الحرب الروسية الأوكرانية: أسباب، وتداعيات

مقدمة:

في الرابع والعشرين من فبراير 2022 بدأت روسيا غزوًا عسكريًا واسعًا لأوكرانيا، وشنت هجمات تسببت في مقتل وإصابة مدنيين، كما ألحقت أضرارًا بالمباني المدنية، بما فيها المستشفيات، والمدارس، والمنازل. لتندلع بذلك حرب في أوروبا لم تشهد مثلها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥، ربما تتسبب في زعزعة الهيكل الأمني الأوروبي المستقر منذ التسعينيات، مع زيادة اشتعال منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي التي لم ينقطع اضطرابها.

حيث تمكن مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان (OHCHR)، حتى يوم الثامن من يونيو 2022، من تسجيل مقتل ٤٣٠٢ مدنيًا خلال الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، من بينهم ٢٧٢ طفلًا، وإصابة ٥٢١٧ مدنيًا من بينهم ٤٣٩ طفلًا. وترجح المفوضية أن الحصيلة الفعلية ربما تتخطى ذلك بكثير.[1] ولا توجد حتى لحظة كتابة هذا التقرير أي إحصائية عن الخسائر البشرية في صفوف الجنود من الطرفين، اللهم إلا بعض التصريحات السياسية. فقد صرح الرئيس الأوكراني، “فلاديمير زيلينسكي”، في مقابلة تليفزيونية في الأول من يونيو 2022، إن ٦٠ إلى ١٠٠ جندي أوكراني يلقون حتفهم يوميًّا ويُصاب ٥٠٠ آخرون. على الجانب المقابل، أعلنت موسكو رسميًّا عن مقتل ١٣٥١ جنديًّا روسيًّا، وهو أقل من نصف الحصيلة التي قال موقع “آي ستوريز” الروسي الاستقصائي إنه تحقّق منها، بواقع ٣ آلاف و٤٣ قتيلًا بصفوف القوات الروسية، بينما تُقدر وزارة الدفاع البريطانية خسائر الجيش الروسي بـ١٥ ألفًا، ويردد مسؤولون أوكرانيون أن الحصيلة تقترب من ٣٠ ألف[2].

كما تسببت المعارك الدائرة بين الجيش الروسي والجيش الأوكراني على الأراضي الأوكرانية في تحويل مساحات شاسعة من مدن وبلدات أوكرانية إلى أنقاض، مدمرةً بنية تحتية بمليارات الدولارات. وصرحت اللجنة البرلمانية الأوكرانية لحقوق الإنسان، أن الجيش الروسي دمّر ٣٨ ألف مبنى سكني، بجانب ألف و٩٠٠ منشأةً تعليمية، فضلا عن تضرر ٢٤ ألف كيلومترًا من الطرق[3] .

   وقد فشلت العديد من الجولات الدبلوماسية بين روسيا وأوكرانيا في وقف الحرب. وعلى الرغم من تحرك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لفرض مجموعة من أشد العقوبات الاقتصادية على الإطلاق على حكومة “بوتين”، بالإضافة إلى قرار المئات من الشركات الغربية -كالشركات المصنعة، وشركات النفط، وتجار التجزئة، وسلاسل الوجبات السريعة -مثل ماكدونالدز- إيقاف تعاملاتها في روسيا[4]، إلا أن كل هذا لم يفلح في كبح جماح الرئيس الروسي.

وبالرغم من عدم دقة الأرقام التي تتحدث عن ضحايا الحرب، إلا أنها معبرة عن حجم المعارك المستمرة لأكثر من ١٠٠ يوم. ما يدفع للبحث في أسباب اندلاع هذه الحرب، وكيفية تأثير تطوراتها على مجريات الأمور في العديد من دول العالم على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية (والتي حازت الجانب الأكبر من الاهتمام).

أولًا- لماذا شنت روسيا حربًا على أوكرانيا؟

أعلن “بوتين” للشعب الروسي أن هدفه هو “نزع السلاح من أوكرانيا، واجتثاث النازية منها”، لحماية أولئك الذين تعرضوا لما وصفه بثمان سنوات من التنمر والإبادة الجماعية من قبل الحكومة الأوكرانية. وشدد على أن “احتلال الأراضي الأوكرانية ليس خطتنا، لا ننوي فرض أي شيء على أحدٍ بالقوة”. وفي الوقت ذاته زعم “بوتين” أن الروس والأوكرانيين شعب واحد، مؤكدًا “لم يكن لأوكرانيا أبدًا تقليد إقامة دولة حقيقية”[5].

ويحاول التقرير في هذا الجزء تتبع التاريخ المشترك بين أوكرانيا وروسيا؛ لتفنيد ادعاءات “بوتين” حول أحقية بلاده في أوكرانيا، ويتتبع كذلك تطور الأزمات بين البلدين في العقد الأخير والتي أدت في نهاية المطاف إلى اندلاع الحرب. فعلى الرغم من تشابك تاريخ البلدين إلا أنه يمكن النظر إليه باعتباره تاريخ احتلال ومحاولات مستمرة للهيمنة من قبل روسيا تجاه أوكرانيا، وهجمات مضادة من الأخيرة سواء سياسية (داخليًا، وخارجيًا) أو دبلوماسية أو عسكرية في بعض الأحيان.

  • ماض العلاقة بين أوكرانيا وروسيا:

يعود تاريخ العلاقة بين أوكرانيا وروسيا إلي زمنٍ بعيد، إذ يرجع إلى أكثر من ألف عام حيث تأسيس الدولة السلافية الأولى “كييف روس”، في أجزاء مما يعرف اليوم بـ “روسيا، وأوكرانيا، وبيلاروسيا”، منذ أواخر القرن التاسع وحتى منتصف القرن الثالث عشر. ثم أصبحت أراضي أوكرانيا المعاصرة جزءً من الإمبراطورية الروسية في أواخر القرن الثامن عشر بعد فترات تحت حكم المغول أو التتار والبولنديين والليتوانيين.

وفي عام ١٩١٨، بعد عامٍ من الثورة الشيوعية الروسية، أعلنت أوكرانيا استقلالها، ولكن في عام ١٩٢١ احتل الجيش الأحمر معظمها وأصبحت أوكرانيا جمهورية داخل الاتحاد السوفيتي. تم شُحذ الإحساس الأوكراني بالهوية الوطنية في ثلاثينيات القرن الماضي عندما أدت السياسات السوفيتية التي عاقبت المزارعين في الجمهورية الذين قاوموا قرارات التنظيم الجماعي للمجال الزراعي (التي اتخذها “جوزيف ستالين” عام ١٩٢٩ بالتحول إلى الزراعة المشتركة)، إلى مجاعة من صنع الإنسان تُعرف باسم “هولودومور”، والتي قتلت ما يقدر بنحو ٧ ملايين شخص هناك. وقد استعادت أوكرانيا استقلالها في عام ١٩٩١ مع انهيار الاتحاد السوفيتي.

وربما بسبب هذا الماضي بين الدولتين، لطالما كانت الفكرة المفضلة لــ “بوتين” هي أن أوكرانيا ليست دولة شرعية، وأن الروس والأوكرانيين شعب واحد.

ويفهم الجميع في أوكرانيا اللغة الروسية، ويمكنهم التحدث بها. كما يمثل الروس العرقيون أكبر أقلية هناك، حيث يشكلون ١٧٪ من السكان في آخر تعداد سكاني يرصد العرقيات، في عام ٢٠٠١. وتقع النسبة الأعلى من الروس في شبه جزيرة القرم، وفي بعض أجزاء من الشرق. كما يحتفظ بعض المواطنين الأوكرانيين بالتعاطف مع الكرملين، إلا أن الحرب الجارية تسببت في تآكل صفوف هؤلاء. وحتى قبل الحرب، فقد أيدت أغلبية كبيرة من الشعب الأوكراني البالغ عدده ٤١ مليون نسمة الاندماج مع الاتحاد الأوروبي[6].

2-أزمات العقد الأخير:

شهدت موسكو وكييف أول أزمة دبلوماسية كبيرة بينهما في عهد “فلاديمير بوتين”، ففي خريف عام ٢٠٠٣ بدأت روسيا بشكلٍ مفاجئ في بناء سد في مضيق “كريتش” باتجاه جزيرة “كوسا توسلا” الأوكرانية، واعتبرت كييف ذلك محاولة لإعادة ترسيم حدود جديدة بين البلدين، وازدادت حدة الصراع، ولم يتم وضع حد له إلا بعد لقاء ثنائي بين الرئيسين الروسي والأوكراني. عقب ذلك أوقف بناء السد، لكن الصداقة المعلنة بين البلدين بدأت تشهد تشققات[7].

وأثناء الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا عام ٢٠٠٤ دعمت روسيا بشكل كبير المرشح المقرب منها، “فيكتور يانوكوفيتش”، إلا أن “الثورة البرتقالية” حالت دون فوزه، وفاز بدلاً منه السياسي القريب من الغرب، “فيكتور يوشتشينكو”، وخلال فترته الرئاسية قطعت روسيا إمدادات الغاز عن البلاد مرتين، في عامي ٢٠٠٦ و٢٠٠٩، كما قُطعت أيضًا إمدادات الغاز إلى أوروبا المارة عبر أوكرانيا[8]، لتتوالى عقب ذلك الأزمات، خاصةً خلال العقد الأخير، كما سنرى:

  • الناتو وبداية التوغل الروسي:

    بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، توسع الناتو شرقًا واستولى في النهاية على معظم الدول الأوروبية التي كانت في المجال الشيوعي؛ جمهوريات البلطيق مثل ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، وكذلك بولندا ورومانيا وغيرها. نتيجة لذلك، اقترب الناتو مئات الأميال من موسكو. وفي عام ٢٠٠٨، ارتفعت أصوات داخل الناتو تدعم انضمام أوكرانيا، على الرغم من أن هذا لا يزال يُنظر إليه على أنه احتمال بعيد المنال[9].

بالنسبة للكرملين، كانت الفكرة القائلة بأن أوكرانيا، ستنضم إلى الناتو خطًا أحمر،”لا يمكن لأي زعيم روسي أن يقف مكتوف الأيدي في مواجهة الخطوات نحو عضوية الناتو لأوكرانيا”، هكذا صرح وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية، “ويليام ج. بيرنز”، الذي يشغل الآن منصب مدير وكالة المخابرات المركزية، خلال الأسابيع التي سبقت قمة الناتو في بوخارست عام ٢٠٠٨، التي قدم فيها الرئيس الأمريكي الأسبق “جورج بوش” اقتراح انضمام أوكرانيا[10].

   ولأن مسألة الانضمام للناتو لم تنجح سريعًا، حاولت أوكرانيا الارتباط بالغرب من خلال اتفاقية تعاون مع الاتحاد الأوروبي، في صيف عام ٢٠١٣ لتبدأ بذلك مرحلة جديدة من التأزم. فبعد أشهر قليلة من توقيع الاتفاقية، مارست موسكو ضغوطًا اقتصادية هائلة على كييف وضيقت على الواردات إلى أوكرانيا. وعلى خلفية ذلك، جُمدت الاتفاقية من قبل حكومة الرئيس الأسبق “يانوكوفيتش”، الذي فاز بالانتخابات عام ٢٠١٠، والحليف القوي لـ “بوتين”. وانطلقت بسبب ذلك احتجاجات معارضة للقرار، أدت لفراره إلى روسيا في فبراير عام ٢٠١٤. فاندفعت روسيا إلى اقتحام الأراضي الأوكرانية، وضمت شبه جزيرة القرم. كما أشعلت موسكو تمردًا انفصاليًا سيطر على جزء من منطقة “دونباس” في أوكرانيا، في حرب لا تزال مستمرة، وقتلت أكثر من ١٣٠٠٠ شخص[11].

وقبل غزوه أوكرانيا بفترة وجيزة، مزق الرئيس “بوتين” اتفاقية السلام، واعترف بدولتين صغيرتين تدعمهما روسيا على أنهما مستقلتان عن أوكرانيا. وعندما أرسل قواته إلى أوكرانيا، اتهم “بوتين” الناتو بتهديد “مستقبلنا التاريخي كأمة”، زاعمًا، دون أساس، أن دول الناتو تريد نقل الحرب إلى القرم[12].

وردت الولايات المتحدة وحلف الناتو بأنهما ما زالا ملتزمين باستعادة وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها. وإنهم لا يعترفون بمطالب روسيا بشبه جزيرة القرم، وقد شجعوا روسيا وأوكرانيا على حل النزاع في منطقة “دونباس” الشرقية من البلاد عبر اتفاقيات “مينسك”. حيث تم التوقيع على هذه الاتفاقيات في عامي ٢٠١٤ و٢٠١٥ بوساطة من فرنسا وألمانيا، وهي تدعو إلى وقف إطلاق النار، وسحب الأسلحة الثقيلة، وسيطرة أوكرانيا على حدودها مع روسيا، وإجراء انتخابات محلية ووضع سياسي خاص لأجزاء معينة من المنطقة[13].

وقد انتظرت كييف حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية في مايو ٢٠١٤ لتطلق عملية عسكرية كبرى أسمتها “حربًا على الإرهاب”. وفي مطلع عام ٢٠١٥ شن الانفصاليون هجومًا، زعمت كييف أنه كان مدعومًا بقوات روسية لا تحمل شارات تعريف، وهو ما نفته موسكو، ومنيت القوات الأوكرانية بهزيمة ثانية جراء الهجوم، وذلك في مدينة “ديبالتسيفي” الاستراتيجية، والتي اضطر الجيش الأوكراني للتخلي عنها. وبرعاية غربية، تم الاتفاق على “مينسك ٢”، وهي اتفاقية تشكل إلى اليوم أساس محاولات إحلال السلام، وما تزال بنودها لم تُنفذ بالكامل بعد.

وفي خريف عام ٢٠١٩ تم إحراز نجاح في سحب جنود من الجهتين المتحاربتين من بعض مناطق المواجهة، لكن منذ “قمة النورماندي” التي عُقدت في باريس في ديسمبر عام ٢٠١٩ لم تحصل أي لقاءات، خاصةً أن “بوتين” لا يرغب في لقاء شخصي مع الرئيس الأوكراني الحالي، “فلاديمير زيلينسكي”، لأنه –من وجهة نظر موسكو– لا يلتزم باتفاق “مينسك”[14].

ومنذ ديسمبر عام ٢٠٢١ يطلب الرئيس الروسي بشكل علني من الولايات المتحدة ألا تسمح بانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو أو تتلقى مساعدات عسكرية منه، لكن الحلف لم يرضخ لهذه المطالب[15].  كما أن كييف أكدت هدفها المتمثل في الحصول على عضوية الناتو في نهاية المطاف، وهي تجري تدريبات عسكرية سنوية مع الحلف. كما زود الجيش الأمريكي القوات الأوكرانية بالتدريب والمعدات، بما في ذلك بنادق القنص وقاذفات القنابل اليدوية ومعدات الرؤية الليلية والرادارات وصواريخ جافلين المضادة للدبابات وسفن الدوريات. وتجدر الإشارة إلى أنه في عام ٢٠٢٠، أصبحت أوكرانيا واحدة من ستة دول فقط ممن يُطلق عليهم شركاء “الفرصة المعززة”، وهو وضع خاص مُنح لحلفاء حلف الناتو، مثل أستراليا[16].

  • التبرير المعلن للحرب:

اتهم “بوتين” وحلفاؤه الحكومة الأوكرانية بارتكاب “إبادة جماعية” ضد الروس الأصليين والمتحدثين الأصليين للروسية في دونباس، وهو ادعاء رفضته أوكرانيا والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.

وقبل أيام من الغزو، اعترف “بوتين” بجمهوريات الانفصاليين، وأبطل اتفاقيات “مينسك”، وصفقات السلام التي توسطت فيها ألمانيا وفرنسا. وقال إن هدف الغزو كان “نزع السلاح” من أوكرانيا –كما سبقت الإشارة. ومن ثم، هذا سيجعلها غير قادرة على الانضمام إلى حلف الناتو[17].

ثانيًا- التداعيات الاقتصادية:

بمجرد أن بدأت روسيا هجومها على أوكرانيا قفزت أسعار النفط متجاوزة ١٠٠ دولار للبرميل لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من سبع سنوات. كما تراجعت أيضًا الأسهم العالمية خاصةً الأوروبية؛ إذ انخفض مؤشر “فوتسي ١٠٠” البريطاني بأكثر من ٣ في المئة، وهبط مؤشر “داكس” الألماني بأكثر من ٥.٥ في المئة. وكذلك انخفض الروبل إلى مستوى قياسي مقابل الدولار الأمريكي، وقد ارتفع سعر الذهب في اليوم نفسه.[18] أما مع استمرار الحرب، وفرض عقوبات على روسيا، فقد تفاقمت الآثار الاقتصادية  في أغلب أنحاء العالم. ويمكن تتبع التداعيات الاقتصادية لتلك الحرب على صعيد المحاور الآتية:

1-العقوبات المفروضة على روسيا:

فرض قادة الدول الغربية (بريطانيا، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي) مجموعة كبيرة من العقوبات على روسيا، تستهدف الاقتصاد الروسي بشكلٍ كبير. تضمنت هذه العقوبات:

  • تجميد أصول البنك المركزي الروسي، مما حد من قدرته على الوصول إلى 630 مليار دولار من احتياطاته.
  • منعت بريطانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة المواطنين والشركات لديها من إجراء أي تعاملات مالية مع البنك المركزي الروسي، أو وزارة المالية الروسية، أو صندوق الثروة السيادي الروسي.
  • إبعاد بعض البنوك الروسية من “نظام سويفت” الذي يسمح بتحويل الأموال بشكلٍ يسير بين الدول المختلفة، وهو الأمر الذي يُعيق قدرة روسيا على الحصول على عائدات بيع نفطها وغازها.
  • فرض قيود على المنتجات التي يمكن إرسالها إلى روسيا من قبل بريطانيا، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة وغيرها. ويشمل هذا السلع ذات الاستخدام المزدوج (وهي المواد التي يمكن استخدامها للأغراض المدنية والعسكرية على حدٍ سواء)، مثل المواد الكيميائية أو الليزر.
  • حظر بيع الطائرات ومعداتها لشركات الطيران الروسية.
  • حظر جميع الرحلات الجوية الروسية من مجال الدول الغربية الجوي.[19]

كما فرضت بريطانيا عدة عقوبات إضافية على موسكو، من بينها:

  • – استبعاد كبرى البنوك الروسية من النظام المالي البريطاني.
  • – تجميد أصول كافة البنوك الروسية.
  • – إصدار قوانين لمنع الشركات والحكومة الروسية من الحصول على أموال من الأسواق البريطانية.
  • – وضع حد أقصى للمبالغ المالية التي يمكن للروس إيداعها في البنوك البريطانية[20].

    هناك عقوبات أخرى استهدفت عددًا من الأشخاص البارزين في روسيا، على رأسهم الرئيس “فلاديمير بوتين” ووزير خارجيته “سيرجي لافروف”، الذي تم تجميد أصوله في الولايات المتحدة، وكندا، والاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، علاوة على حظر سفرهما إلى الولايات المتحدة. كما استهدفت الولايات المتحدة أصول ثمانية آخرين من الأوليغارش والمسؤولين الروس، بما في ذلك رجل الأعمال “أليشر عثمانوف”. وفرضت أستراليا عقوبات على الأثرياء الروس، وأكثر من 300 من البرلمانيين الروس، الذين صوتوا بالسماح بإرسال الجيش إلى أوكرانيا. وفرضت اليابان عقوبات على مؤسسات وشخصيات روسية، وعلقت صادرات عدة سلع إلى روسيا، منها صادرات أشباه الموصلات. كما أعلنت بريطانيا عزمها فرض قيود على منح “التأشيرات الذهبية”، التي سمحت للأثرياء الروس بالحصول على حقوق الإقامة في بريطانيا، ومن المقرر أن يناقش النواب البريطانيون مشروع قانون الجرائم الاقتصادية، الذي يهدف إلى تجميد أصول “حلفاء بوتين” في المملكة المتحدة.

كما أوقف عدد متزايد من الشركات العالمية بما في ذلك ماكدونالدز وكوكا كولا وستاربكس خدماتها في روسيا. أيضًا أوقفت مجموعة يونفيرسال للموسيقى عملياتها وأغلقت مكاتبها في روسيا. وكذلك أعلنت كل من أبل ونتفليكس وزارا ومذركير واتش آند إم وجاغوار ولاندروفر تعليق أنشطتها في روسيا. وأعلنت ثلاث من أكبر أربع شركات محاسبة في العالم إنه لن يكون لها بعد الآن شركاء في روسيا، في حين أعلنت شركة المحاماة الرائدة فريش فيلدز أنها لن تعمل بعد الآن مع أي عملاء مرتبطين بالدولة الروسية.

وبالطبع لم تترك روسيا هذه العقوبات دون رد، فرفعت روسيا سعر الفائدة الرئيسية بأكثر من الضعف في محاولة لوقف تراجع الروبل، الذي انخفضت قيمته مقابل الدولار بنسبة 30 في المئة بعد فرض العقوبات. كما قامت بمنع مدفوعات الفوائد للمستثمرين الأجانب الذين يحملون سندات حكومية، وحظرت على الشركات الروسية دفع أموال للمساهمين الأجانب. وفي الوقت ذاته، منعت روسيا المستثمرين الأجانب الذين يمتلكون عشرات المليارات من الدولارات من الأسهم والسندات الروسية من بيع تلك الأصول. وفي المقابل، غالبًا يلجأ العديد من الأثرياء الروس إلى تحويل مدخراتهم من الروبل إلى عملات مشفرة -مثل البيتكوين- للالتفاف على العقوبات.

وقد هددت وزارة الخارجية الروسية بفرض عقوبات على الغرب، قد تشمل تقليل أو إيقاف إمدادات الغاز إلى أوروبا. كما لا تستطيع شركات الطيران البريطانية دخول المجال الجوي الروسي أو الهبوط في المطارات الروسية[21].كما قامت روسيا بإيقاف صادراتها إلى دول الاتحاد الأوروبي من 200 سلعة حتى نهاية عام 2022، تضم سلعًا أساسية، بالإضافة إلى منتجات مُصنعة، كما علقت صادرات القمح والشعير والذرة وعددًا من السلع الزراعية إلى بلدان الاتحاد الأوراسي حتى أغسطس القادم، لتأمين احتياجات السوق المحلي من الغذاء. وتهدف هذه الخطوة إلى زيادة أسعار هذه السلع والمنتجات في السوق العالمي[22].

2-تراجع النمو العالمي وزيادة التضخم:

نشر صندوق النقد الدولي تقريرًا بعد مرور أسابيع على بداية الحرب يحلل الآثار الاقتصادية التي ستحل بالعالم نتيجة استمرارها. ولعل أبرز هذه الآثار هو تباطؤ معدلات النمو، وزيادة سرعة التضخم على مستوى العالم. وقد حدد التقرير ثلاث قنوات أساسية لتمكن هذه الآثار؛  أولا، ارتفاع أسعار السلع الأولية كالغذاء والطاقة سيدفع التضخم نحو مزيد من الارتفاع، مما يؤدي بدوره إلى تآكل قيمة الدخول وإضعاف الطلب. وثانيا، الاقتصادات المجاورة بصفةٍ خاصة سوف تصارع الانقطاعات في التجارة وسلاسل الإمداد وتحويلات العاملين في الخارج كما ستشهد طفرة تاريخية في تدفقات اللاجئين. وثالثًا، تراجع ثقة مجتمع الأعمال وزيادة شعور المستثمرين بعدم اليقين يُفضيان إلى إضعاف أسعار الأصول، وتشديد الأوضاع المالية، وربما الحفز على خروج التدفقات الرأسمالية من الأسواق الصاعدة[23] .

ومع إسهام روسيا وأوكرانيا بنسبة ٣٠٪ من صادرات القمح العالمية، ارتفعت تكاليف الغذاء بعد بلوغ سعر القمح مستوى تاريخي. وتخوف صندوق النقد من احتمال أن يؤدي ارتفاع أسعار الغذاء والوقود “إلى مخاطر أكبر من حدوث قلاقل في بعض المناطق، من أفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية إلى القوقاز وآسيا الوسطى، بينما من المرجح زيادة انعدام الأمن الغذائي في بعض أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط”[24]. فسوريا تستورد نحو ثلثي احتياجاتها من المواد الغذائية والنفط، ويأتي معظم وارداتها من القمح من روسيا. ولبنان يستورد من أوكرانيا وروسيا أكثر من ٩٠% من احتياجاته من الحبوب. ويستورد اليمن الذي يعاني بالفعل نقصًا حادًا في الأمن الغذائي نحو ٤٠% من احتياجاته من القمح من هذين البلدين.[25] أما مصر، فتأتي ٨٠% من وارداتها من القمح من روسيا وأوكرانيا، كما أنها مقصد سياحي يحظى بإقبال كبير من كلا البلدين، ومن ثم سوف تشهد كذلك انكماشًا في نفقات زائريها[26] .

وبالنسبة لزيادة معدلات التضخم، فإنها كانت مستمرة بالفعل طوال عام ٢٠٢١ نتيجة لزيادة الطلب بسبب الانتعاش الاقتصادي والاضطراب المستمر للعديد من سلاسل القيمة، لكن الحرب سرعت من وتيرة ذلك. وقد كانت هذه الحركة أكثر وضوحًا في البلدان الناشئة والنامية. وبحسب “جوزيب بوريل”، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائب رئيس المفوضية الأوروبية، فإن هذا الارتفاع في التضخم يؤدي إلى زيادات كبيرة في أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية وتشديد الأوضاع النقدية. وذلك في سياق تضاعف فيه الدين الخارجي لهذه البلدان في السنوات الأخيرة بسبب الوباء. فالبلدان الصاعدة والنامية لديها حيز مالي أقل لمكافحة الأزمات، والتخفيف من تأثيرها على مواطنيها من الدول المتقدمة. وفي الأسابيع الأخيرة من الحرب، حدث انخفاض سريع في أسعار الأسهم في الأسواق المالية وخسارة هائلة في قيمة العملات المشفرة. ما قد يؤدي إلى أزمة مالية جديدة، مصحوبة بهروب رأس المال الدولي إلى الولايات المتحدة. ويرى “بوريل” أن هذا الخطر قد بدأ في الظهور بالفعل مع الارتفاع الحاد في سعر صرف العملة الأمريكية؛ وهي حركة تغذي التضخم في البلدان التي تنخفض قيمة عملتها. وقد أدى هذا السياق إلى قيام صندوق النقد الدولي بتخفيض توقعاته الاقتصادية بشكلٍ كبير مقارنةً بشهر يناير الماضي، وخاصة بالنسبة للبلدان الناشئة، مما أدى إلى تفاقم خسارة النمو التي عانت منها هذه البلدان بسبب الوباء[27] .

3-تحديات وفرص سوق الطاقة:

رفضت السعودية ودول خليجية أخرى دعوات أمريكية لضخ مزيد من النفط لخفض أسعار الوقود العالمية، خاصة قبل بدء الغزو الروسي في الوقت الذي اقترب فيه سعر البرميل من 100 دولار لأول مرة منذ ثماني سنوات[28].

هذا وتعتمد أوروبا على ما يقرب من ٤٠% من طاقتها على روسيا، وهذا ما جعل المستشار الألماني “أولاف شولتز” يصرح عقب قمة فرساي في مارس 2022: “تعمدت أوروبا استثناء إمدادات الطاقة الروسية من العقوبات؛ لأن ذلك سينعكس بشدة على اقتصاد الدول الأوروبية”، في إشارة إلى العقوبات الأمريكية التي فُرضت على روسيا بسبب حربها مع أوكرانيا[29] .

ومع تصريحات عدد من مسؤولي دول الاتحاد الأوروبى حول العزم على البحث عن مصادر بديلة للطاقة الروسية ومحاولة الاستغناء عنها في عام ٢٠٢٧، إلا إنه لا توجد مؤشرات توحي بأن هناك بدائل حقيقية وكافية متاحة، بما فيها البدائل الخليجية[30].

إلا أن “جوزيب بوريل” يرى قدرة الخليج على المساهمة بفاعلية في استراتيجية البحث عن بدائل للطاقة الروسية، والتنويع في إمدادات الغاز وإمدادات مصادر الطاقة الأخرى مثل الهيدروجين الأخضر ومصادر الطاقة المتجددة.. فقد صرح بأن  كل من الأمير القطري “تميم بن حمد آل ثاني” ونائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ “محمد بن عبد الرحمن آل ثاني” أكدا في اجتماعاتهم اهتمام دولة قطر ببناء شراكة طاقة استراتيجية طويلة الأمد مع الاتحاد الأوروبي. وفي حين أن القدرة على توصيل غاز طبيعي مسال إضافي إلى أوروبا محدودة على المدى القصير، يبدو” بوريل” واثقًا من أن قطر مستعدة للاحتفاظ بإنتاج متزايد للاتحاد الأوروبي اعتبارًا من عام 2025 [31].

ثالثًا- التداعيات السياسية:

تأثرت العديد من دول العالم بحرب روسيا على أوكرانيا، ابتداءً بالجوار الأوروبي والأسيوي لساحة القتال، حتى تلك البعيدة جغرافيًا ولكنها تقترب من خلال تعقد شبكة المصالح الاقتصادية والسياسية. ولن يسع هذا التقرير رصد التداعيات السياسية للحرب على كل دول ومختلف مناطق العالم، فسيتناول على وجه الخصوص التغيرات البارزة التي يشهدها الاتحاد الأوروبي الجار الأقرب للحرب، والمرتبط بروسيا عبر ملفات شديدة الأهمية بالنسبة لدول الاتحاد واقتصادها وأمنها العسكري. كذلك يتناول وضع الملف النووي الإيراني كواحد من أبرز الملفات العالمية التي تضطلع فيها موسكو بدورٍ محوري. ثم يعرج التقرير على المنطقة العربية التي تضم سوريا حيث تقاتل روسيا بشكلٍ مباشر على أرضها، ثم ليبيا ومصر، ذلك بالطبع إلى جانب الخليج. كما لا يمكن إغفال إسرائيل التي تنسق مع روسيا في سوريا وفي غيرها من الملفات.

1-الاتحاد الأوروبي:

تفاجأت أوروبا باندلاع حرب في عقر دارها، بعد توالي وعود وتطمينات من المسؤولين الروس إلى نظرائهم الفرنسيين والألمان بعدم نية روسيا غزو أوكرانيا. وتعالت بعض المخاوف حول احتمال اتساع الغزو إلى ضرب منشأت نووية في أوكرانيا أو الاستخدام المباشر لأسلحة نووية، على الرغم من الضعف الشديد لهذا الاحتمال. كما تأثرت المصالح الاقتصادية المباشرة لدول أوروبا شديدة الارتباط بروسيا خاصةٍ في مجال الطاقة –على نحو ما أُشير. وربما يكون التغير الأبرز الذي شهدته الساحة الأوروبية هو دعوات الحكومات الأوروبية لحث مواطنيها على الاشتراك في الدفاع عن أوكرانيا، وزيادة التسليح للجيوش النظامية بشكلٍ غير مسبوق منذ الحرب الباردة. هذا إلى جانب فتح أوروبا ذراعيها لاستقبال ملايين اللاجئين الأوكرانيين. كل هذا ربما يدفع إلى تغيرات جوهرية في تكوين الاتحاد الأوروبي، وليس فقط توجهاته السياسية والاقتصادية.

يعتبر التطور الأبرز الذي لحق بالهجوم الروسي على أوكرانيا، هو التحول في السياسة السلمية والاعتماد على الدبلوماسية التي دأب الاتحاد الأوروبي على انتهاجها منذ تأسيسه.  ويرى المحلل السياسي الهولندي “لوك فان ميدلار” أن الاتحاد الأوروبي “تجاوز نقطة اللاعودة” عندما قرر تمويل عمليات تسليم أسلحة إلى أوكرانيا، في تحول “صارخ” مقارنةً بتاريخه السلمي[32].

كما رفعت العديد من الدول ميزانية الإنفاق العسكري، حيث جاءت ألمانيا في الصدارة ورفعت إنفاقها العسكري من ٥٦ مليار دولار سنويًا إلى ١٠٠ مليار دولار، كما قررت لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية تزويد دولة في منطقة نزاع بالأسلحة. أما بريطانيا، فقد أقرت زيادة في ميزانية الدفاع بأكثر من ١٦.٥ مليار دولار. كما أعلنت فرنسا أنها ستزيد من ميزانية الدفاع لهذا العام بأكثر من ملياري دولار. وزادت كل من هولندا وإيطاليا نسب إنفاقها العسكري، وكذلك فعلت بلدان كانت تطالب بتخفيض الإنفاق على الجيوش مثل السويد والدنمارك[33]. ولهذا قالت رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لايين” أن “حرب الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في أوكرانيا تثير تساؤلات جوهرية حول هندسة السلام الأوروبية”[34].

وبالرغم من هذه التغيرات في السياسة العسكرية لدول الاتحاد الأوروبي وخاصة ألمانيا، تم توجيه عدد من الانتقادات إلى سياسة الاتحاد تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية؛ أبرزها الانتقاد بالضعف في مواجهة روسيا. ففي الوقت الذي أقدمت فيه ألمانيا على السياسات السابق ذكرها، اُتُهمت بأنها لم تتخذ خطوة فعلية على الأرض ما أعطى الانطباع أنها، متقاعسة، ومتراجعة إلى الصفوف الخلفية، عندما آن الأوان لتشكيل تحالف لمواجهة روسيا. ويقول عضو البرلمان الألماني، عن حزب “التحالف الديمقراطي المسيحي”، “بيتر بير”: “يجب أن نوجه رسالة تنم عن القوة، لا الضعف، لأن ذلك يشجع الرئيس الروسي، للإقدام على ما يفعله”. كما أن الكثير من المنتقدين، الذين كما يعتقد تدفعهم المصالح الاقتصادية، بدأ صبرهم ينفد من انفتاح الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” الدبلوماسي نحو “بوتين”؛ على الرغم من استيائهم المتنامي، من كون ألمانيا، ضعيفة أكثر مما ينبغي، في مواجهة روسيا. فلقد تقدمت بولندا، ودول البلطيق، مع دول سابقة في التكتل السابق التابع للاتحاد السوفيتي، مثل التشيك، لتقود الناتو، والاتحاد الأوروبي، في القرارات الدفاعية، والعسكرية، خلال الحرب الروسية الأوكرانية. في المقابل، نهضت المجر، كمعارض غير متوقع للعقوبات التي يفرضها الاتحاد ضد روسيا. حيث يعرقل رئيس الوزراء المجري، “فيكتور أوربان”، المعروف بعلاقاته الجيدة بـ “بوتين”، جهود الاتحاد بخصوص التمكن من فرض حظر على النفط الروسي، ويرفض التوقيع، حتى يضمن حصول بلاده على الطاقة الروسية. وحاليًا، تكتسب فكرة تشكيل جبهة غربية، موحدة، وقوية، لمواجهة “بوتين”، أهمية بالغة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، لكن لا برلين، ولا باريس، تمتلك القوة لإقناع “أوربان”[35].

وبطبيعة الحال، من الصعب أن يُجمِع تكتل مكون من ٢٧ دولة، على فرض حظر وعقوبات على روسيا تؤثر بشكلٍ مختلف على كل منهم، ما يعد تحديًا كبيرًا، وهو الأمر الذي يدرك “بوتين”، أنه نقطة ضعف. ونتيجة لهذا بدأت الشكوك تساور بروكسل حول جدوى مبدأ الالتزام بضرورة إصدار القرارات المتعلقة بالسياسات الخارجية، ومنها العقوبات، التي يفرضها الاتحاد الأوروبي، بإجماع الأعضاء. وفي ظل الظروف الخطيرة، وغير المتوقعة التي يواجهها التكتل حاليًا، ينظر البعض إلى هذا المبدأ، على أنه أصبح من الماضي.[36] وكذلك أكد رئيس الوزراء الإيطالي “ماريو دراغي” أن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى “فيدرالية براجماتية” تخسر من خلالها الدول الأعضاء حق الفيتو. وقال “إنها بداية طريق سيؤدي إلى مراجعة معاهدات، وإذا حدث ذلك، فعلينا أن نتعامل مع الأمر بشجاعة وثقة”. وأشار إلى أن الهيئات الأوروبية والآليات الحالية للتكتل “غير ملائمة” لمواجهة تداعيات الحرب على أوكرانيا[37].

  • الملف النووي الإيراني:

فجر الرئيس الروسي “بوتين”، حربه مع أوكرانيا، تزامنًا مع توقيتٍ حرج تمر به مفاوضات الملف النووي الإيراني. فبعد أن اقتربت المفاوضات من نهايتها توقفت تمامًا منذ أوائل مارس 2022. وتنبع أهمية الدور الروسي في تلك المرحلة من أنه عقب منع المرشد الأعلى الإيراني “آية الله علي خامنئي” الدبلوماسيين الإيرانيين من التفاوض مباشرةً مع الولايات المتحدة، كانت موسكو خلال العام المنصرم وسيطًا أساسيًا بين واشنطن وطهران. ولكن في خضم حملة الضغوط العالمية المفاجئة والشديدة التي تتعرّض لها روسيا، أعادت موسكو تقييم دورها التيسيري، وهدّدت ضمنًا بضرب الاتفاق النووي الإيراني تحقيقًا لمصالحها الخاصة. وإن كان الأمر أيضًا ربما يشمل تضافر تعقيدات من مختلف أطراف المفاوضات بسبب الحرب الجارية، فضلا عن قرب اضطرار حسم النقاط الخلافية في المفاوضات مثل وضع الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب الأمريكية.

فسبب توقف المحادثات غير واضح تمامًا، وإن كان أشار كبار المفاوضين من فرنسا وألمانيا وبريطانيا إلى أن العقبة الأساسية هي مطالبة روسيا بألا تخضع تجارتها مع إيران للعقوبات الجديدة المفروضة عليها بسبب غزوها لأوكرانيا. لكن المسؤولين الإيرانيين يُصرون على أن سبب التأخير هو عدم رغبة الولايات المتحدة في رفع العقوبات. وفي هذا الإطار، غرد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، “علي شمخاني”، في ١٠ مارس 2022 بأن “احتمالية التوصل إلى اتفاق في محادثات فيينا لا تزال غير واضحة بسبب تأخر واشنطن في اتخاذ [قرار] سياسي”. ولكن يبقى الاحتمال الأكبر أن تكون روسيا هي السبب الرئيسي للتأخير، وأن المسؤولين الإيرانيين غير مستعدين لإلقاء اللوم عليها علنًا. إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن تتجاهل إيران في النهاية مطالب روسيا، وتتوصل إلى اتفاق مع الأطراف الأخرى في المحادثات النووية الإيرانية بهدف تخفيف العقوبات لمواجهة التحديات الاقتصادية.[38] خصوصًا وأن الدول الأوروبية، وفي مقدمتها فرنسا، لن تنتظر طويلًا إبرام اتفاق يُنهي أزمة الملف النووي الإيراني. حيث صرحت وزارة الخارجية الفرنسية، في ٢٦ مايو 2022، بأنه “سيكون خطأ جسيمًا وخطيرًا اعتبار أنّ (الاتفاق) يمكن أن يبقى على الطاولة إلى الأبد، في وقتٍ يستمر فيه تقدّم البرنامج (النووي الإيراني) بنفس الوتيرة السريعة، الأمر الذي يهدد بتجريد الاتفاق من ميزاته في منع الانتشار النووي”[39].

ويرى “كريم سجادبور” الباحث في مركز كارنيجي للشرق الأوسط أن روسيا، “التي حلّت الآن مكان إيران في موقع الدولة الأكثر خضوعًا للعقوبات في العالم، ربما تريد أن تُشعِر المجتمع الدولي بالوطأة الاقتصادية التي تترتّب على فرض حظر على النفط الروسي. لكن في حال التوصل إلى اتفاق نووي يُنهي الحظر المفروض على النفط الإيراني، فمن شأن ذلك أن يخفف من حدّة التداعيات المالية العالمية الناجمة عن عزل روسيا”. كما يرجح “سجادبور” إدراك “بوتين” أن إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني تهمّ الرئيس الأمريكي “جو بايدن” أكثر مما تهمّه. فالعقوبات المفروضة على إيران تسببت في عزلة، استفادت روسيا كثيرًا منها. حيث تعتمد إيران على التكنولوجيا الروسية من الدرجة الثانية، وتناصب العداء للولايات المتحدة، وهي عاجزة عن استثمار مواردها الطائلة في مجال الطاقة، ولا تكترث للمنافسة التاريخية بينها وبين موسكو في آسيا الوسطى. وينقل “سجادبور” عن “رجب سافاروف”، أحد كبار الباحثين الروس المتخصّصين في الشأن الإيراني، في مقابلة معه مؤخرًا إن “إيران الموجّهة نحو الغرب ستكون أسوأ لروسيا من إيران المسلّحة نوويًا، وستقود إلى انهيار روسيا”[40].

ويرى “جودت بهجت” المحاضر بمركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاجون، أن للحرب في أوكرانيا تأثيرًا مركبًا على مفاوضات الملف النووي. فقد حدث تغيرًا في وجهة التركيز داخل واشنطن من الاهتمام بملف التفاوض مع إيران إلى التركيز بالأساس على ما يحدث في أوكرانيا. كما أظهرت الحرب احتياج العالم إلى النفط والغاز الإيراني بصورة أكثر مما كان عليه قبل الحرب، وتمتلك إيران مئات الملايين من براميل النفط على ناقلات ومنشآت عائمة، ما يقوي الموقف التفاوضي لإيران بشكلٍ كبير. وأشار “بهجت” إلى أنه في نفس الوقت دفعت الحرب الولايات المتحدة للتقرب من السعودية، وبالطبع فإن توثيق العلاقات بين واشنطن والرياض أمر سيء بالنسبة لإيران[41].

أما بالنسبة للداخل الإيراني، فقد ساهم الغزو في تعزيز الانقسامات السياسية، حيث ألقى المرشد الأعلى “علي خامنئي” باللوم القاطع على الولايات المتحدة في العدوان الروسي. وقال في خطاب له في الأول من مارس 2022: “من خلال التدخل في شؤون أوكرانيا، وإحداث ثورات ملونة وإسقاط حكومة، ووضع أخرى في السلطة، جرَّت الولايات المتحدة أوكرانيا إلى هذا الوضع”. كما اُفتتحت صحيفة “كيهان” اليمينية في إيران، بقولها: “أوكرانيا قفزت إلى البئر من خلال الوثوق بالحبل الأمريكي الفاسد”. بينما قدم اللاعبون السياسيون المعتدلون خارج السلطة رأي مختلف. فكتب البرلماني السابق “علي مطهري” على تويتر أن “إيران يجب أن تظهر استقلالها من خلال إدانة هجوم روسيا على أوكرانيا”. وقد رأى الإصلاحيون عامةً أن على إيران محاولة اقتناص كل ما يمكن كسبه، مستغلة نسج نظريات المؤامرة لمعاقبة الغزو الروسي[42].

3-المنطقة العربية:

  • سوريا

من المهم أن نركز على سوريا عند النظر في تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا عالميًا، لأن سوريا هي الساحة الأخرى التي تقاتل فيها روسيا بشكلٍ مباشر. حيث يمكن للحرب في أوكرانيا أن تعود بالمشاكل على اتفاق وقف إطلاق النار في محافظة إدلب شمال غرب البلاد التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، والمبرم في الخامس من مارس ٢٠٢٠، والصامد حتى الآن بشكلٍ رئيسي لأن موسكو فهمت أنها إذا ساعدت قوات النظام السوري على الاندفاع أكثر إلى إدلب فإنها ستواجه تكاليف عسكرية وسياسية كبيرة، بما في ذلك تعريض علاقاتها مع أنقرة للخطر. ويساور السوريين القلق من احتمال توتر العلاقات بين موسكو وأنقرة بسبب مبيعات الطائرات المسيرة التركية لأوكرانيا وانتقادها للغزو، الأمر الذي قد يدفع روسيا للرد بتصعيد أعمالها ضد الوجود العسكري التركي في سوريا، رغم أنه لم تظهر أي علامة حتى الآن على أنها تعتزم فعل ذلك.

كما يمكن أن تستقدم روسيا بعض قواتها من سوريا أو بعض المقاتلين السوريين الذين تدعمهم إلى أوكرانيا، الأمر الذي سيؤدي إلى حدوث هشاشة أمنية في بعض المناطق التي يسيطر عليها نظام “بشار الأسد”، حيث يبقى تنظيم الدولة الإسلامية نشطًا. وفي حين لم يحدث أي تغيير في الموقف العسكري الروسي في سوريا حتى الآن، فإن موسكو أعلنت تطوع آلاف المقاتلين من الشرق الأوسط للمشاركة في حرب أوكرانيا، وبالطبع من ضمنهم سوريين.

كما يُحتمل أن يحدث نقصًا في إمداد الذخيرة إلى القوات السورية والقوات الجوية الروسية في المدى المتوسط والطويل، بالنظر إلى أنه يتم إمدادها عبر الأسطول الروسي في البحر الأسود، المنشغل حاليًا بأمورٍ أخرى. علاوة على ذلك، لم يعد بإمكان السفن الحربية الروسية المرور عبر مضيقي البوسفور والدردنيل، لأن تركيا استحضرت بنود معاهدة “مونترو”. إلا أنه يظل السيناريو السيء والأسهل بالنسبة لروسيا إذا ما أرادت استخدام بطاقة سوريا في حربها الدبلوماسية مع الغرب وإذا ما احتاجت للضغط على تركيا، هو لعب دور المفسد دبلوماسيًا، الأمر الذي سيوجه ضربة لجهود الإغاثة الإنسانية. فقد استعملت موسكو حق الفيتو لمنع قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا في الماضي. وسينتهي مفعول قرار الأمم المتحدة في المحافظة على المعبر الأخير من تركيا إلى شمال غرب سوريا مفتوحًا في يوليو 2022. وبالنظر إلى التوترات بشأن أوكرانيا، يبدو من المرجح على نحوٍ متزايد أن تعيق موسكو محاولات غربية لتجديد القرار، مع تداعيات كارثية على السكان المحليين[43].

  • ليبيا

عمقت الحرب في أوكرانيا التنافس بين الجهتين اللتين تدعيان حقهما بالحكم في ليبيا. فروسيا هي الدولة الوحيدة التي تعترف رسميًا بالحكومة التي يرأسها “باشاغا”. لكن، وعلى حد تعبير دبلوماسي غربي، فإن اعتراف روسيا السريع كان بمثابة “قبلة الموت”؛ إذ يبدو أن ما من عاصمة أخرى ترغب بالظهور وكأنها تقف مع موسكو في هذا النزاع الليبي خشية إثارة غضب واشنطن. حتى القاهرة، المتعاطفة مع “باشاغا”، لم تحذُ حذو موسكو. وفي هذا الإطار، تحاول الأطراف الخارجية إيجاد تسوية جزئيًا، لضمان عدم اقتراب حكومة “باشاغا” أكثر مما ينبغي من روسيا. وحتى “باشاغا” نفسه حريص على الاحتفاظ بمسافة عن الكرملين، إذ إنه في ٢٦ مارس، قد اجتمع مع سفير أوكرانيا في ليبيا، وأكد دعمه للشعب الأوكراني قائلاً إن الليبيين يقفون إلى جانبهم “بقدر ما نستطيع”. أما الحكومة التي يرأسها “الدبيبة”، والتي أدانت منذ البداية العدوان الروسي على أوكرانيا، صوتت في السابع من أبريل 2022 لصالح طرد روسيا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهو الوفد العربي الوحيد الذي فعل ذلك. وقد عبر دبلوماسيون أوروبيون عن قلقهم حيال التداعيات العسكرية المحتملة لهذا الاصطفاف السياسي الجديد. فمجموعة “فاغنر” من المتعاقدين العسكريين المدعومة من الكرملين تعمل في ليبيا منذ حرب عام ٢٠١٩، إلى جانب قوى يقودها المشير “خليفة حفتر”، المتحالف حاليًا مع حكومة “باشاغا”. كما يحتفظ مقاتلو “فاغنر” بإمكانية الوصول، وإن لم يكن السيطرة المباشرة، إلى قاعدتين عسكريتين مهمتين على الأقل في وسط البلاد، حيث يقال إنهم يشغلون عدة طائرات مقاتلة أرسلتها روسيا إلى ليبيا عام ٢٠٢٠. علمًا أنه تم انسحاب بعض وحدات “فاغنر” ومقاتلين سوريين موالين لموسكو من ليبيا تجاه أوكرانيا، ويمكن لرحيلهم أن يشكل تطورًا له ما بعده[44].

  • مصر

تعتبر مصر مثالًا على العديد من دول العالم التي تتمتع بعلاقات قوية مع مختلف أطراف الحرب في أوكرانيا، ولا تود خسارتها. وقد تعرضت مصر لضغوط أمريكية وأوروبية متزايدة بسبب موقفها الحيادي في الحرب الأوكرانية. ففي مطلع مارس 2022، أصدر سفراء مجموعة السبع في القاهرة بيانًا مشتركًا يطالبون فيه الحكومة بالتصويت لصالح القرار الذي يدين الغزو الروسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد لبّت مصر الطلب، لكن في الأسبوع الذي تلا ذلك، ناقش “السيسي” و”بوتين” استمرار التعاون الثنائي بشأن عدد من المشاريع، في إشارة إلى أن القاهرة ليست مستعدة لقطع علاقاتها مع موسكو[45]. أيضًا انتقدت مصر العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا على موسكو، مُعتبرةً أنها غير قانونية من منظور القانون الدولي. وفي حال استمر التصعيد في المواجهة بين روسيا والغرب، ستتراجع على الأرجح قدرة الحكومة المصرية على المناورة بين الطرفَين.[46]

  • الخليج

ألقت الحرب الروسية الأوكرانية ظلالها في صورة توتر ملحوظ في العلاقات بين الولايات المتحدة وبين السعودية والإمارات ومن خلفهما باقي دول الخليج. فبينما سارع العالم لإدانة روسيا، التزمت دول مجلس التعاون الخليجي الصمت إلى حدٍ كبير. وفي اليوم الذي بدأت فيه روسيا هجومها البري والجوي ضد أوكرانيا، امتنعت الكويت وقطر عن انتقاد موسكو مباشرةً واكتفتا بإدانة العنف، بينما لم تعلّق السعودية وعُمان والبحرين. وقد تجلت معالم ذلك التوتر مع موقف الإمارات من الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن (إلى جانب الهند، والصين) لإدانة روسيا[47].

ورأى دبلوماسي غربي -تحدث لوكالة “فرانس برس” واشترط عدم الكشف عن هويته– تعليقًا على الموقف الخليجي أن الهدف منه “كان تجنب استخدام روسيا حق النقض” خلال تبني القرار الذي يمدد حظر الأسلحة المفروض على جميع الحوثيين في اليمن، وأضاف قائلاً” “نحن مستاؤون جدًا من الإمارات، ومقتنعون بأنها أبرمت صفقة قذرة مع روسيا” مرتبطة بالحوثيين وأوكرانيا[48].

وعلى غرار دول الخليج الأخرى، تقيم الإمارات علاقات أمنية واقتصادية وعسكرية مهمة مع واشنطن، ولطالما كان يُنظر إلى الإمارات، ولا سيما إمارة دبي، على أنّها نقطة جذب للاستثمارات الروسية، ووجهة النخب الروسية لقضاء الإجازات. لكن الروابط المتنامية مع موسكو باتت تجبر هذه الدول على السعي لتحقيق توازن صعب في مواقفها. وفي هذا السياق، تُشكل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا اختبارًا للتحالف السعودي -الروسي، ما يضع المملكة في موقف حرج ما بين حليفها الرئيسي الولايات المتحدة وبين تحالفها الجديد مع روسيا.

وعلى صعيد العلاقات الاقتصادية، قفزت التجارة بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي من حوالي 3 مليارات دولار في عام 2016، إلى أكثر من 5 مليارات دولار في عام 2021، غالبيتها مع الإمارات والسعودية، وفقًا لإحصائيات رسمية. وبصفتها لاعبًا رئيسيًا في أسواق الطاقة، تقيم كل دول مجلس التعاون الخليجي علاقة مع روسيا في مجال الطاقة، كما تقود الرياض وموسكو منذ سنوات تحالف “أوبك بلس”، حيث تتحكّمان معًا في الإنتاج لتحقيق استقرار في سوق الأسعار، وهو الأمر الذي سبق تفصيله في جزء سابق من هذا التقرير[49].

4- إسرائيل:

توخت إسرائيل الحذر منذ بداية الحرب بألا تستعدي موسكو؛ خشية أن فعل ذلك سيقوض حريتها في مهاجمة الأصول الإيرانية في سوريا، وخشية منها على اليهود في أوكرانيا وروسيا. كما أن إسرائيل حريصة على حماية علاقاتها بالأوليغارك اليهود الروس الذين لديهم استثمارات في إسرائيل. ولهذا امتنع رئيس الوزراء الإسرائيلي “نفتالي بينيت” عن إدانة روسيا علنًا، رغم أن وزير خارجيته “يائير لابيد”، أدان الغزو ووصف بعض ضربات روسيا في أوكرانيا بأنها جريمة حرب.

وبينما صوتت إسرائيل على إدانة الغزو الروسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة وانضمت إلى كتلة الدول التي علقت عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، فإنها لم تحذُ حذو الغرب في فرض عقوبات. وقد رفضت تقديم أي شيء يتجاوز المساعدات الإنسانية لأوكرانيا. وواجهت انتقادات أمريكية على هذا النهج، وعبر “زيلينسكي” عن استيائه من رفض إسرائيل فرض عقوبات أو تقديم أسلحة عندما خاطب الكنيست عبر تطبيق زووم في ٢٠ مارس 2022. كما تبين أن إسرائيل رفضت بيع أوكرانيا برمجيات بيغاسوس للتجسس التي طلبتها في عام ٢٠١٩ خشية أن تستعمل ضد روسيا، وبالتالي تضر علاقة إسرائيل بالكرملين.[50] وبهذا تسعى إسرائيل إلى القيام بدور الوسيط في تسوية الصراع، بحكم علاقاتها القوية بالدولتين؛ لتسليط الأضواء على تسوية هذا الصراع في مقابل تجاهل القضية الفلسطينية وإرجاء تسويتها إلى أجل غير مسمى، ومن ثم “التشويش” عليها، وإسكات الأصوات الحقوقية الداعمة للقضية الفلسطينية، والتي باتت تعقد مقارنات بين الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والغزو الروسي لأوكرانيا، وتطالب بإنفاذ القانون الدولي على إسرائيل مثلما يحدث مع روسيا.[51]  وفي إطار السعي لهذه الوساطة، قام “بينيت” بزيارة موسكو، ومهاتفة الرئيس الأوكراني أيضًا، في مارس 2022، وإن لم تسفر هذه اللقاءات عن نجاحٍ يُذكر[52].

خاتمة:

ربما لن تسفر الحرب الروسية في أوكرانيا عن تغيرات في شبكة التحالفات العالمية، إلا أنها ولا شك تعيد تقييم سياسات قد استقرت الأوضاع عليها منذ مدة طويلة قد تصل إلى أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي. لكن على الجانب الآخر، فإن ما تسببت فيه الحرب حتى لحظة كتابة هذه الأسطر من تأثيرات بالغة على نمو الاقتصاد العالمي وزيادة معدلات التضخم وتهديد سلاسل توريد السلع الأساسية ولا سيما الطاقة، يدفع أغلب الدول إلى مراجعة أولوياتها الاقتصادية والبحث عن بدائل محلية وخارجية لما تعتمد عليه، ما قد يحرك المشهد المحلي للعديد من الدول خاصةً النامية اقتصاديًا وسياسيًا، والتي تعتمد بشكلٍ كبير على استيراد سلع استراتيجية كالقمح (وذلك كمصر، ولبنان، واليمن). وكذلك تقدم تلك الحرب فرصًا لتقوية العلاقات الخليجية -وقد تكون الإيرانية أيضًا- بأوروبا كموردين للطاقة التي تحتاجها القارة؛ كي تكتسب مزيدًا من حرية الحركة في مواجهاتها مع روسيا، رغم الخلافات السياسية.

_____________________________

الهوامش

[1] Ukraine: civilian casualty update 9 June 202 2,The UN Human Rights Monitoring Mission in Ukraine, the Office of the UN High Commissioner for Human Rights, date of access: 09 June 2022. available at: https://bit.ly/3O7UIPR   

[2] رنا آسامة، 100 يوم على الحرب الروسية الأوكرانية في أرقام «رسم بياني» ، رؤية الإخبارية، ٣ يونيو ٢٠٢٢، تاريخ الاطلاع: ٩ يونيو ٢٠٢٢، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3tIB7Od

[3] المرجع السابق.

[4] Dan Bilefsky, Richard Pérez-Peña  and Eric Nagourney, The Roots of the Ukraine War: How the Crisis Developed, the New York Times, 21 April 2022, date of access: 8 june 2022. available at: https://nyti.ms/3xWXaTI

[5] بول كيربي، روسيا وأوكرانيا: ماذا يريد بوتين وهل ستنهي روسيا حربها، بي بي سي نيوز، ٢١ مارس ٢٠٢٢، تاريخ الاطلاع ٢ يونيو ٢٠٢٢، متاح عبر الرابط التالي: https://bbc.in/3xZgQGs

[6] Patrick Donahue and Daryna Krasnolutska، Understanding the Roots of Russia’s War in Ukraine, Bloomberg, 2 March 2022, accessed on: 8 june 2022. available at: https://bloom.bg/3zOyoGC

[7] أسباب الحرب بين روسيا وأوكرانيا .. جذور الصراع وتطوراته، بوابة الأهرام، ٢٤ فبراير ٢٠٢٢، تاريخ الاطلاع: ٢ يونيو ٢٠٢٢، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/j28fr

[8] المرجع السابق.

[9] المرجع السابق.

[10] Jonathan Masters, Why NATO Has Become a Flash Point With Russia in Ukraine, Council on Forign Relations, 20 january 2022, accessed on: 8 june 2022, available at: https://on.cfr.org/3HAwJ9n

[11] Dan Bilefsky, Richard Pérez-Peña and Eric Nagourney, Op. cit.

[12] بول كيربي، مرجع سابق.

[13] Jonathan Masters, Op. cit.

[14]  أسباب الحرب بين روسيا وأوكرانيا .. جذور الصراع وتطوراته، مرجع سابق.

[15] المرجع السابق.

[16] Jonathan Masters, Op. cit.

[17] Patrick Donahue and Daryna Krasnolutska, Op. cit.

[18] روسيا وأوكرانيا: قفزة في أسعار النفط وتراجع حاد في أسواق الأسهم عقب الهجوم الروسي، بي بي سي نيوز، ٢٤ فبراير ٢٠٢٢، تاريخ الاطلاع ١٣ يونيو ٢٠٢٢، متاح عبر هذا الرابط التالي: https://bbc.in/3Quu0SX

[19] “روسيا وأوكرانيا: ما هي العقوبات المفروضة على موسكو؟”، بي بي سي نيوز، ٢٨ فبراير ٢٠٢٢، تاريخ الاطلاع ٢٠ يونيو ٢٠٢٢، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/kerO9

[20] المرجع السابق.

[21] المرجع السابق.

[22] حسين سليمان، العقوبات الاقتصادية على روسيا ومخاطر التصعيد المتبادل، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ١٦ مارس ٢٠٢٢، تاريخ الاطلاع ٢٠ يونيو ٢٠٢٢، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/IWSLM

[23]  ألفريد كامر، وجهاد أزعور، وأبيبيه آمرو سيلاسي، وآخرين، الحرب في أوكرانيا وأصداؤها عبر مختلف مناطق العالم، موقع صندوق النقد الدولي،١٧ مارس ٢٠٢٢، تاريخ الاطلاع: ١١ يونيو ٢٠٢٢. متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3N9yxHW

[24] المرجع السابق.

[25] فريد بلحاج، ضغوط متفاقمة: الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، موقع مدونات البنك الدولي، ٧ مارس ٢٠٢٢، تاريخ الاطلاع: ١١ يونيو ٢٠٢٢، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3xD2RVk

[26]  ألفريد كامر، وجهاد أزعور، وأبيبيه آمرو سيلاسي، وآخرين، مرجع سابق.

[27] Josep Borrell، Russia’s invasion of Ukraine puts the global economy at risk، European Union External Action, 16 May 2022, accessed on: 15 june 2022. available at: https://bit.ly/3mVNdiS

[28] محمود حسين، الخليج والغزو الروسي لأوكرانيا.. “صفقة قذرة” أم حسابات سياسية؟، دويتشه فيله، ١ مارس ٢٠٢، تاريخ الاطلاع  ٢٥ يونيو ٢٠٢٢. متاح عبر هذا الرابط: https://bit.ly/3btb33g

[29] عمرو شوبكي، الاتحاد الأوروبي والحرب في أوكرانيا، مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، ١٦ مارس ٢٠٢٢، تاريخ الاطلاع ١٦ يونيو ٢٠٢٢، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/Z7cYL

[30] المرجع السابق.

[31]  جوزيب بوريل، وجهات نظر مختلفة حول حرب العدوان الروسية وتعزيز شراكتنا مع الخليج، مدونة الاتحاد الأوروبي الشئون الخارجية، ٣١ مارس ٢٠٢٢، تاريخ الاطلاع ٢٥ يونيو ٢٠٢٢. متاح عبر هذا الرابط: https://bit.ly/3NjRpUn

[32] الاتحاد الأوروبي أمام مفترق طرق بسبب الحرب الأوكرانية، الشرق الأوسط، ٧ مايو ٢٠٢٢، تاريخ الاطلاع ١٦ يونيو ٢٠٢٢، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3xAUyth

[33] عمرو شوبكي، مرجع سابق.

[34]  الاتحاد الأوروبي أمام مفترق طرق بسبب الحرب الأوكرانية، مرجع سابق.

[35] كاتيا أدلر، روسيا وأوكرانيا: الحرب التي ضربت توازن القوى في أوروبا، بي بي سي نيوز، ١٠ مايو ٢٠٢٢، تاريخ الاطلاع ١٧ يونيو ٢٠٢٢. متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/2wIfe

[36] المرجع السابق.

[37] الاتحاد الأوروبي أمام مفترق طرق بسبب الحرب الأوكرانية، مرجع سابق.

[38] Ray Takeyh، The Ukraine Crisis Could Sideline the Iran Nuclear Deal، Council on Forign Relations, published on: 14 March 2022, accessed on: 15 june 2022, available at: https://on.cfr.org/3bekm7a

[39] باريس: مشروع الاتفاق حول النووي الإيراني “لن يظل للأبد على الطاولة”، فرانس ٢٤،  ٢٦ مايو ٢٠٢٢، تاريخ الاطلاع ١٥ يونيو ٢٠٢٢، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/39uH5ve

[40] عمرو حمزاوي وكريم سجادبور وآخرون، ما تعنيه الحرب الروسية في أوكرانيا لمنطقة الشرق الأوسط، مركز مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط، ١ إبريل ٢٠٢٢، تاريخ الاطلاع ٢ يونيو ٢٠٢٢. متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3O4WJw9

[41] محمد المنشاوي، وسط تصلب طهران وانشغال واشنطن.. كيف أثرت حرب أوكرانيا على مفاوضات إحياء النووي الإيراني؟، الجزيرة نت، ١٣ يونيو ٢٠٢٢، تاريخ الاطلاع ١٥ يونيو ٢٠٢٢. متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/39AIHDC

[42] Ray Takeyh، Op. cit.

[43] جوست هيلترمان وأخرين، أثر الغزو الروسي لأوكرانيا على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مجموعة الأزمات الدولية، ١٤ إبريل ٢٠٢٢، تاريخ الاطلاع ١٧ يونيو ٢٠٢٢. متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3zF2CMi

[44] المرجع السابق.

[45] المرجع السابق.

[46] عمرو حمزاوي وكريم سجادبور وأخرون، ما تعنيه الحرب الروسية في أوكرانيا لمنطقة الشرق الأوسط، مرجع سابق.

[47] محمود حسين، مرجع سابق.

[48] المرجع السابق.

[49] المرجع السابق.

[50] جوست هيلترمان، وأخرين، مرجع سابق.

[51] شيماء منير، كيف تنعكس الحرب الروسية – الأوكرانية على القضية الفلسطينية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ١٦ مارس ٢٠٢٢، تاريخ الاطلاع ١٧ يونيو ٢٠٢٢. متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/euLVW

[52] بنيت: إسرائيل ستواصل مساعي الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، الشرق الأوسط، ٦ مارس ٢٠٢٢، تاريخ الاطلاع ٢٥ يونيو ٢٠٢٢. متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3QGP74R

فصلية قضايا ونظرات -العدد السادس والعشرون ـ يوليو 2022

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى