القدس بين مخاطر التهويد ومفاتح الاستعادة والنهوض



القدس بين مخاطر التهويد ومفاتح الاستعادة والنهوض

20/08/2009

 

تحت عنوان “القدس بين مخاطر التهويد ومفاتح الاستعادة والنهوض”، تحدث د. سعيد الحسن (مدير مؤسسة خالد الحسن) في إطار الحلقة الخامسة من دورة “التثقيف الحضاري” بالتعاون مع مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات بكلية الاقتصاد والعلوم االسياسية، مستهلاً حديثه باعتباره حديث ثقة بالأمل، حديث تفاؤل وتطلع إلى مستقبل مشرق –وإن طال الأمد.

 

وهو في الوقت ذاته حديث عمّا يجهله كثير من العرب وغير العرب من أن عمر الكيان الصهيوني بات قصيرًا. وهو الأمر الذي تحدث عنه أستاذنا المسيري –رحمة الله عليه، ويتوقف ذلك على جهود من يحملون مشعل المقاومة الفلسطينية.

كما أحس قادة إسرائل بهذا الأمر، فحذروا من خطورة التوسع؛ حيث أكد بن جوريون بعد إجباره على الانسحاب من شبه جزيرة سيناء على ضرورة التوقف عن التوسع والاجتهاد في الحفاظ على بقاء الكيان. ومن الحقائق الديموجرافية التي تؤكد ذلك أن معظم عرب فلسطين موجودون في الأراضي المحتلة في حدود 1967، أو فيما حولها من الدول العربية كلبنان وغيرها، ومن المنتظر عودتهم إلى أراضيهم عندما تسنح الفرصة.

إلا أنه إذا كان هذا الحديث موحٍ ببعض الأمل، إلا أنه في الوقت ذاته حديث أسى وحزن لما يثيره من عجز الأمة عن استرداد قدسها.

وقد تحدث القرآن عن القدس حديثًا عن البركة ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ (سورة الإسراء: 1)؛ فالحديث عن القدس هو حديث عن الأمة الحضارية المجتمعية، هو حديث عن أمة متميزة.

 

القدس حضارة: دلالة الإسراء

إن الحديث عن القدس هو حديث عن منظومة الحضارة الإسلامية، وهي المنظومة الحضارية الإبراهيمية وأساسها المرجعية القائمة على التوحيد. والانتماء إلى هذه الأمة مصدره الاستجابة للرسل، الذين يرتبط إرسالهم بتكون الجماعات الإنسانية.

ويثور أمران مهمان في هذا الصدد؛ أولهما الموقف النقدي للقبلية والرعوية في القرآن الكريم والسنة النبوية؛ حيث تدلنا وثيقة المدينة –على سبيل المثال- على الاتجاه نحو توحيد الأمة بغض النظر عن الاختلافات القبلية. وللقدس أيضًا دلالة توحيدية في هذا الصدد؛ فالقدس مركز تقابل للثقافات المختلفة، بل للأديان السماوية كافة.

أما الأمر الثاني فيتصل بمصدر الحضارة الراهنة، والذي تمثل فيما يسمى “الأمة المجتمعية”؛ والأمة المجتمعية هي مجموعة من الأجيال التي يجمعها ماضٍ مشترك، ومستقر، ومتصل، ومتطاول، وحر. ويتكون ذلك الماضي على أرض مشتركة تكون بمثابة موطن تختص به تلك الجماعة دون غيرها. فقد تكونت الأمة الإسلامية، أمة مجتمعية، وفقًا لتلك العناصر، بعد فترة طويلة من الفتوحات والانتصارات حققت خلالها الاستقرار. وذلك على عكس ما يسمى “أمة إسرائيل” التي لا يجمعها لا ماضٍ مشترك ولا أرض مشتركة.

وبهذا المعنى، ليست القدس أرضًا عربية فحسب، فانتماء الأرض هو أمر مجتمعي حضاري، وهو –في حالة الأمة الإسلامية- أمر لم يتحقق سوى بالإسلام وتحت رايته. فالقدس –بهذا المعنى- ليست عنوانًا على انتمائنا الحضاري الإبراهيمي فحسب، بل هي عنوان على انتمائنا المجتمعي ودليل على العمران.

 

وكانت الكلمة بعد ذلك لـ د. حمدي المرسي (مدير مكتب مؤسسة القدس الدولية بالقاهرة)، والذي بدأ بعرض فيلم توثيقي عن الأوضاع في القدس، ثم ألقى كلمة حول دوافع الاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربية.

تناول الفيلم عرض أوضاع القدس في قطاعات التعليم، والصحة، والإسكان، وحال المسجد الأقصى. فعن التعليم في القدس، يبين الفيلم أنه واقع مشوه؛ حيث لم تلتحق نسبة كبيرة من الأطفال بالتعليم، ومنهم من يتلقى تعليمه بمدارس الاحتلال، ومن بقي منهم يدرس بمدارس الأوقاف والأنروا، ومعظمها مستهدفة من قصف الاحتلال وتعاني نقصًا شديدًا في الموارد.

أما القطاع الصحي في القدس، فقد وصفه الفيلم بأنه يمثل “مواجهة مع الموت”؛ حيث لم يعد المرضى قادرون على الوصول إلى المستشفيات بسبب جدار الفصل العنصري، وأضحى أكثر من 90% من المقدسيين مجبرين على الاشتراك بالتأمين الصحي الذي يفرضه الاحتلال، في حين لم تعد مستشفيات القدس قادرة على دفع الضرائب الباهظة التي يفرضها الاحتلال.

ويمثل قطاع الإسكان معركة المقدسيين مع الوجود؛ لما يتبعه الاحتلال من سياسات تعسفية تجبرهم على مغادرة مساكنهم، منها منع منح تراخيص للبناء، ومنع البناء على مساحة كبيرة من الأراضي، …إلخ.

وتطرق الفيلم أخيرًا إلى حال المسجد الأقصى، الذي يتوسع الاحتلال في الهدم والحفر تحته، كما يعمل المحتل على بناء مدينة موازية للبلدة القديمة وفتح مزارات لها.

ثم بين د. حمدي المرسي في كلمته كيف أن القدس تمثل ملتقى للأديان والثقافات المختلفة. وتطرق لتاريخ القدس وتاريخ اليهود فيها؛ حيث لم يسكن اليهود القدس تاريخيًا سوى سبع وسبعين عامًا ولم يؤسسوا فيها أي حضارة أو عمران، إلا أنهم بدأو في القرن السابع عشر التفكير في الرجوع إلى “صهيون” ببناء هيكلهم المزعوم. حيث كانت بداية التحول من اليهودية إلى الصهيونية (كفكرة سياسية) تأثرًا بفكرة القومية، ومن ثم بدأت الهجرات اليهودية تتوافد إلى الأراضي الفلسطينية، وتم تأسيس “الصندوق الصهيوني القومي” بهدف شراء الأراضي والسيطرة عليها –والتي ظلت ضمن ما يسمى ممتلكات الدولة الصهيونية. وتوالت بعد ذلك التنازلات العربية من خلال المفاوضات واتفاقيات “السلام”، التي تدعم وتؤيد خطابات السلام الغربية.

 

المداخلات:

·   ركز شق كبير من المداخلات على دور الإعلام بأطيافه المختلفة في القضية الفلسطينية، سواء إيجابًا أو سلبًا؛ حيث تساءل أحد الحضور عمّا إذا كان لإعلامنا العربي دور سلبي إزاء القضية الفلسطينية؟! لما يمارسه من تعتيم –متعمد أو غير متعمد- على ممارسات المحتل في الأراضي الفلسطينية. ومن ناحية أخرى أكد غير واحد من الحضور على ضرورة الاهتمام بالتواصل مع الإعلام لتوعية الشباب بالقضية وتطوراتها، علاوة على ضرورة الاستفادة من الإعلام الغربي والعالمي في مخاطبة المشترك الإنساني لدى غير العرب والمسلمين.

·   من ناحية أخرى، برز تأكيد على تجاوز لتجيم الذي يفرضه الاحتلال للقضية بحصرها في قضية القدس أو المسجد الأقصى؛ فقد نجح الاحتلال في حصر القضية وتحجيمها من صراع قومي إلى مجرد صراع قطري، في حين أن هذا الصراع له بعد حضاري مهم يربطه بالانتماءات الأفريقية والآسيوية، وحتى المتعاطفين مع القضية من غير العرب والمسلمين.

·   ومن ثم، جاء الشق الثالث من المداخلات متسائلاً عن آليات نشر الوعي لدى شباب الأمة بالقضية الفلسطينية وتفعيل دورهم في خدمتها؛ فجاء تساؤل عن دور الطلبة في خدمة القدس؟ وآخر عن جهود المنظمات الأهلية في التوعية بالقضية الفلسطينية؟ كما طرح أحد الحضور تساؤلاً مهمًا حول كيفية التغلب على تحول موقفنا من القضية الفلسطينية إلى موقف سلبي اعتاد الوضع الراهن وألِفَه؟ وكيف نحول الشعوب العربية من مجرد متعاطفين مع القضية إلى فاعلين مؤثرين؟

·        وأخيرًا طرح تساؤل حول السيناريوهات المتوقعة لمستقبل القضية الفلسطنية؟

 

وجاءت ردود المتحدثين عن تلك المداخلات والتساؤلات مؤكدة على شمولة القضية وعموميتها؛ حيث أكد د. حمدي المرسي على أنه لا يمكن اختزال القضية في القدس فحسب، رغم كونه رمزًا، ولذا من المهم في هذا الصدد ألا نستخدم مصطلح “القدس الشريف” حيس يشير إلى المسجد الأقصى فحسب، وإنما علينا استخدام مصطلح “القدس” لأنه أكثر عمومية. كما أكد د. سعيد الحسن على أن القضية الفلسطينية ليست قاصرة على بعدها الوطني أو ختى القومي، وإنما لها بعد حضاري مهم لابد من أخذه في الاعتبار.

وفيما يتعلق بدور الشباب في القضية، طرح د. حمدي المرسي بعض الآليات مثل المتابعة اليومية لأخبار القضية وأحوال الأمة عمومًا، والاتصال بالمنظمات العاملة من أجل القدس.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى