خبرة تطور الصراع العربي- الإسرائيلي: الاحتلال والمقاومة عبر مئة عام

مقدمة

يمكن أن نرجع بداية الصراع العربي-الإسرائيلي الصهيوني إلى نهايات الدولة العثمانية وتصاعد النزعة الصهيونية في أوروبا، ففي النصف الثاني من القرن التاسع عشر بدأت مظاهر الضعف تظهر على الخلافة العثمانية، وتبع ذلك ضعف للمناطق التي تسطير عليها وضمنها المنطقة العربية؛ ممَّا أدَّى إلى ظهور حركات مناوئة للخلافة، وفي نفس الوقت بدأت قوى أخرى في الظهور، خاصَّة في أوروبا، مثل فرنسا وبريطانيا حيث وجَّه الاثنان نظريهما إلى أنحاء الخلافة العثمانية للاستيلاء عليها، ومن جانب آخر تصاعدَتْ النزعة الصهيونية في أنحاء العالم وعلى إثرها انعقدت المؤتمرات الصهيونية لإيجاد وطن قومي لليهود كما كان تيودور هرتزل يحلم. ثلاثة عوامل رئيسية أسهمت في تشكيل ما أصبح يُطلق عليه الآن الصراع العربي-الإسرائيلي، والذي اتَّضحت معالمه مع هزيمة الخلافة العثمانية في الحرب العالمية الأولى.
ونستطيع أن نحدِّد بداية هذا الصراع باتفاقية سايكس-بيكو الذي قرَّرَتْ فيه كلٌّ من بريطانيا وفرنسا تقسيم المنطقة العربية بينهما، وتتشابك تلك الوقائع بشكل مركَّب لإعادة تشكيل المنطقة خاصة فيما يتعلَّق بإنشاء وطن قومي لليهود خاصَّة مع تصاعد الحركات الرافضة لوجودهم في أوروبا، إلا أن ما جعل الصراع واقعًا حقيقيًّا هو وعد بلفور، الذي هو عبارة عن رسالة من وزير الخارجية البريطاني إلى أحد الأغنياء اليهود في بريطانيا، ونصه كالتالي:

“عزيزي اللورد روتشيلد.. يسرني جدًّا أن أنقل إليكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي المتعاطف مع أماني اليهود الصهاينة، وقد عُرِضَ على الوزارة وأقرَّته: إن حكومة صاحب الجلالة ترى بعين العطف تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق تلك الغاية، على أن يُفهم جليًّا أنه لن يُؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين، أو الحقوق والوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أيِّ بلد آخر). وسأكون ممتنًا إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علمًا بهذا التصريح”…
المخلص/ آرثر جيمس بلفور(1).

جاء ذلك الخطاب -الذي عُرف لاحقًا بوعد بلفور- ليضع المشروع الصهيوني في مساره المتوافق مع إنشاء دولة قومية لليهود خاصة في فلسطين، وعلى الرغم من ذلك فلم يكن للخطاب أي قوة قانونية تذكر في تحقيق ذلك الحلم اليهودي، خاصة أنه في وقت إصدار تلك الوثيقة في 2 نوفمبر 1917 لم تكن لبريطانيا أي سلطة تُذكر على فلسطين، ولكن الأحداث والفواعل الدولية التي ظهرت بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى هي التي حقَّقَتْ ذلك الحلم اليهودي خاصة مع دخول اتفاقية سايكس-بيكو في حيِّز التنفيذ، وهو ما ستتناوله هذه الورقة، ولكن نستطيع القول إن ذلك الخطاب/الوعد، كما قال أحدهم، أسَّسَ لمأساة القرن(2).
تتناول الورقة المسار التاريخي للصراع عبر مئة عام من إصدار وعد بلفور في 1917م، ويمكن تقسيم هذا المسار إلى أربع مراحل: الأولى- مرحلة التشكُّل (1917 – 1948)، الثانية- مرحلة حروب الجيوش النظامية (1948 – 1979)، الثالثة- مرحلة السلام ومحاولات التطبيع (1979 – 2010)، والرابعة- الصراع العربي-الإسرائيلي والثورات العربية (2010 – …)، وسنستعرض أهمَّ سمات ذلك الصراع عبر مئة عام، ومن الملاحظ أن المراحل الثلاث الأولى استغرقت كل واحدة منها ثلاثة عقود (31 عامًا) ليتغيَّر شكل الصراع فيها وفيما بينها، وهذا ما ستُركِّز عليه الورقة.

المرحلة الأولى- تشكُّل الصراع العربي-الإسرائيلي (1917 – 1948)

بدأت تلك المرحلة بوعد بلفور السابق الذكر، ونهاية الحرب العالمية الأولى، بالإضافة إلى اتفاق سايكس-بيكو، وبحلول عام 1918م احتلَّت القوَّات البريطانية فلسطين، ولفهم رؤية الانتداب البريطاني وأهدافه، يكفي أن نذكر مذكرة لبلفور أرسلها في 1919م إلى أحد اللوردات يشرح له خطط بريطانيا لفلسطين فقال: “بالنسبة لفلسطين، نحن لا نقترح حتى مجرد استشارة رغبات السكان الحاليِّين… إن القوى الأربع الكبرى ملتزمة بدعم الصهيوينة، وسواء كانت الصهيونية على حق أو على باطل، حسنة أو سيئة، فإنها عميقة الجذور في التقاليد، وفي احتياجات الحاضر، وآفاق المستقبل… وأعظم بكثير من ظلامات ورغبات 700 ألف عربي يسكنون الآن في هذا البلد القديم”(3). وبحلول عام 1920م بدأ الانتداب البريطاني الفعلي على فلسطين وأقرَّتْه عُصبة الأمم في 1922م، وتمَّ تضمين وعد بلفور ضمن قرار الانتداب بصرف النظر عن رغبات السُّكَّان في فلسطين في ذلك الوقت، وسمحت بريطانيا بالتوسُّع في الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وعيَّنت أول مندوب سامٍ لها وهو هربرت صمويل، حيث بدأ في تطبيق المشروع الصهيوني على الأرض(4).
أدَّت تلك السياسة المؤيدة للصهيونية والمتجاهلة للرغبات العربية الشعبية إلى ظهور المقاومة العربية. ولكن يمكننا أن نُرجع إرهاصات مقاومة المشروع الصهيوني إلى الفترة ما بين 1881 – 1917، حيث اتَّخذت شكل التعبئة الصحفية لمطالبة العثمانيِّين -خاصة مع صعود “الاتحاد والترقي” في الآستانة- بمنع اليهود من التوطُّن والتملُّك، ومهاجمة المستوطنات التي تمَّ إنشاؤها، وتنظيم المظاهرات، وتوزيع المنشورات وتشكيل لجان منع بيع الأراضي(5).
ونتيجة لاستمرار السياسات البريطانية اندلعت الكثير من الثورات، كانت أولها في القدس 1920م وسُمِّيَتْ بثورة العشرين أو ثورة النبي موسى(6)، ثم ثورة يافا عام 1921م، حيث هوجمت المستوطنات الصهيونية؛ ونتج عن ذلك مقتل عدد من المهاجرين اليهود، فتصدَّت القوات البريطانية بعنف كبير لتلك الثورة ممَّا أدَّى إلى انتشار الاضطرابات في عموم فلسطين(7)، حاولت بريطانيا احتواء الثورة فألَّفَتْ لجنة للتحقيق، وصدر الكتاب الأبيض في 1922م، وفيه أصرَّت بريطانيا على مساندة الأحلام الصهيونية، ولكنها أعربت عن أن الوطن القومي لليهود لا يعني جعل فلسطين يهودية بالكامل، وتلك كانت إرهاصات التقسيم.
ووقعت ثورة أخرى في يافا في 1924م، نتيجة لسخرية بعض اليهود من رجال الدين الإسلامي، وأضربت البلاد إضرابًا عامًّا مع زيارة بلفور لافتتاح الجامعة العبرية في 1925م، فضلًا عن المؤتمرات العربية، وبلغت سبعة مؤتمرات في نهاية 1928م(8).
وكانت أنماط المقاومة قبل انتفاضة البراق 1929م تتراوح بين النشاط السلمي والمدني الممزوج بقليل من العنف، واشتملت على: إصدار المذكِّرات والبيانات والاحتجاجات والنداءات والبرقيَّات، وإقامة الاحتفالات المسيَّسة، وإلقاء الخطابات وكتابة المقالات الصحفية، فضلًا عن التظاهرات السياسية وأساليب العصيان، وإرسال الوفود للتفاوض حول المطالب الوطنية وإسماع وجهة النظر للرأي العام العالمي البريطاني والأوروبي بخاصة، وعقد المؤتمرات لتعبِّر عن الصوت الفلسطيني وإثبات حجيَّة القيادة السياسية وتمثيلها لأبناء فلسطين(9).
انتفاضة البراق: نتيجة لاستمرار سياق استمرار الهجرة اليهودية، ودعم بريطانيا لمساعيها من جانب، وفشل المساعي الدبلوماسية، قامت ثورة في 1929م سُمِّيَتْ بثورة البراق؛ بسبب محاولة بعض الصهيونيِّين الاحتشاد عند حائط البراق(10)، حيث ثار العرب ضد بريطانيا والصهيونية. وخلال الفترة من 1929م حتى 1936م لم تهدأ المظاهرات والاشتباكات بين العرب من جهة وبين الجنود البريطانيِّين والصهاينة والمستوطنين من جهة أخرى(11). وتشكَّلَتْ في تلك الفترة الحركة الوطنية الفلسطينية، وكان من قادتها موسى كاظم الحسيني والحاج أمين الحسيني مفتي القدس، والشيخ عز الدين القسام الذي أنشأ الحركة الجهادية في بداية الثلاثينيات، وتُعَدُّ ثورة البراق هي بداية الثورة العربية الكبرى ضدَّ المخطط الصهيوني البريطاني لأرض فلسطين(12).
الثورة العربية الكبرى 1936م: بدأت تلك الثورة على يد مجموعة قسَّامية عندما قتلوا اثنين من الصهاينة، حيث تداعَتْ الأحداث بعد ذلك ودخلت فلسطين في إضراب عام بدأ في أبريل 1936 واستمرَّ ستة أشهر، ويُعَدُّ أطول إضراب عام قام به شعب، وانضم إلى الثورة أشخاص من مختلف أنحاء الوطن العربي أبرزهم فوزي القاوقجي (الذي سيقود جيش الإنقاذ والتحرير لاحقًا)، ولم ينته إلا بعد نداء من الملوك والأمراء العرب، حيث وَجَّهَ كلٌّ من الملك غازي ملك العراق والأمير عبد الله أمير شرق الأردن نداء إلى الثورة بوقفها بعد وعود بريطانية لهم بأنها ستحقِّق العدالة(13). وأعلنت بريطانيا عن إنشاء لجنة للتحقيق في أسباب الثورة وخلصت إلى أنه من الأفضل تقسيم فلسطين بين العرب واليهود وذلك في عام 1937م؛ ونتيجة لذلك اشتعلت الثورة مرة أُخرى في جميع أنحاء البلاد، واستمرَّت إلى أن ألْغَتْ بريطانيا تلك النتيجة ودَعَتْ إلى مؤتمر يضمُّ القادة العرب لحل الأزمة، وفشل ذلك المؤتمر، وأصدرت الحكومة البريطانية الكتاب الأبيض الذي تعترف فيه بحق الفلسطنيِّين في الأرض وأن ما تريده بريطانيا دولة فلسطينية، وتقليل الهجرة اليهودية، وكان من أهمِّ ظواهر تلك الثورة هو ظهور التنظيمات المقاومة المسلحة(14) مثل: جيش الجهاد المقدس(15).
وبانتهاء ثورة 1936 – 1939 تم تعليق الجهاد المقدس ولم تتجدَّد حركته إلا مع قرار التقسيم في 1947م؛ وهو القرار الناتج عن نهاية الحرب العالمية الثانية بالأساس واستطاعة اليهود تحويل دفتهم إلى الولايات الأمريكية المتحدة -القطب الصاعد في القوى الكبرى- بالإضافة إلى استغلال المحنة اليهودية في ألمانيا من أجل التأكيد على أحقية اليهود في وطن لهم.
أما على السياق العربي الرسمي وموقفه من وعد بلفور وما بعده، فقد عقد فيصل بن الشريف حسين مع حاييم وايزمان في عمان 1918م اتفاقية يعطي فيها فيصل وعودًا لليهود بمنحهم تسهيلات لإنشاء وطن في فلسطين(16). ومن جانب آخر، وعند افتتاح الجامعة العبرية 1925 في القدس تم دعوة العديد من المثقفين العرب للاحتفال، فأرسل طه حسين برقية تهنئة، وحضر احتفال وضع حجر الأساس للجامعة أحمد لطفي السيد الذي كان يُعرف بـ”أستاذ الجيل” في مصر، بل إن السلطات البريطانية فرضت على مفتي القدس ومطران القدس المشاركة بوضع حجارة الأساس في الجامعة(17).
تنتهي تلك المرحلة بدخول الجيوش العربية إلى أرض فلسطين لتبدأ مرحلة أخرى من مراحل الصراع، ومع النظر في المرحلة السابقة فإنها تنفي كل الصور النمطية والأكاذيب التي انتشرت حول تلك الفترة من سكوت وسكون على ما يحدث أو بيع الأراضي كما ذاع وشاع بين بعض الناس، ويمكن القول إن تلك المرحلة لم يتشكَّل فيها الصراع فقط وكيفيته وحدوده، بل تشكَّلت أيضًا المقاومة ونموذجها الحضاري، فلقد ارتبطت القضية منذ البداية بالأمة الإسلامية ولحظات تفككها وضعفها، وارتبطت القضية أيضًا بالتعاضد بين المسلمين فلم تكن روح القطرية أو القومية قد تغلغلت بعد في نفوس الشعوب، حيث هَبَّ الناس من مختلف الأقطار الإسلامية لنُصْرَةِ المسلمين في فلسطين، وذلك على الرغم من أن السياق العالمي والإقليمي الإسلامي كان واقعًا تحت الاستعمار بعد سقوط الخلافة العثمانية، حيث لم تسقط الخلافة الإسلامية فقط ولكن تمَّت إعادة تشكيل المنطقة العربية حسب رؤية الدول الغربية لمصالحها؛ ذلك التشكيل الذي سيسبِّب العديد من الإشكاليات التي ستصاحب شعوب المنطقة طوال المئة عام التالية لوعد بلفور، بالإضافة إلى أن تلك المرحلة -نتيجة لما سبق- قد ظهر فيها وفي التي تليها إرهاصات الدول القومية العربية.

المرحلة الثانية- مرحلة حروب الجيوش النظامية (1948 – 1979)

بدأت تلك المرحلة بشكل أساسي مع قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة في نوفمبر 1947(18) بموافقة 33 عضوًا ومعارضة 13 وامتناع 11 عن التصويت، ويتضمَّن تقسيم فلسطين إلى ثلاث مناطق: المنطقة الأولى 55% من مساحة فلسطين لإنشاء الدولة اليهودية، والمنطقة الثانية وهي 45% من مساحة فلسطين لإنشاء الدولة العربية، والمساحة المتبقية وهي القدس تكون تحت وصاية دولية(19). ومن جانب آخر، أعلنت بريطانيا انسحابها من فلسطين في مايو 1948، وكانت الوكالة اليهودية تُعِدُّ الوضعَ للانسحاب البريطاني، ففي العاشر من مارس 1948 أصدرت الهاجاناه(20) خطَّة عسكرية مفصَّلة تُعِدُّ الجماهير لجلاء الإنجليز، الذي وقع في 15 مايو 1948.
وتم الإعلان عن قيام دولة إسرائيل في 14 مايو 1948 وبدأت المرحلة الثانية من مراحل الصراع العربي-الإسرائيلي؛ حيث بدأت أولى الحروب العربية-الإسرائيلية التي استمرت حتى يوليو 1949، ونتج عنها ما عرف عربيًّا بالنكبة، واتَّخذت مساريْن أساسيَّيْن: الأول- خطة الهاجاناه، والثاني- الحرب العربية-الإسرائيلية(21).
المسار الأول- حيث كانت خطة الهاجاناه وأطلق عليها الخطة (د)، وتمثَّلت في الاستيلاء على 80% من مساحة فلسطين، وما أسموه بتطهير المناطق الفلسطينية التي ستسقط تحت سيطرتهم، واستلمت كلُّ فرقة من فرق الهاجاناه لائحة بالقرى التي عليها احتلالها وتدميرها، وكانت عمليات التطهير تبدأ بمحاصرة القرى من ثلاث جهات وتترك الرابعة للهرب والإخلاء، أما القرى التي رفض أهلها الرحيل فقد قُتلوا، وامتدَّت عملية التطهير على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى – بين يناير 1947حتي نهاية صيف 1948 حيث تم تدمير المناطق الساحلية والسهول الداخلية وتمَّ طرد السكَّان بالقوَّة. المرحلة الثانية- (1948 – 1949) وشَمِلَتْ منطقتي “الجليل” و”النقب”. المرحلة الثالثة- استمرت إلى ما بعد نهاية العمليات العسكرية العربية حتى عام 1954م حيث استمرَّت عمليات الطرد. ومن بين ما يقرب من 700 ألف فلسطيني كانوا يعيشون في المناطق التي صنَّفتها الأمم المتحدة بالدولة اليهودية لم يبق منهم إلا قرابة 100 ألف فلسطيني والذين أصبحوا لاحقًا عرب الداخل، وكانت حصيلة عمليات التطهير العِرْقِي والتهجير تدمير نحو 500 قرية و11 مدينة فلسطينية وطرد نحو 700 ألف فلسطيني وذبح عِدَّةِ آلاف آخرين خلال بعض المذابح التي قام بها الصهاينة ضد العرب -ضمن الحرب الفعلية والنفسية- حيث قاموا بارتكاب حوالي 34 مذبحة، أشهرها مذبحة دير ياسين(22).
المسار الثاني- الحرب العربية-الإسرائيلية وكان لها ثلاث جبهات أساسية: الجيوش العربية النظامية، الجيوش العربية غير النظامية، المقاومة الشعبية والمتطوعين:
● الجيوش العربية النظامية: حيث دخلت جيوشُ مصر والأردن ولبنان وسوريا والعراق والسعودية، أرضَ فلسطين لمحاربة اليهود بعد قرار التقسيم، وضمَّت حوالي 27 ألف جندي تقريبًا، وعُين الملك عبد الله -ملك الأردن- قائدًا لتلك الجيوش، ولكن على الأرض كانت الجيوش تابعة لدولها، ويُعَدُّ غياب القيادة الواحدة لتلك الجيوش أحد أهم أسباب هزيمتها.
● الجيوش العربية غير النظامية: وتجسَّدت في جيشين بشكل أساسي، الأول- جيش “الجهاد المقدس” (وقد سبقت الإشارة إليه)، والآخر جيش “الإنقاذ والتحرير” بقيادة فوزي القاوقجي وشكَّلته الجامعة العربية في ديسمبر 1947، وتكوَّن من 3000 متطوِّع من أنحاء العالم الإسلامي، وقد كان القاوقجي في خلاف دائم مع عبد القادر الحسيني قائد جيش “الجهاد المقدس”، ممَّا أدَّى إلى ضعف قوة الجيشين معًا.
● المقاومة الشعبية والمتطوعون: وقد أتى هؤلاء من جميع أنحاء العالم الإسلامي، حتى إنه كان هناك متطوعون من البوسنة وألبانيا، وشارك فيها الإخوان المسلمون تلبية لنداء حسن البنا، وقُتل منهم ما يقدَّر بحوالي 10 آلالف متطوع وتم القبض على الآخرين أثناء عودتهم لمصر(23).
أمَّا القوات الصهيوينة التي دخلت حرب 48 فكانت تقدر بحوالي 76 ألف مقاتل وكانت مدرَّبة تدريبًا عاليًا، وتشكَّلت وقت إعلان نشأة الدولة في عشرة ألوية عسكرية منظَّمة، واستطاعت تحديد أهدافها وخطط هجومها مسبقًا ممَّا أسهم في نجاحها أمام الجيوش العربية.
في البداية شنَّت القوات العربية هجومًا على القوات الصهيوينة واستطاعت أن تُحرز تقدمًا، ولكن للعديد من الأسباب وقعت الهزيمة واستطاعت القوات الإسرائيلية الاستيلاء على مساحات جديدة من الأراضي، حتى بلغ مجموع ما استولَتْ عليه 77% من أرض فلسطين.
وكان من أسباب الهزيمة: ضعف تسليح الجيوش العربية بالإضافة إلى قلَّة أعدادها، وقلَّة التنسيق بينها، واختلاف رؤى القيادات وتضاربها، وعدم وجود خطة هجوم موحَّدة.
وانتهت الحرب بخضوع الضفة الغربية لسيطرة الأردن، وبقاء غزة تحت الإدارة المصرية(24).
أما فيما يتعلق بالفترة ما بين 1949م حتى 1956م فإنها اتَّسمت بعدد من السِّمات، منها:
1- استمرار خضوع الضفة الغربية للأردن، واستمرار خضوع غزة لمصر، مع رفض أي محاولات من جانب الطرفين لظهور قيادات فلسطينية، خاصَّة الحاج أمين الحسيني، الذي تم إبعاده لمصر لفكِّ الارتباط بينه وبين الشارع الفلسطيني، وهو ما نجح في نهاية الأمر.
2- الانكفاء على الذات من جهة الدول العربية؛ كونها دولًا حديثة الاستقلال نسبيًّا، وانتشار الانقلابات العسكرية فيها، مع رفع شعارات القومية العربية.
3- استمرار المقاومة، وإن كانت ضعفت بشكل كبير عن المرحلة السابقة، حيث كانت تتضمَّن اشتباكات بين الطرفين العربي والصهيوني خاصَّة على مناطق الحدود، ولقد شهدت مناطق الحدود في الضفَّة الغربية ما يقدَّر بـ 7850 حادث مقاومة، وعلى الحدود مع غزة حوالي 3000 حادث، وعلى الحدود الشمالية مع لبنان نحو 600 حادث، وكانت المقاومة شبه النظامية تأتي من غزة مع قبول الجانب المصري بفتح باب التطوع ضدَّ اليهود، وأوكلت تلك المهمة للضابط مصطفى حافظ الذي استُشهد في أكتوبر 1956.
4- أمَّا على الجانب الآخر، فقد عمدت الدولة اليهودية إلى توطيد أركانها واستمرار القيام بالمذابح ضد الفلسطينيِّين(25)، حيث استمرَّت عمليَّات التطهير والطَّرد للسكَّان العرب من أراضيهم حتى عام 1954م.
وجاء عام 1956م ليحمل تلاقي مصالح ثلاثة كيانات هي إسرائيل وفرنسا وبريطانيا، في الهجوم على كل من غزة وسيناء، ولم يستمر العدوان طويلًا حيث رفضه المجتمع الدولي، وخاصَّة الولايات المتحدة التي أظهرت نفسها -برفضها لهذا العدوان- قوَّة كبرى صاعدة في مواجهة أفول القوى القديمة كفرنسا وبريطانيا، وتم إنهاء العدوان الثلاثي دون أيِّ نصر عسكري مصري على القوى الثلاث، ولكن ما برز في هذا العدوان هو دور المقاومة الشعبية التي استبْسلت في الدفاع عن مدن القناة، ومن ناحية أخرى، انتهاء قوَّة كلٍّ من بريطانيا وفرنسا على الصعيد الدولي(26).
وعلى جانب آخر، وخلال الفترة ما بين 1956 – 1976 تحوَّلَتْ فيها منطلقات المقاومة نتيجة لهجوم الأنظمة العربية على التيارات الإسلامية، خاصة الإخوان المسلمين، إلى منطلقات سُمِّيَتْ (وطنية – قومية – قطرية)، فنشأت حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) سرًّا في أواخر الخمسينيات(27)، وظلَّتْ تعمل سرًّا حتى أعلنت عن نفسها في يناير 1965، وذلك في الكويت من قبل مجموعة متنوعة من التيارات الفكرية الشبابية الفلسطينية، وأعلنت الحركة عن نفسها بعملية “نفق عيلبون”(28)، ثم شرعت “فتح” تنشئ قواعدها في بعض الدول العربية حتى استكملت جناحها العسكري “العاصفة”(29)، وتوسَّعت إلى مئات الخلايا على أطراف دولة إسرائيل في الضفة الغربية وغزة وفي مخيمات اللاجئين في سوريا ولبنان، بل في الأمريكتين. وفي نهاية عام 1966م ومطلع عام 1967م ازدادت العمليات العسكرية(30) التي كانت تنفذها “العاصفة” الجناح العسكري للحركة، ثم خرجت الحركة من الأردن بعد أيلول الأسود وتركَّزت في لبنان وخرجت إلى تونس خلال الحرب الأهلية اللبنانية ومعها ضعفت قوة “العاصفة”(31).
وقعت حرب 67 لأسباب عِدَّة لا دخل للورقة بمناقشتها، ولكنها في الأساس ترتبط بوضع الدول العربية في ذلك الوقت، بالإضافة إلى نوعيَّة تحالفاتها وتوجُّهاتها تجاه العالم الخارجي، وكانت الشعارات الرنَّانة المرفوعة في ذلك الوقت عن قوة غير حقيقية وغير موجودة، وخلال تلك الحرب استطاعت إسرائيل الحصول على كلٍّ من الضفة وغزة والقدس(32) وسيناء، ودخلت الضفة الشرقية(33) لنهر الأردن، بالإضافة إلى تدمير 80% من عتاد الجيش المصري ومقتل أكثر من عشرة آلاف جندي مصري وستة آلاف جندي أردني وألف جندي سوري فضلًا عن الجرحى، ومن جانب آخر اضطرَّ أكثر من 300 ألف فلسطيني للنزوح(34)، فضلًا عن تحويل مثار القضية الفلسطينية من الحصول على الأراضي المحتلَّة في 1948م إلى الحصول على الأراضي التي تمَّ احتلالها في 1967م. وحدث كل ذلك خلال ستة أيام فقط ثبت فيها ضعف وفشل وهزيمة الأنظمة العربية، تلك الهزيمة التي سيتم تحويلها للشعوب العربية، وكما تم إطلاق اسم النكبة على هزيمة 1948م أُطلق عنوان النكسة على هزيمة 1976م.
خلال الفترة بين 1967م وحتى 1970م لم تتوقَّف عمليات مقاومة الاحتلال الإسرائيلي على الإطلاق، سواء من الجانب المصري والسوري اللذين فتحا جبهة حرب الاستنزاف، أو من حركة “فتح” حيث اشتدَّت عمليات “العاصفة” ضد الأهداف الإسرائيلية من كل من لبنان والأردن وسوريا(35).
أمَّا الفترة من 1970م وحتى 1973م فشهدَتْ تراجُعًا للمقاومة لعددٍ من الأسباب، أهمها: خروج منظمة “فتح” من الأردن بعد أيلول الأسود وانتقالها إلى لبنان، بالإضافة إلى انتهاء حرب الاستنزاف بموت جمال عبد الناصر.
ثم جاءتْ حرب 1973م لتنهيَ مرحلة حروب الجيوش النظامية، فكانت آخرَ حرب دخلتها الجيوش العربية النظامية في مواجهة الكيان الصهيوني -حيث ضَمَّت المراحل الآتية مجموعة من الأحداث العدوانية من قبل إسرائيل على بعض الدول العربية- لينتهي أيضًا حلم “القومية العربية” مع سقوط شعارات الحقبة الناصرية أمام الهزيمة التي تحوَّلت إلى “نكسة”، كما سبق الذكر، تحمَّلَتها الشعوب العربية وليست الأنظمة العربية التي نقلَت مسؤوليَّتها عن أخطائها السياسية العميقة والكارثية المؤدِّية لهزيمة 1967م للشعوب، ومن جانب آخر لم تكن التحقيقات التي نُفِّذَتْ لمعرفة أسباب الهزيمة جِدِّيَّة أو ذات مغزى، فقد كان من المفيد للأنظمة العربية المهزومة تحويل هذه الهزيمة للشعوب للتأكيد على الاستبداد، خاصَّة مع تحويل حالة الاستبداد والقمع الشديدة الموجودة من قبل الهزيمة والحرب إلى خطاب أيديولوجي يلوم الشعوب على تخلُّفها وثقافتها المتأخرة(36). تلك الحالة ستعيشها المنطقة العربية حتى ما قبل عام 2011م، أي حالة لوم الشعوب على حالة التردِّي التي تعيشها، بالإضافة إلى غياب مشروع حضاري لنهضتها مثل المشروع القومي العروبي، الذي كان مشروعًا مقبولا من قِبَل الأنظمة، أو بمعنى أصح: كان عبارة عن شعارات تستغلها الأنظمة لصالحها ولتسكين الشعوب عن فظائعها. ولذلك نجد أن الدول العربية -خاصة تلك الموجودة على حدود الصدام مع الكيان الصهيوني- قرَّرَتْ أن حرب 1973م هي آخر حروبهم مع ذلك الكيان، كخيار وحيد وليس كخيار استراتيجي، ذلك الخيار سيحصر الصراع العربي-الإسرائيلي في صراعات ثنائية، ليكون أكبر المتأثِّرين بتلك الحالة هم الفلسطينيون؛ إذ أصبح صراعهم ثنائيًّا، وسُمِّيَ بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي أو القضية الفلسطينية.
أما على الجانب الفلسطيني –وكما سبق الذكر- فقد اضطرَّت المقاومة الفلسطينية للخروج من الأردن والارتكاز في لبنان بعد أيلول الأسود، وخلال الفترة بين 1969م وحتى 1974م استطاعت حركة “فتح” الحصول على دعم عربي كبير ووصلت إلى قمة منظمة التحرير الفلسطينية وأصبح ياسر عرفات قائدًا للمنظمة، وفي القمة العربية بالرباط (أكتوبر 1974) أصبحت المنظمة الممثِّلَ الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وفي الشهر التالي حققت انتصارًا سياسيًّا عندما ألقى عرفات خطابه في الأمم المتحدة، وتم قبول منظمة التحرير الفلسطينية عضوًا مراقبًا، ولم تعد الأمم المتحدة تتعامل مع قضية فلسطين كقضية لاجئين فقط، وإنما أخذت منذ 1969م تعترف بوجود الشعب الفلسطيني وأصدرت قرارات في السبعينيات تؤيد حق شعب فلسطين في تقرير مصيره(37).
هذا، بالإضافة إلى انتشار الانتفاضات في الشارع الفلسطيني ردًّا على الاحتلال، وكانت أشهرها “انتفاضة الأرض”، التي انطلقت في 1976م نتيجة زيادة حملات القمع والمصادرة الإسرائيلية لمساحات واسعة من الأراضي، حيث أُعلنت الإضرابات ورُفِضَ التعويض الذي تقدِّمه إدارة الاحتلال وسُمِّيَ هذا اليوم بيوم الأرض، وما زال الشارع الفلسطيني يُحييه بالمظاهرات حتى الآن(38).
تنتهي تلك المرحلة مع توقيع السادات اتفاقية السلام في 1987م(39)، ودخول المقاومة الفلسطينية مستنقع الحرب الأهلية اللبنانية في 1975م، بالإضافة إلى غلق الحدود السورية والمصرية والأردنية أمام المقاومة الفلسطينية، هذا من جانب، وعلى الجانب الآخر ازدادت الاغتيالات التي نفَّذها الجانب الإسرائيلي ضد قيادات منظمة التحرير الفلسطينية(40).

المرحلة الثالثة- مرحلة السلام ومحاولات التطبيع (1979 – 2010)

تَتَّسِم تلك المرحلة بما يمكن تسميته بالمتناقضات، ففي الوقت الذي أغلقت دول المواجهة مع إسرائيل خيار دخولها في حرب مباشرة نظامية مع إسرائيل، لم تتوقَّف إسرائيل عن عدوانها، وإذا وُجِدَتْ في تلك المرحلة حروب إسرائيلية-عربية، فهي عادة تمثِّل عدوانًا واجتياحًا إسرائيليًّا يقابله دفاع فقط من العرب، وفي الوقت الذي تشهد تلك المرحلة اتفاقيات سلام مع معظم دول المواجهة مع إسرائيل؛ من مصر والأردن وحتى ما سيُسمَّى السلطة الفلسطينية، فإنها تشهد أيضًا صعود أنماط جديدة ومتجدِّدة من المقاومة؛ ألا وهي الانتفاضات وظهور حركات مقاومة جديدة مثل “حماس”.
ويمكن تقسيم هذه المرحلة إلى ثلاث فترات مختلفة: الأولى من 1979م إلى 1993م، والثانية من 1993م إلى 2006م، والثالثة من 2006م إلى 2011م.
الفترة الأولى (1979 – 1993): استمرَّت المقاومة الفلسطينية تستهدف وتتصدَّى للكيان الإسرائيلي في ظل الحرب الأهلية اللبنانية حتى 1982م، حين بدأت إسرائيل في اجتياح الجنوب اللبناني حتى وصلت إلى مشارف بيروت، وكان من نتيجة هذا الاجتياح تدمير البنية التحتية للمقاومة وخروج المقاومة من لبنان وحرمانها من العمل العسكري في بلاد الطوق، بالإضافة إلى مذبحة صبرا وشاتيلا، ولذلك تراجع معدَّل العمليات الفدائية إلى حدود متواضعة جدًّا في الثمانينيات باستثناءات محدودة(41).
بعد انخفاض عمليات “منظمة التحرير” و”فتح”، بدأت قوة أخرى تظهر في مشهد المقاومة العسكرية، ألا وهي حركة المقاومة الإسلامية (حماس)(42) وذلك في أثناء انتفاضة 1987(43) التي بدأتها الحركة، حيث رتَّبت مظاهراتها، وقد شملت الانتفاضة كافَّة قطاعات الشعب اللفلسطيني بكافَّة طوائفه، وتنوَّعت مظاهر الانتفاضة على مساريْن: الأول- شمل الإضرابات والمظاهرات والمواجهات السلمية مع الجيش الإسرائيلي واستمر منذ 1987م حتى 1990م، أمَّا المسار الآخر فاتَّسم بالعمليات المسلَّحة ضدَّ الكيان الصهيوني لتنتهي الانتفاضة في عام 1993م مع “اتفاق أوسلو”.
أمَّا فيما يتعلق بالمفاوضات بين الفلسطينيِّين وإسرائيل، فجرت مفاوضات علنية في مؤتمر مدريد 30/10/1991م، ثم مفاوضات ثنائية في نيويورك امتدَّت من شهر نوفمبر 1991، إلى شهر أكتوبر 1994، وأخرى سرِّيَّة بين بعض قادة منظمة التحرير الفلسطينية وبين شمعون بيريز في أوسلو عاصمة النرويج، واستيقظ الناس في 30 أغسطس 1993م على إعلان “اتفاق أوسلو” المعروف رسميًّا باسم “إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي”، وَوُقِّعَ عليه في واشنطن برعاية الرئيس كلينتون في 13 سبتمبر 1993 على أنه اتفاق إعلان مبادئ، يخلِّص الكيان الصهيوني من ورطته في مواجهة الانتفاضة، ويقدِّم للطرف الفلسطيني نتفًا من الأرض الفلسطينية، كما تمَّ توقيع اتفاق الحكم الذاتي في “غزة وأريحا” في القاهرة في 4 مايو 1994م، وسُمِحَ للسلطة الفلسطينية بالدخول إلى أريحا وقطاع غزة، في الشهر نفسه، ثم دخل رئيس المنظمة الرئيس ياسر عرفات إلى غزة في يوليو 1994م. وتنصُّ الاتفاقية على إقامة سلطة حكومة ذاتية انتقالية فلسطينية (أصبحت تعرف فيما بعد بالسلطة الوطنية الفلسطينية)، ومجلس تشريعي منتخب للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية لا تتجاوز خمس سنوات، بالإضافة إلى أن الاتفاقية نَصَّتْ على أن هذه المفاوضات سوف تُغطي القضايا المتبقية، بما فيها القدس، واللاجئين، والمستوطنات، والترتيبات الأمنية، والحدود، والعلاقات والتعاون مع جيران آخرين(44).
وعلى الجانب العربي، وبعد توقيع مصر على اتفاقية السلام مع إسرائيل، فقد ابتعدت عن القضية الفلسطينية تمامًا وبدأت في اتخاذ الولايات المتحدة حليفًا استراتيجيًّا والاتجاه للتطبيع مع إسرائيل، ودخلت كلٌّ من العراق وإيران حربهما التي انتهت في 1988م، وانكفأت دول الخليج على نفسها بعد انخفاض أسعار البترول، ومع دخول العراق للكويت في 1990م وما استتبع ذلك من حرب على العراق بتحالف تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضدَّها، نتج عنها فرض عقوبات على العراق وتغيير موازين القوى في المنطقة العربية والخليج بشكل خاص، بالإضافة إلى إنشاء بعض القواعد الأمريكية في بعض دول الخليج، وذلك لإقرار هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على مقدَّرات المنطقة.
أمَّا السياق العالمي، فكانت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي على وشك الانتهاء لصالح الولايات المتحدة كقطب أوحد يستطيع فرض رؤاه على العالم، ومع بداية التسعينيات تمَّ تأكيد ذلك بسقوط الاتحاد السوفيتي وسقوط حائط برلين، وظهرت الولايات المتحدة كحليف استراتيجي لمعظم الدول العربية لاسيما مصر وبعض دول الخليج خاصة بعد حرب الخليج الثانية، وإن كان هذا التحالف يحقِّق بالأساس مصلحة إسرائيل.
الفترة الثانية (1993 – 2006م): بدأت تلك المرحلة بزيادة اتفاقيات السلام مع إسرائيل، فقد وقَّعت الأردن على اتفاق سلام مع الكيان الصهيوني في 1994م(45)، وتَبِعَ ذلك فتح العديد من الدول العربية لمكاتب تبادل ارتباط وتمثيل تجاري بينها وبين إسرائيل مثل: قطر، وتونس، والمغرب، وجيبوتي. ثم توقيع “اتفاق أوسلو 2” بين كل من السلطة الفلسطينية وإسرائيل في 1995م، ثم اتفاقي واي ريفر 1 و2(46).
وبتلك الاتفاقيات والمعاهدات بدأت تظهر الأصوات المنادية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل خاصَّة مع وجود بنود في تلك الاتفاقيات تنادي بذلك التطبيع، وظهرت العديد من الدراسات والأبحاث التي تنادي بتطبيع العلاقات الاقتصادية كمدخلٍ لباقي الجوانب، وتبلورت تلك الفكرة في كتاب شمعون بيريز “الشرق الأوسط الجديد” الذي نشره عام 1993م، وبدأت بعض الدول العربية والإسلامية الدخول في علاقات اقتصادية علنية وغير علنية مع إسرائيل ومن ضمن تلك الدول: مصر وتركيا والأردن وقطر وتونس وبعض الدول الخليجية(47)، وظهرت نتيجةً لذلك حملات شعبية تدعو إلى رفض التطبيع ومقاطعة إسرائيل ومنتجاتها، بل امتدَّ الأمر إلى مقاطعة المنتجات التي تأتي من دول مساندة لإسرائيل، خاصَّة أثناء الانتفاضة، وانتشرت حركات المقاطعة تلك ووصلت إلى كلٍّ من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
أمَّا على الجانب الإسرائيلي فكان أحد أكبر المستفيدين من دخوله في عملية مفاوضات طويلة مع الدول العربية، فانتعش الاقتصاد الإسرائيلي وأخذت علاقاتها مع الدول الأخرى غير العربية في التَّسارع، هذا من جانب، وماطلت إسرائيل في تنفيذ الاتفاقيات التي وقَّعتها، خاصة مع الفلسطينيِّين، بحجة الحاجة إلى مزيد من المفاوضات، وفي نهاية القرن الماضي تعثَّرت المفاوضات ودخلت في نفق مظلم من جانب آخر، ومن ناحية أخرى، استمرَّت المذابح الإسرائيلية، ففي 1994م نفَّذ أحد المستوطنين مذبحة الحرم الإبراهيمي، وقامت القوات الإسرائيلية بارتكاب مذبحة قانا في 1996م في جنوب لبنان.
وتأتي بداية القرن الجديد بانتفاضة فلسطينية جديدة عقب اقتحام شارون لساحة المسجد الأقصى في سبتمبر 2000، وعلى إثرها اندلعت في كل أنحاء الأراضي الفلسطينية انتفاضة أطلق عليها “انتفاضة الأقصى”، وشارك فيها كل طوائف الشعب الفلسطيني وناصرتها المظاهرات العربية في عدد من عواصمها، إلا أن الانتفاضة بدأت في الخفوت مع موت ياسر عرفات في 2005(48)، وتميَّزت تلك الانتفاضة بازدياد العمليات العسكرية، خاصة العمليات الاستشهادية، التي نفَّذتها “حماس” في الداخل الإسرائيلي، وعمليات الفصائل الأخرى مثل “كتائب شهداء الأقصى”، وعلى الجانب الآخر نفَّذت إسرائيل عمليات اغتيال لعدد من القادة أهمهم أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي(49).
وبدأت إسرائيل ببناء جدار الفصل العنصري في 2002(50) الذي ترى أنه سيُمَكِّنها من العيش بأمان مع تقطيع أواصل الأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى مصادرة العديد من الأراضي لصالح بناء الجدار. وقد قامت القرى التي تمت مصادرتها بالتظاهر بشكل أسبوعي ضد الجدار، هذا في الداخل، أما في الخارج، فقد نجحت عمليات التوعية والإعلام بربط إسرائيل بنظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا(51).
الفترة الثالثة (2006 – 2011م): استمرَّت المقاومة الفلسطينية للصهاينة بأشكال مختلفة بعد انتهاء الانتفاضة، حيث تركَّزت في إطلاق الصواريخ خاصَّة من قطاع غزة؛ ردًّا على العدوان العسكري الإسرائيلي، ولعل العملية الأبرز في تلك الفترة كانت في يونيو 2006، حيث اجتمعت ثلاثة فصائل وهاجَمت موقعًا عسكريًّا، بالإضافة إلى عملية معبر كرم أبو سالم والتي نتج عنها أسر جلعاد شاليط(52).
وفي نفس العام 2006 نفذت إسرائيل عدوانها على الجنوب اللبناني بعد أسْر “حزب الله” لاثنين من جنودها، حيث استمرَّ العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان حوالي 33 يومًا قامت القوات الإسرائيلية فيه بقصف ضواحي الجنوب، وأظهر فيها “حزب الله” قدرة على الصمود ورد العدوان(53).
وعلى صعيد آخر، تصاعد الخلاف الفلسطيني-الفلسطيني في أعقاب الانتخابات التشريعية في 2006م والتي حصلت فيها حركة “حماس” على أغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، ومع سيطرة حماس على قطاع غزة في 2007م، بدأ الحصار الإسرائيلي، حيث أعلن مجلس الوزراء الإسرائيلي أن غزة “كيانٌ مُعادٍ” في سبتمبر 2007، واستمرَّ الحصار على غزة والذي أيَّده محمود عباس وساعد في إحكامه نظام حسنى مبارك، حيث قامت إسرائيل بانتهاك القانون الإنساني الدولي من خلال تقييد حركة التجارة والناس، وكان لذلك العديد من الآثار على مختلف الجوانب الحياتية للناس في غزة. ويتمثَّل جوهر الأزمة في الحرمان من الحقوق الأساسية لسكَّان غزة وتدهور مستويات معيشتهم بسبب استمرار التدهور الاقتصادي الذي يزيد من حدَّة الفقر بالإضافة إلى زيادة حجم البطالة؛ والانخفاض المطَّرد في حالة البنية الأساسية وفي مجالات الرعاية الصحية والتعليم والصرف الصحي، وعقب فوز محمد مرسي حدثت انفراجة في هذا الوضع، لكن مع صعود نظام يوليو 2013 أصبح الحصار على أشدِّه(54).
تنتهي تلك المرحلة وذلك الوضع على مستوى الصراع العربي-الإسرائيلي نهاية غاية في السوء، فقد خَفَّتْ درجة الاهتمام بالقضية سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي، حيث انكفأت الشعوب على نفسها نتيجة حالة الاستبداد المستمرَّة لما يزيد عن نصف قرن بالإضافة لأزمات التنمية الشاملة المتعدِّدة والمتكرِّرة، وعلى الرغم من صعود المطالب بالإصلاح ومن بعدها صعود الثورات العربية إلا أن حالة الانكفاء بَدَتْ أكثر اتِّساعًا، خاصة مع صعود الثورات المضادة ودخول العديد من الدول العربية في حالة من الاقتتال الداخلي مثل سوريا وليبيا، ومعاناة دول أخرى من عودة حكم العسكر، أمَّا على الصعيد الرسمي فيمكن القول إن تصهيُن الأنظمة العربية قد اتَّضح بعد مئة عام من المناورات حول حقيقتها، بالإضافة إلى تكرار العدوان الإسرائيلي على غزة مع حالة من الصمت العربي والغربي على تلك الاعتداءات التي تمَّتْ في أعوام 2008 و2012 و2014م، بل طال الأمر فلسطين نفسها، وأصبح هناك ما يعرف بالصمت الفلسطيني أو في الضفَّة على ما يجري في غزة، خاصة مع زيادة الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني في 2006م عقب فوز حماس بالانتخابات التشريعية، وفي ظلِّ كل تلك التغييرات تتجدَّدُ كلَّ حين أعمال المقاومة، فتظهر في القدس انتفاضة السكاكين(55) في 2015م؛ ردًّا على الاعتداءات التي لا نهاية لها من قبل سلطة الاحتلال الإسرائيلي.
اليوم، يدخل الصراع مرحلة أخرى هي الأكثر التباسًا منذ بداية الصراع، مرحلة تتضح فيها المعارك الفكرية بين التيارات المختلفة حول طبيعته وماهيَّته وكيفيَّة حلِّ الأزمة الناشئة من وجوده، كل ذلك في ظلِّ تسارع من الأنظمة حول تلبيس الأمر على الشعوب العربية، والتي نالت كفايَتها عبر مئة عام من دورات الاستبداد وفشل محاولات الاستقلال وما يترتَّب عليها من تردِّي الأوضاع، ومن اقتتال داخلي في مشاهد متكررة، مع حضور للخارج رافضٍ لعمليَّات الإصلاح بدعمه للأنظمة المستبدَّة ودعمه المطلق لإسرائيل على الرغم من كَمِّ الانتهاكات التي تمارسها، في الوقت الذي يعلي الخارج فيه من شأن القانون الدولي وحقوق الإنسان.
تنتهي الأعوام المئة والمنطقة على أعتاب عملية إعادة تشكيل أخرى في قلبها الصراع العربي-الإسرائيلي، لكنَّها عملية ليست واضحة للعيان نظرًا لاستمرار حالة الانكفاء الشعبي العربي سابقة الذِّكر، ونتيجة لانخراط الأنظمة في معادلات سياسية واستراتيجية من نوع جديد وبوتيرة شديدة العجلة والهرولة، ربما ستَتَّضِح معالمها خلال الأعوام القليلة القادمة.

وختامًا يمكن القول إن لذلك الصراع بعض سمات أساسية تتمثَّل في العناصر التالية:

– المقاومة: فقد ثبت بمتابعة مراحل الصراع عبر مئة عام أن المقاومة هي إحدى السمات الأساسية في هذا الصراع منذ بداية إرهاصاته، وإن اختلفت أشكالها ومستوى حدَّتها باختلاف الظروف المهيِّئة لها، فانتقلت المقاومة من المظاهرات والاحتجاجات في بداية الصراع إلى مرحلة قريبة من مستوى الجيوش النظامية مع جيش “الجهاد المقدس” في مرحلة تشكيل الصراع، ثم انتقلت لمرحلة الحرب المفتوحة خاصة مع حركة “فتح” خلال حرب 1976م، ومع تحوُّل القيادات العربية تحوَّلت المقاومة إلى الداخل الفلسطيني، وفي المرحلة الثالثة وخلال العدوان الإسرائيلي على غزة في 2008 و2012 و2014م صمدت المقاومة.
– القدس: وتمثِّل البُعد العقائدي لهذا الصراع، البُعد الذي تفضِّل بعض التيارات الفكرية في المنطقة العربية غيابه عن الصراع، ولكنها كانت ولا زالتْ في قلبه وصميمه دائمًا، وربما يبدو للوهلة الأولى غياب القدس عن مراحل الصراع في هذه الورقة إلا أنها كانت دائمًا ذات خصوصية سواء في سياسات الاحتلال التآمر على المسجد الأقصى، أو في مقاومة تهويد القدس وحركة الرباط للدفاع عن القدس والأقصى(56).
– الأنظمة العربية: التي كانت -وما زالت- تمثِّل أهمَّ تحديات ذلك الصراع، فعبر مئة عام يمكن القول إن الأنظمة استفادَتْ من الصراع في تبرير استبدادها وترويج مشاريعها، سواء باعتبار نفسها الحصن الحصين للقضيَّة، أو اعتبار القضية عبئًا يجب التخلِّي عنه، بالإضافة إلى تحميل الشعوب الأخطاء السياسية الفادحة التي ارتكبتْها تلك الأنظمة عبر ترويج أن هزيمتها تُعَدُّ هزيمة للشعوب العربية نتيجة لتخلُّفها، وفرض نكبات ونكسات في الثقافة والضمير والوعي العربي هي بالأساس خطايا سياسية للأنظمة الاستبدادية عبر مراحل مختلفة من سيطرتها واستبدادها.
– العدو: نتيجة للمناورات السياسية للأنظمة العربية في ماهية الصراع العربي-الإسرائيلي، مع الأبواق الإعلامية والنخب التي تروِّج لتلك الأنظمة، فإن ذلك أدَّى بالضرورة إلى تلبيس ماهية الصراع وجوانبه على الشعوب العربية، في المراحل المختلفة وصولًا إلى التباس مفهوم “العدو” في الوضع الحالي.
– الخارج: فقد كان ولا يزال أحد أهمِّ محدَّدَات تطوُّر الصراع عبر مئة عام، سواء من خلال تقسيم المنطقة تبعًا لمصالحه أو دعم الكيان الصهيوني عبر المراحل التاريخية المختلفة، وصولًا لإعادة تشكيل المنطقة القائمة الآن وفي قلبها الكيان الإسرائيلي.
****

الهوامش:

(*) باحثة بمركز الحضارة للدراسات والبحوث.
(1) وسام حسن الباش، وعد بلفور… الحقائق التاريخية، مجلة القدس، (القاهرة: مركز الإعلام العربي، العدد 144، السنة الثانية عشرة، ديسمبر 2010)، ص ص 27 – 38.
(2) المرجع السابق.
(3) د.محسن محمد صالح، القضية الفلسطينية: خلفياتها التاريخية وتطوراتها المعاصرة، (بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2012)، ص 35.
(4) المرجع السابق، ص 41.
(5) بشير أبو القرايا، النموذج الانتفاضي الفلسطيني: دراسة في الحركة الوطنية والظاهرة الإسلامية، رسالة دكتوراه، إشراف/ د. نادية محمود مصطفى، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2007، ص 99.
(6) عصام عبد الرحيم محمد، الإرهاب الصهيوني خلال فترة الانتداب البريطاني في فلسطين (1922 – 1948)، رسالة ماجستير، إشراف/ د. السيد رجب حراز، كلية الآداب، جامعة القاهرة، 1979.
(7) فلاح خالد علي، فلسطين والانتداب البريطاني (1939 – 1948)، رسالة ماجستير، إشراف/ د. السيد رجب حراز، كلية الآداب، جامعة القاهرة، قسم التاريخ، 1974.
(8) المرجع السابق.
(9) د. محمد خالد الأزعر، جيش الجهاد المقدس في فلسطين (1931 – 1941)، (في): د. عبد الوهاب بكر (محرر)، فلسطين بعد خمسين عامًا على حرب 1948، أعمال ندوة عُقدت في دار الكتب والوثائق القومية، 23 – 24 فبراير 2000، (القاهرة: مطبعة دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة، 2001)، ص 177 – 178.
(10) من ذاكرة القدس: ثورة البراق، موقع الجزيرة.نت، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/FdKF87
(11) انظر في ذلك:
– فلاح خالد علي، مرجع سابق.
– د. محسن محمد صالح، مرجع سابق، ص ص 47 – 51.
(12) المراجع السابقة.
(13) د. جمال سلامة علي، ذاكرة أمة: قراءة في ملفات الصراع العربي الإسرائيلي، (القاهرة: دار النهضة العربية، 2009)، ص ص 437 – 439.
(14) د.محسن محمد صالح، ص ص 55 – 66.
(15) حول جيش “الجهاد المقدس” انظر:
– د. محمد خالد الأزعر، مرجع سابق، 177 – 182.
– د.محسن محمد صالح، مرجع سابق، ص ص 55 – 66.
– د.محمد خالد الأزعر، مرجع سابق، ص ص 183 – 205.
● تعود بدايات تنظيم “الجهاد المقدس” إلى عام 1931، حيث أسَّسَه عبد القادر الحسيني نجل الزعيم موسى كاظم الحسيني رأس الحركة الوطنية الفلسطينية، وجاءت نشأة هذا التنظيم أو الجيش أو الحركة حسبما يطلق عليه في نطاق الحركة الوطنية الفلسطينية بين عامي 1929 – 1936م، وقد مرَّ الجيش بثلاث مراحل، هي: التهيئة والإعداد، وهي المرحلة الأولى منذ 1931 – 1935م، وكانت مرحلة مفرطة في السرية تمكَّنت الحركة من إنشاء 17 فرعًا في العديد من المدن الفلسطينية وقُراها من أجل تعبئة وإعداد الشباب للقتال وتسليحه، وقد كان الهيكل التنظيمي للجيش على أساس خلايا منفصلة لتسهيل كلٍّ من العمليات التي يقومون بها بالإضافة إلى حماية أفراد الخلايا، وبحلول 1935م كان عدد قوات الجهاد المقدس نحو 400 عضو.
● المرحلة الثانية- التفعيل والتشغيل، وبدأت تلك المرحلة مع بداية الثورة الفلسطينية في 1936م، حيث شكَّل الجهاد المقدَّس ركيزة أساسية في الكفاح المسلَّح ضد كلٍّ من الانتداب البريطاني لتحقيق أهداف الحركة الوطنية الفلسطينية (وقف العمل بتصريح بلفور، إستقلال فلسطين، وقف الهجرة اليهودية، وقف بيع الأراضي لليهود)، واعتمد “الجهاد المقدس” أسلوب حرب العصابات، فراح يدمِّر المواصلات ويهجم على القوافل البريطانية والصهيونية، كما قام باغتيال الموظَّفين البريطانيِّين وضبَّاط الجيش والجواسيس وباعة الأراضي والسماسرة، بالإضافة إلى إلقاء المتفجرات على الدوائر الحكومية، ونسف الجسور والعبَّارات وخطوط السكك الحديدية وتعطيل أنابيب النفط وخطوط الهاتف.
● المرحلة الثالثة- الانطفاء والخبو: بدأت تلك المرحلة بتفعيل “الجهاد المقدس” مرة أخرى مع قرار التقسيم، وانضمام العديد من الشباب إليه وكذلك تنظيمات أخرى مثل تنظيمي النجادة والفتوة (وهما من التنظيمات الشبابية التي تكوَّنت بين عامي 1945 – 1946م وعملت على تدريب كوادرها عسكريًّا دون الدخول في معارك، ومع قرار التقسيم رأتا أن تنضمَّا إلى كيان أكبر)، ووصل عدد قوَّات الجهاد المقدس في ذروة عمليَّاته في 1948م إلى عدَّة آلاف، ونتيجة للعديد من الأسباب خبت قوة “الجهاد المقدس” في 1948م ومن أهمِّها: مقتل قائده عبد القادر الحسيني في أبريل 1948م، وضعف التسليح والتمويل الذي واجهه “الجهاد المقدس”، والخلافات بين القوى والجيوش العربية الأخرى، مثل إصرار الجيش الأردني على خضوع “الجهاد المقدس” لسلطته ورفض الأخير لذلك.
(16) د.جمال سلامة علي، مرجع سابق، ص 370.
(17) انظر في تفاصيل افتتاح الجامعة العبرية، الآتي: https://goo.gl/vnZREu
(18) يوميات النكبة، مجلة القدس، (القاهرة: مركز الإعلام العربي، العدد 138، السنة الثانية عشرة، يونيو 2010)، ص ص 74 – 75.
(19) محمد أمين، في الذكرى الـ64 لقرار التقسيم: صراع الإرادة والقرار في إعلان الدولة الفلسطينية، مجلة القدس، (القاهرة: مركز الإعلام العربي، العدد 155، السنة الثالثة عشرة، نوفمبر 2011)، ص ص 33 – 34.
(20) “الهاجاناه”: وهي كلمة عبرية تعني الدفاع، منظمة صهيونية عسكرية تأسَّسَتْ عقب ثورة النبي موسى في القدس 1920م، وبدأ نشاطها الفعلي في محاولة لقمع الثورة 1929م، وتعاونت قوات الهاجاناه في إخماد الثورة العربية الكبرى (1936 – 1939م)، بحلول عام 1936م أصبح أعداد الهاجاناه 10000 مقاتل و40000 من الاحتياط، وخلال ثورة (1936 – 1939م)، قامت الهاجاناه بحماية المصالح البريطانية في فلسطين وقمع الثّوار الفلسطينيِّين، وبالرغم من عدم اعتراف الحكومة البريطانية بالهاجاناه، إلا أن القوات البريطانية قامت بالتعاون بشكل كبير مع منظمة “الهاجاناه” فيما يتعلق بالقضايا الأمنية وأمور القتال، وكان الهدف من تأسيسها الدفاع عن أرواح وممتلكات المستوطنات اليهودية في فلسطين خارج نطاق الانتداب البريطاني، وبلغت المنظمة درجةً من التنظيم أهَّلتها لتكون حجر الأساس لجيش إسرائيل الحالي، وساهمت الهاجاناه في إنشاء 50 من المستوطنات اليهودية في فلسطين وتهجير الفلسطينيِّين من ديارهم، وللمزيد حول تنظيم “الهاجاناه” انظر:
– مصطلح هگاناه، موقع المعرفة، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/KkaTgm
– الهاجاناه، موقع إسلام ويب، نقلا عن موسوعة القدس (سفير للنشر)، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/2E7ueQ
(21) د. أكرم حجازي، الجذور الاجتماعية للنكبة فلسطين 1858-1948، (القاهرة: مركز مدارات للأبحاث والنشر، 2015)، ص ص 223 – 228.
(22) إيلان باية، النكبة في التاريخ والحاضر،(في): مصطفى كبها (محرر)، نحو صياغة رواية تاريخية للنكبة: إشكاليات وتحديات، (حيفا: مدى الكرمل: المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، 2006)، ص ص 262 – 264.
(23) د. محسن محمد صالح، مرجع سابق، ص ص 61 – 64.
(24) انظر كلًّا من:
– حسام سويلم، في الذكرى الستين للنكبة: لماذا حقق الجيش الإسرائيلي التفوق الكمِّي على الجيوش العربية في كل جولات الصراع، مجلة القدس، (القاهرة: مركز الإعلام العربي، العدد114، السنة العاشرة، يونيو 2008)، ص ص 90 – 96.
– رجب الباسل، القضية الفلسطينية: مداخل للفهم، (القاهرة: دار البشير للثقافة والعلوم، 2010)، ص ص 63 – 72.
– حرب 1948، موقع المعرفة، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/3PP1Rj
(25) وفي تلك الفترة، انظر كلًّا من:
– د.محسن محمد صالح، مرجع سابق، ص ص 71 – 76.
– رجب الباسل، مرجع سابق، ص ص 83 – 86.
(26) للمزيد حول العدوان الثلاثي، انظر الآتي:
– حسام سويلم، مرجع سابق، ص 114.
– العدوان الثلاثي على مصر، موقع المعرفة، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/mX1HBL
(27) رجب الباسل، مرجع سابق، ص 85.
(28) تفجير شبكة مياه إسرائيلية تحت اسم عملية “نفق عيلبون”، التي حاولت إسرائيلمن خلالها توصيل مياه نهر الأردن إليها.
(29) للمزيد حول حركة “فتح” وعمليَّاتها، انظر:
– صقر أبو فخر، حركة «فتح»: التاريخ الفلسطيني الجديد، موقع المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية – مسارات، 8 مايو 2011، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/TXgp1u
– حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، موقع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية ـ وفا، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/xswLmF
– سيدي أحمد ولد أحمد سالم، فتح.. النشأة والتاريخ، موقع الجزيرة.نت، 7 يوليو 2006، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/C1HR72
– حركة فتح، موقع الجزيرة.نت، 9 يناير 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/HRmrVq
– حركة فتح، موقع المعرفة، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/TJeRbF
(30) ضمت عمليات “العاصفة” الاغتيالات والتفجيرات والاشتباكات اليومية مع الإسرائيليِّين بالإضافة إلى خطف الطائرات والتفجيرات في العواصم الأوروبية، أشهرها معركة “الكرامة” التي تصدَّت فيها “العاصفة” للهجوم الإسرائيلي على بلدة “الكرامة” في الأردن، ومن عمليَّاتها أيضًا خطف طائرة اللاعبين الإسرائيلين في ميونخ وتفجيرها وقتل من فيها، الأمر الذي دفع وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى الاعتراف بحركة “فتح” وعملياتها.
(31) تأسيس حركة فتح وانطلاق الكفاح الفلسطيني المسلَّح، مجلة القدس، (القاهرة: مركز الإعلام العربي، العدد 145، السنة الثالثة عشرة، يناير 2011)، ص ص 14 – 17.
(32) د. أمل خليفة، الجدار العنصري وحلم القدس الكبرى عند اليهود، مجلة القدس، (القاهرة: مركز الإعلام العربي، العدد 141، السنة الثانية عشرة، سبتمبر 2010)، ص ص 45 – 48.
(33) أحمد عبد الفتاح، 1967 في القدس والضفة الغربية وغزة: وقائع نكبة أخرى، 7 يونيو 2017، موقع إضاءات، متاح عبر الرابط التالي: http://bit.do/qwbg
(34) حسام سويلم، مرجع سابق، ص ص 79 – 100.
(35) د. محسن محمد صالح، مرجع سابق، ص ص 81 – 83.
(36) شاكر جرار، هزيمة من؟ نقد المنهج الثقافوي في تحليل أسباب هزيمة 1976، مقال منشور على موقع حبر، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/NRvKoy
(37) د. محسن محمد صالح، مرجع سابق، ص ص 87 – 88.
(38) بشير أبو القرايا، مرجع سابق، ص 109.
(39) للمزيد من التفاصيل حول اتفاقية كامب ديفيد، انظر: اتفاقية كامب ديفيد سبتمبر 1978، موقع موسوعة مقاتل من الصحراء، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/xbkSbV
(40) د. محسن محمد صالح، مرجع سبق ذكره، ص ص 88 – 90.
(41) المرجع السابق، ص ص 90 – 94.
(42) وأسسها الشيخ أحمد ياسين مع بعض أعضاء الإخوان المسلمين العاملين في غزة، مثل: عبد العزيز الرنتيسي ومحمود الزهار، وكان الإعلان الأول لحركة “حماس” عام 1987م، وتعتبر الحركة نفسها امتدادًا لجماعة الإخوان المسلمين التي تأسَّست في مصر عام 1928م، وقبل إعلان الحركة عن نفسها عام 1987م كانت تعمل على الساحة الفلسطينية تحت اسم “المرابطون على أرض الإسراء” و”حركة الكفاح الإسلامي”.
– للمزيد حول حركة “حماس” انظر:
– حركة المقاومة الإسلامية حماس، موقع الجزيرة.نت، 3 أغسطس 2007، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/7a8acB
– حركة حماس، موقع المعرفة، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/7y7Bfa
(43) للمزيد حول انتفاضة 1987، انظر:
– الانتفاضة الأولى… عندما يرسم الفلسطينيون تاريخهم بالدم، مجلة القدس، (القاهرة: مركز الإعلام العربي، العدد 145، السنة الثالثة عشرة، يناير 2011)، ص ص 18 – 22.
– الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987م، موقع قصة الإسلام، 4 ديسمبر 2007، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/oPffNb
– إبراهيم جوهر، انتفاضة 1987 قادها جيل الهزيمة…، موقع عرب 48، 5 يونيو 2017، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/2f8rCu
– الانتفاضة 1987، موقع الموسوعة الفلسطينية، 16 سبتمبر 2013، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/KuRjQG
– حكايات من انتفاضة الحجارة (فيلم)، موقع الجزيرة.نت (ريمكس فلسطين)، إنتاج سنة 2013، (إخراج) مريم شاهين، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/Q8yxd9
(44) للمزيد حول “اتفاق أوسلو”، انظر:
– اتفاق أوسلو.. قفزة لم تتضح أبعادها بعد، موقع الجزيرة.نت، 3 أكتوبر 2004، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/Xt4Ecw
– اتفاقيات أوسلو، موقع المعرفة، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/wpZa8n
– بثينة اشتيوي، كل ما لا تعرفه عن اتفاقية أوسلو، موقع ساسة بوست، 24 مايو 2014، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/bEaQAR
(45) للمزيد حول اتفاقية السلام الأردنية-الإسرائيلية، انظر:
– معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن، موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/WfKEdE
– معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية .. أهم البنود، موقع الجزيرة.نت، 3 أكتوبر 2004، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/CRXjQV
(46) حول الاتفاقيات العربية الإسرائيلية، انظر:
– المسار السياسي بين العرب وإسرائيل بعد اتفاقية كامب ديفيد، موقع الجزيرة.نت، 25 مارس 2009، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/5gXiex
(47) انظر في ذلك:
– عزيز حيدر، الثورات العربية والعلاقات الاقتصادية بين الدول العربية وإسرائيل،مجلة شؤون فلسطينية، (بيروت: مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية، العدد ٢٤٩ – ٢٥٠، خريف 2012)، ص ص 88 – 92.
– بثينة اشتيوي، إسرائيل والعرب: سفارات رسمية ومكاتب قنصلية وتبادل تجاري، موقع ساسة بوست، 29 نوفمبر 2015، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/s6tMof
– عبد الوهاب المسيري، الشرق الأوسط الجديد في التصور الأميركي الصهيوني، موقع الجزيرة.نت، 2 نوفمبر 2006، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/MhabqR
(48) د. محسن محمد صالح، مرجع سابق، 124 – 130.
(49) المرجع السابق.
(50) ليندا طبر وعلاء العزة، المقاومة الشعبية بعد الانتفاضة الثانية، مجلة الدراسات الفلسطينية، (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، عدد 97، شتاء 2014)، ص ص 119 – 121.
(51) المرجع السابق.
(52) زكريا حسين، المقاومة الفلسطينية بين اليوم والأمس (تطور المقاومة)، مجلة القدس، (القاهرة: مركز الإعلام العربي، العدد 114، السنة العاشرة، يونيو 2008)، ص ص 101 – 109.
(53) للمزيد حول العدوان الإسرائيلي على لبنان، انظر الآتي:
– نادية مصطفى، سيف الدين عبد الفتاح (تنسيق علمي وإشراف)، العدوان، المقاومة الحضارية في حرب لبنان.. الدلالات والمآلات، (القاهرة: برنامج حوار الحضارات، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2007).
– عبد المجيد سباطة، في الذكرى العاشرة لـ«حرب تموز 2006».. أين هو حزب الله اليوم؟، موقع ساسة بوست، 12 يوليو 2016، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/n8xynB
– العميد الركن الدكتور أمين محمد حطيط، حرب 2006 على لبنان.. خلفية وأداء ونتائج، موقع الجزيرة.نت، 15 أغسطس 2006، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/3a3Sfw
– العدوان الإسرائيلي على لبنان 2006، موقع المعرفة، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/YiCqEt
(54) مروة يوسف، مقاومة غزة ودلالات عشرة أعوام من الحصار، العدد الخامس من فصلية قضايا ونظرات، (القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، أبريل 2017)، ص ص 66 – 76، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/KWGsk5
(55) حول انتفاضة السكاكين انظر: اندلاع الانتفاضة الثالثة.. ثورة السكاكين، موقع الجزيرة.نت، 10 أكتوبر 2015، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/2Dms2v
(56) ماجدة إبراهيم، أمة في حركة… الرباط في الأقصى بين التحدي والتصدي، العدد الخامس من فصلية قضايا ونظرات، (القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، أبريل 2017)، متاح عبر الرابط التالي: https://goo.gl/1NSjtt

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى