التنافس الأمريكي الصيني في الشرق الأقصى وتحولات النظام العالمي

مقدمة

ضمن الملتقى العلمي “ملتقى التحولات والقضايا العالمية من منظور حضاري” يأتي هذا اللقاء الرابع حول موضوع مهم ومطروق، ومساحات الاهتمام به تتَّسع وتتزايد يومًا بعد يوم، وهو “التنافس العالمي الأمريكي الصيني في الشرق الأقصى“، تقدم اللقاء د. نسيبة أشرف -أستاذ العلوم السياسة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة- ونركز فيه على البُعد الاقتصادي بالإضافة للبعد الاستراتيجي، وخاصة مع انتقال البوصلة العالمية من الغرب والشرق الأوسط ووسط آسيا إلى الشرق الأقصى خلال نصف العقد الماضي، حيث يأتي ضمن موضوع أكبر هو: الصعود الصيني وموقف الغرب والولايات المتحدة الأمريكية منه، علمًا بأنه وإن كنا استخدمنا مفهوم التنافس فالبعض قد تحرَّك إلى مفهوم الصراع بين القوتين العظمييْن في هذه المنطقة.

ويأتي اللقاء بعد ثلاثة لقاءات سابقة: الأول كان بمثابة التمهيد لهذا الملتقى ولفكرة النظر المقارن متعدِّد المداخل لقضايا العالم وتحولاته الراهنة، فكان تحت عنوان “ماذا يعني منظور حضاري لسياسات وقضايا العالم وموقع الأخلاق منها؟” وقدَّمه كلٌّ من د. نادية مصطفى، و د. مدحت ماهر.

ثم كان اللقاء الثاني مع د. مصطفى كمال باشا – أستاذ السياسة الدولية؛ حيث تناول فيه “التحولات العالمية المعاصرة وموقع العالم الإسلامي منها“.

أما اللقاء الثالث فقدَّمته د. نادية مصطفى، وكان تحت عنوان “التحولات النظمية العربية والجوار الإقليمي والحضاري“، قامت فيه باستدعاء اللقاء الأول والثاني حول منطلقات وأهداف النظر إلى التحديات العالمية من رؤية حضارية مقارنة، وبالتطبيق على ما نسمِّيه الوطن العربي / المنطقة العربية / النظام الإقليمي العربي أو ما تسمِّيه الدكتورة نادية: الفضاء الحضاري العربي الإسلامي؛ وهو تطبيق يمكن أن يتكرَّر على مستوى مناطق وفضاءات حضارية إسلامية أو عالمية أخرى في قارات العالم المختلفة.

علمًا بأن اللقاء الحالي يأتي في ظل أزمة وكارثة إنسانية وسياسية وحياتية في قلب منطقتنا؛ حيث الحرب على غزة وفلسطين والتي تنتقل بشكل متسارع لجنوب لبنان، وقد دخلت في أسبوعها السادس، وهي أزمة تستولي على ذهننا وحياتنا وكذلك اهتماماتنا البحثية والعلمية على ضوء التخصص والهم الذي ننطلق منه.

فتطرح هذه الأزمة تساؤلات عن دور الصين؛ القوى العظمي في الشرق الأقصى، وعن دور الشرق الأقصى كله، فمن الغريب أن تكون من الدول المعترضة على القرار الذي قدَّمته روسيا لوقف إطلاق النار في غزة هي اليابان، فهذا هو الشرق الأقصى، وحجم العلاقات بين أقصى الشرق وأقصى الغرب كبير للغاية.

ومن منظور حضاري؛ فالحدث الذي يجري الآن في قلب منطقتنا بتناولاته المختلفة، نجد فيه التقاء الإنساني بالسياسي بالعسكري بالإعلامي بالثقافي بالديني، وسيكون له ما بعده، ونحن في الأسبوع السادس للحرب نجد معالم شِقاق عالمي على أرضيَّة القيم بدأت تتَّضح، ما بين من يؤيِّد العدوان، ويُغمض عينيه عن كلِّ الحُجج والشواهد، ويزن بموازين مختلَّة وبين من لا يعجبه ذلك، ويجتمع في من يرفض ذلك كل الأديان وكل التيارات الأيديولوجية في كل بقاع العالم. وبالتالي فهناك احتمالات رسم خريطة أخرى فيما يتعلَّق بقضية العدل والظلم، والحق والباطل، والإنسانية والعنصرية والتمييز.

محاضرة  د. نسيبة أشرف

في بداية كلمتها أوضحت د. نسيبة أشرف أن المقصود بالشرق الأقصى هو المنطقة في شرق آسيا وجنوب شرق آسيا أو دائرة المحيط الهندي والهادئ أو “دائرة الإندوباسيفِك” كما تطلق عليها الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه الدائرة قبيل حرب غزة كانت تشهد احتدام التنافس الشديد بين الولايات المتحدة والصين خاصة في ملفين أساسيَّين: النزاع حول تايوان، وحول بحر الصين الجنوبي أحد أهم الممرَّات المائية والأكثر إثارة للنزاعات في العالم،  للحد الذي كان يمكن أن تصل الأمور لمواجهة عسكرية مباشرة.

ويمكن أن نسكِّن هذا التنافس في إطار التحولات التي تحدث في النظام العالمي: علمًا بأن هناك علاقة بين التحولات النظمية في النظام العالمي والتحولات في الأقاليم الحضارية المختلفة في العالم، وأن أيَّ تغيير في هيكل أو في قيم النظام العالمي لا بدَّ أن يُلقي بظلاله على الأقاليم الحضارية المختلفة. كما سبق وأشارت د. نادية مصطفى في لقائها السابق.

وللوقوف على أهمِّ التحولات في النظام العالمي الآن نشير إلى ثلاث أزمات يَمُرُّ بها النظام العالمي الآن وهي: أ) أزمة القيادة. ب) أزمة في بنية النظام العالمي الرأسمالية وهيكله. ج) أزمة في القيم العالمية.

ونرى تجليات هذه الأزمات مع تراجُع القوى المهيمنة (الولايات المتحدة الأمريكية)، وتحول العالم لتعدُّدية قطبية، وتنافس القوتين العظمييْن الولايات المتحدة والصين، للحدِّ الذي وصفَه البعض بالحرب الباردة الجديدة، أيضًا تراكُم مؤشِّرات الأزمات في بنية النظام العالمي الرأسمالي تجعل البعض يتحدَّث عن تآكُل أُسُسِ النظام العالمي الليبرالي الرأسمالي، وكذلك لا يخْفى على أحد أزمة القيم العالمية.

المحور الأول: معالم التحول العالمي فيما يتعلق بالتنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين استنادا على المؤشرات السابقة

المعلَم الأول: هل هناك حرب باردة جديدة؟

  • هناك منذ سنوات حالة من الحرب التجارية والتكنولوجية، وتنافس على النفوذ الاقتصادي والجيوسياسي، وسباق من أجل احتكار وضع قواعد النظام العالمي، تصاحبه حالة من حرب دعائية شديدة بين القوتين، وحشد التحالفات والقدرات العسكرية على الجانبيْن.
  • وبالتالي في هذا الإطار بدأ يتراجع المنظور في الإدارة الأمريكية الذي كان يدعو إلى التحالف مع الصين والشراكة معها، على اعتبار أن انخراط الصين في المؤسسات والترتيبات المؤسسية الدولية وتعرُّضها للقيم الثقافية الغربية سوف يجعلها أكثر التزامًا بقواعد النظام الليبرالي، ولكن تراجع هذا المنظور لصالح منظور آخر اتَّفق عليه كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري الآن وهو توجُّه احتواء الصين أو التشدُّد تجاه الصين، واعتبارها خطرًا استراتيجيًّا يهدِّد النظام العالمي والقيادة الأمريكية، وبدأنا نشهد في وثائق الأمن القومي الأمريكي، على أن الصين هي الخطر الأساسي للولايات المتحدة الأمريكية، وتوصيفها على اعتبار أنها قوة مراجعة داخل النظام العالمي وقادرة على تغيير النظام العالمي بما تمتلكه من قدرات. بالمقابل بدأت تتنامى النزعة القومية الصينية، وهذا دعا البعض لإطلاق مصطلح الحرب الباردة على العلاقة بين القوتين العظميين الآن.
  • والبعض يرى أننا لسنا في حال الحديث عن حرب باردة جديدة لأن هناك غيابًا للنزاع الأيديولوجي، فبالرغم من أن الصين تدَّعي أنها قوة اشتراكية، فإنها لا زالت تعمل وفق الرأسمالية الاقتصادية في النظام العالمي، أو ما تطلق عليه رأسمالية ذات خصائص صينية. وبالرغم من حَشْدِ القدرات الدفاعية، فلسنا بصدد تحالفات عسكرية متنافسة ومتقابلة كما كان الحال في الحرب الباردة، ومن جانب ثالث أيضًا فإنه بالرغم من تصاعد الحرب التجارية والتكنولوجية فإنه لم تحدث بعد حالة من الانفصال التجاري الكامل، وإنما لا زالت الدولتان أكبر الشركاء التجاريين بعضهما لبعض، وتجارة السلع وصلت لحدِّها الأقصى بينهما في عام 2022.

المعلم الثاني: تآكُل أُسُسِ النظام العالمي الرأسمالي الليبرالي

البعض يقول إن النظام الرأسمالي العالمي يحمل بذور أزماته الهيكلية في داخله، إلا أن هناك تحركان صينية ساعدت في تسريع انهياره، منها محاولات الصين -وخاصة منذ وصول الرئيس الحالي جي شين بينج- لتأسيس نظام عالمي اقتصادي موازٍ للنظام الذي أنشأتْه الولايات المتحدة عن طريق إنشاء أُطُرٍ ومؤسسات اقتصادية بديلة غير التي أنشأتْها الولايات المتحدة في نظام بريتون وودز، وتُتيح هذه الترتيبات للصين أن تتحكَّم في قواعد النظام العالمي في مجال التجارة العالمية، مع عدم وجود الولايات المتحدة كطرف في هذه التحالفات، أو عدم استطاعتها أن تمنع حلفائها التقليديِّين من الانضام لها، وأهمها:

  • نظام اقتصادي عالمي متعدِّد العملات: فمحاولات إسقاط دور الدولار كرائد في التجارة العالمية هي محاولات تقودها الصين وروسيا لتحدِّي هيمنة الدولار. وأبرز ملامح هذا هو إجراء التسويات التجارية بالعملات الوطنية، كالتبادلات التجارية بين الصين وروسيا في تجارة النفط، والصين وفرنسا، والصين والبرازيل. وكذلك مناقشة تكتُّل البريكس لاحتمالية صَكِّ عملة موحَّدة للتبادلات التجارية بينهم.

عوامل عديدة ساعدت في هذا الإطار، منها العقوبات التي فرضتْها الولايات المتحدة على روسيا في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا، وأيضًا العقوبات الاقتصادية على الصين في أعقاب الحرب التجارية بينهما.

  • تأسيس نظام مالي بديل: حيث تسعى الصين إلى إعادة هيكلة المؤسسات العالمية القائمة وإنشاء تكتُّلات وأطر مؤسَّسية اقتصادية بديلة مثل: (منظمة شنغهاي للتعاون – بنك الاستثمار في البنية التحتية الآسيوي – بنك التنمية الجديد [كبديلين للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي] – الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة – البريكس).

المعلم الثالث: أزمة القيم العالمية.. نقد النموذج الأمريكي

  • عالمية القيم: لا نتحدَّث عن أزمة القيم العالمية في المطلق، ولكن نتحدَّث عنها من منظور القوة المنافسة، وتتمثَّل في روسيا والصين؛ وهما دائمًا ما تتحدَّثان بانتقادات دائمة عن محاولة الولايات المتحدة نشرَ منظومة قيمها الحضارية بالقوة، وفرضها على السياقات الحضارية المختلفة، واعتبارها متجاوزة للزمان والمكان والطبقة والمجتمع، وتصلح أن تَحِلَّ محلَّ القيم الأصلية للثقافات المختلفة، وهي بذلك تتجاهل وجود فروق في الحضارات والثقافات.
  • اختلاف تعريف القيم: تنادي الصين وروسيا بأن لديهما مجموعة من القيم تختلف في أولوياتها ومضمونها عن منظومة القيم الغربية، وحتى القيم الغربية لديهما تعريفات مختلفة لها، فنجد الصين تنادي بديمقراطية ذات معالم صينية، لا تستنسخ النموذج الغربي وإنما تقوم على العدالة والتنمية وتلبية احتياجات المواطنين.
  • ونظرة أكثر إمعانًا في ممارسات الصين مع الأقليات الدينية وما يتعلَّق بمسلمي الإيجور، وتقييد الحريات، والسيطرة على مساحات التعبير والإنترنت، يضع هذا التعريف على المحك ولكن هذا هو الدفع الذي تحاجج به.
  • طرح النموذج الصيني في مقابل النموذج الأمريكي: بالإضافة لنقد منظومة القيم الغربية العالمية، فالصين كذلك تقوم بنقد النموذج الأمريكي ككل في العالم، فتنتقد نمط تدخُّلاته المختلفة في العالم في العراق وفي أفغانستان، وتتحدَّث عن نفسها كنموذج بديل يدعو للتنمية السلمية والمصالح المشتركة، وأيضًا تروِّج لنفسها كنموذج للوساطة النزيهة التي لم تلوِّث يدَها بالدماء، والتطورات الأخيرة في وساطة الصين في الخلاف السعودي الإيراني واقتراحاتها لحل الأزمة دالَّة في هذا الإطار.

ولا  يمكن أن نتجاوز الحديث عن تحولات النظام العالمي دون الإشارة لما يحدث الآن في غزة:

فما يحدث في غزة وجَّه ضربةً شديدةً لمنظومة القيم الغربية بكاملها، وكشف الغطاء عن الوجه الحقيقي القبيح لهذه المنظومة وهذا النموذج الحضاري الغربي.

كما وجَّه ضربةً أيضًا للعديد من النظريات الرصينة (تقليدية أو نقدية) في العلاقات الدولية، مثل نظريات توازن القوى، أو التي تحدَّثت عن أنه لا يمكن توجيه ضربة حقيقية أو هزة لهذا النموذج المهيمن الليبرالي عن طريق “حرب الموقف” أو المواجهه المباشرة مع هذا النظام، وإنما هزة حقيقة تحتاج لفترات زمنية طويلة من مناقشة الأفكار الليبرالية واستبدالها بأفكار أخرى، ويتم ذلك عن طريق مجتمع مدني، وتحالف من المجتمعات والطبقات المدنية والمؤثؤين والمثقفين.

وتعجز هذه النظريات أو المنظورات عن فهم مفاتيح ما يحدث في غزة الآن، ولا يمكن لمنظور سوى منظور يفهم السنن الإلهية في الكون (سنة التغيير والتداول والتدافع والتمكين والابتلاء) أن يدلي بدلْوه ليشرح هذا الصمود والقوة الخفية التي تدعم هذه الفئة القليلة التي تمتلك إمكانات محلية ضعيفة جدًّا وتساعدها على الصمود في هذا الوضع الصعب.

المحور الثاني: أنماط التنافس الأمريكي الصيني في الشرق الأقصى ونماذج لها

هذه الأنماط الثلاثة كاشفة عن أمر هام، وهو التحوُّل في طبيعة القوى المؤثِّرة في العالم الآن، فنتحدَّث عن “القوة التكنولوجية”، وكذلك نستطيع أن نستنبط منها كيف تتداخل الأبعاد الاقتصادية والأمنية والعسكرية والسياسية والثقافية المختلفة.

  1. التنافس حول الريادة في المجال التكنولوجي:

(والمثال الأبرز هو النزاع حول تايوان باعتبارها قوة تمتلك قدرات تكنولوجية عالية)

  • تحول طبيعة القوة العالمية: بحيث أصبح التنافس في هذا المجال التكنولوجي هو الساحة الرئيسية للتنافس العالمي ومن أبرز محددات التغيير في النظام العالمي.

– فنجد الرئيس الصيني يصرِّح بأن تحقيق الهيمنة في المجال التقني هو الساحة الرئيسية للتنافس بين القوى الكبرى الآن. بالإضافة لوثائق الدفاع الوطني الأمريكي تتحدث عن أنه لم يعد كافيًا للولايات المتحدة أن تمتلك القوة المادية والقدرات النووية بل ينبغي عليها أن تحقِّق السبْق في مجال القوة التكنولوجية.

– موضوع القوة التكنولوجية هام أيضًا لفهم التغيير الذي يحدث في النظام العالمي، فهو ليس فقط كما يقول الواقعيون “عامل مضاعف” لعوامل القوى التقليدية الأخرى؛ لحجمها وتأثيرها، ولكن كذلك له آثار كبيرة في تغيير طبيعة الفاعلين على الساحة العالمية، وأنماط التفاعلات، وإضافة أبعاد جديدة للصراعات العالمية تتجاوز البر والبحر والجو، فنسمع عن قوات فضائية صينية وروسية وأمريكية تصل إلى الفضاء للقيام بعمليات عسكرية. كما هي هامة في مجال الفجوة بين دول الشمال والجنوب؛ لأنه إذا كان هناك فجوة كبيرة بين دول الشمال والجنوب ذات أبعاد اقتصادية أوعسكرية أو غيرها، فإن الفجوة الرقمية ضاعفت من الفروق بين من يمتلك التكنولوجيا ومن لا يمتلكها، وبالتالي يكون موضوعًا لتأثيرها.

  • مجالات التنافس بين القوتين: الذكاء الاصطناعي – الروبوتات – طريق الحرير الرقمي – تكنولوجيا الجيل السادس – الهجمات السيبرانية – قرصنة الأسرار التكنولوجية للشركات.
  • حرب الرقائق الإلكترونية: أبرز مجالات التنافس، تكْمن أهميتها كونها سلعة استراتيجية تدخل في صناعة أي جهاز إلكتروني ذكي في العالم الآن.

وفي ضوء سياسة احتواء الصين، تسعى الولايات المتحدة لعرقلة جهود الصين في إحراز التقدُّم التكنولوجي والاقتصادي بشتَّى الطرق، إلى الحدِّ الذي يُقال إن الدافع الرئيسي وراء الحرب التجارية بينهما كان هو هذه الحرب التكنولوجية، وبالتالي تفعِّل الولايات المتحدة كافَّة الاستراتيجيات بدءًا من وضع عقوبات شديدة على شركات التكنولوجيا الصينية، ومنع تصدير هذه الرقائق إلى الصين، ومعدات تصنيعها والشركات التي تنتج التكنولوجيا، مع فرض ضغوط على الدول الحليفة فتفعِّل إقامة أحلاف لمنع تصدير هذه الرقائق للصين.

في المقابل، تحدَّث الرئيس الصيني عن تنامي النزعة القومية التكنولوجية الصينية، وبالتالي محاولات صينية لتحقيق الاكتفاء الذاتي الصيني، أو استبدال المواد التي تُستخدم في صناعة الرقائق بمكوِّنات محلية، وتدعم الحكومة هذه الصناعة بمليارات الدولارات. للخروج من دائرة العقوبات والتضييق الأمريكي عليها.

  • بالتالي تأتي أهمية تايوان (استراتيجية درع السيليكون): شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة (TSMC) مصنع رقائق العالم، حيث يمثِّل إنتاجها 50% من الإنتاج العالمي، و90% من الرقائق المتقدِّمة على مستوى العالم، ويثور من ثمَّ التنافس حول تايوان.
  1. التنافس حول السيطرة على مناطق النفوذ الاقتصادي والجيوسياسي

الملف الأبرز: هو النزاع حول بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان

  • نظرًا لأهميته الاقتصادية: فهو ممر لـ30% من التجارة العالمية (5 تريليون دولار سنويًّا)، ويمثِّل ثروةً هائلةً من النفط والغاز الطبيعي (11 مليار برميل من النفط – 190 تريليون قدم مكعب من الغاز)، و10% من مصائد الأسماك في العالم.
  • النزاع في هذا البحر حول السيادة على مياه البحر وجزر باراسيل وسبراتلي: يقع هذا النزاع بين الصين وتايوان ودول شرق آسيا، وبين الصين والولايات المتحدة الأمريكية التي تطلق مقاتلاتها الجوية وتدافع عن حرية الملاحة فيه، وبالتالي هذا البحر يعتبر ميدانًا لممارسة الصين هيمنتها الإقليمية، فتقوم بإجراءات مختلفة في سبيل ذلك.

 

3- التنافس حول إرساء قواعد النظام الاقتصادي والمالي العالمي

يأتي في شكل التنافس على المشروعات الاقتصادية   الكبرى التي تتيح لكلا الدولتين أن تكتب قواعد للنظام العالمي في مجالات مختلفة.

نجد تخوُّفًا أمريكيًّا وسعيًا لاحتواء مبادرة الحزام والطريق نابع من:

  • تنامي النفوذ الصيني في مناطق النفوذ التقليدي الأمريكي في جنوب شرق آسيا، وأوراسيا، وأوروبا.
  • تنامي دور الصين في إعادة كتابة القواعد المنظمة للعديد من المجالات العالمية (قواعد الملاحة البحرية – الهيمنة التقنية – التمويل الدولي – تحديد العملات الدولية – التفوق العسكري).
  • بالتالي قامت الولايات المتحدة بتفعيل مبادرة (إعادة بناء عالم أفضل 2021) الأمريكية / وطريق الهند الجديد (الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا 2023).

الأهداف الصينية والأمريكية في الشرق الأقصى وآلياتها:

  • الأهداف الصينية: بناء هيمنة إقليمية عسكرية واقتصادية في شرق آسيا من خلال التحكُّم في الممرَّات البحرية الهامَّة مثل بحر الصين الجنوبي، وتغيير التوازن الأمني بفعل تطوير للقدرات العسكرية البحرية، تمهيدًا لتحويل الصين لقوة بحرية كبرى، إلى جانب هيمنة اقتصادية من خلال الاعتماد على شبكة من المشروعات الاقتصادية والتنموية التي تهدف للسيطرة المحكمة على جيرانها.
  • الأهداف الأمريكية: منع الهيمنة الإقليمية الصينية، والحفاظ على التفوق العسكري الأمريكي، ومنع الحلول أحادية الجانب للصراعات القائمة في المنطقة، والحفاظ على سيادة تايوان.
  • آليات التنافس الأمريكي الصيني:
  • توطيد التحالفات: مثل تحالف أوكوس، الذي تقوم الولايات المتحدة وبريطانيا بموجبه بتزويد أستراليا بغواصات نووية لردع النفوذ الصيني في المنطقة، تحالف كواد.
  • حشد وتعزيز القدرات العسكرية والدفاعية.
  • بناء الأطر والمشروعات الاقتصادية العالمية المتنافسة.

وهنا يطرأ سؤال: ما أثر هذا التنافس على دول جنوب شرق آسيا؟ أو ما هي الفرص والتحديات في هذا التنافس؟

كالعادة تكون الدول النامية هي الخاسر الأكبر في مثل هذه الأنماط التنافسية، نظرًا لاستمرارها في التبعية مع القوى الكبرى، وعدم قدرتها على الاستفادة من القيمة المضافة لثرواتها البشرية أو الطبيعية.

  • التحديات الاقتصادية: لو نظرنا للحرب التجارية والتكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين سنجد أنها أثَّرت بشكلٍ كبير على الأرباح ومعدلات النمو والبطالة في هذه الدول، بالرغم من نقل التصنيع إليها واستضافاتها للشركات التكنولوجية، ولكن الخسارة تكون أكبر نظرًا لما يمارس عليها من ضغوطات شديدة من القوتين، وهذه الدول ترفض هذه الضغوطات، كما صرح مهاتير محمد بأن دول شرق آسيا عالقة في المنتصف. بحيث يتم إعادة تشكيل خرائط السلطة والثروة بعيدًا عن مصالح الدول الصغرى والشعوب.
  • الأمن الغذائي: يشهد الأمن الغذائي تهديدًا حقيقيًّا لملايين من البشر إذا بدأ نزاع في المنطقة. كونها من أهم مصائد الأسماك.
  • الأمن المناخي: كونها مناطق ساحلية من أكثر المناطق تأثُّرًا بالتغير المناخي ومناطق منخفضة، وعلى إثر العقوبات، قامت الصين بقطع العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن التنسيق بشأن الأمن المناخي، وهو يضر بالتأكيد بهذه الشعوب.
  • الفجوة الرقمية: تتَّسع لصالح الدول الكبرى، بسبب عدم العدالة في توزيع هذه القدرات التكنولوجية في شرق آسيا.

العلاقة بين ما يحدث في غزة الآن وهذا التنافس الأمريكي الصيني:

الصين كان لها موقف من عدم الانخراط بشكل مباشر في الصراع أو أن تميل لأي طرف، كجزء من سياسة الصين في محاولتها أن تتحدَّث باسم دول الجنوب كصوت تعدُّدي، وجزء كذلك من استراتيجيتها في الترويج لنفسها كنموذج للوسيط النزيه، الذي لا يأخذ جانب أحد من الطرفين، ولا تنخرط من أجل جانب معيَّن، فنجدها في المقابل لم تُدِنْ عملية 7 أكتوبر، كما أنها تنتقد القصف الإسرائيلي، وتتحدَّث عن انتهاكات القانون الدولي، وتصريح على حرج بأن ما تفعله إسرائيل يتعدَّى الدفاع عن النفس ليصل إلى العقاب الجماعي. صحيح أن موقف الصين ليس موقفًا قويًّا، ولكن يمكن الحديث عن أن الصين لديها مصالح حيويَّة من استمرار الصراع في هذه المنطقة الآن، منها:

  • استنزاف قوة الولايات المتحدة الأمريكية، في هذا الصراع وبالتالي تنشغل عن التنافس معها في شرق آسيا، وكذلك يجعل الولايات المتحدة تؤجل الحديث عن طريق الهند الجديد كونه يمر من إسرائيل كمحطة أساسية. وتكون بذلك الصين وروسيا من الدول التي تستفيد من عدم فوز الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
  • كذلك اشتعال الصراع يخدم مصالح الصين في المنطقة ما لم تتأثَّر إمدادات الطاقة وهي المصلحة الاستراتيجية الأولى والأهم للصين، ويمكن أن يكون السبب الرئيسي الذي دفعها للتدخُّل بين السعودية وإيران.

 

ملتقى التحولات والقضايا العالمية

اللقاء الرابع: 11 نوفمبر 2023

يمكن مشاهدة المحاضرة من خلال هذا الرابط

تفريغ وتحرير: الزهراء نادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى