مقدمة ملف المنطقة العربية 2008 بحولية أمتي في العالم

إشراف وتقديم د. ناهد عز الدين

رغم ما تحمله خريطة العالم الإسلامي من تعقيدات وتشابكات متعددة، وبرغم ما قد يبدو على حالة “الأمة” المسلمة ظاهريًّا من تشتت وتشعب غالب، سواء جغرافيًّا أو موضوعيًّا. لم يكن من العسير أو المستحيل على الباحث المتتبع لأخبار الأمة، والمتلمس لأحوالها على مدار عام 2008 أن يضع يده على كثير من القواسم المشتركة والقضايا والملفات الجامعة. وبحيث يسهل بعد ذلك على القارئ الخروج باستنتاجات ووضع تصورات ذات ملامح واضحة ومحددة تتجاوز عملية الرصد والتقاط الأخبار وتسجيلها بصفة دورية لتقترب من حدود التشخيص والتقييم المتكامل لحال الأمة، وربما أيضا الذهاب إلى أبعد من ذلك ببناء رؤية استشرافية حول مستقبلها في القريب القادم من الأيام.
لعل على رأس القواسم المشتركة- أو إن شئت الدقة: الهموم المشتركة؛ فكلنا في الهم مسلمون- حالة الوهن والضعف المسيطرة على أغلب المجتمعات المسلمة. تستوي في ذلك وتلتقي الدول الإسلامية الخالصة (ذات الأغلبية السكانية الكاسحة من المسلمين)، مع الدول ذات التركيبة السكانية المختلطة، والتي تحتوي على نسب متوازنة من المسلمين وغير المسلمين. ومن ثم تغلب على خريطتها المجتمعية سمة التعددية الثقافية-الدينية، والدول غير الإسلامية التي يعيش فيها المسلمون، تحت عنوان المواطنين من ذوي الأصول المهاجرة-أو تحت عنوان الجالية المسلمة-أو “الأقليات الإسلامية”*.
فرغم التباين الواسع بين الحالات الثلاث والذي كان يفرض منطقيًّا اختلاف “الثقل النسبي” وتوزيع القوة بين المسلمين، وغير المسلمين، يكاد الوضع العام يكشف عن طغيان حالة الضعف، والتراجع في الوزن السياسي النسبي، والاختلال الفج في توازنات القوى وتوزيعاتها عمومًا لغير صالح الأمة برمتها.
لقد حاول الباحثون في هذا الجزء من التقرير تتبع أخبار “الأمة” عبر محاور أساسية. فوفقا للتوزيع الجغرافي، تم أولاً التمييز بين ثلاث مناطق تمثل الدوائر الإقليمية الرئيسية على خريطة العالم العربي، سواء جمعت بينها أطر تنظيمية وهياكل مؤسسية للتعاون الإقليمي، كما هو الحال بالنسبة لمنطقة الخليج (دول مجلس التعاون الخليجي) التي يغطيها تقرير أحمد سيد، أو منطقة المغرب العربي (اتحاد المغرب العربي) والتي يتناولها تقرير أحمد نبيل. أو لم يجمعها ذلك الرابط المؤسسي، وان اتسمت بموقعها المحوري على خريطة الأحداث والقوى الفاعلة والمحركة لها، والتي ركزت عليها سمية عبد المحسن في تقريرها حول دول الأركان، وتشمل: مصر، وسوريا والمملكة العربية السعودية.
ولتفادي ما قد يبدو من تداخل أو تكرار بين هذه التقارير، فالسعودية مثلا يغطيها تقريران، جرى التركيز في تقرير دول مجلس التعاون على كل ما يصب في الدور الإقليمي تجاه الدائرة الخليجية بالأساس. بينما انشغل الحديث عن السعودية في تقرير دول الأركان بدورها كفاعل رئيس يتطلع لممارسة دور قيادي على الصعيد العربي؛ أي في نطاق أوسع من حدود الدائرة الخليجية المباشرة. دون أن يعني ذلك التأكيد على فعالية أي من هذه الأدوار، أو نجاح الجهود بالضرورة في بلوغ مقاصدها.
وهكذا، حاولت عملية الرصد والتسجيل اتباع منهجية معينة في تجميع البيانات وتحليلها؛ بغرض التوفيق بين المدخل الجغرافي الذي ترسم حدوده الخريطة القائمة على الطبيعة، والمدخل السياسي الذي يصنف الدول والمناطق بحسب معايير أساسية:
· أولها- معيار الإطار التنظيمي، ومدى قيام هيكل مؤسسي يجمع بين الدول محل البحث في نطاقه ويستهدف أولا تعزيز أواصر التعاون وإيجاد آلية للعمل الجماعي المشترك، ويتطلع في مرحلة أبعد إلى تحقيق حلم التكامل، والوحدة الإقليمية.
· وثانيها- معيار “الدور” وخصوصًا على الصعيد الإقليمي، من حيث ركائزه، وحجمه، ومجالاته، وأدواته، ووسائله، وهنا يطرح السؤال حول فعالية هذا الدور، وأيضا حول تطوره، من زاوية المقارنة عبر الزمن، وبين مجالات النشاط والتعاون (اقتصادي – سياسي-ثقافي – إعلامي – أمني… إلخ).
· وثالثها- معيار “التفاعلات”، وهو ما يشمل طبيعة التفاعلات وأنماطها واتجاهاتها، ومحتواها، ودرجة كثافتها، وما ينجم عنها في المحصلة النهائية من مردودات أو تداعيات.
· أما رابعها- فلا يتعلق بمداخل التحليل وزواياه، بقدر ما ينصرف إلى وضع بعض الضوابط الحاكمة لعملية جمع البيانات، حيث روعي، فيما أجراه الباحثون من متابعات للأخبار، تحري التنوع قدر المستطاع في مصادر المعلومات، وتغطيات الأخبار، ما بين مصادر رسمية، وأخرى خاصة، أو مستقلة. وبعضها يندرج في إطار الصحف. بيد أن أغلبها تمت فيه العودة إلى مواقع إخبارية على شبكة المعلومات الدولية الإنترنت، التي أولت عناية خاصة لالتقاط الحدث، وبثه فورًا لحظة وقوعه، وأعقبته بما أثير حوله في موقعه من تعليقات وتصريحات، سواء أدلت بها الأطراف المعنية من الفاعلين المشاركين (الصانعين) في الحدث نفسه، أو صدرت عن مراقبين ومحللين في إطار التحقيق، والتعقيب.

وكانت لطبيعة المصادر المتوفرة أو غير المتوفرة دلالات مهمة ليس في وسع الباحث إغفالها، على سبيل المثال موقع إسلام أون لاين باللغة الإنجليزية، أو البي بي سي العربي كانت له عين متابعة ويقظة لكل ما يحدث ويمس المسلمين في بلدان الغرب.
وفي حالة بلدان المغرب العربي، وجد الباحث مشقة في تغطية الأخبار من مصادر متنوعة، بالنظر إلى غلبة المصادر الرسمية بما يصل إلى حد الاحتكار مثلاً على الساحة الليبية، كما لوحظ أن أخبار المغرب لا تحظى بنفس مستوى الكثافة والتغطية من جانب القنوات والمواقع التابعة لقناة “الجزيرة”، أو حتى قناة “العربية” بما يبدو تهميشًا لبلدان المغرب العربي، خصوصًا إذا ما قورنت بضخامة وكثافة الاهتمام الذي توليه تلك القنوات مثلاً لتغطية ما يحدث في مصر أو سوريا أو بلدان الخليج، وعلى رأسها قطر بطبيعة الحال.
على أية حال، كان تنوع وتعدد مصادر المعلومات عنصر ثراء ساعد الباحثين على تنقيح الأخبار بتحري نقلها من أكثر من مصدر، كما طرح منظورًا مقارنًا بين المصادر المختلفة، في أساليب العرض المستخدمة، وحجم تغطيتها للأحداث بحسب البلد، أو المنطقة الجغرافية، وبحسب القضايا والمحاور الموضوعية؛ مما كشف عن مدى التفاوت أو التقارب في خرائط “الاهتمامات”. وهو الأمر الذي يستدعي منا التساؤل حول جدوى البحث عن آلية للتنسيق بين المصادر الموجودة وتفعيل دورها، بما يساعد على سدّ ثغرات المعلومات التي كشف عنها البحث الحالي؟ أو أن الأجدر هو السعي لتأسيس وسيلة جديدة مستحدثة لتوفير تغطية شاملة للعالم العربي والأمة الإسلامية في امتداداتها المختلفة من أقصاها إلى أقصاها على غرار موقع “إسلام أون لاين”؟
وبالنسبة للمحتوى، فلاشك أن عملية تقصي حال الأمة الإسلامية في عام 2008، تفرض على أي باحث- شاء أم أبى-العودة إلى خلفيات تاريخية، فليس لعام 2008 خصوصية تميزه عن الأعوام السابقة، ولاسيما بعد الحدث الدولي الأبرز الذي شكل منعطفًا تاريخيًّا ونقطة تحول ومحطة فاصلة في مسيرة العالم أجمع وخلف تداعياته الأكثر عمقًا والأبعد أجلاً على عالمنا العربي والإسلامي بصفة خاصة وهو حدث 11 سبتمبر 2001.
ثمة فريق من المحللين المعاصرين ذهب إلى اتخاذ هذا الحدث كبداية لمرحلة جديدة. بينما ذهب فريق آخر إلى اعتباره مجرد إعلان لاحق عن حقبة يؤرخ لها بنهاية الحرب الباردة، وسقوط سور برلين، وتحلل المعسكر الاشتراكي، وانفراط عقد الاتحاد السوفيتي السابق، والانفراد القطبي الأمريكي بالهيمنة العالمية، وتدشين نظام دولي جديد عرفته الأدبيات بعصر “العولمة”. وأعطاه مفكرو الغرب تسميات ولافتات وعناوين باتت بمثابة الشعارات أو العلامات المميزة ونقصد تحديدًا أطروحة صراع الحضارات لصمويل هانتجتون.
فمنذ ذلك الحين، أصبح على المسلمين من شتى الدوائر والأوساط رسمية وغير رسمية –مسئولين وأكاديميين- الذين وجدوا أنفسهم في موضع الاتهام والاستهداف والاستعداء ومن ثم فرض عليهم الوقوف في موقف “الدفاع”، وكانت تلك هي لحظة البداية الحقيقية. ولم يشكل حدث 11 سبتمبر سوى دليل جديد وقرينة دامغة للاتهام المعد سلفًا، مما رفع من نبرة التشنج، والتشبث لدى الطرف المسلم بصوته “الدفاعي”، وزاد عليه نغمة “الاعتذار”.
إن أهم ما يميز عملية العولمة تلك الازدواجية التي أضفت عليها دائما صفة العملة ذات الوجهين، أو السيف ذي الحدين، وهو ما يدفع المرء إلى تبني رؤية أكثر توازنًا إزاء دواعي التفاؤل ونذر التشاؤم. فهي تحمل فرصًا قابلة للتوظيف والاستثمار، كما تفرض قيودًا وتنطوي على تحديات تستلزم التصدي والمواجهة. وفي الحالتين، رصد أحوال الأمة الإسلامية في سياق العولمة بتجلياتها المتعددة والمتداخلة (اقتصاديًّا – وسياسيًّا – وثقافيًّا وتكنولوجيًّا – ومعلوماتيًّا -…إلخ)، ينم عن “الصعود”، و”الكثافة”، الواضحة في خطوط الاتصال وتقاطع دوائرها معًا لتشكل شبكات متعددة للتفاعل. وباختصار، تغدو مسألة الفصل بين ما هو داخلي وما هو خارجي شبه مستعصية، بل وغير واقعية بالمرة.

خلاصة التقرير:

يكفي الوقوف على القليل من الأحداث التي شهدها عام 2008، أو تصفح بعض الملفات التي سلط عليها الضوء على سبيل المثال وليس الحصر؛ لإدراك مدى التشابك والتداخل والتقاطع البيِّن والمؤكد، بين كل مما يلي..
أجهزة الدولة والمؤسسات الحكومية الرسمية وسياساتها المنتهجة وتنظيماتها الإقليمية وأطرها التكاملية والتعاونية التي تراوحت بين النجاح والإخفاق، والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والجمعيات والمؤسسات والأطر غير الرسمية، وما تتبناه من أجندات، تتخطى حدود الدولة القومية، وبما يشكل إرهاصات لكيان جديد في طور التشكل يمكن أن نطلق عليه اسم “مجتمع مدني عربي أو إسلامي عبر قومي”، وهو أيضًا بدوره يتأرجح في أنشطته وتفاعلاته بين أقصى درجات الإيجابية من زاوية المبادرة والنضج والاستقلالية، وأقصى درجات السلبية من زاوية الخمول والتبعية وعدم تجاوز مواقف هي في مجملها ردود الأفعال. الإشكالية الأبرز هي أن القوة أو الهزال لدى أي من الطرفين تغذي الطرف الآخر. ومن الصعب على الباحث أن يقطع أو يجزم بنقطة بداية فاصلة ومحددة لهذه العلاقة الجدلية الأشبه بالدائرة الجهنمية والسلسلة المتواصلة الحلقات.
وهنا، يفرض ملف الإصلاح والديموقراطية وحقوق الإنسان نفسه عنوانًا جامعًا شاملاً في توصيف هذه العلاقة بين الدولة والمجتمع في العالم العربي والإسلامي بصفة عامة. وفي تحديد سبل تصحيح المسار بصفة أخص. فتأمُّل متوالية الأحداث في أبعادها وميادينها المختلفة، يضع ظلاًّ أحمر على البعد السياسي بوصفه المحدد الرئيس والعامل التفسيري الأثقل وزنًا. التداخل والتشابك والاختلاط هو أدق توصيف للداخل والخارج في أحوال الأمة. فملف الديموقراطية وحقوق الإنسان لم يعد محورًا للتفاعل الداخلي المحض بين السلطة والمعارضة، بل هو يقع في صلب العلاقات الخارجية وتفاعلات الدول محل الرصد مع سياقها البيئي المحيط على الصعيدين الإقليمي والدولي.
الملمح الأبرز والذي يكاد يشكل اتجاهًا عامًّا في أغلب البلدان العربية (الجمهورية) محل الرصد في هذا التقرير هو ذلك التواكب الغريب بين حزمة يتم تبنيها وإدخالها من الإصلاحات التشريعية والترتيبات المؤسسية التي تعيد هيكلة وصياغة النظام السياسي ظاهريًّا أو خارجيًّا فقط وتنحصر في تعديل بعض القشور وتغيير الواجهة، ولكنها تمهد في جوهرها الحقيقي لتكريس النظام بنفس ملامحه وركائزه ومقوماته، فضلاً عن ضمان استدامته عبر آلية التوريث. فبخلاف الحالة السورية السابقة، والحالة المصرية المثارة بقوة يكاد نفس المشهد يتكرر حرفيًّا في ليبيا، والجزائر، وتونس. وأخطر ما في الأمر، أنه يعتبر العامل الخارجي عنصرًا فاعلاً في ترجيح هذا السيناريو ويراهن عليه بوصفه سندًا وداعمًا (وكأنه مصدر لإضفاء الشرعية) بات ذا ثقل يفوق السعي للحصول على الرضا الشعبي، أو كسب موقف مجتمعي مؤيد لنفس السيناريو في الداخل.
اللافت، ومما يدعو للأسى هو سيادة منطق الاستعانة والاستقواء بالخارج لأغراض متناقضة لدى كل من الطرفين: فالطرف الحكومي يسعى لتكريس الوضع القائم وديمومته، عبر التوريث، والطرف المعارض يسعى للتغيير وإفشال سيناريو التوريث، ولكن كلاهما على السواء يلجأ للخارج أكثر من الداخل للحصول على الدعم والمساعدة في بلوغ مقاصده. ويعتبر لجوء الخصم لنفس الأسلوب أساسًا لتوجيه شتى الاتهامات له والتي تتراوح بين الضلوع في مؤامرات العمالة والخيانة وتشويه الصورة والإساءة لسمعة البلاد، والتورط في تنفيذ وخدمة أجندة أجنبية مغرضة، وبين التشكيك في الوطنية والانتماء.
وتتعاظم خطورة الوضع بالنظر لحقيقة أن الطرفين يمثلان رموزًا (للسلطة أو المعارضة) بارزة على المسرح السياسي، وأن إحاطة الشبهات بمسلك البعض إزاء الخارج والداخل هو مما يضرب في أسس الانتماء والوطنية لدى الأجيال الأحدث سنًّا من الشباب الذين يفتقدون القدوة لدى الجبهتين. وتغدو كافة مفردات الهوية لديهم محل التباس وغموض وارتباك.
بالتوازي مع هذا الملف، يبدو ملف الصراع العربي-الإسرائيلي وتعدد سيناريوهات الحل ما بين بديل يطرح مبادرة السلام العربية بوصفها الخيار الاستراتيجي الوحيد والدعوة إلى ربطها كشرط مسبق بالتطبيع من جهة، وبديل المقاومة الذي أكد عبر خطابه المعلن ومواقفه الصامدة (وبسالته المشهودة في غزة) على تعدد البدائل وتنوع الخيارات الإستراتيجية الممكنة…إلخ، وبين هذا وذاك برز نفس الاستقطاب على ساحات الرأي العام، وفي الشارع. وبات جزءًا لا يتجزأ من قضايا المواجهة التنافسية السياسية بين القوى الرسمية والحكومية من جانب، والقوى غير الرسمية، والفاعلين غير الحكوميين من جانب آخر.
نفس التداخل والتشابك يتجلى أيضًا على خط العلاقة الكلاسيكية التي تناولتها أدبيات التنمية بين الشمال والجنوب، وتحديدًا بين أوروبا والعالم العربي والإسلامي بالنسبة لما يمثله البحر المتوسط من دور حلقة الوصل أو جسر العبور.
أهمية رصد الأخبار المتعلقة بكل من تلك الملفات خلال فترة زمنية معينة، تكشف عن استدعائها لبعضها البعض كحزمة واحدة مترابطة، لا تقتصر في دلالاتها البالغة على تتبع الأحداث ورسم مسارات لتطورها، أو تقييم اتجاهاتها من ناحية الاحتدام أو الانحسار. ولكن الأخطر والأهم، هو مردودها وصداها على مسار “الحوار” الدائر بين الأنا أو النحن من ناحية، والآخر من ناحية أخرى، أي بين المسلمين من شتى المذاهب والطوائف وغير المسلمين، وهو حوار قائم منذ قرون كعملية تضرب بجذورها في أعماق التاريخ. ولكنها أيضًا تعد في نسختها الأحدث أطروحة معاصرة يجري العمل على صياغتها واستخدامها وطرحها كبديل في المواجهة مع دعوات التصادم والتصارع وحملات الهجوم والعداء الاستفزازية التي شنها “الآخر”، والقادمة عموما من الغرب.
تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، وتجنب الالتفاف عليها، مراعاة للحساسية والحرج تعد إشكالية خطيرة تواجه أي عمل رصدي لما يجري في العالم العربي والإسلامي، ولما يجري معه من تفاعلات، والأهم لما يحدث في داخله وفيما بين أطرافه من محاولات للتقارب، في سبيل بلورة رؤية مشتركة للأهداف المنشودة لصالح الأمة، والأخطار المحدقة بالإسلام والمسلمين، ثم وضع قائمة بترتيب الأولويات ومسارات التحرك وآليات الفعل ورد الفعل…إلخ.
فإذا كان الوهن هو التشخيص الذي توصل إليه، واضعو التقارير الثلاثة، وإذا كان تبني الموقف الدفاعي وعدم تجاوز مربع رد الفعل إلى الفعل، هو المؤشر الأبرز على صحة هذا التشخيص واقترابه من الحقيقة الموضوعية القائمة والمجسدة على الأرض، فإن استمرار وتكرس حالة التشتت والتمزق المهيمنة على المشهد الإسلامي في كافة الميادين وعلى شتى المناحي والمستويات وعلى مختلف الأصعدة هي -من وجهة نظر الباحثة- بيت القصيد والمتغير الحاسم المتسبب في إفراز واقع مؤلم زاخر بعناصر التخبط ومعالم التشوه والارتباك، وأخطر ما يتهدده ما يمكن أن نطلق عليه “إعاقة الهوية” أو “ضياع الهوية”.
وحتى لا تبدو الصورة قاتمة بلا بارقة أمل أو بصيص نور، يمكن للعدسة التقاط بعض المشاهد هنا أو هناك، تفيد بأن “التحديات” التي يجابهها الإسلام والمسلمون، والتي ينبع أكثرها من إخفاقات الداخل أو من المحور البيني المتأزم، وليس بالضرورة من الخارج، قد تتحول مع مرور الوقت، إلى محفزات لاستجابات شبابية تتسلم الراية أو حتى تنتزعها بشكل أو آخر لتنهض بأحوال الأمة، وترفع من شأنها.
فموجة الغلاء التي أصابت السلع الغذائية الأساسية في الصميم، كان لها الفضل في موجة موازية من الاحتجاجات الشعبية الواسعة أخرجت عامة الناس من المواطنين العاديين لأول مرة وبشكل غير مسبوق عن صمتهم المعتاد، وأنزلتهم إلى الشوارع والميادين تعبيرًا عن حالة من الغضب والغليان. فحركت المياه الراكدة، وولدت حركة مطلبية جماهيرية لم يسبق لها مثيل. ولا نبالغ كثيرًا إذا وضعنا رهاننا أيضًا في هذا المضمار على حركة “التدوين”، وتأسيس الشبكات التخيلية على صفحات الإنترنت ودور الفيس بوك. فالمعلوماتية والمعرفة هي سلاح العصر، المتاح أمام الجميع للاقتناء، وللتمكين المتبادل بلا سقف للحريات، وبدون أية محاذير رقابية.
“الحوار” المفتوح والدائر في الآونة الأخيرة عبر شبكة الإنترنت والذي يعنينا بالأساس ليس ذلك القائم بين الأنا (المفترض وجودها ككيان) والآخر. ولكن يسبقه في الأهمية، ويأتي في الصدارة ذلك الذي يتم في حدود الداخل والبينيات أي بغرض إعادة بناء العلاقة بين روافد الأمة وبعضها البعض. وبحيث يتم من خلال الحوار الداخلي تجسير الفجوات وتجاوز الخلافات القائمة بين أطراف العالم الإسلامي من أجل بلورة أرضية مشتركة للتفاهم والتوافق حول “الهوية”، التي يجسدها مصطلح “أنا” أو”نحن”، ويعبر عنها بمفهوم الأمة.
ليس معنى ذلك أننا ندعو إلى إنجاز الحوار الداخلي أولاً، وانتظار نجاحه باعتباره خطوة ضرورية وشرطًا مسبقًا، لابد أن يتحقق، ويؤتي ثماره قبل الدخول في حوار مع الخارج. فلا مانع من أن يتواكب الحوار على كافة المسارات في وقت واحد، دون ترتيب أو أسبقية لأي منها. والأهم هو تجنب الوقوع في فخ ما يعرف بـ “حوار الطرشان” الذي ينخرط فيه كل طرف من الأطراف لإبداء وجهة نظره الشخصية، دون توفر ركن النية الصادقة أو الاستعداد الكافي للاستماع إلى وجهة نظر أخرى، ومن ثم يتم تفريغ الحوار من جدواه ومحتواه المفترض فيه ممارسة “التبادل”، و”التلاقح”، والبحث عن مساحات للالتقاء، وبلورة “المشترك”. وذلك لسببين:
· أولهما- ما ذكرناه من قبل حول اختفاء الحدود الفاصلة بين الداخل والخارج في ظل واقع يعرف تنامي مظاهر التداخل والامتزاج بينهما، ومن ثم فليس من المنطقي أن يطالب الباحث برسم خطوط وهمية، ناهيك عن افتراض أنها حواجز حقيقية ذات طبيعة قاطعة أو جازمة (لا تحتمل الاختراق).
· وثانيهما، أنه كثيرًا ما يكون الاقتراب من الآخر، والاطلاع على أوجه الاختلاف التي تميزه، هو مفتاح التعرف على الذات، ورؤيتها على حقيقتها بجلاء وبصورة أوضح. ومن ثم فما قصدناه ليس تأجيل الحوار مع الآخر، ريثما يتم إنجازه في الداخل أولاً، فقد يغذي كل من المسارين الآخر، إذا ما توازيا جنبًا إلى جنب وتزامنًا في آن واحد.
ويبقى السؤال الحاسم حول آفاق تطور الشبكات الاتصالية المتنامية (بشكل عفوي وتلقائي)، وسبل التنسيق والتربيط بينها لتحويلها إلى آليات منظمة قابلة للمأسسة، والاستدامة، والتفعيل، ومن ثم التأثير.
وعلى سبيل الإجمال، يمكن للمتابع لمسيرة الأحداث التي شهدها عام 2008 محل الرصد في هذا التقرير أن يحدد بعض ملامح الاستمرار والامتداد لملفات بعينها بحيث يشكل هذا العام تراكمًا إضافيًّا على ما سبقه من تطورات في نفس المسار والاتجاه، وربما أيضًا بنفس المضمون والمحتوى والدلالات. ولكن ملمح الاستمرارية الغالب على ملفات حيوية تتعلق بأحوال الأمة وتفيد بأنها تعيش في نفس المرحلة الزمنية وتحمل ذات العنوان، لا يجافي أو ينفي بعض نقاط التحول أو نذر التغيير التي يحملها المشهد نفسه، إذا ما انتقل المرء لتحليله من زاوية أخرى بشرط أن يحرر نفسه من أسر اللحظة المرحلية الراهنة، ويقفز فوق حواجز الواقع بوطأتها الثقيلة، ليستشرف آفاقًًا أخرى لا تخلو من عناصر تغييرية لها اعتبارها.
فحالة التعقب وتضييق الخناق التي يتعرض لها المسلمون بصفتهم المجتمعية في بلدان المهجر، كما يواجهها ربما أحيانًا بشراسة أكبر التيار الإسلامي بروافده المختلفة، وتدرجات ألوانه المتعددة، بوصفه فاعلاً سياسيًّا بارزًا يطرح مشروع بديل ويشكل مصدر التحدي الرئيس والمنافس الحقيقي، إن لم يكن هو الوحيد، للأنظمة الحاكمة في أغلب البلدان العربية التي تتأرجح هي ذاتها بين شعاري الدولة المدنية، واحترام وإعلاء الشريعة كركيزة للحكم وسند للشرعية في الداخل، وحجة وذريعة تسوقها تلك الأنظمة للاعتذار عن عدم وفائها باستحقاقات الديموقراطية وتداول السلطة كنتاج طبيعي للتعددية، بل وتورطها في سجل من الانتهاكات السافرة والاعتداءات المنتظمة ضد شتى صنوف الحريات والتقييد والقمع لحقوق الإنسان أمام الخارج بشقيه الرسمي وغير الرسمي.
المفارقة اللافتة في هذا الشأن هي حدوث ما يشبه التحالف الضمني بين جبهتي الداخل والخارج في التصدي لكل ما هو ذي صبغة إسلامية أصولية أو سياسية تحت شعار المرحلة الأثير: الحرب على الإرهاب على الصعيد الدولي. يكفي للتدليل على هذا أن نسوق حالة واحدة على سبيل المثال لا الحصر فموقف الدولة المصرية من حركة حماس الفلسطينية، بعد فوزها في انتخابات 2005، ثم بعد انفرادها بقطاع غزة على الحدود المصرية، يصعب على المرء استيعابه أو فهم أبعاده الحقيقية، إذا لم يتم تسكينه في إطار المواجهة الداخلية المحتدمة للدولة وحزبها الوطني الحاكم مع التيار الإسلامي عمومًا، ومع جماعة الإخوان المسلمين على وجه الخصوص. وهي اتخذت في تطورها عبر سلسلة طويلة منحى اقترب بها في حلقتها الأخيرة من دائرة الصراع السياسي على السلطة.
ولما كانت الدولة المصرية قد انتهجت أسلوب المعالجة الأمنية لهذا الملف، مع ما ينطوي عليه هذا من اختزال وتنقيص للقضية الداخلية، وسوء فهم أو خطأ جسيم في إدراك البدائل المتاحة، أفضى إلى تفضيل واختيار يبدو الأسهل تطبيقًا، ولكنه بكل المقاييس الأسوأ مضمونًا ومردودًا. فقد انعكس ذلك بالمثل وجرى تعميمه، دون وجه حق، أيضًا على الخيار المنتهج في التعاطي مع حماس عبر هذا المنظور الأمني الضيق، وهو ما دفع الجميع ثمنه فادحًا وتجلت عواقبه الوخيمة إبان الحرب العدوانية على غزة التي أبت إسرائيل إلا أن تختتم بها سلسلة من الاعتقالات والمداهمات ناهيك عن الحصار الخانق والمتواصل وتضع بها كلمة النهاية في عام 2008.
مما يستدعي طرح التساؤل حول أسباب عدم نجاح الطرف الآخر المستهدف من هذا التحالف في بناء شبكة تحالفية مضادة تربط بين روافده وجماعاته في الداخل (العربي) والخارج (المهجر الأوروبي-الأمريكي) وتتجاوز عما يشوبه من خلافات وانقسامات، كمرحلة أولى، فلازالت الخريطة زاخرة بتنوعات وانشقاقات داخل قوى الإسلام السياسي، بمختلف ألوان الطيف وهو الوتر الذي تعزف عليه القوى صاحبة المصلحة في عدم توحد هذا الكيان سعيًا لتكريس أوجه الخلاف وتعميق الاختلافات.
ثم الانتقال إلى توسيع تلك الشبكة كمرحلة ثانية لتشمل المؤيدين والمناصرين من غير المسلمين وهم موجودين بالفعل وسبق أن سجلوا مواقف شريفة وناصعة في الدفاع عن حقوق المسلمين أو مناصرة النشطاء الإسلاميين وتأييد قضاياهم من منطلق حقوقي وعلى أساس مبدأي بحت.
الغريب أن واقع الاستقطاب بين السلطة ونموذجها الحاكم من جانب، والبديل الإسلامي من جانب آخر لم يحث القوى الممثلة لهذا القطب الأخير على توحيد صفوفها، بل يؤخذ على أدائها أنها هي التي منحت الفرصة بأيديها للنظم القائمة في السلطة لكي تمارس عليها أسلوبها الشهير “فرِّق تسد” لشق الصف، وتوسيع التصدعات بينها، بمستويات عالية من النجاح.
ناهيك عن وجود مشكلة واضحة ينبغي الاعتراف بها لدى هذا الطرف تعوقه عن التواصل مع الرموز المتعاطفة، ودعمها في مواجهة ما تتعرض له هي ذاتها من ضغوط شديدة في داخل مجتمعاتها الغربية، بيد أنها لا تجد من يساندها أو يخرجها من حالة العزلة التي تفرض عليها قسرًا على نحو ما حدث مع روجيه جارودي ووصف بالاغتيال المعنوي له تحت سمع وبصر العالم العربي والإسلامي الذي وقف متفرجًا ولم يحرك ساكنا لمساندة الرجل والدفاع عنه. وبالطبع أخفق المسلمون والإسلاميون على السواء في استخدام هذه الورقة رغم أنها هي ذاتها التي يجيد الآخرون استخدامها وتحريكها في الاتجاه العكسي لمضاعفة حالة الوهن، ووأد أي مظاهر للقوة تبرز في أوساط الأمة، وحسن توظيفها كرؤوس جسور في توصيل الرسالة الصحيحة حول حقيقة ما يريده المسلمون، لأنفسهم وللعالم، وللبشرية والتصدي لحملات التشهير، وأعمال الاستعداء التي تجسد هجمة دولية شرسة على الأمة الإسلامية تأتيها من كل حدب وصوب.
وإذا كان عام 2008 قد استهل تحت لافتة “العولمة” كعنوان رئيسي لتوصيف المرحلة، فقد شارف نهايته مع أزمة عالمية مالية طاحنة وضعت كثيرًا من علامات الاستفهام على مستقبل العالم وألقت بظلال كثيفة على فرص العولمة كعملية ديناميكية مستمرة وآخذة في التطور بوتائر متسارعة في الاحتفاظ بنفس معدلاتها والمضي قدمًا في ذات المسارات التي سلكتها منذ مقدماتها الأولى. فقد لاحت في الأفق بوادر تنذر بامتداد تداعيات الأزمة واتساع آثارها من انهيار حاد في البورصات إلى المساس بجوهر الاقتصاد الحقيقي وهو ما وصفته تقديرات الخبراء بأن العالم قد يكون مقبلاً على كارثة إنسانية محققة. وفي وسط هذا الزخم من الهواجس ودواعي الخوف والقلق إزاء المستقبل الذي بات يكتنفه الغموض تضاعفت قوة الضربات التي تلقتها فلسفة العولمة في الصميم، وغدونا نسمع من أبرز دعاتها ومروجيها دعوة مضادة للتوقف من أجل إخضاعها للمراجعة، وإعادة الحسابات والنظر بشأن حزم متكاملة ومترابطة من الأفكار والسياسات والخبرات التي كانت حتى وقت قريب بمثابة مسلمات غير قابلة للنقاش أو التعقيب.
من المفارقات اللافتة مثلاً أن تشهد بلادنا موجة عارمة من المظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي انخرط فيها رجل الشارع العادي واستعاد صوته عاليًا في طرح مطالب قد تبدو ذات مضامين اقتصادية واجتماعية غالبة لكنها بحسب ما يستشرفه كثير من المراقبين ستؤول إن آجلاً أو عاجلاً إلى اكتساب صياغات سياسية بعد فترة طويلة من العزوف والإحجام والانسحاب، وإيثار الأغلبية لموقف المشاهدة واللاتعليق والصمت، تلك الموجة الغاضبة (التي شملت مساحات جديدة واسعة فضمت تحت مظلتها موظفي الضرائب العقارية والعمال والطلاب وفلول الطبقة الوسطى من محامين ومدرسين وأساتذة جامعات ناهيك عن شباب المدونين والفيس بوك ونقلتهم من دائرة اللافعل واللاتأثير (المفعول به) إلى دائرة الفعل المؤثر…إلخ) سبقت في بدايات اندلاعها الأزمة العالمية التي تفجرت كحدث مع نهاية عام 2008، ولكن مقدمات عدة مهدت لهذا الانفجار، لم يكن من الصعب على المراقب الدقيق التقاطها في بلداننا العربية والإسلامية. وهو ما قد ينطبق عليه القول المأثور “رُب ضرة نافعة”. فالاختبار بقدر قسوته وما يحمله من عناصر المفاجأة، قد يشكل من زاوية مختلفة للنظر مخرجًا محتملاً وفرصة تاريخية غير مسبوقة وغير متكررة.
تلك الهزة العنيفة التي يمر بها العالم بأسره لا تستثني منها أي من بلداننا العربية والإسلامية، فهي ستطال الجميع دون أدنى شك. والسؤال الذي تفرضه متطلبات المرحلة هو عما إذا كنا قد أعددنا العدة كأمة يجمعها مصير مشترك للمرور بسلام من تلك الأزمة، مع تقليل حجم الفاتورة الباهظة من الخسائر والتراجعات والإخفاقات المتوقعة حتى في ظل أشد السيناريوهات تفاؤلاً. السؤال الملح يدور بالتبعية حول طبيعة الأسلحة التي يتعين على الأمة التزود بها وتسليح أجيالها القادمة منها؟ وسبل المقاومة وأدواتها؟ ومن أين نبدأ؟ ومن يتولى زمام القيادة ويوجه الدفة؟ وهل يكمن الحل في فقه الأولويات؟، أم تجديد الخطاب؟ أم إحياء الموروث برمته؟ أم نقده وغربلته من أجل تنقيته وإعادة فرزه؟ وهل يشكل الداخل نقطة الانطلاق والبداية أم يكمن مفتاح السر دوما في يد الخارج؟
السحب من الرصيد والسحب على المكشوف هو أخطر ما قد ينتهي به الوضع إذا لم تتوصل الأمة لإجابات حاسمة وشافية لمحاور الالتباس والتساؤلات السابقة، فالأمة ككل ليست فقيرة لا بالمعنى المطلق ولا بالمعنى النسبي، بيد أنه لا يجوز غض الطرف عن بؤر، وفجوات للفقر توشك على اتساع رقعتها، إذا لم تسارع لسدها بؤر الثراء الفاحش والتي انخرطت منذ بدء أول طفرة نفطية في مسلك تبديدي يهدر الموارد ويوزع المقدرات الثمينة لأمة المسلمين يمينًا ويسارًا، ودون عائد أو جدوى. ويكاد يسلم مصدر القوة الرئيس (وشبه الوحيد) المتوفر لها في هذه الحقبة الزمنية شديدة الحرج والدقة من تاريخها ويضعه بيده في قبضة أعدائها، لإعادة استخدامه ضدها (تركز أرصدة البترودولارات وكثافة الاستثمارات العربية في البنوك والبلاد الغربية-مشتروات الأسلحة حيث يكون مصيرها التكدس في المخازن لسنوات طوال دون استعمال-إنفاق مبالغ طائلة على الفضائيات الترفيهية التي تضرب في ركائز الهوية العربية ومقوماتها الأخلاقية والدينية، وتبؤ في أحسن أحوالها، إما بإثارة الفتن وافتعال الأزمات وتعميق الشقة بين بني العرب، أو تسطيح الأذهان، وتحطيم رموز القدوة في أعين الأجيال الشابة، مما يلقي بها (وهي رصيد للغنى ومصدر للثروة) لفضاء واسع من التيه والتخبط فقدان البوصلة وضياع الانتماء… وهذا جزء من كل).
وهو مسلك ونهج لا يستقيم مع أي منطق (سوى منطق الجزر المنعزلة) بل هو أقرب للسفيه الفاقد الأهلية، مما يستوجب تحرك العقلاء والراشدين للحجر عليه حفاظًا على ما تبقى وإنقاذًا للسفينة قبل الغرق.
وهل ثمة من يتلمس طوقًا للنجاة أو نقطة نور في نهاية هذا النفق المظلم؟ وهل الفشل الغالب على طرق تعاطينا مع العولمة سيستمر أيضا في مواجهة مرحلة أخرى جديدة يتراجع فيها العالم بأسره عن كثير من مقولات العولمة الرائجة ويوجه لها سهام النقد ومعاول الهدم؟ أم أن أمة الإسلام سيكون عليها استثمار الفرصة السانحة والتي أتت إليها على طبق من فضة، وفي توقيت مفصلي لتختار لنفسها وللعالم معها مآلاً آخر أفضل، يليق بمكانتها التاريخية وبثقل مساهمتها الإنسانية والحضارية عبر مراحل تطور البشرية، فتنجو بنفسها وتنجو بالجميع؟
*****

* جرى عمليًّا أثناء تنفيذ هذا الملف عن الأجنحة الرئيسة في المنطقة العربية ضم قضية الأقليات إلى إشراف نفس الملف؛ مما أدى إلى تضمين دلالات من هذه القضية في هذه المقدمة. لكن اعتبارات التقسيم الموضوعي اقتضت وضع تقرير الأقليات في موضعه الحالي من الحولية (التحرير).

نشر في حولية أمتي في العالم، عدد 2009

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى