العلاقات بين الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية

مقدمة:

تُمثل القارة اللاتينية مادة بحثية مهمة وثرية؛ نظرًا لتنوع تجاربها وتعدد المحطات التي مرت بها دولها في ظل التغيرات العالمية وانعكاساتها عليها. وانطلاقًا من هذا الثراء البحثي تنبع أهمية الوقوف على علاقة دول أمريكا اللاتينية بالولايات المتحدة؛ باعتبار ما لها من أهمية محورية مؤثرة في تشكيل توجهات دول القارة نظرًا لكونها علاقة تاريخية تنطلق من فرضية أن القارة اللاتينية بمثابة منطقة نفوذ وهيمنة تقليدية وفناء خلفي للولايات المتحدة.

في هذا الإطار، نعرض لمجموعة من الدراسات العربية التي أُجريت حول هذه العلاقة وتطرقت إلى أبعادها المختلفة والتغيرات التي مرت بها في ظل التطورات على الصعيدين الأمريكي واللاتيني، وذلك للاستفادة من هذا التراكم التاريخي للخبرة السياسية لتلك المنطقة التي بدورها تمثل دروسًا لعالمنا العربي والإسلامي.

  • عودة نفوذ الولايات المتحدة إلى امريكا اللاتينية: الفرص، والتحديات[1]

تقوم هذه الدراسة بتسليط الضوء على إمكانية استرداد الولايات المتحدة هيمنتها على أمريكا اللاتينية، وذلك في ظل سعي أطراف دولية أخرى لتقليص دورها في القارة اللاتينية، ويأتي ذلك في سياق مناقشة الدراسة أثر تغير الحكومات على الجانبين -خاصةً الأمريكي- على دور الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية.

وتقف الدراسة بشكلٍ محوري حول تبيان ما آلت إليه هيمنة الولايات المتحدة في القارة وما طرأ عليها من تآكل، وهنا تنبثق عدة أسئلة فرعية أبرزها: ما القضايا الحاكمة للعلاقات بين الولايات المتحدة ودول أمريكا اللاتينية؟ وهل حدث فعلا اضمحلال للنفوذ الأمريكي في القارة؟ ثم تنتقل الدراسة إلى تبيان ماهية الخطوات التي يجب أن تتخذها الولايات المتحدة لاسترداد ذلك النفوذ، وأخيرًا مستقبل الهيمنة الأمريكية في ظل وجود قادة ثوريين بالقارة اللاتينية.

وتأتي هذه الدراسة في سياق زمني يمتد من عام 2000 إلى عام 2016، وهي فترة شهدت تعاقب إدارات مختلفة -سواء في الولايات المتحدة أو في دول أمريكا اللاتينية- من حيث التوجه والسياسات: فقد شهدت وصول تشافيز إلى السلطة في فنزويلا والتحول في موقفه تجاه الولايات المتحدة مما تبعه تغيرات في سياسة الولايات المتحدة تجاه فنزويلا والعديد من دول القارة، كما تعاقبت إدارات أمريكية مختلفة في هذه الفترة أيضا اختلفت سياساتها وتوجهاتها.

وبشأن الإطار التحليلي للدراسة، فهو يتحدد بعدة مفاهيم تتمثل بالأساس في: الهيمنة، التبعية، الدول الصغرى، الدول الثورية.

كما اعتمدت الدراسة منهجين بحثيين، أولا المنهج الوصفي لرصد الهيمنة الأمريكية على قارة أمريكا اللاتينية، عبر إدارات مختلفة ورؤساء مختلفين، ثم استخدمت المنهج المقارن لعقد مقارنات بين هذه الإدارات والرؤساء المختلفين من حيث السياسات والتوجهات التي تبنوها تجاه القارة اللاتينية.

وتنقسم الدراسة بناءً على هذا إلى مقدمة وخمسة أجزاء، على النحو التالي:

أولا- الهيمنة الأمريكية على شؤون القارة اللاتينية: ويتضمن هذا الجزء الحديث عن المبادئ والأدوات التي اعتمدت عليها الولايات المتحدة للهيمنة على القارة لفرض مصالحها، ومنها: مبدأ مونرو، ومبدأ حسن الجوار، والدعوة إلى نظام اقتصادي يعتمد الليبرالية الجديدة، هذا بالإضافة إلى استخدام المنظمات الدولية في تعزيز نفوذها في القارة اللاتينية.

ثانيًا- السخط على الهيمنة الأمريكية: تتناول الدراسة سمات الهيمنة الأمريكية وكيف أثارت سخط الكثير من دول أمريكا اللاتينية؛ نظرا لتداعياتها السلبية. فعلى سبيل المثال، أدى تطبيق النظام الاقتصادي الحر في بعض دول أمريكا اللاتينية إلى زيادة معدلات الفقر مما خلق استقطابًا اجتماعيًا أصبح يهدد المجتمعات اللاتينية. أيضًا استخدام القوة العسكرية للتهديد والتدخل لتوجيه سياسات دول أمريكا اللاتينية، وغير ذلك من ممارسات سياسية وإعلامية استخدمتها الولايات المتحدة لتشكيل مواقف وسياسات هذه الدول وفقًا لمصالحها.

ثالثًا- تقييم العلاقات الأمريكية اللاتينية: لم تكن علاقات الولايات المتحدة بدول القارة تسير على وتيرة واحدة، فهناك النمط التعاوني الذي ساد أغلب دول القارة، والنمط الصراعي كالعلاقات مع كوبا وفنزويلا. وقد يختلف نمط العلاقة مع نفس الدولة بتغير الإدارة الحاكمة، كأن تأخذ شكل تعاوني في ظل الحزب الديمقراطي وصراعي في ظل الحزب الجمهوري، وإن كان بعض المحللين يرى أن سياسة أوباما مثلا لا تختلف عن سابقه، وأن الفرق يتمثل فقط في الخطاب الديمقراطي التصالحي. أيضًا على الجانب اللاتيني نجد أن وصول تشافيز إلى السلطة في فنزويلا كان له أثره؛ حيث التحول عن السياسات الليبرالية المتقاربة مع واشنطن.

ذلك بالإضافة إلى إشارة الدراسة إلى عدم تكافؤ العلاقة بين الطرفين، فضلا عن المواقف المتناقضة للولايات المتحدة في التعامل مع أمريكا اللاتينية، فعلى سبيل المثال لم تستطع الولايات المتحدة أن تنفي عن نفسها تهمة تدبير الانقلابات العسكرية رغم تناقض ذلك مع التوجه الديمقراطي الذي تُروج له.

رابعًا- مظاهر تآكل الهيمنة الأمريكية في القارة: والتي شملت تراجع المبادئ التي اعتمدت عليها واشنطن للهيمنة، بالإضافة إلى بعض المظاهر الأخرى المتعلقة بالمقاومة سواء في القارة اللاتينية أو تمكن القوى اللاتينية من تكوين جماعات ضغط داخل الولايات المتحدة ذاتها، كذلك توظيف نظرية الدومينو لصالح الشعوب اللاتينية بواسطة القادة اليساريين.

 خامسًا- فرص استرداد الولايات المتحدة للهيمنة على أمريكا اللاتينية: ومنها استغلال عدم قدرة دول أمريكا اللاتينية أن تستقر سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا إلى وقتنا الحاضر. ولكن الدراسة أشارت في الوقت نفسه إلى أن التوترات الأمريكية بدول القارة لا تعكس فشل بقدر ما تعكس جمود السياسة الأمريكية، وهو ما يتطلب التغيير.

وتنتهي الدراسة بخاتمة متضمنة لمجموعة من للتوصيات المتعلقة بضرورة الحفاظ على الديمقراطية، ودعم الحوار بين كلٍ من الولايات المتحدة ودول أمريكا اللاتينية.

  • الهيمنة الأمريكية تناقضات نظرية وإشكالية إمبريقية: دراسة حالة الهيمنة الأمريكية على دول أمريكا اللاتينية[2]

يتمثل الإطار التحليلي لهذه الدراسة في: اختبار مفهوم الهيمنة وما يرتبط به من جدليات وخاصةً نظرية الاستقرار المهيمن، حيث تقوم الدراسة على محاولة معرفة الجدوى النظرية والتحليلية لهذا المفهوم وللنظرية معًا. ومن هنا، تستدعي الدراسة الهيمنة الأمريكية على دول أمريكا اللاتينية كنموذج، في محاولة للتعرف على طبيعة هذه الهيمنة، وما إذا كانت الولايات المتحدة تمتلك حقًا هيمنة على دول أمريكا اللاتينية، ومدى تفاوتها على المدار الزمني وهل تراجعت في الوقت الحالي، وأخيرًا تحاول الدراسة الإجابة عن سؤال إمكانية استبدال مفهوم الهيمنة بمفاهيم أخرى.

على الجانب النظري، حللت الدراسة معضلات نظرية الهيمنة، خاصةً ما يتصل بمعضلة فكرة دورات الهيمنة التي تُعتبر فكرة رئيسية في إطار نظرية الاستقرار المهيمن، ثم حللت التناقضات في إطار جدلية الارتباط بين الهيمنة وكل من التجارة الحرة وتقديم الخدمات العامة.

على الجانب التطبيقي، تنتقل الدراسة للتطبيق على نموذج الهيمنة الأمريكية على دول أمريكا اللاتينية من خلال تحليل هذه الهيمنة عبر ثلاث استراتيجيات تبنتهم الولايات المتحدة في القارة اللاتينية:

 الاستراتيجية الأولى: الإجبار لجلب مشاركة دول أمريكا اللاتينية في تقديم الخدمات العامة، والمقصود بها قدرة الولايات المتحدة على تغيير الأنظمة الحاكمة في دول أمريكا اللاتينية على النحو الذي يعني تقديم خدمات عامة تتمثل في الحفاظ على أنظمة تحقق مصالح الولايات المتحدة. ومن خلال استقراء الدراسة لتبني الولايات المتحدة هذه الاستراتيجية بأدواتٍ مختلفة -تتباين بين الأدوات الصلبة متمثلة في التدخل العسكري المباشر لتحقيق ما تريد، أو الأدوات الأكثر نعومة ودبلوماسية لتحقيق نفس الهدف- تصل الدراسة إلى أن الإجبار كاستراتيجية للهيمنة الأمريكية قد تراجع، ويظهر ذلك في عدم قدرة الولايات المتحدة على تغيير بعض الأنظمة غير الموالية لها مثل حكم مادورو في فنزويلا.

الاستراتيجية الثانية: وهي استراتيجية المشاركة أو إظهار المشاركة في مكاسب وفوائد نظام الهيمنة، وهي استراتيجية قائمة على تحقيق الولايات المتحدة الهيمنة على دول أمريكا اللاتينية من خلال ما تقدمه لهم من خدمات ومساعدات وحلول لمشكلاتهم.

ورغم وجود مكاسب تمتعت بها بعض دول أمريكا اللاتينية من وراء هذه الاستراتيجية، إلا أن الدراسة تشير إلى أن الهيمنة الأمريكية على القارة اللاتينية –باعتماد هذه الاستراتيجية- قد تراجعت نتيجة توجه عدد من دول أمريكا اللاتينية نحو الحكم اليساري منذ بداية الألفية. وعلى الرغم من تراجع هذه الموجة اليسارية منذ 2015 واقتراب الدول نحو اليمين، إلا أن اقتراب دول أمريكا اللاتينية نحو اليمين لم يغير شيءً من تراجع الهيمنة الأمريكية؛ حيث إن دافع الدول في هذا التوجه نابعًا بالأساس من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يعانون منها ولا علاقة له باستراتيجية إظهار المكاسب التي كانت قائمة بين الولايات المتحدة ودول أمريكا اللاتينية في فترة التسعينيات.

الاستراتيجية الثالثة: والمتمثلة في تراجع الولايات المتحدة عن تقديم بعض الخدمات والمساعدات لدول أمريكا اللاتينية؛ نظرا لزيادة تكلفتها عن المكاسب المتحققة منها وخاصةً الخدمات الأمنية. وهنا تشير الدراسة أنه على الرغم من هذا التراجع، إلا أن النفوذ الأمريكي لا يزال حاضرًا في دول أمريكا اللاتينية لاسيما على الصعيد الاقتصادي.

وبهذا التحليل تصل الدراسة إلى مجموعة من الاستنتاجات تؤكد قصور الجوانب التحليلية لنظرية الهيمنة ومقولاتها، وأن نظرية الاستقرار المهيمن تحتاج إلى إعادة صياغة في بعض جوانبها لتصبح أكثر واقعية وأن تجاوز قصورها يكون من خلال دراسة استراتيجيات محددة لها. هذا مع الأخذ في الاعتبار أن دراسة الهيمنة الأمريكية في تطاق جغرافي معين تحمل العديد من المؤشرات المتناقضة حول مدى تراجع أو بقاء الهيمنة.

  • الولايات المتحدة ودول أمريكا اللاتينية: مراجعات استراتيجية[3]

يتمثل المنطلق الأساسي للدراسة في أن أمريكا اللاتينية تُعد بالنسبة للولايات المتحدة منطقة نفوذ تقليدية، وهذا ما يعبر عنه البعض بأن سياسة الولايات المتحدة إزاء أمريكا اللاتينية تتمثل في سياسة اللاسياسة. ولكن التطورات التي تمثلت في التوجه الإقليمي لليسار في القارة، وما يفرضه من طبيعة جديدة للعلاقات مع الولايات المتحدة سياسيًا واقتصاديًا، فضلا عن تعاظم النفوذ الصيني في القارة، يطرح تساؤلات حول تغيير الولايات المتحدة لسياستها ومراجعة استراتيجيتها نحو القارة اللاتينية.

ومن ثم تحاول الدراسة الإجابة عن هذه التساؤلات من خلال المحاور الآتية:

أولا- أبعاد سياسة الولايات المتحدة تجاه دول أمريكا اللاتينية: وفي هذا الجزء تتناول الدراسة الأبعاد الأساسية التي تحكم سياسة الولايات المتحدة في المنطقة، والتي تدور حول ثلاثة أبعاد رئيسية (الاقتصادي – الأمني- السياسي). وهناك من الدول اللاتينية من يجد نفسه بحاجة إلى تلك السياسات الأمريكية للدعم، ومن يرفضها مثل فنزويلا والبرازيل خلال حكم لولا داسلفا.

ثانيًا- تأثير الحكومات اليسارية على العلاقات اللاتينية بالولايات المتحدة: حيث تحاول الدراسة هنا أن تقف على ما يفسر صعود هذا التوجه اليساري في القارة، وأثر ذلك على توجه الولايات المتحدة نحوها والتي عملت على دعم الأنظمة الموالية لها ودعم الحركات الانقلابية في الدول التي يحكمها أنظمة معادية كفنزويلا.

ثالثًا- تعاظم الدور الصيني بالقارة وأثره على الهيمنة الأمريكية بها: حيث يرى البعض أن هذا الصعود يمثل تهديدًا لهذه الهيمنة الأمريكية، والبعض الآخر يرى أن مصالح الصين في القارة اقتصادية بالأساس، ومن ثم فهي غير مؤثرة بشكلٍ كبير على العلاقات الأمريكية – اللاتينية.

من هنا ترى الدراسة أن أقصي ما يمكن أن يُوصف به الدور الصيني في القارة أنه أشبه بالحرب الباردة بين الصين وبين الولايات المتحدة.

 وختاما تعمل الدراسة على تقييم الموقف الاستراتيجي للولايات المتحدة تجاه دول أمريكا اللاتينية، وفي هذا الإطار تُقدم بعضًا من التوصيات في هذا الشأن، والتي تتعلق بالآتي: ضرورة تخلي الولايات المتحدة عن الأحادية في التعامل مع المنطقة واعتماد مبدأ التشاور والحوار بدلا من ذلك، استيعاب التطورات التي تجري في بعض دول القارة اللاتينية والتعامل بمعايير وأسس جديدة تتناسب مع تلك التغيرات. كما أوصت الدراسة بأن تسعى الولايات المتحدة لمزيد من التحالفات الاقتصادية، والاعتماد على الأدوات الدبلوماسية الشعبية لتأسيس حوار مجتمعي غير رسمي، هذا فضلا عن ضرورة مناقشة التحديات الأمنية المحيطة بالقارتين وصولا إلى أرضية مشتركة لبناء استراتيجية أمنية للمنطقة.

  • فنزويلا وحروب الخنق الأمريكية: السيطرة على الكاريبي والدخول إلى أمريكا اللاتينية[4]

تدور هذه الدراسة حول العداء الذي تضمره الولايات المتحدة لفنزويلا، والذي يتجلى في محاولاتها المتكررة لقلب نظام الحكم البوليفاري فيها والذي وصل إلى السلطة مع انتخاب هوجو تشافيز رئيسًا للبلاد عام 1999، ثم انتخاب نيكولاس مادورو خلفًا له بعد وفاته في عام 2013.

ويتمثل المنطلق الأساسي للدراسة في أن العداء الأمريكي لفنزويلا ناجم عن كونها تمثل تحديًا لواشنطن نظرًا لهيمنتها على منطقة الكاريبي التي يعتبرها المحللون الجيوسياسيون الأميركيون المفتاح الرئيسي لتأمين تواصل سهل بين الضفة الشرقية للولايات المتحدة والضفة الغربية، هذا بالإضافة إلى أن هذه المنطقة تمثل المفتاح الرئيس لانطلاقة الولايات المتحدة كقوة بحرية نتيجة وقوعها على الطريق البحري الموصل بين شمال المحيط الأطلسي وجنوبه وكذلك المحيط الأطلسي والمحيط الهادي عبر قناة بنما.

تتضمن الدراسة مجموعة من المحاور يمكن إيجازها في الآتي:

أولا- بعض من الخلفيات التاريخية الهامة: وذلك من خلال الوقوف على فترة ما بعد استقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا وبداية ما يُعرف بعقيدة “مونرو” وتطورات السياق الزمني حينها. هذا مع الإشارة بشكلٍ خاص إلى أهمية فنزويلا التاريخية؛ إذ كانت مدخل الإمبريالية البريطانية إلى أمريكا اللاتينية.

ثانيًا- دوافع وآليات هيمنة الولايات المتحدة على منطقة الكاريبي: والوقوف على أهمية فنزويلا الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة سواء من حيث موقعها أو من حيث ثرائها وغناها بالنفط، وهنا تسلط الدراسة الضوء على فترة حكم تشافيز الذي كانت الولايات المتحدة من ألد أعدائه نظرًا لمعاداته عزو العراق ووقوفه بجانب حركات التحرر في العالم ومنها ما يتصل بالقضية الفلسطينية، فضلا عن محاولاته التوزيع العادل للثروة داخل فنزويلا. وقد حاولت الولايات المتحدة الانقلاب عليه مرارًا ففشلت في ذلك بفضل الجيش الفنزويلي.

ثالثًا- محاولات كسر الهيمنة الأمريكية: حيث قد تزامن صعود تشافيز مع صعود الصين وروسيا وإيران كقوى تتحدى الهيمنة الأمريكية، وهنا تتناول الدراسة تحدي فنزويلا ومجموعة من دول أمريكا اللاتينية بالتعاون مع الصين وروسيا في كسر الهيمنة الأمريكية، وذلك في ظل تشافيز ومن بعده مادورو وتعرضه للضغوط من قبل الولايات المتحدة.

وأخيرًا تأتي الدراسة بمجهودات واشنطن لتطويع البلدان المتمردة على هيمنتها في أمريكا اللاتينية، مثل كوبا وبوليفيا ونيكاراجوا.

  • الدور الأمريكي في أمريكا اللاتينية خلال جائحة كورونا[5]

يتناول هذا المقال دور الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية خلال جائحة كورونا، حيث يتطرق المقال إلى الدور من خلال الأبعاد الآتية:

اقتصاديًا، يُشير المقال إلى أن انخفاض معدل السياحة من الولايات المتحدة إلى دول أمريكا اللاتينية بسبب الجائحة تسبب في زيادة معدل الديون وضعف التجارة والاستثمار في هذه الدول، وبالتبعية انخفاض النشاط مع الولايات المتحدة باعتبار أنها شريكها التجاري الرئيسي ومصدر التحويلات المالية الخارجية.

على الصعيد العسكري والسياسي، يتناول المقال استغلال الولايات المتحدة انشغال دول أمريكا اللاتينية في مكافحة الجائحة وقيامها بالترتيب لأكبر عملية عسكرية منذ ثلاثين سنة تحت بند القضاء على إرهاب المخدرات الفنزويلي؛ مما كان له انعكاسات سياسية تمثلت في القول بأن هذه الخطوة من قبل الولايات المتحدة كانت في الحقيقة تستهدف الضغط على الحكومة الفنزويلية بقيادة مادورو.

وعلى الناحية الصحية، أشار المقال إلى قلة المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة لدول أمريكا اللاتينية أثناء الجائحة، باستثناء بعض الدول كالبرازيل وكولومبيا.

خاتمة:

بناءً على ما سبق طرحه من دراسات تتعلق بالعلاقات بين أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة، يتبين أنها تدور حول مجموعة من المحاور ابتداءً بكون أمريكا اللاتينية منطقة نفوذ للولايات المتحدة وبالأخص منذ مبدأ مونرو. وانطلاقًا من هذه الفكرة تأتي معظم الدراسات لتشير إلى التحديات التي تُهدد هذا النفوذ التقليدي للولايات المتحدة، وتتعلق مصادر هذا التهديد بشكلٍ كبير بصعود الصين وروسيا بالإضافة إلى إيران وزيادة تقاربهم وتعزيز علاقاتهم مع دول امريكا اللاتينية، لاسيما في ظل صعود القوى اليسارية في أكثر من دولة من دول القارة.

على صعيدٍ آخر، تعمل الولايات المتحدة على تغيير أساليب تعاملها مع دول أمريكا اللاتينية استجابةً لهذه التحديات، وفي هذا السياق تغير السياسة الخارجية الأمريكية أدوات الهيمنة المستخدمة لتنتقل من الأدوات الصلبة إلى أدوات أكثر نعومة.

ولهذا -بالطبع- تداعياته على عالمنا العربي والإسلامي الذي يتعين عليه الاستفادة على المستوى النظري والعملي من علاقة الولايات المتحدة بدول أمريكا اللاتينية، وما تحويه من تجارب ودروس تزداد بها معرفة محددات السياسة الخارجية الأمريكية وحقيقة دوافعها والأدوات والآليات التي تتبناها لفرض هيمنتها والتي تتباين حسب ما يقتضيه الواقع وسياقاته.

فضلا عن ذلك، تدل الدراسات في مجموعها إلى أن العالم يشهد تغيرات تمس الهيمنة الأمريكية العالمية حتى في المنطقة التي تعد فناءً خلفيًا لها، مما يُشير إلى أن القطب الأمريكي تهتز زعامته العالمية، ولهذا الاهتزاز تداعياته المختلفة على العالم أجمع وعلى عالمنا العربي والإسلامي بشكلٍ خاص، باعتبار أنه يخضع أيضًا للهيمنة الأمريكية بشكلٍ أو بآخر. وقد رأينا في الآونة الأخيرة تغير في هذا الإطار من قبل دول عربية وإسلامية تجمعها علاقات تحالف قديمة بالولايات المتحدة، حيث بدأت تشهد هذه التحالفات بعض التغيرات النسبية وبدأت بعض الدول تتجه نحو الصين وروسيا وتوطد علاقاتها بهما، ولعل العلاقات السعودية -الأمريكية مثالا حيًا على ذلك[6].

ومن هنا نستطيع القول إنه في سياق اهتزاز الأحادية القطبية العالمية وصعود أقطاب أخرى، يتغير مستقبل عالمنا العربي والإسلامي ربما باتجاه فتح آفاق وفرص جديدة تجعله يتجه صوب استعادة مكانته العالمية وتعزيز وجوده السياسي والحضاري.

 

فصلية قضايا ونظرات – العدد الثامن والعشرون – يناير 2023

___________________

الهوامش 

[1] محمد شاكر محمد حسين، ﻋﻮﺩﺓ ﻧﻔﻮﺫ ﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﺮﻳﻜﺎ ﺍﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ: ﺍﻟﻔﺮﺹ والتحديات، المجلة ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ، جامعة أسيوط: ﻛﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ، عدد60، يونيو 2016.

[2] مروة حامد البدري، الهيمنة الأمريكية تناقضات نظرية وإشكالية إمبريقية: دراسة حالة الهيمنة الأمريكية على دول أمريكا اللاتينية، المجلة العربية للعلوم السياسية، مجلد17، عدد2، 2020.

[3]إنجي مهدي، الولايات المتحدة ودول أمريكا اللاتينية: مراجعات إستراتيجية، آفاق سياسية، عدد4، أبريل 2014.

[4] جمال واكيم، فنزويلا وحروب الخنق الأمريكية: السيطرة على الكاريبي والدخول إلى أمريكا اللاتينية، المستقبل العربي، المجلد42، العدد493، مارس 2020.

[5] شريف الرفاعي، الدور الأمريكي في أمريكا اللاتينية خلال جائحة كورونا، آفاق سياسية، العدد58، يونيو2020.

[6] سالم الكتبي، العلاقات السعودية-الأمريكية: هل ينهار التحالف التاريخي، إيلاف، 21 أكتوبر 2022، متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/3OLL9Y5

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى