التحولات الداخلية في تركيا وانعكاساتها الإقليمية والدولية

مقدمة:

تعتبر تركيا إحدى القوى الإقليمية الرئيسية الواقعة في منطقة جنوب شرق أوربا وشمال غرب آسيا، غير أن قيامها بدور القوة الإقليمية الكبرى في تلك المنطقة لم يتيسر لها في معظم فترات تاريخها المعاصر. وإذا كان من الصحيح أن أهميتها الجيوستراتيجية، ومواردها البشرية والطبيعية قد وفرت لها إمكانيات القيام بهذا الدور إلا أن الضغوط الخارجية –الدولية والإقليمية- والصراعات الفكرية والسياسية الداخلية، وكذا الانقسامات العرقية والثقافية في المجتمع التركي كثيرًا ما أعاقتها عن أداء دورها الإقليمي “كقوة كبرى”، وكثيرًا أيضًا ما جعلتها موضوعًا للعلاقات الدولية بدلاً من أن تكون فاعلاً نشطًا في بناء وتسيير تلك العلاقات.

لقد مرت الدول التركية المعاصرة بمراحل متلاحقة من التغيرات الاجتماعية والسياسية والثقافية، وهذه “التغيرات” شكلت –في مجملها-الملامح الرئيسية لشخصية “الجمهورية العلمانية” منذ إعلانها على يد كمال أتاتورك عقب إلغاء الخلافة العثمانية في سنة 1924 إلى هذه السنوات الأخيرة من القرن العشرين وبالرغم من أن السياسات العلمانية التي طبقتها الحكومات المتعاقبة –منذ أتاتورك- قد استهدفت طمس المعالم الإسلامية من “الدولة التركية الحديثة” إلا أنها فشلت جميعها في تحقيق هذا الهدف إذ بقيت الفكرة الإسلامية متوقدة –تحت رماد العلمنة- عقديًا وثقافيًا واجتماعيًا لدى قطاعات عريضة من المجتمع، وعبرت عن نفسها كلما سنحت لها الفرصة، حتى تبلورت شيئًا فشيئًا في أطر مؤسسية  تربوية، واجتماعية، واقتصادية، وسياسية أضحت تشكل –في مجموعها- أحد أبرز ملامح الحياة السياسية التركية على المستوى الداخلي، وعلى المستوى الخارجي، وبخاصة عندما استطاع حزب الوفاه الإسلامي أن يشكل الحكومة ويرأسها –بالتحالف مع حزب الطريق القويم- في منتصف سنة 1996.

وفي تقديرنا أن وصول التيار الإسلامي إلى السلطة بقيادة حزب الرفاه كان عاملاً منشطًا للسياسة التركية على المستويين الداخلي والخارجي، كما كان مؤثرًا على تحركها كقوة إقليمية كبرى تمد بصرها منذ بداية التسعينيات بصورة متزايدة إلى بقية شعوب العالم التركي في الجمهوريات الإسلامية المستقلة –عن الاتحاد السوفيتي سابقًا- وجنوبًا نحو العالم العربي، وشرقًا نحو بقية العالم الإسلامي. ومنذ ذلك الحين تمر تركيا بمرحلة من “التحولات السياسية” السريعة؛ التي لم تتضح وجهتها النهائية بعد، بيد أن أهم ملامح هذه التحولات تتمثل في حالة عدم الاستقرار السياسي من جهة، واحتدام الصراع الفكري والثقافي الإسلامي-العلماني من جهة ثانية، وتزايد الضغوط الخارجية من جهة ثالثة في وقت تتنازع توجه السياسة الخارجية دوائر ثلاثة: آسيا الوسطى والقوقاز، المنطقة العربية، أوروبا.

إن المحور الأساسي لهذا التقرير هو رصد تلك التحولات السياسية التي أشرنا إليها، بما لها من خلفيات ثقافية واجتماعية، وبما لها من انعكاسات إقليمية ودولية والتي تقودنا إلى حداث 1988 بعد سقوط حكومة أربكان فإن السنوات الثلاثة منذ انتخابات ديسمبر 1995 وحتى نهاية 1998 (سقوط حكومة يلماظ) تعد وحدة تحليل ممتدة وتساعد متابعة التطورات عبرها على اختبار إشكالية التفاعل بين المستويات الرئيسية التي يتمحور حولها الصراع السياسي في تركيا وهذا في مرحلة هامة وانتقالية من هذا الصراع نظرًا للدلالات التي قدمتها أحداث صعود الرفاه ثم إبعاده ثم حظره خلال هذه المرحلة.

ومن ثم سيبدأ التقرير بتمهيد عن خريطة القوى السياسية والفكرية التركية يعقبه قسمان: الأول يتناول التطورات السياسية التي أدت إلى وصول حزب الرفاه إلى السلطة ثم خروجه منها بل وحظره ومن ثم التطورات اللاحقة في ظل حكومة يلماظ ويهتم القسم الثاني بالتوجهات الجديدة في السياسة الخارجية التركية في ظل الرفاه ومن بعده أيضًا.

تمهيد: خريطة التيارات الفكرية والقوى السياسية:

كان المجتمع التركي من أوائل المجتمعات الإسلامية التي ظهر فيها الانقسام الفكري والثقافي ومن ثم “الصراع” بين اتجاهين رئيسيين أحدهما “إسلامي” ويضم عددًا من التيارات الفرعية والفاعليات الفكرية والمؤسسية، وثانيهما “علماني تغريبي”، ويضم هو الأخر عددًا من التيارات الفرعية والفاعليات الفكرية والمؤسسية.

وترجع جذور هذا الانقسام إلى أوائل القرن التاسع عشر –على أثر الاحتكاك بالغرب- في ظل ما عرف بحركة التنظيمات في عهد السلطان محمود الثاني. فمنذ ذلك الحين أخذت الهوة بين الاتجاهين تتعمق، وأخذ الصراع بينهما يتصاعد ويمتد – مع بدايات القرن العشرين بصفة خاصة- ليغطي مساحات واسعة من القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية؛ على نحو مماثل –تقريبًا- لما حدث في مصر، التي تزامن ظهور “الانقسام الفكري” فيها مع ظهوره في تركيا، بل وتشابه معه إلى حد كبير في قضاياه العامة وأن كانت تفاصيل تلك القضايا ووقائعها مختلفة في الحالتين ومن الجذور الأولى للانقسام الفكري والثقافي إلى المشهد الراهن لخريطة التيارات الفكرية والقوى السياسية والحزبية في تركيا، يبدو “التنازع” بين تلك التيارات والقوى حقيقة واقعة ومستمرة منذ ما يقرب من قرنين. أو قرن ونصف على الأقل ويهمنا هنا بيان أقسام النخبة الثقافية والتعرف على أهم مكونات الخريطة السياسية والحزبية الراهنة.

 

 

1– الاتجاه الإسلامي: جماعاته وأحزابه:

ما يطلق عليه “الاتجاه الإسلامي” في تركيا يتمثل في عدد من لجماعات والجمعيات والأحزاب السياسية التي تشكل –في مجموعها- الحالة الإسلامية الراهنة هناك وأهمها –على الإطلاق- جماعات الطرق الصوفية وجماعة النورسي، وحزب الفضيلة (الرفاه سابقًا).

بالنسبة للطرق الصوفية نجد أن وجودها قديم في تركيا، وما زالت واسعة الانتشار وتحظى بتأييد قطاعات عريضة من المجتمع التركي ومن أشهرها –وأكبرها- الطريقة النقشبندية، و”جماعات النورجو” المتفرعة عن النقشبندية، وهي تفضل أن تسمى نفسها باسم “الجماعة” عوضًا عن “الطريقة” وهناك أيضًا جماعة السليمانية، وجماعة إسكندر باشا وغيرها ومثل هذه الطرق والجماعات رفضت –دومًا” منح تأييدها السياسي لحزب الرفاه الإسلامي سابقًا –والفضيلة حاليًا- وتعتبر تلك الطرق والجماعات أن هدفها الأساسي هو أن تعيش وفقًا لمبادئ وأحكام الإسلام دون الانخراط في العمل السياسي بشكل مباشر، ولديها أساليبها ووسائلها الخاصة التي تتسم بطابع تقليدي قديم يباعد بينها وبين الحركة الإسلامية العاملة بالسياسة ومع ذلك يلاحظ أن هيمنة الطرق الصوفية على اتباعها سياسيًا قد تدهور، وأخذت قواعدها –في المناطق الريفية بصفة خاصة- تتجه لتأييد حزب الرفاه ومرشحيه كما حدث مثلاً في آخر انتخابات عامة أجربت في سنة 1995([1]).

وأما بالنسبة لجماعة النورسي فهي تضم أتباع المصلح لتركي سعيد النورسي، الذي جاهد لسنوات طويلة من أجل تثبيت العقيدة الإسلامية في المجتمع التركي في مواجهة الاجتياح العلماني الذي تعرض له منذ إلغاء الخلافة العثمانية على يد كمال أتاتورك ولهذه الجماعة أتباع كثيرون تتم تنشئتهم –فكريًا- على “رسائل النور”، وهي من مؤلفات الشيخ سعيد النورسي، وتتضمن أفكاره ورؤاه الإصلاحية التي نادى بها ودعا إليها.

وبالرغم من أن جماعة النورسي هي إحدى الجماعات التي يتكون منها الاتجاه الإسلامي في تركيا بصفة عامة، وبالرغم من أنها لا تعمل بالسياسة بشكل مباشر، إلا أنها –مع هذا وذاك- تمنح تأييدها السياسي لأحزاب غير إسلامية، إذ عادة ما تؤيد الأحزاب ذات التوجه العلماني الوطنية أو القومي، وبخاصة حزبي الوطن الأم، والطريق القويم، بينما لم تؤيد حزب الوفاه (سابقًا) أو الفضيلة حاليًا.

وأما “حزب الفضيلة” فهو أهم وأكبر الأحزاب السياسية الإسلامية في تركيا، وقد تغير اسمه عدة مرات منذ تأسيسه في بداية السبعينيات باسم “حزب النظام”. وعادة ما كان تغيير الاسم يعقب حل الحزب أو حظره، وهو ما حدث في المرة الأخيرة؛ على إثر صدور حكم قضائي بحظر “حزب الرفاه” الإسلامي بزعامة نجم الدين أربكان في يناير 1998.

وتشير بعض الدراسات([2]) إلى أن القاعدة الاجتماعية لحزب “الفضيلة” تتركز في أوساط الطبقة الوسطى التركية، وبخاصة أولئك الذين تخرجوا من الجامعات الحديثة، جنبًا إلى جنب خريجي مدارس الائمة والخطباء؛ وهي مدارس للتعليم الإسلامي بدأت في الظهور خلال الستينات من هذا القرن، وعلى وجه التحديد في ظل حكم الرئيس عدنان مندريس هذا بالإضافة إلى التأييد الذي يحظى به الحزب في أوساط القطاعات الشعبية (في الريف والمدن) التي تعاني من آثار التهميش الاجتماعي على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.

ويضم الحزب –وفقًا لبعض التقديرات- حوالي عشرة آلاف عضو معظمهم من الأجيال الشابة؛ الذين تجذبهم المثالية السياسية الإسلامية وينخرطون في تيار الصحوة الإسلامية –شأنهم شأن غيرهم في مختلف المجتمعات الإسلامية المعاصرة- وهم يسعون لإعادة وضع المجتمع التركي على طريق الإسلام بعد أن جرفته العلمانية بعيدًا عنه، كما يسعون إلى توثيق علاقات الدول التركية وتقوية روابطها –السياسية والثقافية والاقتصادية- مع العالم العربي وبقية العالم والإسلامي.

وتستخدم جماعت وأحزاب الاتجاه الإسلامي في تركيا العديد من الأدوات والوسائل التي تسعى من خلال وضع رؤاها وتصوراتها موضع التطبيق على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية ومن أهم تلك الأدوات والوسائل: إنشاء المدارس والمعاهد العلمية ومراكز البحوث العلمية، والجمعيات الأهلية، والمحطات الإذاعية والتلفيزيزنية وإصدار الصحف والمجلات والكتب، وإقامة المشروعات الاقتصادية والمصرفية على أسس إسلامية، وتكوين اتحاد رجال الأعمال الأتراك المستقلين المعروف اختصارًا باسم (موسياد)، هذا إلى جانب تنشيط نظام الوقف الإسلامي، وإنشاء مؤسسات علمية وأخرى اقتصادية واجتماعية اعتمادًا على أموال ريع الأوقاف([3]).

وتستخدم جماعات الاتجاه الإسلامي وأحزابه تلك الأدوات والوسائل في الإطار القانوني الرسمي الذي يتيحه القدر المتحقق من الديمقراطية في تركيا وكلما اتجه النظام إلى مزيد من الديمقراطية وفتح أبواب الحريات الخاصة والعامة زادت فعالية الاتجاه الإسلامي عبر استخدام آلياته ووسائله السابق ذكرها، ولكن سيطرة الاتجاه العلماني على المؤسسات الرئيسية للدولة –وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية- تجعل من الصعب على جماعات الاتجاه الإسلامي وأحزابه المضي قدمًا في تحقيق أهدافها عبر الوسائل القانونية والطرق المشروعة، وهو ما حدث أكثر من مرة على مدى العقود الثلاثة الماضية، وكان آخرها هو ما حدث لحزب الرفاه عقب فوزه في الانتخابات العامة التي جرت في سنة 1995 ومن ثم عدم تكوينه حكومة ائتلافية مع حزب الطريق المستقيم إلا في يونيه 1996.

ومع ذلك يظل للاتجاه الإسلامي في تركيا ملامحه الخاصة التي أفرزتها طبيعة البيئة التركية والتي أثرت على خصائص السلوك السياسي للرافد الذي يمثله حزب الرفاه (الفضيلة حاليًا) وخاصة الابتعاد عن العنف والمشاركة في اللعبة السياسية وفق قواعد النظام الديمقراطي العلماني القائم، وبدأب واضح على الاستمرار وبنهج من البراجماتية الواضحة والخطاب المعتدل. وهي الأمور التي مكنته من تحقيق مكاسب متراكمة عبر عقدين ونصف وذلك على عكس روافد أخرى أكثر “تشددًا”([4]).

2- الاتجاه العلماني: عناصره وأحزابه.

تعتبر النخبة العلمانية التركية من أقدم وأقوى النخب العلمانية التي عرفتها مجتمعات العالم الإسلامي في التاريخ الحديث والمعاصر فقد استطاعت تلك النخبة أن تفرض سيطرتها على المجتمع التركي وأن تهمين على كافة مؤسسات الدولة التركية بشكل مطلق منذ الانقلاب الكمالي الذي ألغى الخلافة العثمانية وأعلن “الجمهورية” في سنة 1924.

وعلى مدى تاريخ تركيا –منذ صارت جمهورية- نلاحظ أن قوة الاتجاه العلماني التي اكتسبها من سيطرته على أجهزة الدولة ومؤسساتها لم تتناسب مع حداثة نشأته وطرئه على المجتمع التركي، إذ كانت قوته تلك أكبر بكثير من حقيقة وجوده على مستوى القطاعات العريضة من المجتمع.

لقد كان الاتجاه العلماني التركي –وفي القلب منه النخبة الكمالية- أن يواجه ثلاث مشكلات رئيسية ويسعى لإيجاد حلول لها وهي:

  • مشكلة إيجاد هوية وطنية تركية مناسبة للتوجه العلماني.
  • مشكلة بناء نظام سياسي حديث ينسجم مع تلك الهوية.
  • مشكلة تحديث المجتمع ووضعه على طريق التقدم والنمو ومحاولة اللحاق بالغرب([5]).

ومنذ إعلان الجمهورية التركية نشط الاتجاه العلماني بنخبه الفكرية والثقافية، وبأحزابه السياسية من أجل قطع صلة تركيا بالشرق بصفة عامة، وبالإسلام والعالم الإسلامي بصفة خاصة، وذلك عبر سلسلة متواصلة من التغييرات السياسية والاجتماعات والاقتصادية والثقافية وتشكلت على تلك الأرضية العلمانية عدة أحزاب سياسية يمينية ويسارية من أهمها –وأقدمها- حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك وفرض سيطرته على البلاد لعدة عقود متوالية، وقد فرض –أيضًا- وصايته الفكرية والسياسية تحت شعارات صارخة منها شعاره “للشعب بالرغم من الشعب” وترأسه –بعد مصطفى كمال- كل من عصمت اينونو، وبولنت أجاويد، وأخيرًا رئيسه الحالي دينيز بايكال ولم يحتفظ حزب الشعب بقوته التي اكتسبها في ظل مؤسسة كمال أتاتورك، إذ سرعان ما دب إليه الضعف لأسباب كثيرة؛ كان بعضها من داخل الحزب نفسه نتيجة للصراعات التي نشبت بين أجنحته المختلفة، وكان بعضها الآخر نتيجة للتحولات الساسية والاجتماعية المحلية والدولية التي لم يتمكن الحزب من التكيف معها ودخلت تركيا في دوامة الانقلابات العسكرية بمعدل انقلاب كل عشر سنوات تقريبًا، وذلك منذ مطلع الستينيات.

وعلى إثر انقلاب سنة 1980 –الذي قادة الجنرال كنعان إيفرين- تمت إعادة هيكلة الخريطة الحزبية في البلاد، وسمح بعد فترة بتأسيس الأحزاب وكان منها “حزب الوطن الأم” وهو حزب يميني –علماني- أسسه الرئيس التركي السابق تورجوت أوزال ويتولى مسعود يلماظ رئاسته حاليًا. وفي سنة 1983 تأسس حزب “الطريق القويم” برئاسة حسام الدين جيندوك، ثم ترأسه سليمان ديميرل قبل أن يصبح رئيسًا للجمهورية، وتتولى رئاسته –منذ سنة 1993- تانسوتشيلر، رئيسة الوزراء السابقة([6]).

وثمة عدد آخر من الأحزاب العلمانية الصغيرة التي لا تظهر أهميتها إلا في حالة فوزها ببعض مقاعد البرلمان وعدم تمكن أي من الأحزاب الكبرى من تشكيل الحكومة فعند ذلك يتم اللجوء إلى تشكيل حكومة ائتلافية، وتدخل الأحزاب الصغيرة كعنصر من عناصر حسم الصراع السياسي الحزبي إلى حين، إذ سرعان ما يتفكك الائتلاف وينفرط عقد الحكومة، وتبدأ دورة عدم الاستقرار من جديد.

وإذا نظرنا إلى خريطة القوى السياسية التركية –خلال العقدين الأخيرين- نلاحظ أن ثمة ثلاثة مستويات رئيسية يتمحور حولها الصراع والتنازع بين مكونات تلك الخريطة وهذه المستويات هي([7]):

أ- المستوى الفكري الإيديولوجي الذي يتمثل في حالة الاستقطاب الإسلامي –العلماني، وقد زادت حدة هذا الاستطاب شدة منذ فوز حزب الرفاه الإسلامي بالأغلبية النسبية في انتخابات سنة 1995 الأمر الذي مكنه من تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الطريق القويم وسرعان ما امتد هذا الاستقطاب إلى مركز القوة الرئيسي في الدولة التركية وهو الجيش، الذي يعتبر نفسه حارسًا للدستور وأمينًا على مبادئ الثورة الكمالية العلمانية.

ب- مستوى الصراع على السلطة، وهو صراع دائم ومستمر بين النخب السياسية والحزبية، ولكنه أصبح أكثر احتدامًا منذ دخول الاتجاه الإسلامي –ممثلاً في حزب الرفاه ثم حزب الفضيلة- كطرف رئيسي على الساحة السياسية لقد سعت أحزاب الاتجاه العلماني وقواه الاقتصادية والفكرية أن تجعل من السيطرة على أجهزة الدولة وسيلة للسيطرة المطلقة على المجتمع وعلى الاقتصاد، وبعبارة أخرى فإن هذا الاتجاه سعى دومًا لأن يطابق بينه وبين المجتمع والدولة مستخدمًا كافة الوسائل القانونية والسياسية التي تتيحها سلطة الدولة، ولكن دخول الاتجاه الإسلامي كشريك في السلطة –أو على الأقل كمنافس رئيسي عليها- قد أصبح يمثل تهديدًا لهيمنة الاتجاه العلماني بنخبه وأحزابه وقواه المختلفة، ومن ثم كان لابد من السعي لتحجيم الاتجاه الإسلامي، وإقصائه عن دائرة السلطة بأي صورة من الصور، الأمر الذي تجلى بشكل واضح في الصدام المتكرر الذي وقع بين حزب الرفاه من ناحية والقوى العلمانية المسيطرة على الجيش ومؤسسات الدولة من ناحية أخرى.

جـ- مستوى الصراع حول “الهوية”، والصراع في هذا المستوى غير منفصل عن المستويين السابقين، (الإيديولوجي، والسياسي)، فبينما يركز الاتجاه الإسلامي على الهوية الإسلامية للمجتمع التركي ويؤكد على الرابطة الشرقية، وأولويتها على العلاقة مع الغرب، نجد أن الاتجاه العلماني يؤكد على الهوية الغربية ويسعى جاهدًا لربط تركيا بأوروبا وإدماجها في الجماعة الأوربية اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا.

أولاً: التفاعلات السياسية الداخلية في تركيا (1995- 1998): من صعود الرفاه وإلى حكومة أربكان وما بعدها.

  • الانتخابات وتشكيل الحكومة الائتلافية

في 20 سبتمبر 1995 انهارت الحكومة الائتلافية التي كانت مشكلة برئاسة تانسوتشيلر من حزب الطريق القويم، والحزب الديمقراطي الاجتماعي الشعبي، وذلك بسبب استمرار الخلاف بين هذين الحزبين، ولإخفاق الحكومة في التصدي للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية المزمنة مثل ارتفاع معدلات التضخمن، وزيادة حجم البطالة، وتدهور سعر صرف الليرة التركية، واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وارتفاع المديونية الخارجية من 64.779 مليار دولار في سنة 1994 إلى 67 مليار دولار في سنة 1995([8]).

وفي 24 ديسمبر 1995 أجريت انتخابات مبكرة أسفرت عن فوز حزب الرفاه الإسلامي بزعامة نجم الدين أربكان بالمركز الأول بين جملة الأحزاب المتنافسة، حيث حصل على 158 مقعدًا من مقاعد البرلمان البالغ عددها 550 مقعدًا بينما حصل حزب الطريق القويم على 135 مقعدًا، وحصل حزب الوطن الأم على 132 مقعدًا، واليسار الديمقراطي 76 مقعدًا، وحصل حزب الشعب الجمهوري على 49 مقعدًا فقط ومعنى هذا أن الانتخابات ل تسفر عن فوز أي من الأحزاب بالأغلبية المطلقة التي تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده، ومن ثم كان لابد من العودة إلى الصيغة الائنلافية، الأمر الذي أدخل البلاد في حالة من الفراغ السياسي استمرت حوالي شهرين ونصف الشهر، نظرًا لصعوبة تكوين ائتلاف قوى بين تلك الأحزاب بعيدًا عن حزب الرفاه صاحب الأغلبية النسبية الكبيرة([9]) وفي 12 مارس 1996 تم الاقتراع على الثقة بحكومة ائتلافية استطاع مسعود يلماظ أن يشكلها من حزبه “الوطن لأم” وحزب “الطريق القويم”، وفازت تلك الحكومة بثقة البرلمان بفضل امتناع نواب حزب “اليسار الديمقراطي” عن التصويت، لقطع الطريق أمام حزب الرفاه، وعدم إتاحة الفرصة له لكي يشكل الحكومة.

وبالرغم من تأييد الجيش ومختلف الأحزاب العلمانية لتلك الحكومة إلا أنها سرعان ما سقطت بعد مضي حوالي ثلاثة أشهر من قيامها؛ إذ استقال مسعود يلماظ رئيس الحكومة في 6 يونيو 1996 بسبب احتدام الخلافات بينه وبين تانسوتشيلر شريكته في الائتلاف، التي أسرعت بالإعلان عن انسحاب حزبها من الحكومة بعد صدور قرار المحكمة الدستورية في 19 مايو 1996 بعدم شرعية التصويت الذي نالت تلك الحكومة بموجبه ثقة البرلمان قبل ثلاثة أشهر تقريبًا.

وقد أفسح انهيار حكومة يلماظ –تشيلز، الطريق أمام حزب الرفاه ليقوم بتشكيل حكومة ائتلافية جديدة بينه وبين حزب الطريق القويم بزعامة تشيلز نفسها، وحازت –هذه الحكومة- على ثقة البرلمان في اقتراع أجرى في 8 يوليو 1996؛ وذلك بالرغم من معارضة المؤسسة العسكرية، وطبقة رجال الأعمال (العلمانية) لمشاركة حزب الرفاه في هذا الائتلاف([10]).

لم يكن تشكيل الائتلاف أمرًا سهلاً –بطبيعة الحال- نظرًا لكثرة الضغوط التي مورست للحيلولة دون قيامه، فضلاً عن تأزم الحالة السياسية العامة بعد فشل محاولة الائتلاف السابقة. وعلى أية حال فقد تم الاتفاق بين كل من نجم الدين أربكان –زعيم الرفاه- وتانسوتشيلر زعيمة “الطريق القويم” على تشكيل حكومة ائتلاف وفقًا الشروط التالية([11]):

  • يتولى أربكان رئاسة الحكومة للسنتين الأولى والثانية وتتولى تشلر السنتين الثالثة والرابعة على أن تكون السنة الخامسة بالاتفاق بين الحزبين.
  • يتم تقييم أداء الحكومة الائتلافية بعد السنة الأولى من رئاسة الحومة لتشلر التي تدعو بدورها إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
  • يتم تقسيم الوزارات داخل الائتلاف الحاكم بالتساوي (18 وزارة لكل حزب) ولا يتم إصدار أي قرار من الائتلاف إلا بالاتفاق بين رئيس الوزراء (حزب الرفاه) ونائب رئيس الوزراء (حزب الطريق القويم) وتوقيعها المشترك ثم مصادقة البرلمان التركي عليه.

وبرغم أن حزب الرفاه يحوز أكبر عدد من مقاعد البرلمان (29%) فقد تم تقسيم عدد الوزارات بالتساوي على الحزبين كما اتفق على أن تكون الوزارات ذات الصغة السيادية (الدفاع – الداخلية- الخارجية) ضمن حقائب حزب الطريق القويم وكذلك الوزارات ذات الصفة الاقتصادية (التجارة- الصناعة- السياحة) بل والوزارات المؤثرة من الناحية الدينية والاجتماعية والثقافية (التعليم- الصحة-الشؤون الدينية) ولم يتبق للرفاه إلى الوزارات الأقل أهمية كالاقتصاد والمالية؛ في بلد يزداد فيه معدل التضخم ليصل إلى حوالي 75%، وبطالة وصلت نسبتها إلى 17% إضافة للديون الخارجية التي بلغت قيمتها 73 مليار دولار([12]).

وعلى ضوء هذه القيود تقبلت المؤسسة العسكرية إشراك الرفاه في الحكم في ظل الظروف الداخلية والخارجية التي لا تسمح بالإقدام على انقلاب عسكري، حيث أن أربكان جاء عن طريق الانتخابات بشكل دستوري، ومن غير المتوقع أن يقوم بإحداث تغييرات جوهرية في السياسة التركية و المساس بمبادئ العلمانية في مدة وجيزة.

وفي الوقت نفسه عمل أربكان على تهدئة الجيش وتأمين مخاوفه من خلال إعلانه عن التزامه بالديمقراطية والنظام العلماني، وطمأنه الولايات المتحدة على التزام حزب الرفاه بالحفاظ على التزامها وارتباطات تركيا الدولية.

وقد برز موقف المؤسسة العسكرية المتحفز في اقتراع البرلمان بالثقة عل التشكيل الحكومي الجديد، الذي فاز بثقة البرلمان في التصويت الذي أجرى في 8 يوليو 1996 بأغلبية ضئيلة 278 صوتًا، في مقابل 267 صوتًا وامتناع 5أعضاء عن التصويت([13])؛ حيث كان من الممتنعين الجنرال “دزجان جوريش” النائب الوحيد ذو الخلفية العسكرية الأمر الذي أشار إلى تحفز المؤسسة العسكرية لمواقف الحكومة الجديدة.

وعلى أية حال فقد كان تمرير مشاركة الرفاه في الحكم استجابة للمرونة والواقعية العالية التي أبداها زعيمه أربكان، الذي تمرس على قواعد اللعبة السياسية التركية حيث قاد قبلها حزبين آخرين هما حزبا السلامة والنظام الوطني، وشارك في ائتلافات وزارية في السبعينات، كما تضافر مع ذلك رغبة الساسة الأتراك في التلويح بالبديل الإسلامي الذي تخشاه أوروبا؛ التي ترددت في دعم تركيا ورفضت انضمامها للجماعة الأوروبية، وفي الوقت نفسه الرغبة في استنفاد شعبية الرفاه في مواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي طالما استغلها لنقد الأحزاب العلمانية.

وعلى الصعيد الخارجي يبدو أن الولايات المتحدة قد رأت في مشاركة الرفاه إقرارًا للأوضاع الداخلية في ظل تفكك الأحزاب العلمانية، كما أن تلك المشاركة تتيح الاستفادة منها كنموذج في التعامل مع الحالات المشابهة في الشرق الأوسط.

وعليه كان تضاؤل احتمال لجوء الجيش للانقلاب العسكري نظرًا لإدراكه أن مثل هذا الانقلاب سيمثل ضربة قاصمة للجهود التي تبذلها تركيا للانضمام للسوق الأوروبية باعتباره انتهاكًا للديمقراطية وحقوق الإنسان، التي تتذرع بها أوربا لرفض انضمام تركيا إليها([14]). ومن ناحية أخرى فإن نمو طبقة وسطى نتيجة الإصلاحات الاقتصادية التي قام بها “تورجوت أوزال” تؤمن بالديمقراطية التعددية يحول دون قيام انقلاب عسكري يهدد مصالحها الاقتصادية([15]).

وهنا يمكن الإشارة إلى التقرير الصادر في 20 يناير 1997 عن جمعية الصناعيين ورجال الأعمال الذي دعا إلى رفع يد الجيش عن السياسة، وإلغاء مجلس الأمن القومي، وإتاحة الفرصة أمام اأكراد للتعبير عن حقوقهم وتطلعاتهم؛ ومن ثم أعرب 38% ممن شملهم استطلاع للرأي أجرى داخل الجيش عن معارضتهم للقيام بانقلاب عسكري إذا قام الرفاه بتشكيل الحكومة([16]).

ومع تولي أربكان رئاسة الحكومة بدأ يمارس صلاحياته بصورة مدروسة؛ باعتبار أن مجرد تسلمه كإسلامي لرئاسة الوزارة في بلد علماني عريق هو تدجين للعقل المحلي والإقلبمي والدولي على قبول هذه المعادلة، وإنجاز مرحلى هام، وكان على أربكان مواجهة أول التحديات وهو التحدي الاقتصادي التنموي؛ فالبرغم من قرار البرلمان الأوروبي وقف المعونات المالية لتركيا حتى عام 2000 بدعوى مشاكل حقوق الإنسان وسوء معاملة الأكرا، وتهريب المخدرات، وغسيل الأموال، فإن أربكان بدأ برنامجًا إصلاحيًا طموحًا لمعالجة الاقتصاد التركي، الذي عاني من انهيار سعر العملة بما يفوق 299% خلال العامين 95-96 وارتفاع الدين الداخلي سنة 1996 إلى ما يزيد عن 50 مليار دولار وارتفاع الدين الخارجي إلى 80.6 مليار دولار في نهاية 1997، كما ارتفع إجمالي متطلبات خدمة الدين الخارجي إلى حوالى 12 مليار دولار سنويًا([17]).

وبعد أشهر قليلة من تولي أربكان رئاسة الوزراء استطاعت حكومته أن تحقق عددًا من النجاحات على الصعيد الاقتصادي، حيث اتخذت مجموعة من الإجراءات التي حظيت برضاء الرأي العام، وفي مقدمتها رفع الحد الأدني للأجور بنسبة 100%، ورفع دخول العمال بنسبة 50%، ورفع أجور العاملين بالدولة بما يتراوح بين 100 و350%([18]) وتعويض هذه الإضافات عن طريق زيادة الإنتاج، ومنع الإسراف في الدوائر الحكومية ووضع خطة تستهدف جذب استثمارات قدرها 107 مليار دولار لمشروعات المناطق الحرة والمواصلات والطاقة، وخفض الدين الداخلي ليصل في نهاية العام إلى 15 مليار دولار فقط، وخفض معدلات التضخم، بل وزاد أربكان أيضًا من رواتب العسكريين وربطها بسعر صرف الدولار لحمايتهم من التضخم، كما عملت حكومة أربكان على إعادة مليونين من المهاجرين الأكراد إلى ديارهم([19])، وتخصيص نصف مليار دولار لتشجيع الصناعات المحلية وإقامة المشروعات بفوائد منخفضة وتأسيس شركة تنمية الشرق برأسمال قدره مليار دولار، لنهضة وتنمية الأناضول، وبدأت الوزارات الخدمية التي استلمها الحزب بتنفيذ برامج واعدة لتحسين الخدمات للمواطنيين، فأعاد الحياة لهيئة رعاية الفقراء التي ترعى 5 مليون مواطن تحت خط الفقر، وخصص لها وزير دولة لرعاية أمورها كما قدمت حكومة الرفاه 200 ألف منحة دراسية للطلاب في عام واحد([20]).

وكان حزب الرفاه قد اتجه منذ مؤتمر الحزب في سنة 1996 لإعلان الخروج من دائرة المسجد إلى خدمة الشعب التركي كله، بكافة اتجاهاته مسلمين وغير مسلمين، علمانيين وإسلاميين، أغنياء وفقراء، واستخدم في سبيل ذلك عددًا من الوسائل أهمها القاعدة الاقتصادية الضخمة التي تضم منظمات العمال والشركات، ومن أبرزها منظمة رجال الأعمال الأتراك المسلمين المستقلين Musaid([21]) وهي اتحاد بين التجار والحرفيين وأصحاب رؤوس الأموال المسلمين ويرأسه أرول باشا، وكيل شركة دايو ذو الشعبية الواسعة بين الاقتصاديين الأتراك، ويعقد اتحاد موسياد مؤتمرًا دوليًا ومعرضًا تجاريًا تشارك فيه 50 دولة ويضم الاتحاد ثلاثة آلاف من رجال الأعمال المناصرين للرفاه، يمثلون 10 آلاف شركة تمتد أنشطتها من تصنيع الأدوات المنزلية، إلى البنوك وشركات الطيران، وقنوات التلفاز بما جعل أربكان يتحدث عن نمور الأناضول الإسلامي مقارنة بالنمو الآسيوية([22]).

وإلى جانب موسياد يوجد الاتحاد الدولي لرجال الأعمال المسلين IBF الذي تشكل في سنة 1995، ثم انتقل إلى اسطنبول، ويضم ممثلين عن الصناعيين والتجار الأتراك في أوروبا، خاصة في ألمانيا.

2- استراتيجية أربكان وموقف العسكر والقوى العلمانية منها:

كان مجئ أربكان إلى السطة في يونيو 1996 حدثًا تاريخيًا في أول بلد مسلم يعتنق العلمانية، كما كان تجربة فريدة من نوها من ناحية وصول حركة إسلامية إلى السلطة عبر وسائل ديمقراطية بعيدًا عن أساليب العنف، وفي هذا المجال يسجل للديمقراطية في تركيا أنها أتاحت مثل هذا الوصول، خلافًا لما هو عليه الوضع مثلاً في الجزائر، حيث حال الجيش دون اكتمال العملية الديمقراطية وأطاح بجبهة الإنقاذ الإسلامية وبالتالي كان أربكان يدرك حساسية التجربة، لكن الواقعية التي اشتهر بها ومعرفته الدقيقة بالمجتمع التركي بكل تعقيداته وتشبعاته، جعلته يكتفي من طروحاته بما يتواق مع البروتوكول الحكومي الذي وقعه مع تشيلر، متذرعًا بأنه لا يمكن مطالبة حزب الرفاه بتطبيق برنامجه، ما دام ليس وحيدًا في السلطة، لكن هذه الذريعة كانت تنطوي على أكثر من بعد في استراتيجية أربكان وحزبه، صحيح أن الرفاه هو الحزب الأول في تركيا وأن الحركة الإسلامية في نمو مستمر، إلا أن وجود مجموعة عوامل مُعيقة ومعادية للإسلاميبن كان يحول دون مضى أربكان في سلوك سياسة إسلامية خالصة، على الأقل في الفترة الأولى من حكمه ومن هنا حاول أربكان أن يوجه رسالة تطمين في أكثر من اتجاه([23]):

1- فقد وافق أولاً على الاتفاق العسكري بين تركيا وإسرائيل، ووافق على تمديد قوة المطرقة الغربية المتمركزه في جنوب شرق تركيا، ودان بشدة الإرهاب الكردي الذي يمارسه حزب العمال الكردستاني.

2-   وفي الداخل صادق على قرارات بطرد ضباط من الجيش متهمين بأن لهم ميولاً إسلامية؛ وفي المؤتمر العام الخامس لحزب الرفاه في منتصف أكتوبر 1996 تحدث أربكان بصورة معتدلة جدًا، واصفًا نفسه بأنه (علماني حقيقي وأتاتوركي حقيقي) مغيباً كل شعاراته الإسلامية السابق، ولم يتورع عن إرسال نائبين من حزبه مع وفد برلماني تركي إلى إسرائيل، ولم يبد أربكان أي تعليمات حيال التحركات العسكرية الأمريكية في شمال العراق، كذلك كان الاختلاف حول منهج التعامل مع مشكلة الأكراد المتفجرة من أهم مناطق المواجهة بين العسكريين وبين حزب الرفاه حيث يتمتع حزب الرفاه بتأييد عال وسط الأكراد لا لمجرد ميوله الإسلامية ولكن باعتباره الحزب المعارض للحكم وإجراءاته القمعية، وبالتالي نال الرفاه أغلب أصوات الأكراد في الانتخابات، وضمت هيئته البرلمانية أكبر كتلة من النواب ذوى الأصل الكردي (35 نائبًا من أصل 160 نائبًا للرفاه) ويتسم برنامج حزب الرفاه بالتسامح إزاء الأكراد، ويطرح مبدأ الوحدة الإسلامية للكل في وطن واحد.

وبعد أن تولى أربكان رئاسة الوزارة أسرع بطرح مبادرة إجراء محادثات غير مباشرة مع الأكراد ومال لانتهاج سياسة تصالحية مع الأقلية الكردية، فأعاد حوالي مليون كردي إلى قراهم المهجورة، وأفرج عن المعتقلين الأكراد ولما كان وجود أربكان في رئاسة الوزارة يعني إطلاعه على تكتيكات القوات المسلحة التركية فقد اعتبرت المؤسسة العسكرية وجوده تهديدًا لها، خاصة وأنه كان يعارض التدخل العسكري لضرب حزب العمال الكردستاني، ويميل إلى تسوية سلمية تكفل تحقيق قدر معقول من الحقوق للأكراد.

وفي مواجهة ذلك قام الجيش التركي بهجوم مشترك مع قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني في شهر مايو 1997 على حزب العمال الكردستاني، وأعلن نائب رئيس الأركان الجنرال “تشفيك بير” أن “قيادة الجيش لم تبلغ رئيس الوزراء أربكان بخططها العسكرية حتى لا يقوم بتسريبها لحزب العمال الكردستاني”([24]).

يضاف لذلك إثارة موضوع حقوق الإنسان مع بدء السجناء الأكراد إضرابًا عن الطعام لمدة 69 يومًا بما أدى لوفاة 11 سجينًا احتججًا على تدهور الأوضاع المعيشية في السجون، خاصة سجن آسكى ولم ينته الإضراب إلا بعد نقل 20 سجينًا إلى سجن عمرانية في اسطنبول، مع وعود الحكومة بتحسين الأوضاع.

وكان أربكان قد دعا خلال زيارته الأولى لإيران إلى “الحل الإقليمي” للمشكلة الكردية، من خلال عقد لقاء قمة رباعي بمشاركة حكومات سوريا والعراق وإيران، لبحث المشكلة الكردية في شمال العراق، الأمر الذي جسد ليس فقط التقارب التركي العراقي ولكن التقارب بين الأطراف الكردية الرئيسية أيضًا([25]).

وقد صادق البرلمان التركي على استمرار العملية التي أطلق عليها اسم “توفير الراحة” للأكراد، في خطوة بدت تنازلاً من أربكان عن سياسته تجه القضية الكردية إلا أن الدلائل تشير إلى أن أربكان بإمكانه الدخول في معركة مباشرة مع الولايات المتحدة ثم تحويلها إلى معركة داخلية مع الجيش بسبب هذه المسألة واختار عوضًا عن ذلك الحصول على منافع لتركيا مقابل الموافقة على استمرار هذه العملية؛ فطالب بإعادة العلاقات الطبيعية مع العراق، واستثناء تركيا من الحصار التجاري والدبلوماسي المفروض على العراق، مقابل تمديد عملية توفير الراحة([26])، وبالفعل شرعت أنقرة في إقامة علاقات مع بغداد من خلال الزيارات المتبادلة التي كان من أهمها زيارات وزير التربية ووزير العدل شوكت قازان، الذي أكد سعي تركيا للقيام بواجبها تجاه جارتها لوقف الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة.

كل هذه المواقف كانت كافية لتثير سخط قاعدة حزب الرفاه، ولترتفع أصوات بعض حلفائه في العالم العربي والإسلامي منددة بها، غير أن أربكان الذي يعرف جيدًا أن الوصول إلى السلطة في تركيا يتطلب حنكة وأساليب مبتكرة وغير اعتيادية في ظل تعقيدات الوضع التركي، كان يسعى إلى كسب الوقت، وإلى الوصول إلى أوسع قاعدة جماهيرية خارج قاعدته الحزبية حتى يتمكن من تعزيز قوته الحزبية في الانتخابات النيابية القادمة وما بعدها ، وسياسة النفس الطويل التي مارسها طوال 27 عامًا، تتطلب مزيدًا من الوقت ومزيدًا من الدراسة.

وقد سعى أربكان لإرضاء حلفائه([27]) وإظهار الطابع الإسلامي لحكومته فقام بزيارة إيران وليبيا ومصر ونيجيريا ودول جنوب شرق آسيا الإسلامية مثل ماليزيا وإندونيسيا، كما جسد خياره الإسلامي خارجيًا (كما سنرى) عبر الدعوة لتأسيس مجموعة اقتصادية جديدة ضمت ثماني ودول إسلامية عرفت بمجموعة الثمانية وهي تركيا ومصر وباكستن وإيران وبنجلاديش ونيجيريا وماليزيا وإندونيسيا والتي شهدت استنبول في منتصف يونيو 1997 الاجتماع الأول لرؤسائها، كذلك دعا أربكان زعماء بعض الطرق الدينية إلى حفل إفطار رمضاني في الأسبوع الثاني من يناير 1997، مما اعتبر انتهاك لدستور البلاد وقوانين الثورة التي تحظر أي نشاط للطرق الدينية ومن ثم توالت أطروحات أربكان الإسلامية ومن ذلك إقامة جامع في منطقة تقسيم الراقية في استنبول، وآخر في محيط القصر الجمهوري في أنقرة، والسماح للموظفات بارتداء الحجاب في الدوائر الرسمية، وترك الحرية للمواطنيين في توزيع جلود الذبائح خلال عيد الأضحى، والسماح للحجاج بالتوجه لأداء مناسبك الحج كل سنة بدأ عبر الأراضي السورية، توفيرًا للنفقات. وكان احتفال بلدية سينجان (قرب انقره) بيوم القدس في مطلع فبراير1997 والذي تحدث فيه السفير الإيراني في أنقره، محمد رضا باقري، داعيًا إلى تطبيق الإسلام في تركيا، كان هذا الاحتفال بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فعلى إثره بدأ الصدام بين الرفاه والجيش وأضحت المواجهة بينهما علنية.

نظر الجيش إلى تلك السياسات التي اتخذها أربكان على أنها بداية “الهضم” التدريجي للنظام العلماني في البلاد، ومن هنا توالت تصريحات قاة المؤسسة العسكرية منذ نهاية عام 1996 وبداية 1997 بشأن الأصولية الإسلامية كتهديد رئيسي يسبق تهديد حزب العمال الكردي اإنفصالي للجمهورية التركية العلمانية([28]) لم يكن بمقدور هذه المؤسسة القضاء على هذا التهديد عن طريق إنقلاب عسكري سافر وللأسباب المشار إليها آنفًا([29]):

لذلك فضلت المؤسسة العسكرية الإطاحة به عبر مجلس الأمن القومي كهيئة استشارية ودستورية وعبر ضغوط وتدابير أخرى، متعاونة في ذلك مع قوى علمانية أخرى.

كل اجتماع هذا المجلس الخاضع لهيمنة العسكريين في 28 فبراير 1997 قمة الصراع بينهم وبين الرفاه حيث عبروا فيه إحباطهم المتزايد خلال ثمانية أشهر في ظل حكومة الرفاه الائتلافية وقدموا لأربكان ثمانية عشر مطلبًا منها([30]):

  • فرض قيود على الدعم المالي الخارجي للرفاه، وخصوصًا عبر شبكة المنظور القومي (Milligrous) (مللي جروس) النشطة في ألمانيا بين العمال الأتراك وفيما بعد طالب الجيش بمقاطعة الشركات الإسلامية لأنها تؤيد الرفاه.
  • إغلاق المدارس الدينية غير الرسمية، وزيادة فترة التعليم الأساسي من 5 سنوات إلى 8 سنوات، بما يعني توجيهه ضربة شديدة إلى مدارس الأئمة والخطباء والتي يبلغ عددها 550 مدرسة تضم500 ألف طالب.
  • حظر توظيف المفصولين من الخدمة العسكرية لنشاطاتهم وارتباطاتهم الإسلامية في الأجهزة الحكومية.
  • إقالة أكثر من 160 من ضباط الجيش من ذوى الاتجاهات الإسلامي.
  • الإلتزام الكامل المطلق بالمادة 174 من الدستور المتضمنة المبادئ الأساسية للجمهورية العلمانية.
  • حل أي جماعة إسلامية مسلحة غير رسمية وتسجيل كافة الأسلحة النارية.

لقد رفض أربكان في البداية تلك المطالب، مؤكدًا أن السياسات الحكومية تصنع في البرلمان، وليس في مجلس الأمن القومي، بيد أنه اضطر تحت ضغوط العسكريين إلى التوقيع في 5 مارس 1997 على خطة لتنفيذ هذه المطالب، وأشار آنذاك إلى أن الرفاه ليس في حالة صراع مع العسكريين، وجاء قبوله هذا في ضوء اعتبارين أساسيين:

أولهما: وقوع معظم الوزارات المعنية بتنفيذ تلك المطالب ضمن نصيب حزب تشيلر في الحكومة؛ الأمر الذي كان يتيح لحزبه (الرفاه) مواصلة تدعيم البيروقراطية الحكومية بأنصاره استعدادًا لإجراء انتخابات عامة مبكرة.

وثانيهما: هو اعتقاد أربكان بأن بمقدوره كسب الوقت عن طريق التنفيذ التدريجي لمطالب الجيش على أمل أن يستكمل عامة الثاني في رئاسة الحكومة، وإذا تم فض الائتلاف الحكومي قبل يونيو 1998، ومن ثم تجري انتخابات مبكرة يفوز فيها الرفاه بأغلبية برلمانية مطلقة تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده.

وإلى جانب قائمة المطالب التي وضعها العسكريون، فإنهم استخدموا عددًا من الوسائل الأخرى للضغط على حكومة أربكان ومنها، وسائل الإعلام التي سخروا الكثير منها لتوجيه الاتهامات للشركات الإسلامية الكبرى بأنها تمول “الحركة الأصولية”، كما أن رئاسة الأركان التركية قد أصدرت تعليماتها في 6 يونيو 1997 إلى كافة الوحدات العسكرية بعدم التعامل مع الشركات الغذائية والكهربائية التابعة للقوى الرجعية “الإسلامية” وابتداءً من يوم 10 يونيو 1997 قامت المؤسسة العسكرية –لأول مرة منذ نشأة الجمهورية التركية- بتنظيم ندوات ثقافية وفكرية دعى إليها رجال القضاء والصحافة وأساتذة الجامعات ورجال الأعمال وغيرهم “لبحث التيار الإسلامي”، وفي مايو 1997 وصل التوتر بين الجيش والرفاه إلى أقصاه حيث رفع الإدعاء العام –بتحريض من القادة العسكريين- دعوى أمام المحكمة الدستورية لحظر حزب الرفاه لاتهامه بأنه يعمل على إثارة “حرب أهلية” وتغيير النظام العلماني في البلاد.

وقد أسهم سليمان ديميرل –رئيس الجمهورية- في الضغط على حكومة أربكان؛ إذ أيد مطالب الجيش السابق ذكرها، وحذر أربكان من “استغلال المشاعر الدينية للشعب وإقحام الدين في السياسة واستخدام ذلك للوصول إلى أغراض بعينها”.

ولم يساند أربكان في صراعه مع العسكر –من خارج حكومته- سوى سبعة نواب من حزب الوحدة الكبرى الإسلامي القومي، بزعامة محسن يازجي، أما الأحزاب اليسارية واليمينية “العلمانية” التي كانت ممثلة في البرلمان فقد سعت بكل ما تملك لإسقاط حكومة أربكان متحالفة مع الجيش، وضاربة عرض الحائط بقواعد العمل الديمقراطي.

3- حظر حزب الرفاه وتكوين حزب الفضيلة:

أدت الضغوط التي مارستها القوى المختلفة (الحزبية العلمانية-والعسكرية) ضد حزب الرفاه إلى انهيار حكومة أربكان بتقديمه استقالته للرئيس ديميرل، والذي انتهز الفرصة ليقوم بتكليف زعيم المعارضة مسعود يلماظ بتشكيل حكومة جديدة ومن ثم القضاء نهائيًا على الائتلاف السابق بين حزبي الرفاه والطريق القويم.

وشكل مسعود يلماظ حكومة جديدة ضمت 38 وزيرًا يمثلون ثلاثة أحزاب، ووزير واحد مستقل، أما الأحزاب فكانت هي: حزب الوطن الأم (21 وزيرً) وحزب اليسار الديمقراطي (11 وزيرًا) وحزب تركيا الديمقراطي (5 وزراء)، أضافة إلى الوزير المستقل يليم إيريز، الذي كان يشغل منصب وزير الصناعة في ائتلاف أريكان –تشيلر، قبل أن يستقيل من منصبه ومن عضويته في حزب الطريق القويم أيضًا.

برغم استقالة أربكان من الحكومة إلا أن النظام العلماني الحاكم في تركيا لم يتورع عن ممارسة المزيد من الضغوط حتى يعمل على تصفية الحركة السياسية الإسلامية من جذورها، ويتبع في ذلك سياسة تجفيف المنابع وفي ظل الضغوط جاءت الدعوة إلى حل حزب الرفاه حتى يتم تشتيت قياداته والقضاء عليه قضاء مبرًا.

وتم حل حزب الرفاه بالفعل يوم 16 يناير 1998 بعد قرار المحكمة الدستورية العليا بإغلاق حزب الرفاه وإسقاط عضوية البرلمان عن خمسة من أعضائه، ومنعهم من ممارسة العمل السياسي لمدة خمس سنوات قادمة وهم نجم الدين أربكان زعيم حزب الرفاه وحسن حسين جيلان، وشكر وكارايتبة، وشوكت قازان، وشفقى يلماظ، وخليل تشيلك، وكان توقيت سريان حكم المحكمة الدستورية، لا يخلو كم دلالات التحيز ضد الحزب وذلك لسببين:

السبب الأول: أن قرار التنفيذ اتخذ أثناء عطلة نهاية الأسبوع.

أما السبب الثاني: فإن التوقيت تزامن مع تطورات أزمة العراق مع الأمم المتحدة، والتي كانت بدورها تستقطب قطاعات عريضة من الشعب التركي ورغم ذلك فإن قرار المحكمة أحدث ردود فعل قوية تمثلت في تظاهرات الطلبة في جامعة استنبول([31]).

لقد أثار هذا القرار بحظر نشاط حزب الرفاه التركي العديد من التساؤلات حول مستقبل الحياة الديمقراطية في تركيا، في حين يواجه الرفاه التركي وقادته وكذلك ممثلو التيار الإسلامي احتمالات أكثر صعوبة، ويرجع هذا الموقف الصعب إلى تركيبة حزب الرفاه ذاته حيث يتكون من ست فصائل أساسية أولها يتكون من زعيم الحزب نجم الدين أربكان والنواة المتحلقة حوله وهؤلاء تكنوقراط وتقليديون يؤمنون بعظمة الدولة التركية، يريدون أن ينظروا إلى العالم من منظار الدولة –الأمة التركية، لذلك فهم كانوا ومازالوا مستعدين للتوصل إلى مساومات مع الجيش التركي. أما الفصيل الثاني: فهو ممن لهم سابقة في الطريق الصوقية وهذا الفصيل هو الذي يعطي الرفاه طابعًا دينيًا قويًا جدًا([32]).

والثالث: هو فصيل الاحتجاج الذي يتمثل في الأوساط العمالية الجديدة والناتجة عن التغيرات الديمقرجرافية التي حدثت في تركيا خلال الأعوام الماضية لا سيما الأحزمة التي تحيط بالمدن التركية الرئيسية، حيث أصبح سكان هذه الأحزمة من ذوى الميول الدينية، وهم يمثلون الآن الاحتجاج على التحديث والاستغلال الاقتصادي والفصيل الرابع: هو الذي يمثل الرأسمالية الجديدة الطموحة والمليئة بالحيوية في منطقة الأناضول، وأما الخامس: فهو الجيل الجديد من الإسلاميين الذي نشأ على كتب سيد قطب ونظرائه، وأعضاؤه من الشباب الراديكاليين النشطيين وأما السادس فهو الذي يمثله الناخبون الأكراد في الجنوب الشرقي من تركيا([33]) وعقب قرار حظر حزب الرفاه تعددن السيناريوهات المحتملة بعد ذلك ولكن معظمها ركزت على ضرورة تأسيس حزب بديل للرفاه.

ومن هنا جاءت فكرة تأسيس حزب الفضيلة ليكون البديل ورغم أن أربكان ليس على رأسه هذه المرة، إلا أنه استر المحرك المحوري له، وفي ضوء هذه التحولات دخلت تركيا مرحلة جديدة من تاريخها مع تأسيس حزب الفضيلة والذي، يعتبر استمرارًا للأحزاب الإسلامية التي كان أربكان مؤسسها ومحركها الأوحد منذ عام 1970 وحتى عام 1997 وإذا كانت تركيا قد اعتادت حظر الأحزاب –من حين لآخر- يمينية كانت أم يسارية، علمانية أم إسلامية، إلا أن الحظر كان يتم إما بالجملة شاملاً جميع الأحزاب، إثر القيام بانقلاب عسكري، وإما أن يتم حل الأحزاب الصغيرة غير الممثلة في البرلمان، لكن حظر حزب الرفاه هذه المرة جاء ليشكل حالة جديدة.

ومن جهة أخرى، أظهر الرفاهيون، بعد حظر حزبهم وتغييب قادتهم “تماسكًا ملحوظًا، فكان رد فعلهم على قرار الحظر هادئًا ومعتدلاً واستطاعوا الحفاظ على نوابهم في البرلمان كتلة واحدة بلغ تعدادها 143 من أصل 147 نائبًا فيما شمل الحظر السياسي من تبقى من نوابهم، وبعد أيام من سريان قرار حظر الرفاه وقادته، كان أولئك النواب ينضمون بالجملة إلى حزب الفضيلة الذي أنشئ رسميًا في 1997 بزعامة إسماعيل التبكين، وكان يوم الرابع عشر من مايو 1997 محطة حاسمة في مسيرة الحركة الإسلامية في تركيا حين كرس التشكيل الجديد للإسلاميين نفسه من خلال المؤتمر العادي الذي عقده في قاعة أتاتورك الرياضية المغلقة في العاصمة أنقرة، وشهد انتخاب هيئات القيادية وأشارت نتائج اللانتخابات إلى جملة من النقاط([34]):

أولاً: أن انتخاب رئيس كتلة نواب الفضيلة في البرلمان رجائي كوتان، زعيمًا للحزب بدلاً من أسماعيل التبكين كان مؤشرًا على أن الخط العام الذي كان سائدًا في عهد أربكان، مستمر في مرحلة كوتان، وذلك أن كوتان هو رفيق درب أربكان وشارك في تأسيس وعضوية الأحزاب الثلاثة إلى تزعمها أربكان منذ عام 1970 وهي النظام الوطني و”السلامة الوطني” و”الرفاه” وهو كذلك خريج كلية الهندسة في جامعة استنبول – مثل أربكان وتولى في السبعينيات وزارة الإعمار والإسكان كما تولى وزارة الطاقة والموارد الطبيعية في حكومة أريكان الأخيرة.

ثانيًا: مع اعتبار كوتان ضمانة لاستمرار خط أربكان في حزب الفضيلة، إلا أن طبيعة الأعضاء الذين انتخبوا في الهيئات القيادية للحزب الجديد تشير إلى أن رئاسة كوتان ستكون مرحلة انتقالية نحو عهد جديد، على أكثر من مستوى، وقد جاء كوتان إلى رئاسة الحزب إثر تسوية بين أريكان والتيار الشاب في الحزب الذي كان يرفض استمرار إسماعيل التبكين، كما كان يريد أربكان في الرئاسة، وحال دون تزعم التيار الشاب الحزب الجديد هو أن 80% من كوادر حزب الفضيلة تريد رئيس بلدية استنبول رجب طيب أردوغان زعيمًا للحزب.

ثالثًا: يبدو حزب الفضيلة على موعد تحولات معينة في النهج الذي سار عليه سلفه حزب الرفاه في أكثر من اتجاه ويتجلى ذلك من خلال عدة مؤشرات منها([35]):

1- حضور رجائي كوتان حفل توديع رئيس الجمهورية سليمان ديميريل لدى سفره إلى أوكرانيا.

2- حضور كوتان مع أعضاء الهيئة الإدارية الجديدة لحزبه ووضعه إكليلاً من الزهور على قبر كمال أتاتورك وكتابته العبارة “أن حزب الفضيلة هو حزب سياسي جديد يا أبى، أيها العزيز أتاتورك” في دفتر الزيارات بعد مؤتمر “خطوة الديمقراطية” الذي عقد يوم 14 مايو 1998.

3- إصدار حزب الفضيلة لبيان تضمن التوجهات الرئيسية له والتي كان يعارضها حزب الرفاه وهي:

  • رفض الاقتصاد الموجه والأخذ باقتصاد السوق.
  • السماح لكآفة قطاعات الشعب بمن فيهم العسكريين بالتعامل مع السياسة ورفض التنظيمات المسلحة خارج نطاق القوات المسلحة.
  • محاربة الفساد في كافة المستويات.
  • المطالبة بتطبيق العلمانية الحقيقية في البلاد.

4- اختيار حزب الفضيلة يوم 14 مايو موعدًا لانعقاد مؤتمره الذي سماه “الخطوة الأولى”([36]) وهذا التاريخ هو تاريخ الانتخابات النيابية التي جرت قبل 48 سنة عام 1950، وانتصر فيها الحزب الديمقراطي انتصارًا تاريخيًا، أنهى به سيطرة حزب أتاتورك “حزب الشعب الجمهوري” تلك السيطرة التي استمرت منذ عام 1923، ونال فيها الحزب الديمقراطي 408 مقعدًا مقابل 69 مقعدًا لحزب الشعب الجمهوري. واختيار هذا التاريخ هو بمثابة رسالة إلى أن النهج الجديد للحزب الجديد يميل أكثر نحو اليمينية ونحو الانفتاح على اليمين العلماني ويرى معظم قادة الحزب الجديد أن حزبهم هو استمرار لخط الحزب الديمقراطي ولحزب الوطن الأم في مرحلة أوزال.

5- يكرس الحزب الجديد انفتاحه على العلمانيين والإسلاميين المعتدلين من خلال مجموعة من الأسماء التي أخذت مكانها في اللجنة الجديدة للحزب، ومن بينها الصحافية العلمانية نازلي إيليجاك رئيسة تحرير صحيفة “أقشام” التركية والكاتب في صحيفة “تركيا” الإسلامية نقرات يالتشين طاش.

6- تبدو السمة المدنية في تحولات الفضيلة واضحة من خلال الوزن الكبير الذي منح لأساتذة الجامعات، حيث بلغ عددهم في إحدى لجان الحزب 15 عضوًا من أصل 50 عضوًا، وفي مجلس الحزب ذي الطبيعة الاستشارية يوجد 15 عضوًا من أصل 60 عضوًا.

إذن، يمكن القول أن الحركة الإسلامية التركية الممثلة في “حزب الفضيلة” سائرة نحو تحولات جديدة، مستفيدة من تجاربها السابقة في المعارضة وفي السلطة بالرغم من سوء استقبال الأوساط العلمانية –الصحافية والحزبية- لتلك التحولات التي يمر بها الاتجاه الإسلامي، فمازالت الالتهامات الباطلة تلاحق حزب الفضيلة وقياداته، لازال التحريض قائمًا من أجل حظر “الفضيلة” ومصادرة حقه في ممارسة العمل السياسي ولم تتوقف التصريحات الصادرة عن المؤسسة العسكرية التي تحمل التهديدات لحزب الفضيلة وانصاره بدعوى أنهم يمثلون خطرًا على النظام الجمهوري العلماني للدولة التركية.

4- سياسات يلماظ:

 استمرت حكومة يلماظ في تجفيف المنابع المعتملة لتأييد الإسلاميين خاصة المنضوين تحت حزب الفضيلة وتأتي هذه الجهود استجابة لضغوط العسكريين المباشرة حيث لم تكن حكومة يلماظ رغبة في تصعيد المواجهة مع الإسلاميين في بداية توليها الحكم أو على الأقل ألا تعتمد هذه المواجهة سياسة علنية لها إرضاء للقطاعات المتدينة داخل الحزب الحاكم (الوطن الأم) وظهورًا بمظهر السياسي المستقل فاعترض يلماظ على ما اعتبره تدخلاً مفرطًا من جانب العسكريين([37]). وقال “إن من يمارسون التهديد لا يفيدون البلد بشيء”([38]). الأمر الذي حدى برئاسة الأركان إلى إصدار بيان أقرب للإنذار جاء فيه أن “مكافحة الأصولية واحدة من مهمات الجيش”([39]) مما أدى لتراجع يلماظ معلنا في 20/3/1998 أن “الضباط استخدموا حقًا من حقوقهم عندما أعلنوا وجهة نظرهم حول مكافحة الأصولية”([40]) وبدا هذا التراجع واضحًا في العملية التي شنها يلماظ ضد كافة أوعية النشاط الإسلامي دون أن تقتصر على نشاطات الإسلام السياسي وكان الجيش قد بدأ عمليات تطهير واسعة لصفوفه من الإسلاميين فأعلن المجلس العسكري الأعلى في 16/6/1998 عن طرد 168 ضابطًا وصف ضابط للاشتباه في ميولهم الأصولية([41]) وأعقب ذلك طرد 24 ضابطًا في 3/8/1998 باعتبارهم من المتعاطفين مع الإسلاميين “ولقيامهم بأنشطة تهدد أمن البلاد”([42]).

وفي 15/12/1998 تم تسريح 86 ضابطًا لقيامهم بأنشطة إسلامية([43]) ليصل عدد المسرحين من الخدمة العسكرية منذ 1995 إلى 625 ضابطًا.

وإلى ذلك تركزت جهود محاربة الأنشطة الإسلامية في أربع قطاعات رئيسية هي التعليم والإعلام وقطاع المال والأعمال والمجال الدعوي في المساجد والأوقاف والطرق الصوفية.

فعل الصعيد الاقتصادي اتخذت حكومة يلماظ عددًا من الإجراءات التي تستهدف النشاط المالي الإسلامي فتم إعداد قانون يستهدف إخضاع البنوك الإسلامية حيث سيتوجب عليها الاحتفاظ بسيولة تقدر بـ12% من رؤوس أموالهم في صورة سندات بالبنك المركزي وأن تؤمن على الحسابات المودعة لديها مما سيؤثر على استثماراتها من ناحية كما أن ذلك يتعارض مع إسلاميتها من ناحية أخرى كما ستخضع هذه البنوك للسياسات المالية التي يضعها البنك المركزي بما لذلك من تداعيات سلبية في ظل ارتفاع نسبة التضخم([44]).

كما استهدفت الحكومة اتحاد أصحاب الأعمال المستقلين Musiad المؤيد للإسلاميين فقامت في 21/4/1998 باعتقال عشرين من أعضائه بتهمة “تمويل ومساندة الحركة الرجعية” في إشارة للإسلاميين([45]) وكان رجال الأعمال المعتقلين قد أسسوا شركة تأمين ضخمة بأسم “تأمين الصداقة” اعتبرته السلطات التركية واجهت لعمليات غسل الأموال لصالح الإسلاميين وأحيل 16 من رجال الأعمال لمحكمة أمن الدولة بتهمة التهرب من دفع الضرائب ومن ناحية أخرى اتهمت الحكومة شركة “كومباسان” التي حققت نجاحات ضخمة بأنها لم تسجل رسميًا آلاف الأسهم المملوكة لإسلاميين تتهمهم بأنهم قدموا جزءًا من أرباحهم لتمويل حزب الرفاه([46]) وتواكب ذلك مع إصدار قرار يقصر جمع جلود الأضاحى والانتفاع بها على الوقف الخيري للقوات الجوية وكانت حصيلة بيع هذه الجلود التي تبلغ 200 مليون دولار توجه لتقديم إعانات للفقراء ومنح دراسية للطلاب والاتفاق على حلقات تعليم القرآن الكريم وغيرها من النشاطات الإسلامية واستمر حظر تعامل المؤسسات الحكومية مع الشركات والمؤسسات الإسلامية([47]).

أما في مجال التعليم فقد أصدر وزير التعليم في 15/1/1998  قرارًا بحظر ارتداء التلميذات وامدرسات الحجاب في المدارس وأعلنت وزارة التعليم عزمها على تطبيق القوانين العلمانية في كل المؤسسات الدراسية مما أدى لقيام العديد من المظاهرات في الجامعات في الفترى من 20/2/1998 إلى 1/3 تراجعت على إثرها جامعة أسنطبول عن قرارها بمنع ارتداء الحجاب وإطلاق اللحي داخل الحرم الجامعي([48]) مع استمرار المدارس في منع الطالبات المحجبات من دخول الامتحانات([49]) فتابع حزب الفضيلة جهوده للالتزام بحرية الملبس وتكللت هذه الجهود بالإعلان في 21/9/1998 عن التوصل لاتفاق مع حكومة يلماظ لتخفيف تدابير حظر الحجاب في الجامعات والمدارس([50]) بينما رفضت المحكمة الإدارية العليا طلبًا بفتح دورات تعليم القرآن الكريم للطلاب في العطلة الدراسية وأقرت قرار دائرة الشئون الدينية بحظر دخول الطلاب دون سن التعليم الإلزامي (16 سنة) دورات تعليم القرآن الكريم([51]).

وفي مجال الإعلام أعلن رئيس الوزراء يلماظ في 22/3/1998 عن عدد من الإجراءات لمراقبة أنشطة الجمعيات والمؤسسات المشكوك في دعمها للأصولية وعن صياغة قانون يهدف لمراقبة بث محطات الإذاعة والتلفزيون الخاصة ذات الطابع الأصولي وتم اعتقال أربعة صحفيين إسلاميين بتهمة التحريض على التظاهر تأييدًا للحجاب في 13/10([52]) كما عملت الحكومة على بسط سيطرتها على المساجد فأصدر البرلمان التركي في 1/8/1998 قانونًا بوضع كل المساجد تحت إشراف دائرة الشئون الدينية التي أصبحت مسئولة أيضًا عن تعيين أئمة المساجد والوعاظ وإصدار تصريحات خاصة لبناء المساجد حيث تعتبر الحكومة المساجد الخاصة مراكز لأنشطة تستهدف الدولة العلمانية([53]) وبالفعل أعلن رئيس إدارة الشئون الدينية محمد نورى عن ضم 180 مسجدًا لإشراف الإدارة([54]) وامتدت إجراءات الحكومة لتطول في 4/8/1998 الطرق الصوفية التي تنأى بنفسها عن السياسة وتتبنى العلمانية ومن إبرزها جماعة فتح الله جولن التي اعتبرها الجيش تتخفى وراء أنشطتها الدينية([55]).

وسياسيًا استمرت الضغوط على حزب الفضيلة وزعامات الرفاه التاريخية فبعد قرار المحكمة الدستورية بحل حزب الرفاه جرت ملاحقة أربكان قضائيًا لتصريحاته المتعددة فتم استجوابة في 19/2 بتهمة إهانة المحكمة الدستورية التي وصف حكمها بأنه “خاطئ ولا يعني شيئًا” وأنه اغتيال قانوني لحزب الرفاه([56]) كما جر التحقيق مع أربكان حول تصريحات أدلى بها سنة 1994 قال فيها إن الرفاه سيصل إلى الحكم سواء بإراقة الدماء أو بدونها([57]) وفي خطوة استهدفت أعضاء حزب الفضيلة البارزين أعلن المدعي العام في محاكمة 12 زعيمًا إسلاميًا على رأسهم أربكان وزعيم الفضيلة رجائي كوتان بتهمة اختلاس أموال حزب الرفاه البالغة 3.6 مليون دولار وهو ما نفاه عضو البرلمان عبد القادر أقصو (أحد المتهمين) موضحًا أن هذه الأموال وزعت على تنظيمات الحزب المحلية قبل حظره([58]) واستمرت سلسلة الاتهامات الموجهة للساسة الإسلاميين حيث جرت محاكمة رجب أردوجان رئيس بلدية استنبول لإلقائه في 14/1 أبيات شعر للشاعر ضياء كول ألب وأصدرت المحكمة حكمها بسجنه عشرة أشهر بتهمة التحريض على الكراهية وهو الحكم الذي أيدته محكمة الاسئناف في 23/9 وتم تنفيذه فعلاً([59]).

بما يعني انتهاء الحيارة لسياسية لأردوجان([60]) ولم يكتف المدى العام فوزال سافاس بذلك بل اتهم أردوجان بتحريض مناصرية على قتله في الوقت الذي وجهت فيه تهمة إهانة طائفة إسلامية (العلويين) والحض على الكراهية لزعيم حزب الفضيلة رجائي كوتان.

وقد أثارت هذه المحاكمات موجة من الاستياء داخليًا وخارجها حيث اندلعت التظاهرات المؤيدة لحزب الفضيلة كما أدان الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة سجن عمدة أسطنبول بوصفه اعتداء على حرية الرأي بينما استمر سيف الحل مسلطًا على حزب الفضيلة حيث بدأ النائب([61]) العام متى يوكسيك تحقيقات بشأن الإدعاءات بأن حزب الفضيلة امتداد لحزب الرفاه وهو ما يمكن أن يؤدي لإغلاق الحزب([62]) وإزاء هذه القيود حرص حزب الفضيلة على الاستفادة من تجربة الرفاه فتم اختيار قيادته في جو هادئ على خلاف ما توقعته التقارير الصحفية من وجود انشقاقات وخلافات داخل الحزب فاسندت قيادة الحزب إلى رجائي كوتان([63]) وأكد مسئولو الحزب في 15/3/1998 أنه سيتبع خطأ معتدلاً من دون تشديد على الطابع الإسلامي([64]) وضمت اللجنة المركزية للحزب ثلاث سيدات لأول مرة كما عمل الحزب على تنقية الأجواء بينه وبين العسكريين فوضعت الهيئة الإدارية للحزب إكليلاً من الزهور على قبر أتاتورك([65]) وأكد زعيم الحزب في ندائه للشعب على ستة محاور تضمنت رفض الاقتصاد الموجه ومحاربة الفساد وتطبيق العلمانية الحقيقية والسماح لكافة قطاعات الشعب بالعمل السياسي ورفض التنظيمات المسلحة خارج نطاق الجيش مما عُد مقدمة لتحولات جذرية في الحزب ومحاولة للتقرب من أحزاب النظام خاصة مع تصريحات رجائي كوتان التي اعترف فيها بإرتكاب الرفاه لأخطاء عند توليه الحكم وأن حزب الفضيلة سيتجنبها لأنه يعمل على أن يكون حزب الأكثرية في تركيا([66]) وقد وجدت هذه الجهود صداها في تصريحات قائد القوات الجوية –التي أدلى بها في حضور كوتان- بأن قرار القوات المسلحة بمحاربة الرجعية حتى النهاية لا يعني محاربة الإسلام لأن للمؤمنين مكانًا فوق رؤوسنا([67]) كما أعلن رئيس الحزب كوتان أن الحزب ليس منغلقًا على نفسه وإنما هو حزب مفتوح لكل الاتجاهات ويسعى لضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وتقوية علاقاتها بواشنطون ومختلف جيرانها وأن الحزب صمام أمان ضد الراديكالية والتطرف([68]).

وسعى الحزب لمد جسور التواصل مع الأحزاب المحافظة فسعى في 12/8 لتشكيل جبهة ديمقراطية مع هذه لأحزاب ومن ضمنها الطريق القويم بهدف إعادة فتح الصفوف الثانونية في مدارس إمام خطيب والحد من دور الجيش في السياسة والسماح بارتداء الحجاب([69]).

ومع سقوط حكومة يلماظ أعلن كوتان تلقية “إشارات إيجابية” من العسكريين تتعلق بالأسلوب الجديد المعتدل لحزبه الأمر الذي نددت به المؤسسة العسكرية وأصدرت بيانًا قالت فيه “إن تفضيل الجيش لأي حزب سياسي ليس واردًا إطلاقًا وعلى الجميع تجنب الإداء بتصريحات تهدف لإقحام الجيش في مواقف سياسية”([70]) واستمر الرئيس ديميرل في تجاوز حزب الفضيلة صاحب أكبر تكتل في البرلمان بانتظار إيجاد ائتلاف علماني لتشكيل الحكومة.

5- سقوط حكومة يلماظ وبدء دورة جديد من الفراغ السياسي:

بعد ما أثبتت التحقيقات التي أجريت مع مسعود يلماظ زعيم حزب الوطن الأم ورئيس الحكومة التركية تورطة في قضايا الفساد وإرتباطه مع عصابات المافيا بتركيا، طرحت ثلاثة أحزاب وهي الشعب الجمهوري وحزب الفضيلة وحزب الطريق القويم مشروع سحب الثقة من حكومة يلماظ، وقد تم سحب الثقة فعلاً وذلك بموافقة 311 نائبًا مقابل 213 صوتًا، وبسقوط حكومة يلماظ، أصبحت الساحة السياسية التركية تعاني من فراغ سياسي مثلما حدث من قبل مع حكومة تشيلر ونجم الدين أربكان.

ونظرًا لأن الدستور التركي يخول رئيس الجمهورية بتكليف أحد زعماء الأحزاب بتشكيل حكومة جديدة، قام الرئيس سليمان ديميريل بتكليف نائب رئيس الوزراء ورئيس حزب اليسار الديمقراطي بولنت أجاويد بتشكيل حكومة مؤقتة لحين إجراء الانتخابات في أبريل 1999، وبعد مشاورات طويلة من جانب أجاويد مع زعيمة حزب الطريق القويم تانسو تشيلر، وزعيم حزب الوطن الأم مسعود يلماظ، أعلن أجاويد إخفاقه في مهمته ولعل السبب في ذلك هو رفض تشيلر للتعاون معه، وتمسكها بطلبها تشكيل حكومة موسعة تضم كل الأحزاب الرئيسية في البرلمان بما في ذلك حزب الفضيلة وقد حذر أجاويد من أن عدم تشكيل حكومة يفتح الطريق أمام حزب الفضيلة الإسلامي للعودة إلى السلطة، ولكن من الواضح من البداية أن الرئيس ديميريل كلف أجاويد بتشكيل الحكومة وذلك كمحاولة لاستبعاد الفضيلة الذي يملك الكتلة الأكبر في البرلمان بناء على رغبة قادة الجيش العلمانيين. ولذلك فقد قام بتكليف النائب المستقل باليم إيريز بتشكيل الحكومة، متخطبًا حزب الفضيلة على خلاف ما تقضي به قواعد العمل الديمقراطي وفقًا للنظام التركي نفسه.

وخلاصة القول: إن الأزمة الراهنة التي نجمت عن سحب الثقة من حكومة يلماظ، ليست إلا أحد مظاهر ارتضاء الأطراف الرئيسية في القوى السياسية العلمانية للمعادلة السياسية الراهنة بين العسكر الذين يمارسون الدور القيادي “دور القط” والسياسيين في الحكومة والبرلمان الذي يسيرون وفقًا لرؤية العسكر ويقبلون بدور “الفأر”، لأن البديل المعروف هو إنقلاب العسكر على السياسيين والإطاحة بهم وتولي من يرونه الأجدر بذلك وفقًا لرؤيتهم العسكرية:

ثانيًا: تحولات السياسة الخارجية التركية: جدل الداخل والخارج في ظل أربكان وما بعده:

كان أربكان قد رفع في حملته الانتخابية شعار النظام العادل الذي يدعو في الشق الخارجي منه إلى تشكيل أمم متحدة إسلامية، وسوق اقتصادية إسلامية مشتركة، وصندوق نقد إسلامي وحلف دفاعي إسلامي، وبعد توليه رئاسة الوزارة كان عليه أن يوائم بين هذه الشعارات الانتخابية الطموحة وضرورات الواقعية السياسية، في ضوء ثوابت السياسة الخارجية التركية التي يمكن إجمالها في ثلاثة أمور هي:

  • البحث عن أمن تركيا ضمن توازن ثابت.
  • التنمية الاقتصادية.
  • الاندماج في المجموعة الغربية.

وتستند هذه الثوابت إلى معطيات داخلية تتمثل في الموقع الجغرافي الفريد الذي تتمتع به تركيا كمتلقى بين قاتي آسيا وأوربا، وتنبسط أراضيها بين مساحات بحرية ذات أهمية استراتيجية فهي تطل على البحر المتوسط، وتتحكم في بحر مرمرة وتطل على البحر الأسود (مضيق البسفور والدردنيل)، وتتنازع السيطرة مع اليونان على بحر إيجه، وقد أدى هذا الموقع الاستراتيجي لتركيا إلى أن تكون طرفًا فاعلاً في التوازنات الدولية، وهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي ترتبط ارتباطًا عضويًا بالاستراتيجية الأطلسية سواء بالنسبة للشرق الأوسط أو تحسبًا للمخاطر التي قد تنجم عن تزعزع الاستقرار في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق بما يؤثر على المصالح الأمنية للغرب([71]).

ويبلغ عدد سكان تركيا 62.03 مليون نسمة سنة 1995 ويتوقع أن يصل سنة 2025 إلى 92.88 مليون نسمة، ويصل معدل النمو السكاني إلى 0.82% بما يفوق 10 مرات النمو السكاني في أوروبا، ويمكن هذا النمو تركيا من توفير الأيدي العاملة والقوة البشرية للقوات المسلحة([72]) بل وتصدير فائض العمال إلى أوروبا.

أما اقتصاديًا فتتمتع تركيا بقدر مقبول من عناصر القوة الاقتصادية فدخلها القومي يفوق دخل كثير من الوحدات الإقليمية في الشرق الأوسط، وبرغم أن تركيا تستورد أكثر من 50% من احتياجاتها من البترول والطاقة فإنها تملك قطاعًا صناعيًا يسهم بحوالي 36% من الناتج القومي، ويحقق الاقتصاد التركي من أوائل الثماينيات معدلاً عاليًا للنمو فارتفع الناتج القومي الإجمالي بالأسعار الثابتة بنسبة 8% 1995، وبنسبة 47 سنة 1996، وارتفعت القيمة الإجمالية للتجارة الخارجية المنظورة إلى 72 مليار دولار بما مسبته 37.63% من الناتج القومي الإجمالي([73]).

وعلى الصعيد الخارجي نلاحظ أن ردود الأفعال التركية إزاء انهيار الشيوعية في أوروبا الشرقية وتفكك الاتحاد السوفيتي في الفترة بين 1989- 1991 قد تباينت بشكل واضح، إذ زادت المخاوف التركية من أن يؤدي ذلك إلى تحجيم دور تركيا في حلف شمال الأطلسي، باعتمادها على دورها الاستراتيجي في الجناح الجنوبي الشرقي له ضد خطر سوفيتي يخشى وقوعه؛ إلا أن الحوادث التي بدت في الأفق بينت قصور هذا التصور، فمن ناحية كان زوال الخطر السوفيتي كسبًا إيجابيًا لأمن تركيا، كما أدى انهيار الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفيتي إلى إتاحة فرص اقتصادية في آسيا والشرق الأوسط كانت تركيا في موقع يهيئها للاستفادة منها.

ومن ناحية أخرى فإن التحالف الغربي مع تركيا لم يفقد جداوه للدول الغربية التي أصبحت تواجه المزيد من التهديدات الأمنية الإقليمية سواء من الدول التي كانت ضمن الاتحاد السوفيي السابق أو من منطقة البلقان نفسها.

وهكذا سعت تركيا إلى تدعيم ارتباطها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة من خلال الاتفاقيات والتسهيلات التي سعت السياسة الأمريكية من خلالها إلى تحقيق الأهداف التالية([74]).

  • ضمان الوصول إلى مصادر الطاقة والمعادن الاستراتيجية الأخرى والأسواق العالمية في شرق أوروبا وفي الشرق الأوسط.
  • ضمان عدم قيام قوة معادية قادرة على التحكم والسيطرة على إقليم حيوي للمصالح القومية الأمريكية.
  • تجنب الصراعات الإقليمية، والعمل على تقليص مصادر التهديد التي تؤدي لعدم الاستقرار في الأقاليم ذات الأهمية الاستراتيجية للولايات المتحدة.

وقد أدركت تركيا أن تحقيق الهدفين الثاني والثالث كان الغاية النهائية لعاصفة الصحراء لتحجيم العراق كقوة إقليمية، فسارعت للانضمام للتحالف الدولي وسمحت للولايات المتحدة وقوات التحالف باستخدام القواعد والمطارات التركية، خاصة قاعدة انجرليك لضرب العراق، ثم قامت بتمديد فترة تواجد قوات المطرقة في شمال العراق وفي مسارات التسوية بعد مدريد غدت تركيا عاملاً يندرج في هياكل البنى الأمنية الجديدة والترتيبات، والتفاهمات الشرق أوسطية؛ سواء كانت سياسية كنظام علماني ديمقراطي، أو اقتصادية بدلالة المشروعات الاقتصادية ومشروعات تقاسم الموارد؛ خاصة المياه، أو اجتماعية من حيث الهوية الغربية العلمانية التي تخدم التوجه نحو خلق هوية “شرق أوسطية”.

ومن خلال توافر المعطيات الاقتصادية والسكرية تطمح تركيا في القيام بدور الوسيط بين الكتلة الآسيوية الإسلامية وأوربا حلف الأطلسي، لمواجهة العقبات التي تضعها اليونان أمام انضمامها للسوق الأوروبية.

إضافة لذلك فقد استخدمت تركيا ورقة المياة سواء من خلال المشروعات المختلفة لنقلها لدول المنطقة، أو من خلال تحكمها بهذا المورد الحيوي لفرض حقائق سياسية واستراتيجية جديدة في المنطقة؛ ولإعادة صياغة دورها الإقليمي ويتضح ذلك من الاتهامات التركية المتكررة لسوريا بدعم المتمردين اأكراد وحزب العمال الكردستاني، وإيواء عناصره في سهل البقاع اللبناني، كما قامت تركيا بخفض تدفق المياه إلى سوريا فيما أشارت إليه التقارير الصحفية بأنه تنفيذ لسياسة ضغط وعقاب ضد سوريا والعراق وإن نفت الخارجية التركية ذلك.

وعلى ضوء هذا الطرح سعت تركيا إلى الحفاظ على التوازن الاستراتيجي القائم لصالحها من منطلق تفوقها الشامل على سوريا والعراق، وفرض الإرادة عليهما؛ سواء بتنفيذ المشروعات المائية على نهر الفرات، أو تنفيذ مشروعات تنمية الأناضول، أو حتى قمع حركات تمرد الأكراد داخل العراق، وفي الوقت نفسه عملت تركيا على دعم دورها الإقليمي من خلال ارتباطاتها الاستراتيجية، سواء بالولايات المتحدة قطب النظام الدولي أو بالقوى الإقليمية غير العربية (إسرائيل) بما يؤهلها لكي تصبح قائدة للتفاعلات في النظام الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط، وهو ما أشارت إليه تشيلز في قمة الدار البيضاء الاقتصادية لدول شمال أفريقيا والشرق الأوسط بقولها “إن منطقة الشرق الأوسط تعيش مرحلة قيام نظام إقليمي جديد، وأن لتركيا دورًا مهما في ترسميه وتحديد معالمه، وأن تكثيف عملية السلام في المنطقة عماده التعاون الاقتصادي بين بلدانها، وما سيعطي تركيا فرصة أن تؤدي الدور المهم هنا كونها صلة الوصل بين الشرق والغرب”.

وهكذا نصل إلى التساؤل ما الجديد الذي ظهر في توجهات السياسة التركية في ظل حكومة أربكان؟ وهل كان يمثل تغييرًا جوهريًا؟ وكيف كان مآله بعد تولي يلماظ؟

تكمن الإجابة على هذه الأسئلة في ملاحظة الفارق بين أول جولة خارجية لأربكان وليلماظ فالأولى كانت في دول إسلامية والثانية كانت في أوروبا. وإذا كان توجه السياسة التركية قد أضحى يتجاذبه ثلاث دوائر كبرى: أوروبا في الغرب وآسيا الوسطى والقوقاز في الشرق والمنطقة العربية وإسرائيل في الجنوب فإن التقرير يتوقف عند الدائرتين الأولى والثالثة حيث شهدا –بالمقارنة بالدائرة الثانية تطورات ذات مغزى أكبر في العامين الأخرين.

(1) التوجهات الخارجية لحكومة أربكان:

على الرغم من أن هذه التوجهات أبرزت اهتمامًا بالدائرة الإسلامية فإنها ظلت حبيسة دائرة العلاقات المميزة مع إسرائيل بل وكان عليها مواجهة معضلة الاتفاق الاستراتيجي مع إسرائيل تم توقيعه من جانب حكومة يلماظ تشيلر التي لم تدم إلا شهرين بعد تشكيلها عقب انتخابات 1995.

1- الحركة باتجاه الدول الإسلامية:

لقد كان اختيار أربكان لإيران وليبيا لتكونا أول دولتين يزورهما رسميًا تأكيدًا لهدفه الاستراتيجي لتحويل تركيا قائدة في العالم الإسلامي بدلاً من أن تكون تابعة وخاضعة للكتلة الغربية، كما أن رفض الاتحاد الأوربي المستمر لقبول تركيا كعضو فيه قد دفع السياسى التركية بقيادة أربكان إلى إعادة توجيه البلد شرقًا؛ الأمر الذي راقبته المؤسسة العلمانية بتوجس.

ما فتئ نجم الدين أربكان منذ كان زعيمًا لحزب السلامة الوطني، يدعو إلى انتهاج تركيا سياسة خارجية، انطلاقًا من كونها بلدًا مسلمًا يتقاطع مصالحه محيطة الإسلامي ويتناقض مع توجهاته الأوروبية، ومنذ آواخر الستينات وأربكان يدعو إلى سوق إسلامية اقتصادية مشتركة وحلف دفاعي، على نمط حلف شمال الأطلسي، بين الدول المسلمة، وفي برنامج حزب الرفاه لعام 1991 عدد أربكان خمسة عناوين رئيسية في سياسة تركيا الخارجية وهي:

1- تشكيل “منظمة أمم متحدة للدول الإسلامية” بين الدول والشعوب الإسلامية، تستند إلى الحق، يكون الهدف منها تحويل العالم الإسلامي إلى كتلة عالمية واحدة ومؤثرة.

2- تشكيل “منظمة واتحاد السوق المشتركة للدول الإسلامية بهدف تنشيط التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية وإقامة سوق واحدة.

3- تشكيل “منظمة التعاون الدفاعي المشترك للدول الإسلامية تعمل على وقف الظلم ومنع التعدي وإحقاق الحق والعدالة.

4- الانتقال إلى وحدة نقد مشتركة للدول الإسلامية وذلك بهدف التحرر من الدولار الأمريكي الذي يخدم الإمبريالية والصهيونية.

5- تشكيل منظمة تعاون ثقافي للدول الإسلامية، تهدف إلى التنسيق بين الجامعات في الدول الإسلامية ومعاهدها ومراكز أبحاثها، وتؤمن التعاون العلمي والتكنولوجي.

وفي الواقع، لم ينتظر أربكان حتى يستلم السلطة لتتاح له فرصة تطبيق برنامجه المذكور على الصعيد الخارجي، بل جهد في التحرك خارج الأطر الرسمية للدول، سواء في تركيا أو في العالم الإسلامي، وكانت أداته التي يتوصل بها لتجسيد حلمه، هي ما يسمى باتحاد الجماعات الإسلامية، الذي يضم ممثلين عن عدد كبير من حركات المعارضة الإسلامية في العالميين العربي والإسلامي، من مصر وباكستان ولبنان وسوريا والأردن ودول شمال أفريقيا والسودان وآسيا الوسطى والفلبين.

وانطلاقًا من كون تركيا بلدًا إسلاميًا، ومن مبادئ أربكان الإسلامية الخمسة سالفة الذكر في التكامل مع العالم الإسلامي، وقف أربكان بحزم ضد المجالات التركية للانضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة ثم المجموعة الأوروبية، ثم الاتحاد الأوروبي، وكان أربكان يركز على عنصر فقدان السيادة في رفضه انضمام تركيا إلى المجموعة الأوروبية ويقول أربكان “إننا نعارض الانضمام إلى المجموعة الأوروبية، لأن هدفها إقامة دولة واحدة وتفقد الدول بالتالي سيادتها” ولكن حزب الرفاه في رفضه التكامل مع الغرب أو الدخول في علاقات جيدة مع دوله يستثنى –إلى حد ما- ألمانيا من هذه الانتقادات، ومرد ذلك، في الأساس إلى العلاقات التاريخية الجيدة بين المانيا والدولة العثمانية فضلاً عن الحضور القوي لمنظمة “مللي جروس” التابعة للرفاه والتي تعد ذراعة الخارجة في أوروبا، ولا سيما في المانيا.

ورغم أن حزب الرفاه بزعامة أربكان يرفض الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي فإن الاتحاد الأوروبي نفسه رفض انضمام تركيا إليه، ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تؤجل فيها الأوروبيون ضم تركيا إليهم، فقد استبعدت تركيا في مرات سابقة حين وسعت الجماعة الأوروبية عضويتها بضم اليونان وأسبانيا والبرتغال، وتم تعويض تركيا عن ذلك مؤخرًا بإدخالها إلى عضوية الاتحاد الجمركي عام 1995 على أساس أن تفتح أمامها الأبواب بعد ذلك مع دول أوروبا الشرقية([75]).

لقد حاول حزب الرفاه الرد على محاولات إلحاق تركيا بعجلة الاتحاد الأوروبي التي كانت تواجه دائمًا بالرفض، وكان لابد من الرد بلغة الحسابات والمصالح، وكان من العسير على أربكان اقتراح تحجيم دور تركيا ضمن صفوف هذا العملاق الأوربي دون توفير البدائل، وحين توفر البديل الإسلامي كفكرة نظرية.

انتهز الحزب فرصة وجوده في الحكم ليجعل من مشروع التكتل الإسلامي حقيقة واقعة أعلنها أربكان على الملأ في أكتوبر 1996؛ ليضع مفاتيح الحل الإسلامي بيد الطبقة السياسية، ويفرضها على مستقبل تركيا الحديث، ليس كمجرد خيار بديل لفشل تركيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي ولكن كخيار أصيل يضع تركيا في مكانتها الحقيقية كدولة قائدة في العالم الإسلامي. ومن هنا كان اجتماع وزارء خارجية ثماني دول إسلامية في اسطنبول في 4 يناير 1997 لإعلان أهداف إقامة مجموعة الثمانية D8 تعبيرًا عن التوجه التركي الجديد في التعامل مع العالم الإسلامي، الأمر الذي أثار قلق الدوائر الغربية والإقليمية برغم إعلان أربكان أن المجموعة ليست موجهة ضد أحد، ولكنها تستهدف التعاون لتحقيق الاستقرار والسلام والعدالة والديمقراطية كما أوضح أن المجموعة لن تتعارض مع منظمات قائمة بالفعل أو اتفاقيات قامت بها هذه الدول، وأشارت تشيلر إلى أن المجموعة ليست ناديًا إسلاميًا، ولا تتعارض مع اتفاقيات الوحدة الجمركية مع الاتحاد الأوروبي([76]).

تجد المخاوف الغربية أساسها في أن مجموعة الثمانية ستمثل سوقًا ضخمة لمنتجات هذه الدول، التي تملك مقومات لإقامة صناعة مشتركة بينها، فهي تضم نمري آسيا: ماليزيا وإندونيسيا، إضافة إلى تركيا وباكستان ومصر التي تمتلك خبرات معقولة في الصناعات المدنية والعسكرية، ونيجيريا عضو الأوبك وصاحبة المواد الخام الوفيرة، وبنجلاديش وبها أرخص الأيدي العاملة في العالم.

ولذلك طلبت مصر تطمينًا للقوى المختلفة، وإتاحة فسحة من الوقت لدول المجموعة لدراسة الموضوع بشكل أوسع، ولم تؤيد طلب أربكان بعقد القمة الرئاسية في مارس 97([77]).

وبالفعل أعلن رؤساء دول المجموعة في 15 يونيو تأسيس المجموعة كمنظمة للتعاون الاقتصادي والتجاري في اسطنبول، وقد حاول الرؤساء الابتعاد عن الخوض في المسائل السياسية مركزين على واقع التعاون الاقتصادي وآفاقه المستقبلية بين الدول الأعضاء، وضرورة توسيع نشاط المجموعة باتجاه التعاون مع المنظمات الاقتصادية الإقليمية، وأقر الرؤساء المبادئ الستة للمنظمة، وأهمها: السعي والنضال في سبيل السلام بدلاً من الصراع، والحوار بدلاً من المواجهة، والعدالة بدلاً من الظلم، ثم تم اقرار إعلان اسطنبول الذي دعا لاتخاذ إجراءات كفيلة بالتغلب على الحواجز التجارية واقامة مجالس أعمال مشتركة بين الدول الأعضاء ضمن 12 مبدأ أساسيًا تضمنها الإعلان، كان من أهمها([78]):

إقرار شمول التعاون بين الأعضاء كافة المجالات والتعاون التجاري والصناعي، وفي مجال الاتصالات والمعلومات والبنوك والتمويل، وتفعيل الخصخصة والتنمية، والعمل الدؤوب للقضاء على الفقر وتنمية الموارد البشرية، وتنسيق المواقف الدولية خصوصًا في المنظمات الدولية والتعاون مع هذه المنظمات خصوصًا منظمة المؤتمر الإسلامي.

وقد اختارت القمة من بين 55 مشروعًا ستة مشروعات تقدمت بها الدول الأعضاء هي:

  • المشروع الصناعي الزراعي التركي لإنتاج الطائرات الزراعة.
  • المشروع المصري بتأسيس شركة دولية لتسويق منتجات الدول الأعضاء.
  • مشروع التكافل الإسلامي الذى تقدمت به ماليزيا والخاص بإنشاء شركة إسلامية كبرى للتأمين.
  • مشروع مكافحة الفقر في دول المجموعة الذي تقدمت به أندونيسيا.
  • المشروع الباكستاني للتعاون في مجال الثروة السمكية وقد أولى بعض المفكرين مثل جارودي إعلان استنبول أهمية كبيرة لدرجة وصفه بأنه الجانب الاقتصادي لمؤتمر باندونج السياسي غير أنه بخروج أربكان وحزبه من السلطة، دخلت مجموعة الثماني دول ومشروعاتها في طي النسيان.

وعلى ضوء تحليل الخطوات التنفيذية لتأسيس هذه المجموعة، و تحليل ما يواجه هذه المجموعة من فرض أو قيود (من حيث مقومات تأسيس المجموعة من حيث مستويات الأداء الاقتصادية ودرجة التكامل بين الهياكل الاقتصادية للدول الأعضاء…، موضع مجموعة الثماني بين الارتباطات الدولية الأخرى للدول الأعضاء، التحديات التي تواجه المجموعة) توصلت إحدى الدراسات([79]) إلى أن ظروف نشأة المجموعة قد حملت أسباب ضعفها وخاصة ارتباطها بصعود نجم الدين أربكان وبالفعل فمن بعده دخلت المجموعة كما سبق القول طي النسيان.

التطور في العلاقات التركية الإيرانية:

أما على صعيد العلاقات مع إيران، فقد شهدت تحسنًا خاصة مع زيارة رافسنجاني لتركيا في 21 ديسمبر 96 وزيارة أربكان لإيران وإعلانه عن تعاون تركيا معها في الصناعات والمسائل العسكرية، الأمر الذي أثار مخاوف الغرب، إذ تمتلك إيران خبرات واسعة في مجال تطوير صواريخ أرض أرض يمكن أن تقدمها لجارتها تركيا خاصة وأن تركيا كانت في سبيلها لعقد اتفاقية مع الصين لانتاج صاروخ مشترك، وفي المقابل تحتاج إيران للخبرة التركية لتحديث أسلحتها خصوصًا الغربية.

على أن أهم الارتباطات الاستراتيجية لتركيا مع إيران كانت من خلال اتفاقية صفقة العصر التي تعتبر أضخم اتفاقية في تاريخ العلاقات بين البلدين وتقوم إيران بمقتضاها بتصدير 9 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى تركيا مدة عشرين عامًا في مقابل 23 مليار دولار؛ حيث تقوم إيران بتصدير 3 مليارات متر مكعب سنويًا اعتبارًا من عام 98 تزداد إلى 10 مليارات متر مكعب اعتبارًا من عام 2005 وحتى نهاية مدة هذا الاتفاق، على أن يتم البدء فورًا في تنفيذ الخط الجديد الذي يبدأ من مدينة تبريز الإيرانية حتى الحدود التركية.

وقد دخل الاتفاق في حيز التنفيذ بعد أسبوع من التصديق على قانون داماتو الذي يقضي بتوقيع عقوبات على الشركات والأطراف التي تستثمر في مشروعات البترول في ليبيا وإيران([80])، الأمر الذي دعا البعض لاعتبار الاتفاق تحولاً جوهريًا في السياسة التركية قد يؤدي لمزيد من التعاون مع إيران مقابل تعاونها مع الولايات المتحدة الحليف الأكبر في الناتو.

العلاقات مع مصر وليبيا:

قابلت القاهرة تولي أربكان رئاسة الوزارة بتحفظ واضح من أول يوم، على الرغم من الارتياح الرسمي لسعي أربكان لحل المشكلات المعلقة مع الحكومتين السورية والعراقية ومرد هذا التحفظ هو علاقات أربكان السابقة بالتيارات الإسلامية إضافة للاتفاق العسكري التركي الإسرائيلي الذي أثار قلق الدول العربية. وبرغم محاولة أربكان التهوين مع شأن هذا الاتفاق لدى زيادرته للقاهرة مؤكدًا أنه اتفاق مصالح وليس علاقات استراتيجية فقد كانت ثمة حالة من الفتور في استقباله بدت في رفض اقتراحات هامة قدمها للوساطة في المنطقة، وكذلك رفض ما عرصه بخصوص التعاون العسكري مع الدول العربية من خلال الهيئة العربية للتصنيع، وقد حاول أربكان دعم مصداقيته بقبول الوساطة المصرية في بعض التوترات مع سوريا خاصة في مشكلة المياه والأكراد، وجرى الاتفاق على تنظيم اجتماعات بين مفاوضين من تركيا وسوريا برعاية مصر والجامعة العربية حول هذه القضايا([81]).

وعلى الصعيد الاقتصادي وقعت الدولتان أربعة اتفاقيات مختلفة لتشجيع الاستثمار والتبادل التجاري والاقتصادي والتعاون القضائي فضلاً عن بحث عدة مشروعات للربط الكهربائي والتعاون الصناعي وإنشاء خطوط ملاحية وجوية أما في ليبيا فقد هاجم القذافي تركيا لعلاقتها مع إسرائيل ودعا لإنشاء دولة كردية ووقف اضهاد الأكراد وقد أدى هذا الموقف تجاه زيارة أربكان إلى الشعور بخيبة أمل وخاصة وأن أربكان تحمل انتقادات أمريكية حادة بسبب زيارته لليبيا.

2- العلاقات مع إسرائيل:

دخلت العلاقات التركية الإسرائيلية مرحلة جديدة بتوقيع اتفاق التعاون والتدريب العسكري في 23 فبراير 1996، ولم يعلن عنه إلا في مارس 1996، ولقد وقع هذا الاتفاق حكومة يلماظ تشيلر التي تكونت عقب الانتخابات التي فاز فيها حزب الرفاه بأغلبية نسبية وهي الحكومة التي لم تستمر عدة أشهر وتكونت بعدها حكومة أربكان تشيلر التي ورثت هذا الاتفاق.

وينص هذا الاتفاق على:

احتفاظ سلاح الجو الإسرائيلي بتواجد دائم في القواعد الجوية التركية (قونية، وانجرليك، وآسكي شهر)([82]).

وتنفيذ ثماني مناورات وتدريبات مشتركة على مدار السنة، كما يسمح لإسرائيل بالقيام بطلعات جوية للرقابة الإلكترونية فوق حدود تركيا مع إيران والعراق وسوريا.

وقد تم التشديد على التعاون في مكافحة الإرهاب، وأمن الحدود، بما في ذلك مساعدة إسرائيل لتركيا في حماية حدودها من الانفصاليين الأكراد.

ويسمح الاتفاق باستقبال السفن الحربية لكلا البلدين في مواني البلدين في مواني البلد الآخر، وينص على إنشاء منتدى أمني للحوار الاستراتيجي بين البلدين، يشمل نشاطه أنشطة الاستحبارات، وإقامة أجهزة تصنت في تركيا لرصد أية تحركات في سوريا وإيران، وجمع المعلومات عنهما، والقيام بدوريات بحرية مشتركة شرق المتوسط، وكذلك استخدام الأفلام الوثائقية لكل دولة، وتلتزم إسرائيل بموجبه بتقديم صور الأقمار الصناعية التجسسية لتركيا.

ويمكن من خلال قراءة سياق هذه الاتفاقيات التعرف على الدوافع الإسرائيلية التركية وراءها والتي يمكن إجمالها في([83]):

  • عودة إسرائيل لسياسة بن جوريون الهادفة إلى تعميق التعاون مع دول الجوار الجغرافي لموازنة البعد الجغرافي للعالم العربي بإقامة تحالفات إقليمية تقوم على محاصرة العرب وإشغالهم بقضايا فرعية بعيدة عن القضية الفلسطينية.
  • إن تعاون تركيا مع إسرائيل يجعلهما الركنين غير العربيين في إعادة هندسة الشرق الأوسط لممارسة هيمنة اقتصادية وأمنية كاملة من خلال التفوق العسكري، والتحكم بموارد المياه من جانب تركيا، وحيازة التقنية والخدمات المصرفية وشبكة التأثيرات الدولية من جانب إسرائيل.
  • تحقيق اتصال تركيا بواشنطن من الباب الخلفي عبر الوساطة الإسرائيلية لمواجهة اللوبي اليوناني والأرمني فيما يتعلق بقضية قبرص أو قضية اللانضمام للاتحاد الأوروبي وهما قضيتان مرتبطتان من وجهة نظر تركيا ومما يؤكد ذلك قيام تشيلر –وزيرة الخارجية الخارجية في حكومة أربكان- تشيلر –بالاتصال في فبراير 97 بنظيرها الإسرائيلي ديفيد ليفي وكذلك نتينياهو طالبة منهما أن تبذل إسرائيل جهودها لدى الاتحاد الأوربي كي يغير موقفه من تركيا منذ تجميد البرلمان الأوروبي في سبتمبر 1996 لاتفاق الالتحاد الجمركي المبرم في نهاية 1995 والذي كان قد بدأ سريانه في يناير 1996([84]).
  • التصدي للدعم الإقليمي (من إيران وسوريا بالأساس) للمجموعات الإسلامية المحلية ولحزب العمال الكردستاني في تركيا أما إسرائيل فتستهدف عزل إيران ومحاولة ردعها، حيث يرى بيريز أن الاتفاق العسكري مع تركيا هو اتفاق أمني في مواجهة إيران التي تسمى إلى الحصول على أسلحة متطورة من روسيا والصين وكوريا الشمالية([85]).
  • تأمين تركيا مصدرًا موثوقًا للتكنولوجيا العسكرية لا يكون مشرطًا بحقوق الإنسان.
  • يسهل التعاون التركي الإسرائيلي الوصول إلى عمق الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى الغنية بالنفط والغاز، وقد عبر بيريز عن أمله أن تسود الأتاتوركية في هذه المنطقة، لتبقى بعيدة عن تأثير إيران وباكستان، ولتستطيع إسرائيل أن تتحرك فيها بحرية تامة تحت غطاء تركيا.

وكان هذا الاتفاق يمثل إحراجًا لحكومة أربكان ذات التوجه الإسلامي بإظهار عجزها عن منع قيام تحالف كانت عرضته علنًا.

وكان أربكان قد أكد أثناء حملته الانتخابية رفضه التعاون العسكري مع إسرائيل وتصميمه على تعزيز علاقاته مع العالم الإسلامي، ولذا فإن الفوز النسبي للرفاه في الانتخابات لم يثر مخاوف الأوساط العلمانية في تركيا فقط بل وفي إسرائيل أيضًا ومن هنا كان تصريح عيزرا ويزمان رئيس لبدولة الإسرائيلية أثناء زيارته لأنقرة بأنه كله ثقة من تدخل الجيش لضمان علمانية الدولة في حالة وصول الإسلاميين للحكم([86]), ولكن لم يستطيع أربكان أن يغير واقع التحالف الذي أرسى واتخذ مساره في العلاقات بين البلدين بسبب قيود عديدة أحاطت بسياساته تتعلق بعضها بالمؤسسة العسكرية وأخرى تتعلق بتشكيل الحكومة التركية الائتلافية ذاتها.

ولذا وبرغم قرار الحكومة التركية تأجيل توقيع الاتفاق مع تل أبيب بشأن التعاون في الصناعات الأمنية بين البلدين، فقد استمرت الاجتماعات المقرر عقدها مع الإسرائيليين مثل زيارة وزير الدفاع التركي ونائب هيئة الأركان العامة للجيش التركي لإسرائيل، وزيارة وزير الخارجية الإسرائيلي لأنقرة ولكن تخللت الاجتماعات انتقادات للسياسة الإسرائيلية. كما حدث أثماء زيارة وزير الخارجية ديفيد ليفي في الفترة من 6- 9 أبريل ز1997 عندما طالبه أربكان وقف المستوطنات اليهودية في القدس، والتزام إسرائيل باتفاق السلام مع الفلسطينيين([87]) بيد أنه بعد شهرين من تسلم أربكان للسلطة وفي 26 أغسطس 1996 أنجزت تركيا وإسرائيل صفقة قيمتها 590 مليون دولار لتحديث طائرات فانتوم ف4، وعرضت إسرائيل على تركيا أن تبيعها طائرات أواكس للإنذار المبكر، وأن تقوم بتحديث الدبابة الأمريكية م 60([88])، وقد وقع أربكان هذه الصفقة في 8 ديسمبر 1996 بعد ضغط شديد من العسكريين، وحدث الأمر نفسه بالنسبة لاتفاقية التجارة الحرة التي كان أربكان معروفًا بمعارضته لها، إلا أنه أرغم على توقيعها وتم التصديق عليها عشية زيارة ديفيد ليفي لتركيا، واستمرت الطائرات الإسرائيلية في التدريب في الأجواء التركية، كما قام رئيس الأركان التركي بزيارة إسرائيل في فبراير 97 دون أن يكلف نفسه عناء إبلاغ الائتلاف الذي يقوده الرفاه([89])، بل لم تعرف الحكومة المدنية تفصيلات العلاقات مع إسرائيل، فوفقًا لوزير الدولة عبد الله جول فإن أربكان سأل وزير الدفاع في اجتماع حكومي عن مضمون الاتفاقيات والمفاوضات مع إسرائيل فأجاب بأنه لا يعرف غير أن الجنرالات أخبروه أنها ليست موجهة ضد بلد ثالث كما أخفقت مساعي أعضاء البرلمان للحصول على معلومات تفصيلية تتعلق بالاتفاقيات، حيث ردت وزارة الخارجية بلائحة غير مفصلة بالاتفاقيات([90]) بعبارة أخرى استمر التعاون في ظل حكومة أربكان وتدعم في الفترة من يونيه 96 وحتى يونيه 97 رغم توجهات أربكان الإسلامية ومواقفه المعلنة السابقة على توليه الحكم، بل أنه بعد اتفاق في 8/4/97 بشأن تقدير مخاطر سوريا وإيران على البلدين أجريت مناورات مشتركة بحرية وجوية (حورية البحر 97 في يونيو 97 والتي امتدت بين بحر ايجه وحتى حدود المياه الإقليمية لسوريا مرورًا بالمجالين الجوي والبحري لقبرص)([91]).

وقد أثارت الاتفاقيات ردود فعل عربية واسعة، وأصدرت وزارات الخارجية في كل من العراق وإيران وسوريا بيانات تدينها. أما مصر فقد أعلنت على لسان الرئيس حسني مبارك أنه “لا يزال غير مقتنع بأن الاتفاقية العسكرية بين تركيا وإسرائيل مجرد اتفاقية ذات دوافع برئية” وأوفدت وزير خارجيتها عمرو موسى إلى تركيا لتقصي الحقائق والاستفسار عن تفاصيل الاتفاقيات.

برغم رمزية مواقف أربكان بصدد تحركاته الخارجية خاصة زيارتيه لليبيا وإيران فإنها أثارت مخاوف الجيش الذي رأى فيها مظاهر لسياسة خارجية جديدة قد تنتهي بإحداث تحولات حقيقية في السياسة التركية التقليدية وبرغم تخطي الجيش لأربكان فيما يتصل بالعلاقات مع إسرائيل بدأ مسلسل المواجهة بين الجيش وأربكان كما سبق الإشارة([92]).

(2) اتجاهات الحركة الخارجية لحكومة يلماظ:

كانت الجهود التي عقبت تولي مسعود يلماظ رئاسة الوزارة بمثابة إزالة للرتوش التي أضافتها حكومة أربكان إلى السياسة الخارجية  التركية، فالتوجه نحو الغرب خيار قديم وثابت ولدى تركيا منذ تأسيسها في سنة 1923، حيث أخذت تركيا مكانها إلى جانب الأوربيين في أكثر من حلف ومجموعة، كالمجلس الأوروبي في سنة 1948، ومنظمة حلف شمال الأطلسي في سنة 1952، واعتبرت السياسة الخارجية التركية أن الانضمام للجماعة الأوروبية أهم أهدافها خارجيًا؛ باعتباره تعبيرًا عن الالتحاق بالغرب، ليس فقط اقتصاديًا بل سياسيًا وحضاريًا فالنخبة التركية تعي حقيقة الأسس الفكرية والثقافية غير المنظورة التي تكمن وراء الاتحاد الأوربي، وليس أدل على ذلك من المثابرة التركية في السعي للانضمام لهذا الاتحاد برغم العوائق والعراقيل التي يضعها الأوروبيون أمام تركيا.

وكانت الأزمة في العلاقات مع اليونان من ناحية والاندفاعية في العلاقات مع إسرائيل من ناحية أخرى لا ينفصلان عن هذا الدأب، كما يحملان مغزى هام بالنسبة لتوجه السياسة التركية نحو العالم العربي بصفة خاصة ونحو العالم الإسلامي بصفة عامة فإذا كانت مبادرة منظمة الثمانية قد دخلت حيز الجمود مع بداية 1998 فإن نهاية هذا العام شهدت انفجار الأزمة التركية السورية.

1- بين رفض جديد لطلب الانضمام للجماعة وبين تهديد بتجميد طلب الانضمام:

لقد بدأت الكومة الجديدة جهودها بجولة أوروبية لرئيس الوزراء يلماظ استهلها في بداية سبتمبر 1997 واستهدف منها تضييق شقة الخلاف حول العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوربي والمسألة القبرصية، خاصة بعد أن أوصت المفوضية الأوروبية ببدء المناقشات لانضمام أعضاء جدد في العام (1998) مع خمس دول أوربية شرقية، مع استبعاد تركيا التي قد تعيد النظر في بنود الوحدة الجمركية([93])، في الوقت الذي أوصت فيه المفوضية ببدء المفاوضات مع قبرص لانضمامها قبل حل مسألة الجزيرة([94]).

وقد تزامن ذلك مع بدء اليونان مناورات عسكرية ضخمة مع قبرص أطلقت عليها نيكيفورس من 10- 14 أكتوبر 1997، ردت تركيا عليها بإرسال طائرات حربية إلى المنطقة بما أدى لحوادث وشكاوي متبادلة بين الدولتين، كان أكثرها خطورة احتكاك الطائرات التركية بطائرة وزير الدفاع اليوناني، بينما حاولت سفينة يونانية الاصطدام بغواصة تركية في بحر إيجه في 23/10/1997 وتلت تلك المناورات مناورات يونانية أخرى أطلق عليها بارمينيون 97 في الفترة من 1-6 /11/97([95]) في الوقت الذي بدأ فيه الجيش التركي مناورات تصميم 97 ومناورات طوروس 97 في شمال قبرص([96])، مما رفع حدة التوتر بين البلدين، على الرغم من لقاء القمة بين رئيسي وزراء تركيا واليونان الذي عقد على هامش أعمال مؤتمر دول جنوب شرق أوروبا للبحث عن إحياء مجال بلقاني في كريت في 2/11/97([97]).

وقد حاولت اليونان استغلال رغبة تركيا في الانضمام للاتحاد الأوربي ليعرض وزير خارجتيها بانجالوس على وزراء خارجية الاتحاد الأوربي في اجتماعهم في 10/11/97 الشروط اليونانية لتتنازل أثينا عن الفيتو ضد انضمام أنقرة لعضوية الاتحاد، وعلى رأسها ضرورة انتهاء وتركيا عن التهديد بالخيار العسكري لحسم الخلافات بين البلدين، واللجوء لمحكمة العدل الدولية لتسوية النزاع حول جزيرة إيميا، كما قام رئيس الوزراء كوستيس سيمتيس بزيارة لندن وباريس لإحباط الجهود التركية للانضمام إلى عضوية الاتحاد([98])، وقد أسفرت هذه الجهود عن تصريح المفوض الأوربي في 27/11/97 بأن أوروبا تنتظر مؤشرات إيجابية من تركيا في ثلاثة مجالات هي: حماية حقوق الإنسان، وتحسين العلاقات مع اليونان، وإحراز تقدم في تسوية المشكلة القبرصية”.

وأزاء هذه التصريحات قرر مجلس الأمن القومي التركي أن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي لن يعود مطروحًا بالنسبة لتركيا؛ إذا لم يتخذ الاتحاد قرارًا مؤيدًا لأنقرة خلال قمته المعقودة في 12-13 ديسمبر([99]) أما وزير الخارجية إسماعيل جيم فقد صرح في مقابلة مع صحيفة ليبر بلجيك أنه “إذا كان (الرفض) هو خيار فإن الاتحاد لن يعود مطروحًا على رأس جدول أعمالنا السياسي([100]) وحذر من ظهور جدار برلين جديد، ولكنه جدار ثقافي هذه المرة، وأن قمة لوكسمبورج ستكون “مناسبة لرؤية ما إذا كانت أوربا ستصبح ناديًا للمسيحيين أم ستكون منظمة متعددة الثقافات” وأضاف أن “البعض يقول ذلك بصوت عال، والبعض الآخر يفكر بدون أن يقول –وهذا أسوأ- إن أوربا مخصصة للدول المسيحية([101]).

وقد تبنت قمة لوكسمبورج في 13/12/97 مشروع توسعة الاتحاد الأوروبي الذي نص على أنه يتعين على أعضاء المؤتمر أن يلتزموا بشكل نتبادل العمل من أجل السلام والأمن ومبادئ الاتحاد الأوروبي، ووحدة وحصانة الحدود، والالتزام بحل الخلافات الحدودية سلميًا خصوصًتا عبر محكمة العدل الدولية “وتستهدف هذه الصياغة المشكلة اليونانية التركية، ومسألة قبرص، واحترام حقوق الإنسان، التي أدت لاستبعاد تركيا من محادثات ضم دول جديدة للاتحاد الأوربي، والإكتفاء بدعوة أنقرة لصيغة المؤتمر الأوروبي ودعوتها لإعداد استراتيجية للتقارب([102])، وهو ما رفضته تركيا على لسان رئيس وزرائها الذي أكد رفض حكومته لإملاء الاتحاد عليها أية شروط مقابل الانضمام إليه، في الوقت الذي طالب فيه بيارموسكو نيس وزير الشئون الأوروبية بعدم إغلاق باب عضوية الاتحاد الأوربي أمام تركيا([103]).

وفي تطور آخر أعلنت تركيا قطع الحوار السياسي مع الاتحاد الأوربي في 15/12/97 وخصوصًا في مسائل اليونان وقبرص، متهمة الاتحاد بحرمانها من معاملة متكافئة مع بقية الدول التي نوقشت عضويتها، والانحياز ضدها([104])، واتهم مسعود يلماظ هلموت كول بالسعي سرًا إلى تحويل الاتحاد الأوربي إلى نادي مسيحي يستبعد تركيا، مما أدى ولانتقاد فان دين بروكفي 11/1/98 لتصريحات هلموت كول الملمحة للبعد الإسلامي في الخلاف مع تركيا([105])، وهو ما دعا المتحدث باسم المستشار كول إلى التصريح بأن ألمانيا في موقفها حيال انضمام تركيا إلى الاتحاد الأورةبي لا تستند إلى الدين([106])، كما أعرب الرئيس التركي ديميريل عن رفضه استبعاد بلاده من مشروع توسيع الاتحاد باعتباره تمييزًا غير مقبول.

وقد هددت تركيا في 15/12/97 بسحب طلب الانضمام إلى الاتحاد الأوربي، ورفضت في أعقاب هذه التصريحات المشاركة في المؤتمر الأوربي المنعقد في لندن في مارس 98([107]).

وزاد من تدهور العلاقات الأوربية التركية تدفق آلاف المهاجرين الأكراد إلى أوروبا عبر إيطاليا في أوائل يناير 98، حيث اتهمت قوى سياسية كردية أنقرة بالعمل على تصفية حساباتها مع الأوربيين عبر إغراق بلدانهم باللاجئين الأكراد، وعزز هذا الاتهام اعتراف أكراد عراقيين بأن تركيا شجعت هجرتهم بأعداد كبيرة إلى إيطاليا، وهو ما انتقده السفير التركي في ورما([108]).

كما رفضت تركيا الموافقة على البيان الختامي لقمة روما حول الهجرة غير المشروعة، التي اتفقت فيها الدول الأوروبية على إجراءات لحماية الحدود الخارجية، وقضايا الترانزيت([109]).

وقد أدى اتساع نطاق الهجرة الكردية إلى تجميد اتفاقية شنجن للحدود خاصة بعد إقدام المانيا وفرنسا والنمسا على إعادة الرقابة على حدودها الأمر الذي دعا وزراء خارجية الاتحاد الأوربي للاجتماع في 26/1/98 في بروكسل لبحث كيفية وقف نزوح الأكراد، حيث وافقت ايطاليا على تشديد الرقابة على حدودها، والموافقة على ابقائهم فوق أراضيها، بدلاً من السماح لهم بالسفر لألمانيا وفرنسا، وأسفرت هذه الضغوط عن مراجعة الحكومة التركية لسياستها الخاصة بتأشيرات الدخول، وتعهدت بتشديد الضوابط على المعابر الحدودية.

هذا ولم ينفصل الرفض الأوربي لانضمام تركيا عن تصاعد التوتر في العلاقات اليونانية-التركية (كما سنرى) بل لقد زاد من حدة اشتعال النزاع حول قبرص مؤازرة دول الاتحاد الأوربي لليونان في مطالبها وشروطها، مما أدى إلى استياء أنقرة.

ومن ناحية أخرى توترت العلاقات بين تركيا وكل من إيطاليا وألمانيا بسبب قضية عبد الله أوجلان وتصاعد التوتر إلى درجة خطيرة دفعت المانيا يلماظ إلى تجنب التصعيد حتى لا يؤثر ذلك على مسألة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، ولكن عادت تركيا وأعلنت أنها قررت وضع حد لتجميد علاقاتها مع الاتحاد الأوربي بعد أن اعترفت المفوضية الأوربية بطلبها بأن تعامل على قدم المساواة مع الدول الإحدى عشر المرشحة للانضمام إلى الاتحاد وأقر تقرير المفوضية حول تركيا بديناميكية قطاعها الخاص، لكنه انتقد عدم استقرار اقتصادها الكلي والتدخل المفرط للدولة([110]).

-وفي قمة فيينا التي عقدت في ديسمبر 1998. لم يخصص دول الاتحاد الأوربي سوى أربعة أسطر لعلاقات الاتحاد الأوربي مع تركيا في جملة القرارات التي أعلنوا عنها وتضمنت 124 فقرة في 50 صفحة مما يعني عدم التفكير في إضاءة الضوء الأخضر لأنقرة وأظهر موقف تركيا من هذا القرار أنها تحرص على عدم استفزاز العواصم الأوروبية، حيث لم تتطرق قمة فيينا إلى الموضوع الكردي وعبد الله أوجلان الذي اعتبره الزعماء الأوروبيون موضوعًا يخص تركيا وإيطاليا والمانيا فقط وهو ما أدى لارتياح نسبي في أنقرة التي كانت تتخوف أن يكتسب الموضوع طابعًا أوروبيًا في ظل أحاديث المانيا وايطاليا للدعوة لمؤتمر أوروبي أو دولي عن القضية الكردية.

وستبقى قضية حقوق الإنسان والمسألة الكردية والديمقراطية من الحجج الرئيسة للدول الأوروبية في رفضها لانضمام تركيا إليها([111]).

2- النزاع والتركي- اليوناني حول قبرص:

استغلت اليونان مركزها في الاتحاد الأوربي للاعتراض على انضمام تركيا لعضوية الاتحاد الأوربي، وطلبت تجميد المنحة المالية التي يقدمها الاتحاد لها، واستمرت ظالعلاقات اليونانية التركية بين شد وجذب طيلة العام 1997 حتى تصاعد التوتر بين الدولتين في عام 98 ووصل الأمر للتهديد بالتدخل العسكري لحسم النزاع بينهما.

فقد أقر مجلس الوزراء اليوناني بدء المفاوضات مع تركيا من خلال لجنة حكماء، كانت هولندا قد اقترحتها بصفتها رئيس الاتحاد الأوربي في أول مايو 97، على أثر مفاوضات بين وزيري زخارجية البلدين، إلا أن العلاقات عادت للتذبذب مرة أخرى في شهري أغسطس وسبتمبر لدى انعقاد قمة حلف الأطلسي، حيث طالبت أثينا بإنشاء إدارة جديدة للحلف في مدينة لاديسا اليونانية، كإدارة موازية لتلك الموجودة في أزمير التركية، الأمر الذي كان مثار اعتراض تركيا بحجة التكاليف المادية، إلا أنه حدث تطور إيجابي مفاجئ عندما أقر رئيسا الوزراء اليوناني والتركي في اجتماع قمة على هامش المؤتمر، اتفاقًا من ست نقاط لتحسين العلاقات بين بلديهما ومن أهمها الاحترام المتبادل للأراضي والحقوق المشروعة لكل جانب، واحترام حقوق الجانبيين في بحر إيجة، والبعد عن استخدام العنف أو التهديد باستخدامه ويعزو بعض المراقبين هذا التطور المفاجئ لرغبة الجنرالات الأتراك في التقاط أنفاسهم قبل أن يلتفتوا إلى مشاكلهم الداخلية مع الإسلاميين والأكراد.

ومع اقتراب موعد قمة لوكسمبورج الأوروبية رفضت اليونان في 25/11/97 اقتراحًا تركيًا بعقد لقاء للجنة الحكماء المشتركة المكلفة بتحديد نقاط الخلاف بين الدولتين يوم 10/12/97، واصفة هذا الاقتراح بأنه مجرد محاولة للخداع لإقناع دول الاتحاد الأوربي بأحقية تركيا في انضمامها([112])، وفي المقابل اتهمت أنقرة أثينا بتزويد حزب العمال الكردستاني المناهض لها بصواريخ أرض جو من طراز ستيكر لمواجهة غارات الطيران التركي([113]).

وقد دخلت العلاقات التركية اليونانية أزمة جديدة مع اعتراف أوربا الضمني بمد اليونان مجالها الجوي لعشرة أميال؛ حيث أعلن رئيس اللجنة البرلمانية لاتحاد غرب أوربا في 24/1/98 أن الاتحاد يدعم الموقف اليوناني وحقوق اليونان المشروعة وفقًا للقانون الدولي، في إشارة إلى تأييد الاتحاد لحق اليونان في مد مجالها الجوي، وردت تركيا بإطلاق سفنها النار بالقرب من جزيرة إيميا كاراداك لتأكيد سيطرتها عليها.

وقد زاد من تدهور الأوضاع افتتاح قاعدة جوية قرب مدينة بافوس جنوب قبرص في 24/1/98 وإعلان السلطات القبرصية عن نشر طائرات مقاتلة من اليونان في هذه القاهدة، وهو ما اعتبرته تركيا “مزعزعًا للاستقرار في الجزيرة([114])، خاصة بعد الإعلان عن نية الجانب القبرصي اليوناني لنشر صواريخ دفاع جوي روسية الصنع من طراز 300$، حيثأعلن حسين جليم ممثل تركيا في الأمم المتحدة حينئذ، أن إقرار نشر هذه الصواريخ “يدفع بالجانبين على أعتاب أزمة” مؤكدًا أن “تركيا لن تبقى غير مكترثة ولكنها ستتصرف كقوة ضامنة وفقًا لحقوقها والتزاماتها في المعاهدة”([115]). وتبلغ قيمة صفقة الصواريخ الروسية المضادة للطائرات 600 مليون دولار وتشمل قرابة 20 منصة في كل منها ستة صواريخ يمكنها أن تصيب أهدافًا في أجواء تركيا نفسها، التي لا تبعد عن قبرص سوى 70 كم([116])، وعلى حين تعتبر تركيا نشر هذه الصواريخ عملاً عدوانيًا ضدها؛ فإن جمهورية قبرص اليونانية دافعت عن قرارها مؤكدة أن طلب صواريخ روسية تدبير سياسي صحيح، ويندرج في إطار أهدافها الاستراتيجية ومع اقتراب موعد تسلم أول دفعة من الصواريخ في أغسطس 98 شهدت المنطقة تصعيدًا عسكريًا جديدًا، بعد إرسال أثينا أربع مقاتلات وطائرة نقل إلى قاعدة بافوس([117])، وهو ما اعتبرته تركيا “مؤشرًا لنيات عدوانية” فردت بإرسال ست مقاتلات تركية من طراز ف 16، وأعلن يلمظ أن “حكومة تدرس اتخاذ سلسلة من الإجراءات الضرورية بما فيها العسكرية” لتدخل المنطقة دوامة التوتر التي لم يخفف منها إلا إعلان قبرص عن تأجيل نشر الصواريخ الروسية ومع استمرار الجهود التركية لتسوية لأزمة القبرصية، جاءت زيارة الرئيس التركي ديميرل إلى شمال الجزيرة في الخامس والعشرين من يوليو 98، وهي تعد أول زيارة يقوم بها رئيس دولة تركي إلى جمهورية شمال قبرص التركية، التي لا تعترف بها سوى أنقرة منذ إعلانها في 1983، وخلال زيارة ديميرل أكد على عدة حقائق([118]):

  • أن قبرص لن تتحول إلى كريت جديدة، في إشارة إلى هذه الجزيرة اليونانية التي احتلها الأتراك تدريجيًا من عامي 1644 و1669 وتمردت هذه الجزيرة ثلاث مرات خلال القرن التاسع عشر لتحصل في النهاية على حكم ذاتي، وبعد تمرد أخير عام 1905 انضمت فعليًا إلى اليونان.
  • أن تركيا لها حقوق ومسئوليات ومصالح دائمة في قبرص، بموجب اتفاقيات عام 1960، المؤسسة للجمهورية القبرصية، مع تركيا واليونان وبريطانيا كدول ضامنة لهذه الاتفاقات، وقبرص مقسمة إلى شطرين، تركي في الشمال ويوناني في الجنوب منذ تدخل الجيش التركي عام 1974 ردًا على انقلاب للقوميين القبارصة اليونانيين في نيقوسيا، كان يهدف إلى ضم الجزيرة إلى اليونان، ولا يزال 35 ألف جندي تركي منشرين في الشمال.
  • انتقد الرئيس التركي الاتحاد الأوربي لأنه بدأ مفاوضاته مع الحكومة القبرصية لانضمامها إليه معتبرًا أن هذا القرار خطأ تاريخي ولا يأخذ بعين الاعتبار المساواة السياسية، بين المجموعتين في قبرص.

وقد جاءت زيارة ديميريل إلى قبرص مؤيدة ومباركة من قبل الجيش الذي أصبح مسيطرًا على كافة الأوضاع السياسية في تركيا بعد توجيهه كثيرًا من تهم الفساد لرئيس الوزراء الحالي مسعود يلماظ ولا شك أن تنامي دور الجيش يضع عقبات جديدة أمام العلاقات مع أوربا، حيث ترى الدول الأوربية (الاتحاد الأوربي) أن سياسات الجيش والعسكريين تؤدي إلى إفرازات اجتماعية دينية تثير مخاوف أوروبا في حالة انضمام تركيا إليها، وكذلك تؤدي هذه السياسات إلى ظهور مشاكل اللاجئين الأتراك إلى أوروبا بحثًا عن مأوى لهم وهروبًا من تعسف الجيش، الأمر الذي دفع مسئولين أوروبيين وأتراك لبحث هذه المشكلة في حالة فتح العلاقات التركية مع أوروبا([119])، ولا شك أن هذه المخاوف الأوروبية تضع علامات استفاهام كثيرة على إمكانية انضمام تركيا إلى دول المجموعة الأوروبية في المستقبل المنظور.

3- العلاقات التركية الإسرائيلية:

وقد تلقت دفعة جديدة مع إقصاء أربكان عن رئاسة الوزارة ومجيء يلماظ بدلاً منه حيث تزامن تعميق العلاقات مع إسرائيل مع الكشف عن المفهوم الجديد للاستراتيجية العسكرية القومية الذي يستهدف الإسلاميين([120])، ومن ناحية أخرى فقد أبرزت علاقة تركيا الجديدة بإسرائيل الدور المتفوق للعسكريين في سياسة تركيا الخارجية، وتنامت العلاقات على صعيد التعاون في الصناعات العسكرية، وعلى صعيد المناورات المشتركة الجوية والبحرية، وعلى صعيد التعاون الأمني والاستخباري.

لقد بدأ تنشيط العلاقات مع إسرائيل في تنظيم المناورات البحرية بالاشتراك مع الولايات المتحدة، وحاولت تركيا طمأنة العالم العربي بدعوة مصر للمشاركة في هذه المناورات والتأكيد على أنها ليست موجهه ضد أحد([121]) وأنها تستهدف فقط التدريب على مهام البحث والاتقاذ، وبالفعل فقد بدأت المناورات التي أطلق عليها “حورية البحر الواثقة من نفسها” في الفترة من 5-9 يناير 98 في شرق البحر المتوسط، قبالة الشواطئ السورية مما أثار مخاوف الدول العربية، خاصة بعدما تبين أنها تضمنت خطة إنزال ثلاثية باشتراك حاملة الطائرات الأمريكية جورج واشنطون في منطقة عند مدخل الإسكندرية، التي لا تبعد أكثر من 50 ميلاً عن الشاطئ السوري، وتستهدف المناورات التدريب على احتلال جزء من هذه المنطقة، والقيام بعملية خطف وهمية لشخصيات مستقرة بها، تنفذها وحدات الكوماندوز والمارينز.

وكان الإعلان عن المناورات التركية الإسرائيلية قد تزامن مع انتهاء أعمال قمة طهران الإسلامية التي وجهت انتقادات حادة لتركيا، وإن لم تسمها بالاسم مما أدى لمغادرة الرئيس سليمان ديميريل لطهران قبل انتهاء أعمال القمة.

وفي مقابل السماح للطائرات الإسرائيلية بإجراء تدريبات في الأجواء التركية قامت طائرات عسكرية تركية (أف 16) في 19- 24/2/98 بإجراء تدريبات دون مشاركة طائرات إسرائيلية في إحدى القواعد الإسرائيلية([122]).

كما استمر التعاون في مجال الصناعات العسكرية حيث وقع اسحاق موردخاي في شهر ديسمبر 1997 اتفاقًا مع تركيا يتضمن مشروعات حجمها 15 مليار دولار، في مجال الفضاء وبيع طائرات التجسس بدون طيار وتحديث المقاتلة ف 5.

وقد أعقب  ذلك زيارة قائد القوات البرية التركية لإسرائيل وبحث إمكانية شراء دبابات ميركافا 3 الإسرائيلية، وصواريخ بوباي المعدلة وتم الاتفاق في يماير 98 على 3 مشروعات مشتركة جديدة لتحديث 48 طائرة تركية (أف-5)، ولتصنيع 145 طائرة عمودية هجومية بقيمة 4 مليارات دولارات تنفذها لصالح تركيا شركات إسرائيلية وروسية، وأخيرًا لدراسة إمكانية إنتاج مشترك للسفن الحربية الإسرائيلية.

ولعل من أهم المشروعات تلك التي اتفق عليها وفد من وزارة الدفاع الإسرائيلية خلال زيارته تركيا في نهاية مارس 98 حيث تم توقيع مذكرة تفاهم بشأن انتاج مشترك للصواريخ المضادة للصواريخ البالستيكية لتنصبها تركيا فوق أراضيها وذلك وفقًا للتكنولوجيا المستخدمة في تطوير وإنتاج صواريج جيتس/ السهم والتي تتم بمشاركة إسرائيل أمريكية هذا ولقد سبق واعترضت أمريكا على اشتراك تركيا في المشروع الأمريكي الإسرائيلي لإنتاج هذه الصواريخ المقرر دخولها الخدمة عام 1999([123]).

مع احتدام أزمة الصواريخ القبرصية توطد التعاون التركي الإسرائيلي؛ حيث عملت إسرائيل على الضغط على الولايات المتحدة لتمنع وصول الصواريخ الروسية لقبرص، التي أعانت أنها تقع في منطقة حيوية للأمن القومس الإسرائيلي، كما تناولت أعمال “لجنة الحوار العسكري” المنعقدة في 26/7/98 بعد زيارة وزير الخارجية التركي إسرائيل في أوائل يوليو 98 إمكانية مشاركة تركيا في انتاج الصاروخ آرو، الذي يصل مداه إلى 150 كم إضافة للصاروخ بوباي 1 و 2 لمواجهة صواريخ S300  القبرصية، والصواريخ الإيرانية شهاب 3، وتتوجت العلاقات التركية الإسرائيلية بالإعلان عن إنشاء قاعدة جوية خاصة لإسرائيل في شرق تركبيا، وفق تقارير صحيفة أمريكية بادرت تركيا بنفيها، كما تدرب طيارون أتراك في مركز عسكري إسرائيلي على تدمير صولريخ S300 الروسية التي اشتراها القبارصة اليوةنانية من موسكو لتصل في نوفمبر 1999 وفي حين نفت الخارجية الإسرائيلية ما تردد عن القاعدة الإسرائيلية وعن التدريبات التركية إلا أن بعض المصادر العسكرية الإسرائيلية أوضحت أن الهدف من القاعدة هو مراقبة الأعداء المشتركين لتل أبيب وأنقرة وهم سوريا وإيران والعراق([124]) ولقد أعرب السفير الإيراني في تركيا قلق بلاده من القاعدة الإسرائيلية في جنوب شرق تركيا معتبرًا ذلك تهديدًا للأمن القومي الإيراني([125]).

وفي مؤشر جديد على نمو مستوى التحالف الاستراتيجي التركي-الإسرائيلي، كشفت مجلة جينيز البريطانية المتخصصة في شئون الدفاع في عدد سبتمبر 1998، عن أن تركيا وإسرائيل عقدتا مناورة بحرية تدريبية جوية لسلاح الجو في البلدين خلال هذا الشهر.

– وخلال نفس الشهر تم توقيع اتفاقية جديدة للتعاون العسكري بين البلدين، حيث أكدت الإذاعة الإسرائيلية يوم 26/9/1998 أن كبار المسئولين الأتراك والإسرائيليين قد وقعوا عقودًا جديدة للتعاون المشترك في مجال الصناعات العسكرية وذلك خلال اجتماعات عقدت بتركيا خلال نفس الشهر([126]).

وفي تطورآخر، قامت إسرائيل ينشر صواريخ “حيتس” في الأراضي التركية([127]).

وقد استمر هذاالتعاون، حيث وقعت إسرائيل وتركيا في أكتوبر اتفاقًا عسكريًا جديدًا بلغت قيمته نحو 800 مليون دولار يشمل إنتاج طراز جديد من صواريخ أرض/ جو وقد وقع الإتفاق بين شركة “رافاييل” الإسرائيلية والشركات التركية المساهمة في المشروع([128]).

– وفي نفس السياق أكد دافيد أفراى مستشار وزير الدفاع الإسرائيلي أن مناورات جديدة بحرية ستجري في الأسبوع الأول من يناير 1999، وذكر أن الأردن يشارك بصفة مراقب كما شارك في المناورات السابقة “حورية البحر”([129]).

ومن ناحية أخرى ذكرت صحيفة تركيش ديلي نيوز التركية أن جولة قادمة “من الحوار الاستراتيجي بين تركيا وإسرائيل ستعقد في أنقرة في فبراير 1999 وسيتم خلال هذه الجولة متابعة ما كان قد تم بحثه خلال الجولة السابقة التي عقدت في تل أبيب في مايو 1998.

ومن القرر أن تأتي هذه الجولة الجديدة بعد المحادثات الهامة التي أجراها قائد القوات الجوية التركي الجنرال الهان كاليتش خلال زيارته سرائيل خلال شهر ديسمبر([130]).

4- تركيا والعالم الإسلامي: إشكالية التناقض بين التوجه والدور:

عانت علاقات تركيا بالدول الإسلامية في عهد يلماظ موجات مد وجذر مع تقييد التوجه الإسلامي الذي نشطه أربكان الأمر الذي بدا واقعًا في مجموعة الثمانية فبرغم بدء استكمال المجموعة لهياكلها المؤسسية فقد تضاربت التصريحات التركية بشأنها بين الإبقاء عليها والتفكير في إلغائها([131]) كما أدى تكثيف التعاون التركي الإسرائيلي إلى توتير علاقة تركيا بالدول الإسلامية إضافة للتدخل التركي في شمال العراق وتأزيم الموقف مع سوريا لذلك عملت تركيا على تنشيط علاقتها بدول آسيا الوسطى الإسلامية من جانب وتهدئة الأوضاع مع الدول العربية التي حرصت تركيا على إلا تخسرها بشكل كامل.

فاستضافت تركيا في مارس 1998 في أسطنبول مؤتمرًا لبحث مسألة إيصال نقط وغاز بحر قزوين إلى أسواق العالم وركزت فيه على ضرورة بناء خط أنانبيب يمتد من باكو في أذربيجان إلى ميناء جيهان جنوب تركيا مع إبداء رغبتها في استيراد الغاز من تركمانستان وإيران ويرى الساسة الأتراك أن نجاح هذا المشروع يوفر لتركيا دورًا مؤثرًا في منطقة آسيا الوسطى خاصة مع علاقاتها الوثيقة بدول المنطقة([132]).

وفي 13/4 قام يلماظ بزيارة كل من أوزبكستان وقيرقزستان لبحث مسألة نقل الغاز الطبيعي وتم التوقيع أثناء الزيارة على عدد من الاتفاقات التجارية وقد تكللت جهود تركيا لمد خط أنانبيب الغاز بتوقيع أذربيجان واوزبكستان([133]) وكازاخستان إعلانًا في 29/10/1998 يؤيد مد هذا الخط الممتد من بحر قزوين إلى ميناء جيهان([134]).

ومن ناحية أخرى زار وزير الخارجية التركي طهران في أول زيارة بعد إعادة تبادل السفراء بين البلدين وتناولت المحادثات عددًا من نقاط التقارب والخلاف فتناولت علاقة إيران باليونان وأرمينيا التي تراها تركيا محاولة لتكوين جبهة ضدها وفي الوقت نفسه تناولت المحادثات تنسيق المواقف إزاء حركة طالبان التي يراها كلا الدولتين تهديدًا لمصالحها([135]).

أما بالنسبة للدول العربية فقد ذكرت صحيفة Turkish Daily News أن وزارة الخارجية تعمل جادة لتطوير سياسة تركية جديدة تجاه الشرق الأوسط لتحسين علاقاتها مع جاراتها العربية وأعلنت الخارجية التركية بدء حوار مع سوريا([136]) كما عارض الرئيس التركي سليمان ديميرل في 8/2/1998 إبان الأزمة العراقية الأمريكية ضرب العراق قبل استنفاد كافة الوسائل السلمية مع التأكيد على ضرورة التزام العراق بقرارات الأمم المتحدة([137]) في الوقت الذي استمرت فيه علاقات تركيا مع ليبيا بين شد وجذب حيث استدعت تركيا سفيرها لدى ليبيا في 11/8/1998 احتجاجًا على مشاركة وفد من حزب العمال الكردستاني في احتفالات الفاتح من سبتمبر ثم أعادته في 17/9/1998 بعد أن أوضحت ليبيا أن الأمر كان خطأ غير مقصود([138]) ثم تدهورت العلاقات مرة أخرى مع الانتقادات المتكررة للقذافي للسياسة([139]) التركية وهي الانتقادات التي وصفها نائب رئيس الوزراء بأنها عدائية ومستفزة في حين استقبلالرئيس التركى ديميريل مبعوث الرئيس الليبي([140]) ولكن يظل للأزمة السورية التركية الأخيرة من ناحية وتطورات الموقف التركي من أكراد شمال العراق من ناحية أخرى أهميتها للتوقف عندهما بدرجة من التفصيل.

أ- الأزمة التركية-السورية

على الرغم من أن التوتر والشد والجذب هو سمة العلاقات السورية التركية منذ عام 1995 أي منذ توقف الحوار التركي-السوري في سبتمبر من هذا العام، كما أنه سمة العلاقات العربية-التركية بشكل عام منذ الإعلان عن التحالف العسكري بين تركيا وإسرائيل في عام 1996([141]) فإن الأمور لم تتجه إلى التصاعد بالدرجة التي اتجهت بها خلال الأزمة الأخيرة بين دمشق وأنقرة، بحيث أنها اتجهت إلى حافة الانفجار على خلفية تصاعد التهديدات العسكرية التركية لسوريا واتهامها بأيواء زعيم حزب العمال الكردستاني “عبد الله أوجلان” في أراضيها، ثم حشد أكثر من عشرة آلاف جندي على حدودها، مع التلويح بعمل عسكري ضد دمشق.

وفي الواقع الحال هناك مجموعة من المستجدات تسببت في إذكاء وتصعيد الموقف بين كل من سوريا وتركيا، وتتمثل هذه المستجدات في الآتي:

1- اتفاق الحزب الديمقراطي الكردستاني ومنافسه الاتحاد الوطني الكردستاني على التوصل إلى تسوية خلافاتهما وتوقيع مصالحه كردية تحت رعاية الولايات المتحدة، وكانت تركيا قد تحفظت بشدة على هذا الاتفاق والذي اعتبرت أنه يمكن أن يؤدي إلى تقسيم العراق وإقامة دولة كردية في شماله، وهو ما تخشاه تركيا لأنه قد يشجع الأكراد الموجودين على أراضيها –الذي يتراوح عددهم ما بين 8-12 مليون- إلى المطالبة بالمثل.

2- زيادة التعاون الاقتصادي بين دمشق وبغداد، بعد توقيع الطرفين مذكرة تفاهم تضمنت التعاون في مجالات عدة أهمها: إعادة تشغيل أنبوب نفط كركوك –بانياس المغلق منذ عام 1982، والتعاون لإقامة أنبوب جديد بطاقة 1.4 مليون برميل يوميًا، إضافة إلى بناء مصفاة جديدة قرب بانياس بطاقة 140 ألف برميل يوميًا.

علاوة على ذلك، وضع كل من سوريا والعراق سياسة مائية مشتركة ضد تركيا، الأمر الذي آثار مخاوف أنقرة ودفعها إلى تصعيد موقفها ضد سوريا.

3- سعي تركيا وإسرائيل إلى ضم الأردن لمنظومتهما التحالفية، حيث أعلنت إسرائيل أنها ستجري مناورة بحرية ثانية مع تركيا في شرق البحر المتوسط، وأنها ستوجه الدعوة إلى كل من مصر والأردن للمشاركة فيها، الأمر الذي أثار قلق العديد من الدول العربية وبالأخص سوريا.

ومن ناحية أخرى يشير أحد التحليلات([142]) إلى مجموعة من العوامل التي ربما كانت السبب في التصعيد التركي ضد سوريا وهي:

أ- قيام تركيا بتوجيه إنذار إلى سوريا بسبب دعمها المستمر لحزب العمال الكردستاني، وطالبتها بوقف هذا الدعم، وإلا فإنه سوف يكون من حق تركيا أن تتخذ كل التدابير والإجراءات اللازمة للرد على سوريا، وفي مقدمتها استخدام القوة العسكرية.

ويتمثل التبرير الرسمي التركي للتصعيد ضد سوريا في أن تركيا كانت تعلم دومًا أن سوريا تدعم حزب العمال الكردستاني، وتقدم له المأوى والتهسيلات اللوجستية التي تتيح له القيام بعملياته العسكرية ضد تركيا، ولكنها كانت تتجاهل ذلك فيما مضى، ولكنها أصبحت تضيق ذرعًا بهذا الدعم في الفترة الحالية، ولا سيما في ظل كالخسائر الهائلة التي تسببها طالحرب الأهلية الدائرة منذ عام 1984، حيث خسرت تركيا حوالي 84 مليار دولار منذ ذلك الحين، بالإضافة إلى سقوط حوالي 29 ألف قتيل في هذه الحرب، ولذلك ذهب المسئولون الأتراك إلى أن صبرهم قد نفذ تجاه سوريا.

كما تذرعوا بأن هناك أدلة جديدة تؤكد إيواء سوريا لعبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني، من بينها مثلاً إشارة بعض نواب البرلمان الإيطالي إلى أنهم أجروا محادثات مع أوجلان في دمشق.

ب- النجاحات التي حققها حزب العمال الكردستاني في أوروبا، إذ اعترفت إيطاليا بدوره، ونزع البرلمان الألماني عنه الصفة الإرهابية، إضافة إلى ذلك، هناك الرفض الأوروبي لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، الذي كان في حد ذاته أحد الأسباب التي دفعت أنقرة إلى الذهاب إلى واشنطن عبر البوابة الإسرائيلية، فوقعت في مطلع عام 1996 اتفاقًا للتعاون العسكري.

جـ- يبدو من غير المستبعد أن يكون التصعيد التركي ضد سوريا ناجمًا عن الإحباط من عدم فعالية العمليات العسكرية التي تشنها القوات التركية ضد حزب العمال، ففي الوقت الذي كانت فيه هذه القوات قد شنت سلسلة من العمليات الناحجة ضد الحزب، إلا أن اقادة العسكريين الأتراك صدموا عندما ظهرت فجأة قوات تابعة لحزب العمال بصورة مفاجئة في إقليم هاتاي، مما شكل تحديًا عنيفًا للقوات التركية، وكشف ذلك أن الهزائم التي لحقت بالحزب لم تكن كافية للقضاء على فاعليته العسكرية.

ومن ناحية ثانية ربط عدد من المحللين([143]) التصعيد التركي ضد سوريا بتطورين داخليين حدثًا مؤخرًا في أنقرة هما:

1- برغم حملات الضغط العسكري على الإسلاميين السياسيين، فإن التيار الإسلامي مستمر في الانتشار تحت عباءة حزب الفضيلة وريث حزب الرفاه في كل مكان وبالأخص في الجامعات.

كما أن المشكلات المتعلقة بهشاشة الائتلاف الحاكم في تركيا ورغبة الأحزاب العلمانية في تحقيق إنجاز تاريخي خارجي كبير يزيد من فرصها في الانتخابات البرلمانية المعتزم إجراؤها في العام القادم (1999)، وكان أحد الدوافع التركية للتصعيد ضد سوريا.

2- تعيش حكومة يلماظ أزمة اقتصادية خانقة، حيث بلغت الفوائد التي تدفعها الدولة عن قروضها الداخلية 142%، مع ارتفاع الأسعار ووجود ستة ملايين عاكل عن العمل، كما أن الأزمة السياسية في البلاد وصلت إلى مفترق الطرق بعد نشر الأشرطة االصوتية التي تؤكد مشاركة بعض وزارء الحكومة وحتى رئيس الحكومة نفسه مسعود يلماظ في نشاطات زعماء المافيا من جهة، واتهام بعض الوزراء باستغلال نفوذهم في إثراء الأقارب ومنتسبي أحزاب الحكومة، مما أدى إلى التصويت برلمانيا بإجراء التحقيق معهم، كما أن ثمانية مشاريع لقوانين مكافحة الإسلاميين التي تطلب القوات المسلحة بتشريعها وفق بيان 28/2/1997 لمجلس الأمن القومي، لا تزال تنتظر في اللجان البرلمانية، خوفًا من مشاركة بعض نواب أحزاب الحكومة لنواب المعارضة في رفضها، ولذلك حاولت الحكومة التهرب من كل ذلك بقيامها بالتصعيد ضد سوريا لتصرف الأنظار وإلى الأمور الخارجية.

وفي نفس هذا السياق يرى بعض المحللين أن الولايات المتحدة دفعت تركيا إلى القيام بهذا التصعيد لسببين هما([144]):

الأول: منع وصول الأصوليين إلى الحكم في سوريا خلال فترة ما بعد حكم الرئيس حافظ الأسد.

الثاني: توريط تركيا في مستنقع الشرق الأوسط أولاً، ثم محاولة إنقاذها لجني الأرباح، مع تشويه صورتها بإظهارها كدولة معتدية في المنطقة لتتماهي صورتها مع صورة إسرائيل المعتدية، لكي لا تكون إسرائيل الدولة العدوانية الوحيدة في المنطقة.

ومن غير المستبعد أن يكون لإسرائيل دور ما في الأزمة التركية-السورية حيث تمثل هذه الأزمة نتاجًا طبيعيًا للعلاقة التحالفية الوطيدة التي نسجتها تركيا وإسرائيل خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وتبدو دلالات هذا الارتباط واضحة في أنه لم تكن هناك أي تطورات أو مقدمات تبرر التصعيد التركي ضد سوريا، بل جاء هذا التصعيد في أعقاب زيارة قام بها رئيس الحكومة التركية مسعود يلماظ لإسرائيل في أوائل سبتمبر 1998، كما جاء في أعقاب اجتماع الحوار التركي-اإسرائيلي.

إضافة إلى ما سبق، فإن الجانب الأكثر أهمية الذي يكشف الدور الإسرائيلي في التصعيد التركي الأخير ضد سوريا يتمثل في أن الحكومة الإسرائيلية كانت قد رصدت بارتياح في فترات سابقة التصعيد الشديد في اللهجة السياسية التركية ضد سوريا، واهتم نيتنياهو نفسه بتشجيع تركيا على المزيد من التشدد في مواجهة سوريا([145]).

وفي هذا السياق أشارت بعض المصادر([146]) السياسية إلى أن جامعة الدول العربية حصلت على وثائق تؤكد تورط إسرائيل بشكل مباشر في تفجير الصراع بين تركيا وسوريا، حيث تكشف هذه الوثائق عن بدء نشاطات سرية لإسرائيل في منطقة ديار بكر بتركيا، وهي منطقة تركز الجماعات الكردية النشطة سياسيًا ضد أنقرة، وتشير الوثائق إلى أن إسرائيل أقنعت تركيا قبل الحشود على الحدود التركية-السورية بنشر أجهزة التصنت والرصد والخدمات الاستخبارية في المنطقة بدعوى متابعة ما يجري عن كثب في كل من سوريا والعراق.

وقد كشفت إحدى التقارير العسكرية التي تلقنها الجامعة العربية([147]): أن التدريبات الثلاثية المعروفة باسم حورية البحر، تجاوزت عمليًا غرضها المعلن (إنقاذ السفن)، إذ تم خلالها التدريب على احتلال منطقة بالغرب من لواء الإسكندرية، كما أن القوات الخاصة نفذت خلالها أيضًا عمليات اختطاف شخصيات ونقلهم إلى السفن المشاركة في هذه التدريبات التي جرت قبالة ساحل حيفا.

وانطلاقًا من كل ما سبق، يبدو أن إسرائيل مارست نوعًا من التحريض لتركيا ضد سوريا، مستفيدة في ذلك من علاقة التحالف الإستراتيجي القائمة بين الجابيين، وينطلق هذا التحريض من استراتجية إسرائيلية تقليدية تسمى استراتيجية حلف المحيط، وتهدف إلى إقامة تحالف مع دول الجوار الجغرافي في الشرق الأوسط (إيران- تركيا- إثيوبيا) من أجل الإحاطة بالعالم العربي وتطويقه وحرمانه من أي عمق استراتيجي، وتنبثق من هذه الاستراتيجية سياسة عملية تسمى “سياسة حشد الأطراف” وتقوم على تفجير أزمات وتوترات على تخوم وحواف العالم العربي، بالتعاون بين إسرائيل ودول الجوار الجغرافي من أجل تشتيت قوة الدول العربية وصرف اهتمامها عن دائرة الصراع العربي-الإسرائيلي.

وأيًا كانت الأسباب أو الأطراف الأخرى التي أدت إلى التصعيد التركي ضد سوريا، إلا أن سياسات إدارة الأزمة اختلفت من جانب كل من سوريا وتركيا، حيث أدارت الحكومة التركية الأزمة وفق تكتيك “حافة الهاوية” وهو تكتيك يقوم على التصعيد الشديد للازمة ولكن مع تفادي الوصول بها إلى مستوى الصراع المسلح، وقد نجحت تركيا في استخدام هذا التكتيك بنجاح وذلك لسببين:

أولهما: أن تركيا كانت مدركة ومتأكدة من أنه ليسا هناك مصلحة لسوريا للدخول في مواجهة مسلحة أو فتح جبهة عسكرية جديدة مع تركيا، في الوقت الذي مازالت فيه في حالة حرب مع إسرائيل.

ثانيهما: أن الميزان العسكري والاستراتيجي يميل بدرجة ملحوظة لصالح تركيا، حيث تمتع تركيا بقدر ملحوظ من التفوق الكمي في أعداد القوات، وفي العديد من الأسلحة والمعدات، ويوضح الجدول التالي هذا الفرق في الميزان العسكري بين الدولتين:

البيان تركيا سوريا
القوات العاملة (بالألف) 639 320
قوات الاحتياط (بالألف) 378 500
الدبابات 4205 4600
عربات ميكانيكية 98 2250
ناقلات مدرعة 3551 1500
قطع المدفعية 4274 3218
صواريخ- أرض 62
مدفعية م/ط 1664 2060
صواريخ م/ط 897 4000
طائرات قتالية 501 589
قطع دورية ساحلية 5 27

المصدر: ملف الأهرام الاستراتيجي، العدد 47، نوفمبر 1998، ص 101.

أما سوريا، فقد حرصت منذ البداية على تبني سياسة (تهدئة) تقوم على المزواجة بين الدعوة إلى تغليب الحوار مع تركيا، مع تأكيد قدرة سوريا على الدفاع عن نفسها في مواجهة أي عدوان خارجي من ناحية أخرى، وكان الموقف السوري مرتكزًا على الدعم السياسي القوي الذي حصلت عليه من معظم الدول العربية في الأزمة، والتي رفضت لجوء تركيا إلى لهجة التهديد والتصعيد ضد سوريا، وبدأ ذلك واضحًا خلال اجتماع مجلس الجامعة العربية في سبتمبر 1998.

وقد ظلت احتمالات المواجهة العسكرية قائمة لفترة طويلة بين الجانبيين بسبب التهديدات التركية بتوجيه ضربات عسكرية ضد سوريا، ولكن الوساطة المصرية التي قام بها الرئيس مبارك نجحت في احتواء الأزمة حيث أفلحت مصر في تقريب مواقف الطرفين من خلال تغليب لغو الحوار والتفاوض، وحظيت الوساطة المصرية بدعم معظم الأطراف العربية والدولية المعنية.

وانتهت الأزمة بتوصل الطرفين إلى اتفاق يوم 21/10/1998 يقضي بالآتي([148]):

1- أن تقر سوريا بأن حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية وعليها أن توقف دعمها لهذا الحزب.

2- ترحيل قادة الحزب من الأراضي السورسة واعتقال أعداد من الناشطين الأكراد.

3- إنشاء خط ساخن للاتصال بين أنقرة ودمشق وتعيين مسئول أمني في سفارتي البلدين والتشاور متى اقتضى الأمر، لاتخاذ إجراءات ضد المتمردين مع احتمال أن يشمل ذلك لبنان.

4- يقدم الطرف السوري بيانات ومعلومات عن أعضاء حزب العمال الكردستاني.

ب- تركيا وقضية الأكراد (العراق):

تمارس تركيا منذ نهاية حرب الخليج الثانية دورًا متعدد الجوانب (الغازي والحامي والوسيط بين أكراد العراق) في شمال العراق يتعارض مع تأكيداتها الرسمية بشأن حرصها على وحدة العراق وسلامة أراضيه وسيادته، كما يفرز هذا توترات متزايدة في علاقات تركيا بالعراق وسوريا ومصر وبلدان عربية أخرى لا سيما في ظل التوافق الزمني “المقصود” بين عمليات تركيا العسكرية في شمال العراق وبين تطور التحالف العسكري والاستراتيجي مع إسرائيل من ناحية وتعاون تركيا وتنسيقها في دورها مع أمريكا وبريطانيا وإسرائيل عن ناحية ثانية، فضلاً من المخاوف العربية “المشروعة” من احتمال أن تكون هذه التحركات التركية مقدمة “لإعادة ترسيم الحدود مع العراق”([149]).

1- تركيا وحماية الأكراد: تمارس تركيا هذا الدور في نطاق ما يسمى “بقوة المراقبة الجوية” لمراقبة منطقة الحظر الجوي في شمال العراق والتي حلت منذ نهاية 1996 محل قوات المطرقة الغربية العاملة منذ يوليو 1991، ورغم أن القوات الجديدة –القاصرة على أمريكا وبريطانيا بعد انسحاب فرنسا منها- تبدو مختلفة من حيث اقتصارها على قيام الطائرات الأمريكية والبريطية بمهمة مراقبة شمال العراق انطلاقًا من قاعدة إنجيرليك التركية، بينما كانت العمليات السابقة تتضمن عمليات جوية وبرية في آن واحد.

وقد وافق البرلمان التركي في 24/12/1996 على عمل هذه القوة لمدة (6) أشهر،  وعاد في 26/6/1997 ليوافق على مد فترة عملها 6 شهور أخرى دون اهتمام باحتجاج العراق على هذا العمل لأنه –حسب رأي العراق- يعبر عن “تفريط الساسة الأتراك في مصالح تركيا الحقيقية وإصرارهم على الحاق الأذى بالعراق وتهديد أمن الوطن” طبقًا لبيان الخارجية في 28/6/1997([150]).

2- تركيا والوساطة –بين الأكراد العراقيين: تؤدي تركيا هذا الدور بالتنسيق والتعاون مع أمريكا وبريطانيا في إطار “عملية أنقرة للسلام” التي بدأت باتفاق أنقرة في 31/10/1996 لإنهاء القتال بين حزبي بارزاني وطلباني، وقد عقدت جولات لمباحثات “أنقرة” دون أن تمنع تجدد الاشتباكات بين قوات الحزبين لعدة عوامل منها([151]).

1- تجاهل هذا الاتفاق الجذور الحقيقية لمشكلة شمال العراق، أي تغييب العراق كطرف شرعي أساسي قادر على إعادة الاستقرار إلى المنطقة، حيث ينص الاتفاق على امتناع هذين الحزبين عن طلب المساعدة من أي قوة خارجية في إشارة واضحة إلى كل من العراق وإيران.

2- عدم تضمن الاتفاق نقاط الاختلاف الأساسية بين هذين الحزبين “كترتيبات انتخاب برلمان كردي جديد، وكيفية –تقسيم حصية الجمارك على السلع المنقولة عبر الحدود بين تركيا وكردستان العراق”.

3- تدخل تركيا كطرف في الصراع بين هذين الحزبين بدعمها لأحدهما (حزب بارزاني) في مواجهة منافسه (حزب طالباني) لرفضها “تحالف” الأخير مع حزب العمال الكروستاني، رغم إعلان طالباني قبيل مغادرته أنقرة في 16/8/1997 أنه نجح في إقناع المسئولين الأتراك بعدم صحة اتهام حزبه بتقديم دعم لوجستي لمقاتلي حزب العمال الكردستاني، وأنه عرض على أنقرة تعاونًا كاملاً لحماية أمن الحدود، ومع تجدد الاشتباكات مع غريمه في 20/10/1997 بعد سقوط إتفاق “هش” لوقف إطلاق النار تم التوصل إليه في 17/10/1997 بوساطة تركيا وأمريكا وبريطانيا، أعلن طالباني “أنه لم يعد يعترف بتركيا راعية للسلام أو محايدة، لأنها أصبحت جزءًا من النزاع” وقد تجددت هذه الاستباكات في 1/11/1997، مما دفع بألف من الأكراد العراقيين إلى النزوح إلى تركيا([152]) وقد حققت تركيا عدة مزايا من دورها في هذه العملي، فإضافة إلى إعطاء الأقلية التركمانية دورًا مهمًا في الإشراف على تنفيذ هذا الاتفاق عبر مشاركتها في “قوة مراقبة السلام” وتضمن الاتفاق بندين بشأن اعتبار حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية وإخلاء أحد المخيمات الكردية التركية في شمال العراق بزعم خضوعه لسيطرة الأخير واكتسبت تركيا في إطار ظهذه العملية “وجودًا عسكريًا مقبولاً” في المنطقة بذريعة دعم هذه القوة، حيث أعلنت رئاسة الأركان التركية في 29/4/1997 “إرسال وحدات عسكرية تركية من 400 جندي في عربان مدرعة مزودين بأسلحة خفيفة إلى كردستان العراق لدعم قوة مراقبة السلام.

3- العمليات العسكرية التركية في شمال العراق: تواصل تركيا منذ أغسطس 1997 عملياتها البرية والجوية في شمال العراق بدعوى تدمير قواعد حزب العمال الكردستاني في المنطقة ومنه تسلل عناصره عبر الحدود، ووصل مجموعة هذه العمليات منذ بداية 1997 وحتى 25/5/1997 إلى (73) عملية وتبعتها (29) عملية منذ الانسحاب الجزئي للقوات التركية المشاركة في عملية “فولاذ 97” في 21/6/1997 –وكانت قد بدأت 14/5/1997- وحتى 26/8/1997 وأردفتها بعمليات أخرى أهمها عملية “فجر” في 24 ديسمبر /أيلول –أكتوبر/تشرين أول 1997 وما أعقبها من إعلان قيام “المنطقة الأمنية” في شمال العراق في 22/10/1997، ثم تواصلت هذه العمليات منذ ذلك الحين ومنها: عملية كبيرة جرت على عمق (40) كم داخل العراق بمشاركة (20) ألف جندي تركي تساندهم طائرات ظحربية ودبابات وبمشاركة (8) ألاف من مقاتلي حزب “بارزاني” ضد ما يسمى “بمواقع لحزب العمال الكردستاني واستمرت أسبوعين في الفترة 5- 17/12/1997 في مواكبة قمة “طهران” الإسلامية وأسفرت طبقًا للبيانات التركية عن مصرع (182) متمردًا من PKK وإصابة (7) من الأكراد العراقيين المتحالفين مع القوات التركية وعملية ثانية برية وجوية في الفترة 26- 29/12/1997 توغلت خلالها قوات تركية قوامها (15) ألف جندي تعززهم الدبابات والطائرات المقاتلة والعمودية على عمق (10) كم في شمال العراق في 12- 13/4/1998 ضد ما وصف “بأخر معاقل حزب العمال الكردستاني بالقرب من الحدود العراقية” – تشكل هذه العمليات تهديدًا لسيادة العراق ووحدة أراضيه كما أنها تطرح أثارًا آنية وبعيدة المدى لا تهدد مستقبل العراق السياسي ككيان ودولة وإنما أيضًا تهدد أمن سوريا والعرب عمومًا([153]).

4- تركيا ومسألتا المنطقة الأمنية والموصل إبان الأزمة العراقية الأمريكية في فبراير 1998: اتخذت تركيا موقفًا إيجابيًا بوجه عام خلال هذه الأزمة المرتبطة بالتهديدات الأمريكية بتوجيه ضربة عسكرية ضد العراق حتى يسمح للمفتشين الدوليين بدخول القصور الرئاسية والمواقع الحساسة الأخرى دون أي شروط حيث شاركت في الجهود الدولية المبذولة ظآنذاك لحل الأزمة دبلوماسية عبر زيارة وزير الخارجية “إسماعيل جيم” للعراق في 3/2/1998، كما أعلنت معارضتها اللجوء إلى الخيار العسكري لحل الأزمة وأكدت عدم مشاركتها في أي ضربة عسكرية أمريكية محتملة للعراق.

وجاء هذا الموقف من جانب تركيا تعبيرًا عن تقديرها لمخاطر هذه الضربة سواء على مصالحها الاقتصادية أو لمخاطر حدوث فوضى داخل العراق وتحديدًا فيما يتعلق باحتمال نزوح الأكراد العراقيين إليها، ومخاطر تقسيم العراق.

ويلاحظ في هذا السياق ما يلي:

1- أن مخاوف تركيا من الانعكاسات السلبية المحتملة لضرب أمريكا للعراق وتحديدًا في مواجهة احتمال تدفق اللاجئين الأكراد إليها، دفعت حكومتها في 6/2/1998 إلى إعلان أنها قررت اتخاذ كافة التدابير اللازمة لمواجهة الآثار السلبية التي تنعكس على تركيا نتيجة أي تدخل عسكري أمريكي في العراق، ورغم عدم الإفصاح رسميًا عن ما هية هذه التدابير، أشارت مصادر أخرى([154]) إلى تدابير عسكرية تركية كان منها:

أ- قيام تركيا بحشد قوات كبيرة على حدودها مع العراق، حيث ذكرت مصادر غربية دبلوماسية وعسكرية في 13/2/1998 “أن تركيا قامت بحشد قوات إضافية تشمل عدة آلاف من الجنود والمدرعات لمنع دخول أي لاجئين من أكراد العراق.

ب- دخول آلاف من الجنود الأتراك في الأسبوع الأول من فبراير 1998 شمال العراق تمهيدًا لإقامة منطقة عازلة بعمق 15 كم. تحسبًا لتدفق اللاجئين الأكراد نحو حدود تركيا في حالة لجوء أمريكا وبريطانيا إلى استخدام القوة العسكرية ضد العراق، وهو ما أشارك إليه مصادر صحفية تركية في 7/2/1998 ومصادر غربية في 13/2/1998([155]).

2- إن مخاوف تركيا من مخاطر تقسيم العراق وأطماع إيران “لم تحل من ناحية دون مواصلتها عملياتها العسكرية في شمال العراق المهددة لسيادته وتكامله الإقليمي، كما لم تمنعها من ناحية ثانية من اتخاذ بعض التدابير باتجاه الإعداد لتحرك محتمل لاحتلال الموصل وكوكوك” باستغلال فوضى داخلية محتملة بالعراق تعقب تعرضه لضربة أمريكية واسعة النطاق.

3- أن أمريكا دعمت موقف تركيا وتدابيرها العسكرية على حدودها مع العراق وفي شماله، ففي 12/2/1998 قال متحدث باسم الخارجية الأمريكية “أن واشنطن تقدر القلق الذي يساور تركيا حول أمنها وتدفق اللاجئين إليها، فيما وصُف بإعطاء واشنطن الضوء الأخضر لتدخل القوات التركية في شمال العراق”([156]).

وجاء هذا الموقف متسقًا مع الموقف الأمريكي المتفهم والمساند للعمليات العسكرية التركية في شمال العراق قبل وبعد هذه الأزمة.

وقد عملت الولايات المتحدة على إقرار مصالحة بين الفصيلين الكرديين المتصارعين في شمال العراق حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني وذلك تجنبًا لحركة نزوح واسعة النطاق في المنطقة قد تدفع تركيا لاتخاذ إجراءات لا تتوافق بالضرورة مع الاستراتيجية الأمريكية أو تضطر القوات الغربية إلى التورط في أعمال لا ترغب في القيام زبها واستهلت الولايات المتحدة جهودها بمحادثات في 11/2/1998([157]).

واستمرت عدة جولات وتكللت بالتوصل في 14/9/1998 لاتفاق بين الحزبين الكرديين وأكد الحزبان في هذا الاتفاق على القبول دون مواربة بحدود العراق الدولية وتشكيل لجنة للتنسيق تقوم بالتحضير لمصالحة شاملة وإعادة توطين الأكراد وتشكيل إدارة موحدة وإجراء انتخابات لجمعية تمثيلية تحل محل الجمعية المؤقتة كما تم الاتفاق على وقف جميع التحركات المضادة من حزب العمال الكردستاني في شمال العراق وعدم تقديم أي عون أو مساندة له([158]) وبذلك تكون تركيا قد حاولت نقل الصراع بين الأكراد من شرقها إلى شمال العراق حيث احتمالات اندلاع القتال بين برزاني وطالباني من جهة وحزب العمال من جهة أخرى ومع ذلك أثار الاتفاق قلق الأوساط السياسية التركية التي أعلنت عدم رضاها وعنه فأعلن متحدث باسم الخارجية التركية “أنه من المهم توضيح أن الاتفاق وضع بدون مشاركة وتركيا ولا يجوز الانتظار منها أن تقر المطالب التي يتطلبها تطبيقه([159])، وأشار المسئولون الأتراك ظفي اجتماع مع مارتن انديك أن “الترتيبات التي ستتم في شمال العراق يجب أن تكون مؤقتة ومحلية الطابع وفي إطار وحدة أراضي وسيادة العراق” وتعود المخاوف التركية إلى احتمال قيام كيان كردي مستقل يزكي الاتجاه الانفصالي لدى أكراد تركيا فعارضت تركيا الإشارات التي وردت في الاتفاق لكونفدرالية جديدة في العراق([160]) كما أن هذه المصالحة مثلت تجاوزًا لدور تركيا التي عملت على احتواء أي مبادرة كردية خلال السنوات الأخيرة عبر تسلمها الملف الكردي للعراق كما أنها تنظر للاتفاق كمعادلة للدفع في اتجاه تكوين كبان كرد مستقل تصبح تركيا أكثر المتضررين منه([161]) ومن ثم ردت تركيا برفع العلاقات مع العراق إلى مستوى السفراء في 27/9/1998 وقامت في 9/11/1998 بتوجيه حملات عسكرية لشمال العراق فيما وصف بأنه استعراض للقوة بينما سعى الحزبان الكرديان لطمانه تركيا فأعلن برزاني في مباحثاته مع القادة الأتراك في 8/11/1998([162]) أن اتفاق واشنطون لا يشكل تهديدًا لتركيا وضرورة إدامة العلاقات الطبيعية معها كما أعلنت تركيا في 5/11 عن ترتيبها لاجتماع رباعي في أنقرة حول الوضع في شمال العراق يخضره ممثلو الولايات المتحدة وبريطانيا وأكراد العراق([163]).

________________

الهوامش

إشراف د. إبراهيم البيومي

([1]) ميشال نوفل، مدخل مفهومي للأزمة التركية: البنية السياسية والحركة الإسلامية، مجلة شئون الأوسط، عدد 64 أغسطس 1997، ص 30.

([2]) نفس المرجع السابق، ص 32.

([3]) محمد حرب، آليات الحركة الإسلامية في تركيا، مجلة السياسة الدولية، عدد 133 يناير 1998، ص 123.

([4]) وحول مزيد من التفاصيل عن خصائص الحركة الإسلامية في تركيا وأسباب تنامي التيار الإسلامي في ظل بداية التعددية في تركيا، وحول بعض السمات التي تميز الرافد الذي قاده أربكان بالمقارنة بنظائرة في دول إسلامية أخرى أنظر د. جلال معوض: الإسلام والتعددية في تركيا، سلسلة بحوث سياسية، عدد 81، يولية 1994.

  • د. محمد نور الدين: الحركة الإسلامية في تركيا (في): د. علا أبو زيد (محرر) الحركات الإسلامية في آسيا، مركز البحوث والدراسات الآسيوية 1998.
  • Nilufer Gole: Secularism and Islamism-In Turkey: The making of elites and counter e;ites. Middle East Vo 51. No1, Winter 1997 PP46-58.

([5]) ساجلا ركيرر، الاقتصاد السياسي للديمقراطية التركية في: نوبار هوفسبيان (المحرر) تركيا بين الصفوة البيروقراطية والحكم العسكري، بيروت، مؤسسة الأبحاث العربية 1985، ص 14.

([6]) أحمد تركي، الأحزاب العلمانية في تركيا، السياسة الدولية، عدد 131، يناير 1889، ص 148-149.

([7]) عمرو عبد الكريم سعداوي، النخبة السياسية في تركيا: صراعات الهوية والأصول الاجتماعية، السياسة الدولية، عدد 131 يناير 1998، ص 140.

([8]) د. جلال معوض، العرب وتركيا في حال الأمة العربية، المؤتمر القومي العربي السابع، بيروت، مارس 1997، ص 167.

([9]) د. جلال معوض، مرجع سابق، ص 169.

([10]) أشرف محمود سنجر، الوزارة الائتلافية في تركيا بين احتمالات الاستمرار والتغيير، السياسة الدولية، عدد 128، أبريل 1997، ص 184.

([11]) سفارة جمهورية مصر العربية بأنقرة، المكتب الإعلامي، تقرير عن التشكيل الوزاري الجديد “الحكومة رقم 54”.

وكذلك انظر في هذا الصدد:

– د. مصطفى كامل محمد: تركيا: القدرة، التوجه، الدور، سلسلة كراسات استراتيجية، مركز الدراسات السياسية بالأهرام، عدد 47، السنة السادسة 1996، ص 10.

([12]) مصطفى كامل محمد، تركيا: القدرة والوجه والدور، مرجع سابق.

([13]) أحمد السيد تركي، الأحزاب العلمانية في تركيا، مرجع سابق، ص 149.

([14]) الشعب 28/12/1997.

([15]) ملف الأهرام الاستراتيجي، السنة الثالثة، العدد 29، مايو 1997، ص 16.

([16]) رضا هلال، حقيقة الانقلاب المدني في تركيا، الأهرام 1/7/1997.

)[17]) E.I.U. Country report tukey, 1997.

([18]) الحياة 6/7/1997.

([19]) الحياة 30/9/1996.

([20]) الحياة 7/8/1997.

([21]) الأهرام 24/1/1998.

([22]) الأهرام 1/7/1997.

([23]) محمد نور الدين، المواجهة بين الرفاه والعسكر: التباسات الديمراطية والهوية، مجلة شئون الأوسط، مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، بيروت، عدد 64، ص 35.

([24]) الحياة 20/5/1997.

)[25]) The Independent, 14 August 1996.

([26]) الحياة 26/8/1997.

([27]) الحياة اللذنية 12/1/1997، الأهرام 17/6/1997.

([28])  The Economist intelligence unit, country report, Turkey, 2nd, quarter 1997, p6

([29]) ملف الأهرام الاستراتيجي، مركز الدراسات السياسية بالأهرام.

([30]) E.I.U, Country report, Turkey, 2nd, quarter 1997, op. cit.p. 11.

([31]) الأهرام 3/3/1998.

([32]) انظر في هذا الصدد، أشرف محمد سنجر، الطرق الصوفية التركية وتفاعلاتها، السياسة الدولية، عدد 131، يناير 1998، ص 159: 162.

([33]) خالد السرجاني، حزب الرفاه يواجه الحظر، ملف الأهرام الاستراتيجي، العدد 37 يناير 1998.

([34]) محمد نور الدن، مرحلة جديدة للحركة الإسلامية في تركيا، الحياة، 29/5/1998.

([35]) الشرق الأوسط، 25/5/1998.

([36]) الحياة، 19/5/1998.

([37]) الحياة، 28/3/1998.

([38]) الأهرام، 19/3/1998.

([39]) الشرق الأوسط، 21/3/1998.

([40]) الحياة، 22/3/1998.

([41]) الحياة، 17/6/1998.

([42]) الحياة، 2/8/1998.

([43]) الحياة، 6/12/1998.

([44]) آفاق عربية، 6/8/1998 نقلاً عن ميدل إيست إنترناشيونال.

([45]) الشرق الأوسط، 22/4/1998.

([46]) الحياة، 9/4/1998.

([47]) الشعب، 7/4/1998.

([48]) الحياة، 27/2/1998.

([49]) الشعب، 10/7/1998.

([50]) الشرق الأوسط، 22/9/1998.

([51]) الشعب، 3/4/1998.

([52]) الحياة، 14/10/1998.

([53]) http://www.Turkeyupdate.com/Irtica.htm2/8/1998.

([54]) الرأي العام، 5/8/1998.

([55]) الوسط، العدد 313، 26/1/1998.

([56]) الأهرام، 20/2/1998.

([57]) الأهرام، 20/1/1998.

([58]) الشرق الأوسط، 21/8/1998، والحياة 26/8/1998.

([59]) الشعب، 2/10/1998.

([60]) الحياة، 30/9/1998.

([61]) القدس العربي، 30/9/1998.

([62]) الشرق الأوسط، 17/8/1998.

([63]) الشعب، 22/2/1998.

([64]) الحياة، 16/3/1998.

([65]) الشرق الأوسط، 24/5/1998.

([66]) الشرق الأوسط، 19/5/1998.

([67]) الشرق الأوسط، 19/5/1998.

([68]) الشرق الأوسط، 17/9/1998.

([69]) الحياة، 13/8/1998.

([70]) الحياة، 1/12/1998.

([71]) أحمد نوري النعيمي، الأسس الواقعية لمستقبل العلاقات العربية التركية في أورهان كوك بولو وآخرون، العلاقات العربية لتركية حوار مستقبلي، مركز الوحدة، بيروت.

([72]) تقرير عن التنمية في العالم 96 (البنك الدولي، ترجمة مركز الأهرام للترجمة والنشر) ص 245- 246.

([73])Eiu Country report Turkey, 1997.

)[74]) Kept H. Butts, The Department of defence role in American policy, Strategic institute, usa, Arm War collge, 1993 p.4.

[75])) وحول تطور علاقة تركية بالجماعة الأوروبية وحول الانتقادات التركية لتردد أوربا وعدائها تجاه انضمام تركيا والذي يقوم على مزيج من الاعتبارات الثقافية والدينية والتاريخية أنظر:

– Heinz Kramer: Turkey and the European union (in) votech mastny, Graig Nation (eds), Turkey between East and west, Westview press, 1996. pp 203- 233.

([76]) مجلة العالم، العدد 551، 11 يناير 1997، ص 16.

([77]) الشعب، 18/11/1997.

([78]) مجلة النور، العدد 74، يوليو 1997، ص 18.

([79]) د. نيفين مسعد: مجموعة الثماني الترتيبات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1998، ص 375- 398.

(([80]  الحياة، 6/4/1997.

([81]) مجلة العالم، العدد 548، نوفمبر 1996.

([82]) Robert alson, The Turkey- Israel agreement and The Kurdish question, Middle east International, 14 may 1996, pp 18-19.

([83]) المستقبل العربي، العدد 220، يونيو 1997، ص 10- 15.

([84]) أشرف محمود سنجر، مرجع سابق، ص 185.

([85]) مجلة النور، العدد 75، أغسطس 97، ص 29.

([86]) خالد فياض، العلاقات الإسرائيلية التركية من تشيلر إلى أربكان، السياسة الدولية، عدد 129، يوليو 1997، ص 184.

([87]) Jerusalem post 8, April 97.

([88]) Jerusalem post 8 December 96.

([89]) مجلة النور، العدد 75، أغسطس 97، ص 30.

([90]) حاقان ياووز، العلاقات التركية الإسرائيلية، دراسات فلسطينية، العدد 33، شتاء 98، ص 66.

([91]) د. جلال معوض، الجديد في العلاقات التركية-الهربية، بحث مقدم إلى ندوة العلاقات العربية بدول الجوار، عقدها مركز البحوث والدراسات السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 16 يونيو 1998، ص 2.

([92]) الأهرام، 20/8/1997.

([93]) الشعب، 27/8/1998.

([94])  الشرق الأوسط، 30/11/1997.

([95])الشرق الأوسط، 1/11/1997.

([96])الحياة، 2/11/1997.

([97]) الأهرام، 8/11/1997.

([98]) الأهرام، 27/11/1997.

([99]) الحياة، 28/11/1997.

([100]) الشرق الأوسط، 26/11/1997.

([101]) الحياة، 26/11/1997.

([102]) الحياة، 14/12/1997.

([103]) الحياة، 16/12/1997.

([104]) الأهرام، 16/12/1997.

([105]) الحياة، 12/11/1997.

([106]) الأهرام، 10/2/1998.

([107]) الحياة، 17/12/1998.

([108]) الشرق الأوسط، 6/1/1998.

([109]) الشرق الأوسط، 9/1/1998.

([110]) القدس العربي، 22/10/1998.

([111]) مجلة الشعب العربي، 28/12/1998.

([112]) الأهرام، 26/11/1997.

([113]) الحياة، 1/12/1997.

([114]) الشرق الأوسط، 1/2/1998.

([115]) المصدر السابق.

([116]) الوسط، العدد 113، 15/6/1998، ص 35.

([117]) الحياة، 19/6/1998.

([118]) الحياة، 26/7/1998.

([119]) حسن آل بلال، الأزمة القبرصية عقبة جديدة أمام العلاقات مع أوروبا العالم، عدد 628، 4 يوليو 1998، ص 22- 23.

([120]) الأهرام، 7/7/1997.

([121]) الحياة، 25/12/1997.

([122]) الأهرام، 22/4/1998.

([123]) الأهرام 24/4/1998.

([124]) مجلة الشعب العربي، عدد 62، 27 يوليو 1998، ص 29.

([125]) التقرير الأمني العربي، مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، العدد 480 بتاريخ 20/7/1998، ص 17.

([126]) الأهرام، 27/ 9/ 1998.

([127]) الأهرام 21/10/1998.

([128]) الأهرام 25/10/1998.

([129]) الأهرام، 10/11/1998.

([130]) وكالة أنباء الشرق الأوسط، 12/12/1998.

([131]) الأهرام، 3/7/1997، والأهرام، 11/4/1998.

([132]) الشرق الأوسط، 10/7/1998.

([133]) الأهرام، 12/4/1998.

([134]) الشرق الأوسط، 30/10/1998.

)[135]) Http://www.Turkeyupbate.com/iran,htm.

([136])Http://www.Turkeyupbate.com/unsul/dailyday3/6/1998.

)[137]) B.B.C. Monitorig international reports980706/177 8030650htm نقلاً عن تلفزيون 8/2/1998 TRT.

)[138]) الأهرام Http://www.BBC TRT.co.uk/news28/9/1998.

)[139]) BBC 11/9/1998.

([140]) الأهرام، 18/10/1998.

([141]) أنظر التداخل بين هذه الأبعاد في:

– Alain Gresh: Turkish-Israeli- Syrian Relations and their Impact on the middle East, Middle East Journal, spring 1998, pp 188-203.

([142]) أحمد إبراهيم محمود، أبعاد التصعيد التركي ضد سوريا ملف الأهرام الاستراتيجي، السنة الرابعة، العدد 47، نوفمبر 1998.

([143]) الشرق الأوسط، 11/10/1998.

([144]) إنترناشيونال هيرالد تريبيون 12/10/1998.

([145]) أحمد إبراهيم محمود، الدور الإسرائيلي في الأزمة السورية التركية، الاتحاد الإماراتية، 10/10/1998.

([146]) الإندبندنت البريطانية 12/10/1998.

([147]) الحياة، 12/10/1998؟

([148]) هيئة الإذاعة البريطانية 22/10/1998.

([149]) د. جلال معوض، الجديد في العلاقات التركية العربية، بحث مقدم إلى ندوة العلاقات العربية بدول الجوار، عقدها مركز البحوث والدراسات السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 16 يونيو 1998، ص 22.

([150]) الأهرام 27/12/1997.

([151]) د. جلال معوض، مرجع سابق، ص 23.

([152]) الحياة اللندنية، 3/11/1997.

([153]) الأهرام، 14/4/1998.

([154]) الأهرام، 14/2/1998.

([155]) الأهرام، 8/2/1998.

([156]) الأهرام، 13/2/1998.

([157]) رويترز 12/2 International Naws Book.

([158]) نص الاتفاق في (القدس العربي) 13/10/1998.

([159]) الشرق الأوسط، 25/9/1998 مارتن انديك.

([160]) الحياة، 4/10/1998.

([161]) الشعب، 27/9/1998.

([162]) الأهرام، 28/9/1998.

([163]) الحياة، 6/11/1998.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى