المغرب العربي 2008: سياسات الداخل والخارج

مقدمة:

منذ بداية عام 2008 توالت العديد من الأحداث الداخلية والإقليمية والعالمية، وجاءت بعض هذه الأحداث امتدادًا للأعوام السابقة، كما أتت في بعض جوانبها معبرة عن درجة عالية من الديناميكية والحركة التي حفل بها المسرح السياسي على مستوياته المختلفة في منطقة المغرب العربي.
من هنا، يأتي هذا التقرير راصدًا لهذه الحالة السياسية التفاعلية مستخلصًا لرؤية تحليلية عمّا تقدمه مسيرة الأحداث في تتابعها من معانٍ ودلالات. وبداية تجدر الإشارة إلى عدد من النقاط المنهجية التي قد يكون من المفيد تحديدها هنا قبل الخوض في رصد أحداث العام:
يسترشد التقرير في إعداده بالرؤية النظمية في التحليل، حيث سيتم التعامل مع النظام السياسي كوحدة للتحليل، ويتم رصد تفاعلات البيئة الداخلية له، وكذلك تفاعلاته مع البيئة الإقليمية، وبيئته العالمية، حيث طبيعة الأحداث التي تم رصدها هي التي تفرض هذا المنهج، لاسيما أن الإطار العام لحولية “أمتي في العالم” يريد الوقوف على الحالة الإسلامية، وبالتالي فإن الرصد النظمي يكون مفيدًا للغاية للوقوف على مدى كثافة التفاعلات بين وحدات التحليل، وكونها مكونة لنظام يتمتع بكثافة تفاعلية سلبية وإيجابية أعلى من الوحدات الأخرى المحيطة به “متوسطيًّا على سبيل المثال”. وهذه هي النقطة الثانية التي تم الاسترشاد بها في هذا التقرير: “مدى تأثير هذا التفاعل على الحالة الإسلامية”.
لقد سيطرت ملفات بعينها على مستويات التحليل سابقة الذكر، وتقاطعت بين مختلف الدول، ولم يُستثنَ من هذه الملفات بالزيادة أو النقص، إلا نادرًا.
فعلى المستوى الداخلي، نجد ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان كان هو الغالب، أما على المستوى الإقليمي، فنجد أن ملف التعاون المغاربي يواجه تحدياتٍ شتى سواء على مستوى التفاعل الثنائي بين هذه الدول بعضها البعض، أو من جانب أطر تفاعلية إقليمية أخرى تجتذب وحدات هذا النظام الإقليمي مثل المشروع المتوسطي، أو الإطار الأفريقي عن الإطار العربي والإسلامي، ناهيك عن خصوصية الإقليم التي تحفظ له شخصية منفصلة كإقليم فرعي.
أما على الصعيد العالمي، فقد سيطر عليه التأثر بالأزمات العالمية: أزمة الغذاء، ثم الأزمة الاقتصادية العالمية التي انعكست على الاستقرار الداخلي لهذه النظم، والعلاقات مع القوى الاستعمارية القديمة “فرنسا وأسبانيا”، والعلاقة مع القوة القطبية المسيطرة في النظام الدولي: الولايات المتحدة.
لقد كان المغرب العربي مسرحًا للعديد من التفاعلات الدولية والإقليمية التي امتدت إليه، فقد امتد إليه الاستقطاب بين قوى الممانعة وقوى ما يوصف بالاعتدال في الشرق الأوسط؛ حيث كان أبرز طرفين هما الجزائر التي وطدت علاقاتها مع إيران، والمغرب التي تعبر عن مخاوفها بشكل مستمر من المد الشيعي في المغرب العربي، فاتجهت لمزيد من توطيد العلاقات مع مصر، وإن كان هذا الوضع لم يؤثر سلبًا على علاقة الجزائر بمصر، أو المغرب بإيران.
أما خصوصية خبرة التغطية الإخبارية لهذه المنطقة الجغرافية، فتكشف للباحث عن صعوبة رصد الأخبار وعدم سيولة المعلومات الصادرة عن المنطقة ككل؛ ويرجع ذلك ربما لتجاورها مع مناطق جغرافية شديدة السخونة مثل المشرق العربي وجنوب أوروبا، ناهيك عن الطبيعة غير الديمقراطية السائدة في معظم هذه النظم، مما يجعل رصد بعض الأحداث المحلية ذات الدلالة أمرًا ليس باليسير، ويحتاج للرجوع إلى مواقع ومصادر شديدة الإغراق في المحلية، وليست كلها على ذات المستوى المهني؛ مما يفسر تنوع المصادر بحثًا عن الحادثة الواحدة ذاتها.
يرصد التقرير الحالة السياسية في المغرب العربي خلال عام 2008، ولكن كون هذه الأحداث امتدادًا لماضٍ قد يضرب بجذوره في عدة عقود سابقة، بالتالي سيكون من المفيد العودة لخلفيات بعضها بالتأكيد. وأخيرًا فإن التقرير كما سبق القول سيعتمد على النظام السياسي كوحدة للتحليل، وبداخلها يتم رصد وتحليل الأحداث على المستويات الثلاثة سابقة الذكر (الداخلية والإقليمية والعالمية)، وفي النهاية سيتم استخلاص عدة خلاصات عامة خاصة بمنطقة المغرب العربي.

أولًا- الجماهيرية الليبية

· المستوى الداخلي:

على عكس الدول المجاورة تفرَّد النظام الليبي بعدم انعكاس زيادة أسعار الغذاء والطاقة في شكل اضطرابات سياسية داخلية، ويعود ذلك لكون ليبيا إحدى الدول الغنية المصدّرة للبترول والمستفيدة من ارتفاع أسعار النفط. وعمومًا، يمكن رصد أربعة أحداث عامة كانت هي الأهم والأبرز على صعيد المجال الداخلي وهي: قضية احتجاز “هانيبال” ابن القذافي في سويسرا، ومبادرة سيف الإسلام الابن الثاني للقذافي للمصالحة الوطنية مع المعارضة بالخارج على النسق الجزائري والذي قوبل بترحيب من جماعة الإخوان المسلمين، ثم اتخاذ العقيد القذافي قرارًا يوصف بالتاريخي ضمن سلسلة قرارات للانفتاح على القوى السياسية والاجتماعية بتوزيع عائدات النفط على الشعب مباشرة، وأخيرًا أحداث الكفرة التي جذبت الانتباه داخل ليبيا.
بالنسبة إلى الحادثة الأولى، قد يتضح للمتابع أنه أمر عادي بالنسبة للقادة والحكام العرب أن يتعاملوا مع أي شيء يمس عائلتهم وسلامتهم بمنتهى الحزم والشدة، ولا يتوانون عن استخدام صالح الدولة من أجل حماية أسرهم. فأثناء زيارة الابن هانيبال إلى سويسرا في الخامس من يوليو هذا العام مع زوجته لتضع حملها في إحدى المستشفيات، قاما بالاعتداء على خدمهم بالضرب والإهانة وتم إيقافهما من جانب السلطات السويسرية، وقضى هانيبال ليلتين محتجزًا في السجن، وتم إخلاء سبيلهما بكفالة نصف مليون فرنك سويسري.
وقامت السلطات الليبية بردّ فعل ثأري تجاه السلطات السويسرية من خلال اتخاذ عدد من الإجراءات: تشمل تقليص عدد الرحلات الجوية، ووقف تسليم تأشيرات الدخول، وسحب القائم بالأعمال في برن، وغلق مكاتب شركتي آي بي بي ونسالي في طرابلس، وأخيرًا وقف تصدير البترول الليبي، ثم أوقفت شخصين سويسريين احترازيًّا بتهم تتعلق بعدم احترام قوانين الإقامة والهجرة. وبعد ذلك قامت وزيرة الخارجية السويسرية باتصال مع نظيرها الليبي، وتم إرسال وفد دبلوماسي سويسري وعاد دون أن يتضح نجاح مهمته من فشلها، وظلت الأمور متوترة إلى أن انفرجت الأزمة بالاتصال بين رئيس الاتحاد الكونفدرالي السويسري والعقيد القذافي[1].
وتبرز الحادثة السابقة مدى شخصنة النظام الليبي الذي يحدد علاقته مع الدول الأخرى بناءً على موقف معين متخذ تجاه أحد أبناء الرئيس، ويأتي هذا الحادث في إطار سلسلة طويلة من التصرفات غير المسئولة لابن العقيد.
أما الحدث الثاني فهو المبادرة التي أطلقها ابن الزعيم القذافي الثاني “سيف الإسلام” بموافقة والده، للمصالحة الوطنية مع قوى المعارضة المقيمة بالخارج على النسق الجزائري، وتشمل إجراء اتصالات مع كل النشطاء السياسيين المعارضين لسياسات القذافي في الخارج من دون استثناء؛ بمناسبة حلول الذكرى الـ 39 لتولى القذافي السلطة في سبتمبر عام 1969 عقب الإطاحة بنظام حكم الملك إدريس السنوسي. وكان سيف الإسلام من خلال مؤسسته الخيرية وواجهة نشاطه السياسي “القذافي للتنمية” قد نجح أخيرًا في عقد مصالحات مع جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، أدت إلى الإفراج عن معظم عناصر الجماعتين المعتقلة في السجون الليبية.
ودعت القيادة الشعبية الاجتماعية في ليبيا، التي تعتبر أعلى هيئة اجتماعية في النظام، الليبيين المقيمين في الخارج إلى «التلاحم والتعاون لتنفيذ وإنجاز الخطة الطموحة من أجل بناء ليبيا الغد». وكان القذافي قد أعلن قبل نحو ثماني سنوات تشكيل لجنة رسمية عليا تتولى تسهيل عودة الليبيين المقيمين بالخارج وتقديم المساعدة لهم. يشار إلى أن مؤسسة القذافي للتنمية قادت أخيرًا عملية مصالحة بين السلطات الليبية وعدد كبير من معارضيها في الخارج فيما أعادت ليبيا بعض الممتلكات المصادرة لمعارضين مناوئين لها عادوا بالفعل إلى البلاد.
لكن العديد من منظمات حقوق الإنسان الليبية والدولية تنتقد في الوقت نفسه استمرار ليبيا في ملاحقة بعض النشطاء السياسيين واعتقالهم على نحو ما تعرض له فتحي الجهمي المعتقل منذ عام 2006 بتهمة توجيه انتقادات لاذعة للعقيد القذافي ووصفه بالديكتاتورية[2]. ودعا المسئول العام لجماعة الإخوان المسلمين بالجماهيرية الليبية النظام الحاكم في بلاده إلى عقد مصالحة وطنية عامة تشمل كل ألوان الطيف السياسي. كما طالب سليمان عبد القادر بضرورة الانفتاح على الشعب أُسوة بالخطوات التي سار فيها النظام مع روسيا وأوكرانيا مؤخرًا، وقبلها مع الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية[3].
أما الحدث الثالث، فجسّده تعهد الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي بتوزيع عائدات النفط مباشرة على الليبيين معلنًا أن بلاده ستلغي الإدارات انطلاقًا من بداية عام 2009. وقال القذافي في خطاب ألقاه في بنغازي أمام مؤتمر الشعب العام (البرلمان) أن على الليبيين أن يستعدوا ليتسلم كل واحد منهم نصيبه من عائدات النفط وذلك انطلاقًا من بداية العام المقبل. وقال في هذا الخطاب الذي ألقاه بمناسبة الذكرى الـ39 لثورة الفاتح من سبتمبر أنه باستثناء وزارات السيادة -الخارجية والدفاع والداخلية والعدل- فإنه سيتم إلغاء باقي الوزارات. وأضاف أن “الفساد مقرون بالإدارة في أي مكان بالعالم، والحل هو إنهاء الإدارة التي تتولى إنفاق الأموال، وتسلم الناس الأموال في أيديهم مباشرة وتدبير شئونهم بأنفسهم”.
وفي المقابل حذّر القذافي من أنه ستكون هناك حالات “فوضى” في العامين الأولين؛ مؤكدًا أن المجتمع سيتنظم تدريجيًّا ليتمكن في النهاية من إدارة أموره بنفسه، على حد قوله. وكان القذافي قد دعا في مارس/آذار الماضي إلى إلغاء وزاراتٍ منددًا بالفساد المتفشي فيها؛ موضحًا أن الدولة خصصت 37 مليار دولار سنويًّا لهذه الوزارات التي فشلت حسب قوله في القيام بمهامها[4].
وفي ذات الشأن، باشرت السلطات الليبية اتصالات ومساعيَ مكثفة لإقناع العديد من الليبيين، الذين يعتقد أنهم التحقوا بصفوف الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر، بتطليق العنف والعودة إلى الجماهيرية، مقابل استفادتهم من عفو قضائي يسقط كل أشكال المتابعات ضدهم[5].
وأخيرًا، شهدت ليبيا أحداث الكفرة التي كرس أساسها النظام الليبي عبر سنوات طويلة من الإهمال في هذه الناحية، حيث شجع العقيد القذافي خلال الحرب بين ليبيا وتشاد، على استقدام التبو من جبال تيبستي إلى ليبيا، وتحديدًا إلى الكفرة، حيث مُنحوا الجنسية الليبية، وكل التسهيلات الأخرى، كما تم تنظيمهم في فيلق عسكري؛ بدعوى أنهم ليبيون هاجروا أثناء الاحتلال الإيطالي لليبيا إلى تشاد، مثلهم مثل بعض بطون قبيلة الزوية، والمقارحة، وأولاد سليمان، والقذاذفة. ولكن القذافي بعد انتهاء الحرب مع تشاد أهملهم بالكامل، ومنذ منتصف التسعينيات أخذ السلطات تعاملهم على أنهم غير مواطنين، فحرموا من كافة الخدمات، وعاشوا في أحياء عشوائية بالقرب من أبناء قبيلة الزوية الذين زادت ثرواتهم بسبب الحرب التشادية، وأخيرًا بسبب الحرب في دارفور، ولهم أملاك في تشاد، وخاصة في فايا لارجو. وكانت السلطات قد قننت توزيع السلع التموينية والوقود في الكفرة بحجة أنها تهرب إلى تشاد والسودان.
كما قامت السلطات بعدة حملات من أجل ترحيل التبو إلى تشاد، والذين سرعان ما يعودون إلى البيوت العشوائية التي تركوها وراءهم في الكفرة، وفي كل مرة كان المسئولون في الكفرة يطالبون الدولة بعدة ملايين من الدينارات من أجل تغطية نفقات ترحيل التبو إلى تشاد، ويبدو أن السلطات اشتبهت في أن المبالغ تذهب إلى جيوب المسئولين، فتوقفت عن منحهم الأموال.
يذكر أن التبو عنصر أصيل في الخريطة السكانية في ليبيا، وعاشوا في تناغم مع بقية السكان، ومنهم من وصل إلى أعلى المناصب، ولكن تشجيع النظام على هجرة تبو تشاد إلى ليبيا ثم إهمالهم تسبب في أحداث الكفرة، وخاصة أن بين التبو من يدعي أن المنطقة من الكفرة، وحتى واحة جخرة في الشمال، هي أراضٍ تباوية محتلة من طرف قبيلة الزوية، وأن الاسم التباوي للكفرة وهو تازر، وأن واحة تازربو بناء على اسمها هي أرض تباوية[6].
رغم أننا نستطيع أن نرصد الاتجاه العام للانفتاح للنظام السياسي الليبي على قوى المعارضة والشعب، ومحاولاته لاكتساب أرضٍ من الشرعية. إلا أن هذا لا ينفي حقيقة أن هذه الإجراءات داخل الحدود المتعارف عليها، دون وجود دليل واضح على تغير فعلي في طبيعة النظام؛ مما يدفع البعض للحديث عن تمهيد أرضية التوريث في النظام الليبي، رغم نفي سيف الإسلام لهذه المعلومة أكثر من مرة.

· تطورات الأوضاع خارجيًّا:

أ) المستوى الإقليمي

تحاول ليبيا منذ فترة ليست وجيزة مزاولة النشاط الإقليمي في الدائرة الأفريقية تحديدًا، ويؤكد القذافي في سياسته الخارجية على ضرورة الإسراع في خطوات التكامل الأفريقي للحاق بالتكامل الأوروبي وحركة التكامل العالمي. وقد بلور ذلك من خلال المطالبة في القمم الأفريقية المتعاقبة -وآخرها قمة شرم الشيخ يوليو 2008- بإقامة الولايات المتحدة الأفريقية، وإن كانت الدول الأفريقية لا تستجيب لهذه الدعوات مفضلة الخطوات التدريجية لعملية التكامل.
على جانب آخر، استمرت ليبيا في القيام بدور مهم من خلال الدعم الاقتصادي التي تقدمه لعدد ليس بقليل من الدول الأفريقية، والزيارات المستمرة للعقيد القذافي لعدد من الدول الأفريقية، ودعم وتمويل الأنشطة الخاصة بالاتحاد الأفريقي. وقد أكد العقيد القذافي في أكثر من مناسبة على أولوية الدائرة الأفريقية في السياسة الخارجية الليبية، وكان آخرها في كلمته في قمة دمشق العربية مارس 2008، ودعوته للدول العربية الآسيوية أن تنضم للاتحاد الأفريقي. وقد توج هذا الجهد بتتويج ملوك وسلاطين وأمراء وشيوخ وعُمد أفريقيا الرئيس الليبي القذافي ملكًا لهم وبايعوه باعتباره “ملك ملوك أفريقيا” فيما اعتبر الكثيرون من المحللين أنه لا يتعدى مجرد أمر رمزي يعبر عن النفوذ المالي لليبيا في أفريقيا[7].
على جانب آخر، نشطت الدبلوماسية الليبية في مواجهة المشروع المتوسطي الفرنسي، فقد حاولت ليبيا بلورة موقف عربي مشترك تجاه المشروع الفرنسي بالرفض، ويُرجح أن يكون الموقف الليبي نابع من رفضه لأي محاولة للتكامل الإقليمي لا يكون له فيها دور القيادة كما هو الحال في الساحة الأفريقية.
عقدت ليبيا قمة عربية متوسطية في بداية شهر يونيو للخروج بهذا الموقف، وتغيبت مصر عن هذا الاجتماع، وفشلت ليبيا في إقناع أي من الدول برفض فكرة الاتحاد؛ مما أدى في النهاية إلى إعلان الموقف الليبي منفردًا برفض الاتحاد، والتأكيد على أنه يهدف إلى تفتيت دول الجنوب، وتكاملهم الأفريقي، وأن دول المغرب لن تستطيع أن تستفيد من هذا المشروع، طالما تفاوضت فرادى خارج إطار الاتحاد المغاربي.
ورغم أن الرئيس الفرنسي حاول إقناع العقيد الليبي بالمشروع، إلا أن الأخير أعاد إعلان رفضه للمشروع مؤكدًا أن دول شمال المتوسط ستسعى لإنجاح عدد من المشروعات الاقتصادية والاجتماعية التي تفيد مصلحتها الخاصة بعيدًا عن مصالح الدول النامية، وأنه إذا كان هناك نجاح مقدَّر لهذه العملية التكاملية كانت نجحت عملية برشلونة.
جدير بالذكر أن الرئيس الفرنسي تحمل انتقادات لاذعة من وزراء بحكومته وأعضاء الجمعية الوطنية الفرنسية على أثر استقباله للعقيد القذافي في قصر الإليزيه لعقد صفقة أسلحة ليبية-فرنسية، وكانت فرنسا تعقد الأمل على الجانب الليبي في تمويل عدد من مشروعات الاتحاد المتوسطي[8].
في نفس السياق، نشطت الدبلوماسية الليبية لتنشيط التكامل المغاربي في إطار الاتحاد المغاربي، والتعاون الثنائي بين ليبيا ودول المغرب العربي، ففي يونيه أقرت اللجنة الموريتانية الليبية العليا المشتركة للتعاون استثمارًا قطاعيًّا بين البلدين تصل قيمته إلى خمسمائة مليون دولار على أن يصل إلى مليار دولار في المستقبل. ومن بين المجالات المستهدفة بهذه البرامج، الحديد والصيد البحري والزراعة وغيرها من مجالات الاستثمار الأخرى التي ستخلق فرصًا مهمة للعمل[9].
كذلك قام العقيد القذافي بتنشيط عمل اللجنة العليا التونسية الليبية، أكدت على ذلك اجتماعات اللجنة العليا المشتركة واللجان القطاعية، فإن العلاقات تمر بفترات خصبة جدًا من حيث التفاهم الحاصل على كل الأصعدة والمستويات، كما تدل على ذلك الزيارات المتبادلة والاتفاقات المشتركة، والمجالات الجديدة التى تفتح أمام المستثمرين كل يوم سواء فى مجالات الاستثمار التقليدية أو فى مجالات تتماشى مع التكنولوجيا الجديدة والمشاريع التنموية ذات البعد الإنساني[10].
وضمن السياسات الليبية الحريصة على اكتساب مكانة إقليمية قائدة حاولت ليبيا أن تلعب دور الوساطة في أكثر من ملف عربي وأفريقي هذا العام؛ فعلى المستوى العربي، حاولت ليبيا القيام بالوساطة لإعادة الدفء في العلاقات المصرية السورية التي توترت في أعقاب الوصف السوري للمواقف المصرية والسعودية في أعقاب حرب يوليو 2006 في لبنان بأنها مواقف لأشباه الرجال وأنصاف الرجال. تجدد الحديث عن الوساطة الليبية قبل قمة دمشق مارس 2008، وقبل القمة العربية-المتوسطية يونيو 2008 في طرابلس، وتغيبت مصر عن القمتين، واتضح برود العلاقات المصرية-السورية في اللقاء بين الطرفين أثناء قمة الاتحاد المتوسطي في باريس، وأعقبه تصريح الرئيس السوري عن أن علاقات بلاده مع الجانبين المصري والسعودي ليست على ما يرام[11].
كذلك أصبحت ليبيا هي اللاعب النشط في ملف الوساطة بين الخرطوم وتشاد، ففي أعقاب الهجوم على أم درمان من قوات التمرد في دارفور، صدرت بعض التلميحات من الخرطوم -التي سرعان ما تم نفيها- رسميًّا عن تورط ليبيا في دعم تشاد وقوات التمرد للقيام بهذا الهجوم، وأعلنت ليبيا أنها تقوم بوساطة بين الخرطوم ونجامينا، وتجددت هذه الوساطة في أعقاب صدور مذكرة توقيف البشير لرأب الصدع في العلاقات ما بين البلدين، وكسب التأييد الأفريقي لقضية البشير[12]. وقد تكلل هذا الجهد بالنجاح بتبادل السودان وتشاد السفراء بعد ستة أشهر من قطع العلاقات على خلفية اتهامات متبادلة بدعم الجماعات المسلحة المناوئة لكليهما[13].
وبوجه عام، فالدور الليبي آخذ في التنامي بأدواته المالية، ولكنه ظل يفتقد للنفوذ والقوة الناعمة حتي في أفريقيا؛ لأن ما يدعو إليه من وحدة يبقى لدى العديد من الأنظمة الأفريقية يوتوبيا تهدد استقرارهم؛ مما يفسر انزعاج الكثيرين منهم لتولي ليبيا رئاسة الاتحاد الأفريقي في عام 2009م، ولكن يبقى للدور الليبي مساحة واضحة تقوم على ركنين أساسيين للفعل والتأثير: الإرادة السياسية، والأداة المالية.

ب) مستوى النظام الدولي:

واقع الأمر أن السياسة الليبية تجاه النظام الدولي تأتي مكملة للسياسات الإقليمية من أجل كسب مكانة دولية وإقليمية مهمة.
ففي علاقاتها مع المستعمر السابق إيطاليا، يصر الزعيم القذافي على أن أي ملف للعلاقات الثنائية بين البلدين لن يتم تسييره دون الاتفاق على حصول ليبيا على تعويضات عن الفترة الاستعمارية السابقة، وأعلنت ليبيا قرب التوصل إلى اتفاق مع إيطاليا لتقديم تعويضات عن عقود الاستعمار الإيطالي. الإعلان الليبي جاء في تصريحات لسيف الإسلام القذافي رئيس “مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية” في خطاب جماهيري بالعاصمة طرابلس، قال فيها إن التعويض –الذي قد يصل إلى مليارات- سيشمل أيضًا مشاريع بينها شق طريق ساحلي سريع ومشاريع تعليمية ونزع الألغام التي تعود إلى عهد الاستعمار. واعتبر سيف الإسلام أن الاتفاق سيكون سابقة تستند إليها دول الجنوب للمطالبة بتعويضات من الدول التي استعمرتها.
وفي روما، أعرب رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني عن أمله في إبرام “معاهدة صداقة” مع ليبيا قد توقع بحلول نهاية أغسطس. وبالفعل، تم إبرام الاتفاقية التي رسخت الصداقة ما بين الطرفين مع الاعتراف بحق التعويضات. وواقع الأمر أن هذه التعويضات ضئيلة للغاية وسيتم تقسيطها على فترة زمنية طويلة، وما اضطر إيطاليا لتقديمها هو تذليل أي عقبات في طريق المشروعات الإيطالية في ليبيا. وتستورد إيطاليا 25% من حاجاتها النفطية، و33% من حاجاتها من الغاز من ليبيا التي تملك وجودًا قويًّا في مجال الأعمال بإيطاليا[14].
لكن هذه العلاقات تشكو بعض التوتر من حين إلى آخر بسبب تدفق المهاجرين غير الشرعيين انطلاقًا من السواحل الليبية إلى جنوب إيطاليا، وهذا هو الملف الشائك في العلاقات بين البلدين. بعد أن صدَّق البرلمان الأوروبي على قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية دون التشاور مع دول جنوب المتوسط، وقد أكد وزير الخارجية الإيطالي أمام البرلمان الأوروبي أن بلاده لن تدخر جهدًا في الإلحاح على الجانب الليبي من أجل تنفيذ الاتفاقية.
وعلى أية حال، ففي الملفين تبلور ليبيا سياساتها الخارجية بوصفها مدافعًا عن حقوق دول الجنوب. فقضية التعويضات هي سابقة ستستند إليها الدول النامية مستقبلًا للحصول على حقوقها من المستعمرين، كما تعمد ليبيا لعرض أبعاد القضية الثانية (الهجرة) باعتبارها قضية شائكة في علاقة دول الشمال بالجنوب[15].
على جانب آخر، استمرت ليبيا في محاولاتها الجادة منذ تخليها عن برنامجها النووي في محاولة تجسير علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية خاصة من خلال قضية تعويضات ضحايا لوكيربي، وقد توصلت الدولتان لاتفاق مبدئي لتعويض عائلات ضحايا أميركيين قضوا نحبهم في هجمات نسبت لليبيين. وتشمل الشكاوى الأميركية حادث تفجير طائرة ركاب تابعة لشركة بان أميركان فوق بلدة لوكربي في أسكتلندا عام 1988 أودى بحياة 270 شخصًا بينهم 189 أميركيًّا، وتفجير ملهى ليلي في برلين الغربية سابقًا عام 1986 قُتل فيه عسكريان أميركيان[16].
وبالفعل، تم تحسين العلاقات والاتفاق على تسليم التعويضات للولايات المتحدة، وقد انعكس ذلك في تعيين أول سفير أمريكي في ليبيا ثم التعاون في العديد من الملفات منها مكافحة الإرهاب[17].
كذلك، فقد شهد المغرب العربي (في أعقاب أزمة جورجيا بين روسيا والغرب، وقيام ليبيا والجزائر تحديدًا بعدد من المشروعات المشتركة وعقد عدد من صفقات السلاح مع روسيا) حالة من الاستقطاب بين روسيا والولايات المتحدة اتضحت في زيارة رايس لدول المغرب العربي في شهر أكتوبر، وكانت ليبيا إحدى الدول التي استطاعت تطوير علاقاتها بالولايات المتحدة وروسيا في ذات الوقت في نجاح رائع للسياسة الليبية التي عقدت صفقات للسلاح والنفط مع روسيا، وتحسنت علاقاتها مع الولايات المتحدة بشكل موازٍ[18].
وبالنظر لمجمل الأوضاع الداخلية والخارجية الليبية، يمكن تسجيل ملاحظة مهمة مؤداها استخدام ليبيا الأداة الاقتصادية في الحالتين:
فداخليًّا، تحظى ليبيا باستقرار داخلي يغيب عن جيرانها في المغرب العربي، ويرجع ذلك -في جانب كبير منه- إلى هيكل الاقتصاد الريعي النفطي الذي يسيطر على عائدات البترول، ويمسك بتلابيب الحياة السياسية في يده، وبنفس الأداة الاقتصادية اعتمادًا على المنح والمساعدات تعمد ليبيا لبلورة دور قائد لها في نطاقها الإقليمي. يرجع ذلك لشخصية الرئيس الليبي الساعي للعب دور دولي مهم وجذب الأضواء إليه.
وقد اختارت السياسة الليبية الإطار الأفريقي مجالًا للاهتمام الأول لها على الإطلاق، وهي تدافع عن ذلك المجال بكل قوة. اتضح ذلك في رفضها للمشروع المتوسطي. وعلى سبيل المثال، فيبدو أن إقحام السياسة الليبية للاتحاد المغربي في إطار علاقاتها الثنائية مع موريتانيا وتونس ما هو إلا محاولة للتصدي للمشروع المتوسطي.

ثانيًّا- تونس

· على المستوى الداخلي

تسيطر ثلاثة ملفات أساسية على الساحة الداخلية للنظام التونسي: الملف الأول هو تجدد قضية “الحجاب” مع طرح سؤال علمانية النظام، والملف الثاني هو قبول الرئيس التونسي الترشيح لفترة رئاسية جديدة في العام 2009م وتعديل الدستور بما يحرم بعض منافسيه من الترشّح أمامه، وأخيرًا الاضطرابات الداخلية الناتجة عن البطالة وارتفاع أسعار الغذاء.
وتتجدد قضية الحجاب في تونس من الحين للآخر ويُطرح في ظلها تساؤل حول علمانية النظام التونسي وحرية المواطنين وموقف النظام من الديمقراطية. ويتجدد هذا الأمر مع تحرش الأمن التونسي بالفتيات التونسيات المحجبات في المؤسسات التعليمية أثناء العام الدراسي وأداء الامتحانات، وهذه قضية قديمة متجددة في المجتمع التونسي[19].
وهنا، ثارت خلال عام 2008 تساؤلات حول اهتمام رموز النظام التونسي -وعلى رأسهم الرئيس زين العابدين بن علي- بالمناسبات الدينية في ظل تضارب الإشاعات عن رغبة النظام الحاكم في استبدال شرعيته العلمانية بأخرى دينية[20]، تتناسب مع شخصية زوج ابنة الرئيس المرشح لخلافة الرئيس الحالي في ظل توقعات بالخلافة السياسية من الرئيس لصهره (صخر الماطري)[21].
أما الملف الثاني، فيتعلق بطلب حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم من الرئيس التونسي الترشح لفترة رئاسية جديدة في العام القادم، وقد أعلن ذلك في خطابه أمام المؤتمر الحزبي الخامس للحزب. وقد أقر البرلمان التونسي بأغلبية 184 عضوًا، وباعتراض خمسة أعضاء تعديلًا دستوريًّا يشترط أن يكون القائد الحزبي منتخبًا لتلك المسئولية، وألا تقل المدة التي قضاها في المنصب عند الترشح للانتخابات الرئاسية عن سنتين متتاليتين منذ انتخابه.
ومن جانبه، تعهد الرئيس التونسي بن علي بتوفير كل الشروط لضمان إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية شفافة ونزيهة العام المقبل. وقال في خطاب ألقاه بمناسبة الذكرى السنوية الـ21 لوصوله للحكم إنه سيسمح بمراجعة تنظيم حصص تسجيل وبث كلمات المترشحين للانتخابات الرئاسية والتشريعية بمؤسستي الإذاعة والتلفزيون. كما أعلن الرئيس التونسي عن عدد من القرارات الجديدة لتطوير القانون الانتخابي بما يدعم حقوق المرشحين، ويضمن حسن سير وسلامة العملية الانتخابية.
ومن المتوقع طبقًا لذلك أن يزيد عدد المترشحين بعد أن كان البرلمان التونسي صدّق في وقت سابق على قانون جديد لتوسيع قاعدة المشاركة في الاستحقاق الرئاسي المقبل، بما يتيح لكافة الرؤساء وأمناء العموم لأحزاب المعارضة المعترف بهم، باستثناء حزبي “الخضر للتقدم” و”التكتل من أجل العمل والحريات”. ومن المقرر أن تجرى في نوفمبر عام 2009 انتخابات رئاسية وبرلمانية في تونس ينتظر أن تشهد منافسة أغلب أحزاب المعارضة.
وقد أعلن محمد بوشيحة الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية المعارض ترشحه للمنافسة في انتخابات الرئاسة؛ إضافة إلى نجيب الشابي وهو قيادي بالحزب الديمقراطي التقدمي وأحد أشد معارضي الرئيس بن علي. كما يشار إلى أن تعديلًا دستوريًّا قد يمنع الشابي من المنافسة لأنه تخلى عن زعامة حزبه لمية الجريبي[22].
واعتبر المعارض السياسي نجيب الشابي أن التعديل يستهدفه؛ قائلًا إنها “مناورة سياسية” تهدف لإقصائه من السباق الرئاسي. وسبق للشابي أن أعلن عزمه الترشح للانتخابات الرئاسية قبل أن يتم تعديل الدستور. ثم تخلى الشابي عن قيادة الحزب الديمقراطي التقدمي عام 2006 لصالح مية الجريبي. وكان الرئيس التونسي قد عدل الدستور من قبل عام 2002 من أجل أن يستطيع الترشح لفترة رئاسية جديدة عام 2004م[23].
وعلى جانب آخر، رحبت منظّمات حقوقية في تونس بإطلاق جميع النشطاء الإسلاميين التابعين لحركة النهضة المحظورة، بعد عفو رئاسي تزامن مع الاحتفال بمرور 21 عامًا على تولي الرئيس التونسي السلطة، وهو ما يعد سابقة في البلاد.
أما الملف الثالث فهو ملف الاضطرابات الداخلية التونسية، وهو أمر لم يعتده النظام التونسي نتيجة قبضة النظام الأمنية القوية التي اعتادت القضاء على مثل هذه الاضطرابات في مهدها. لكن تونس شهدت اندلاع احتجاجات ضد البطالة في يناير 2008 بلغت أوجّها في بداية أبريل حين اعتقلت السلطات أكثر من مائة محتج، على رأسهم أربعة من القيادات العمالية في الجبهة.
وكان الإضراب العام يوم 8 أبريل قد شل مختلف مناحي الحياة بالدولة، وشاركت فيه نقابات الأساتذة والمعلمين والصحة، وانضم إليهم التجار وأصحاب المخابز؛ احتجاجًا على ارتفاع الأسعار. وأسفر هجوم قوات الأمن على المتظاهرين حينئذٍ عن إصابة تسعة منهم بجروح بالغة.
وفي 19 أبريل قامت عشرات العائلات التونسية القاطنة في منطقة على الحدود مع الجزائر بعبور الحدود إلى الجزائر؛ احتجاجًا على تردي أوضاعهم الاجتماعية، ونصبوا خيامًا على الجانب الجزائري من الحدود، مطالبين السلطات الجزائرية بمنحهم حق اللجوء. وبلغ عدد النازحين نحو مائة، قبل أن تصد قوات الأمن بالقوة محاولات أخرى للجوء إلى الجزائر[24].
تجددت هذه الاضطرابات في بداية شهر يونيه، وبدأت الاشتباكات بعد أن خرج مئات الشبان العاطلين عن العمل في وقت سابق، بمدينة الرديف الواقعة على بعد 340 كيلومترًا جنوبي العاصمة في احتجاجات شعبية على غلاء المعيشة وللمطالبة بمنحهم فرص عمل في المنطقة الغنية بالفوسفات. وكانت مدينة الرديف، المعروفة بتاريخها العريق في النشاط النقابي وكذلك في حركة التحرر الوطني التونسية، آخر مدينة في محافظة قفصة تلحق بالاحتجاجات التي بدأت منذ يناير.
وبعد أن بدأ اندلاع تلك الاحتجاجات في مناطق المتلوي وأم العرائس، اتسع نطاقها ليشمل أيضًا مدنًا من خارج المحافظة مِن ضمنها مدينة فريانة، في محافظة القصرين، حيث قالت مصادر المعارضة أنّ شابًّا لقي مصرعه ضمن الاحتجاجات دهسًا تحت سيارة أمن[25].
الملفات الثلاثة السابقة تبرز الظروف القاسية التي يقبع تحتها المواطن التونسي، فمحاولات التجميل للنظام السلطوي التي شهدناها في النظام الليبي بدأت تظهر من جانب النظام التونسي استعدادًا للجولة الانتخابية في 2009. وإلى جانب الديكتاتورية، يقع المواطن التونسي تحت قهر قيد آخر وهو علمانية النظام، ولا يبدو في الأفق إمكانية لأي تطور سياسي، ولكن يبدو أن الأمور ستسير في اتجاه الانفجار إذا لم تعبأ الحكومة بالملف الاقتصادي الذي أخرج المواطن التونسي عن صمته.

· تطورات الأوضاع خارجيًّا:

أ) إقليميًّا:

لا يسع من يرصد شبكة تفاعلات تونس مع سياقها المحيط على المستوى الإقليمي، خلال عام 2008، أن يغفل الكثافة الملحوظة في محور التفاعل التونسي-المتوسطي سواء على المستوى الثنائي أو على المستوى الجماعي، فتونس تقنع كثيرًا بالتوجه نحو التعاون الأوربي، وقد انعكس ذلك في دعمها للاتحاد المتوسطي وكلمة الرئيس التونسي في خطابه في قمة “مسار برشلونة: الاتحاد من أجل المتوسط” بباريس بما تضمنته من مقترحات عملية، لا سيما منها المقترح المتعلق بإحداث مرصد متوسطي يعتمد آلية إنذار مبكر، وينسق جهود جميع الأطراف، ويتيح التدخل الناجع كلما لزم الأمر لمكافحة التلوث في البحر المتوسط ووقايته من مختلف الحوادث البحرية.
وقد خرج الإعلان الختامي لهذه القمة التي شهدت إطلاق “الاتحاد من أجل المتوسط” متبنيًّا لهذا المقترح الرئاسي التونسي من خلال إقرار مشروع إزالة التلوث من المتوسط؛ وهو واحد من جملة ستة مشاريع تضمنها الإعلان، كما يبرز هذا المشروع وجاهة مقترح الرئيس زين العابدين المتصل بإنشاء وكالة متوسطية لحماية البيئة والشريط الساحلي توكل إليها مهمة تنسيق كل المبادرات والمشاريع التي تدخل في نطاق هذا النشاط.
ومن الجدير بالذكر، أن كلمة الرئيس بن علي أمام رؤساء الدول والحكومات في قمة باريس قد حظيت بكل التقدير لما تضمنته من مبادرات لتفعيل التضامن من أجل تنمية مستديمة في المنطقة المتوسطية، وتأكيد على البعد الاستراتيجي للبيئة في المتوسط. إذ أشاد الرئيس الفرنسي ساركوزي لدى إحالته الكلمة إلى بن علي بمواقفه “المساندة لمشروع الاتحاد والتزام تونس الدائم بقضايا السلم والتعاون والتنمية بالمنطقة المتوسطية”[26].
أما على المستوى الثنائي، فقد عقدت تونس عددًا من المعاهدات الثنائية مع إسبانيا وفرنسا، حيث صادق مجلس النواب بالإجماع بقصر باردو برئاسة السيد فؤاد المبزع رئيس المجلس وحضور السيد عبد الوهاب عبد الله وزير الشئون الخارجية على مشروع قانون يتعلق بالموافقة على برنامج تعاون مالي تونسي-إسباني. وقد تم التوقيع على برنامج التعاون المالي بين تونس وإسبانيا في 4 مارس 2008 لتمنح بمقتضاه الدولة الإسبانية اعتمادات مالية تقدر بـ130 مليون يورو (حوالي 234 مليون دينار تونسي)؛ بهدف تمويل اقتناء معدات وخدمات إسبانية مرتبطة بمشاريع الشراكة والمشاريع الصغرى والمتوسطة؛ وذلك لمدة سنتين ابتداء من دخول هذا البرنامج حيز التنفيذ.
ويتكون إجمالي الاعتمادات المالية من هبة للحكومة التونسية بمبلغ قدره خمسة مليون يورو؛ أي حوالي تسعة ملايين دينار تونسي بعنوان صندوق دراسات الجدوى وقرض للحكومة التونسية من صندوق المساعدة على التنمية بمبلغ قدره (25) مليون يورو (أي حوالي 45 مليون دينار تونسي) إلى جانب قروض مختلطة بمبلغ قدره مائة مليون يورو (أي حوالي 180 مليون دينار تونسي). كما ينص البرنامج على تكوين لجنة متابعة وتفكير تضم موظفين وخبراء من كلا البلدين تتولى دراسة تطبيق هذا البرنامج الذي يلغي ويعوض البرنامج السابق المبرم في 24 سبتمبر 2001[27].

التعاون التونسي-المتوسطي:

ستكون فرنسا -التي تعد الشريك الأول لتونس في الملابس والمزود الثاني لها في مجال النسيج- ضيف شرف الدورة التاسعة للصالون الأورومتوسطي للنسيج والملابس “تاكسماد 2008 ” التي تنتظم في 18-20 يونيو بمشاركة (15) مؤسسة تعرض منتجاتها في جناح يمتد على مساحة 200 متر مربع[28]. ورغم أن لدي تونس العديد من المشروعات التعاونية مع ليبيا ومصر، إلا أنها تفضل دائمًا أن يكون تفاعلها في اتجاه الشمال.
عمومًا، يجمع النظام التونسي أحد خصائص الأنظمة المغربية في الفترة الراهنة من زاوية معاناته من ظروف اقتصادية صعبة تسبب له اضطرابات سياسية، كما يتميز بتوجهه للتفاعل الرأسي نحو الشمال على حساب التفاعل الأفقي، ولكنه يتفرد بكونه أحد أكثر النظم المغربية سلطوية وعنفًا، ويقبع المواطن التونسي تحت قيود السلطوية إلى جانب العلمانية التي تتشابه مع العلمانية الأتاتوركية المتأثرة بالعلمانية الفرنسية، والقائمة على مفهوم التحرر من الدين وليس حرية الأديان.

ثالثًا-الجزائر

· المستوى الداخلي

يسيطر عدد من الملفات الداخلية على الساحة السياسية الجزائرية شبيهة للغاية بالملفات التونسية الداخلية، خاصة أن الأمر أصبح في منتهى الحساسية ويمسّ مستقبل الحياة السياسية والمصالحة الوطنية في الجزائر، وهي ملفات شديدة الارتباط والتداخل: الملف الأول يتعلق برغبة الرئيس الجزائري في تعديل الدستور للترشح لفترة ثالثة، كذلك الملف الخاص بتعديل الحكومة في الجزائر، ناهيك عن ملف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي واستمرار عمليات العنف في شرق البلاد خصيصًا.
الملف الأول يتعلق بالانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في أبريل 2009، وهو أمر شديد الحساسية؛ فما أن أعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عزمه إدخال تعديلات على الدستور، والتي قد تسمح بترشحه لفترة رئاسية ثالثة، حتى اشتعلت المعركة بين المعارضة وأحزاب السلطة لتتخطى وسائل الإعلام التقليدية والعرائض؛ حيث بدأ الطرفان في استخدام “ورقة الإنترنت” لكسب المعركة.
في هذا الإطار، لجأت أحزاب المعارضة من التيار العلماني إلى تدشين موقع على الإنترنت باللغة الفرنسية حمل اسم “احترموا الدستور” خصص للترويج للنداء الذي وجهته مجموعة صحفيين ونقابيين وأساتذة وطلبة، لرفض تعديل الدستور بما يتيح لبوتفليقة “عهدة رئاسية ثالثة”. ولم يلقَ هذا الموقع بحسب المتتبعين الصدى المرجوّ منه، خاصة فيما يتعلق بضمان أكبر عدد من التوقيعات على العريضة الإلكترونية التي أطلقتها المجموعة؛ حيث لم يتجاوز عدد الموقعين الـ400 شخص معظمهم من الأسماء المعروفة في الساحة السياسية، والنقابية، والإعلامية.
وأبدت أحزاب المعارضة ذات التوجهات العلمانية معارضتها المبكرة للتمديد لبوتفليقة، وأبرزها “الجبهة الوطنية الجزائرية” و”التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية”.
في المقابل، أدركت أحزاب السلطة المؤيدة لبوتفليقة، الممثلة في “جبهة التحرير الوطني” و”التجمع الوطني الديمقراطي” (المشاركين في الائتلاف الحاكم) وباقي التيارات، أهمية “المعركة الإلكترونية” فبادروا إلى إطلاق موقع مستقل باللغة الفرنسية تحت عنوان “بوتفليقة العهدة الثالثة”.
وترجع حساسية الموقف إلى أن القيام بمثل هذا التعديل يخلُّ بالمعادلة السياسية التي قامت على أساسها المصالحة الوطنية الداخلية في الجزائر، والتي تؤكد على الشراكة في حكم البلاد، وتفتح الباب لترسيخ حكم فرد بعينه؛ مما يهدد الديمقراطية الجزائرية، ولكن ما يصعّب الأمر هو الميل الشخصي للرئيس للاستمرار في الحكم، في ظل غياب شخصية قد تحظى بإجماع التيارات السياسية الجزائرية مجتمعة، حتى بات بعض المراقبين يحذر من ظهور النموذج اللبناني في الأفق. وإن كانت التركيبة هنا سياسية وليست طائفية، ولكن يبقى الأمر خطيرًا رغم ما تحقق من نجاح للمصالحة الوطنية[29].
وقد تبنّى أعضاء البرلمان الجزائري بغرفتيه مشروع تعديل الدستور الذي بادر به رئيس الجمهورية؛ حيث صوّتوا بالأغلبية لصالح مشروع القانون، وسط رفض كتلة حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية للمشروع، وامتناع نواب حركتي الإصلاح الوطني والنهضة عن التصويت[30].
أما الملف الثاني، فيخص تغيير الحكومة. فقد تزامن انعقاد المؤتمر الثالث للتجمع الوطني الديمقراطي وسط فورة من الفرحة التي طغت على المشاركين بعد أن أعاد الرئيس بوتفليقة ثقته في الأمين العام للحزب للمرة الثانية خلال عهدتيه اللتين انقضى منهما تسع سنوات؛ بتعيينه رئيسًا للحكومة خلفًا للأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عبد العزيز بلخادم. هذا الحزب (التجمع الوطني) هو أكبر ثاني الأحزاب في البلاد، ويأتي هذا التعيين ليزيد من قوة أحمد أويحيى على رأس التجمع الوطني الديمقراطي بعد أن كاد يطيح به خصومه في المؤتمر الثاني قبل خمس سنوات، لولا تدخل الرئيس بوتفليقة الذي لعب دورًا محوريًّا في إعادة انتخابه على رأس الحزب.
ويضم الحزب حوالي 200 ألف عضو ويضم 74 نائبًا في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى) و35 نائبًا في مجلس الأمة، بالإضافة إلى 3855 منتخبًا في مختلف المجالس المنتخبة، وهو ما أهله لأن يكون بمثابة القوة السياسية الثانية في البلاد بعد حزب جبهة التحرير الوطني الذي يحوز الأغلبية. ويعتبر التجمع الوطني الديمقراطي من الأحزاب السياسية الجديدة في الجزائر؛ حيث تم تأسيسه في 21 فبراير سنة 1997 وتمكن في الخامس من يونيو من ذات العام من حصد أغلبية المجالس المحلية ثم الوطنية، الأمر الذي دفع بخصومه -ومنها حزب جبهة التحرير الوطني (حزب الأغلبية)- إلى نعته بـ”الحزب الذي ولد بشنبات” وسط اتهامات بتزوير الانتخابات[31].
ولقد اعتبر العديد من التيارات السياسية في الجزائر هذا التغيير بناءً على طلب رئيس الوزراء الفرنسي “فرنسوا فيون”، كما أنه عجز واضح عن خلق كوادر سياسية جديدة في الساحة السياسية الجزائرية؛ فرئيس الحكومة الجديد تم إنهاء مهامه من قبل عام 2006[32]. وقد وجهت انتقادات شديدة اللهجة لهذا الاختيار وركزت أغلبها على أن الساحة الجزائرية لا تمتلك وجوهًا سياسية جديدة، وأن القديم والجديد سواء، وأن الأوضاع لن تتغير.
أما الملف الثالث، وهو الخاص بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، فقد شهد خلال عام 2008، استمرار كل من الجماعتين الإسلامية والسلفية الرافضتين للانضمام للمصالحة الوطنية في نشاطهما بالقيام بالمزيد من عمليات العنف، وبينما تنشط الجماعة الأولى في منطقة شرق الجزائر، تنشط الثانية في وسط وغرب الجزائر.
وقد شهدت العمليات تطورًا نوعيًّا بتوجيهها تجاه الأجانب. فبعد احتجاز رهينتين نمساويتين في فبراير شمال دولة مالي، أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية فيما بعد أن هجومًا بقنبلتين على سيارة مهندس فرنسي شرقي الجزائر العاصمة أسفر عن مقتله وسائقه، نافية تقارير بأن (12) شخصًا على الأقل قُتلوا في الهجوم. وكانت قوات الأمن قد أعلنت أن (12) شخصًا على الأقل لقوا حتفهم في الانفجارين اللذين وقعا بمحطةٍ للسكك الحديدية في بلدة “بني عمران” في إقليم بومرداس على بعد نحو خمسين كيلومترًا من الجزائر العاصمة.
وهذه هي المرة الأولى منذ تسعينيات القرن الماضي التي يقتل فيها مواطن فرنسي في أحداث عنف سياسي في الجزائر؛ حيث نفذ المتمردون المنضوون تحت لواء القاعدة سلسلة من التفجيرات القاتلة في العامين الماضيين. وهذا هو الهجوم الثالث الذي أسفر عن وقوع قتلى في شرق الجزائر العاصمة في خمسة أيام[33].
وقد شهد عام 2008 أيضًا استمرار العمليات الموجهة ضد الثكنات العسكرية للجيش الجزائري؛ فقد أعلن التنظيم نهاية “غزوة عبد الرحمن الثلاثي” التي شملت العديد من العمليات منها، ثكنة الحرس الجمهوري ببرج الكيفان بالعاصمة الجزائرية، وتفجير قنبلة شديدة المفعول على قافلة الجيش الجزائري، واستهداف الفرنسيين العاملين في شركة رازال ببني عمران بومرداس، ثم تفجير عربة فرنسيين وعند تدخل قوات الأمن، فجروا عليهم القنبلة الثانية، وكانت نتائج هذه العملية مقتل ما لا يقل عن 37 عسكريًّا، وفرنسيين اثنين، كما خلف التفجير عشرات الجرحى في صفوف المدنيين، وأسفر عن وقف أعمال الشركة الفرنسية[34].
ورغم استبعاد العديد من المحللين لإمكانية عودة الجزائر لمربع العنف من جديد وفشل المصالحة الوطنية، فقد مالوا إلى تفسير هذه العمليات على أنها استمرار لمحاولات الجماعتين لكسر الحصار عن أنفسهما بعد إعلانهما البيعة لتنظيم القاعدة، إلا أن عدم وضوح الرؤية بشأن مستقبل النظام السياسي، ومَن المتقدِّم للترشيح في الانتخابات الرئاسية القادمة يعقد الأمور ويفتح الباب أمام العديد من المخاوف.

· تطور الأوضاع خارجيًّا:

أ) المستوى الإقليمي:

تواصل السياسة الجزائرية نشاطها الإقليمي على مستويين: أولهما- المستوى الأفريقي، وخاصة مع رغبتها في أن تلعب دور الوساطة من جديد بين المتمردين الطوارق والحكومة في مالي؛ فقد أعلنت الجزائر عزمها استئناف وساطتها في النزاع بين حكومة مالي وحركة تمرد الطوارق، وأعرب وزيرالخارجية المالي مختار عوان في ختام محادثات مع الرئيس الجزائري عن سعادة بلاده لإعلان بوتفليقة قرار الجزائر “استئناف مكانتها الكاملة في عملية تسوية هذه المسألة”[35].
أما المستوى الثاني، فهو المستوى المتوسطي، فتنشط السياسة الجزائرية في تأييد الاتحاد المتوسطي في ظل نشاط علاقاتها مع فرنسا عمومًا. وفي هذا الإطار، زار رئيس الحكومة الفرنسية فرانسوا فيون الجزائر ليجري مباحثات مع الرئيس بوتفليقة ورئيس الحكومة عبد العزيز بلخادم تتناول التعاون الاقتصادي والعسكري وفي الطاقة، بالإضافة إلى مشروع “الاتحاد من أجل المتوسط” الذي تطرحه فرنسا كبديل عن مسار برشلونة المتعثر.
وقال وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي أن فيون سيشرف خلال الزيارة على مراسم توقيع اتفاقيتين بين البلدين في المجال العسكري والمجال النووي السلمي. كما سيشرف مع بلخادم على افتتاح المقر الجديد للمدرسة الجزائرية العليا للأعمال، وزيارة كنيسة السيدة الأفريقية بأعالي العاصمة الجزائرية، وزيارة الموقع الذي تجري فيه أشغال الترامواي وسط العاصمة، وهو المشروع الذي تقوم بإنجازه الشركة الفرنسية ألستوم.
وانتقد مدلسي شحّ الاستثمارات الفرنسية بالجزائر، وقال إنها غير كافية ودون مستوى طموحات البلدين، متوقعًا أن تشهد ارتفاعًا محسوسًا خلال السنوات المقبلة، مشيرًا إلى أن العلاقات الجزائرية-الفرنسية تشهد تطورًا متسارعًا من خلال الزيارات المتبادلة بين مسئولي البلدين، موضحًا أن هذه الزيارات تتم من خلالها معالجة جملة من القضايا المهمة التي تخدم العلاقات الثنائية. وعشية زيارة فيون، قال بلخادم في حديث نشرته صحيفة لوموند الفرنسية أن العلاقات مع فرنسا جيدة جدًا، لكن إذا أردنا التوصل إلى شراكة متميزة يجب علينا تغذية هذه الشراكة، مؤكدًا أن بلاده تأمل على وجه الخصوص زيادة الاستثمارات الفرنسية في الجزائر والإعانة التقنية، وطالب بمرونة أكثر فيما يخص تنقل الأشخاص.
ووفقًا للسفير الفرنسي بالجزائر، برنار باجولي، فإن هناك 250 شركة فرنسية في الجزائر؛ حيث بلغت الاستثمارات الفرنسية 300 مليون يورو عام 2006، مع اعتزام شركة “توتال” استثمار نحو مليار يورو بالمنطقة الصناعية النفطية “أرزيو” غربي الجزائر. كان وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير قد قال خلال زيارة للجزائر إن علاقات فرنسا مع المغرب العربي تبدأ بالجزائر.
أما عن مشروع الاتحاد من أجل المتوسط، فقد ذكر بلخادم أن مضمون المشروع ظل غامضًا؛ مؤكدًا أن الجزائر تؤيد كل مبادرة من شأنها تقريب ضفتي المتوسط، لكن المبادرة التي عرضها الرئيس نيكولا ساركوزي عام 2007 تختلف عن تلك المقدمة بعدها. حيث كان الأمر يتعلق أصلًا ببلدان المتوسط فقط، وكان الهدف بناء اتحاد مماثل للاتحاد الأوروبي مع مشاريع غير محددة الأبعاد، بينما أصبح الأمر يتعلق اليوم بـ”اتحاد من أجل المتوسط”، لا باتحاد متوسطي، ويبقى مضمونه غامضًا[36].
من ناحية أخرى، لازالت قضية التعويضات عن الفترة الاستعمارية أحد الموضوعات الشائكة بين البلدين، لاسيما بعد أن أعلن ساركوزي في زيارته للجزائر أن ما يعنيه هو المستقبل وليس الماضي؛ لأن جيله لا ينتمي للجيل الاستعماري. واعتبرت الخارجية الفرنسية أن اعتذار الحكومة الإيطالية لليبيا “ليس سبقًا ولا مرجعًا”، وجاء ذلك على لسان الناطق باسم الخارجية، في معرض تعليقه على المطالب التي تجددت في الجزائر، لدفع باريس للاعتذار[37].
على جانب آخر، لازالت العلاقات الجزائرية-المغربية يشوبها التوتر، فبينما تقلق الجزائر من أي تقارب فرنسي-مغربي، وسارعت لمنع الرباط من استضافة الأمانة العامة للمتوسط، قامت أيضًا برفض المبادرة المغربية لحل قضية الصحراء الغربية، وأكدت ضرورة وجود استفتاء لتقرير المصير بين سكان المنطقة. وافتتحت الجزائر 150 مركزًا حدوديًّا جديدًا على حدودها البرية مع المغرب. وتتخوف الأوساط السياسية في المغرب من أن يكون تعزيز المراقبة الحدودية، بهذا الشكل القوي، مؤشرًا على أزمة متفاقمة وعميقة في علاقات البلدين، مع ملاحظة أن مراكز المراقبة الجديدة ستعزز بحوالي (60) عنصرًا من قوات الدرك الجزائري، مجهزين بوسائل الاتصال والمراقبة الحديثة والمتطورة[38].
في سياق آخر، شهدت العلاقات الإيرانية-الجزائرية توطيدًا بإنشاء “لجنة عليا للعلاقات بين البلدين” بزيارة نائب الرئيس الإيراني للجزائر، وقد اعتبر البعض أن هذا نوع من الاستقطاب الذي يمتد من الشرق الأوسط إلى المغرب العربي، ليضيف عنصرًا جديدًا للتوتر بين المغرب والجزائر[39].
ويلاحظ على التفاعلات الجزائرية الإقليمية أنها بينما جاءت إيجابية ونشطة في اتجاه الشمال والجنوب، جاءت سلبية على المستوى الأفقي.

ب) على الصعيد الدولي:

تكاد تفاعلات الجزائر مع النظام الدولي تنصب على حصول الجزائر على دعم في حربها على الإرهاب، ومن هنا، تسخر الحكومة الجزائرية ما هو خارجي في خدمة ما هو داخلي. وقد اتفقت الجزائر ومنظمة حلف شمال الأطلسي على إقامة تعاون في كافة المجالات؛ بهدف العمل سويًّا على إيجاد حلول مشتركة لمجمل الأخطار التي يواجهها الطرفان.
وأكد رئيس لجنة الدفاع الوطني بمجلس الأمة مصطفى شلوفي في تصريح للصحافة حول “دور المؤسسات البرلمانية في تعميق الحوار المتوسطي” أن “الجزائر ليست عضوًا في حلف شمال الأطلسي، ولكنها تنتمي إلى منطقة الأمن وهو الجانب الذي يهمنا بالتحديد”. وأضاف أنه “توجب التحادث معًا من أجل إقامة تعاون مشترك بهدف إيجاد حلول للمشاكل التي نواجهها”؛ حيث تبرز ضرورة وضع منظومة وقائية ضد المخاطر التي تهدد المنطقة[40].
ومن ناحية ثانية، اتجهت الجزائر لتوطيد علاقاتها مع روسيا خاصة على المستوى العسكري في أعقاب أزمة جورجيا، الأمر الذي أظهر زيارة رايس للمغرب العربي كنوع من الرغبة الأمريكية للتوازن مع النفوذ الروسي في المنطقة.
فقد أكدت شركة الطيران المتحدة الروسية أن روسيا لم تلغِ رسميًّا عقدًا لتوريد طائرات مقاتلة من طراز ميغ-29 للجزائر، رغم رفض الأخيرة إدخال الطائرة في الخدمة بسلاحها الجوي في إطار اتفاقية تعاون عسكري وفني بقيمة ثمانية مليارات دولار. وبعد تسلم (15) طائرة ميغ، رفضت الجزائر الطلبيات الأخرى في مايو 2007، واشترطت أولًا أن تستعيد موسكو (15) طائرة ميغ-29 بسبب رداءة الجودة، وأعيدت الطائرات في النهاية لروسيا في أبريل 2008 [41].
ومن جانبه، كشف روبرت موليير مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية “إف بي آي” أنه يتم التحضير لفتح فرع تابع للـ”أف بي آي” في الجزائر لمواجهة تهديدات تنظيم القاعدة في منطقة المغرب العربي. واعتبر خبير في الشئون الأمنية أن هذه “الفكرة ليست جديدة وتوضح الرغبة الأمريكية الدفينة في تعزيز وجودها بأفريقيا؛ متخذة تنظيم القاعدة ذريعة”.
وقال روبرت مولير في تصريحات نقلتها صحيفة الخبر الجزائرية: “إن نشاط ما يسمى بتنظيم القاعدة في منطقة المغرب العربي تضاعف بشكل متسارع في البلدان المغاربية خلال السنتين الماضيتين مما يتطلب مواجهته بتأسيس فرع للجهاز بهذه المنطقة”. وأضاف مولير خلال مشاركته في اجتماع اللجنة المخصصة لتحديد ميزانية الـ”إف بي آي” لعام 2009 في الكونجرس: إن “فتح مثل هذا المكتب من شأنه رصد ومتابعة نشاط هذا التنظيم بشكل دائم، لا سيما في مجال تنقل الأفراد ما بين الجزائر والبلدان الأوروبية، وحتى الولايات المتحدة”. وأشاد مدير الـ”أف بي آي” في الوقت نفسه بـ”العلاقات المتينة التي استطاع الجهاز تقويتها مع المسئولين الجزائريين في مجال مكافحة الإرهاب”.
وتأتي تصريحات مولير بعد أيام قليلة من مطالبة رئيس الحكومة الجزائري عبد العزيز بلخادم السفير الأمريكي بالجزائر روبرت فورد بـ”عدم التدخل في الشئون الداخلية للبلاد، واحترام الأعراف الدبلوماسية المعمول بها”.كما وجه نور الدين يزيد زرهوني وزير الداخلية الجزائري في وقت سابق تعليمات للمنظمات الجماهيرية وفعاليات المجتمع المدني والنقابات بـ”عدم المشاركة في اللقاءات والندوات التي تنظمها السفارة الأمريكية بالجزائر”.
ويقدر مجموع مكاتب أف بي آي المنتشرة عبر العالم بـ(70) مكتبًا تتخذ من مباني السفارات الأمريكية مقرًا لها، ويملك الجهاز مكتبين بشمال أفريقيا أحدهما بالمغرب، والآخر بمصر[42].
في ظل هذا السياق الداخلي والإقليمي والخارجي يسيطر قدر من الضبابية على مستقبل العملية السياسية في الجزائر الذي يمثل الملف المركزي، والذي توظف من أجله الجزائر سياساتها وتحركاتها الخارجية على الصعيدين الإقليمي والدولي.

رابعًا- المملكة المغربية

· المستوى الداخلي

شهدت المغرب داخليًّا اضطرابات، وتأثرًا واضحًا بالموجة العالمية لارتفاع الأسعار، وقد نتج عن ذلك المزيد من البطالة والاضطرابات العنيفة، فقد قمعت الشرطة المغربية اعتصامًا نظّمه طلاب جامعيون احتجاجًا على البطالة المتفشية في البلاد. واستخدمت الشرطة الهراوات واعتدت بالضرب على المعتصمين؛ مما أدى إلى إصابة 120 شخصًا، إصابة (17) منهم وصفت بالخطيرة. في الوقت نفسه، واصلت الأجهزة الأمنية حملة اعتقالات في صفوف النشطاء الذين قاموا بتنظيم الاعتصام.
وطالب المحتجون المشاركون في الاعتصام الذي جاء استجابة لنداء “التنسيقية المغربية للأطر العليا” الحكومة المغربية بالنظر إلى أوضاعهم وإيجاد وظائف للشباب الجامعي الذي يعاني البطالة؛ وهو الشيء الذي “لا يمكن أن يستمر في دولة تدّعي الإصلاح والتغيير”، كما جاء في التصريح الأولي للتنسيقية التي اعتبرت أن العاطلين عن العمل من الإطارات الجامعية وصلوا إلى نسبة خطيرة.
ووصف بعض نشطاء حقوق الإنسان في المغرب هذا التصدي العنيف للاعتصام “بالأبرتايد”؛ نتيجة الطريقة التي تم بها ضرب واعتقال بعض الشباب ومضايقة حتى المارة الذين كان تواجدهم “بالصدفة” وقت الاعتصام، وهو ما اعتبره العديد من الحقوقيين المغربيين “تعسفًا غير مغتفر”، وانغلاقًا خطيرًا على الحوار، فبدلًا من أن يتم فتح الحوار مع هؤلاء الشباب وإيجاد العمل لهم لأنهم الأحق بالعمل كإطارات جامعية، صودر صوتهم وعوملوا معاملة “التحقير” على حد قولهم[43]. ناهيك عن عدد من الإضرابات النقابية التي شاركت بها القوى الوطنية في مايو 2008. وقام عشرات الشبان العاطلين عن العمل في “سيدي افني” بقطع مدخل ميناء المدينة.
وبلغت نسبة البطالة في المغرب 79 بالمئة في 2007، بحسب أرقام رسمية، بيد أن أربعة من كل عشرة عاطلين عن العمل في المغرب تقل أعمارهم عن 25 عامًا.
وفي ردّ فعل رسمي من جانب الملك، أعلن عن سلسلة إجراءات اجتماعية لصالح الطبقات الشعبية الفقيرة؛ وذلك في خطاب ألقاه بمناسبة الذكرى الـ(55) “لثورة الملك والشعب”[44].
وعلى مدار عام 2008، واصلت المغرب مطاردتها لعناصر تنظيم القاعدة في البلاد ومحاكمتهم. وفي هذا الإطار، تم بمحكمة سلا قرب الرباط توجيه الاتهام إلى (35) مغربيًّا بتجنيد متطوعين للقاعدة لإرسالهم إلى العراق والجزائر وفق ما علم من مصدر قضائي، وقال المصدر ذاته أنه “تم حبس 32 منهم في سجن سلا، ووضع ثلاثة تحت المراقبة القضائية، في حين أحيل قاصر أمام محكمة مختصة”. والمتهمون الذين أوقفوا في عدة مدن مغربية ملاحقون من قبل الادعاء بتهمة “تشكيل عصابة إجرامية للتحضير وارتكاب أعمال إرهابية تستهدف الإساءة بشكل خطر للنظام العام”.
وقالت الشرطة أن “الشبكة جندت وأرسلت (30) مرشحًا لعمليات انتحارية في العراق، وثلاثة متطوعين للقتال في صفوف القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”. وصرح مصدر في الشرطة لوكالة فرانس برس أن الاعتقالات جرت في مدن طنجة ولعراش ووجدة وتطوان (شمال) والرباط والخريبقة (وسط) وفاس. ويشتبه في انتماء “المعتقلين للسلفية الجهادية وفي ارتباطهم بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وتيار القاعدة في لبنان وسوريا وتركيا”.
وقال المصدر الأمني أن “المشتبه بهم كانوا يخططون لعمليات إرهابية في المغرب”. وتعد هذه ثالث شبكة إسلامية يعلن رسميًّا عن تفكيكها منذ بداية العام بعد شبكة المغربي البلجيكي عبد القادر بلعيرج (36 شخصًا)، وشبكة أخرى تضم (11) شخصًا[45]. وفي ذات السياق، أعلنت الشرطة المغربية أن أجهزة الأمن فكَّكت “شبكة إرهابية خطيرة” تضم (15) شخصًا تعرف باسم “فتح الأندلس كانوا يخططون لتنفيذ هجمات في المغرب[46].
الملاحظة الجديرة بالتسجيل في هذا الصدد أن عدم التنسيق والعلاقات المتوترة بين المغرب والجزائر كانت أحد أسباب امتداد نشاط تنظيم القاعدة ونجاحه في المغرب العربي.
وفي عام 2008 أيضًا، طفت على السطح قضية الفتاوى الفوضوية في المغرب في أعقاب إجازة شيخ إسلامي لزواج البنات في التاسعة من العمر. وما يلفت النظر هو اهتمام فرنسا بهذا الأمر لدرجة أن يعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية أريك شفاليه أن فرنسا تدين “بشدة” هذه الفتوى[47]. وعلى أثر ذلك جاء رد فعل السلطات المغربية عنيفًا للغاية؛ إذ قامت بإغلاق أكثر من خمسين جمعية بقرار إداري غير معلّل ولا مكتوب، حسب زكريا الساطع مدير جمعية الدعوة إلى القرآن والسُّنة بمراكش. وكانت السلطات المغربية قد أغلقت الجمعية المذكورة في العشر الأواخر من رمضان، بعد صدور بيان المجلس العلمي الأعلى حول فتوى المغراوي بجواز زواج الفتاة القاصر[48].
وأخيرًا، فقد تزايدت مخاوف المغرب من تنامي المد الشيعي في المغرب العربي عمومًا، وتخشى السلطات المغربية أن يكون هذا جزءًا من أجندة سياسية لإيران لمدّ نفوذها في المنطقة برمتها. لذا، اتجهت المغرب إلى مصر للتنسيق معها وإن لم تتبلور بعدُ سياسة واضحة علنية لمواجهة هذا المد[49].
وقد تزامن هذا القلق مع تحذير الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من استهداف إيران والجماعات الشيعية الجزائر وعددًا من الدول العربية، بواسطة نشر المذهب الشيعي فيها وتكوين أقليات شيعية، ورأى أن إيران تنفق أموالًا لتحويل السُنّة لخدمة قضيتها السياسية. وقال: «قطعًا، الأموال لها دور، ولكن لا أستطيع أن أتهم كل واحد يؤيد إيران أنه قبض منهم. ولا أستطيع اتهام الجميع بهذا. هناك أناس قبضوا ولازالوا يقبضون وبينهم وبين إيران دورات مكوكية، وهذا معروف»[50].

· الأوضاع الخارجية: إقليميًّا ودوليًّا

شهدت تفاعلات المغرب على المستويين الإقليمي والدولي العديد من التطورات، بدءًا من الاتحاد المتوسطي، والعلاقات مع أسبانيا، ناهيك عن العلاقات مع موريتانيا، والجزائر فيما يخص قضية الصحراء الغربية.
وفيما يتعلق بالاتحاد المتوسطي، كان الموقف المغربي مؤيدًا بحذر للمشروع. فقد رهن المغرب تفعيل الشراكة المغاربية-الأوروبية في إطار الاتحاد بمعاودة بناء الاتحاد المغاربي المتعثر. وقال وزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري: «لا يمكن أن ننجح في لعب هذا الدور إلا إذا تم بناء المغرب العربي وإرساء الثقة وفتح الحدود وتهدئة النفوس». وأوضح في خطابه أن الحوار الجدي والمشاورات الدائمة «يعتبران من السبل الكفيلة بتسريع وتيرة التعاون على الصعيد المغاربي»، مؤكدًا أن الاتحاد من أجل المتوسط يشكل «جوابًا ملائمًا على التحديات والتهديدات التي تتطلب العمل من أجل بناء علاقات جديدة بين جارٍ في الشمال مندمج ونامٍ وجار في الجنوب في طور النمو والاندماج السياسي». وبعدما عبّر عن دعم بلاده مشروع الاتحاد من أجل المتوسط، قال إن من شأن الاتحاد ضخ دماء جديدة في عملية برشلونة الأورو-متوسطية وتعميق الشراكة بين ضفتي البحر المتوسط. ورأى أن الرئاسة المشتركة بين الشمال والجنوب وعقد قمة بالتناوب كل عامين، إضافة إلى إقامة سكرتارية متوازنة وحضور سياسي وتكنوقراطي بين الشمال والجنوب، تُعتبر كلها من العوامل المشجعة.
ومن جهته، رأى مدير المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية عبد الحق عزوزي أن الاتحاد من أجل المتوسط «سيمكّن من إيجاد حلول شجاعة لرجال ونساء يعيشون ضمن ثقافات ومناطق مختلفة»، مشددًا على أن تنوع الحضارات بين مكونات هذا الفضاء «مصدر حوار وتفاهم وتضامن وتعاون في بناء السلم واحترام الاختلاف والنقد البنّاء، بعيدًا عن كل أشكال التطرف والعنف والإقصاء»[51].
ولكن رغم ذلك، غاب ملك المغرب عن القمة بسبب نقل الأمانة العامة للاتحاد إلى الجزائر، بعد أن كان هناك وعد فرنسي لملك المغرب بأن يكون مقر الأمانة العامة في المغرب، وحاول الرئيس الفرنسي أن يبرر موقفه في محادثة تليفونية مع الملك المغربي.
أما فيما يخص العلاقات المغربية-الجزائرية والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بقضية الصحراء الغربية والموقف منها، فقد دعا ملك المغرب محمد السادس الجزائر إلى الاستجابة لمطالب بلاده بفتح الحدود المغلقة بين البلدين منذ عام 1994، مطالبًا الجزائر بأن تفصل هذا الموضوع عن قضية الصحراء الغربية التي اتهم الجزائر بإعاقة تسويتها[52]؛ وذلك لضرورة استراتيجية تستدعي التعاون لمكافحة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي.
وفي سياق العلاقة مع إسبانيا، أشارت العديد من الصحف الإسبانية إلى أن المغرب لم يتخلَّ عن المطالبة بالسيادة على جيبي سبتة ومليلية الإسبانيين في شمال المغرب خلال الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لوي ثاباتيرو لمدينة وجدة شرق المغرب، ووصفت صحيفة ألموندو الموضوع تحت عنوان “سجل تشدد في الموقف المغربي” بشأن الجيبين موضع النزاع بين البلدين.
غير أن التشدد ظهر في اللقاءات الخاصة، ولم يبدو أن ثمة أي إشكال خلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب لقاء رئيس الوزراء المغربي عباس الفاسي ونظيره الإسباني. وأوردت ألموندو و”آي بي سي” تصريحات بالغة الوضوح للفاسي لوسائل الإعلام المغربية قال فيها “إنه من حقنا استعادة مدينتي سبتة ومليلية وقلت ذلك لثاباتيرو”. وأشارت الصحيفتان إلى أن المغرب قرن موعد هذه الزيارة رمزيًّا بالذكرى السادسة لنزول قوة عسكرية رمزية مغربية في جزيرة ليلى (بريخيل) التي تقع قبالة المغرب والتي يطالب بسيادته عليها. وكان نزول جنود مغاربة في هذه الجزيرة غير المأهولة في11 تموز/يوليو 2002 قد أثار أزمة شديدة بين الرباط ومدريد مما تطلب تدخلًا دبلوماسيًّا أميركيًّا[53].
ومن ناحية أخرى، اتجهت المغرب لتوطيد علاقاتها مع موريتانيا والحصول على تأييدها للمبادرة المغربية لحل أزمة الصحراء الغربية، وهو ما بدا ناجحًا، فقد أكد رئيس البرلمان الموريتاني مسعود ولد بلخير قوله إن “موريتانيا تدعم المبادرة الجديدة للمملكة المغربية في الحل السلمي والعادل لقضية الصحراء”.
وأوضح ولد بلخير -عقب انتهاء زيارته للمغرب والتي دامت ثلاثة أيام- أنه أبلغ نظيره رئيس البرلمان المغربي بالموقف الموريتاني الداعم للمبادرة المغربية. وقال ولد بلخير في بيان مقتضب وزع على وسائل الإعلام بنواكشوط بعد عودته من زيارته للمغرب: “إن كل الاتصالات واللقاءات التي أجريتها في المملكة المغربية كانت بالنسبة لي فرصة للتذكير وبكل وضوح بالثوابت التالية التي تلخص موقف بلدنا من هذا النزاع وهي: دعم كل حل متفق عليه من طرف الأمم المتحدة، واستعدادنا الكامل للسعي من أجل تقارب أطراف النزاع”. وتقول الأوساط السياسية إن التصريحات التي أطلقها ولد بلخير في الرباط أثارت غضب الجزائريين وكانت وراء التعثر الدبلوماسي الذي حدث للوزير الأول السيد يحي ولد أحمد الواقف في مطار الجزائر،كما أثار حفيظة الصحراويين الذين هاجموا الرئيس ولد بلخير في مقالات نشرتها مواقع عربية مهتمة بالشأن الإقليمي[54].
وعلى صعيد علاقة المغرب بالاتحاد الأوروبي، كانت المفوضية الأوروبية اعتبرت في آخر تقرير لها عن سياسة الجوار أن أربع دول تستحق أن يعزز الاتحاد الأوروبي علاقاته معها؛ وهي: المغرب وأوكرانيا ومولدوفيا وإسرائيل. وهي الدول التي سيتعهد الاتحاد الأوروبي بمنحها وضعًا مميزًا. وبعد أشهر من المفاوضات مع الرباط يتوقع أن يقبل الأوروبيون طلب المغرب منحه “وضعًا متقدمًا” بحسب مشروع قرار سيعرض على وزراء خارجية دول الاتحاد لتبنيه. هذا الوضع الجديد “سيترجم إلى تعزيز العلاقات السياسية بين المغرب والاتحاد الأوروبي بهدف أخذ أولوياتهما الاستراتيجية بعين الاعتبار وباندماج تدريجي للمغرب في السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي[55].
وتستمر المغرب في توطيد علاقاتها الأمنية بالولايات المتحدة فقد أعلنت مجموعة “لوكهيد مارتن” الأمريكية لصناعة الطائرات أن المغرب طلب رسميًّا الحصول على (24) مقاتلة من طراز “إف16”. وقال البيان إن البدء بإنتاج الطائرات موضع عقد أول بقيمة 6233 مليون دولار. وكانت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أبلغت الكونغرس الأميركي في ديسمبر نيتها بيع المغرب (24) طائرة قتالية من طراز “إف16” تصنيع “لوكهيد مارتن” إضافة إلى تجهيزات وخدمات ملحقة بقيمة إجمالية يمكن أن تصل إلى (42) مليار دولار. وتتنافس في المغرب طائرات “إف 16” مع طائرات “رافال” الفرنسية من صناعة مجموعة “داسو” التي لم تنجح في توقيع عقود تصدير.
وقال جون لارسون نائب رئيس برنامج “إف 16” في مجموعة “لوكهيد مارتن”: “إننا سعداء لأن سلاح الجو المغربي اختار (إف16) لتحديث أسطوله من الطائرات القتالية”[56].
ومرة أخرى، نلحظ أن أغلب التفاعلات المغربية الإيجابية تسير في اتجاه الشمال عدا التفاعل مع إسبانيا الذي يشوبه بعض التوترات، عدا ذلك تكون التفاعلات الأفقية هي التفاعلات التي غلبت عليها السلبية، مع إعطاء وضع خاص للتفاعل مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

خامسًا- موريتانيا

· تطور الأوضاع على المستوى الداخلي

سيطرت موجة من الاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي على الساحة السياسية في موريتانيا، فهناك ما يشبه الصراع بين الرئيس الجديد والجيش بسبب الخلاف على تولي بعض المقربين من الرئيس لمناصب عليا، ويلجأ الجيش -نتيجة التزامه بالبعد عن الحياة السياسية- إلى الاستعانة بقوى المعارضة ضد الرئيس.
فمنذ تشكيل حكومة الواقف الأولى والتذمر العسكري بادٍ على كل المناسبات السياسية, وحيث كانت البداية الطبيعية لنزيف الثقة الذي أصاب العلاقة الحتمية بين شخص الرئيس وسعادة الجنرالين حديثي الأوسمة.. وكان سبب الخلاف شكليًّا على بعض الأسماء المقترحة في تقلد مناصب حساسة في تسيير البلاد, سواء على مستوى القصر الرمادي أو على مستوى الوزارة الأولى.
ومع تزامن هذا التوتر السياسي مع التوتر الخاص بالأوضاع الاقتصادية الداخلية، فقد شهدت أسعار بعض المواد الاستهلاكية ارتفاعًا ملحوظًا في الأسواق المحلية، لاسيما الأرز والألبان… وقد تم ذلك في وقت تطغى فيه شائعات عن زيادة وشيكة في قطاع المحروقات. وحسب مسئولي الجمعية الموريتانية لحماية المستهلك، فإن الإجراءات التي اتخذت للتغلب على الارتفاع المذهل للأسعار لم تؤدِّ النتيجة المرجوة منها.
وانتهى الأمر بضرورة تشكيل البرلمان لمحكمة عدالة سامية، واستقالة عدد من أعضاء الحكومة؛ مما نتج عنه تشكيل حكومة جديدة برئاسة يحيى ولد الواقف. وتمسك أعضاء البرلمان في أعقاب تصريحات حرم الرئيس في زيارتها لإسبانيا التي اعتبرت مهينة لأعضاء البرلمان لعقد جلسة طارئة في البرلمان، ولكن هذا لم يحدث، فقد تدخلت المؤسسة العسكرية وأطاحت بالرئيس. وتعهد مدبرو الانقلاب العسكري في موريتانيا بتنظيم “انتخابات رئاسية حرة وشفافة في أسرع وقت ممكن، وبالحفاظ على القانون والمؤسسات القائمة”.
وأوضح بيان صادر عن مجلس الدولة الذي تشكل في أعقاب الانقلاب أن المجلس “سيتخذ الإجراءات التي تفرض نفسها من أجل ضمان استمرارية الدولة والإشراف بالتنسيق مع المؤسسات والقوى السياسية والمجتمع المدني على إجراء انتخابات رئاسية تسمح بإعادة إطلاق العملية السياسية وتأسيسها وفق قواعد دائمة”.
ووعد المجلس الذي يقوده الجنرال محمد ولد عبد العزيز بأن “هذه الانتخابات التي ستجري ضمن مهلة زمنية بأسرع ما يمكن ستكون شفافة وحرة تسمح مستقبلًا بعمل مستمر وتنسيقي بين مجمل الصلاحيات الدستورية”. وقال ولد عبد العزيز الذي أطاح بالرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، في مقابلة مع صحيفة لوتان السويسرية: “أتعهد شخصيًّا بالحفاظ على دولة القانون وحريات المواطنين والمؤسسات الديمقراطية الموجودة”.
وأكد أن الإطاحة بالرئيس ولد الشيخ عبد الله “ليست انقلابًا”، ولكنها “تحرك يهدف إلى إنقاذ البلاد لوضعها على درب العملية السياسية التي بدأها الجيش في الثالث من أغسطس 2005”. وقد أقدم ولد عبد العزيز على تحركه (الاستباقي) فور صدور مرسوم رئاسي يقيله من منصبه على رأس هيئة الأركان الخاصة بالرئيس، إلى جانب عدد من كبار الضباط. ووفقًا لبيان أذاعه التلفزيون الرسمي يضم مجلس الدولة (11) ضابطًا برئاسة الجنرال محمد ولد عبد العزيز.
وقد أدانت الجهات المختلفة الانقلاب، وطالبت بعودة الحياة الديمقراطية في موريتانيا. حيث أدانت الولايات المتحدة الانقلاب بشدة، وأعلنت تعليق ما تزيد قيمته على (20) مليون دولار من المساعدات إلى موريتانيا، ودعت إلى عودة فورية إلى الحكم المدني. فيما هددت فرنسا باتخاذ “إجراءات” ضد الانقلابيين، وطالبت “بإطلاق سراح الرئيس عبد الله وسائر الأشخاص الذين يعتقلهم المجلس العسكري فورًا”. وأكدت الرئاسة الفرنسية رفضها مبدأ إجراء انتخابات رئاسية جديدة في موريتانيا باعتبارها “ستكون غير شرعية”.
كما أدانت المفوضية الأوروبية الانقلاب وهددت بتعليق المساعدات لموريتانيا، واعتبرت أن “الإفراج عن الرئيس المنتخب ديمقراطيًّا وعن رئيس الوزراء شرط مسبق” قبل الحديث عن أي انتخابات قد تجريها نواكشوط. وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة “بان كي مون” عن “الأسف العميق للانقلاب”، ودعا إلى “احترام دولة القانون وإعادة النظام الدستوري فورًا”.
فيما قالت إسرائيل -التي تقيم علاقات دبلوماسية مع نواكشوط- على لسان مسئول في وزارة الخارجية دعم تل أبيب لما سماه بـ”العملية الديمقراطية” في موريتانيا، قائلًا: “نتابع تطورات الوضع الذي لا يبدو واضحًا”.
وعلى الصعيد الإقليمي طالب الاتحاد الأفريقي في بيان له بالإفراج الفوري عن ولد الشيخ عبد الله و”بقية الشخصيات المعتقلة”، وضمان حمايتهم الجسدية وأمنهم وكرامتهم فضلًا عن أفراد أسرهم”، وهدد بتعليق عضوية موريتانيا بأنشطة الاتحاد. وفي نيجيريا ندد الرئيس عمر أبو بكر بالانقلاب، وتعهد في تصريحات للصحافة بأن بلاده لن تعترف به.
أما الجامعة العربية، فقد طالبت من جانبها بالحفاظ على مسيرة الديمقراطية في البلاد، وأعلنت أن وفدًا منها سيتوجه إلى موريتانيا في محاولة للتقريب بين مختلف الأطراف السياسية ولقاء رئيس مجلس الدولة محمد ولد عبد العزيز.
وفي مصر، قال المتحدث باسم الخارجية المصرية حسام زكي في بيان له إن “مصر تشعر بالأسف البالغ لما وصلت إليه الأمور في هذا البلد الشقيق”. فيما عبر الرئيس التونسي زين العابدين بن علي والزعيم الليبي معمر القذافي عن “قلقهما” حيال الانقلاب، وقررا إيفاد الأمين العام لاتحاد المغرب العربي إلى موريتانيا للوقوف على التطورات هناك، وإعداد تقرير شامل عنها وإجراء اتصالات مع مختلف الأطراف.
في حين أعرب الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو عن قلقه إزاء الانقلاب العسكري، مشيرًا إلى أنه كان يتمنى أن تعالج جميع المسائل المرتبطة بالعملية السياسية في إطار المبادئ الديمقراطية وسيادة القانون[57].
بعد ذلك، تركزت التفاعلات في المشهد السياسي الموريتاني حول الانقلاب، فتشهد الساحة الموريتانية تطورات متسارعة للغاية؛ حيث تشهد التكتلات السياسية الرئيسة على الساحة (المؤيد للانقلاب)، و(المعارض للانقلاب) وغيرها، العديد من الانشقاقات، وتقوم جبهة جديدة تؤكد أنها تتبع خطًّا سياسيًّا ثالثًا محايدًا تدعى “جبهة الإنقاذ”، وفي حين تتحرك الجبهة المناوئة للانقلاب من أجل تظاهرات مناهضة للانقلاب، تقوم الحكومة الحالية بقمع هذه التظاهرات.
على جانب آخر، تم القبض على عقيلة الرئيس المخلوع وبدء التحقيق معها، والإعداد لمحاكمة الرئيس المخلوع، وإن كان تم الإفراج عنها بعد ذلك. وتم الإفراج عن الرئيس نفسه على أثر الضغوط التي مورست على قادة الانقلاب من دول الاتحاد الأوروبي تحديدًا[58].
وقد استغل تنظيم القاعدة الأوضاع المتوترة في موريتانيا، وأعلن في بيان نشره مركز الفجر للإعلام تبنيه هجوم ازويرات في شمال موريتانيا، مؤكدًا قتل عناصره لاثني عشر عسكريًّا “من بينهم قائد الفرقة واستحواذهم على آليتين وسلاح دوشكا و10 رشاشات و 20 بيكا وكمية من الذخائر وانحازوا بعدها إلى قواعدهم سالمين”. وقال التنظيم إن ما وصفه “بالغزوة الناجحة” نفذها أسود المغرب الإسلامي بقيادة الشيخ عبد الحميد أبي زيد، واستهدفوا فيها قافلة لقوات الجيش الموريتاني بمنطقة ازويرات[59].

· التطورات الخارجية: إقليميًّا ودوليًّا

كانت تفاعلات النظام الموريتاني قبل الانقلاب عليه تتجه للتهدئة وإيجاد حلول في العديد من الملفات الإقليمية مثل ملف نزاع الصيد مع السنغال. وكان وزير الصيد السنغالى السيد سليمان اندين انجاى وصل إلى العاصمة نواكشوط للتباحث مع المسئولين الموريتانيين بعد خلاف حاد حول عدد السفن السنغالية المسموح لها بالصيد في مياه موريتانيا الإقليمية.
وقالت المصادر أن الاتفاق الذي وقعته موريتانيا والسنغال تعثر عند التطبيق بعد احتجاز موريتانيا لعدد من السفن التابعة لأسطول الدولة الجار. وكانت موريتانيا والسنغال قد وقعتا في السادس والعشرين من مارس اتفاقية ثنائية في مجال الصيد تدوم سنة واحدة قابلة للتجديد، وتسمح للسنغاليين بالحصول على ثلاثمائة رخصة جديدة للصيد السطحي إضافة إلى عشر رخص للصيد الصناعي. وكذا، تخفيض نسبة تفريغ السفن السنغالية لحمولتها بالموانئ الموريتانية بنسبة 15%، وهو ما سيمكن السنغال من تحسين مدى استفادتها من الشواطئ الموريتانية الغنية بالأسماك.
وتتيح الاتفاقية الجديدة لموريتانيا زيادة الرسوم على السفن الصناعية السنغالية العاملة في المياه الموريتانية، ويسمح لسفنها بالاصطياد في القاع الساحلي السنغالي بدل المياه العميقة السنغالية، وكذا الحصول على (40) فرصة عمل على السفن الصناعية السنغالية العاملة بالمياه الموريتانية[60].
كذلك، دعمت موريتانيا -كما سبق القول- المبادرة المغربية الخاصة بالصحراء الغربية.
أما ما بعد الانقلاب، فقد اتخذت القوى الإقليمية والدولية موقفًا متشددًا للغاية في البداية من قوى الانقلاب، ورفضت التعامل معها، إلا أن هذا الموقف بدأ يتغير مع الوقت ويصبح أكثر مرونة من أجل التعامل مع الأمر الواقع.
وجاء على لسان جان بينغ رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي أنه “سجل” تعهدَ الجنرال محمد ولد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للدولة بإطلاق سراح الرئيس الموريتاني المطاح به وذلك خلال محادثات ولد عبد العزيز. وعبرت مفوضية الاتحاد الأفريقي في بيان لها عن رفضها “لتغيير الحكومات بطريقة غير دستورية”، مؤكدة على “ضرورة عودة النظام الدستوري إلى موريتانيا”.وحضت المفوضية الأفريقية سلطات نواكشوط على “الابتعاد عن أي إجراء مؤسسي أو قانوني قد يساهم في زيادة تعقيد الموقف الراهن”[61]. وفي هذا السياق، يمكن فهم خلفيات قرار الولايات المتحدة الأمريكية بفرض قيود على سفر شخصيات موريتانية من بينها سياسيون، وعسكريون ورجال أعمال وبرلمانيون[62].

الخلاصة العامة:

يتجلى فيما سبق، أننا بصدد التعامل مع نظام فرعي إقليمي له العديد من السمات المشتركة، ويعاني العديد من الهموم والمشكلات المشتركة ولعل أبرزها: المشاكل الاقتصادية، وعدم الاستقرار السياسي، وسيادة نظم سياسية استبدادية، والمعاناة من الإرهاب، والعلاقات القديمة مع المستعمر، وفي حين تتجه بتفاعلاتها الإيجابية نحو الشمال والجنوب رأسيًّا في سبيل التعاون، فإنها تتفاعل سلبيًّا على المستوى الأفقي، وكأنها تتنافر بما لا شك أنه يؤثر سلبًا على أمتنا العربية والعالم الإسلامي.
*****

الهوامش:

[1] موقع أخبار ليبيا، Jul 27, 2008.
[2] موقع أخبار ليبيا، Jul 29, 2008.
[3] موقع الجزيرة، 10-11-2008.
[4] موقع الجزيرة نت، 1-9-2008.
[5] موقع أخبار ليبيا، 24-11-2008.
[6] موقع أخبار ليبيا، 12-11-2008.
[7] المرجع السابق،29-8-2008.
[8] موقع أخبار ليبيا، July 06 , 2008
[9] موقع أخبار ليبيا، Jun 013 , 2008
[10] موقع أخبار ليبيا، July 15, 2008
[11] موقع أخبار ليبيا، Jun 014 , 2008
[12] موقع أخبار ليبيا، Jun 09 , 2008
[13] موقع الجزيرة، 9-11-2008.
[14] موقع الجزيرة للأخبار، 25-7-2008.
[15] موقع أخبار ليبيا، Jun 14, 2008.
[16] موقع الجزيرة للأخبار، 31-7-2008.
[17] المرجع السابق، 11-10-2008.
[18] المرجع السابق، 11-11-2008.
[19]http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1209357928334&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout, 26-5-2008.
[20] الموقع السابق، 26-9-2008.
[21] أخبار تونس، 26-9-2008.
[22] الجزيرة نت، 7-11-2008.
[23] موقع الجزيرة للأخبار، 30-7-2008.
[24]http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1209357304830&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout 26-5-2008.
[25] CNN.Arabic.com 7-6-2008.
[26] وكالة الأخبار التونسية، 14 -07-2008
[27] وكالة الأخبار التونسية، 16 -06-2008
[28] وكالة الأخبار التونسية، 16 -06-2008.
[29] موقع إسلام أوين لاين، 10 أبريل 2008.
[30] المرجع السابق، 12-11-2008.
[31] وكالة الأنباء الجزائرية، 26-6-2008.
[32] وكالة الأنباء الجزائرية، 26-6-2008.
[33] وكالة أخبار الجزائر، 9-6-2008.
[34] وكالة الأنباء الجزائرية، 13-7-2008.
[35] الجزيرة، 20-5-2008.
[36] وكالة الأنباء الجزائرية، 13-7-2008.
[37] جريدة أخبار اليوم الجزائرية، 3-9-2008.
[38]http://www.alarabiya.net/articles/2008/05/31/50727.html, 31-5-2008.
[39] الجزيرة نت، 17-11-2008.
[40] وكالة الأنباء الجزائرية، 18-6-2008.
[41] المرجع السابق، 4-10-2008.
[42] إسلام أوين لاين، 2 أبريل 2008.
[43] موقع آفاق، 18-4-2008.
[44] المرجع السابق، 24-8-2008.
[45] وكالة الأنباء المغربية، 12-7-2008.
[46] موقع أخبار المغرب،30-8-2008.
[47] المرجع السابق، 4-10-2008.
[48] موقع الجزيرة نت، 15-10-2008.
[49](http://www.alzoa.com/docView.php?con=35&docID=5463
[50] موقع أخبار اليوم في الجزائر، 7 2-9-2008.
[51] موقع أخبار ليبيا، Jun 14 2008.
[52] المرجع السابق، 8-9-2008.
[53] El Periodico “El Mundo”, 12-7-2008.
[54] وكالة الأنباء الموريتانية، 07.06.2008
[55] موقع أخبار المغرب، 12-10-2008.
[56] موقع المغرب للأخبار، 4-مايو 2008.
[57] موقع الجزيرة نت، 10-8-2008.
[58] الجزيرة نت، 5 1-11-2008.
[59] المرجع السابق، 23-9-2008.
[60] وكالة الأنباء الموريتانية، 17.06.2008
[61] المرجع السابق، 30-8-2008
[62] وكالة الأنباء الموريتانية، 19-11-2008.

نشر في حولية أمتي في العالم، عدد 2009

للتحميل اضغط هنا 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى