المشاكل والسياسات الإقليمية في أمريكا اللاتينية

مقدمة:

يُعَدُّ كتاب “المشاكل والسياسات الإقليمية (المناطقية) في أمريكا اللاتينية[1]“، الذي ألَّفه عددٌ من الأكاديميين والخبراء من المنطقة عام 2013، أول كتاب باللغة الإنجليزية يقدِّم رؤية نقدية وتحليلية معاصرة للمشاكل والسياسات الإقليمية في أمريكا اللاتينية، ويتكوَّن الكتاب من ثلاثة أجزاء، يقدِّم الجزء الأول لمحة عامة عن الأداء والتفاوت الاقتصادي داخل الدول، والتركيزات المكانية، والسياسات الإقليمية (المناطقية) المُتَّبعة في أمريكا اللاتينية ككل. أما الجزء الثاني، فيركِّز على دولٍ بعينِها حيث يقوم بتحليل المشاكل والسياسات الإنمائية الإقليمية في كلٍّ من المكسيك وكولومبيا والبرازيل وشيلي، والأرجنتين، وبيرو، والإكوادور. ويتعرَّض الجزء الثالث لموضوعات مشتركة بين دول أمريكا اللاتينية مثل الهجرة والسكان، والتعليم ورأس المال البشري، والفقر، واللامركزية، وغيرها.

  • الفكرة الرئيسية للكتاب

ينطلق الكتاب من فكرة أنه على الرغم من مستويات النمو الاقتصادي المتزايدة، ومعدَّلات التوسُّع العمراني التي اقتربت من المعدَّلات الأوروبية، والانفتاح التجاري والتحوُّل الديمقراطي، توجد تفاوتات اقتصادية حادَّة ضمن البلد الواحد بين المناطق الأكثر تطوُّرًا والأخرى الأقل تطوُّرًا في معظم بلدان أمريكا اللاتينية. ففي بعض الدول يبلغ نصيب الفرد من الدخل في أغنى منطقة ما يقرب من عشرة أضعاف الدخل في المناطق الأشدِّ فقرًا. ففي الأرجنتين، على سبيل المثال، بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2010 لأغنى مقاطعة (مقاطعة سانتا كروز) 7.85 أضعاف نصيب الفرد من أفقر مقاطعة في البلاد (فورموزا). وفي المكسيك، يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في أغنى ولاية 9.3 أضعاف نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في أفقر الولايات (كامبيتشي وجيريرو). وحتى في الحالات التي لا توجد فيها اختلافات كبيرة إلى هذا الحدِّ، فإن السِّمَةَ المهيمنةَ لهذه التفاوتات الاقتصادية هي أنها لم تتغيَّر بشكل كبير على مدى العقود الماضية.

– أسباب وجود تفاوتات اقتصادية بين المناطق:

ترجع أسباب وجود وتطوُّر هذه التفاوتات الاقتصادية الهائلة بين مناطق دول أمريكا اللاتينية إلى تركُّز معظم الأنشطة الاقتصادية والسكَّان في مناطق أو محافظات بعينها ونُدرتها في المناطق الأخرى الأقلِّ تطورًا، ممَّا أدَّى إلى التبايُن الحادِّ بين هذه المناطق. ففي تشيلي، مثَّلت منطقة سانتياجو الحضرية 49.1٪ من الناتج المحلي الإجمالي و40.3٪ من السكَّان في عام 2010. وفي الأرجنتين، شكَّلت مدينة ومقاطعة بوينس آيرس 55.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي وما يقرب من 46٪ من السكَّان في عام 2005. ويرجع تركُّز الأنشطة الاقتصادية والسكَّان في مناطق ومقاطعات بعينِها إلى أسباب عدَّة أهمها وجود اختلافات واضحة في الموقع الجغرافي والموارد المتاحة لكلِّ منطقة، وتوافر شبكات النقل، والموانئ، والمناخ، وبعض القرارات التي اتَّخذها المسؤولون في الماضي والتي كانت تفضِّل بعض المناطق على غيرها، إلى غير ذلك من الأسباب التي أدَّت في النهاية إلى وجود تباينات كبيرة في مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بين المناطق.

التداعيات الاقتصادية والسياسية للتفاوتات الاقتصادية بين المناطق:

ولهذه التفاوتات الاقتصادية المناطقية تبعات سلبية على المستوى الاقتصادي والسياسي على حدٍّ سواء. فمن الناحية الاقتصادية، يؤكِّد الكتاب على أن التفاوتات المحلية يمكن أن تشكِّل عقبةً أمام نموِّ الناتج المحلي الإجمالي الوطني على المدى المتوسط والبعيد بما يؤدِّي إلى زيادة الفجوة بين الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي والمحتمل. كما أن التوزيع غير المتساوي للاستثمارات في المناطق المختلفة يؤدِّي إلى التفاوت في مستويات الدخل وزدياة معدَّلات البطالة بسبب زيادة الهجرة من المناطق الفقيرة إلى المناطق الغنية. ومن الناحية السياسية، قد تؤدِّي زدياة الفجوة بين المناطق الغنية والمناطق الفقيرة وغياب العدالة الاجتماعية في توزيع الدخول إلى حالة من عدم الرضا والتمرُّد ممَّا يؤدِّى إلى زعزعة الاستقرار السياسي. وقد حدث بالفعل أن اندلعت موجةٌ من الاحتجاجات في عددٍ من دول أمريكا اللاتينية مثل تشيلي وكولومبيا والإكوادور في عام 2019 حيث خرج السكَّان في تلك البلدان إلى شوارع عواصمهم مطالبين بالمساواة في المعاملة وتحسين الفرص. وممَّا لا شكَّ فيه أن جزءًا من هذا الاستياء متجذرٌ بعمقٍ في التفاوتات المحلية العميقة داخل تلك البلدان.

  • تحليل حالات الدراسة

الجزء الثاني من الكتاب يتناول عن كثب مشكلة التفاوتات الاقتصادية المناطقية داخل الدول، وكيف نشأت والعوامل التي ساهمت في تطورها بالإضافة إلى أسباب فشل السياسات المحلية في الحدِّ من هذه الظاهرة وذلك في سبع دول من أمريكا اللاتينية:

  • المكسيك: والتي تنقسم إلى ثلاث مناطق رئيسية (الوسط والشمال والجنوب) وتتمتَّع المناطق الوسطى والشمالية باقتصادات أكثر ديناميكيَّة وتقدُّمًا من تلك الموجودة في الجنوب. وقد فشلت السياسات التي اتبعتْها الدولة في الحدِّ من هذه التفاوتات بسبب عدم إشراك المناطق المختلفة في صياغتها بما يناسب احتياجاتهم وبسبب عدم استمراريَّة هذه السياسات نتيجة التغيُّر المستمرِّ للحكومات.
  • كولومبيا: كان اتِّباعُ سياسات إحلال الصناعات محلَّ الواردات خلال النصف الثاني من القرن العشرين قد أفاد بشكلٍ ملحوظٍ الاقتصادات الصناعية الواقعة في وسط البلاد، ممَّا زاد من ميزتها على المناطق الطرفية. ونتيجة لذلك، تخلَّفت التنمية الاقتصادية لكلٍّ من المناطق الساحلية الواقعة بمواجهة المحيط الهادئ ومنطقة البحر الكاريبي، عن تلك المناطق الواقعة في الوسط مثل بوجوتا. كما أن السياسات المناطقية التي نفَّذتها الحكومة لم تنجح في الحدِّ من التفاوتات الاقتصادية بين المناطق، بل على العكس، قد أفادت التحويلات الحكومية المناطق الأكثر ازدهارًا بشكل رئيسي.
  • البرازيل: نجد أن المناطق الشمالية والشمالية الشرقية لديها أدْنى معدَّلات النموِّ الاقتصادي، حيث تساهم هذه المناطق الفقيرة بحوالي5٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2009، في حين أن المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية لديها أعلى معدَّلات التنمية وتساهم بحوالي 56.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي الوطني في عام 2009. ومع ذلك، فإن إنشاء عاصمة جديدة في الغرب الأوسط من البلاد، وإنشاء منطقة استيراد حرَّة في الأمازون، والتقدُّم التكنولوجي في مجال الزراعة دعمَ النموَّ في المنطقة الشمالية، خاصة في مجال التعدين، وفي منطقة الغرب الأوسط، خاصة في مجال الزراعة.
  • الأرجنتين: والتي تتميَّز بتركيزٍ كبيرٍ للسكَّان والنشاط الاقتصادي في منطقة واحدة تُعرف باسم بامبيانا، ولا سيما في بوينس آيرس، أمَّا باقي المقاطعات في المنطقة الشمالية من الأرجنتين فيتمتَّعون بمعدَّلات نموٍّ اقتصاديٍّ منخفضٍ مقارنةً ببامبينا.
  • تشيلي: حيث تُعَدُّ منطقة العاصمة أعلى المناطق دخلًا، أمَّا المناطق الجنوبية والشمالية، فتتمتَّع بمعدَّلات نموٍّ اقتصاديٍّ متوسط، وتعتمد بالأساس على إنتاج السلع الأولية مثل النحاس والنفط. وتقعُ بقيةُ المناطق، ذات الدخل المنخفض، في الجزء الأوسط من البلاد.
  • بيرو: إن “المعجزة البيروفية” الاقتصادية التي تحقَّقت خلال السنوات الأخيرة مع الأسف لم تؤدِّ إلى الحدِّ من التفاوتات الاقتصادية بين المناطق المختلفة داخل البلاد، فقد بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لأغْنى منطقة (موكيجوا) 7.5 أضعاف نصيب الفرد في أفقر منطقة (أبوريماك). ويرجع ذلك إلى خصائص معيَّنة للاقتصاد البيروفي، مثل الاعتماد على التعدين وتصدير المواد الأولية ممَّا ولَّد فرص عمل ذات إنتاجية منخفضة ومرتَّبات حقيقية منخفضة.
  • الإكوادور: والتي تتَّسم بتركُّز نشاطها الاقتصادي والسكَّان في المناطق التاريخية الثلاث (بيتشينشا وجواياس وأزواي) بينما تتميَّز منطقتا نابو وسوكومبيوس بمستويات منخفضة من الدخل والكثافة السكَّانية.

وبالإضافة إلى ما تمَّ عرضُه من تفاوتات اقتصادية بين المناطق في دول أمريكا اللاتينية فيما يتعلَّق بالمساهمة في الناتج المحلِّي الإجمالي والفرق بين دخل الفرد في المقاطعات الغنيَّة مقارنةً بنظيراتها الفقيرة، فإن هناك فروقًا أخرى أكثر من مجرَّد الناتج المحلي. ففي المتوسط، نجد أن الناس في الأقاليم المتأخِّرة أسوأ حالًا فيما يتعلَّق بالصحة والتعليم، حيث يُسجل بها معدَّلات وفيات الرضَّع أعلى من المناطق الغنيَّة كما أن متوسِّط العمر في الأقاليم الفقيرة أقلَّ من نظيرتها الغنية. وتتَّسم المناطق الفقيرة أيضًا بنسبٍ أقلَّ من العمالة ذات التعليم الجامعي.

  • علاقة بعض القضايا العامة بالتفاوتات الاقتصادية بين الدول

يتناول الجزء الثالث من الكتاب علاقة بعض القضايا العامة بالتفاوتات الاقتصادية بين دول أمريكا اللاتينية مثل: التعليم، والهجرة، ورأس المال البشري، واللامركزية. فمن الناحية الاقتصادية النظرية، فإن للهجرة دورًا مهمًّا في الحدِّ من التفاوتات في دخول الأفراد في المناطق المختلفة، حيث يميلُ العمَّال إلى الانتقال من المناطق ذات الأجور المنخفضة إلى تلك المناطق ذات الأجور الأعلى، ممَّا يؤدِّي إلى انخفاض الأجور في المنطقة المتلقِّية وازديادها في منطقة الأصل، وهو ما يؤدِّي بدوره إلى التقارب في الدخول والحدِّ من عدم المساواة بين المناطق دون أيِّ تدخُّلٍ من الدولة. ولكن في دول أمريكا اللاتينية، فإن الهجرة لا تعمل للحدِّ من عدم المساواة المكانية إلَّا في بعض البلدان مثل الأرجنتين وبوليفيا والبرازيل فقط، ممَّا يتطلَّب وضعَ سياسةٍ تنمويَّةٍ مناطقيَّةٍ لتعزيز التوازن في المناطق داخل البلدان.

ومن السياسات التنموية، نجد أن التعليم ومعدَّل الالتحاق بالمدارس عاملٌ حاسمٌ في النموِّ الاقتصادي طويل الأجل للدولة. فبينما تقيِّد القوى العاملةُ الحاصلةُ على التعليم الابتدائي النموَّ الاقتصادي على المدى القصير، فإن القوى العاملة الحاصلةَ على التعليم العالي تدعم النموَّ الاقتصادي طويل الأجل. وعليه؛ يجب على الدول ككل اعتماد سياسة جديدة تسعى إلى سَدِّ الفجوات في معدَّلات الالتحاق بالتعليم العالي، وذلك للحدِّ من التفاوتات المناطقيَّة. أمَّا بالنسبة لرأس المال البشري، فعلى الرغم من أن المخزون الوطني من رأس المال البشري قد ارتفعَ في بلدان أمريكا اللاتينية، فإنه ظلَّ أقلَّ بكثير مقارنة بالاقتصادات المتقدِّمة. وعلاوة على ذلك، فإن رأس المال البشري موزَّع بشكلٍ غيرِ متساوٍ عبر دول أمريكا اللاتينية، فيميل إلى التجمُّع في عواصم البلدان والمدن الكبرى وعواصم الوحدات الإدارية الأكبر. وكشف التحليل أيضًا أن توفير المرافق العامة هو العامل الأكثر انتشارًا في تفسير هذه الفروق المناطقيَّة في تراكم رأس المال البشري.

  • أسباب فشل سياسات التنمية المناطقية في الحد من التفاوتات بين الأقاليم

يرجع فشل السياسات المناطقية في الحدِّ من التفاوتات الاقتصادية بين الأقاليم في أمريكا اللاتينية، إلى عددٍ من الأسباب، من أهمها:

أ) التركيز على النموِّ الاقتصادي وليس التنمية: حيث إن معظم السياسات المحلية التي تتبعها الحكومات تركِّز على تعزيز الناتج المحلي الإجمالي، بينما تحتلُّ السياساتُ الإنمائيَّةُ المناطقيَّةُ مكانةً ثانويةً ولا ترْقى لأن تكون خطةَ تنميةٍ لصالح المناطق الأكثر تخلُّفًا تسْعى لتعديل هياكل الإنتاج، وتعزيز النموِّ الإقليمي، وإيجاد فرص عمل مستدامة.

ب) التقدُّم المحدود في تطبيق اللامركزية: حيث إن القرارات الأساسية التي تخصُّ المناطق مثل تطوير البنية التحتية، وتعزيز الصناعة، وما إلى ذلك تُتَّخَذُ وبشكلٍ حصريٍّ على المستوى المركزي دون إشراك المناطق في صياغة وتحديد السياسات المناسبة لكلِّ منطقة في إقليم الدولة.

وعليه؛ فقد حدَّد الكتاب بعض المعايير التي من المهمِّ أخذها في الاعتبار عند تصميم وتنفيذ سياسات التنمية المحلية، ومن أهم تلك الشروط:

1) التركيز: حيث ينبغي أن تكون سياسات التنمية المناطقيَّة موجَّهة لكلِّ منطقةٍ على حدة، وفقًا لمشاكل تلك المنطقة وإمكاناتها والموارد المتوفِّرة والقوى العاملة فيها والتدخُّلات التي تحتاجها، بدلًا من وضع سياسات عامَّة لكلِّ المناطق دون مراعاة الاختلافات بينها من حيث المشاكل والإمكانات.

2) وضع برامج متوسطة / طويلة الأجل: إن أهمَّ عنصرٍ لنجاح سياسات التنمية المحلية هو الاستمراريَّة، وبالتالي يجب أن يكون لكلِّ سياسة في منطقة من المناطق أفق زمني طويل المدى يتجاوز مدَّة الحكومات، وذلك لأن التغيير الهيكلي أو تطوير أنشطة جديدة وتمكين السكَّان المحليِّين يتطلَّب وقتًا طويلًا. وعليه؛ لا يجب أن تكون سياسات التنمية سياسة حكومية تنتهي بانتهاء فترة الحكومة، بل يجب أن تكون سياسةَ دولةٍ تُنَفَّذُ على المدى البعيد بغضِّ النظر عن الحكومة الموجودة.

3) المشاركة: يكْمن هامشُ نجاحِ سياساتِ التنميةِ المحليَّةِ في مشاركة المناطق ليس فقط في تصميم السياسات التنمية المحلية وإنما أيضًا في تنفيذها؛ وذلك للوصول إلى استراتيجية ناجحة معبِّرة بالدرجة الأولى عن الصالح العام. وهذا يتضمَّن نقل السلطة إلى المناطق (اللامركزية) وتنفيذ مبادئ التعاون والشراكة بين الحكومة المركزية، والمناطق، والوكلاء الاجتماعيين (المجتمع المدني والأهلي).

4) وجود آليات التقييم: يُعتبر التقييم مرحلةً من المراحل المهمَّة لنجاح أيِّ سياسةِ تنميةٍ للمناطق المختلفة داخل الدولة. والتقييم عملية متواصلة (قبل، وأثناء، وبعد) يتمُّ فيها جَمْعُ المعلومات ودراستُها من خلال تشخيص نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات المرتبطة بسياسةِ منطقةٍ معيَّنةٍ بالاعتماد على المنهج العلمي والمؤشِّرات الدقيقة لمعرفة مدى نجاح ودرجة تحقيق السياسة المحلية للأهداف التي وضعت من أجلها.

  • أهم الدروس المستفادة من تجربة أمريكا اللاتينية

والدرس الذي يمكن استخلاصه من تجربة أمريكا اللاتينية هو أن التنمية المحلية تُعَدُّ إحْدى أبعاد التنمية الوطنية، وأن الاهتمام بالبُعد التنموي في المناطق والمقاطعات والمحافظات المختلفة يؤدِّي إلى ارتفاع معدَّلات النموِّ الوطنيِّ لكلِّ دولة، في حين نجد أن إغفالَه يؤدِّي إلى عدم نجاح التنمية الوطنية في تحقيق أهدافها المرجوة. وبالتالي لا يمكن استدامةُ أيِّ نموٍّ اقتصاديٍّ حقيقيٍّ بدون سياسةٍ محليَّةٍ شاملةٍ تهدفُ إلى إزالة العقبات وتمكين تنمية المناطق المتخلفة وتشجيع التغييرات الهيكلية طويلة الأجل من أجل زيادة القدرات الإنتاجية في المناطق المختلفة، خاصة وأن الوضع في الدول العربية لا يختلف كثيرًا عن دول أمريكا اللاتينية. فعلى الرغم من أن معظم البلدان العربية تقع ضمن فئة الدول متوسطة الدخل، فإن عدم المساواة المكانيَّة فيها مرتفع ومتزايد مقارنةً بالبلدان الأخرى في العالم. ففي مصر، على سبيل المثال، فإن مستويات المعيشة في المناطق الحضرية في الوجه البحري أعلى بكثير مقارنة بالمناطق الفقيرة في صعيد مصر[2]. وفي تونس يُعَدُّ مستوى دخل الفرد في وسط غرب تونس الأدْنى في البلاد. وفي الأردن، شهدت الأُسر التي تعيش في وسط وجنوب البلاد تدهورًا في متوسِّط دخل الفرد مقارنةً ببقيَّةِ السكَّان[3]. ولمَّا كان تطوير الجزء يؤدِّي إلى تطوير الكل، فإن التنمية المحلية من هذا المنطلق تُعتبر واحدةً من مكوِّنات عمليةِ التنميةِ الكلِّيَّةِ، ومن ثَمَّ يجب على صُنَّاعِ السياسات العامة في البلدان العربية، الطامحين لتحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية متوازنة، أن يُولُوا اهتمامًا خاصًّا بتنمية مناطق الدولة وفقًا لحاجات كلِّ منطقة ومواردها، حتى تكون المحصِّلة النهائيَّة هي تحقُّق التنمية الكلِّيَّة في هذه الدولة.

 

فصلية قضايا ونظرات – العدد الثامن والعشرون – يناير 2023

___________________

الهوامش

[1] Juan R. Cuadrado-Roura, Patricio Aroca (eds.), Regional Problems and Policies in Latin America, (Berlin: Springer, 2013).

[2] Poor Places, Thriving People: How the Middle East and North Africa Can Rise Above Spatial Disparities, Report Number 58997, World Bank, 2011, p. 6.

[3] Nadia Belhaj Hassine, Economic inequality in the Arab region. World Bank, Policy Research Working Paper 6911, 2014, p. 17, available at: https://cutt.us/MW2iy

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى