقع الجزيرة نت، 16 يناير 2022، تاريخ الاطلاع: 10 أغسطس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/5n8v37ed

[14] محمود ضياء، الوجود الأجنبي في أفريقيا وأثره في الأمن القومي العربي، موقع مركز الناطور للدراسات والأبحاث، 12 أغسطس 2018، تاريخ الاطلاع: 26 يوليو 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/t43vtytt

[15] العلاقات الخليجية-الإفريقية.. طموحات تتجاوز الخلافات، موقع مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، 7 مارس 2020، تاريخ الاطلاع: 9 أغسطس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/bdcww9h5

[16] المرجع السابق.

[17] مصر وقارة أفريقيا، موقع الهيئة العامة للاستعلامات، 26 يونيو 2022، تاريخ الاطلاع: 9 أغسطس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/2cfmbbmu

[18] المرجع السابق.

[19] حريٌّ بالذكر أن المذكرة المُشار إليها تم تأييدها كذلك من قِبَل الأردن والكويت وقطر وفلسطين واليمن، وبعثة جامعة الدول العربية، فيما لاذت بقية الدول العربية الأعضاء في الاتحاد، وهي المغرب والسودان والصومال، بالصمت. انظر: قبول طلب إسرائيل الحصول على صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي: كيف حصل الاختراق؟ ولماذا؟، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 5 أغسطس 2021، تاريخ الاطلاع: 29 يوليو 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/yuh8z4c8

[20] Lazar Berman, African Union suspends debate on Israel’s observer member status, Times of Israel, 6 February 2022, Accessed: 15 August 2022, Available at: https://tinyurl.com/2s3kutku

[21] بهاء الدين عيَّاد، ما دلالات قرار الاتحاد الأفريقي تعليق منح إسرائيل صفة مراقب؟، موقع Independent عربية، 7 فبراير 2022، تاريخ الاطلاع: 29 يوليو 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/55kcpk6c

[22] الجامعة العربية ترحب بتجميد عضوية إسرائيل كمراقب لدى الاتحاد الأفريقي، موقع Sputnik عربي، 6 فبراير 2022، تاريخ الاطلاع: 29 يوليو 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/5n9y8pr5

[23] بهاء الدين عيَّاد، ما دلالات قرار الاتحاد الأفريقي تعليق منح إسرائيل صفة مراقب؟، مرجع سابق.

[24] Olivier Caslin, Israel’s return to African Union is creating division among member states, The Africa Report, 18 January 2022, Accessed: 15 August 2022, Available at: https://tinyurl.com/y4tzftjk

[25] تقارير: الصومال يدرس إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، موقع جريدة الشرق الأوسط، 11 يوليو 2022، تاريخ الاطلاع: 15 أغسطس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/2p9r3vhb

[26]  انظر: قبول طلب إسرائيل الحصول على صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي: كيف حصل الاختراق؟ ولماذا؟، مرجع سابق.

[27] محمد العربي، حين أفل نجم القاهرة.. هكذا توغلت إسرائيل في أفريقيا، مرجع سابق.

[28] محمود ضياء، الوجود الأجنبي في أفريقيا وأثره في الأمن القومي العربي، مرجع سابق.

[29] علاء عامر، هل تكون أفريقيا “شرق أوسط” جديد؟، موقع مجلة السياسة الدولية، 7 ديسمبر 2021، تاريخ الاطلاع: 26 يوليو 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/OCVbl

[30] محمد العربي، حين أفل نجم القاهرة.. هكذا توغلت إسرائيل في أفريقيا، مرجع سابق.

[31] المرجع السابق.

[32] راوية توفيق، الجذور التاريخية للعلاقات العربية الأفريقية، مرجع سابق.

[33] Samir Bhattacharya, Explaining Israel’s Africa policy, Hindustan Times, 2 March 2022, Accessed: 15 August 2022, Available at: https://tinyurl.com/4bf2rzbh

[34] Ibid.

[35] محمد العربي، حين أفل نجم القاهرة.. هكذا توغلت إسرائيل في أفريقيا، مرجع سابق.

[36] إحدى دولها كانت مرشحة كوطن قومي لليهود.. قصة تغلغل إسرائيل في القارة السمراء، موقع الجزيرة نت، 7 فبراير 2022، تاريخ الاطلاع: 15 أغسطس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/2p9hczru

[37] Alhadji Bouba Nouhou, Israel’s Diplomatic Offensive in Africa, Foundation pour Recherche Strategique, 21 December 2018, Accessed: 20 August 2022, Available at: https://tinyurl.com/2p8tanrc

[38] يوسف أيوب، لماذا حضرت إسرائيل وغابت مصر عن دول حوض النيل؟.. نتنياهو رفع شعار “هدفي فتح أفريقيا على إسرائيل” خلال جولته.. مكافحة الإرهاب لعبة تل أبيب لجذب الأفارقة.. و”التنمية” الفريضة الغائبة عن القاهرة، موقع اليوم السابع، 9 يوليو 2016، تاريخ الاطلاع: 15 أغسطس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/2p8728dc

[39] إحدى دولها كانت مرشحة كوطن قومي لليهود.. قصة تغلغل إسرائيل في القارة السمراء، مرجع سابق.

[40] محمد العربي، حين أفل نجم القاهرة.. هكذا توغلت إسرائيل في أفريقيا، مرجع سابق.

[41] Francis Abugbilla, How the Jewish community in Côte d’Ivoire is helping to build peace after war, Stroum Center for Jewish Studies (University of Washington), 4 February 2020, Accessed: 15 August 2022, Available at: https://tinyurl.com/3e9br38w

[42] علاء عامر، هل تكون إفريقيا “شرق أوسط” جديد؟، مرجع سابق.

[43] سيدي ولد عبدالمالك، أفريقيا: التراجع العربي والنفوذ الإسرائيلي، موقع الجزيرة للدراسات، 15 سبتمبر 2022، تاريخ الاطلاع: 15 سبتمبر 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/bdfbjc8j

[44] مصر تستوعب بتحفظ صدمات التقارب بين الجزائر وإثيوبيا، موقع العربية، 7 سبتمبر 2022، تاريخ الاطلاع: 15 سبتمبر 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/2svnwr74

[45] بهاء الدين عيَّاد، ما دلالات قرار الاتحاد الأفريقي تعليق منح إسرائيل صفة مراقب؟، مرجع سابق.

[46] Israel-Africa Relations: New Challenges and Opportunities, Institut Montaigne, 6 April 2022, Accessed: 23 August 2022, Available at: https://tinyurl.com/z3c38cjn

[47] اتفاقية بين الإمارات و”إسرائيل” لدعم مشروع صحي بغانا بقيمة 147 مليون دولار، موقع الخليج أونلاين، 22 يونيو 2022، تاريخ الاطلاع: 14 سبتمبر 2022، متاح عبر الرابط التالي: http://khaleej.online/YezP33

[48] Alhadji Bouba Nouhou, Israel’s Diplomatic Offensive in Africa, Foundation pour Recherche Strategique, 21 December 2018, Accessed: 20 August 2022, Available at: https://tinyurl.com/2p8tanrc

[49] William Shoki, Israel’s Africa strategy, Africa is a Country, 30 January 2021, Accessed: 20 August 2022, Available at: https://cutt.us/2nFNq

[50] Rina Bassist, Abraham Accords accelerate Israel-Africa rapprochement, 1 June 2022, Al-Monitor, Accessed: 22 August 2022, Available at: https://tinyurl.com/2ca7xhe7

[51] كان من بين هؤلاء رجل الأعمال Iyinoluwa Eboyeji، صاحب شركتين ناشئتين في نيجيريا، وكذا Steve Tchomba الرئيس التنفيذي لشركة ActiveSpace، أكبر حاضنة للشركات الناشئة في الكاميرون. وأيضًا Uzoma Ayogu الشريك المؤسس لشركة Releaf المعنية بتقديم أحدث تقنيات معالجة الأغذية لمزارع زيت النخيل الصغيرة في أفريقيا، والذي وقَّع مذكرة التفاهم المُشَار إليها أعلاه مع شركة Volcani International Partnerships VIP الإسرائيلية ذات الخبرة الواسعة في مجال الزراعة. للمزيد انظر:

Lazar Berman, ‘Israel is back’: Revitalized ties in Africa touted at Paris conference, The Times of Israel, 4 June 2022, Accessed: 22 August 2022, Available at: https://tinyurl.com/s326m2nr

[52] عصام الزيات، من التجاهل إلى التملُّك: تطور نفوذ إسرائيل في أفريقيا، موقع إضاءات، 17 يوليو 2021، تاريخ الاطلاع: 16 أغسطس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/dxhr3rf3

[53] Alhadji Bouba Nouhou, Israel’s Diplomatic Offensive in Africa, Website of Foundation pour Recherche Strategique, Op. cit.

فصلية قضايا ونظرات- العدد السابع والعشرون ـ أكتوبر 2022

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى