من الذاكرة الحضارية لأمريكا اللاتينية: مشاهد جدل السياسة والهوية بين التاريخ والراهن

الذاكرة الحضارية لأمريكا اللاتينية هي الحاضر الغائب دائمًا في السرديَّات العربية الإسلامية عن التاريخ وعن الراهن. هل السبب هو البعد الجغرافي، أم تمايز التواريخ، أم حواجز اللغة أم ضعف روابط المصالح المباشرة؟ إلَّا أنها  تظلُّ قارة تمثِّل مع قارات أفريقيا وآسيا ما يسمَّى الآن Global South أي الجنوب العالمي؛ والذي كان مسبقًا يُسمَّى العالم الثالث، عدم الانحياز، الجنوب، والعالم النامي أو المتخلف.

ومن ثم لا بد وأن يجمعنا -نحن شعوب هذه القارات من العالم القديم والجديد على حدٍّ سواء- قواسم مشتركة حضارية بالمعنى الواسع؛ أي التي ينجدل فيها السياسة والاقتصاد والدين والهوية والثقافة، كما ينجدل فيها التاريخ والراهن والمستقبل، كما ينجدل فيها –وبقوة- الداخل والخارج، الشعوب ونظمها وحكَّامها…

ولهذا فإن اقترابي من “الذاكرة الحضارية لأمريكا اللاتينية” بقدر ما كان يبحث عن الخاص والذاتي فيها، بقدر ما لم أفصلْه -في ذهني على الأقل- عن المقاربات مع النظائر في دائرتنا العربية الإسلامية من قريب أو بعيد.

وهذا الاقتراب يقوم على استخلاص مشاهد متنوعة ممتدَّة عن قضايا تجمع بين التاريخ والراهن؛ ومن أهم هذه القضايا: العلاقة بالمركزية الغربية الأوروبية المعرفية – جذور الاستعمار وتاريخ مقاومته – قضايا الاستقلال والتبعية – قضايا الديمقراطية والتنمية – قضايا تنافس القوى العالمية – موضع الدين والأيديولوجيا – قضايا الأمن الإنساني. ومما لا شك فيه أن هذه المشاهد ليست إلَّا وسيلة كلية وجامعة لإلقاء الضوء على ملامح حضارية لتلك القارة؛ الثرية بالمتناقضات قدر تنوُّعها الطبيعي والبشري.

أمريكا اللاتينية قارة رؤوس الأموال الأمريكية، وهي القارة التي أفرزت نظرية التبعية، وهي قارة الميليشيات والعنف المسلَّح، وقارة الانتخابات وتداول السلطة، وهي أيضًا قارة “الكاثوليكية اللاتينية”، وهي قارة المخدرات والاتجار بالبشر، وإنها -قبل ذلك كله- قارة الشعوب الأصلية وقارة المهاجرين.

المشهد الأول

جذور اسم القارة ودلالاتها

أمريكا الجنوبية والوسطى والكاريبي، نصف الكرة الجنوبي الغربي، العالم الجديد، الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأمريكية، أمريكا اللاتينية… أسماء عديدة لجزء من العالم، تأتي نسبةً إلى معايير عدَّة على التوالي: جغرافيا، تاريخ، سياسة، ثقافة وهوية. إذًا أمريكا الجنوبية والوسطى -وعلى عكس أمريكا الشمالية- لا توصف بمعيار جغرافي أو سياسي أو تاريخي فقط، ولكنها توصف أيضًا بأنها اللاتينية نسبة إلى معيار الثقافة والهوية بوضوح شديد؛ وهو نسبة إلى شعوب “اللاتين” أتابع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية أولا ثم الذين ينتمي إليهم الإسبان والبرتغاليون الذين اكتشفوا –بدورهم- أمريكا الجنوبية والوسطى واستوطنوها، بعد حملة إبادة كبرى منظَّمة لشعوبها الأصلية، تحت ذريعة محاربة الوثنية ونشر المسيحية والتمدُّن والحضارة الأوروبية الحديثة.

فإن هذه الأراضي والأقاليم الموصوفة بأمريكا (نسبة إلى المكتشف إيطالي الأصل “أميريجو فيسبوتشي”)، والموصوفة باللاتينية (نسبة إلى الأصل الثقافي واللغوي والديني) للأمة المستكشِفة، لم تكن أرضًا فارغة بلا سكَّان، ولكن سكنتْها شعوبٌ وأممٌ ذات تاريخ وحضارات قديمة، وهي محطُّ اهتمام علماء الآثار والأنثروبولوجي والحضارات.

ولكن الذاكرة الحديثة والمعاصرة عن السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية، لا تذكر إلا تاريخ هذه الأراضي والشعوب منذ أن اكتشفها “الآخر / الغير”… كأنها لم تكن موجودة إلَّا منذ هذا الاكتشاف “الحديث” نهاية القرن الخامس عشر الميلادي؛ أي بعد أن استكمَلت عملية ما يُسَمَّى “الاسترداد” الإسباني البرتغالي للأندلس حلقاتها الأخيرة بسقوط غرناطة، وبعد بداية عصر “الكشوف الجغرافية الأوروبية اللاتينية” من عصور التاريخ الأوروبي.

بعبارة أخرى، فهذه “المركزية الأوروبية اللاتينية” تتبدَّى في أمرين: في بداية التأريخ “للنصف الغربي للكرة الأرضية” ابتداءً من هذه الكشوف من ناحية، ووصْف هذه القارة باللاتينية من ناحية أخرى. وهذا الأمر الأخير تنفرد به هذه القارة بين قارات العالم الست الأخرى. فأمريكا الشمالية لم تُوصف بالأنجلوساكسونية مثلًا نسبة إلى الإنجليز أو باللاتينية نسبة إلى الفرنسيِّين وحتى الإسبان حيث تصارعت الإمبراطوريات الثلاث على استعمار واقتسام أمريكا الشمالية حتى استقرَّت هذه القارة -بعد سلسلة من حروب الاستقلال أو الضم- ابتداء من نهاية القرن الثامن عشر حتى نهاية التاسع عشر على ما هي عليه من تقسيم ثلاثي:  كندا – الولايات المتحدة الأمريكية – المكسيك.

وبالنظر إلى قارات العالم القديم الثلاث: أوروبا وآسيا وأفريقيا، فإن أسماءها ترجع جذورها إلى أمر حضاري مختلف؛ حيث يشير المتخصِّصون إلى أن معيار اسم آسيا وأوربا هو المكان شرقًا أو غربًا؛ نسبة إلى مثلث الحضارات القديمة الهيلينية، والفرعونية، والآشورية، والتي تقع آسيا شرقًا لها. فآسيا مشتقَّة من أصل لغوي يعني شرقًا في اللغات القديمة أو البلاد التي تشرق فيها الشمس، وبالمثل أوروبا التي تقع غرب هذا المثلث، وأوروبا هي اشتقاق من أصل لغوي يعني غربًا (البلاد التي تغرب فيها الشمس). أما أفريقيا فهي اسم من مقطعيْن يعني أرض الكهف نسبة إلى عدم وصول هذه الحضارات إلَّا إلى شواطئها الشمالية، حتى بدأ التوغُّل فيها جنوبًا مع بعض الأسر الفرعونية، وحتى جاء اكتشافها شرقًا ووسطًا مع الفتوح الإسلامية ثم الاستعمار الأوروبي الحديث.

بعبارة أخيرة، فرغم أن البعد الخاص بالثقافة والدين أو الهوية الحضارية بصفة عامة لا تخلو منه جذور أسماء القارات أو أقاليم بعينها (مثلًا وصف أجزاء من العالم العربي بالشرق الأوسط أو جنوب وشرق المتوسط)، فإن وصف أمريكا الجنوبية والوسطى والكاريبي باللاتينية هو الأكثر مغزى ودلالة عن جذور الاستعمار الاستيطاني الإسباني البرتغالي الذي لم يحتل الأرض فقط، ولكن اقتلع جذور الشعوب الأصلية ولغاتها وحضاراتها، ولم يبق فيها إلَّا النذْر اليسير.

المشهد الثاني

من الاستعمار الاستيطاني الأسباني البرتغالي إلى الاستعمار الجديد

في نفس عام سقوط غرناطة -آخر حلقات سقوط الأندلس- في قبضة ما يسمَّى عملية الاسترداد، وفي نفس الوقت الذي بدأت فيه عملية استئصال جذور الوجود الحضاري الأندلسي، الذي كان متعدِّد الأديان والأعراق في ظلِّ سيادة اللغة العربية لغةً للعلم، وفي ظلِّ سيادة حكم الملوك والأمراء المسلمين لستَّة قرون، وفي نفس هذه اللحظة التاريخية، بدأت عملية جديدة للغزو الخارجي الإسباني البرتغالي، التي سُمِّيَتْ بالكشوف الجغرافية، ولقد امتزجت وانجدلت بدورها بعملية اقتلاعٍ لجذورِ وجودٍ حضاريٍّ آخر لشعوب وأمم وحضارات أمريكا الجنوبية والوسطى والكاريبي.

بعبارة أخرى، كان الاستعمار الاستيطاني الإسباني البرتغالي عملة ذات وجهين؛ سواء عرف بعملية الاسترداد أو الكشوف الجغرافية، الوجه الأول للعملة: فرض على يهود ومسلمي الأندلس قسرًا وكرهًا؛ إمَّا التنصير أو الخروج، ومن بَقِيَ من الموريسكيِّين (مسلمي الأندلس الذين تنصَّروا عبر عملية زمنية ممتدَّة) خضعوا لمحاكم التفتيش حتى صدر قرار بطردهم من إسبانيا والبرتغال عام 1609.

الوجه الثاني للعملة: أي سلوك الإمبراطوريَّتين الإسبانية والبرتغالية في أوج دورهما خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، وقبل أن تخلفهما الإمبراطوريَّتان البريطانية والفرنسية المتنافستان، هو بناء قواعد اجتماعية جديدة، وتغيير الهوية بإلغاء وجود شعوب وطمس كل ما هو موجود في “جنوب العالم الجديد”؛ وذلك باستخدام أساليب قسرية ووحشية للإبادة الاستئصالية أحيانًا وليس مجرد تغيير العقيدة أو الهوية أو الطرد كما حدث في الأندلس.

قد يقول قائل: أليس هذا شأن عمليات الغزو والضم والتوسُّع الإمبراطوري؟ والإجابة بالنفي طبعًا، وتؤكده دراسة مقارنة لتاريخ قيام وتوسُّع الإمبراطوريات من مصادر علمية منضبطة، والتركيز بصفة خاصة على المقارنات بين نماذج توسُّع الإمبراطوريات الغربية (ابتداء من الرومانية وحتى آخرها الحديثة)، وبين نماذج الخلافات الإسلامية المتعاقبة ونمط الفتوح العربية والإسلامية (بما فيها العثمانية)، مقارنة بموجات الاستعمار الأوروبي خلال القرون الخمسة الأخيرة([1]).

وخلال تداول الأدوار العالمية بين الإمبراطوريَّتين الإسبانية والبرتغالية وبين الإمبراطوريَّتين البريطانية والفرنسية، امتدَّ الصراع الاستعماري العالمي بين القوى الآفلة والقوى الصاعدة إلى أمريكا الجنوبية والكاريبي، كما إلى أمريكا الشمالية أيضًا.

ولقد كان للتوازنات الأوروبية-الأوروبية وحروبها على اقتسام القارة الأوروبية آثارها أيضًا على الصراعات الأوروبية-الأوروبية الاستعمارية حول أمريكا الجنوبية خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، وحتى انتقل زمام المبادرة الاستعمارية إلى الولايات المتحدة منذ 1823([2]).

  • فلقد أدَّى صلح وستفاليا 1648 إلى تحقيق التفوُّق الفرنسي في أوروبا لمدَّة نصف قرن تقريبًا، دخلتْ خلالها سلسلة من الحروب الأوروبية لإحكام سيطرتها على أوروبا، وكان من أهمها حرب الوراثة الإسبانية (1702-1713)، إلَّا أن صلح أوترخت 1713 بين فرنسا وإسبانيا بعد هزيمتِهما وبين التحالف الأعظم بقيادة بريطانيَّة؛ حقَّق نصرًا أنهى محاولات أسرة البوربون الفرنسية السيطرة على أوروبا.
  • وانتقل التنافس البريطاني الفرنسي إلى أمريكا الشمالية عبر ما عُرف بحرب السنوات السبع، التي انتهت بصلح باريس 1763، حيث فقدت فرنسا بموجبه كلَّ مستعمراتها في أمريكا الشمالية لصالح بريطانيا، وكانت عواقب هذه الحرب ونتائجها من أسباب اندلاع الثورة الفرنسية 1789.
  • وكان لهذه الأوضاع ثم للثورة الفرنسية من ناحية، والحروب النابليونية من ناحية أخرى آثارهما التي امتدَّت للعالم الجديد. فلقد كانت الثورة قد بدأت في المستعمرات البريطانية في أمريكا الشمالية 1774، وأعلنت استقلالها 1776، ثم هزمت قواتها القوات البريطانية، بفضل مساعدة فرنسا وإسبانيا وهولندا. واعترفت بريطانيا باستقلال مستعمراتها في أمريكا الشمالية في 1783([3]). ليبدأ دور الولايات المتحدة الصاعدة سواء على صعيد الساحتين: الأمريكتين (الشمالية والجنوبية)، ثم على الساحة العالمية وخاصة منذ بداية القرن العشرين.
  • فبعد صدامات محدودة بريطانية أمريكية، ونتيجة حسابات المصالح الأمريكية والبريطانية في العالم الجديد، تأسَّست مقدِّمات للتحالف الأمريكي البريطاني المستمر حتى الآن؛ ولكن أخذ دور الولايات المتحدة في النمو التدريجي خلال القرن التاسع عشر، سواء بالتوسُّع في أمريكا الشمالية، أو النُّفوذ على أمريكا الجنوبية([4]).
  • ولقد انعكست التوازنات الأوروبية، في ظلِّ الحروب النابليونية وما بعد سقوط نابليون وقرارات مؤتمر فيينا بشأن تصفية آثار جميع هذه الأحداث على المستعمرات الإسبانية في أمريكا اللاتينية. ووفقًا للدكتور محمد السيد سليم([5])، نشير للآتي:

“فبعد احتلال نابليون لإسبانيا تمسَّكت المستعمرات الإسبانية في أمريكا اللاتينية بالولاء لفرديناند السابع، الملك الشرعي لإسبانيا، ورفضت أن تخضع للحكومة الإسبانية التابعة لفرنسا أثناء فترة الاحتلال الفرنسي لإسبانيا. كذلك أقامت تلك المستعمرات حكومات مستقلَّة عن الحكومة الإسبانية الخاضعة لفرنسا، مما أدَّى إلى بلورة حكومات وطنية مستقلَّة في الشمال، أي في فنزويلا، وكولومبيا، وبيرو، وإكوادور، وبوليفيا التي قاد حركة الاستقلال فيها سيمون بوليفار Simon Bolivar، وفي الجنوب، أي في شيلي، والأرجنتين، وبوليفيا التي قاد حركة الاستقلال بهما سان مارتان Jose de San Martin.

ولكن الملكية عادت إلى إسبانيا بعد هزيمة نابليون، ورغم ذلك، رفض قادة الحكومات الوطنية العودة إلى وضع التبعية السابق متأثِّرين بحركة استقلال الولايات المتحدة الأمريكية. وقد دعمت بريطانيا هذا الاتجاه لرغبتها في إزاحة إسبانيا عن أمريكا اللاتينية لكي تنفرد بتلك القارة كسوق لمنتجاتها خاصة أن بريطانيا كانت قد حصلت بين عامي ۱۸۰۸-١٨١٤، على تصريح من الحكومة الملكية الإسبانية بالتجارة مع المستعمرات الإسبانية في القارة طوال فترة الحرب نظير حماية تلك الحكومة من الأطماع الفرنسية. ولذلك أعلنت بريطانيا سنة ۱۸۱۷ مساندتها للحكومات الوطنية الإسبانية. كما ساندتْها الحكومة الأمريكية التي كانت تريد أن تمدَّ سيطرتها إلى الممتلكات الإسبانية على ساحل خليج المكسيك (فلوريدا) وهو ما تمَّ بالفعل سنة ۱۸۱۹. وقد عرضت بعضُ الحكومات الوطنية على الملك فرديناند السابع بعد عودته إلى الحكم سنة ١٨١٤ حلولًا وسطًا تقضِي باستقلال المستعمرات تحت حكم أمراء من الأسرة الإسبانية. ولكن الملك رفض تلك الحلول مما أدَّى إلى تفاقم حركة الاستقلال. وفي سنة ۱۸۲۱ استقلَّت فنزويلا، وفي العام التالي استقلَّت كولومبيا على يد بوليفار، وفي سنة ۱۸۲۱ استقلَّت بيرو على يد سان مارتان، واستقلَّت المكسيك في إطار معاهدة قرطبة مع إسبانيا بعد معارك متَّصلة تمَّت بشكلٍ منفصلٍ عن عمليات الاستقلال السالفة. وفي سنة ١٨٢٣ استقلَّت دول أمريكا الوسطى.

استعانت إسبانيا بدول التحالف المقدَّس لمساندتها لاستعادة هيمنتها على المستعمرات، وقرَّرت دولُ التحالف تكليفَ فرنسا بذلك بعد نجاحها في إعادة الملكية الإسبانية سنة ۱۸۲۳. ولكن بريطانيا والولايات المتحدة عارضتا هذا التدخُّل الفرنسي، ما أدَّى إلى فشل محاولات إعادة المستعمرات إلى وضْعها السابق. وفي سنة ١٨٢٤ تمَّت هزيمة القوات الملكية الإسبانية في بيرو العُليا ممَّا أدَّى إلى استقلال بيرو العُليا سنة ١٨٢٥ (اتخذت اسم بوليفيا نسبة إلى بوليفار)، مما أدَّى بدوره إلى نهاية الحكم الإسباني في القارة وظهور عشرين جمهورية جديدة تباعًا في أمريكا اللاتينية اعترفت بها بريطانيا والولايات المتحدة على الفور”([6]).

وشهد استقلال البرازيل نفس السيناريو، إلَّا أنها استقلَّت سلميًّا خلافًا لأسلوب الثورة المسلَّحة للمستعمرات الإسبانية([7]). وهكذا كان استقلال المستعمرات الإسبانية والبرتغالية في أمريكا اللاتينية إعلانًا عن بداية امتداد دور الولايات المتحدة إلى “الحديقة الخلفية”، وكانت نقطة البداية مبكِّرة مع مبدأ مونرو 1823، وينصُّ هذا المبدأ على “أن قارتي أمريكا أصبحتا غير خاضعتين لاستعمار أي دولة أوروبية، وأن أيَّ محاولة من جانب الدول الأوروبية لفرض نظامها على أي جزء من نصف الكرة الغربي تشكِّل خطرًا يهدِّد أمن وسلامة الولايات المتحدة”. معنى ذلك أن الولايات المتحدة تعارض أيَّ نفوذ أوروبي في أمريكا اللاتينية، كما أنها تعتبر نفسها مسؤولة عن حماية دول تلك القارة من محاولات التدخُّل الأوروبي في شؤونها. وقد أصبح هذا المبدأ جوهريًّا من أركان السياسة الأمريكية كما أنه تطوَّر من كونه مبدأ دفاعيًّا لكي يصبح مبدأ استعماريًّا بحتًا فيما بعد.

وبالرغم من إصدار تصريح مونرو إلا أن الولايات المتحدة لم تكن بقادرة على فرض احترام الدول الأوروبية له، على الأقل في الميدان الاقتصادي. ولذلك لم تستطع الحكومة الأمريكية منع التدخل البريطاني في أمريكا الوسطى، وهو التدخُّل الذي عطَّلها عن السير قُدُمًا في مشروع حفر قناة بنما. كذلك، ازداد النُّفوذ الاقتصادي البريطاني في أمريكا اللاتينية بفضل قوة الأسطول التجاري البريطاني، وفشل دول أمريكا اللاتينية في إقامة اتحاد يربط بينها”([8]).

المشهد الثالث

أمريكا اللاتينية وصراعات القوى العالمية: من مبدأ مونرو إلى نهاية الحرب الباردة

نفضت القوى الاستعمارية الاستيطانية الأوروبية المتنافسة يدها من الأمريكتين في نهاية الربع الأول من القرن التاسع عشر، ليبدأ أمران: من ناحية، موجات الاحتلال العسكري المباشر في قارتي العالم القديم آسيا وأفريقيا، وذلك بعد موجات الاستعمار المركنتيلي طوال القرنين السابع عشر والثامن عشر.

ومن ناحية أخرى، بدأ عصر توسُّع الولايات المتحدة الصاعدة باستمرار سواء في أمريكا الشمالية([9]) أو الجنوبية والوسطى والكاريبي، باستخدام أدوات عديدة وعبر جولات متتالية، دخلت خلالها الولايات المتحدة في صراعات أو توافقات مع بريطانيا وإسبانيا حتى نهاية القرن التاسع عشر([10])، ثم صراع مع ألمانيا النازية (مرحلة الحربين العالميَّتين)؛ لتبدأ مرحلة الصراع مع النفوذ السوفيتي المتغلغل في القارة حتى نهاية الحرب الباردة.

(1) فبقدر ما كان مبدأ مونرو مبدأ دفاعيًّا في البداية بقدر ما تحوَّل إلى مبدأ هجومي، ويمكن التأريخ للتدخُّل الاستعماري الأمريكي في شؤون أمريكا الجنوبية والهيمنة عليها، من الدور الأمريكي في النزاع البريطاني الفنزويلي 1895.

كما تعتبر الحرب الأمريكية الإسبانية 1898 نقطة انطلاق التوسُّع الأمريكي الاستعماري، ليس فقط في أمريكا الوسطى والكاريبي بعد استقلال المكسيك عن إسبانيا، ولكن أيضًا في المحيط الهادي والشرق الأقصى؛ حيث سيطرت على الفلبِّين بعد هزيمة الأسطول الإسباني أيضًا، وتوالَت موجات التدخُّل والسيطرة والهيمنة الأمريكية على “الحديقة الخلفية”، وبأدوات متعدِّدة، على رأسها التدخُّل والاحتلال العسكري المباشر، كما حدث ابتداء منذ بداية القرن العشرين مع بورتوريكو وجوام أولًا، ثم كوبا، ثم حفر قناة بنما، والسيطرة على الدومينكان، ثم التدخُّل في جواتيمالا وكوستاريكا وهندوراس وهاييتي ونيكاراجوا، وهكذا تحوَّلت أمريكا الوسطى والكاريبي إلى مستعمرات أمريكية فعلية قبل الحرب العالمية الأولى.

ولم تكن هذه التدخُّلات العسكرية دعمًا لمصالح استراتيجية إقليمية في مواجهة منافسين من الخارج في هذه المرحلة (حيث تمَّ تصْفية الوجود الإسباني وتراجع الدور البريطاني المباشر) بقدْر ما كان لحماية الاستثمارات الأمريكية، حيث كانت هذه الاستثمارات في أمريكا الوسطى والكاريبي تمثِّل أعلى نسبة للاستثمارات الأمريكية في أي منطقة من العالم. وفي المقابل لم تستطع الولايات المتحدة فرضَ نُفوذها الاقتصادي في أمريكا الجنوبية إذ ظلَّت أوروبا وبالذات بريطانيا تسيطر اقتصاديًّا على أمريكا الجنوبية، ولم يبْلغ نصيبُ الولايات المتحدة الأمريكية إلَّا 6٪ من مجموع الاستثمارات الرأسمالية الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) في القارة الجنوبية.

(2) ولقد تطوَّرت توجُّهات السياسات الأمريكية تجاه أمريكا اللاتينية ما بين إحْكام السيطرة أو فتح أبواب التعاون والاعتماد المتبادل، وذلك تحت تأثير متغيِّرات داخلية أمريكية (حكم الديمقراطيِّين أو الجمهوريِّين) ومتغيِّرات خارجية (طبيعة توجُّهات القوى الخارجية المنافسة عالميًّا -خاصة الاتحاد السوفيتي ثم الصين- نحو أمريكا اللاتينية)، ومتغيِّرات داخلية لاتينية (مطالب الاستقلال والتنمية الذاتية والوحدة من داخل الدول الكبرى الجنوبية، والأزمات الكبرى والحروب الأهلية بعد الثورات الشعبية ضدَّ الولايات المتحدة وحلفائها)([11]).

وبقدْر ما كانت ثورة كوبا 1958، وأزمتها العالمية 1962؛ مؤشِّرًا واضحًا على حدود انتقال الحرب الباردة إلى هذه المنطقة، وبقدر ما كانت أزمة تشيلي خلال الانقلاب العسكري على الرئيس اليساري المنتخب سلفادور أليندي 1971-1973؛ مؤشِّرًا على حدود الحريات السياسية ومآلات الانتخابات الحرة ذات النتائج المضادَّة للمصالح الأمريكية، وبقدْر ما كانت الحرب في أمريكا الوسطى بعد ثورة نيكاراجوا خلال النصف الثاني من الثمانينيَّات مؤشِّرًا على انحسار الحرب الباردة، وتصْفية التدخُّلات السوفيتية في المنطقة، بقدْر ما تمثِّل مشاهدُ التحوُّل الديمقراطي وتداول السلطة سلميًّا في الدول الكبرى الجنوبية، على تحوُّلات عالمية ولاتينية جديدة ولو في ظلِّ استحكام أزمات اقتصادية متكرِّرة جعلت أمريكا الوسطى والكاريبي بنيةَ نزوحٍ وهجرةٍ غير مشروعة نحو الشمال (كما سنرى).

المشهد الرابع

القوى الاجتماعية والسياسية اللاتينية، وأنماط وأدوات مقاومتها للتدخلات الخارجية ومن أجل التغيير

أُرْسِيَتْ قواعدُ اجتماعية واقتصادية وسياسية في ظلِّ موجات الاستعمار المتتالية لأمريكا اللاتينية على أنقاض قواعد نظم حضارية سبقت “الاستيطان الإسباني البرتغالي”. إن تاريخ تشكُّل هذه القواعد وتطوُّرها اقْترن بعمليات قاسية سلمية أو مسلَّحة للتدخُّلات الخارجية المتتالية.

إلَّا أنه -ومنذ بداية القرن العشرين على الأقل- تبلورت ثلاث فئات أو تيارات كبرى مارست تأثيرَها على المسار الداخلي، وفي مواجهة التدخُّلات الخارجية، تحالُفًا أو معارضة؛ وهي: الإقطاع والرأسمالية، واليسار، والكنيسة، ولكلٍّ منهم أركانه الأيديولوجية والسياسية والعسكرية. كما يتكوَّن نسيجُ كلٍّ منهم من روافد الشعوب اللاتينية (الأبيض، والأسود، واللاتيني)، كما كانت أداة أساسية من أدوات هذه الفئات هي الميليشيات المسلَّحة؛ حيث إن كلَّ فئة تنوَّعت روافدُها (من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار)، ولقد نهجت الولايات المتحدة بدورها -وكذلك حلفاؤها- نهج العنف المسلَّح غير المنظَّم كما نهجتْه القوى الثورية اليسارية على أراضي أمريكا اللاتينية([12]).

إجمالًا، فإن تفاعلات هذه القوى فيما بينها كان متأثِّرًا بتفاعلات كلٍّ منها مع القوى الخارجية، المهيمنة (الولايات المتحدة الأمريكية) أو المنافسة (الاتحاد السوفيتي)، ويمكن استدعاء نماذج شارحة فيما يلي:

  • لقد تأثَّرت أوزان هذه الفئات وسياساتها وأدواتها بأنماط التدخُّلات الخارجية التي تتحدَّى الهيمنة الأمريكية وخاصة السوفيتية، وبردود فعل السياسات الأمريكية تجاهها، وذلك خلال مراحل تطوُّر السياسة الأمريكية وخلال تطوُّر مراحل السياسة السوفيتية ذاتها تجاه أمريكا اللاتينية.
  • بعد مرحلة توطيد الولايات المتحدة أركان وحدتها واستقرار نظامها الداخلي، انتقلت إلى مرحلة التوسُّع الخارجي والدور العالمي، ابتداءً من مرحلة التأسيس لامتداد النُّفوذ الأمريكي نحو جنوبها (1823-1905)، وصولًا إلى مرحلة التأرجُح بين سياسة التدخُّل الصريح والعصا الغليظة (1905-1934)، وما بين سياسة حُسْنِ الجوار (1935-1945)، وكان خطر التهديدات من جانب دول المحور عاملًا هامًّا لتفسير هذا المنْحى الجديد الذي دخلتْه السياسة الأمريكية خلال الثلاثينيات وحتى انتهاء الحرب العالمية الثانية.

ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأت المرحلة الثالثة في تطوُّر السياسة الأمريكية والتي يمكن القول إنها امتدَّت حتى مرحلة تصفية الحرب الباردة (1945-1989)، فلقد تمايزتْ خلالها أنماطٌ مختلفةٌ من هذه السياسة، فلقد تأرْجحت هذه السياسة مرةً أخرى بقوةٍ بين تبنِّي أنماط تدخُّلية وأخرى إصلاحية، وكان هذا التأرجُح نتاجًا لتطوُّر المتغيِّرات الخارجية العالمية (دور الاتحاد السوفيتي بصفة خاصة في ظلِّ تطوُّر مناخ الحرب الباردة والانفراج) والمتغيِّرات الأمريكية (تعاقُب الإدارات الديمقراطية والجمهورية) والمتغيِّرات الإقليمية (تطوُّر مسار وأهداف حركة التعاون الأمريكي تحت تأثير الحرب الباردة وتطوُّراتها، وانعكاسات ثورة كوبا ثم ممارسات نظام كاسترو)([13]).

لقد اكتسب مبدأ مونرو أبعادًا أيديولوجية واضحة منذ 1945 وذلك للحيلولة دون امتداد النفوذ الشيوعي إلى المنطقة، على نحو يهدِّد ركائز النظم الرأسمالية العسكرية الموالية للولايات المتحدة وتحمي مصالحها، وكانت منظمة الوحدة الأمريكية أداة هامَّة استغلَّتها الولايات المتحدة لمنع التسلُّل الشيوعي إلى دول المنطقة سواء بقرارات سياسية أو بأعمال تدخُّل مباشرة للإطاحة بنظم محدَّدة مثل حكومة جواتيمالا 1954 والدومينكان 1965.

فلقد بدأت الساحة اللاتينية منذ نهاية الخمسينيَّات تشْهد تنامِي تيارات مجتمعية مختلفة أيديولوجيًّا عمَّا كانت ترتكز عليه الهيمنة الأمريكية، وكانت ثورة كوبا منطلقًا لهذا؛ مما استوجب ردود فعل متعدِّدة من السياسة الأمريكية تراوحتْ مرةً أخرى ما بين سياسة العصا الغليظة وسياسة حُسْنِ الجوار. وذلك وفقًا لطبيعة التغيُّرات الإقليمية التي شهدت تنامِي اتجاهات وطنية أو شيوعية من ناحية، ووفقًا لطبيعة التغييرات العالمية ومن أهمِّها توجُّه الاتحاد السوفيتي للاهتمام بها منذ 1958 بأمريكا اللاتينية بدرجة أكبر ممَّا سبق([14]).

  • ولقد كان لتطوُّر توجُّه السياسة السوفيتية نحو أمريكا اللاتينية تأثيرٌ على التيارات الشيوعية أو الوطنية اليسارية اللاتينية وهي التيارات التي لم يخلقها السوفييت ابتداءً ولكن خلقتْها ممارساتُ السياسات الأمريكية ومن سبقها من القوى الاستعمارية الأوروبية([15]).

ولقد مرَّت هذه السياسة -ومنذ سنة 1917 وحتى نهاية السبعينيات- بثلاث مراحل أساسية: تمتدُّ الأولى حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وتمتدُّ الثانية حتى قيام أركان نظام جديد في كوبا بعد نجاح الثورة فيها، وتمتدُّ الأخيرة حتى نهاية الثمانينيَّات مع ثورة نيكاراجو والثورة المضادَّة عليها.

من ناحية، جاءت دائمًا القارة اللاتينية بعد كلِّ المناطق الأخرى في العالم بين أولويات أجندة السياسة الخارجية السوفيتية، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ظلَّت القارة اللاتينية في ذيل القائمة حتى بعد أن ازدادت جاذبيَّتها نسبيًّا عقب نجاح الثورة الكوبيَّة.

ومن ناحية أخرى، اعترفتْ السياسةُ السوفيتية -بصفةٍ عامةٍ- بتفوُّق الدور الأمريكي في المنطقة ممَّا يعني اعترافًا بحدود الدور السوفيتي المقارن؛ وهو الأمر الذي يعكس نوعًا من التفاهم الضمني بين القوَّتين العظميين. ولقد حدثت المواجهات الأمريكية السوفيتية الأساسية على الساحة اللاتينية في الحالات الاستثنائية (كوبا 1962 – نيكاراجو 1979 – السلفادور (1981-1983) التي حاول فيها الاتحاد السوفيتي أو التي اعتقدت خلالها الولايات المتحدة أنه يحاول كسر قواعد مبدأ مونرو). ولذا ظلَّ السؤال الأساسي بالنسبة للاتحاد السوفيتي هو: إلى أي حدٍّ يمكنه وحلفاؤها (كوبا) أن يتحدُّوا مبدأ مونرو؟

ففي المرحلة الأولى (والثانية أيضًا) أخذت القيادة السوفيتية تُبْدِي اهتمامًا باحتمالات التطوُّرات الداخلية والإقليمية التي يمكن أن تُضْعِفَ النُّفوذ الأمريكي، إلا أن التحرُّك لاستغلال “الصراع ضد الإمبريالية” لم يحقِّق إلَّا نجاحًا ضئيلًا، فلقد كانت علاقات الاتحاد السوفيتي قاصرةً على الأحزاب الشيوعية أساسًا (وهي غير شرعية ومحدودة القاعدة وضعيفة التأثير).

وبدأت المرحلة الثالثة مع نجاح ثورة كوبا التي تُعَدُّ نقطةَ تحوُّلٍ عامة في السياسة اللاتينية. فقد قامت الثورة الكوبية ونجحت (وكانت حركة وطنية غير شيوعية) بدون مساندة سوفيتية أساسية، ثم تحولت كوبا منذ سنة 1961 إلى نظام ماركس لينينى، ولقد تمكنت كوبا من تحقيق أهدافها المباشرة أي الحفاظ على النظام الجديد وتدعيم أركانه في مواجهة التحدي الأمريكي وذلك عن طريق المساعدة السوفيتية العسكرية والاقتصادية الضخمة، كذلك بدأ واستمر التحالف السوفيتي الكوبي على نحو خدم مصالح الطرفين في القارة اللاتينية بل وفي العالم الثالث بصفة عامة، ولكن لم يسلم هذا التحالف من مواجهة مشاكل هامة وخطيرة أثارت التصادم بين الطرفين وخاصة حول ما يتعلق باستراتيجية التعامل مع القوى الثورية المسلحة في أمريكا اللاتينية.

وبعد نجاح ثورة كوبا؛ اعتقدت موسكو في البداية أنه ليس من المستبعد نجاح ثورات أخرى ضد الإمبريالية الأمريكية في المنطقة؛ ولكن على ضوء نتائج أزمة صواريخ سنة 1962 (التي أسمتها الصين ميونيخ الكاريبي·)، اتَّهم كاسترو السوفييت بالخضوع للضغوط الإمبريالية، كما ثار قلقه على درجة التزامهم تجاه حماية كوبا.

وبعد اغتيال جيفارا وبعد ضرب العديد من الحركات الثورية المسلَّحة التي ساندتْها كوبا، ومع تزايد الضغط الاقتصادي السوفيتي أيضًا، أضْحت كوبا أكثر براجماتية وأكثر وعيًا بحدود دورها في هذه المنطقة خلال هذه المرحلة؛ ومن ثم اتَّجهت هافانا للتغلُّب على الاختلافات مع موسكو والتنسيق فيما بينهما.

ومن ناحية أخرى، فبالرغم من هذا الإطار للهيمنة السوفيتية، وبالرغم من حرص كوبا على التنسيق مع الاتحاد السوفيتي، فإن سياسات الدولتين لم تتطابق، خاصة تجاه العالم الثالث الذي احتلَّ دائمًا أولوية كبرى في السياسة الخارجية الكوبية تفوق نظيرتها لدى السياسة السوفيتية، فلقد ظلَّ لكوبا الفرصة لتطوير سياسة خاصة بها ولكن بحيث لا تتحدَّى المصالح السوفيتية. بعبارة أخرى، بالرغم من اتفاق الدولتين على تنسيق وتطبيق استراتيجية مشتركة تجاه الحركات الثورية خلال السبعينيات فإن الأولويَّات الكوبيَّة لم تتطابق مع نظائرها السوفيتية دائمًا، وخاصة حول أمريكا الوسطى والكاريبي حيث تلعب كوبا دور القوة الإقليمية المتميِّزة، كذلك قدَّمت كوبا بعض المزايا لتطبيق القرار السوفيتي حول مناطق أخرى من العالم الثالث -كما حدث في أفريقيا- فلقد اعتمدت السياسة السوفيتية تجاه أفريقيا على مدى استعداد كوبا لتقديم القوَّات اللازمة لتنفيذ العمليات في أنجولا وإثيوبيا خلال النصف الثاني من السبعينيات حيث لم يرغب السوفيت في هذه الفترة في التورط العسكري المباشر في هذه المنطقة.

  • خلاصة القول إنه حتى نهاية الحرب الباردة وعلى ضوء دلالات الثورة في كوبا وحتى الثورة في نيكاراجوا (بدعم كوبي وسوفيتي ضد استبداد أعْتَى النظم الموالية للولايات المتحدة) والثورة المضادَّة للنظام الثوري الجديد (الساندينستا) لإجهاض التغييرات التي كانت ستنال من الهيمنة الأمريكية على أمريكا الوسطى([16]). فلقد ظلَّت الساحة اللاتينية تشْهد تجاذبات بين قوى اجتماعية وسياسية كبرى موالية للولايات المتحدة وأخرى طامحة للاستقلال ولنظم حكم ديمقراطية. ولقد كشفت تفاعلات عقود ثلاثة عن قواعد حكمت كلًّا من الدور الأمريكي والدور السوفيتي في مساندة حلفاء كلٍّ منهما، على نحو لا يكرِّر الصدام خلال أزمة كوبا 1962.

ومن ثم وبعد نهاية الحرب الباردة بل ومنذ منتصف الثمانينيات دخلت أمريكا اللاتينية ما يسمَّى مرحلة “التحول الديمقراطي” وإدارة التنافس المجتمعي والسياسي سلميًّا والسعي لإنهاء ما تبقَّى قائمًا من ميليشيات مسلَّحة يسارية أو يمينيَّة([17])، ومن أبرز النماذج الشارحة منذ نهاية الحرب الباردة: التحوُّلات في كوبا داخليًّا وخارجيًّا، وأوضاع فنزويلا تحت حكم تشافيز والأزمة الفنزويلية الممتدَّة منذ وفاته في 2013، والبرازيل وتأرجُح البندول بين اليمين واليسار من خلال الانتخابات، ونماذج إقالة البرلمانات لرؤساء بسبب الفساد (الأرجنتين والبرازيل…) فهل حلَّت بالفعل الأدوات البرلمانية والانتخابية محلَّ الانقلابات العسكرية أو الحروب الأهلية للأبد حيث تغيَّرت قواعدُ لعبة الجميع؟

  • ويبقى أخيرًا التوقُّف عند ملمحٍ أساس من ملامح تنافس القوى الاجتماعية السياسية على الساحة الداخلية اللاتينية (وتحت تأثير التدخُّلات الخارجية)؛ وهو الخاص بدور الكنيسة الكاثوليكية. فلقد تمَّ غزو أمريكا اللاتينية وإخضاع السكَّان الأصليِّين باسم الدين (الكاثوليكي)، فالشعوب اللاتينية تدين بالمذهب الكاثوليكي. ولقد ذكرت التواريخ السياسية والاجتماعية الممتدَّةُ تفاصيلَ التحالفات بين مراكز الإقطاع والرأسمالية الموالية للولايات المتحدة وبين الكنيسة الكاثوليكية في دول أمريكا اللاتينية. إلَّا أنه مع ظهور وتنامي التيارات اليسارية السلمية أو المسلَّحة ظهرَ دورٌ ثوريٌّ لبعض الكنائس أو بعض رجالاتها فيما عُرف بلاهوت التحرير الذي كان مؤشِّرًا لثورة ثقافية حقيقية في الكنيسة، وفي حين كانت الكنائس الرسمية تبرِّر انحيازاتها بالسعي لمحاربة الشيوعية والإلحاد والفوضى، فإن لاهوت التحرير كان يستند إلى قيم مكافحة الظلم والقهر والدعوة إلى الحرية والعدالة والمساواة([18]).

المشهد الخامس

الشعوب في أمريكا اللاتينية: قضايا الأمن الإنساني بين الأحادية والتنوُّع

الذاكرات الحضارية للقارَّات أو الأقاليم أو الدول لا تقتصر على تواريخ النظم أو الحكَّام أو القادة العسكريِّين أو النخب المتنوِّعة. ولكنها لا بدَّ، وبحكم أنها حضارية، أن تمتدَّ أيضًا إلى “الناس” على اختلاف ألوانهم وعقائدهم وسلوكياتهم، وإذا كانت هذه الاختلافات تتأثَّر “بالسياسات العُليا” أيضًا فإنه يظلُّ لها سرديَّاتها ويظلُّ لها أصواتها، التي وإن خفتتْ في بعض الأحيان إلَّا أنها تعود وتعلُو صاخبةً هادرةً حتى تحدثَ تغييرًا بذاتها وفي ذاتها.

شعوب أمريكا اللاتينية، وعلى ضوء كلِّ ما سبق من المشاهد وغيرها ممَّا لم يُذكر (وتقدِّمه عروض الكتب المتنوعة)، ليست حِكْرًا على جحافل المستوطنين البيض الذين تدفَّقوا بعد أن مهَّد لهم “العسكر بمباركة القساوسة” ليؤسِّسوا قواعد اجتماعية واقتصادية جديدة على أنقاض القواعد السابقة، ولكن شعوب أمريكا اللاتينية تحمل صبغة تنوع كبيرة ترتبط بتاريخ ما قبل “الاكتشاف” بقدر ما ترتبط بتاريخ ما بعده أيضًا.

ومن ثم يبرز أمامنا نموذج السكَّان الأصليِّين من ناحية، ونماذج من الهجرات وخاصة من الدائرة العربية الإسلامية، وأخيرًا قضايا الأمن الإنساني العالمية (المخدرات والاتجار بالبشر):

(1) نموذج “السكَّان الأصليين” (في أمريكا الشمالية أو اللاتينية) يحملني إلى دائرتي العربية الإسلامية، ورغم البُعد الجغرافي والاختلاف الحضاري. فإنه يقدِّم دلالات إنسانية مشتركة عن أدوات وعواقب الاستعمار الاستيطاني وسبل مقاومته وضرورة هذه المقاومة. فلم يدَّع المستكشفون الإسبان والبرتغال أن أرض أمريكا بلا سكَّان، ولكن برَّروا لأنفسهم استئصالهم واستبدالهم بأنهم وثنيُّون متوحِّشون يرفضون الإيمان والتمدُّن والحضارة، وامتدَّت هذه العملية لقرون ولو بأشكال ودرجات متنوِّعة.

ووصل “السكَّان الأصليُّون” إلى ثلاث حالات: إمَّا في مستوطنات فقيرة معزولة، أو طبقة اجتماعية غير ممكَّنة، وأخيرًا فولكلور شعبي يتمُّ استدعاؤه في المناسبات. وتتبارَى الحكومات اليسارية في التذكير بأصل القضية وضرورة علاجها، كما تتبارى الحكومات اليمينيَّة في تجاهلها أو تجميدها، وفي كلتا الحالتين تظلُّ هذه القضيةُ شاهدةً على ما يفعله الاستيطان العنصري بالمخالِف دينيًّا وحضاريًّا، ليس لأنه مخالف بالأساس، ولكنه عائق أمام تحقيق المشروع الاستيطاني وتوسُّعاته، فلقد قاوم السكَّان الأصليُّون كثيرًا، ولكن تغلَّبت عليهم الأسلحة والتآمُر والاقتتال البيني وجبروت وقسوة المستوطن خدمةً للأطماع في الأرض والثروة بل والوجود على حساب شعوب بأكملها. ولكن يظلُّ للمقاومة ذاكرتها أملًا في منع تكرار هذه النماذج الاستئصالية، كما حدث في مقاومة نموذج جنوب أفريقيا لنظام الفصل العنصري أو ما زال يجري في فلسطين المحتلَّة من مقاومةٍ للنظام الاستيطاني العنصري الصهيوني.

إذن ما الذي يقوِّي ويدْعم من هذه المقاومة ومن المناعة ضدَّ نُظم الاستيطان العنصرية، فتلك النُّظم اتَّخذت بعد ذلك -في قرون الاستعمار التقليدي في عالمنا القديم وما بعده في قرن الاستعمار الجديد- أنماطًا جديدة من العنصرية وبأدوات جديدة، مآلها جميعًا: تمكين فئة أو طبقة على أخرى، أو تشويه ونزع هُوية لحساب هُويات أخرى هجينة أو عميلة أو خائنة للذات الحضارية الأصلية. بعبارة أخرى، أضْحى للعنصرية أشكال عدَّة تُعاني منها كافَّة أرجاء العالم.

(2) وأمريكا اللاتينية هي بلد “للمهجر” الملاذ لشعوب مضطهدة لأسباب عدَّة: دينية، وسياسية، واقتصادية. وقد تبْدو هذه الحالة مفارقة عجيبة: من ناحية، كيف لبلاد تُعاني شعوبها الأصلية من وطْأة الاستبعاد وأمراض الاستبداد والفساد، كيف تكون ملاذًا؟ ومن ناحية أخرى، بقدْر ما كانت أرضًا غنيَّة بثروات وموارد امتصَّتْها القوى الأوروبية الاستيطانية لِتَصُبَّ في “نهضة أوروبا الحديثة”، بقدْر ما أضْحت أيضًا، ملاذًا لشعوب أخرى عانتْ بدورها من وطْأة وعواقب هذه “النهضة الحديثة” وخاصة من أحد أهمِّ تجلِّياتها، وهي ثلاثية: الاستعمار العسكري، والتبعية الاقتصادية، والغزو الثقافي.

وأول نماذج هذه الشعوب المهاجرة، إراديًّا أو مع جحافل الإسبان والبرتغال، هم الموريسكيُّون أي مسلمو الأندلس الذين أُجبروا على التنصير منذ 1492 وحتى طُردوا بعد ذلك بقوانين 1609، وكان لهؤلاء كما يشرح البعض وفق الوثائق التاريخية دورٌ في تأسيس الزراعة والعمارة في أمريكا اللاتينية، كما أن الموريسكيِّين لجأوا إلى شمال أفريقيا عند طردهم([19]).

النموذج الثاني: هجرات الشام المتتالية في الربع الأول من القرن العشرين، تحت ضغوط التدهور في الحكم العثماني بفعل تنامي النزعة القومية الطورانية لدى حكَّام الاتحاد والترقِّي وبفعل تهاوي القوة العثمانية في عمومها من ناحية، ثم تحت ضغوط الحرب العالمية الأولى ومشروعات التقسيم الاستعماري لبلاد الشام بعد الانتصار على الدولة العثمانية من ناحية أخرى، وفي ظلِّ تنامِي بذور المشروع الاستيطاني الصهيوني منذ وعد بلفور من ناحية ثالثة.

وبالطبع تتعدَّد نماذج أخرى من الهجرات من أرجاء أخرى من العالم، إلَّا أنني اقتصرت على ما يتَّصل بدائرتي الحضارية كمثال ذي دلالة، دلالة الجمع بين “المتناقضات”، فالاضطهاد الاستعماري لا يقتصر على شعبٍ دون آخر، ولكن ذاقت منه كل الشعوب.

ولذا لا عجب أنه يمكنني القول إن أمريكا اللاتينية -الحاضر الغائب في الذهنية العربية وبدرجة أكبر من غياب أفريقيا مثلًا- تجمع على أرضها وبين شعوبها المتعدِّدة البيضاء أو من الجذور الأفريقية، وناهيك بالطبع عمَّا تبقَّى من أهلها الأصليِّين، تجمع أبناء هجرات متعدِّدة. بعبارة أخرى فهي أرض ملاذ رغم ما يروَّج عن شعوبها من صور مشوَّهة، قد تمثِّل هذه الصور جزءًا من الحقيقة، ولكنها بالطبع ليست كل الحقيقة، كما أن هذه الصور لا يجب أن تخفي الوجهَ الآخرَ للعملة، وهي حقيقة قوى الاستعمار والرأسمالية التي أنهكتْ شعوبَ هذه القارة بقدْر ما أنهكتْ شعوبًا أخرى.

(3) أمريكا اللاتينية، مثلها مثل أفريقيا، يذيع عنها وينشر “الإعلام العالمي” صورًا ذهنية محدَّدة: قارة المخدِّرات – عصابات الاتجار بالبشر – الميليشيات المسلَّحة – الهجرات غير الشرعية نحو الشمال – الملاذات الآمنة المالية لأموال الفساد، إنها صور بيئة طاردة غير آمنة، رغم أنها بيئة جاذبة للاستثمارات الأمريكية وأرض الموارد الزراعية والغابات وغيرها من الثروات الطبيعية والبشرية. فإن المصالح الخارجية تحتاج حمايتها إلى شبكة مقابلة من الخدمات، إمَّا لتعبئة الأموال أو غسيل الأموال أو الحماية العسكرية من شركات خاصة.. وغيرها.

بمعنى آخر، إن قضايا الأمن الإنساني على هذه القارة قد تتقاطع وتتناقض مع قضايا الأمن القومي لنظم متحالفة مع قوى الهيمنة الخارجية أو تكون مجالًا للتوظيف السياسي العابر للحدود والقارات، وبقدْر ما تقدِّم الاتجاهات النقدية الأوروبية الأدبية والأكاديمية أعمالًا نقدية تبرز حقيقة “الاستيطان الاستعماري الإسباني البرتغالي” لأمريكا الجنوبية وعواقبه الممتدَّة من ناحية، أو عن حقيقة عملية الاسترداد وآثارها على الصياغة الحديثة لتاريخ إسبانيا على نحو يُسْقِطُ ستةَ قرون (هي تاريخ الأندلس) من هذه الصياغات أو السرديَّات الأُحادية المركزية.

بقدْر ما تُقَدِّمُ الاتجاهاتُ النقدية الأوروبية والأمريكية سرديَّات عن تاريخ توسُّع الولايات المتحدَّة في الحديقة الخلفية، تنقض السردياتِ الذائعة الرسمية أو الواقعية عن أهداف وأدوات هذا التوسُّع، الذي اتَّخذ أشكالًا استعمارية جديدة تتجاوز الأشكال التقليدية التي قامتْ عليها موجات الاستعمار الأوروبي الأولى ويجد للأسف من يبرره ويسانده.

بعبارة أخرى، فإن الأبعاد الإنسانية القيمية وليست الوضعية الواقعية وحدها هي التي تشغل حيِّزًا هامًّا من هذا الفكر النقدي العابر للقارات والعابر للحدود بحثًا عن “العدالة والحرية والكرامة” للإنسان أيًّا كان لونه أو عرُقه أو عقيدته، الإنسان الذي طحنته وتجاوزته كلُّ مشروعات الهيمنة العالمية المتوحِّشة باسم المكانة والرخاء والدين، لصالح القوة والثروة والأُحادية. إن التقدُّم أو التغيير أو ما شابه ذلك من مصطلحات هي سُنُنٌ للكون والاجتماع البشري ولكن كيف تتم؟ هذا هو المناط الحقيقي للحكم على نماذج التفاعل الحضاري ونتائجها بالنسبة للإنسانية.

إن ذاكرة أمريكا اللاتينية الحضارية حُبْلَى بالسرديَّات والخبرات التي تحتاج الاقتراب منها إذا كنَّا ننظر إلى عالم واحد يضمُّ كيانات متجانسة وليس عوالم مختلفة تتصادم بلا توقُّف، إن أمريكا اللاتينية -الفكرية والاجتماعية والإنسانية- تقدِّم حكايات عدَّة عن التنوُّع والتعدُّد وأنماط إدارته داخل حدود الوطن وعبر الحدود بين الأوطان وعبر القارات.

إنها أمريكا اللاتينية قارة المفارقات والمتناقضات من ناحية، وقارة الفرص والدروس والخبرات من ناحية أخرى، النابعة جميعها من ذاكرة وإرث حضاري غني وثري.

الحمد لله

 

فصلية قضايا ونظرات – العدد الثامن والعشرون – يناير 2023

 ___________

الهوامش

([1]) انظر علي سبيل المثال نماذج من هذه المقارنات في:

– د. نادية محمود مصطفى، نماذج تاريخية للتعارف خلال الحرب والدبلوماسية، دراسة مقدمة إلى مؤتمر “تعارف الحضارات”، بالتعاون بين مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات بجامعة القاهرة ومكتبة الإسكندرية (مايو 2011)، وتم نشرها في مجلة الأزهر على التوالي في الأعداد: من ديسمبر 2011 وحتى مايو 2012.

– د. نادية مصطفى، التطور التاريخي للنظم الدولية: من نظام الإمبراطوريات الكبرى إلى نظام الدول القومية، (في) د. نادية مصطفى (تحرير)، مدخل في علم السياسية، (القاهرة: مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 2023).

([2]) د. محمد السيد سليم، تطور السياسة الدولية في القرنين التاسع عشر والعشرين، (القاهرة: دار الفجر الجديد للنشر والتوزيع، ط 2، 2004)، ص ص 42-43.

– وحول الدور التوسُّعي الأمريكي في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين حتى الحرب العالمية الأولى والثانية، انظر: د. نادية محمود مصطفى، الثورة والثورة المضادة في نيكاراجوا: الأبعاد الإقليمية والدولية، (القاهرة: جامعة القاهرة – مركز البحوث والدراسات السياسية، 1988).

([3]) د. محمد السيد سليم، تطور السياسة الدولية في القرنين التاسع عشر والعشرين، مرجع سابق، ص ص 42-43.

([4]) المرجع السابق، ص ص 51-52.

([5]) المرجع السابق، ص ص 74-76.

([6]) المرجع السابق، ص ص 74-75.

([7]) المرجع السابق، ص 75.

([8]) المرجع السابق، ص 76.

([9]) انظر مزيدًا من التفاصيل في: المرجع السابق، ص ص 101-102.

([10]) انظر مزيدًا من التفاصيل في: المرجع السابق، ص ص 232-236.

([11]) د. نادية محمود مصطفى، الثورة والثورة المضادة في نيكاراجوا: الأبعاد الإقليمية والدولية، مرجع سابق.

([12]) انظر خريطة معمَّقة وشروحات تفصيلية لهذه القواعد وأنماط تفاعلاتها في: د. رونالدو مونك، أمريكا اللاتينية المعاصرة، ترجمة: د. منير بدوي، (الرياض: جامعة الملك سعود للنشر العلمي والمطابع، 2006).

([13]) د. نادية مصطفى، الثورة والثورة المضادة في نيكاراجوا: الأبعاد الإقليمية والدولية، مرجع سابق، ص 13.

([14]) انظر تفاصيل السياسات الأمريكية منذ ثورة كوبا وأدواتها التدخُّلية العسكرية أو التعاونية حتى بداية الثمانينيَّات في: المرجع السابق، ص ص 14-18.

([15]) انظر التفاصيل في: المرجع السابق، ص ص 19-31.

(·) إشارة إلى مؤتمر ميونيخ 1938 الذي اتَّسمت خلاله الدبلوماسية البريطانية والفرنسية بالمرونة في مواجهة ألمانيا النازية على نحو فسَّره البعض بأنه كان السبب في غزو ألمانيا لبولندا.

([16]) انظر التفاصيل في المرجع السابق، ص ص 42-120.

([17]) تقدم عروض الكتب في هذا العدد جانبًا من هذه المرحلة.

([18]) انظر حول هذا: د. رونالدو مونك، أمريكا اللاتينية المعاصرة، مرجع سابق، ص ص 14، 17، 190-191، 198-200، 204، 206-213، 224، 279، 282، 289.

([19]) للمزيد انظر:

– محمد قشتيليو، حياة الموريسكيون الأخيرة بإسبانيا ودورهم خارجها، (تطوان: مطابع الشويخ، 2001).

– مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، متاح عبر الرابط التالي: http://www.andalusite.ma

– حول تاريخ وصول المسلمين ووجودهم في أمريكا اللاتينية وأثرهم الحضاري انظر: تقارير موقع أندلسي، متاح عبر الرابط التالي: https://andalushistory.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى