تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الأمن الأوروبي

مقدمة:

في إطار الصراع المتجدِّد بين أوروبا وروسيا على النفوذ في المناطق والدول الفاصلة بينهما، كان لدول أوروبا الشرقية والوسطى وضعا خاصا، وبشكل خاص بعدما أصبحت معظم الدول الهامة في أوروبا الشرقية والوسطى تحظى بالعضوية الكاملة في كل من الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. في هذا الإطار، تحتل أوكرانيا موقعًا حسَّاسًا بين روسيا وأعضاء حلف شمال الأطلسي، إذ تعدُّ حاليًا الدولة الفاصلة الأكبر بينهما، كما تحتل أكثر من نصف مساحة البوابة الشرقية المؤدِّية إلى أوروبا. ومن ثم، يتطلَّب استكمال عمليات تأمين أوروبا –التي أخذت تتسارع منذ تسعينيات القرن العشرين عبر توسيع نطاقي الناتو والاتحاد الأوروبي- تقليص نفوذ روسيا في الأراضي الأوروبية ومحيطها، والوصول إلى أقرب منطقة للأراضي الروسية من خلال إدماج أوكرانيا بمظلة الشراكة الاقتصادية والأمنية؛ ممَّا يمكِّن الغرب من إحكام سيطرته على البوابة الشرقية بدرجة كبيرة. في المقابل، فإن روسيا التي بات يؤرِّقها وصول نفوذ الغرب إلى جوارها المباشر والواسع، لا تستطيع أن تترك أوكرانيا لتصبح جزءًا من منظومته الأمنية والاقتصادية؛ إذ فضلا عن كونها ضمن منطقة المصالح المتميزة الخاصة بها، فهي تمثل الحصن الإستراتيجي الأخير الذي يعزلها عن الغرب وحلفائه.

في هذا الإطار، تتناول الدراسة الإجابة على سؤال رئيسي مفاده ما هي أهم أبعاد ودلالات وتداعيات الأزمة الأوكرانية بالنسبة للأمن الأوروبي؟ ومن أجل الإجابة على هذا السؤال تقوم الدراسة بتحليل الأهمية الاستراتيجية لأوكرانيا بالنسبة للأمن الأوروبي والروسي، والوقوف على الدلالات والأبعاد المختلفة لتطور الأزمة الأوكرانية في ضوء توسع الناتو شرقًا في مقابل التحركات الروسية في أوكرانيا منذ بداية الأزمة وصولا إلى الحرب الروسية على أوكرانيا، ثم تختتم الدراسة بتحليل تداعيات الحرب في أوكرانيا على الأمن الأوروبي بالتركيز على أمن الطاقة الأوروبي في ظل تفاقم أزمة الغاز وتتناول الخيارات المتاحة لأوروبا لمواجهة تلك الأزمة.

أولًا- الأهمية الجيوستراتيجية لأوكرانيا للأمن الأوروبي والروسي وتوسع حلف الناتو شرقًا

تحتل أوكرانيا موقعًا حسَّاسًا بين روسيا وأعضاء حلف شمال الأطلسي؛ إذ تعد حاليًا الدولة الفاصلة الأكبر بينهما، كما تحتل أكثر من نصف مساحة “البوابة الشرقية” المؤدِّية إلى أوروبا، والتي تعدها بوابةً لعبور التهديدات تاريخيًّا. ومن ثم، تعتبر أوكرانيا نقطة ارتكاز رئيس لاحتواء روسيا، لهذا تسعى الولايات المتحدة وأوروبا للحيلولة دون وقوع أوكرانيا في مخالب الدب الروسي. فواشنطن تدرك جيدًا أنَّ احتلال موسكو لأوكرانيا، يمنح روسيا تفوقًا نسبيًّا في المنطقة، وهو ما يزعزع ثقة حلفاء واشنطن بها، وقد يكون طريق لقلب توازن القوى على المستوى الدولي[1].

من ثم، استهدف استمرار عمليات الإدماج والشراكة الأوروبية والأطلسية تقليصَ نفوذ روسيا في تلك المنطقة وإحكام السيطرة عليها. أما روسيا التي بات يؤرِّقها وصول نفوذ الغرب إلى جوارها المباشر والواسع، فلا تستطيع أن تترك أوكرانيا لتصبح جزءًا من منظومته الأمنية والاقتصادية؛ إذ فضلًا عن المشاعر القومية الروسية تجاهها، فإنها تُعتبر ضمن “منطقة المصالح المتميزة” والحصن الإستراتيجي الأخير الذي يعزلها عن الغرب وحلفائه.

ومن أجل فهم الأهمية الجيوستراتيجية لأوكرانيا ومحوريتها بالنسبة لكل من الأمن الأوروبي والروسي، ينبغي إمعان النظر في واقع تنافس النفوذ الأوروبي والروسي في المنطقة المركزية الفاصلة بينهما، والذي يمكن تلخيصه فيما يلي:

  • في سياق الصراع المتجدِّد بين الغرب وروسيا على النفوذ في المناطق والدول العازلة أو الفاصلة بينهما، كان لدول أوروبا الشرقية والوسطى وضعًا خاصًّا، فقد أصبحت معظم الدول الهامة في أوروبا الشرقية والوسطى مثل بولندا ورومانيا والمجر وسلوفاكيا وبلغاريا تحظى بالعضوية الكاملة في كلٍّ من الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، كما تمَّ ترسيخ انتمائها الغربي بها بعد تداخل مصالح شعوبها اقتصاديًّا وسياسيًّا وأمنيًّا ضمن المنظومة الغربية الأطلسية. ولم يعُد بإمكان روسيا أن تتحدَّى الغرب في هذه الدول التي تشكِّل عمقًا جغرافيًّا وخطَّ دفاعٍ أولَ عن أوروبا الغربية وحوض الأطلسي. فقد توسَّع النفوذ الغربي عبر الناتو والاتحاد الأوروبي حتى وصل إلى البوابة الشرقية لأوروبا الممتدَّة بين البحر الأسود وبحر البلطيق، وبدأ هذا الخط الطولي في التآكل شمالًا بعد ضمِّ دول البلطيق الثلاث[2].

في المقابل، كانت هناك تخوفات روسية دائمًا من توسُّع الناتو باتجاه الشرق، خاصة وأن الحلف كان قد فتح أبوابه أمام دول حلف وارسو السابقة والجمهوريات السوفيتية السابقة في أواخر التسعينيات (جمهورية التشيك والمجر وبولندا)، وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين (بلغاريا، وإستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، ورومانيا، وسلوفاكيا، وسلوفينيا)[3]، ونمت تلك المخاوف في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما أعلن الحلف في قمة بوخارست 2008 عزمه على قبول جورجيا وأوكرانيا في مرحلة غير محدَّدة في المستقبل[4]، فبالنسبة لروسيا، فإنه من غير الممكن أن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة الخطوات نحو عضوية الناتو لأوكرانيا والاتحاد الأوروبي، التكتلين اللذين ترى في انضمامهما -خصوصًا الأول- تهديدًا لأمن روسيا، ولذلك تطالب بعدم توسُّع الحلف شرقًا أي عدم انضمام أوكرانيا بالمقام الأول، لأن خطوة مماثلة ستغلق الباب بوجه جورجيا[5]. وعلى الرغم من أن الناتو لم يعلن عن خطة عضوية رسمية لأوكرانيا وجورجيا في قمة بوخارست، إلا أن الحلف أكَّد “أن هذه الدول ستصبح أعضاء في الناتو”، ووجه دعوات رسمية لمحادثات الانضمام إلى ألبانيا وكرواتيا، اللتين أصبحتا عضوين في 2009. وتوسع الناتو مرة أخرى في عام 2017، معترفًا بالجبل الأسود، وفي عام 2020، رحب بمقدونيا الشمالية.

  • بقيت هناك دولتان فقط (أوكرانيا وبيلاروسيا) كي يستكمل الغرب بضمِّهما حرمان روسيا من نفوذها في “المنطقة المركزية” المتمثِّلة بأوروبا الشرقية كاملة. وهما الدولتان المتَّصلتان اللتان تشكِّلان الحاجز الأخير الفاصل بين الغرب وحلفائه من جهة، وبين الأرض الروسية من الجهة المقابلة، وتمتدان طوليا لتشكلا معًا الجزء الأكبر من “البوابة” أو المساحة البرية المفتوحة الممتدة بين البحر الأسود وبحر البلطيق.
  • في هذا الإطار، تحتل أوكرانيا موقعًا حسَّاسًا بين روسيا وأعضاء حلف شمال الأطلسي. حيث تتمثل وجهة النظر الأميركية والأوروبية في أنَّ وجود أوكرانيا قوية ومستقلَّة يعدُّ جزءًا مهمًّا من بناء أوروبا كاملة وحرة وآمنة[6]. ومن ثم، يتطلَّب استكمالُ عمليات تأمين أوروبا – التي أخذت تتسارع منذ تسعينيات القرن العشرين عبر توسيع نطاقي الناتو والاتحاد الأوروبي – تقليصَ نفوذ روسيا في الأراضي الأوروبية ومحيطها، والوصول إلى أقرب منطقة للأراضي الروسية عبر إدماج أوكرانيا بمظلَّة الشراكة الاقتصادية والأمنية؛ ما يمكِّن الغرب من إحكام سيطرته على البوابة الشرقية بدرجة كبيرة. ومع عقد الاتحاد الأوروبي اتفاقًا للشراكة مع أوكرانيا في مارس 2014، فإنَّه كان يسعى بذلك لمدِّ نفوذه إلى أكبر دول أوروبا الشرقية مساحةً، وأكثرها سكانًا، وأعمقها امتدادًا جغرافيًّا نحو روسيا، وهي تحتل أكثر من نصف طول البوابة؛ فهي بذلك تعدُّ أهمَّ دولها[7].
  • في حال نجاح مساعي الغرب في إدماج أوكرانيا في المنظومة الاقتصادية والأمنية الغربية، فحينذٍ لن تتبقَّى إلَّا جمهورية بيلاروسيا لتكون فاصلة بين الغرب وروسيا، لكنها ستكون محاطة شمالًا وجنوبًا وغربًا بالغرب وحلفائه؛ ما يجعلها الوحيدة الموالية لروسيا في البوابة الشرقية لأوروبا، وهي تحتل نحو ربع طول هذه البوابة فقط. مع الأخذ في اعتبار المحاولات المتوقَّعة من الغرب لإدخالها في شراكات معه.
  • من ثم، تكون نتيجة عمليات الإدماج الاقتصادية الأمنية الأوروبية – الأطلسية إذا تمَّت بأكملها، قد أوصلت النفوذ الغربي إلى حدود روسيا نفسها. وهو ما سيمثِّل تهديدًا مباشرًا لأمن روسيا؛ فبدلًا من أن تُمنح “المنطقة المركزية” ميزة إستراتيجية للقوة البرية الروسية، فإنَّ الغرب يكون قد حرم روسيا منها عملًا بالنصيحة الكلاسيكية لهالفورد ماكيندر[8]. وبهذا يكون الغرب أيضًا قد حوَّل البوابة الشرقية إلى معبرِ تهديدٍ باتجاه الشرق؛ أي روسيا، بما يمكِّنه من احتوائها بفاعلية أكثر، وليس باتجاه الغرب كما جرت العادة تاريخيًّا.

ثانيًا- تطور الأزمة الأوكرانية: الأبعاد والدلالات

بالنظر إلى الأهمية الجيوستراتيجية التي تحتلها أوكرانيا في الإدراك الأوروبي والروسي لأمنهما وما تبعها من تنافس شديد بين الجانبين للسيطرة عليها، تتناول الدراسة في هذا الجزء تطور الأزمة الأوكرانية وصولا إلى الحرب الروسية على أوكرانيا التي اشتعل فتيلها في أواخر شهر فبراير الماضي، وذلك من أجل الوقوف على أبعادها المختلفة ومن ثم تنتقل الدراسة في جزئها الأخير لتحليل تداعيات تلك الحرب على الأمن الأوروبي والروسي، بالتركيز على أزمة الغاز التي تسببت في تهديدات محورية لأمن الطاقة الأوروبي.

  • الخلفية التاريخية للأزمة الأوكرانية:

منذ تفكُّك الاتحاد السوفيتي عام 1991 اتجهت أنظار الدول التي انتمت له نحو الغرب بما فيهم روسيا، أملًا فى تحقيق النجاح الذى فشلت فى تحقيقه التجربة الاشتراكية. إلا أن النجاحات التي تحقَّقت لروسيا، خاصَّةً بعد تولِّي الرئيس فلاديمير بوتين السلطة في روسيا عام 2000، بعد استقالة بوريس يلتسن المفاجئة، قد أحْيت الأمل لروسيا بالعودة إلى مكانتها السابقة كقطب دولى هام. من ثم، سعت روسيا إلى إقامة تكتلات إقليمية ودولية جديدة، مع الحفاظ على تحالفاتها القديمة مع من يمكن أن تعتبرهم حلفاء مساندين بوجه أطماع التمدُّد الغربي، الذى يهدِّد مناطق نفوذها. فى حين استمرَّت الرغبة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لدى شركائها في الاتحاد السوفيتي السابق ومنهم أوكرانيا، وهو ما أدَّى إلى ظهور تقاطعات وتوتُّرات بين الطرفين الروسي والأوكراني، وتفاقم الأزمات بينهما على الرغم من وجود تاريخ حافل بالأحداث المشتركة بينهما إلى جانب المصالح الاستراتيجية السياسية والاقتصادية، فقد مثَّلت مرحلة الاتحاد السوفيتي السابقة مجالًا لانصهار ثقافي واجتماعي بالإضافة إلى السياسي والاقتصادي بين البلدين[9].

وكانت البداية لأول أزمة دبلوماسية كبيرة بين موسكو وكييف في عهد فلاديمير بوتين، فى خريف عام 2003؛ إذ بدأت روسيا بشكل مفاجئ في بناء سدٍّ في مضيق “كريتش” باتجاه جزيرة “كوسا توسلا” الأوكرانية، والتي اعتبرتْها كييف محاولة لإعادة ترسيم حدود جديدة بين البلدين، وهو ما زاد من حدَّة الصراع، فيما تمَّ حلُّ هذه الأزمة بعد اللقاء الثنائي الذي جمع الرئيسين الروسي والأوكراني[10].

وأثناء الانتخابات الأوكرانية التي عُقدت عام 2004، دعمت روسيا المرشح الرئاسي المقرب منها “فيكتور يانوكوفيتش”، إلا أن “الثورة البرتقالية” حالت دون فوزه، ونحج المرشح الرئاسي “فيكتور يوتشينكو” المعروف بميوله نحو الغرب في الوصول إلى سدَّة الحكم في كييف. وخلال فترته الرئاسية قطعت روسيا إمدادات الغاز عن البلاد مرتين، في عامي 2006 و2009. كما أوقفت إمدادات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي[11].

والجدير بالذكر أن الرئيس الأميركي السابق “جورج دبليو بوش” أيَّد في قمة الناتو عام 2008 في العاصمة الرومانية بوخارست، فكرة انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، إضافة إلى أن عددًا من أبرز الدول الأعضاء في الناتو مثل كندا وبولندا الذين دعموا الحق الكامل لضم أوكرانيا وجورجيا للحلف، وفقًا لسياسة الباب المفتوح التي يتبعها حلف الناتو، إلا أن هذه الخطوة لاقتْ معارضةً من الرئيس الروسي بوتين، الذي لم تقْبل حكومتُه استقلال أوكرانيا بشكل كامل، فيما ذكرت بعض التقارير أن ألمانيا وفرنسا أحبطا خطة بوش خوفًا من أن يعطِّل دعم عضوية أوكرانيا العلاقات مع روسيا[12].

  • تفاقم الأزمة في 2013:

في خريف عام 2013، اندلعت سلسلة من الاحتجاجات الشعبية في ساحة كييف المركزية (الميدان)، ردًّا على قرار الرئيس الأوكراني بعدم التوقيع على اتفاقية الارتباط مع الاتحاد الأوروبي ضمن برنامج الشراكة الشرقية الخاص به. وتحوَّلت هذه الحركة الاحتجاجية ورد الحكومة عليها إلى سلسلة من أعمال عنف، ممَّا أدَّى في النهاية إلى الإطاحة بالرئيس الأوكراني المنحاز لروسيا فيكتور يانوكوفيتش.

سيطر ائتلافٌ موالٍ للغرب على العاصمة مشكِّلا حكومة انتقالية مرحلية، في حين فرَّ عددٌ من أفراد النخبة الحاكمة الأوكرانية إلى روسيا. كانت النتيجة خسارة مفاجئة للنفوذ الروسي في واحدة من جيرانها الأكثر أهمية، وهو الأمر الذي تمَّ اعتباره هزيمة جيوسياسية رئيسية بالنسبة لموسكو.

في هذه الأثناء، سعى القادة الروس إلى إعادة بسط نفوذ موسكو على أوكرانيا والاحتفاظ بالقدرة على السيطرة الاستراتيجية عليها. وقد أخذ الرد الروسي شكل عمليتين عسكريتين منفصلتين ومتزامنتين، تمثل أولهما في غزو شبه جزيرة القِرم وضمّها في أواخر فبراير حتى بداية مارس2014. في الوقت عينه، أثارت روسيا حركةً احتجاجيةً سياسيةً سرعان ما تحوَّلت إلى تمرُّدٍ عنيفٍ في شرق أوكرانيا بين فبراير ومايو من نفس العام. ومنذ ذلك الوقت عاشت أوكرانيا في ظلِّ صراعٍ داخلي ومخاوف خارجية من محاولة غزوٍ روسيٍ جديد لها[13].

  • ضم شبه جزيرة القرم:

كانت حكومة أوكرانيا في مرحلة انتقالية بعد الإطاحة بيانوكوفيتش. ونتيجة لذلك، لم تردَّ على العملية الروسية عند إطلاقها. ومن ثم، تمَّ تسهيل مهمة روسيا نسبيًّا بفعل الارتباك والفوضى اللذين عادةً ما يعقبان أي ثورة، على غرار ما حدث في كييف. في هذا الإطار، استفادت موسكو من التوترات في شبه جزيرة القِرم، بالإضافة إلى انعدام خبرة الحكومة الأوكرانية المؤقتة، واستغلت عنصر المفاجأة الكاملة، الذي ساعدها بشكل كبير في ضم شبه جزيرة القرم.

وقد أدَّت مجموعة من الأخطاء التي وقعت فيها الحكومة الأوكرانية دورًا حاسمًا لصالح روسيا ونجاحها في ضم شبه جزيرة القرم ، والتي لخصتها دراسة لمؤسسة راند فيما يلي:

تمثل أولها في قيام البرلمان الأوكراني (رادا) في 23 فبراير بإلغاء تشريعٍ كان قد منح اللغة الروسية وضعًا وحمايةً رسميتين. وبالرغم من رفض الرئيس الانتقالي، أولكسندر تورشينوف التوقيع على هذا القانون المعدَّل، إلَّا أن إقراره التشريعي تسبَّب بضررٍ كبير، حيث اعتبرته المجموعات الناطقة بالروسية دليلا على معاداة الحكومة الأوكرانية لروسيا.

ووقع الخطأ الثاني في 24 فبراير، عندما هدَّد علنًا إيجور موسيشوك، قائد القطاع الأيمن، وهو حزب سياسي يميني متطرِّف في أوكرانيا، بإحضار مقاتلين شبه عسكريين إلى شبه جزيرة القِرم. وقد استخدمت وسائل الإعام الناطقة باللغة الروسية بيانات موسيشوك لترويج فكرة وجود خطر محدق بالنسبة للذين يعيشون في شبه جزيرة القِرم. تلى ذلك اشتباكات بين تتار شبه جزيرة القِرم والقوميين الروس، واحتجاجات للانفصال عن أوكرانيا، واحتجاجات مقابلة للوحدة، ما أدَّى إلى حالةٍ عامةٍ من الفوضى وانعدام التنظيم ويسَّر سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم. وقد ساهم عدم قدرة الحكومة الأوكرانية على السيطرة على القوات ما بعد الثورة في دعم الرواية الروسية بأنَّ المحليِّين كانوا يواجهون خطرًا محدقًا بالفعل، ممَّا أكَّد الحاجة إلى المساعدة الروسية في شبه جزيرة القِرم، ومشروعية تدخُّل روسيا أمام جمهورها الداخلي.

أما الخطأ الثالث فقد وقع في 25 فبراير، عندما حلَّ وزير داخلية أوكرانيا شرطة مكافحة الشغب بيركوت في شبه جزيرة القِرم لدى عودتها إلى سيفاستوبول بعد قمع الاحتجاجات في كييف، وهو الأمر الذي مثل إهانةً للقوات الأمنية. وعند عودتها إلى سيفاستوبول، تم استقبال هذه الوحدات استقبالا شعبيا حافلا، واعتبرهم الشعب أبطالًا واستصدرت جوازات سفر روسية لهم. وكنتيجة لذلك، انشقت هذه الوحدات وانضمّت إلى الجانب الروسي وقدّمت وحدات مساعدة في العمليات الروسية المبكرة، في الوقت الذي كانت روسيا تفتقر إلى مثل تلك القوات[14].

ونتيجة لذلك سيطرت روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014 في واحدة من أكبر عمليات ضم الأراضي التي عاشتها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وهي من المناطق التي كانت تتمتَّع بحكم ذاتي، وفرضت كنتيجة للوضع اتفاقات لوقف إطلاق النار، اعتبرتها أوكرانيا غير مناسبة لها.

  • زعزعة الاستقرار في شرق أوكرانيا (حرب دونباس):

بدأت الاحتجاجات في شرق أوكرانيا ضدَّ الحكومة الأوكرانية الجديدة على الفور تقريبًا بعد وقوع احتجاجات الميدان على رحيل يانوكوفيتش من السلطة. كما أدَّى تصويت البرلمان الأوكراني على إلغاء الوضع الرسمي للغة الروسية في 23 فبراير، إلى إثارة الخوف والغضب في شرق أوكرانيا، حيث ينطق معظم المواطنين بالروسية. شجَّع هذا الإجراء، مصحوبًا بعملية روسيا في شبه جزيرة القِرم، إلى شَنِّ احتجاجات وتظاهرات نظَّمَتْها مجموعات انفصالية مناوئة للحكومة ومدعومة من روسيا في أوبلاست دونيتسك ولوجانسك اللتين أطلق عليهما مجتمعتين اسم منطقة دونباس. من ثم، تصاعدت حدَّة الاحتجاجات ووصلت إلى صراع مسلَّح في أوبلاست دونيتسك ولوجانسك أوبلاست بين الانفصاليِّين الموالين لروسيا والحكومة الأوكرانية[15].

قاد مواطنون روس الحركة الانفصالية في دونيتسك خلال الفترة ما بين شهري أبريل وأغسطس من عام 2014، والذين كانوا مدعومين بمتطوعين وعتاد زودتهم بها روسيا. اتخذت روسيا مقاربة هجينة مع تفاقم الصراع في شهر مايو من عام 2014، حيث وظفت مجموعة من التكتيكات التضليلية والمقاتلين غير النظاميين وعناصر من القوات الروسية النظامية فضلًا عن تقديمها للدعم العسكري التقليدي بهدف الإخلال باستقرار منطقة دونباس. في المقابل، شنت أوكرانيا هجومًا عسكريًا مضادًا ضد القوات الموالية لروسيا في شهر أبريل من عام 2014 استطاعت هذه العملية تقليص مساحة المنطقة الخاضعة لسيطرة القوات الموالية لروسيا إلى حد كبير بحلول أواخر شهر أغسطس عام 2014 حتى اقتربت أوكرانيا من استعادتها السيطرة على الحدود الأوكرانية الروسية.

ردًّا على ذلك، تخلَّتْ روسيا عن مقاربتها الهجينة وباشرت غزوًا تقليديًّا لدونباس[16]، أفضى هذا الغزو إلى استعادة المتمردين لمعظم المناطق التي فقدوها خلال الهجوم العسكري السابق الذي شنَّته الحكومة الأوكرانية. تلا ذلك توقيع كل من أوكرانيا وروسيا والمتمردين على اتفاق لوقف إطلاق النار يحمل اسم بروتوكول مينسك بتاريخ 5 سبتمبر عام 2014، وقد تمَّ خرقه عدَّة مرات من الطرفين. ثم انهار وقف إطلاق النار برمَّته في شهر يناير من عام 2015، وذلك بعد تجدُّد الاشتباكات العنيفة في مختلف أنحاء منطقة الصراع ومن ضمنها مطار دونيتسك الدولي وديبالتسيفي. وتوصَّلت الأطراف المعنية إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار تحت مسمَّى اتفاق مينسك الثاني في 12 فبراير عام 2015، وبالرغم من ذلك فقد ظلَّ الإقليم منطقة حرب قتَلَ فيها عشراتُ الجنود والمدنيين بعضهم البعض خلال كل شهر. وبحلول أواخر عام 2017، سجلت بعثة المراقبة التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا نحو ثلاثين ألف فرد كانوا يرتدون لباسًا عسكريًّا عبروا فيه الحدود من روسيا إلى دونباس عند نقطتي التفتيش الحدوديَّتين المسموح لها بمراقبتهما، كذلك وثَّقت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا عدَّة حالات عبور لقوافل عسكرية من الاتحاد الروسي إلى المناطق المحتلَّة سالكةً طرقًا ترابيةً بعيدًا عن المعابر الحدودية الرسمية، وعادةً ما حصل ذلك خلال ساعات الليل[17].

بلغ عدد اتفاقات وقف إطلاق النار منذ نشوب الصراع 29 اتفاقًا، وهدف كل منها إلى البقاء قيد التنفيذ إلى أجل غير مسمى، ولكن لم يستطع أي منها إيقاف العنف. كانت أنجح محاولة لوضع حدٍّ للاقتتال في عام 2016 حين استطاع اتفاق لوقف إطلاق النار الصمود لمدة ستة أسابيع متتالية. دخل آخر اتفاق لوقف إطلاق النار (التاسع والعشرين) حيز التنفيذ بتاريخ 27 يوليو عام 2020. أفضى هذا الاتفاق إلى عدم تسجيل أي خسائر في صفوف القوات الأوكرانية لأكثر من شهر. واتَّفقت كل من أوكرانيا وروسيا ومتمرِّدي دي بي آر وإل بي آر ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا على خارطة طريق من أجل إنهاء الصراع في 1 أكتوبر عام 2019، ومع ذلك لم يشهد الصراع تحلْحُلًا منذ حينها، وظلَّت العديد من المسائل عالقة على عدَّة أصعدة بحلول أواخر صيف عام 2020. وشهد الربع الأول من عام 2021 تزايدًا كبيرًا في الخسائر التي مُنيت بها القوات الأوكرانية، فضلًا عن حشد روسي لقوة عسكرية ضخمة على الحدود بين دونباس وروسيا في الفترة من أواخر مارس حتى مطلع أبريل عام 2021، وبدايةً من أواخر أكتوبر ونوفمبر عام 2021 حتى وقت اندلاع الحرب[18].

  • تداعيات ضم شبه جزيرة القرم على الأمن الأوروبي:

أُجبرت الدول الأوروبية في أعقاب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم والعدوان المستمر في شرق أوكرانيا، على إعادة تقييم نظرتها الخاصة ببيئة الأمن الإقليمي التي كان يُعتقد في السابق أنها مستقرَّة نسبيًّا. فقد أدَّى ضمُّ شبه جزيرة القرم وزعزعة استقرار شرق أوكرانيا إلى ظهور شعور كبير بانعدام الأمن والضعف بين الدول المجاورة لروسيا. وقد ظهر هذا الشعور بالضعف بشكل حاد في دول البلطيق على وجه التحديد (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) نظرًا لقرب هذه الدول من روسيا وعدم التوازن الكبير في القوات العسكرية بين روسيا ودول البلطيق. وقد كان السلوك الذي انتهجتْه روسيا منذ إعادة تولِّي بوتين للسلطة مثيرًا لمخاوف دول البلطيق، فمنذ عودة فلاديمير بوتين إلى سدَّة الحكم، تزايدَتْ انتهاكات روسيا للحدود والمجال الجوي والمياه الإقليمية بشكل كبير. حيث أجْرت روسيا مجموعة من التدريبات واسعة النطاق في المنطقة، بالإضافة إلى مناورة في المنطقة العسكرية الغربية في مارس 2015 ضمَّت ما يصل إلى 38000 جندي، وقد مثَّلت هذه التدريبات جزءًا من برنامج أساسي لتدريبات عسكرية شاملة ضمَّت قوات من المناطق العسكرية الغربية والمركزية والشرقية، والمناطق العسكرية الجنوبية ولكن بحجم أقل[19].

من ثم، أدَّى سلوك روسيا في القرم وشرق أوكرانيا إلى ترقُّب حلف شمال الأطلسي (الناتو) لإمكانية اتخاذ موسكو إجراءات عسكرية قد تُشكل تهديدًا خطيرًا لسيادة دول البلطيق واستقلالها. وفي أثناءالإعداد لانعقاد قمة حلف شمال الأطلسي التي أقيمت في ويلز يومي الرابع والخامس من سبتمبر 2014، ناقش الأعضاء البولنديون والبلطيقيون مسألة تغيير ضم شبه جزيرة القِرم وجهود زعزعة استقرار شرق أوكرانيا للبيئة الأمنية الأوروبية تغييرًا جذريًّا بالإضافة إلى إجراء تعديلات في وضع القوة الأساسي الخاص بحلف شمال الأطلسي. وَسَعَتْ تلك الدول جاهدة إلى استصدار قرار لحلف شمال الأطلسي بنشر قوات قتالية بشكل دائم على أرض الدول الأعضاء الشرقيين. ومع ذلك، لم يحصل إجماع على قرار وضع قوات قتالية بشكل دائم على الأراضي البولندية والبلطيقية بالقمة، حيث جادل بعض الأعضاء، وخصوصًا ألمانيا، أن تمركز قوات كبيرة على أراضي الأعضاء الشرقيين بشكل دائم قد تعتبره روسيا أمرًا استفزازيًّا. وبدلًا من ذلك، اعتمد الناتو على “التواجد” (عوضا عن وجود دائم)، توفِّره قوات متناوبة[20].

  • اشتعال فتيل الأزمة: الحرب الروسية الأوكرانية

في شهر ديسمبر 2021 ظهر أتون الصراع البارد بين روسيا من جهة وأوكرانيا والغرب من جهة أخرى؛ إذ أظهرت تقارير أوكرانية وأمريكية، بأن روسيا تحشد عشرات الآلاف من الجنود على حدود أوكرانيا، حيث قدَّرت المخابرات الأمريكية في بداية شهر ديسمبر لعام 2021 أن القوات الروسية المتواجدة على الحدود الأوكرانية، من الممكن أن تصل إلى 175 ألف جندي، وذلك استعدادًا لشنِّ حملة عسكرية على أوكرانيا[21]. في تلك الأثناء نفى الكرملين تمامًا تلك الاتهامات، وأكَّد عدم سعي روسيا لشنِّ حملة عسكرية على أوكرانيا. ومقابل ذلك، اتَّهمت موسكو كييف أنها تقوم بحشد جيوش كبيرة على حدود دونباس، استعدادًا لشنِّ حملة عسكرية على الانفصاليِّين المواليين لروسيا، وهذا ما نفتْه أوكرانيا.

رغم تأكيد الكرملين أنها لا تسعى لشنِّ حملةٍ عسكرية تجاه أوكرانيا، إلا أن الحشود العسكرية التي حشدتْها روسيا، أكَّدت رسالة واضحة مفادها عدم السماح بتاتًا لزحف حلف الناتو في أوكرانيا، وأنها تُعتبر مسألة أمن قومي روسي. في هذا الإطار، أصرَّ الكرملين على الضمانات المكتوبة في حين رفض الغرب ذلك ممَّا زاد الأمر تعقيدًا، خاصة مع ضخِّ أمريكا دفعات من الدعم الأمني للجيش الأوكراني بلغت 200 مليون دولار. وبدأ يظهر بوضوح صراعٌ بارد بين روسيا والغرب، فتزايدت حدَّة الاتهامات بينهما، وتعالَت التهديدات.

ومع بداية شهر فبراير 2022، بدأت الأمور تأخذ منحنًى أكثر خطورة؛ إذ تزايد تعزيز قوات حلف الناتو في شرق أوروبا، حيث بدأت تظهر بوضوح وحدات قتالية متعدِّدة الجنسيات من دول حلف الناتو في بولندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا. كما أعلنت الولايات المتحدة أنها سترسل ثلاث آلاف جندي إلى بولندا، بالتزامن مع إجلاء عددٍ كبيرٍ من الدول رعاياها من أوكرانيا.

وفي 21 فبراير 2022، زعمت الحكومة الروسية أن القصف الأوكراني دمَّر منشأة حدودية تابعة لجهاز الأمن الفيدرالي على الحدود الروسية الأوكرانية، وزعمت أنها قتلت 5 جنود أوكرانيين حاولوا العبور إلى الأراضي الروسية. ونفت أوكرانيا التورط في كلا الحادثين ووصفتهما بالعلم الكاذب. في اليوم نفسه، اعترفت الحكومة الروسية رسميًّا بجمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوجانسك الشعبية المعلنة ذاتيًّا كدولتين مستقلَّتين، وفقًا لبوتين، ليس فقط في المناطق التي تسيطر عليها بحكم الأمر الواقع، ولكن الأوبلاست الأوكرانية ككل، وأمر بوتين القوات الروسية، بما في ذلك الدبابات، بدخول هذه المناطق.

في 24 فبراير 2022، بدأت روسيا حملة عسكرية على أوكرانيا بعد حشدٍ عسكري طويل، واعتراف روسي ب‍جمهورية دونيتسك الشعبية المعلَنة من جانب واحد و‌جمهورية لوجانسك الشعبية، أعقبها دخول القوات المسلحة الروسية إلى منطقة دونباس في شرق أوكرانيا في 21 فبراير 2022. ففي 24 فبراير، وبعد خطابٍ أعلن فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن بدء العملية العسكرية بهدف “تجريد أوكرانيا من السلاح وإزالة أثر النازية منها”، بدأ القصف على مواقع في جميع أنحاء البلد، بما في ذلك مناطق في العاصمة كييف[22].

ثالثًا- تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا على الأمن الأوروبي: أزمة أمن الطاقة في القارة الأوروبية)

أدَّى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى قلب معايير الأمن الأوروبي والعالمي، والتي كانت سائدة منذ نهاية الحرب الباردة على الأقل، وسرعان ما ظهرت آثار الحرب الروسية على أوكرانيا على النفقات العسكرية للدول الأوروبية، فقد قفزت النفقات العسكرية للدول الغربية بشكل لافت بعد أن كانت في أدنى مستوياتها منذ عام 1991. فقد أعلنت ألمانيا مضاعفة ميزانية التسليح لتصلَ إلى 100 بليون يورو بعد أن كانت قد وصلت إلى 47 بليون يورو. أما بولندا فقد اشترت 250 دبابة فئة إبرامز من الولايات المتحدة بقيمة 6 مليارات دولار، وخصَّصت بلجيكا 14 بليون دولار للإنفاق العسكري، بينما خصَّصت بريطانيا 16 ونصف مليار جنيه إسترليني للاستثمار في صناعتها الحربية، بينما رفعت فرنسا ميزانيتها العسكرية للعام الحالي بنسبة مليار و700 مليون يورو. ورفعت السويد وفنلندا والدنمارك ولاتفيا والدنمارك وهولندا الإنفاق العسكري بين 2 ونصف في المئة و6 في المئة من حجم الناتج المحلي[23].

وبالإضافة لتداعيات الحرب على الأمن التقليدي الأوروبي وتوازن القوى، فإن واحدًا من أهم تداعياتها على الأمن غير التقليدي يتعلَّق بتأثير الحرب على أمن الطاقة الأوروبي، في ظل تصعيد أزمة الغاز الذي يتم توريده للقارة الأوروبية بواسطة روسيا. حيث يعدُّ الغاز الطبيعي مصدرًا مهمًّا من مصادر الطاقة في العالم، ويعتبر في العديد من دول العالم المصدر الرئيس الثاني للطاقة بعد النفط، ولقد أخذت أهميته النسبية تزداد في الاستهلاك الدوري لأسباب متعدِّدة، أهمها كونه مصدرًا نظيفًا لا يلوث البيئة باستهلاكه وهذا ما جعل كثيرًا من الدول ومنها الصناعية تعتمد عليه بنسبة متزايدة وتعمل على إحلاله بدلًا من مصادر الطاقة الأخرى. وقد شهد قطاع الغاز العالمي تغيرًا جوهريًّا على مدى السنوات العديدة الماضية، والتي بدورها لها آثار مباشرة على أمن الطاقة العالمي[24].

وفي ضوء الأهمية الاقتصادية للطاقة، كان الدور الجوهري للغاية الذي لعبته الطاقة الروسية في إمداد الطلب الأوروبي أحد مصادر القلق لدى الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي على مدار عقود. ففي خلال فترة الاتحاد السوفيتي، تركَّزت هذه المخاوف على إمكانية تزايد النفوذ السوفيتي على الأعضاء الأوروبيِّين لحلف شمال الأطلسي، حيث كان يُنظر إلى رغبات الأوروبيين في التأكد من استقرار إمدادات النفط والغاز الطبيعي على أنها قد تؤدِّي إلى تفكيك وحدة التحالف. وفي تسعينيات القرن العشرين، غيَّرت المناقشات السياسية وجْهتها إلى مدى موثوقية روسيا كمورِّد بسبب تدهور البنية التحتية للطاقة الروسية ووجود حالات انخفاض في الإنتاج بسبب انخفاض الاستثمار. وقد انصبَّ التركيز خلال العقد الماضي على انقطاع الإمدادات من الغاز الطبيعي نظرًا لنشوب نزاعات بين روسيا وبلدي العبور روسيا البيضاء وأوكرانيا[25].

فقد كان للتوترات المتكرِّرة بين روسيا وأوكرانيا تأثيرات كبيرة على سوق الغاز الروسي في أوروبا، حيث رفع قادة الاتحاد الأوروبي أصواتهم أثناء بداية الأزمة الأوكرانية للإفصاح عن رغبتهم في الحدِّ من استهلاك القارة من الغاز الطبيعي الروسي. فقد دفعت الأزمات المستمرة بين روسيا وأوكرانيا خاصة بعد عام 2013 العديد من الدول الأوروبية إلى البحث عن مصدرين جديدين للغاز الطبيعي، وقد بدأت هذه الدول في تقليل حجم الواردات من الغاز الروسي، ومن هذه الدول (النمسا، وفنلندا، وفرنسا، وهولندا، والتشيك، والمجر، ورومانيا، وسلوفاكيا). ففي عام 2008 عبرت 80٪ من مبيعات الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوربي عن طريق أوكرانيا إلا أن هذه النسبة انخفضت إلى 50٪ عام 2013[26].

في هذا الإطار، عصفت بأوروبا أزمة طاقة على وقع خفض عملاق الغاز الروسي “غازبروم” إمدادات الغاز إلى بلدان الاتحاد الأوروبي في أكتوبر 2021، ممَّا أدَّى إلى قفزة في أسعار الطاقة لا زالت أوروبا تعاني من آثارها حتى الآن، وهو ما أدَّى إلى تزايد قلق القادة على جانبي الأطلسي بسبب الخطر الذي يواجه أمن الطاقة الأوروبية.

كما أثار خط نوردستريم 2 قلقًا أوروبيًّا وأمريكيًّا من تعاظم النُّفوذ الروسي وتهديده لأمن الطاقة في القارة الأوروبية. ويعتبر “نورد ستريم 2” خطًّا للأنابيب يبلغ طوله 745 ميلًا (حوالى 1200 كيلومتر)، يمتدُّ بين أوست لوغا بالقرب من حدود روسيا الغربية مع إستونيا وبين غرايفسفالد في شمال شرقي ألمانيا، ويهدف لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا من دون المرور بالأراضي الأوكرانية والبولندية وذلك عبر بحر البلطيق، وتمَّ الانتهاء من بناء المشروع في سبتمبر 2021 بتكلفة 8.3 مليار جنيه إسترليني، لكنه لم يحصل على الموافقة التنظيمية الأوروبية اللازمة للسماح للجهة المشغِّلة للمشروع، وتَبِعَ ذلك تعليقُ ألمانيا لموافقتها على تشغيل الخط في إطار العقوبات الأوروبية على روسيا بسبب الحرب على أوكرانيا[27]. ولعلَّ الأمر الأكثر أهمية في ضوء الأزمة الحالية، أن خطي الأنابيب التوأمين “نورد ستريم” يسمحان لروسيا بإرسال الغاز إلى الغرب بوسائل أخرى غير تلك المباشرة عبر أراضي جارتها، وهي وسائل اعتمدت عليها روسيا من قبل وَتَلَقَّتْ كييف في مقابلها رسوم عبور.

وتمثَّلت التخوُّفات الأوروبية في إمكانية استخدام روسيا خط نورد ستريم 2 كورقة ضغط من أجل تهديد الاقتصاد الأوروبي، وتقسيم حلف شمال الأطلسي، حيث يمنح المشروع روسيا ميْزة استراتيجية مهمَّة، كونه سيصل إلى ألمانيا دون الحاجة إلى المرور عبر بولندا أو أوكرانيا، وهما الدولتين اللتين تربطهما علاقات متوتِّرة مع الجانب الروسي، كما أن الدول الغربية تتخوَّف من خطورة هذا المشروع كونه سيجعل ألمانيا والاتحاد الأوروبي أكثر اعتمادًا على الطاقة الروسية، مما يُضعف حلف الناتو، ويُقوِّض قدرته على ردع روسيا[28].

وفي هذا السياق أشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى أن خط الغاز “نورد ستريم 2” الروسي الألماني “سلاح جيوسياسي خطير بيد موسكو” وأوضح زيلينسكي في مؤتمر صحفي مع أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية السابقة أنه “ينظر إلى هذا المشروع من منظور أمني بحت ويرى أنه سلاح جيوسياسي خطير بيد الكرملين”، مؤكدًا أن “لا أحد يستطيع إنكار أن أبرز مخاطر استكمال مشروع نورد ستريم 2 هي إثقال كاهل أوكرانيا”[29].

في هذا الإطار، تختبر الدراسة في هذا الجزء أزمة الطاقة التي تواجهها أوروبا في ظل التطورات الأخيرة للحرب الروسية على أوكرانيا. حيث تجيب الورقة على سؤال مفاده لأي درجة تؤثر الهيمنة الروسية على إمدادات الطاقة للقارة الأوروبية على أمن الطاقة الأوروبي في ظل الحرب الروسية على أوكرانيا؟ وما هي الخيارات المتاحة لأوروبا لمواجهة تلك الأزمة ومدى فعالية الضغط الأوروبي المقابل على روسيا؟

1- الهيمنة الروسية على إمدادات الطاقة للقارة الأوروبية وعواقب إيقاف شحن الغاز الروسي لأوروبا:

يمثل عامل الطاقة عنصرًا هامًّا في تحديد مسار وتوجهات السياسة الخارجية الروسية حيث تعتبر روسيا من أغنى دول العالم من حيث مصادر الطاقة، فهي أكبر منتج للغاز الطبيعي، وثاني أكبر منتج للنفط على مستوى العالم[30]، ويعتبر قطاع الطاقة دعامة أساسية للأمن القومي الروسي وأداة هامة من أدوات سياستها الخارجية، ويضم القطاع كلًّا من النفط والغاز الطبيعي والفحم. ويمثل هذا القطاع موردًا أساسيًّا من الموارد الاقتصادية في روسيا تكفي عوائده لتطوير باقي قطاعات الإنتاج وتحسين الاقتصاد الروسي وتحقيق النفوذ على المستوى الخارجي. وقد حرص الرئيس بوتين في عهده على بقاء الصناعات الخاصة بالطاقة تحت سيطرة الدولة، واستخدام الشركات العاملة في مجال الطاقة كأداة لبسط النفوذ الروسي في الخارج[31]. وتمثل أوروبا السوق الرئيسي للنفط والغاز الروسي حيث تقوم الأخيرة بإمدادها بحوالي 30٪ من احتياجاتها من النفط وأكثر من 40٪ من احتياجاتها من الغاز الطبيعي[32] في ظل عدم توافر بديل يسهل الحصول عليه حال تعرض تلك الإمدادات لأي اضطرابات. وبالتالي لقطاع الطاقة دور في تعزيز قدرات روسيا المتنامية وضمان استقرار اقتصادها ومن ثم سياستها.

وقد اعتمدت استراتيجية روسيا في مجال بناء أمن الطاقة على مبدأين: زيادة القدرة التنافسية لصادراتها للغرب، وإحكام السيطرة على شبكات النقل والتوزيع للطاقة. ومن أجل تحقيق ذلك عملت روسيا على التالي:

  • زيادة نشاط الشركات العاملة في قطاع الطاقة داخل الدول الاوروبية من خلال عقد صفقات لزيادة النشاط الروسي والتغلغل في قطاع الطاقة في أوروبا، مثل شراء 7٪ من رأس مال شركة جالب اربيجا البرتغالية والتي تورد مليارات المترات من الغاز الجزائري إلى أوروبا.
  • تكثيف حجم التعاون في مجال الطاقة مع الولايات المتحدة وأوروبا من خلال المشروعات المشتركة التي تضمن لروسيا التواجد بكثافة في الغرب من خلال الطاقة مثل امتلاكها أكثر من 70٪ من مستودع الغاز الطبيعي الضخم في بلجيكا.
  • عقد مجموعة من الاتفاقيات مع بعض دول آسيا الوسطى والتي تمثل لأوروبا مصدرًا بديلا للطاقة الروسية، ومن ثم التحكُّم والسيطرة على شبكات نقل الغاز والنفط في تلك الدول.
  • التنافس على مسارات نقل الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في دولة سوريا لعرقلة مشاريع الولايات المتحدة وإبعادها عن التحكُّم في إمدادات الطاقة.
  • تطوير التعاون في مجال الطاقة مع دول شرق آسيا وعدد من المنظمات الدولية الخاصة بالطاقة، بالإضافة إلى التنسيق مع الأوبك ومنتدى الدول المنتجة والمصدِّرة للغاز.
  • اتباع “دبلوماسية الطاقة” لدعم موقف الدولة ومكانتها في المجتمع الدولي وذلك من خلال مشاركة شركات النفط والغاز بفعالية في المفاوضات والاتفاقيات الدولية التي تختص بقضايا الطاقة وتحقيق التوازن بين الدول المستوردة والمصدِّرة والتي تنتقل من خلالها الطاقة[33].

في هذا الإطار، تعتمد القارة الأوروبية بشكل كبير على الغاز الروسي، وبمعنى آخر تمتلك روسيا شبه هيمنة على الغاز الذي يتم توريده للقارة الأوروبية. حيث يأتي حوالي 40٪ من الغاز المستهلَك في أوروبا من روسيا، وتشكِّل ألمانيا الزبون الرئيسي لهذا الغاز. حيث تعتمد ألمانيا بشكل كبير على الغاز الروسي، الذي يتمُّ ضخُّه عبر أوكرانيا التي تستفيد بدورها من مرور الغاز الروسي عبر أراضيها لألمانيا وعدد من الدول الأوروبية. وتجْنى بولندا وأوكرانيا الكثير من الأموال نظير عائدات رسوم العبور التي تدفعها شركة غاز بروم مقابل مرور الغاز الروسي عبر أراضيهما إلى أوروبا الغربية. وبالتبعية، ستتضرَّر كييف ووارسو من مشروع خط “نورد ستريم 2” الذي كان من المقرر أن ينقل الغاز من الأراضي الروسية مرورًا بمياه بحر البلطيق إلى ألمانيا مباشرة. ويأتي اعتماد ألمانيا بشكل خاص على الغاز الطبيعي الروسي نتيجة انتهاج النزعة الخضراء الصديقة للبيئة، فقد ابتعدت ألمانيا عن الفحم والطاقة النووية لتوليد الكهرباء، لصالح الغاز الطبيعي الذي كانت تعتمد في توريده على روسيا، إلَّا أن تكلفة هذا الاعتماد أضْحت عالية في ضوء التطورات في السياسة الروسية في السنوات الأخيرة[34].

في هذا الإطار، سيؤدِّي توقف شحن الغاز الروسي لأوروبا إلى ارتفاع سعر الغاز بشكل ملحوظ. فالغاز الروسي يعادل نحو 40 في المئة من واردات الغاز الطبيعي الأوروبية. ويختلف تأثير انقطاع الغاز الروسي بين الدول الأوروبية. فبينما ستتأثَّر دول مثل ألمانيا وإيطاليا بشكل كبير وربما تواجه أزمة في الطاقة، فإن دولًا مثل بريطانيا والولايات المتحدة لن تتأثرا بمقدار كبير. وبينما لا توفِّر روسيا إلا 5 في المئة من الغاز الذي تستهلكه بريطانيا، كما لا تستورد الولايات المتحدة أي غاز من روسيا إطلاقًا، إلَّا أن ذلك لا يمنع من ارتفاع أسعار المحروقات في هذين البلدين[35].

من ثم، يمكن القول بأن الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي يمثل تهديدًا مباشرًا لأمن الطاقة في القارة الأوروبية. فالاتحاد الأوروبي أصبح مجبرًا على البحث عن مصادر بديلة للطاقة حتى وإن لم تتَّخذ روسيا قرارًا بمنع إمدادات الطاقة لأوروبا. إذ إن التطورات الأخيرة التي تكشف عن حجم التوترات والخلاف بين أوروبا والولايات المتحدة من جهة، وبين روسيا من جهة أخرى، تجعل من الاعتماد الأوروبي على إمدادات الطاقة من روسيا مصدرًا دائمًا لتهديد أمن القارة الأوروبية. ويؤكِّد على هذا المعنى نائب رئيس المفوضية الأوروبية، فرانس تيمرمانز، الذي صرَّح بأنه: “نحن لا نقف هنا لنقول إن هذا سيكون سهلًا بأي شكل من الأشكال، لكنني مقتنع بشدة أنه حتى لو لم يكن الأمر سهلًا، حتى لو كان صعبًا للغاية، فإنه شيء نحتاج إلى القيام به، لأنه الآن مرتبط أيضًا ارتباطًا وثيقًا بأمننا”[36].

2- ردود الفعل الأوروبية على الحرب الروسية على أوكرانيا: سياسة العقوبات

أعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، حظرًا كاملًا على استيراد النفط والغاز والفحم من روسيا ردًّا على غزوها لأوكرانيا، قائلًا إن القرار اتُّخذ “بالتشاور الوثيق” مع الحلفاء، كما أعلنت بريطانيا عن وقف تدريجي لاستيراد النفط من روسيا، ليتوقَّف تمامًا بنهاية العام الجاري 2022.

وأعلن الاتحاد الأوروبي أيضًا عن خطة لإنهاء اعتماده على الوقود الأحفوري الروسي بحلول عام 2030. في هذا الإطار، لم يستطع الاتحاد الأوروبي الإعلان عن فرض حظر كامل على قطاع الطاقة الروسي، حيث أكَّد مسؤول العلاقات الخارجية جوزيف بوريل أن الاتحاد الأوروبي لن يحذو حذو الولايات المتحدة في فرض حظر على صادرات الطاقة من روسيا، موضحًا أن الاتحاد الأوروبي يفرض ما يكفي من العقوبات لإضعاف الاقتصاد الروسي[37].

ولكن الاتحاد الأوروبي أعلن ، في المقابل، أنه سيخفض طلبه على الغاز الروسي بمقدار الثلثين – حيث يحصل الاتحاد الأوروبي حاليا على 40 في المئة من احتياجاته من الغاز من روسيا[38]. وقد ذكرت المفوضية الأوروبية أنها ستتحوَّل إلى الإمدادات البديلة، وتوسِّع الاعتماد على الطاقة النظيفة بسرعة أكبر، على أمل تمكين أوروبا من وقف الاعتماد على واردات النفط والغاز الروسي بشكل كامل “قبل عام 2030”.

وكانت ألمانيا قد علَّقت اعتماد خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 -وهو مشروع خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي بطول 1200 كيلومتر، يمتد من غربي روسيا إلى ألمانيا تحت بحر البلطيق- ردًّا على اعتراف موسكو باستقلال دونيتسك ولوجانسك كخطوة أوَّلية لفرض عقوبات أوروبية على روسيا، وذلك على الرغم من أن المشروع قد اكتمل منذ سبتمبر 2021 وكان ينتظر الموافقة الألمانية[39]. وقد أدَّى هذا القرار الألماني إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي بنسبة 13٪، وهو ما انتقدتْه الخارجية الروسية، مؤكِّدة بأن وقف مشروع نورد ستريم 2 قد أدَّى إلي ارتفاع هائل في أسعار الطاقة في السوق الأوروبية، وأشارت إلى أن تشغيله كان سيخدم مصالح كلٍّ من روسيا وأوروبا[40].

وتضاف هذه العقوبات الخاصة بالطاقة إلى قائمة طويلة من العقوبات الاقتصادية، التي فرضت على روسيا بعد غزوها لأوكرانيا حيث عمد القادة الغربيون إلى تجميد أصول البنك المركزي الروسي، مما حدَّ من قدرته على الوصول إلى 630 مليار دولار من احتياطاته. ومنعت بريطانيا، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة المواطنين والشركات لديها من إجراء أي تعاملات مالية مع البنك المركزي الروسي أو وزارة المالية الروسية أو صندوق الثروة السيادي الروسي. كما تضمَّنت العقوبات إبعاد بعض البنوك الروسية عن نظام سويفت الذي يسمح بتحويل الأموال بشكل سهل بين الدول المختلفة، وهو الأمر الذي سيُعيق قدرة روسيا على الحصول على عائدات بيع نفطها وغازها.

كما فرضت بريطانيا عدَّة عقوبات إضافية على موسكو من بينها: استبعاد كبرى البنوك الروسية من النظام المالي البريطاني، وتجميد أصول كافة البنوك الروسية، وإصدار قوانين لمنع الشركات والحكومة الروسية من الحصول على أموال من الأسواق البريطانية، ووضع حدٍّ أقصى للمبالغ المالية التي يمكن للروس إيداعها في البنوك البريطانية[41].

بدوره أعلن الاتحاد الأوروبي عن فرض عقوبات تستهدف 70 في المئة من السوق المصرفية الروسية وكبريات الشركات المملوكة للدولة الروسية. كما استهدفت العقوبات الغربية أيضًا عددًا من الأشخاص البارزين في روسيا، على رأسهم الرئيس فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرجي لافروف، الذي تمَّ تجميد أصوله في الولايات المتحدة، وكندا، والاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، علاوة على حظر سفرهما إلى الولايات المتحدة. وأطلق الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة وكندا فريق عمل عبر المحيط الأطلسي لتحديد وتجميد أصول الأفراد والشركات الخاضعة للعقوبات. كما أعلنت بريطانيا عزْمها فرض قيود على منح “التأشيرات الذهبية”، التي سمحت للأثرياء الروس بالحصول على حقوق الإقامة في بريطانيا.

وتم الإعلان عن فرض قيود على المنتجات التي يمكن إرسالها إلى روسيا من قبل بريطانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وغيرها. وانضمَّت الولايات المتحدة إلى بريطانيا والاتحاد الأوروبي وكندا في حظر جميع الرحلات الجوية الروسية من مجالها الجوي. كما حظرت بريطانيا أيضًا دخول الطائرات الخاصة المسجلة في دول ثالثة في حال تم استئجارها من قبل الروس. كما تواجه بيلاروسيا، التي اتُهمت بمساعدة الغزو الروسي، عقوبات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا. بالإضافة إلى ذلك، أوقف عدد من الشركات العالمية بما في ذلك ماكدونالدز وكوكاكولا وستاربكس خدماتها في روسيا.

3- رد الفعل الروسي على العقوبات الأوروبية والأمريكية:

يعتمد الاقتصاد الروسي بشكل كبير على صادرات الطاقة، فهي ثالث أكبر دولة منتجة للنفط في العالم بعد السعودية والولايات المتحدة. ومن بين خمسة ملايين برميل من النفط تنتجها روسيا يوميا، يصدر أكثر من النصف إلى أوروبا. وبالنسبة لبريطانيا، يمثل ذلك نحو 8 في المئة من احتياجها من المنتجات النفطية، أما الولايات المتحدة، فهي أقل اعتمادا على موارد الطاقة الروسية، إذ لم تستورد إلا 3 في المئة من نفطها من روسيا في عام 2020[42].

وفي مقابل العقوبات الأمريكية والأوروبية في مجال الطاقة، هدَّدت وزارة الخارجية الروسية بفرض عقوبات على الغرب، قد تشمل تقليل أو إيقاف إمدادات الغاز إلى أوروبا، بالإضافة لحظر شركات الطيران البريطانية من دخول المجال الجوي الروسي أو الهبوط في المطارات الروسية[43].

في هذا الإطار، ذكرت روسيا أنها قد تقطع إمدادات الغاز عن ألمانيا، حال فرض الغرب حظرًا على صادراتها النفطية. حيث قال ألكسندر نوفاك، نائب رئيس وزراء روسيا، إن “رفض النفط الروسي سوف تكون له عواقب وخيمة على الأسواق العالمية”، مرجحًا أن فرض حظر على صادرات النفط الروسية قد يصل بسعر برميل النفط إلى 300 دولار.

وفي إشارة إلى قرار ألمانيا الشهر الماضي بتعليق التصديق على مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي نورد ستريم2 الذي يوصل إمدادات الغاز من روسيا إلى ألمانيا، قال نوفاك إن فرض حظر النفط الروسي قد يثير تصعيدًا بين الجانبين. مؤكدًا “أننا “لنا الحق نحن أيضًا في اتخاذ قرارات مماثلة وفرض حظر على ضخِّ الغاز عبر خط أنابيب نورد ستريم1”[44].

4- الخيارات الأوروبية المتاحة لمواجهة أزمة الطاقة: بدائل الغاز الروسي

في ظل أزمة الطاقة التي تواجه أوروبا على إثر اشتعال فتيل الحرب في أوكرانيا، يمكن القول إنه لن يكون من السهل إيجاد بدائل للغاز الطبيعي الذي تعتمد القارة الأوروبية على روسيا لسد حوالي40٪ من احتياجاتها منه. في هذا الإطار، يؤكِّد محلِّل سياسات الطاقة بين مكويليامز إنه سيكون من الأيسر العثور على بدائل للنفط منها للغاز، “كون روسيا ليست أكبر مصدري النفط إلى الاتحاد الأوروبي”[45]. وتؤكِّد روسيا على لسان رئيس وزرائها نوفاك، الذي ذكر في حديث متلفز وجَّهه إلى الشعب الروسي، إنه سوف يكون من “المستحيل توفير بديل للنفط الروسي في السوق الأوروبية بسرعة”[46]. في هذا الإطار، طرح الاتحاد الأوروبي خطة تهدف إلى تمكين أوروبا من الاستغناء عن مصادر الطاقة الروسية بشكل كامل بحلول عام 2030 بما في ذلك فرض إجراءات من شأنها تنويع مصادر الحصول على الغاز واستبدال الغاز كمصدر للتدفئة وإنتاج الطاقة الكهربائية. كما أصدرت وكالة الطاقة الدولية خطة لتقليل اعتماد الاتحاد الأوروبي على واردات الغاز الطبيعي الروسي بأكثر من الثلث في غضون عام، مع الالتزام بأهدافه المناخية والحفاظ على أمن الطاقة والقدرة على تحمل التكاليف. وقال فاتح بيرول، المدير التنفيذي للوكالة، إن الخطة تحدد الإجراءات التي يمكن اتخاذها في الأشهر المقبلة، مثل التحول أكثر إلى مورِّدي الغاز غير الروس، والاعتماد على مصادر الطاقة الأخرى، وتسريع الجهود لتزويد المستهلكين والشركات والصناعة بوسائل لاستخدام بدائل نظيفة وفعَّالة[47].

وتتناول التحليلات مجموعة البدائل المتاحة أمام أوروبا للتعامل مع أزمة الغاز الطبيعي كما يلي:

  • استيراد الغاز المسال: يتوقع مركز برويغيل للدراسات أنه لو توقفت روسيا عن تصدير الغاز إلى أوروبا، فإن الأوروبيِّين سيضطرون إلى استيراد المزيد من الغاز السائل من الولايات المتحدة[48]. وتتمثَّل البدائل المتاحة لأوروبا من الغاز المسال قليلة جدًّا، والتي يمكن أن تأتي من الغاز المسال الأمريكي والقطري بشكل رئيسي، بالإضافة لخط أنابيب غاز يخرج من الجزائر وليبيا، لكنها تبقى خطوطًا صغيرة لا تكفي احتياجات القارة الأوروبية من الطاقة خلال فصل الشتاء[49].

وقد أثار هذا الحل الجدل داخل أروقة الاتحاد الأوروبي حول مدى إمكانية أن يوفِّر الغاز الطبيعي المسال حلًّا دائمًا قد تلجأ إليه أوروبا بدلًا عن الغاز الروسي. وتزامن ذلك مع تحذير الولايات المتحدة من التهديد الذي تشكِّله الهيمنة الروسية على قطاع الغاز الطبيعي، ربما في محاولة لتعزيز صادراتها من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، في ضوء طفرة الغاز الصخري التي حدثت في الولايات المتحدة خلال العقد الماضي، إذ أصبحت أمريكا أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم في الوقت الحالي.

ويواجِه اللجوءُ لهذا الحلِّ صعوبتيْن، تتمثَّل أولاهما في عدم كفاية الإمدادات التي يمكن الحصول عليها من الغاز المسال لسدِّ احتياجات أوروبا، أما ثانيتهما فتتعلَّق بعدم استعداد البنية التحتية الأوروبية للتعامل مع هذه الكميات من الغاز المسال حال توفُّرها.

فبالرغم من محاولات شركات الطاقة الأمريكية زيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال بنسبة 20٪ تقريبًا لتصل إلى 13.9 مليار قدم مكعب يوميًّا بحلول نهاية العام، إلَّا أنَّ هذه الإمدادات لن تكون قادرةً على سدِّ احتياجات أوروبا من الطاقة لإنقاذها في حالة قيام بوتين بوقف تزويد أوروبا بالغاز. في هذا الإطار، يرى بيرند فايدنشتاينر –كبير المحلِّلين الاقتصاديِّين في بنك كومترس بفرانكفورت- أن الغاز الطبيعي المسال لن يكون قادرًا على سدِّ فجوة الغاز الروسي بشكل كامل على المدى القصير بسبب غياب “القدرة على توفير فائض غاز على المدى القصير، من قبل مصدِّرين مثل الولايات المتحدة وقطر”. وأنه “على الرغم من أن أوروبا لا تزال لديها القدرة على معالجة الغاز السائل الخام التي يتم استيراده أو إعادة تحويله إلى غاز طبيعي، إلَّا أن هناك صعوبة في وصول هذا الغاز في نهاية المطاف إلى المستهلكين نظرًا لأن البنية التحتية للتوزيع ليست مصمَّمةً لاستيعاب هذا التحول الكبير إلى الغاز الطبيعي المسال”[50]. أو بمعنى آخر، “تفتقر أوروبا إلى العدد الكافي من محطات تفريغ الغاز الطبيعي المسال”[51].

  • الاتجاه إلى الفحم: يُعدُّ الفحم أكثر أنواع الوقود الأحفوري تلويثًا، وهو مسؤول عن أكثر من 0.3 درجة مئوية من زيادة درجة مئوية واحدة في متوسط درجات الحرارة العالمية، ما يجعله أكبر مصدر منفرد لارتفاع درجة الحرارة العالمية، من ثم، ستكون آثار العودة إلى استهلاك الفحم كارثية على مستقبل كوكب الأرض.

ووفق تقرير صادر عن موقع يورونيوز، فإنه إذا قطع الاتحاد الأوروبي علاقاته مع روسيا في مجال توريد الغاز، سوف تضطر أوروبا إلى إعادة استخدام محطات الفحم القديمة التي جرى إيقافها[52]. في هذا الإطار، ذكر وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك إن تشغيل محطات الفحم القديمة، على المدى القصير، قد يكون إجراء احترازيًّا، داعيًا إلى إبقاء محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم في وضع الاستعداد وقد يُسمح لها بالعمل. ويقول رئيس أبحاث أسواق الغاز والطاقة في شركة ريستاد إنرجي، كارلوس توريس دياز: إنه نتيجة تصاعد أزمة الطاقة، يظل الفحم مكونًا حاسمًا في مزيج الطاقة، خصوصًا عندما تكون موثوقية مصادر الطاقة الأخرى موضع شك. وإذا عادت ألمانيا إلى استخدام الفحم، فسوف تخلف بوعدها الأخضر بالتخلُّص التدريجي من محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم بحلول عام 2030[53].

  • الطاقة المتجدِّدة في أوروبا:

يرى بعض القادة الأوروبيِّين أن غزو روسيا لأوكرانيا يمثل فرصة لتسريع التحول إلى مصادر الطاقة المتجدِّدة، بما في ذلك المحطات النووية والتي يجادل البعض لاعتبارها نوعًا من الطاقة المتجدِّدة. وتهدف ألمانيا الآن إلى تسريع نمو مشروعات الطاقة الشمسية بالإضافة إلى مشروعات طاقة الرياح البرية والبحرية، حيث قال وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، العضو في حزب الخضر، إن التوسُّع السريع في مصادر الطاقة المتجدِّدة يُعَدُّ الأساس لتقليل اعتماد ألمانيا على الوقود الأحفوري الروسي.

وتتمثَّل المشكلة، في الوقت الحالي، في أن العديد من محطات الطاقة النووية وصلتْ إلى نهاية دورة حياتها ومن المكلِّف إعادة بنائها، إذ يبلغ عمرها التشغيلي نحو 40 عامًا. كما تتمثَّل إحدى مشكلات الاعتماد على الفحم والطاقة النووية في أثرهما السلبي على المناخ، وهو ما يؤكِّده تقرير لصحيفة “لا تريبين” الفرنسية الذي ذكر أن الفحم وبناء محطات الطاقة النووية بدائل ستؤثِّر سلبًا على المناخ، وتعمِّق أزمة الاحتباس الحراري[54].

  • الهيدروجين النظيف: يتوقع محللون أن تؤدِّي واردات الوقود المعتمد على الهيدروجين النظيف دورًا في حلِّ أزمة الطاقة، ووفقًا للباحث في التحولات العادلة في وحدة أبحاث سياسة العلوم في كلية إدارة الأعمال بجامعة ساسكس البريطانية، الدكتور ماكس لاسي بارناكل، فإن روسيا تكثف خططها المتعلقة بإنتاج الهيدروجين. وأوضح الدكتور ماكس لاسي بارناكل أن روسيا تطمح إلى أن تصبح منتجًا ومصدرًا رائدًا لطاقة الهيدروجين على مستوى العالم[55]. وأضاف أنه بالنظر إلى أن السوق الناشئة للهيدروجين تمثل فرصة تجارية حيوية، تستهدف روسيا 20٪ من الحصة السوقية العالمية للهيدروجين بحلول عام 2030، باستثمارات قدرها 127 مليون دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة. ومن الجدير بالذكر أن أستراليا تُعدُّ موردًا محتملًا للهيدروجين. ووجدت دراسة جديدة أن موارد الطاقة المتجدِّدة ذات المستوى العالمي في جنوب أستراليا ستمنحها ميزة تنافسية في السباق لتزويد أوروبا بالهيدروجين النظيف عبر ميناء روتردام.

خاتمة:

فاقمت الحرب الروسية على أوكرانيا من تأزم العلاقات الأوروبية والروسية التي كانت تكتنفها بالفعل العديد من التعقيدات، وتتجاذبها العديد من عوامل الشدِّ والجذب. فبينما تمثِّل السيطرة على أوكرانيا من إحدى الطرفين تهديدًا أمنيًّا مباشرًا بالمعنى التقليدي للطرف الآخر، فإن هناك ثمة مصالح حيوية مشتركة عالقة بين الجانبين الأوروبي والروسي، وتهديدات أمنية غير تقليدية تحدِّد مآلات وتداعيات الحرب مصيرها. وبشكل عام، يمكن القول بأن معادلات الأمن الأوروبي بشكل خاص والغربي بشكل عام سوف تتغير وفق نتائج تلك الحرب.

فبالإضافة لتداعيات الحرب على الأمن التقليدي الأوروبي وتوازن القوى، فإن واحدًا من أهم تداعياتها على الأمن غير التقليدي يتعلَّق بتأثير الحرب على أمن الطاقة الأوروبي، في ظل تصعيد أزمة الغاز الذي يتم توريده للقارة الأوروبية بواسطة روسيا. وقد كشفت التطورات الأخيرة للحرب الروسية في أوكرانيا خطورة الهيمنة الروسية على إمدادات الطاقة للقارة الأوروبية، وأثبتت أن الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي يمثل تهديدًا مباشرًا لأمن الطاقة في القارة الأوروبية، فالاتحاد الأوروبي أصبح مجبرًا على البحث عن مصادر بديلة للطاقة حتى وإن لم تتخذ روسيا قرارًا بمنع إمدادات الطاقة لأوروبا.

[1] عمرو جمال شاور، في ظل تزايد تعقيد الأزمة الأوكرانية – هل بات الاجتياح الروسي لأوكرانيا وشيكًا؟، المركز الديمقراطي العربي، 15 فبراير 2022، تاريخ الاطلاع: 7 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://democraticac.de/?p=80370

[2] عماد قدورة، محورية الجغرافيا والتحكم في البوابة الشرقية للغرب: أوكرانيا بؤرة للصراع، سياسات عربية، العدد 9، يوليو 2014، ص 47.

[3] عمرو محمد إبراهيم عامر، الحرب بين روسيا وأوكرانيا: قراءة في المشهد السياسي والجيوستراتيجي، المركز الديمقراطي العربي، 27 فبراير 2022، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2011، متاح عبر الرابط التالي: https://democraticac.de/?p=80678

[4] Bucharest Summit Declaration, Issued by the Heads of State and Government participating in the meeting of the North Atlantic Council in Bucharest on 3 April 2008, North Atlantic Treaty Organization, 3 April 2008, Available at: https://bit.ly/3KJ0FAw

[5] أماني البكري، منبع الأزمة: لماذا تخشى روسيا انضمام أوكرانيا للناتو؟، شبكة العين الإخبارية، 16 فبراير 2022، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/36pEMr5

[6] إيفو إتش دالر وجيمس إم جولدغاير، أوروبا قوية وآمنة: لردع روسيا، يجب أن تساعد أميركا في إحياء البنية الأمنية في المنطقة، إندبندنت عربية، 14 يناير 202، تاريخ الاطلاع: 14 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3u5bTIY

[7] أماني البكري، منبع الأزمة: لماذا تخشى روسيا انضمام أوكرانيا للناتو؟، مرجع سابق.

[8] راجع نظرية قلب الأرض لماكيندر والتي تتلخَّص في أن من يحكم شرق أوروبا يحكم مركز الأرض، ومن يحكم مركز الأرض يحكم الجزيرة العالمية ومن يحكم الجزيرة العالمية يحكم العالم.

نظرية قلب العالم لهالفورد ماكيندر، الموسوعة السياسية، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3ieccvv

[9] مريم عبد الحي علي فراج، تداعيات الأزمة الأوكرانية على مستقبل حلف الناتو، المركز الديمقراطي العربي، 16 فبراير 2022، تاريخ الاطلاع: 7 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://democraticac.de/?p=80379

[10] أسباب الحرب بين روسيا وأوكرانيا.. جذور الصراع وتطوراته، بوابة الأهرام، 24 فبراير 2022، تاريخ الاطلاع: 3 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3MOqJMy

[11] المرجع السابق.

[12] حلف شمال الأطلسي يرفض ترشيح أوكرانيا وجورجيا لعضويته، دويتشه فيله، 3 أبريل 2008، تاريخ الاطلاع: 2 مارس 2022، متاح على الرابط التالي: https://p.dw.com/p/DbAk

[13] مايكل كوفمان، وكاتيا ميجاشيفا، وبراين نيشيبوروك وآخرون، عبر من عمليات روسيا في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا، (سانتا مونيكا: مركز راند أرويو، مؤسسة راند، 2017).

[14] المرجع السابق.

[15] مريم عبد الحي علي فراج، تداعيات الأزمة الأوكرانية على مستقبل حلف الناتو، مرجع سابق.

[16] روسيا وأوكرانيا: ماذا نعرف عن منطقتي دونيتسك ولوهانسك الانفصاليتين؟، بي بي سي عربي، 24 فبراير 2022، تاريخ الاطلاع: 6 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://bbc.in/3Jk0U4R

[17] الحرب في دونباس، ويكيبيديا، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3iabJdR

[18] المرجع السابق.

[19] ستيفان لارابي، ستيفاني بيزارد، أندرو رادين (وآخرون)، روسيا والغرب بعد الأزمة الأوكرانية: أوجه الضعف الأوروبية جراء الضغوط الروسية، (كاليفورنيا: مركز راند أرويو، مؤسسة راند، 2017).

[20] المرجع السابق.

[21] عمرو جمال شاور، في ظل تزايد تعقيد الأزمة الأوكرانية – هل بات الاجتياح الروسي لأوكرانيا وشيكًا؟، مرجع سابق.

[22] الغزو الروسي لأوكرانيا 2022، ويكيبيديا، تاريخ الاطلاع: 14 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/363EZAr

[23] بسبب حرب روسيا على أوكرانيا، دول أوروبا تضاعف إنفاقها العسكري، YouTube، قناة الجزيرة، 8 مارس 2022، تاريخ الإطلاع 7 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://youtu.be/QTchs08XFb8

[24] Natural gas and the Russia-Ukraine crisis: Strategic restraint and the emerging Europe-Eurasia gas network, Energy research and social science, volume 24, February 2017, Accessed: 4 March 2022, Available at: https://bit.ly/3te5NGV

[25] ستيفان لارابي، ستيفاني بيزارد، أندرو رادين (وآخرون)، روسيا والغرب بعد الأزمة الأوكرانية: أوجه الضعف الأوروبية جراء الضغوط الروسية، مرجع سابق.

[26] تحسين جاسم السهلاني، التنافس القطري الروسي في أسواق الغاز العالمي: دراسة في جغرافيا الطاقة، مجلة أبحاث البصرة للعلوم الإنسانية، المجلد 41، العدد 2، 2016.

[27] روسيا وأوروبا.. من الخاسر الأكبر من تعليق خط غاز نوردستريم 2، YouTube، قناة الجزيرة، 23 فبراير 2022، تاريخ الاطلاع: 10 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://youtu.be/_b57NfBG2mY

[28] مريم عبد الحي علي فراج، تداعيات الأزمة الأوكرانية على مستقبل حلف الناتو، مرجع سابق.

[29] ميركل تؤكد للرئيس الأوكراني أن خط الغاز نورد ستريم 2 الروسي الألماني لن يستخدم “سلاحا بيد موسكو”، فرانس 24، 22 أغسطس 2021، تاريخ الإطلاع 8 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/363Fsmb

[30] دانيال توماس، الغزو الروسي لأوكرانيا: روسيا قد توقف ضخ الغاز إلى أوروبا إذ طالت العقوبات نفطها، بي بي سي عربي، 8 مارس 2022، تاريخ الاطلاع: 10 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://bbc.in/3qaRpxo

[31] سوزي رشاد، أمن الطاقة ومحاولات روسيا فرض النفوذ الدولي، مجلة كلية السياسة والاقتصاد – جامعة بني سويف، العدد الثالث عشر، يناير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3wsmVer

[32] دانيال توماس، الغزو الروسي لأوكرانيا: روسيا قد توقف ضخ الغاز إلى أوروبا إذ طالت العقوبات نفطها، مرجع سابق.

[33] استراتيجة روسيا للحفاظ على الهيمنة على قطاع الطاقة نقلا عن: سوزي رشاد، أمن الطاقة ومحاولات روسيا فرض النفوذ الدولي، مجلة كلية السياسة والاقتصاد، مرجع سابق.

[34] سايمون هندرسون، الأزمة بين روسيا وأوكرانيا تسفر عن مأزق في الطاقة، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، 24 يناير 2022، تاريخ الإطلاع 8 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3iamg8L

[35] جيك هورتون، دانيال بالومبو وتيم بويل، روسيا وأوكرانيا: هل يستطيع العالم الاستغناء عن النفط والغاز الروسي؟، بي بي سي عربي، 9 مارس 2022، تاريخ الاطلاع: 5 مارس 2022، متاح على الرابط التالي: https://bbc.in/3CQpYxV

[36] روسيا وأوكرانيا: الولايات المتحدة ودول الغرب تستهدف قطاع الطاقة الروسي بالعقوبات، بي بي سي عربي، 8 مارس 2022، تاريخ الاطلاع: 9 مارس 2022، متاح على الرابط التالي: https://bbc.in/3MOPlVD

[37] بوريل للجزيرة: لن نحظر صادرات الطاقة الروسية ولن نتبع بايدن بهذا الشأن، YouTube، قناة الجزيرة، 9 مارس 2022، تاريخ الاطلاع: 9 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://youtu.be/2IPhGLctfdA

[38] روسيا وأوكرانيا: الولايات المتحدة ودول الغرب تستهدف قطاع الطاقة الروسي بالعقوبات، بي بي سي عربي، 8 مارس 2022، تاريخ الاطلاع: 8 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://bbc.in/3MOPlVD

[39] روسيا وأوروبا.. من الخاسر الأكبر من تعليق خط غاز نوردستريم 2، مرجع سابق.

[40] روسيا: إيقاف نورد ستريم 2 سبب الارتفاع الهائل في أسعار الطاقة بأوروبا، صدى البلد، 8 مارس 2022، تاريخ الاطلاع: 9 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://www.elbalad.news/5193097

[41] روسيا وأوكرانيا: ما هي العقوبات المفروضة على موسكو؟، بي بي سي عربي، 28 فبراير 2022، تاريخ الاطلاع: 7 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://bbc.in/3MUu10K

[42] جيك هورتون، دانيال بالومبو وتيم بويل، روسيا وأوكرانيا: هل يستطيع العالم الاستغناء عن النفط والغاز الروسي؟، بي بي سي عربي، 9 مارس 2022، تاريخ الاطلاع: 9 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://bbc.in/3CQpYxV

[43] روسيا وأوكرانيا: ما هي العقوبات المفروضة على موسكو؟، بي بي سي عربي، 28 فبراير 2022، تاريخ الاطلاع: 9 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://bbc.in/3MUu10K

[44] دانيال توماس، الغزو الروسي لأوكرانيا: روسيا قد توقف ضخ الغاز إلى أوروبا إذ طالت العقوبات نفطها، مرجع سابق.

[45] جيك هورتون، دانيال بالومبو وتيم بويل، روسيا وأوكرانيا: هل يستطيع العالم الاستغناء عن النفط والغاز الروسي؟، مرجع سابق.

[46] دانيال توماس، الغزو الروسي لأوكرانيا: روسيا قد توقف ضخ الغاز إلى أوروبا إذ طالت العقوبات نفطها، مرجع سابق.

[47] سايمون هندرسون، الأزمة بين روسيا وأوكرانيا تسفر عن مأزق في الطاقة، مرجع سابق.

[48] المرجع السابق.

[49] بسنت الشرقاوي، هل تستطيع أوروبا الاستغناء عن الغاز الروسي؟، الشروق، 12 مارس 2022، تاريخ الاطلاع: 13 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3whyzZv

[50] أزمة الطاقة في أوروبا.. هل يحل الغاز المسال مشكلة الغاز الروسي؟، دويتشه فيله، 3 مارس 2022، تاريخ الاطلاع: 9 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://p.dw.com/p/463W1

[51] سايمون هندرسون، الأزمة بين روسيا وأوكرانيا تسفر عن مأزق في الطاقة، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، مرجع سابق.

[52] ما هي البدائل الآمنة عن الغاز الروسي لأوروبا؟، سكاي نيوز، 6 مارس 2022، تاريخ الاطلاع: 9 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3ieciU4

[53] نوار صبح، إذا توقف الغاز الروسي.. ما البدائل المتاحة أمام أوروبا؟ احتمالات العودة إلى الفحم تتزامن مع التوجُّه نحو الطاقة النظيفة، الطاقة، 9 مارس 2022، تاريخ الاطلاع: 9 مارس 2022 ، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3MXOPVm

[54] ما هي البدائل الآمنة عن الغاز الروسي لأوروبا؟، سكاي نيوز، 6 مارس 2022، تاريخ الاطلاع: 9 مارس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3ieciU4

[55] نوار صبح، إذا توقف الغاز الروسي.. ما البدائل المتاحة أمام أوروبا؟ احتمالات العودة إلى الفحم تتزامن مع التوجه نحو الطاقة النظيفة، مرجع سابق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى