المسلمون في الغرب.. بين قضاياهم وقضايا الأمة

توطئة: تبدّل معطيات محورية

يوجد من العوامل الظاهرة في الواقع الراهن والمُستخلصة من مجرى التاريخ القريب، ما يستدعي الحرص على وضع السؤال عن دور المسلمين في الغرب على صعيد قضايا الأمة، في إطار السؤال عن مستقبل الوجود الإسلامي في الغرب إجمالا، وأهمّ هذه العوامل بإيجاز:
أولا- معظم المسلمين في الغرب الأمريكي، وزهاء الثلثين في الغرب الأوروبي، هم الآن جزء عضوي من نسيج المجتمعات الغربية، فلا ينفصل تأثيرهم بمنظور قضايا الأمّة عن تطوّر تفاعلهم في مجتمعاتهم الغربية، كمًّا ونوعا، سلبًا وإيجابا. ومن شأن محاولة فصلٍ من هذا القبيل أن تُضعف ذلك التأثير، وتضيف مزيدا من الأسباب للتشتّت الحالي، على خلفية:
1- خارطة تعدّد الاجتهادات والتصوّرات والتكتلات الإسلامية، فضلا عن الخلفيات الطائفية والمذهبية..
2- خارطة تعدّد الانتماءات والتوجّهات القومية وسواها عند أصحاب الأصول الوافدة جغرافيا، الأجنبية غربيا..
3- خارطة تعدّد الانتماءات والتوجّهات الوطنية المحلية للمسلمين ذوي الأصول الغربية، ومَن بات في حكمهم من مواليد ما يسمّى الجيل الثاني والثالث وأصحاب الإقامات الاستيطانية الطويلة لعدة عقود..
4- خارطة الاختلافات حول “الهويّة” بين مقتضيات تطبيق الإسلام الواجبة ومقتضيات المعيشة المشروعة في الغرب.

ثانيًا- انطلاقا من أهمية موقع التنظيمات في أي جهد يستهدف قضية من قضايا الأمّة، ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار أن واقع التنظيمات الإسلامية في الغرب –بغض النظر عن صور تعميمية وربّما تجميلية له- لا يسمح باستشراف ما يمكن أن تصنعه مستقبلا، لأسباب جوهرية عديدة، منها غياب أطروحات جادّة لِما يكفي من التنسيق فضلا عن التعاون الوثيق، ثمّ التفاوت بين تنظيم وآخر من حيث حجم قاعدته البشرية من المسلمين عدديّا، ودرجات تأثيره النوعيّ المتبادل في المجتمع حوله. ويعني ذلك ضرورة ربط السؤال عن قابلية التأثير الفعال مستقبلا على صعيد مختلف القضايا المحلية وعلى مستوى الأمّة بالسؤال عن قابلية تأمين حدّ أدنى من الأرضية التنظيمية القويمة.

ثالثًا- يرتبط تأثير أي فرد أو تجمّع بشري بأوضاعه الذاتية، الثقافية والفكرية والاجتماعية والمادية، فمن الضروري استشراف ميزان التأثير المرجو داخل المجتمعات الغربية أو في التفاعل مع القضايا الإسلامية عموما، استشرافا واعيا بحقيقة تطوّر تلك الأوضاع على صعيد المسلمين في الغرب.
ثم مع التطلّع إلى أن يكون التأثير إسلاميّا من حيث المنطلق والوسيلة والهدف وشاملا للرؤية والمقتضيات الإنسانية المشتركة، ينبغي أن يشمل استشرافُ ذلك الميزان مراعاة: (1) الالتزام بتطبيق الإسلام ووسطيته.. و(2) ضعف هذا الالتزام أو غيابه.. و(3) النكوص على الذات دينيا والعداء الصريح بدعوى حرية النقد غالبا. وللتنويه بحجم المهمة (استكشاف الأوضاع الذاتية والخلفية الإسلامية) وبالتالي بالحاجة إلى دراسات وبحوث مستفيضة، ومتوالية متجددة، لأدائها كما ينبغي، تكفي الإشارة في هذا الموضع إلى ثلاثة اعتبارات:
1- ما يطفو على السطح من إنجازات فردية، ونوعية التفاعل الغربي معها، وهذا ما يتفاوت بين عطاء رفيع متميّز في البحث العلمي -ومثاله حامل جائزة نوبل للكيمياء أحمد زويل من الولايات المتحدة الأمريكية- وبين أنشطة تهجمية أو “علمانية أصولية” تُكافأ بجوائز ثقافية وبالدعم المباشر، كما في حالة نجلا كيليك في ألمانيا[1].
2- ما لا يطفو على السطح من إنجازات فردية مقترنة بالالتزام بالإسلام وتطبيقه، إذ لا تُسلّط عليها الأضواء، مثلما تُسلّط على ما يقترن بالعداء الصريح.. ولكن ينبغي أن يؤخذ هذا وذاك بعين الاعتبار لاستشراف تطوّر “الحالة الثقافية” للمسلمين في الغرب، كعنصر أساسي من عناصر استشراف تأثيرهم المحتمل أو المرجو.
3- التفاوت في نسبة الإنجازات الإيجابية والسلبية، بين بلد غربي وآخر، مع الإشارة إلى ارتفاعها عموما في “مجتمع الهجرة الاندماجي” الأمريكي، وظهور تطوّر كمي ونوعي في الغرب الأوروبي، تتسارعُ وتيرته مع انتشاره أفقيا، ويمكن أن تظهر نتائجه للعيان خلال جيل واحد على أبعد حدّ.

رابعًا- لا يخفى ارتباط دوافع أي سؤال عن دور المسلمين في الغرب على صعيد قضايا الأمّة، بما أثارته حملات التخويف المرضي من الإسلام، وتعميم وصمات “الأصولية.. والعنف.. والإرهاب.. والتخلّف” وما شابهها على المسلمين الناشطين، وأحيانا على المسلمين الملتزمين عموما، ومدى تأثّرهم وتحجيم دورهم، إنّما ينبغي تجاوز الانطباعات العامّة لاستجلاء تفاصيل ما لا يتمّ رصده بما فيه الكفاية من حيث:
1- اعتماد هذه الحملات على اتجاهات “علمانية أصولية” و”يمينية متطرّفة” و”سياسات مصلحية”.. مع ضرورة التمييز بين ذلك وبين من يشارك تأثّرا بها ونتيجة غياب جهود إسلامية متوازنة منهجية تفنّد ما تنطوي عليه من افتراء، وتطرح العلاج لِما تستند إليه من وقائع تتطلّب العلاج ولا تسوّغ الاستغلال للعداء.
2- ظهور اتجاهات منهجية منصفة داخل المجتمعات الغربية، لا سيّما الأوروبية (في ذلك تطوّر معاكس لِما يشهده الشمال الأمريكي مع نهاية العِقد الأول من القرن الميلادي الحادي والعشرين) تتعامل بصيغ موضوعية مع الإسلام في الغرب وعالميا، وينبغي التفاعل معها، لا سيّما وأنّها بدأت تساهم إسهاما متناميا في اهتراء مفعول الحملات المعادية.
3- ازدياد تأثير معرفة الإسلام أو بعض جوانبه الأساسية على جيل الشبيبة من ذوي الأصول الغربية، تأثيرا يسمح باستشراف رؤية “مستقبلية” مغايرة لِما تعبّر عنه الأجواء العامّة الآنيّة.
وعلى ضوء ما سبق لا ينبغي استغراب السؤال ما إذا أصبح “تصعيد” الحملات العدائية من قبيل “الهجوم أمضى وسائل الدفاع”.. والمقصود ببعض التبسيط:
– هي حملات صادرة عمّن لا يزال يشكّل غالبيّةً علمانية أصولية من صنّاع القرار السياسي والإعلامي والثقافي والاقتصادي..
– تستهدف ممارساتٍ وقيمًا إسلامية وسطية ثابتة تهدّد استمرار مفعول قيمٍ غربية داخل الغرب نفسه..
– تجري التغطية على استهدافها عبر نسبة “العنف غير المشروع” و”التخلّف” وما شابه ذلك إلى الإسلام نفسه، وترويج القول بتناقضه مع “إيجابيات” معروفة في منظومة القيم الغربية (ما يتعلق باستقلال القضاء مثلا)..
– هي بذلك حملات تستهدف المواطن الغربي غير المسلم، كيلا يزداد تجاوبه مع قيم إسلامية لم يعد يمكن إنكارها بصيغ نمطية قديمة متوارثة، وقد بدأت بوادر تمرّده (أو تذمّره على الأقلّ) إزاء قيم غربية قديمة وأخرى صُنعت صنعا خلال العقود الأخيرة وظهرت عواقبها للعيان (على صعيد الأسرة تخصيصا ومن خلالها على مستوى العلاقات الاجتماعية).. وهو ما شمل العلاقات البشرية والدولية مع “الإنسان” غير الغربي عموما، ويتركّز على المنطقة الإسلامية حاليا، وجميع ذلك ممّا تتزايد الأصوات الغربية للتحذير من حصيلته، إضافة إلى دعوات إعادة النظر في موقع القيم الدينية في النظم العلمانية.

خامسًا- يعزّز هذه الفرضية –مع تأكيد استمرارية الحملات المعادية وتصعيدها- أنّ ضعف مفعول الصور النمطية القديمة يساهم في اللجوء إلى “نهج التشكيك” إذ لم يعد يمكن حجب معلومات “إيجابية” حول الإسلام عن العامّة من الغربيين غير المسلمين، فبدأ التشكيك في وقائع التاريخ الإسلامي الثابتة وفي المصادر الإسلامية الأولى، عساه يؤدّي إلى عدم “تصديق” العامّة لِما بات يلوح لهم من إيجابيات الإسلام[2].

سادسًا- لا ينبغي في استشراف مستقبل الوجود الإسلامي في الغرب وفعالية تأثيره، أن يغيب عن الأذهان، أنّ الخطر الأكبر لا يكمن في مفعول حملات عدائية أو “إساءات صارخة”، قدر ما يكمن في جهود منظّمة حثيثة “الآن” لاستيعاب جيل الأطفال والناشئة من المسلمين في إطار معطيات أخرى “مستقبلا”. والقاسم المشترك هو العمل على أخذه تدريجيا بصيغة يعبّر عنها ما يسمّى “علمنة الإسلام”، وستظهر الحصيلة عبر ما نرصد على أرض الواقع جوابًا على السؤال:
هل تنجح القوى العلمانية الأصولية، التي تمثّل حاليا غالبية صانعي القرار الغربي في قطاعات السياسة والفكر والإعلام والثقافة، ويدعمها من ينهج نهجها من أوساط المسلمين، في رسم معالم التوجّهات الفكرية والثقافية والسلوكية لجيل المستقبل، من المسلمين ذكورا وإناثا، أم تنجح الجهود الإسلامية الفردية والتنظيمية في التأثير الكافي للوصول إلى حصيلة أخرى، لا يمكن التكهّن مسبقا بنوعيتها ومدى رسوخها، ما استمرّ العجز الحاليّ (أو الامتناع) عن رؤية منهجية هادفة لواقع الجهود الإسلامية الإيجابية الوليدة، وواقع الجهود الأخرى المنفتحة عليها، وتطويرها تطويرا دائبا متجدّدا؟

تستهدف الفقرات التالية إلقاء الضوء ما أمكن على أسئلة منبثقة عن هذه العوامل المحورية، مع ملاحظة انخفاض نسبة ما يمكن اعتماده من بحوث منهجية تحتاج إليها أيّ دراسة استشرافية مستقبلية، حول الوجود الإسلامي في الغرب عموما، أو حول ميدان معيّن مثل درجة ارتباطه وتأثيره بمنظور الانتماء إلى الأمّة، وما يوجد من ذلك لا ينطلق إلا نادرا من “رؤية إسلامية بحثية”، علما بأنّ الأوساط الرسمية والجامعية الأوروبية شرعت في تنفيذ مشاريع بحثية عديدة وواسعة النطاق لإيجاد قاعدة أساسية يمكن البناء عليها مستقبلا.
تظهر الصعوبات ابتداء من تعداد المسلمين، فلا يمكن الجزم به على مستوى البلد الغربي الواحد أو الغرب بمجموعه، فحول الغرب الأوروبي تخصيصا يتردّد ذكر أرقام ابتداء من 15 مليونا إلى 53 مليونا. من أسباب ذلك:
1- العامل الجغرافي لتعريف الغرب الأوروبي، بين منظومة الاتحاد الأوروبي المتوسّع شرقا، وما كان معروفا بأوروبا الغربية في حقبة الحرب الباردة، وما يمتدّ إلى ما وراء القوقاز في الأدبيات السياسية الحديثة..
2- شمول الأرقام الغالبيات المسلمة والأقليات المسلمة الكبيرة في دول البلقان، أو تجاهلها..
3- عدم التمييز بين الطوائف بالمعايير الإسلامية، كما في التعامل مع القاضيانية مثلا، وخلط الأرقام غالبا ما بين “مسلمين” و”أجانب” و”ذوي أصول أجنبية” و”مهاجرين ولاجئين” و”مقيمين عبر هجرة مخالفة للقانون”.. وما شابه ذلك.
وليس من الأسباب الفعلية –وإن تردّد ذلك كثيرا- عدمُ ذكر “الديانة” إحصائيا لزمن طويل، انطلاقا من سواد الرؤية العلمانية القائلة باعتبارها “شأنا شخصيا”، فما لا تشمله أرقام إحصائية هم المسلمون في الدرجة الأولى، بينما يأتي تعداد سواهم دقيقا نسبيا، مما يشمل طوائف المسيحيين المتعدّدة (مئات الفروع الكنسية)، واليهود من السكان، أما تعداد المسلمين، فتتناوله أرقام تقديرية -منذ فترة طويلة- فينفسح المجال:
– للتخفيض على مستوى دوائر رسمية غربية بما فيها شبه الإحصائية، ربّما لتجنّب ما يترتّب على “الإحصاءات الدقيقة” من حقوق..
– للمبالغة على مستوى بعض المصادر الإسلامية من منطلقات عاطفية في الدرجة الأولى..
– للمبالغة أيضا من جانب “اليمين المتطرّف” الغربي ليستخدمها في التخويف ممّا يسمّيه “أسلمة أوروبا”.

لعلّ أبرز المحاولات الشاملة لحصر تعداد المسلمين في مختلف البلدان الغربية هي ما يعطيه مشروع بعنوان “الكتاب الإحصائي السنوي”[3] اعتمادا على دراسات/ متابعات مفصّلة تقوم بها جهاتٌ مختارة من داخل كلّ بلد على حدة، إنّما يظهر عند التمحيص في بعض ما يرد فيه الاعتمادُ على المصادر المتوافرة وبالتالي التقديرات العامة أيضا، فلا يمثل حصيلة “إحصائية” أو حصيلة دراسات قائمة بذاتها مع اتّباع طرق منهجية يمكن اعتمادها علميا.
تظهر صعوبات أخرى تعود إلى فوضوية متزايدة في استخدام مصطلحاتٍ أو تعابير عامّة في حكم المصطلحات، عند التعامل مع قضايا الإسلام والمسلمين في الغرب، ابتداءً من مصطلح مبتكر مثل “الإسلام الأوروبي” أو أصيل مثل الجهاد، مرورا بمصطلحات استُهلكت عبر استخدامها بمفاهيم متناقضة، مثل الانتماء والهوية، ومصطلحات باتت بحدّ ذاتها من أدوات الخلاف والصراع كمنظومة القيم، والعمل الإسلامي الحركي، وحتى “الإرهاب” والمقاومة، انتهاء بمصطلحات يغلب على فهمها لدى عموم المسلمين في الغرب ما يختلف أو يتناقض مع فهمها لدى الباحثين المسلمين في البلدان الإسلامية، مثل الاندماج والتعدّدية الثقافية.
سيرد في الفقرات التالية عند الحاجة تنويهٌ بالمقصود من مصطلح أو تعبير اصطلاحي معين، ولن يغني ذلك وحده للتغلّب على صعوبة أخرى تظهر عبر النظر في كتابات عامة ومواقف تتردّد في الأدبيات السياسية والإعلامية في المنطقة العربية، حول الوجود الإسلامي في الغرب.. ينطلق غالبها من اعتبار الإسلام وافدًا والمسلمين وافدين، تأثّرا بالطرح السائد غربيا، أو استنادا إلى معرفة سابقة بأوضاع قديمة، لم يعد لها أثر يستحقّ الذكر في هذه الأثناء.
وليس بسيطا -على سبيل المثال- أن تدعو جهات إسلامية ردّا على مسلسلات حظر حجاب المسلماتِ الملتزمات به للرحيل إلى بلدانهم الإسلامية، مقابل ما يرمز إليه قول رئيس الجمهورية الألمانية كريستيان فولف في كلمته بمناسبة الذكرى العشرين لإعادة توحيد ألمانيا (3/10/2010م) إن الإسلام أصبح جزءا من ألمانيا.. وهذا ما لا يسري على ألمانيا فقط.

سيجتهد كاتب هذه السطور أن ينطلق في الفقرات التالية من واقع الوجود الإسلامي الآنيّ عبر محطات تطوّره التاريخية، وما يُنتظر له مستقبلا، مع مراعاة النظرة السائدة في البلدان العربية، ومراعاة العوامل المحورية الستة المذكورة آنفا، ومع التركيز على الجوانب الأساسية المساعدة على رؤية جذور التطوّر المستقبلي، من خلال:
تصوّرات عامة ووقائع متبدّلة
مؤشرات مستقبلية بين الضغوط والإنجازات
خاتمة: نظرة استشرافية
ولا تتحقق في إطار بحث بحجم محدود نسبيا الإحاطة بالموضوع من كافة جوانبه، ولا تغطية البعد الجغرافي المرتبط به على امتداد العالم الغربي، فضلا عن أثر الفوارق القائمة على صعيد الوجود الإسلامي بين بلد غربي وآخر أو بين الشمال الأمريكي والغرب الأوروبي، وهو ما لا يسهّل الإجابة على سؤال محدّد كمستقبل التفاعل والتأثير بمنظور قضايا الأمة، ولكن يستدعي الحرص على تجنّب التعميم ما أمكن مع محاولة بيان بعض العوامل الأساسية المشتركة وبالتالي الاتجاه العام الأرجح مستقبلا.
كما تفرض ضرورة الإيجاز في موضوع واسع النطاق، التركيز على جوانب تبدو لكاتب هذه السطور هي الأهمّ، وعلى مصادر المعلومات والرؤى الأقرب إلى دائرة وجوده، ممّا يتوافر من دراسات أوروبية حديثة عموما وباللغة الألمانية تخصيصا، إضافة إلى الاعتماد على المتابعة المباشرة المتوافرة عبر الإقامة في ألمانيا منذ بضعة وأربعين عاما.

أولا- تصوّرات عامة ووقائع متبدّلة

يناقش هذا الجزء من البحث الأرضية الأوروبية التي ينطلق منها تقديرُ واقع المعطيات الذاتية للمسلمين في الغرب أساسًا لاستشراف مستقبل فاعليتها، سواء بمنظور غربي، بين حدّي الاندماج والذوبان أو بمنظور إسلامي بين حدّي التأثّر والتأثير، ويتركّز الحديث على عناوين مختارة، باتت تستخدم كشعارات أو مصطلحات، مثل الإسلام الأوروبي، والاندماج على أرضية التميز الأوروبي (وهو ما يُطرح أيضا بعناوين إسلام فرنسي.. وإسلام ألماني..). يلي ذلك استخلاص معالم عامة لواقع الأوضاع الاجتماعية والتعليمية والثقافية، التي بدأت بعض البحوث والدراسات تتناولها حديثا، مع ملاحظة اعتمادها على استطلاعات لا ترقى نتائجها إلى مستوى المؤكّدة، وافتقارها إلى أرقام إحصائية ودراسات أساسية.

الإسلام الأوروبي وعلمنة الإسلام:
“الإسلام الأوروبي” شعار دون مضمون اصطلاحي، ممّا يستدعي تصنيف استخداماته ليمكن تقدير مفعوله، ومن ذلك:
1- سياسيا كشعار غربي محض، يتردّد على ألسنة السياسيين أحيانا..
2- إعلاميا وفكريا في كتابات غربية ومستغربة تحتضن غالبا ما يسمّى “علمنة الإسلام”..
3- إعلاميا وفكريا في كتابات إسلامية التوجّه على سبيل التحذير من تلك “العلمنة”..
4- فكريا في كتابات إسلامية التوجّه أيضا على سبيل الاجتهاد لإعطاء تعبير الإسلام الأوروبي مضمونا اصطلاحيا وواقعيا مقبولا من الجانبين..
تبعا لهذه الاستخدامات لا يمكن التعامل مع تعبير “الإسلام الأوروبي” أو الغربي، بعيدا عن تعبير “علمنة الإسلام”، وليس لهذا التعبير أيضا مفهوم اصطلاحي محدد، وإن استُخدم على نطاق واسع..
1- في المنطقة الإسلامية بتوظيفه أداةً في “صراع اتجاهات” داخل الأقطار الإسلامية.. (استهدفت مؤخرا حزب العدالة والتنمية.. والإخوان المسلمين.. وما يوصف بالدعاة الجدد)
2- في التعامل مع “كتابات علمانية المضمون إسلامية العنوان” تجد الترحيب في الغرب وفي الأوساط العلمانية في البلدان الإسلامية.. (أبرز الأمثلة عليها نظريات محمد أركون ومن نحا نحوه أخذًا بنهج متفرّع عن مدارس فلسفات لغوية غربية، لطرح تفسير “آخر” للإسلام والنصوص القرآنية)..
3- كما استخدم تعبير “علمنة الإسلام” في الغرب، في التنظير والتخطيط عبر مؤتمرات تُعقد لهذا الغرض، من أبرزها خلال العقد الأول من القرن الميلادي الحادي والعشرين مؤتمر بيترسبورج في فلوريدا 4و5/3/2007م بمشاركة عربية وأمريكية..
4- الأهم في هذا البحث ما يتضمّن من تلك الأطروحات وسواها تخصيصَ دورٍ لمسلمي الغرب على طريق “علمنة الإسلام”، وبرزت من بين ذلك تقارير مؤسسة “راند” الأمريكية[4]، وأطروحات الكاتب الفرنسي جيل كيبل[5]. ويمكن أن ندرج في الاتجاه نفسه ما يطرحه المفكّر الفرنسي أوليفيه روا، الذي تنبّأ عام 1994م بنهاية ما يسمّى “الإسلام السياسي” (وهو من التعابير المبتكرة أيضا، التي تُعطى صبغة اصطلاحية عبر كثرة تداولها فحسب) إذ عاد في عام 2003م للدعوة واقعيا إلى “علمنة الإسلام” في كتابه بعنوان “عولمة الإسلام”، الذي خصّص الفصل الثاني منه للمسلمين في الغرب، وسعى لربط كافّة ما ينشأ من توجّهات في صفوفهم بما يراه من قواسم “سلبية” مشتركة بين جميع التوجّهات الإسلامية عالميا (تُرجم تعبيره الفرنسي إلى: الإسلاموية، وهو التعبير المحبّب علمانيّا) وشمل ذلك اتجاهات إصلاحية وإخوانية وصوفية وغيرها، ليؤكّد –أي روا- تناقضَ جميع ذلك مع متطلبات المجتمع العلماني المدني، فلا يبقى بين يدي القارئ في نهاية المطاف –وإن لم يطرح الكاتب ذلك بصورة مباشرة- سوى إخضاع تلك الصور المتعدّدة لتلك المتطلّبات[6].

لا وجود في واقع الحال للإسلام الأوروبي أو الإسلام “الغربي” بمعنى “العلمنة” إلاّ ما هو في صيغة “هدف” يراد تحقيقه، وتُبذل جهود حثيثة من أجله. ونجد بالمقابل ظهور تطوّرٍ تلقائي لصيغة من صيغ تطبيق الإسلام في مجتمع غربي، ممّا يسمح باستخدام تعبير “الإسلام الأوروبي” مجازا بمعنى الصيغة التطبيقية للإسلام في أوروبا، فالازدياد المطّرد لنسبة ذوي الأصول الأوروبية، والمواليد المسلمين، يؤدّي تلقائيا إلى تطوّر مطّرد في الصيغ التطبيقية للإسلام، بما يشابه ما يمكن أن نطلق عليه مجازا أيضا: “الإسلام الإندونيسي” أو “الإسلام الصيني” أو “الإسلام العربي” نسبة إلى مجتمعات انتشر فيها الإسلام جغرافيا، ولم يسبّب على مرّ قرون عديدة ذوبانَ ما لا يتناقض مع أركانه وكلياته الكبرى، من المميزات الذاتية لكلّ مجتمع نتيجة ماضيه الحضاري القائم بذاته. وهذا ما يسري على المجتمعات الغربية، ومنها ما أصبحت الغالبية السكانية فيه للمسلمين كالمجتمع الألباني أو المجتمع البوسني.
“الإسلام الأوروبي” الطبيعي والممكن هو (بشروط.. أو مع ملاحظة أن خلفية الطرح علمانية معتدلة) من قبيل ما يتحدّث عنه بروفيسور ماتياس روهه، القاضي والمرجع في علوم القانون، ومؤلّف كتاب “الشريعة”[7] المرجعي باللغة الألمانية، حيث يرى أنّ “نشأة إسلام ألماني أو أوروبي أمر ممكن، والاندماج على أساس نظام ديمقراطي حرّ أمر قابل للتحقيق بوسائل الشريعة الإسلامية، والطرف الإسلامي مدعوّ إلى استخدام هذه الوسائل بصورة حاسمة”[8].

التميّز الإسلامي والهوية الأوروبية:
لا يمثل قول ماتياس روهي تيّارا فكريا وسياسيا حتى الآن، رغم ظهور “جزئيات” للتفاعل مع الإسلام من منطلق علماني، كأطروحات الأخذ ببعض أحكام الشريعة في النظام القضائي البريطاني، أو أحكام المال في الشبكة المالية الفرنسية. بالمقابل نجد المطالبة بالعلمنة (عبر تطويع القيم العقدية الإسلامية للقيم الغربية) مطروحة تحت عنوان الاندماج، ولكن دون صيغة منهجية تحدّد بوضوح المقصود من “الاندماج في المجتمع الأوروبي”، فمثل هذا الاندماج –قيما وثقافة- يستدعي وجود “مجتمع أوروبي” متميّز بقيمه وثقافته، وليس لهذا التميّز الأوروبي وجود تاريخي أو معاصر.
جميع ما ظهر من محاولات حديثة لإثبات وجود تميّز أوروبي/ هوية أوروبية، عبر دراسات وبحوث علمية وأطروحات إعلامية، هو من قبيل مواكبة متطلّبات تطوّرات سياسية حديثة نجمت عن مسيرة توحيد أوروبا، وهو ما يطلق عليه علماء الاجتماع وصف “اصطناع بنية هيكلية اجتماعية لتصبح واقعا قائما” كما يقول أستاذ علوم الاجتماع في جامعة هومبولدت في برلين سابقا، بروفيسور كلاوس إيدر منذ عام 1994م، ويضيف: “يجري اختراع أوروبا، وما نشب من نقاش حول ذلك يمكن أن تنتج عنه حقائق على أرض الواقع مستقبلا”[9]..
وبعد 10 أعوام.. يقول عالم الاجتماع الألماني بروفيسور يورجن هابرماس، إنّ ما يجري أوروبيا هو “إيجاد آليات صناعة القرار المشترك بين حكومات متعددة، دون الحاجة إلى اندماج فعلي بين المواطنين اندماجا يُفترض أن يكون منطلقا لأهداف مشتركة تتجاوز الحدود القومية… هو عملية توحيد على خلفية غياب الهوية المشتركة”[10].
وتقول الباحثة في اللغات “ساراه فيلشيك/ Sarah Wilczek عام 2006م: “يكشف البحث والتمحيص عن أنّ مصطلح الهوية الأوروبية عبارة عن تعبير مركّب، فإن بحثنا عن معناه في قاموس بيرتيلسمان مثلا وجدنا مجموعة كتابات حول الاتحاد الأوروبي، كمجموعة دولية أوروبية، أو رابطة دفاعية أوروبية، أو حول مصرف الاستثمارات الأوروبي.. إلى آخر ما هنالك ممّا يُستخلص منه أن التعبير نشأ في نطاق نشأة الاتحاد الأوروبي وليس له مستند من الموقع الجغرافي”[11].
ويطول البحث عن قول مخالف لِما سبق، ونجده –للوهلة الأولى- بقلم الأستاذ الجامعي للتاريخ الحديث في جامعة بون، فولفجانج شمالي عام 2010م، إنّما سرعان ما يظهر في كتابه تحت عنوان “تاريخ الهوية الأوروبية ومستقبلها” من منطلق إثبات وجودها، أنّ الكاتب يسعى لتحديد معطيات قيمية وثقافية عبر ربط مسيرة الاتحاد الأوروبي حديثا بأحداث مصالحات تاريخية قديمة، ويبقى ما يطرحه مقتصرا على الحديث عن تسويغ تاريخي لآليات تكوين الاتحاد ومستقبله[12].
بغض النظر عن “اختلاف اصطلاحي” ينطوي على أقوالٍ ترى لكلمات الهوية والتميّز “مضامين ما” خارج نطاق المسار الثقافي والحضاري، يمكن القول بعدم وجود تميّز أوروبي غربي بمعنى عدم وجود هوية “واحدة” أو “مشتركة”، معاصرة، صنعتها منظومة قيم وتصوّرات ثقافية تاريخية، في قارة تتعدّد فيها القوميات والأعراق والديانات والثقافات واللغات منذ القدم تعدّدًا يصعب إحصاؤه (تذكر الإصدارة الألمانية لموسوعة ويكيبيديا الشعبية بصورة موثّقة وجود أكثر من 110 لغات أوروبية عدا ما يتفرّع عن بعضها). ومثل ذلك ثابت ابتداءً على الغرب الأمريكي القائم على بوتقة الهجرة أصلا.
لهذه النتيجة أهمية جوهرية لوجود “العنصر الإسلامي” في الواقع الأوروبي الآنيّ والمستقبلي، ذلك أنّ..
1- افتقاد وجود تجانس أوروبي يقوم عليه تميّز أوروبي يُسقط –أو يضعف على الأقلّ- مقولة اعتبار وجود العنصر الإسلامي فيه غريبا أو وافدا، فكل ما تحتضنه البوتقة الأوروبية، غريب عن بعضه بعضا، ويتلاقى على قواسم مشتركة، ويختلف على مواصفات انفرادية ذاتية، وهذا ما يسري على العنصر الإسلامي أيضا.
2- ما دامت العوامل التاريخية البعيدة (الجذور الإغريقية والرومانية الأوروبية واليهودية والمسيحية المشرقية، الوافدة قديما) لم تحسم السؤال عن التميّز الأوروبي تاريخيا، يبقى العنصر الأهمّ في الجهود الحالية لإيجاده، هو السؤال عن قواسمه المشتركة المعاصرة.. ومنها الوجود الإسلامي، وإذ يستحيل تغييب ما يوجد من تنوّع وتعدّدية، ستبقى النتيجة محصورة في صياغة “مجموعة متجاورة متعايشة” من هذه العناصر وإن سمّيت مجازا: تميّزا أوروبيا.
3- لا يستند الطرح الراهن لإشكالية الوجود الإسلامي تبعا لذلك -تحت عناوين “الاندماج.. والتميّز.. والهوية.. والتنوع الثقافي” وسواها- إلى أسس تاريخية سابقة أو منهجية علمية حديثة، إنّما يصدر عن رؤى سياسية ومصلحية محضة، تواكبها أطروحات فكرية وإعلامية تنطلق منها في الدرجة الأولى، ولا يمكن بالتالي إلغاء وجود “التميّز الإسلامي” ضمن إطار التعددية الشاملة لسواها على أرضية أوروبية مشتركة، وجلّ ما تصنعه تلك الرؤى هو “الضغوط.. والحصار.. والتهميش” إنّما لا تلغي وجود العنصر الإسلامي نفسه من حيث الأساس.

الإسلام رافد تاريخي متجدد وليس وافدا حديثا:
يستدعي ما سبق السؤال عن موقع الهوية الإسلامية ومستقبلها في الغرب من منطلق معطيات واقعية حالية، وما تؤدّي إليه “جولة صراع” تدور بين جهود ترسيخها.. كسواها، والضغوط المضادة. ودون النظر فيما يعنيه “تفجّر” أزمة جديدة خلال عام 2010م حول الوجود الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية وما قد يترتّب على ذلك، لا تزال التركيبة السكانية للوجود البشري الإسلامي في الغرب الأمريكي متميّزة عنها في الغرب الأوروبي بوضوح، فالمجتمع الأمريكي حديث التكوين نسبيا، وجميع الأمريكيين فيه “وافدون مستوطنون” ابتداء، ومن هؤلاء المسلمون على امتداد التاريخ الأمريكي، القائم على أنقاض وجود الهنود الحمر من قبل. بينما شهد الغرب الأوروبي الحديث عملية إعادة تكوين هي التي غلب فيها وصف الوجود البشري الإسلامي بأنّه وافد على القارة الأوروبية.
من الناحية التاريخية لم يختلف جوهر النشأة الأولى للجماعات البشرية المسلمة الأوروبية موضوعيا عن جوهر نشأة الجماعات المسيحية الأولى، ففي الحالتين كانت البداية “وافدة” من مهد ولادة الديانتين المشرقي، وفي الحالتين تعاقبت موجات القبول والرفض، والغلبة والانحسار، قبل الاندماج والاستقرار.. وهذا بمنظور “تاريخي” أولا.
لقد كانت النشأة الأولى للعنصر المسيحي الأوروبي وليدة وفوده ووليدة اعتناق فريق من الأوروبيين للمسيحية.. وكانت كذلك بالنسبة إلى العنصر الإسلامي الأوروبي.. وافدا كما هو معروف عبر إرهاصات الفتوحات الإسلامية الأولى (بين داغستان 21هـ وصقلية 31هـ والأندلس 92ه) واعتناقًا كما يبيّن المؤرّخون والرحّالة في الحديث عن الوجود البشري الإسلامي دون حروب عسكرية أيضا، وقد توزّع على أكثر من منطقة في قلب أوروبا، لا سيما في منطقة البلقان، وسبق بذلك الفتحَ العثماني ونتائجه بعدة قرون[13].
جميع ذلك قبل تكوين الغرب بمفهومه الراهن انطلاقا من حقبتي التنوير فالحداثة الغربيّتين.. ولكن يسري أيضا بمعايير التأريخ وجودُ الأثر الإسلامي الحاسم في عملية تكوين الغرب الأوروبي في هاتين الحقبتين الحاسمتين، وإن بُذلت جهود كبيرة متواصلة لتغييبه، وكما يقول الباحث في العلوم والآداب والتاريخ إيكيهارت روتّر “كانت أوروبا اللاتينية تأخذ بسخاء كبير.. أخذت من العرب الصفر وسهّلت العمليات الحسابية، واكتشفت عطاءات الفلاسفة والأطباء الإغريق التي لم يحفظها إلا العرب، واستفادت من المعارف الفلكية المشرقية فبنت عليها الآلات الضرورية –كالاسطرلاب- لاستكشاف الفضاء الكوني، و… ولكن أوروبا لم تكن تعترف بذلك الفضل…”[14]. وهذه عبارات معدودة من فصل مطوّل بعنوان “كيف تنشأ الصورة العدائية”، في نطاق كتاب يضمّ 29 فصلا لكوكبة من الباحثين، يؤكّد كثير منها عمق الأثر الإسلامي/ العربي في قيام الغرب على أرضية نهضته الحديثة، ممّا لم يقتصر على الجانب العلمي والتقني، ومن عناوين الفصول الأخرى كأمثلة: “الإسلام اخترع الديمقراطية”، “الغرب كوريث للعلوم الطبيعية العربية”، “الحريم والعروض العارية.. مَن المرأة الأكثر تحرّرا؟”.
لا يغيب العنصر الإسلامي ضمن “تعدّدية” العناصر الأساسية التكوينية الذاتية (وليس الوافدة) في الوجود الأوروبي المعاصر، بجذوره التاريخية وليس ضمن التعددية الراهنة فحسب.
إذا أمكن الوصول مستقبلا إلى عناصر تميّز أوروبي مشترك، عبر رؤية منهجية متفاعلة مع التاريخ والواقع، فالمفروض أن يشمل تلقائيا كافّة العناصر المكوّنة تاريخيا وحاليا للمجتمعات الأوروبية غير المتجانسة، ومن ذلك العنصر السكانيّ الإسلامي، الذي يأتي عدديا في المرتبة الثانية بعد العنصر المسيحي من حيث تعدّد الأديان، ويمثل حوالي 8 في المائة سكانيا، أي يمثل عدديا: 35-53 مليونا، في المنطقة الممتدة من الأورال شرقا إلى الأطلسي غربا دون الجزء الآسيوي من تركيا، وذلك من أصل زهاء 700 مليون نسمة، مقابل 75 في المائة من الفئات المسيحية المختلفة، وأقلّ من 1 في المائة من اليهود ومثلهم من الديانات الهندوسية والبوذية وغيرها، و17 في المائة يعتبرون أنفسهم رسميا دون عقيدة دينية[15].
ويمكن أن يسري على طبيعة الوجود البشري الإسلامي في الغرب ما ورد في ندوة “حوار حول الهوية القديمة والجديدة” في فوبرتال/ ألمانيا في أيار/ مايو 2010م، على لسان الباحثة بيرجيت رومّلسباخر في معهد “آليس سالومون” في برلين: جميعنا -وليس المسلمين فقط- نبحث.. “كل إنسان يميّز نفسه بأكثر من طريق، أسرويا، ودينيا، وسياسيا، وهو ما يرتبط أيضا بعمره ووضعه المعيشي، فتتبدل هويّاته وتتعدّد باستمرار.. ومن يثبّت نفسه على هوية واحدة ينكر هذه التعددية القائمة ويجعل من الآخرين حوله غرباء”[16].
وفي كتابها “مسلمون في أوروبا”[17] تنطلق الباحثة في شؤون الأديان بجامعة لشبونة، نينا كلارا تيسلر من أثر المتغيّرات الاجتماعية على تكوين الوجود الإسلامي في أوروبا، فالديانات “ليست منفصلة عن عنصري المكان والزمان، بل تتبع لعلميات التحوّل التاريخية والاجتماعية”[18].
وفي إطار الجدل الغربي حول الوجود الإسلامي في المجتمع الغربي يمكن الأخذ بهذه المقولة مقياسا غربيا مستمدّا من الرؤية الغربية لتطوّر الأديان عبر “ممارستها” (أي بغض النظر عن تطابق ذلك مع ثوابتها وفق نصوصها الشرعية) وسرعان ما تظهر للعيان آنذاك أهمية تطوّر الأوضاع الاجتماعية والثقافية للمسلمين في الغرب على امتداد العقود الماضية، فنصل إلى صور جديدة مرئية في الوقت الحاضر.. منها: “في كثير من البلدان الأوروبية التي ازداد الحضور الجديد للإسلام فيها، حيث بات الشبيبة تخصيصا في أوضاع سيئة دون رؤى مستقبلية لتحسينها، اكتشف الباحثون أشكالا جديدة مختلفة في أوضاعهم الثقافية”[19].. “ولم يعد يوجد في أوروبا فرع علمي دون أن يأخذ في اعتباره المسلمين أيضا، سواء في ذلك العلوم الاجتماعية والثقافية الأساسية، أو دراسات النوع البشري/ الجندر، أو في العلوم الاقتصادية، والجغرافيا أو الهندسة المعمارية أو علوم القانون”[20].
يمكن المضيّ مع أمثلة عديدة أخرى لنجد بوضوح أنّ السؤال عن الوجود الإسلامي في الغرب ومستقبله، لم يعد قابلا للطرح بصيغة “هل يمكن.. هل سيتحقق.. هل ينبغي؟..” بل بصيغة “كيف سيكون؟..” فحسب.

الحصيلة هي “استحالة” فصل الوجود الإسلامي عن تاريخ المجتمع الأوروبي وواقعه وتطوّره وصيرورته المستقبلية.
يعني ذلك على أرض الواقع أن الوجود الأوروبي المعاصر يشمل المسلمين كأحد العناصر السكانية والإسلام كأحد العناصر الدينية، والخلفيات الانتمائية القومية للمسلمين كجزء من الخلفيات الانتمائية القومية لجميع الأوروبيين، والحضور القيمي والثقافي والعلمي وسواه من جانب المسلمين كالحضور الآخر من جانب سواهم، وككل فرد أوروبي يحمل الفرد المسلم في أوروبا أيضا انتماءات متعدّدة، دينية وقومية واجتماعية وثقافية، وما ينبغي ضبطه دستوريا وقانونيا وسلوكا هو التعامل بين مختلف تلك الانتماءات دون أن يلغي أحدها الآخر أو يطغى عليه (وهذا ما يُفترض سريان مفعوله على الغرب الأمريكي أيضا).

لمحة عن الأوضاع الاجتماعية والتعليمية
تتردّد في وسائل الإعلام وأحيانا في تصريحات المسؤولين “معلومات” عن أوضاع المسلمين في أوروبا، لا يمكن الجزم بدقتها، وسبق التنويه ببعض الملاحظات على ما يتردّد بشأن “تعداد المسلمين”، ويمكن أن نضيف إليها ملاحظات مبدئية أخرى، نرصدها من الواقع القائم دون تقويم المقاصد الكامنة وراءها.. في مقدمتها من الساحة الألمانية كنموذج:
1- الخلط في الحديث عن أوضاع المسلمين بينهم وبين “ذوي الخلفية الأجنبية” رغم المستوى العالي للاهتمام الألماني الكبير بالإحصاءات والأرقام، ويُعتبر استخدام هذا التعبير كاصطلاح أمرا جديدا نسبيا، أخذ مكانه بين “الأجانب” الذين لا يحملون الجنسية الألمانية، وبين “المواطنين” من ذوي الأصل الألماني، بينما يشغل المسلمون نسبا معينة من هذه التصنيفات وسواها.
2- التمييز أحيانا والخلط أحيانا أخرى بين ذوي الأصول الأجنبية عموما، وذوي أصول أوروبية أخرى، أو ذوي أصول الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
3- معظم ما ينشر من الأرقام يرتبط بالكتلة البشرية الأكبر من ذوي الخلفية الأجنبية من بلد إسلامي في البلد الأوروبي المعني، كالأتراك في ألمانيا، والمغاربة في بلجيكا، ويُطرح على أنّه يعني المسلمين عموما، رغم تفاوت ما تقول به تلك الأرقام بين فئة وأخرى، ممّا يمكن أن يوصل إلى أرقام أخرى عند البحث بدقة أكبر.
هذا وسواه يستدعي الحذر عند ذكر بعض الأرقام والمعلومات، حول الأوضاع التعليمية والاجتماعية وغيرها، رغم استخراجها من مصادر “رسمية” أو شبه رسمية، فهي في حدود تقديرات عامّة غير دقيقة، إلا نادرا، فتعبّر عن “اتجاه عام” فحسب، ومن ذلك مثلا ما ورد في كتاب صادر في منتصف عام 2009م باسم “مؤتمر الإسلام في ألمانيا” بإدارة وزارة الداخلية الألمانية، وقد اعتُبر أشمل من سواه مضمونا، وأدقّ تقديرا، وصحّح بالفعل بعض النظرات العامة المنشورة من قبل، بدءا بتعداد المسلمين، وانتهاء بأوضاعهم الاجتماعية والتعليمية، وحتى “الطائفية” والتنظيمية، وحفل في 452 صفحة بالجداول والأرقام وبعض الاستنتاجات، ولكنّ الكتاب بمجموعه قام على أساس “استطلاع واحد” شمل 6000 مسلم من “ذوي الخلفية الأجنبية من 49 بلدا”، ويلخّص القائمون على الاستطلاع حصيلته في تعريفٍ من 8 صفحات، منشور في مطلعه، يتحدّث عن تديّن الغالبية من حوالي 4 ملايين مسلم في ألمانيا، وعن نقص على مستوى التعليم المدرسي، وعن مطالبة 76 في المائة بتدريس الإسلام، وعن نفي انعزال الشبيبة المسلمين على ضوء انخراطهم في الجمعيات والروابط الألمانية (كالرياضية والبيئية والثقافية ومنظمات المجتمع المدني) إذ يشمل أكثر من 50 في المائة من الشبيبة، مقابل هبوط نسبة المنتسبين منهم إلى تنظيمات إسلامية دون 25 في المائة[21] (ملاحظة: علاوة على أنّ هذه نسبة استطلاعية تقديرية أصلا، لا يراعي القائمون على البحث أن غالب أشكال الارتباط قائم عبر التردّد على المساجد والمصليات التي تديرها التنظيمات المعنية، والمشاركة من خلال ذلك في تمويلها وأنشطتها، وليس عبر عضوية رسمية فقط).
وتقول الأرقام المستمدة من الدائرة الاتحادية للإحصاء في ألمانيا (والأرقام متشابهة مع بلدان أخرى) إنّ نسبة من يختمون المرحلة الدراسية الإلزامية من سكان ألمانيا تعادل بالمجموع 96.1 في المائة، وهي بين ذوي الأصل الألماني 98.2 في المائة، وتهبط بين ذوي الخلفية الأجنبية إلى 86 في المائة، وإلى ذوي الخلفية التركية الأجنبية إلى 69 في المائة.. على أنّ هذا الفارق الكبير (10 و27 في المائة) يضمحلّ أو يهبط إلى 5 في المائة، عند المقارنة الأدقّ (اعتمادا على أرقام 2007م من المؤسسة الاتحادية للإحصاء أيضا) وذلك عند النظر في فئة التلاميذ تحديدا دون التعميم على “عامة السكان”، أي المقارنة بين التلاميذ في المدارس الألمانية عموما، وذوي الخلفية الأجنبية منهم (تعريفهم المعتمد: من مواليد ألمانيا من أسر الوافدين أو من الأطفال الوافدين قبل بلوغ 5 أعوام من العمر) فنجد أنّ من لا يختم الدراسة الإلزامية هم في حدود 6.5 في المائة من ذوي الخلفية الأجنبية مقابل 1.5 في المائة من ذوي الأصل الألماني[22].
رغم التحفظ على هذه الأرقام يبقى أنّها توثّق عموما ارتفاع نسبة أبناء المسلمين الذين لا يصلون إلى نهاية فترة الدراسة الإلزامية، وكذلك الحصول على الشهادة الثانوية/ التوجيهية، وهي بدورها البوابة الرئيسية لدراسة جامعية.
من العسير حصر هذه الأوضاع مع التفاصيل المرتبطة بها واختلافها بين بلد غربي وآخر، إلا أنّ الاتجاه العام هو ما يعبّر عنه مثال ألمانيا المذكور، مع ملاحظة أنّه مؤشرٌ على مفعول المستوى الأسري الاجتماعي في الدرجة الأولى، وليس على مفعول انتماء ديني إسلامي، ممّا يستدعي البحث الأدقّ عبر السؤال عن أسباب انخفاض مستوى الأوضاع الاجتماعية والمادية على صعيد المسلمين في الغرب. من المؤكّد أنّ منها أسبابا ذاتية، توجب العمل على علاجها بالتوعية الإسلامية، إنّما ينبغي في الوقت نفسه النظر إلى الأوضاع الاجتماعية والمادية ضمن إطارين: الإطار الأول ما تعنيه حركة الهجرة والاستيطان عالميا بالنسبة إلى الأوضاع الأسرية، والإطار الثاني ما يحمله المجتمع الذي يستقبل المهاجرين إليه والمستقرين فيه من مسؤولية.
أصبح الغالب في الغرب عند طرح هذه الأوضاع “التعليمية” ما يُذكر بصدد “عدم الاستعداد الكافي لدى المسلمين للاندماج في المجتمع” وبالتالي “تقصير التلاميذ أو أسرهم المسلمة في واجب الدراسة”، وهذا ما يقلب المشكلة رأسًا على عقب: دستوريا وقانونيا.. فالعلم “حق فردي” في المواثيق الدولية والدساتير الديمقراطية.. قبل أن يكون واجبا فرديا. وتطبيقيا.. فالدولة هي المسؤولة عن تأمين متطلبات تحصيل هذا الحق الفردي، وعن إزالة العوائق على هذا الطريق.
ومسؤولية الدولة أمر مفروغ منه في الغرب، ولهذا نجد أنّ “دراسات بيسا” الدورية الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (تضمّ الدول الصناعية) لا تتوجّه بالنتائج حول أوضاع التلاميذ “عالميا” إلى “الأفراد والأسر” بل إلى الحكومات، كي تبذل الجهود اللازمة لتدارك النقص عندما لا تحقّق منظومة التدريس أهدافها، ممّا يترتب عليه في الدول المعنية اتخاذ إجراءات عديدة عندما يثبت أن مستوى التلميذ وسطيا فيها أدنى من مستواه في دول أخرى، وهذا ما سرى على المنظومة المدرسية في ألمانيا، فحمّلت الدراسةُ الحكومةَ الألمانية المسؤولية عن ذلك وكذلك “عن تدنّي مستوى التلميذ الألماني بخلفية أجنبية تدنّيا أكبر”، بل تقول نتائج دراسات بيسا إنّ التلاميذ ذوي الخلفية الأجنبية أشدّ حرصا من سواهم على الدراسة والتعلّم، وأكبر استعدادا لذلك، ويظهرون التفوّق على سواهم عندما تتوافر لهم الظروف المكافئة لسواهم[23].
أسباب التفاوت في مستويات التلاميذ ذوي الخلفية الأجنبية، بين بلد وآخر، وفق تلك الدراسات، هي المعالم الأساسية لنوعية حركة الهجرة (العمل.. اللجوء.. إغراء المتخصصين وأصحاب الكفاءات) ثم الخلفية الاجتماعية والاقتصادية، واللغة، والنظام المدرسي.. وما شابه ذلك، مما يعود القسط الأعظم من المسؤولية عنه إلى الدولة[24].
ليست مشكلة ارتباط التخلّف المدرسي بواقع أسرة ذات خلفية أجنبية في بلد من البلدان، مشكلة خاصة بالمسلمين في الغرب، أو ببلدان الغرب فحسب، والمحور الحاسم الذي يمكن أن يعالج المشكلة هو “نوعية المدرسة” نفسها، ونوعية نظام التدريس، والأجواء الاجتماعية والمعطيات الاقتصادية، مما يعني مراعاة المناهج الدراسية وتأهيل المعلّمين والمعلمات، لظروف مختلف فئات التلاميذ، وهي ظروف متفاوتة، ولا تصنع التفاوتَ حدودُ الانتماء القومي أو الديني، وإنّما المعطيات الاجتماعية والمادية، ولا يمكن تحقيق تطوّر جذري على هذا الصعيد دون جهود رسمية تحمل الدولة المسؤولية عنها.

بين الاندماج والذوبان
إضافة إلى أسباب ذاتية تعود المعطياتُ الاجتماعية والمادية للأسرة المسلمة إلى أسباب آنية أخرى مثل “التخويف المرضي” من الإسلام وما يعانيه التلاميذ المسلمون في أجوائه، علاوة –على ما تقول به مصادر رسمية- بشأن ممارسات التمييز المستترة والظاهرة للعيان، علاوة على وجود أسباب تاريخية أحاطت بنشأة الوجود البشري الإسلامي في الغرب.. وبالعودة إلى مثال ألمانيا يمكن الوصول إلى كثير من الأدلّة بصدد تلك الأسباب التاريخية، ويكفي التنويه بشاهد واحد.
في عام 1985م صدر في ألمانيا كتاب “في الحضيض” للأديب الألماني الشهير “جنتر فالراف”، وبيع منه 4 ملايين نسخة، وأحدث ضجة اجتماعية وثقافية وسياسية كبيرة، وتُرجم إلى 30 لغة أخرى، وتبعه صدور عدة كتب بأقلام كتّاب ألمان وأتراك عن أوضاع العمال الأتراك في ألمانيا آنذاك، إذ قضى الكاتب سنتين متنكّرًا كعامل تركي حينًا وإفريقي حينًا آخر، فعايش بنفسه ممارساتٍ لا تكاد تُصدّق من الاضطهاد وانتهاك الكرامة والحقوق المالية والظلم الاجتماعي، بحق من كانوا يُسمّون “العمال الضيوف”، ممّن جلبتهم الشركات الألمانية في حملات نظّمتها الدولة للإسهام في صنع ما عُرف بالمعجزة الاقتصادية الألمانية في حينه.
ويعبّر الكتاب بصورة موثّقة عن أوضاع أولئك العمال وأسرهم آنذاك، وكانت غالبيتهم من العمال المسلمين، لا سيّما من تركيا.. ويُلخص أوضاعَهم قولُ المؤلّف: “لا أعلم حتى الآن كيف يتفاعل الإنسان الأجنبي مع الإهانات والعداوات والكراهية ممّا يتعرّض له يوميا، ولكن أعلم الآن ما الذي يتعرّض له فعلا، وما مدى ما وصل إليه الاستهتار بالإنسان في بلدنا هذا”[25]. والجدير بالذكر أنّ الأوضاع التي يتحدّث عنها الكتاب الصادر عام 1985م كانت أقلّ سوءًا ممّا كانت عليه على امتداد عدة عقود من قبل.
الأهمّ من ذلك امتداد آثار تلك الحقبة إلى الآن، وانعكاسها في الظروف الاجتماعية والتعليمية الراهنة، وكان قد بدأ انتشار المسلمين في الغرب خلال القرن الميلادي العشرين في مثل تلك الظروف الاجتماعية التاريخية –وألمانيا نموذج على سواها[26]- فلا يمكن الفصل بين الأسباب الكامنة في هذه النشأة التاريخية وبين ما يتردّد في الوقت الحاضر عن انخفاض نسبة التعليم، أو المستوى الثقافي، أو التأهيل المهني، وما شابه ذلك بشأن الأوضاع الراهنة للمسلمين عموما.
لم تكن هذه الأوضاع مجهولة إنّما تضاعف الاهتمام بها –سلبا وإيجابا- خلال العقد الأول من القرن الميلادي الحادي والعشرين، وغلب عليها المنحى السلبي نتيجة ما يسمّى “الحرب على الإرهاب” وأجواء “التخويف المرضي من الإسلام”، ممّا ترك أثرا بعيد المدى على التعامل الرسمي مع واقع المسلمين الاجتماعي والتعليمي والثقافي في الغرب.. من محاوره:
– تراجع مفعول عنوان “التعددية الثقافية” وبالتالي مسار اندماج المسلمين كعنصر سكاني من بين عناصر سكانية غربية عديدة، له حقوقه وواجباته وحرياته وتصوّراته.. كسواه، فأصبح المطلوب “تطويع” العنصر الإسلامي وفق التصوّرات العدائية المتصاعدة تجاه الإسلام والمسلمين عموما.
– ما سمّي “القوانين الاستثنائية” مثال على ما يرتبط بعملية التطويع، بينما نلمس ما يعنيه على صعيد دوره الفعلي أو المرجوّ تجاه “قضايا الأمّة” من خلال أمثلة أخرى، كالحملات الأمنية والملاحقة القانونية ضدّ جمعيات خيرية إسلامية على خلفية الاشتباه بدعم “منظمات المقاومة” الإسلامية في بلدان إسلامية، ولو كان ذلك في حدود إغاثة ذوي الشهداء، ومن الأمثلة أيضا المطالبة المتكرّرة تجاه التنظيمات الإسلامية بإدانة ما ترصده الجهات الغربية وتدينه تحت عنوان “عمليات إرهابية يرتكبها مسلمون في مكان ما من العالم”.. ويصنع معظم التنظيمات ذلك منذ فترة، ولكن تجاوز كثير منها حدود الاستجابة إلى درجة التردّد -خوفا من العواقب- عن إدانات مشابهة عندما يكون المسلمون في بلد من البلدان، لا سيما فلسطين، ضحية أعمال إرهابية عسكرية ممّا يوصف بإرهاب الدولة، وبلغ التردّد تحت الضغوط مستوى أن تصدر تلك الإدانات عن بعض المفكرين وبعض منظمات المجتمع المدني في الغرب ولا تصدر عن بعض التنظيمات الإسلامية إلا نادرا.
– تجاوز الحديث عن الاندماج حدود “الالتزام” بالدساتير والقوانين، وهو ما لم يطرح إشكالية كبيرة لا سيما على مستوى التوجيهات التشريعية الإسلامية بجهود متميزة كجهود المجلس الأوروبي للاستفتاء، فبدأ تمييع التعددية الثقافية القائمة على أساس التنوع العقدي والثقافي والقيمي والسلوكي، وعلى أرضية التكافؤ والتكامل والتأثير المتبادل، فتجاوزت المطالبُ المطروحة حدود “الجانب الدستوري والقانوني” إلى ساحة المطالبة بالتخلّي عن القيم الذاتية (الإسلامية) لصالح قيم الآخر (العلمانية وما ينبثق عنها) وعلى وجه التحديد “القيم السلوكية” فيما يرتبط بالعلاقة بين الجنسين.
من الأمثلة المعروفة على ذلك ما يُطرح بصدد رفض كثير من المسلمين مشاركة الناشئين (المراهقين) من بناتهم وأبنائهم في الرحلات المختلطة المدرسية لعدة أيام، أو ارتداء ألبسة السباحة الفاضحة والمشاركة في دروسها المختلطة، ومن الأمثلة ما يُستصدر من قوانين وأنظمة لحظر الحجاب بصورة تحظر معه “حقوقا” أخرى عن الفتاة أو المرأة المسلمة كحق التعليم أو العمل في التدريس وسواه، ومن الأمثلة التوضيحية أيضا التعامل مع ما يسمّى العلاقات المثلية، المعروفة إسلاميا بالسحاق واللواط، والتي يجري تقنينها حديثا، فمعارضتها معروفة عن الأوساط والأجهزة الكنسية، كما أن القوانين الصادرة لا تصدر بإجماع النوّاب المنتخبين، بل توجد دوما نسبة رافضة لها، تمثل قطاعات من الشعوب، وبالتالي لا يوجد في الأصل حرج قانوني أو دستوري عندما يرفضها المواطن الأوروبي المسلم، بغض النظر عن دوافع الاعتراض لديه.. إنّما يمكن أن يتعرّض آنذاك للاتهام بانتهاك الحريات الفردية وحقوق الأقليّات والتعصّب وما شابه ذلك.
– كثير من المطالب الرسمية والإعلامية، الموجّهة للمسلمين في الغرب، على المستوى الأسري والاجتماعي، يرتبط بعادات سلوكية مرفوضة إسلاميا (يقابلها وجود عادات أخرى منتشرة في الغرب بين غير المسلمين مرفوضة كنسيا) كالزواج بالإكراه، أو حظر خروج المرأة من بيتها، أو حرمانها من بعض حقوقها، أو الاعتداء عليها (ويوجد أخطر من ذلك في المجتمعات الغربية عموما ممّا يشكو منه غير المسلمين في الغرب ولم ينتشر في أوساط المسلمين إلى حد بعيد، كالاعتداءات الجنسية على الأطفال والناشئة) إنما يجري التعامل مع العادات المرفوضة إسلاميا، كما لو كانت جزءا من الإسلام نفسه، وتُطرح مطالب التخلّي عنها في إطار المطالبة بحرية نقد “أحكام الإسلام” ونقضها، وهو ممّا يترك أثره على قطاعات من جيل الشبيبة المسلمين بقدر غياب التوعية بالإسلام وأحكامه.

تبعا لهذه النماذج المعدودة –وسواها ممّا يضيق المجال بذكره- نجد أنّ المطروح غربيا تحت عنوان “الاندماج” ليس مطروحًا في هذه الأثناء على أساس تأمين شروطه في المجتمع الغربي دون أن يفقد “هوياته”، مقابل درجة من التلاؤم من جانب المسلمين دون إلغاء هويتهم بخصائصها الذاتية أو تميزهم، كما هو الحال مع سواهم، في إطار ما تحدّده الدساتير والقوانين، بل أصبح مضمونُ كلمة الاندماج في التطبيقات الرسمية أقرب إلى عملية “ذوبان” مرفوضة من حيث الأساس، وغير ممكنة على أرض الواقع عمليا.
ومن المؤكّد أنّ الاندماج الإيجابي القويم، القائم على التميز الذاتي والانفتاح على الآخر، مصدر قوّة للتأثير الإيجابي من جانب الكتلة الإسلامية في الغرب، محليا في المجتمعات الغربية، وكذلك في نطاق التعامل مع “قضايا الأمّة” خارج حدود الغرب، ومن المؤكّد بالمقابل أنّ “الذوبان” يعني –كالانعزال- تغييب مفعول هذا المصدر إلى حدّ بعيد.

ثانيًا- مؤشرات مستقبلية بين الضغوط والإنجازات

لا ينفي ما سبق وجودَ جهود من جانب جهات رسمية وشبه رسمية، للتخلّص من سلبيات قائمة في العلاقة بين المسلمين وسواهم بغضّ النظر عن أسبابها، ولإيجاد أسس أفضل للتعامل النزيه مع الوجود الإسلامي البشري في الغرب، كما يلفت النظر حراكٌ فكري عبر كتب ومؤلفات يميل محتواها إلى المنهجية والإنصاف وبيان مخاطر أجواء العداء والتحامل والممارسات المنبثقة عنها، كما يُلاحظ وصول هذا التطوّر جزئيا إلى وسائل الإعلام أيضا، مقابل عدم رصده بما فيه الكفاية على صعيد التنظيمات الإسلامية القائمة، لتقويمه والتجاوب معه وإعطائه دفعة إيجابية نحو تحقيق المزيد، ومن شأن استدراك هذا القصور أن يمثل عنصرا فاعلا فيما يُنتظر تحقيقه عبر “جيل المستقبل” من المسلمين في الغرب.
ويتطلّب استشرافُ ذلك التأمّلَ في مسارين متوازيين؛ أحدهما للضغوط المتصاعدة وخلفيتها وآثارها وثانيهما للإنجازات الإيجابية وانتشارها واحتمالات تطوّرها، مع التركيز على الطرف المستهدف أكثر من سواه، وهو الناشئة والشبيبة من الكتلة الإسلامية البشرية في الغرب.

حراك ما بين “الأجيال”:
ينبغي التنويه بعدم دقّة استخدام أوصاف “الجيل الأول والثاني..” وما شابه ذلك –بمعنى جيل الوافدين وذرياتهم- للتمييز بين “مراحل” الوجود الإسلامي في الغرب، إذ تنطوي على إيحاءات معيّنة ولا تعبّر عن الواقع وتطوّره بما فيه الكفاية.
لم يُعتبر المسلمون في الغرب في مرحلة سابقة “جيلا أولا” بطبيعة الحال، بل بدأ التصنيف في مرحلة متأخرة، فتزامن مع الأجواء السائدة خلال العقدين الماضيين (الإسلام عدوّ بديل.. الأصولية.. التخويف المرضي من الإسلام.. الحرب على “الإرهاب”) وبالتالي انتشر هذا التصنيف في نطاق الحرص على أمرين:
– التركيز على اعتبار الإسلام وافدا غريبا طارئا.. لا علاقة له بالجذور التاريخية الأوروبية، ممّا يسمح بتسويغ مواقف سلبية تجاهه..
– التعامل من هذا المنطلق مع “الشبيبة المسلمين” في الغرب، رغم أنّ معظمهم مستوطنون مستقرون ومتجنّسون تضاءل مفعول أصولهم الأجنبية على واقع حياتهم، إضافة إلى نسبة متزايدة بوضوح خلال العقدين الماضيين من معتنقي الإسلام من الشبيبة الغربية عموما.
هؤلاء مَن أُطلق عليهم –حديثا- وصف “الجيل الثاني” لينبثق عن ذلك –حديثًا أيضا- إطلاق وصف “الجيل الأول من الوافدين” على من كان يوصف –قديما- بالعمال الضيوف، أي مَن وَفَد من العمال (أو جيء به) منذ أواخر الخمسينات من القرن الميلادي العشرين، من تركيا أولا ومن بلدان إسلامية أخرى لاحقا، ثمّ مَن تلاهم من الطلبة، وقد أصبح جلّ مَن لا يزال حيًّا من الفريق الأول من المتقاعدين كما أصبح جلّ الفريق الثاني من الخريجين الجامعيين المستقرين في الغرب الأوروبي، إضافة إلى آخرين، معظمهم من الأكاديميين الذين توافدوا في إطار اللجوء السياسي وهجرة الأدمغة.
هذا التطوّر المرحلي الخاص بطبيعة الوجود “الحديث” للمسلمين في ألمانيا يمكن أن يسري بصورة مشابهة على النمسا مثلا، ولكن لا يمكن تعميمه على بلدان غربية عديدة أخرى، كالولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا وفرنسا، حيث لعبت خلفية حركة الهجرة منذ عدة أجيال، وكذلك الخلفية الاستعمارية، دورا أكبر في تكوين الوجود البشري الإسلامي الحديث في الغرب.
إنّ تسميات “جيل الوافدين” وما يُشتق منها تربط الوجود الإسلامي في الغرب بكلمة “وافدين”، ولا تعبّر عن واقع الجيل الحالي وجيل المستقبل من المسلمين فيه، ولا تساعد تبعا لذلك على استخلاص المعطيات الحالية والمؤشرات المستقبلية لاستشراف ما يمكن أن يحمله جيل المستقبل من دور، داخل المجتمعات الغربية، أو من خلال ذلك على صعيد قضايا الأمّة.
إذا تجاوزنا هذه الاعتبارات وأطلقنا مجازا وصف الجيل الأول على “مسلمي الغرب في الربع الثالث من القرن الميلادي العشرين”، نجد في نطاقه “نخبا” متميّزة في مختلف الميادين، رغم الظروف القاهرة اجتماعيا وثقافيا وقانونيا وماديا آنذاك، ومن هؤلاء من لا يوجد رصدٌ لأسمائهم ومواقعهم وتأثيرهم، لانخراطهم في بوتقة المجتمع الغربي على كافة المستويات، التقنية والعلمية والاقتصادية والمهنية، ولا تُسلّط الأضواء عليهم إلا لِماما، مقابل الحديث عن “إنجاز” يفرض نفسه تلقائيا على الساحة الدولية، كما هو الحال مثلا مع فاروق الباز في وكالة ناسا الأمريكية منذ بضعة وأربعين عاما، أو حامل جائزة نوبل للكيمياء أحمد زويل، وآخرين ذكرت بعضَهم مجلة العربي الكويتية بمناسبة مرور 50 عاما على صدورها، وهم من العلماء على أعلى المستويات[27]، فضلا عن بعض المحاولات للتعريف في الشبكة العربية بأسماء “نخبوية” وما تحقق على أيدي أصحابها من إنجازات[28]، وليس مجهولا أن “ظاهرة هجرة الأدمغة” تنطوي أساسا على واقع وجود نسبة عالية من العرب والمسلمين المبدعين علميا وتقنيا وفكريا في ديار الغرب.
إنّ لبروز أسماء بعض المشاهير من تلك الحقبة مغزاه العميق على خلفية تجاوز عوائق الأوضاع السلبية العامة، اجتماعيا وماديا وثقافيا وتعليميا لمجموع “الكتلة البشرية” الإسلامية في الغرب. وينبغي عند استشراف مستقبل فعالية التأثير الإسلامي في الغرب، محليا وعلى مستوى قضايا الأمّة، السؤالُ عن المتغيّرات على صعيد هذه “الكتلة البشرية” وما إذا كانت تسجّل من الإيجابيات ما يؤهّل لتكوين “قاعدة عريضة” تنبثق عنها النخبة المؤثرة في مختلف الميادين.

جولة المستقبل على عقول الشبيبة:
غلبت في الكتابات الفكرية والإعلامية إلى الآن صورٌ نمطية فعلية ومصطنعة عن الشبيبة المسلمة في الغرب، نشأت بتأثير جهود مكثفة على مسارات متعدّدة، سبق التنويه ببعضها، ومنها:
– الحملة العدائية المرافقة لِما يسمّى الحرب ضدّ الإرهاب، وقد تعزّزت عبر ما شهدته أسبانيا وبريطانيا وهولندا من عمليات تفجير واغتيال، فانتشر التعميم أنّ نسبة عالية من شبيبة المسلمين في الغرب تميل إلى العنف واستخدامه..
– كتابات عدائية لانتشار الإسلام وتطبيقه، وهي من نطاق المسلمين، فيجري احتضانها إعلاميا بدعوى حرية النقد وضرورته، وممّا تقول به “استحالة الاندماج الإيجابي من جانب المسلمين.. بسبب تعاليم الإسلام نفسه”..
– تعميم الاتهام بالجمود والانغلاق بحيث لا يقتصر على صيغ التعنّت والتشدد التقليدية في الحياة المعيشية بل يشمل مواقفَ الرفض الواجبة إسلاميا لتأويلاتٍ منحرفة، علمانية غالبا، ومتناقضة تناقضا جوهريا مع قواعد التجديد الإسلامي الذاتي ومع أسسه وثوابته، مقابل الترويج لهذه التأويلات وحملات تكريم من يتبناها في نطاق المسلمين.
– التركيز على صور سلبية في واقع حياة المسلمين في الغرب، وتحويلها إلى صور نمطية معمّمة، بدعوى ممارسة غالبية المسلمين لها، إضافة إلى ما يُنسب إلى “الإسلام” نفسه عبر التخويف المرضي منه!..
– مقولات تعميمية سلبية وخطيرة التأثير، تصدر عن جهات رسمية، أبرزها القول بارتفاع نسبة الجريمة في صفوف شبيبة المسلمين في الغرب. ولا يتسع المجال لتفنيد هذه المسارات جميعا، فتكفي الإشارة إلى الأخير منها وبيان بعض وجوه الخلل –على سبيل التنويه دون الاستقصاء- فيما يُنشر من مقولات رسمية ويُركّز عليه إعلاميا. من وجوه الخلل:
‌أ- عقد المقارنات في ارتكاب الجريمة مع “معدلات وسطية” شاملة لا تراعي ظروف التهميش الاجتماعي على خلفية أسباب تاريخية ومعاصرة للشبيبة المسلمة (المثال الفرنسي معروف عبر أحداث ضواحي المدن العشوائية).. وتختلف النتيجة عند مقارنة تفاوت نسب ممارسة الجريمة بين فئات المجتمع “المهمّشة” تحديدا، من مسلمين وغير مسلمين..
‌ب- شمول المقولات التعميمية “كافة” أنواع الجريمة والجنايات والجنح، وإغفال انخفاض نسبة انتشار الجريمة المنظمة، والقتل، والسطو المسلح، وسواه من “الجرائم الثقيلة”، بين فئات الشبيبة المسلمة بالمقارنة مع سواهم، كالشبيبة ذوي الخلفية الأجنبية من بلدان شرقية (الجريمة المنظمة) أو أصحاب التوجّهات اليمينية المتطرّفة (الجرائم ذات الدوافع العنصرية).

إنّ التطوّر الإيجابي المرجوّ للكتلة البشرية الإسلامية أو للقاعدة العريضة التي يمكن أن تنبثق عنها إنجازات نخبوية متميزة مستقبلا، لا يجري في فراغ بل يواجه جهودا سلبية مضادة، ويتطلب استشرافُ التأثير المحلي المباشر وعلى مستوى قضايا الأمّة أن تؤخذ بعين الاعتبار، لا سيّما ما يتركّز منها على الميادين الفكرية والثقافية والأدبية، ولا يفيد التعميم في مواجهة تلك الجهود السلبية المضادة، بل ينبغي تصنيفها بدقة ليمكن التعامل مع كل صنف منها بالطريقة الهادفة المناسبة، ومن ذلك على الصعيد الفكري:
– الإساءة مضمونا والتحريض أسلوبا ومضمونا، ولكن بصورة واهنة لأّنه تحريض مباشر يفتقر إلى المنهجية إلى حدّ بعيد[29]..
– أطروحات فريق أقدر على وضع التحريض في قالب دراسة منهجية، وهذه أشدّ خطرا بمفعولها من سواها. ومعظم هؤلاء معروف في الغرب وفي البلدان الإسلامية، مثل دانيل بايبس الأمريكي.
– أطروحات فريق يركّز على ما ينبغي صنعه للتأثير على “جيل المستقبل” من المسلمين في الغرب، وذاك أولى بالاهتمام في استشراف المؤثرات على دور الوجود الإسلامي في الغرب، داخل نطاقه، وبمنظور قضايا الأمة. وسبق التنويه بهذا الصدد بالكاتب الفرنسي جيل كيبل وكتابه “الفتنة.. الحرب في قلب الإسلام” وقد جاء في ثناياه الكثير حول ضرورة التركيز على جيل الشبيبة المسلمة في أوروبا، وتلخّصها عبارات حذرة في ختامه، وهي حسب الترجمة المنشورة للكتاب: “وليس من خيار، في مقابل ذلك، سوى العمل على إشراك الشبيبة المسلمة إشراكا ديمقراطيا كاملا، في الحياة المواطنية، عبر الأدوات –ولا سيّما التربوية والثقافية منها- التي توفر لهم الترقي الاجتماعي، كما ترافق النخب الجديدة المنحدرة من هؤلاء المواطنين خلال انبثاقها.. ولسوف يكون على هذه الأجيال المسلمة الجديدة أن تجسّد، بامتياز الوجه الجديد لعالم مسلم متصالح مع العصرنة، فيما يتجاوز التصوّرات الموهومة عن الجهاد والفتنة، وفيما يتجاوز حدود أوروبا”[30].
– كتابات عدد من الكتّاب والمفكرين المتغرّبين داخل البلدان الغربية ممّن يمارسون منذ فترة دورا مضادا إلى درجة التحريض المباشر على ظهور تميّز إسلامي في المجتمع الغربي، ومن الأمثلة القديمة عليهم في الساحة الألمانية والأمريكية بسام طيبي[31]، وكان في مقدّمة من طرح في ألمانيا الدعوة إلى “حظر الحجاب” أسوة بتركيا “العلمانية قبيل وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، وهو أيضا من أوائل من طرح شعار ما يسمّى “الثقافة الموجِّهة” التي ينبغي إخضاعُ الثقافات “الوافدة” لها، كما طرح “الإسلام الأوروبي”، ولكن في هذا الإطار فقط.
– لا تنقطع الجهود بحثا عمّن يتابع مثل هذه المهمّات من “جيل المستقبل”، وفي مقدّمة تلك الجهود إبراز أسماء إسلامية معيّنة عن طريق الترويج الإعلامي لها، وتقديم الجوائز التقديرية لتأكيد “تميّز” إنجازاتها والترويج لها، وسبق التنويه بأمثلة على ذلك، ونجد قاسما مشتركا بين تلك “الإنجازات” هو الموقف السلبي من الإسلام، وإن تراوح ما بين:
§ نظرة “تحررية ليبرالية” يمكن اعتبارها “اجتهادا فكريا” منحرفا عن ثوابت إسلامية، مع ملاحظة تجاوز مفهوم الليبرالية الأصلي من حيث نشأتها كاتجاه رأسمالي محض بمعنى حرية الفرد المطلقة مادّيا، وتصويرها اتجاها يحتضن الحقوق والحريات الإنسانية عموما (مثال ذلك في ألمانيا لمياء قدور)..
§ العداء العلني المباشر إلى درجة غوغائية (مثال ذلك في ألمانيا نجلا كيليك)..
ولا يقتصر الترويج لمثل تلك المنجزات على دوائر وأوساط فكرية وثقافية ورسمية غربية، بل تنشط جهات علمانية من بين “المسلمين” في الغرب بأسلوب مماثل[32].
وتمثل هذه الجهود سلسلة حلقات متصلة، متكاملة، ويرث بعضها بعضا (من قبل آيات سلمان رشدي الشيطانية إلى ما بعد الإساءة الكاريكاتورية) فلا تمثل “أساليب مستحدثة” مما صنعته الموجة الأحدث لمواجهة الإسلام في الغرب ابتداء من صياغة شعار “الإسلام عدو بديل” فور سقوط الشيوعية ومع مطلع التسعينات من القرن الميلادي العشرين.
ليست هذه الممارسات إذن وليدة ردود فعل على أحداث بعينها، بل تمثّل منهجا تطبيقيا توضع له النظريات والمخططات، ويتطوّر الإخراج على حسب تطوّر الظروف والمعطيات، كما تتجدّد “الأسماء” التي ترفده بالمزيد جيلا بعد جيل. ولا يعني ما سبق غيابَ تكريم إنجازات إيجابية تفرض نفسها على الساحة من خلال قيمتها الذاتية، إنّما تصعب المقارنة “الكميّة” بين هذا وذاك، علاوة على أنّ ما يناله بعض الجهود الفردية من التكريم، لا يزال في حدود المستويات الأدنى من الأوساط الرسمية والمدنية فلا يلفت النظر إلاّ نادرا.

بذور أطروحات إيجابية:
نجد مقابل الجهود السلبية ازديادا مطردا في إنجازات فكرية وثقافية تساهم في تعزيز الوجود الإسلامي في الغرب على أسس قويمة، وهي موزّعة ما بين:
– جهات إسلامية تربط بين الهوية الإسلامية في مجتمعها الغربي وبين منجزات إيجابية تقدّمها على هذا الصعيد.. ومن الأمثلة على ذلك مع خلفية تنظيمية مركز “الملتقى ومتابعة التأهيل للنساء المسلمات في كولونيا”، الذي تأسس عام 1996م[33]، ومن الأمثلة أيضا “معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية” التابع لجامعة فرانكفورت، والذي بدأ بجهود فردية من جانب الأستاذ الجامعي من أصل تركي، المتخصص بالاستشراق، فؤاد سيزجن مع زوجه أورزولا سيزجن.
الجدير بالذكر أن ابنتهما “هلال سيزجن”، كانت بين 10 مسلمات وجدن تكريما خاصا في بريطانيا عام 2010م، من جانب منظمة مشبوهة[34]، وهي صحفية وكاتبة ركّزت على الأطفال والناشئة، وقد نهجت نهجا يختلف نسبيا عن نهج أبيها فؤاد سيزجن، يقوم على فهم الإسلام وطرحه وفق المنظور المعروف في المنطقة العربية عن نصر حامد أبو زيد.
– جهات غير إسلامية ترى ضرورة الإنصاف ما بين الانتماءات المتعددة تحت عنوان التنوع الثقافي.. من الأمثلة عليها مع خلفية “تنظيمية” ما يتعلّق بالإسلام من مشروع “خطب برلين” حول السياسة الدينية[35].

على أنّ النسبة الأكبر من الإنجازات الإيجابية/ المنصفة تعتمد على جهود فردية في الدرجة الأولى، وهنا يمكن تعداد قائمة طويلة ممّا صدر في السنوات القليلة الماضية وترك أثره في الساحة الغربية، ولا يتسع المجال للمتابعة التفصيلية وذكر أمثلة من مختلف البلدان الغربية، إنّما يمكن لكاتب هذه السطور أن يذكر بعضها من الساحة الألمانية كنموذج على سواها:
– مؤلّفات ماتياس روهه، المتخصص في القانون والعلوم الإسلامية، ومنها “الإسلام.. أزمات يومية وحلول” من عام 2001م، و”الشريعة.. في التاريخ والعصر الحاضر” من عام 2009م.
– مؤلفات سابينه شيفر (وأنشطة مركزها: “المسؤولية في وسائل الإعلام”) المتخصصة في الإعلام، ومنها “صورة الإسلام في وسائل الإعلام” من عام 2005م، و”عداء السامية وعداء الإسلام” من عام 2009م بمشاركة كونستانتين فاجنر.
– كاي سولكولوفسكي المتخصص في التاريخ والفلسفة، ومن كتبه “صورة المسلم العدائية، نشأتها، صانعوها، تفنيدها”
– يورجن تودنهوفر، السياسي سابقا والكاتب الإعلامي، اشتهر بكتبه عن المقاومة الإسلامية في أفغانستان والعراق، ووجد كتابه “لماذا تقتل يازيد” من عام 2008م أصداء واسعة وتُرجم مؤخرا إلى العربية.
والقائمة طويلة..

ما يقال عن تطوّر مبدئي في ساحة الفكر والنشر يقال عن ساحة الإعلام، فلم تعد خالية من كتابات منصفة كما كانت قبل فترة وجيزة نسبيا، ومن المؤكّد أن شدّة الافتراءات والإساءات على مستويات عديدة بدأت تصنع “ردّة فعل” تصحيحية، لا تجد الرصد بصورة دقيقة إنّما لا يصحّ إنكار وجودها من حيث الأساس، تأثرا بما كان من انحياز مطلق من قبل، أو تأثرا باستمرار غلبة الانحياز في الوقت الحاضر. يشهد على ذلك كأمثلة:
1- في مواكبة أوّل قرار رسمي بحظر الحجاب على التلميذات الناشئات في فرنسا (قضية لمياء وليلى من أصل مغربي) ثم المعلّمات المسلمات في ألمانيا (قضية فريختا لودين من أصل أفغاني) كانت النسبة الأكبر ممّا نُشر إعلاميًا معارضًا للقرار الرسمي، محذرا من عواقبه على صعيد الحريات والتعايش.. وإن تبدّل الاتجاه الإعلامي نسبيا في وقت لاحق، ممّا يكشف عن القصور في متابعته إسلاميا، وعن مفعول الحملات والجهود المضادة في الوقت نفسه.
كان للإعلام الألماني (بما في ذلك وسائل إعلامية لا تُعتبر بعيدة عن الانحياز عادة) دور فعّال في الردّ على آخر الأطروحات السياسية عام 2010م بشأن “إغلاق الأبواب” أمام المسلمين الوافدين، لا سيما من تركيا والمغرب، حتى في إطار تلبية حاجة الاقتصاد الألماني إلى كفاءات تعوّض النقص الكبير الحالي.
الجدير بالذكر أيضا أن الرأي العام الشعبي في الغرب تأثّر سلبا بحملات التخويف المرضي من الإسلام، إنّما لا يصحّ تعميم ذلك دون ملاحظة ردود فعل شعبية معبّرة عن نشأة اتجاه معاكس أيضا، وإذ يضيق المجال بإيراد التفاصيل يكفي التنويه بعناوين أمثلة معدودة:
– المظاهرات (المليونية) التي واكبت المرحلة الأولى من انتفاضة الأقصى والمرحلة الأولى من حرب احتلال العراق..
– ارتفاع نسبة المعارضة الشعبية للحرب الأمريكية/ الأطلسية في أفغانستان، والتي ساهمت في تراجع عدد من الحكومات الغربية عن المشاركة في الحرب جزئيا أو كليا..
– نتائج الاستطلاعات الرسمية الدورية للاتحاد الأوروبي التي تحوّلت منذ 2005م بوضوح إلى إدانة السياسات العدوانية تجاه العالم الإسلامي، لا سيّما الأمريكية والإسرائيلية..

ومن الأمثلة الأخرى على صعيد الرأي العام في قضايا محلية غربية تتعلّق بالإسلام والمسلمين:
– عزلة السياسي اليميني المتطرف جيرت فيلدرز في نطاق ردود الفعل الأولى على فيلمه المسيء لمقام النبوة، الذي وجد الإدانة من جانب مختلف الجهات السياسية والكنسية والإعلامية الهولندية، فعجز عن العثور على جهة إعلامية محترفة لنشره، ولم يجد ذلك ما يكفي من المتابعة فلم تمنع عزلته من حصول حزبه على مزيد من الأصوات في انتخابات تالية..
– خروج زهاء 50 ألفا من عامة السكان في مدينة كولونيا في خريف عام 2008م، لمعارضة حملة يمينية ضدّ بناء مسجد كبير في المدينة، كان من المشاركين في الترويج لها منظمة تشكّلت باسم “المسلمين.. سابقا”.. وكان من المتابعة الإعلامية المعبّرة لها رصدُ كلمات بعض الشبيبة المسلمين وهم “يتحدّثون بالألمانية بصورة أفضل لغويا وتعبيرا من حديث ذوي الأصل الألماني من الطرف المعادي لوجود الإسلام والمسلمين في ألمانيا واعتباره وافدا مرفوضا”[36]!..

أعلام من الشبيبة:
الصور التعميمية المتداوَلة وسواها عن واقع الشبيبة المسلمة في الغرب (والمسلمين عموما) صور “خاطئة” على الأقل، إنّما لا يُكشف عن حقيقة ما يكمن وراءها من تزييف إلاّ نادرا، وتحت ضغط الأحداث غالبا، ومن الشواهد على ذلك:
– شهدت سبعينات القرن الميلادي الماضي (بعد رفع أسعار النفط الخام) حملة واسعة ربطت بين “التنديد بشيوخ النفط” والإسلام، وكان من رموزها في ألمانيا جيرهارد كونسيلمان (نشر 13 كتابا خلال فترة وجيزة) واعتبر “خبيرا في شؤون الإسلام”، وكشف المستشرق الألماني جيرنوت روتّر من هامبورج بعض جوانب التزييف في كتاباته.. فسقط إعلاميا.
– شهدت تسعينات القرن الميلادي العشرين موجة اعتداء عنصري على الأجانب عموما والأتراك في ألمانيا تخصيصا، في ظلّ شعار “الإسلام عدو بديل” واستغلال اليمين المتطرّف لذلك، فكان من دعاواه أنّ “الأجانب” يعيشون على حساب الضمانات الاجتماعية السخية من جانب الدولة، ممّا ترك أثره لدى الرأي العام، وعندما بلغت الاعتداءات درجة خطيرة وصارخة، نُشرت أرقام رسمية تقول إنّ حصيلة ما يسدّده العاملون “الأجانب” من رسوم الضمانات الاجتماعية، وما يتلقاه كافة “الأجانب” من معونات، تترك فائضا سنويا يُعتمد عليه في تمويل ما يتلقاه أهل البلاد الأصليين من معونات.
– مع الجدل حول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي والقول إن “الأتراك” عبء مالي كبير أشار رئيس الوزراء التركي أردوجان في كلمة له في كولونيا عام 2008م، إلى أنّ عدد الشركات التي يملكها ويديرها ذوو الأصل التركي في ألمانيا يزيد على 300 ألف، وأن نصف العاملين فيها هم من “ذوي الأصل الألماني”، فتؤمّن زهاء نصف مليون مكان عمل.
– زعم الكاتب الألماني تيلو سارازين في كتابه “ألمانيا تلغي نفسها بنفسها” عام 2010م أن “الغباء يسيطر على ألمانيا من خلال المسلمين من بين ذوي الأصول الأجنبية غير القادرين على الاندماج في المجتمع الألماني”[37]، وكان من ردود وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزييه مؤخّرا أنّ 10-15 في المائة (فقط) من المسلمين يرفضون الاندماج، وعندما سئل في المجلس النيابي عن الأدلّة على حقيقة هذه النسبة، لم يستطع تقديم أيّ دليل منهجي اعتمادًا على استقصاء معتبر أو دراسة علمية، حتى في نطاق هذه النسبة “المنخفضة”[38].
– ارتفعت في عام 2010م مطالبة الشركات الألمانية بجلب أصحاب الكفاءات للتعويض عن النقص الكبير في مختلف القطاعات الاقتصادية، فكان من المواقف السياسية البارزة مطالبة رئيس حزب المسيحيين الاجتماعيين هورست زيهوفر باستثناء الأتراك والعرب، بدعوى استحالة اندماجهم في المجتمع وانخفاض كفاءة من يوجد منهم فيه، ونشرت وسائل الإعلام الأشهر من سواها (دي تسايت ودير شبيجل ودي فلت وغيرها) نقلا عن الدائرة الألمانية الاتحادية للإحصاء، أنّ 54 في المائة من العاملين من ذوي الخلفية الأجنبية في ألمانيا، من خارج نطاق دول الاتحاد الأوروبي –ومعظم هؤلاء مسلمون من عرب وأتراك وإيرانيين وأفغان- هم في عداد ذوي الكفاءات العالية، وأنّ 23 في المائة هم من ذوي الكفاءات الممتازة (النادرة).. ولولا هؤلاء لأصبحت ثغرة الكفاءات أخطر على واقع الاقتصاد الألماني، كما أنّ عدة بحوث، مثل بحث قامت عليه جامعة كونستانس جنوب ألمانيا، أثبتت أنّ نسبة عالية من حالات رفض طلبات عمل ذوي الأصول الأجنبية رغم كفاءاتهم يعود إلى “أسمائهم” الأجنبية، لا سيما التركية[39]. ومن الأسباب أيضا التعقيدات المبالغ فيها على صعيد الاعتراف بالشهادات الجامعية من بلدان أجنبية، وهو ما دفع وزيرة التعليم آنيتّي شافان إلى إعلان العزم على تعديل الأنظمة السارية بهذا الصدد، ويشغل حوالي نصف الأتراك المسلمين من فئة أعمار فترة الإنتاج أمكنة عمل، ثلثاها في مهن بتأهيل مهني معترف به، وما لا يقل عن 100 ألف من أصحاب الكفاءات العالية[40].
بل يُعتبر ارتفاع أصحاب الكفاءات المسلمين من الشبيبة “معجزة” بالمقارنة مع الظروف الاجتماعية والثقافية القاسية التي عانت منها أسرهم من الجيل السابق، هذا علاوة على معوّقات معاصرة، وتشهد المعايشة المباشرة في المجتمع الغربي على وجود الشبيبة المسلمة في كافة القطاعات بصورة متزايدة ومؤثرة وعلى مستوى رفيع من التخصصات والكفاءات، بدءا بقطاع المهن الأكاديمية في الطب والهندسة، انتهاء بالقطاعات السياسية والحزبية نفسها –رغم انغلاقها حتى الآن- كما في المجالس البلدية والأحزاب الأقلّ تعصّبا تجاه كل ما له خلفية أجنبية، كما هو الحال مع أحزاب الخضر والبيئة مثلا.
الواقع هو أنّ “الجهود الفردية” الإيجابية من جانب غير المسلمين، وكذلك الإنجازات الفردية من جانب شبيبة المسلمين، تجاوزت ما يوحي به قصور الواقع التنظيمي للمسلمين في الغرب عن متابعتها والتعامل معها إلى حدّ كبير.

لم يعد السؤال الواجب طرحه: ما السبيل إلى تحقيق الاندماج من حيث الأصل، بل هو السؤال عن كيفية ضبطه ليكون إيجابيا مؤثرا ولا يتحوّل إلى حالة “ذوبان” أو حالة “انعزال”. فواقع المسلمين في أوروبا يشهد جزئيا على الأقلّ درجة “مبالغا فيها” من الاندماج، كردّة فعل على مرحلة انعزال ذاتي سابقة وعلى موجة ضغوط لاحقة، وتشمل المبالغة كثيرا من مواقف التنظيمات الإسلامية التقليدية (من حقبة الوافدين) مثلما يشمل قطاعات من عامّة أبناء ما يسمّى الجيل الثاني والثالث، وهو ما يؤكّده بحث استطلاعي بعنوان “النخب المسلمة في أوروبا” للكاتبة يوتّي كلاوزن[41]، أجرت فيه حوارات شملت زهاء 300 مسلم من ستة بلدان أوروبية ترتفع فيها نسبة المسلمين، وهم ممّن يشغلون مواقع سياسية في المجالس النيابية والبلدية، أو يشغلون مناصب إدارية قيادية في تنظيمات إسلامية.
لقد تسارعت وتيرة التحوّل في واقع الوجود البشري الإسلامي، لا سيما الشبيبة، في الغرب، وتجاوزت بذلك واقع التنظيمات الإسلامية القائمة، سواء في صيغة قصور عن المتابعة أو صيغة “مبالغة” في التعبير عن الاستعداد للاندماج، دون وجود صيغ مدروسة لتحديد معالم المطلوب والممكن في إطاره، ناهيك عن وجود توافق عام حوله.
في هذا الإطار يبدو جيل الشبيبة في موقع بالغ الحساسية والخطورة، ما بين:
1- صور تعميمية حوله ترفع من وتيرة الضغوط عليه في اتجاه الذوبان
2- وافتقاد القيادات التنظيمية والإدارية لضبط تفاعله مع تلك الضغوط في اتجاه قويم

لئن كان من طبيعة التحوّلات الاجتماعية ألاّ يقاس مسارها بالنظرة الآنية للواقع دون عقد المقارنات بين معالم التطوّر الجاري بين جيل وجيل، فمن المؤكّد أن فيما يُرصد الآن على مستوى إنجازات فردية يسمح باعتبارها بذور تطوّر نوعي اتخذ مساره على أرض الواقع. ولا بدّ من إيراد بعض الأمثلة كشواهد على هذه الإنجازات لرؤية اتجاه الريح في مستقبل الوجود الإسلامي في الغرب، القابل للتطوّر والتأثير نتيجة ظهور النخب فيه، في مختلف الميادين، الاقتصادية والسياسية، والاجتماعية والثقافية والفكرية.
ففي إطار متابعة الكفاءات الناهضة من داخل كتلة المسلمين البشرية في الغرب، تردّد ذكر أسماء عديدة لا يواري التنويه ببعضها في “مثال ألمانيا” هنا، حقيقةَ وجود أعداد كبيرة سواها في مختلف الميادين، وفي مختلف البلدان الأوروبية، ومنها:
· كمال شاهين صاحب مجموعة شركات نسيج كبرى تعمل على المستوى الدولي وكان والده مزارعا من الأناضول..
· وإيزين راجر امرأة من أصل تركي تدير شركة استشارية مرموقة في هامبورج، إضافة إلى عملها في الإعلام على مستوى رفيع، واشتهرت بحرصها على حماية البيئة..
· والإخوة الأتراك الثلاثة شيفيت الذين وصلوا بشركةٍ أسّسوها لألعاب الحاسوب وأصبح لها فروع في دول عديدة إلى مصافّ كبرى الشركات العالمية خلال سنوات معدودة..
· والمهندس المصري إبراهيم سماك صاحب شركة إنجوتيك التي تولّت نشر منشآت خلايا الطاقة الشمسية على سقوف مباني المجلس النيابي ومقر المستشارية والمحطة الرئيسية للقطارات في برلين، ويموّل مشاريع تأهيل وتعليم في عدة بلدان إفريقية عن طريق مؤسسته “رابطة الأمل الإفريقي”..
· وأمير قاصاي الإيراني الذي يعتبر في المرتبة الثالثة بين “المبدعين” عالميا وتعتمد على استشارته شركات كبرى مثل فولكس فاجن وماك دونالد..
· والمخترع السوري عدنان وحّود الذي تعمل أحدث آلات النسيج الألمانية المتطوّرة، المعتمِدة على اختراعاته المسجّلة عبر بضعة وثلاثين عاما مضت، في جميع أنحاء العالم ما بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية..
· ونشرت وسائل الإعلام عن نساء مسلمات محجبات بلغن درجة متقدّمة في التألّق المهني، مثل المهندسة المعمارية آيسا أوسلو مارشالكوفسكي، والمحامية نورهان زويكان، والمصمّمة الفنية ييليز كيسمين، والمتخصصة الاجتماعية رفيدة مصطفى، وغيرهنّ كثير.
القائمة طويلة، ولم تعد تقف عند حدود العمل السياسي (مع ملاحظة التحرّك السياسي في إطار نظام علماني) والبحث الجامعي أيضا، فعلاوة على وجود أعداد متزايدة في المرتبة الثانية والثالثة على مستوى إدارة البلديات وإدارة المدن وفي الأحزاب ومؤسسات الإعلام وفي مشاريع البحث العلمية الجامعية، يوجد من يصل من هؤلاء إلى مرتبة متقدّمة، وقد اشتهر منهم في ألمانيا جيم أوزديمير، رئيس حزب الخضر حاليا، الذي ارتفع في عهده تأييد الحزب شعبيا بوضوح، وآيجول أوزجان، أول مسلمة تصل إلى منصب وزاري -الشؤون الاجتماعية- في ولاية ساكسونيا السفلى، وكان ذلك أثناء رئاسة حكومتها من جانب رئيس الدولة الحالي كريستيان فولف، ويمكن تعداد مزيد من الأمثلة من مختلف الدول الأوروبية.
وقد أثير في الآونة الأخيرة أنّ الضغوط والأجواء السلبية تجاه المسلمين ساهمت في انعكاس تيّار الهجرة، بما شمل أصحاب الكفاءات المسلمين، لا سيّما من تركيا، فبات عدد الراحلين إلى تركيا أعلى من عدد القادمين إلى ألمانيا التي تشكو من نقص الكفاءات، ووصل الفارق إلى 10 آلاف خلال عام 2009م.
صحيح أنّ الذين يخطّطون لهذه الهجرة المضادة لا يزالون دون 3 في المائة من الشبيبة المسلمة التركية، ولكن الاستطلاع الذي يقول بذلك، وأجرته “رابطة رجال الأعمال الألمانية-التركية” عام 2009م، يكشف عن “اتجاه الريح” عندما يقول أيضا إنّ 36 في المائة من الأكاديميين ذوي الخلفية التركية، أعربوا عن اعتقادهم بأن مستقبلهم سيكون في تركيا وليس في ألمانيا، رغم احتياجها الكبير إلى الكفاءات، وسبق أن أعلنت عن خطة “مغريات” لجلب 50 ألف هندي متخصص في تقنيات الحاسوب والشبكة قبل أعوام، وأخفقت في جلب ما يتجاوز 20 في المائة من هذا الرقم.
وليس الراحلون عن ألمانيا من ذوي الأصل التركي من المسلمين من “المتقاعدين” أو “عامة العمال” بل أوردت عدة محطات ألمانية للإذاعة والتلفزة، على هامش زيارة الرئيس الألماني لتركيا (18-22/10/2010م) أمثلة عديدة حول أسباب الرحيل، من خلال أقوال أعضاء في رابطة أسستها شيجدم آكايا عام 2005م في اسطنبول، وبلغ عدد أعضائها زهاء 1000 عضو يزيدون يوميا بمعدل يتأرجح بين عضوين و9 أعضاء، ومنهم “بوكلي” الذي يستشهد بدراسات ألمانية تؤكّد كيف يُدفع التلاميذ ذوو الأصل التركي بألمانيا دفعًا كيلا يتابعوا الدراسة للحصول على الشهادة الثانوية، وليتحوّلوا إلى مدارس “مهنية”، ويضيف أنّ الأساليب المتبعة في الجدل حول الاندماج بألمانيا يزيد باستمرار أعدادَ ذوي الأصل التركي الراغبين في الحصول على مكان عمل في تركيا.. ومنهم “كاراتاس” التي تقول إنّها حصلت على شهادة جامعية، وتعرف عن تاريخ ألمانيا وثقافتها أضعاف ما يعرفه سواها من الألمان، ورغم ذلك فقد عايشت كيف أنّ متسكّعين في الطرقات لا يستطيعون صياغة عبارة سليمة بالألمانية، يعتبرون أنفسهم أفضل منها، لأنهم من أصل ألماني..
وهذه القائمة طويلة أيضا..

لا بدّ في متابعة ما يمكن استشرافه بشأن الاندماج الطبيعي الإيجابي للشبيبة المسلمة في مستقبل تركيبة المجتمعات الغربية من التمييز بين أمرين:
1- الاتجاه العام وهو ما يمكن الاستناد على صعيده إلى أرقام ومعلومات رسمية وشبه رسمية.
2- التفاصيل الدقيقة وهو ما لا يتوافر له مثل تلك الأرقام والمعلومات ويوجب الاستشهادَ بأمثلة فحسب.
ولكن يُلاحظ أنّ الأمثلة المذكورة آنفا ليست نتيجة “استقصاء” أو بحث طويل، بل هي ممّا يجده الباحث حوله بصورة مباشرة، في فترة زمنية قصيرة، ممّا ينطوي على قابلية ترجيح أنّه ظاهرة عامّة وليس حالات منفردة قائمة بذاتها، فيمكن القول إنّ ظاهرة “هجرة الأدمغة المضادة” مثلا لا تكشف فقط عن أهمية ما شهدته تركيا من تطوّر، أو عن مفعول موجات العداء المتعاقبة في الغرب فحسب، بل تكشف في الوقت نفسه، عن نوعية الشبيبة المسلمة في البلدان الغربية، فالراحلون يمثلون “نسبة مئوية محدودة” والمواطنون أو المستوطنون المسلمون الباقون لا يختلفون كثيرا من حيث مستوياتهم الثقافية والتعلمية والتأهيلية المهنية.

خاتمة: نظرة استشرافية

كاتاجون أميربور الإيراني الأصل ولودفيج آمّان الألماني ينطلقان من عرض صيغ عديدة تطرحها “أقلام إسلامية” من أنحاء العالمين الإسلامي والغربي لتفسير الإسلام وتأويل نصوص القرآن الكريم بصور يطلقان عليها أوصاف “المحافظة” و”الليبرالية”، ليؤكّدا في كتاب نشراه حول مستقبل الإسلام عموما وفي الغرب تخصيصا، من أن الإسلام نفسه قابل للتجديد ويميلان في ذلك إلى تأويل النص القرآني وفق مدارس الفلسفة اللغوية الغربية[42].
نيفيد كيرماني الإيراني الأصل، ينطلق من ارتباط مستقبل الإسلام في ألمانيا نموذجا بدور الدولة الغربية نفسها، على أساس ما يعتبره أكبر إنجاز حققه الغرب، وهو “نموذج الدولة التي لا تتقبّل فقط وجود أديان ورؤى عالمية متعددة مختلفة فقط، بل تتعامل معها بصورة قاطعة على قدم المساواة”[43].
طارق رمضان يرى معالم تزداد وضوحا لوجود إسلامي جديد في الغرب، ويرى أن المسلمين الأوروبيين هم المسؤولون عن استكمالها وتثبيتها، ويطالب بتحرّك أكبر على صعيد عامّة المسلمين الأوروبيين يواكب الأصوات الفعالة التي بدأت تظهر على هذا الصعيد[44].
ما هو الاتجاه المستقبلي للوجود الإسلامي في الغرب وتأثيره؟.. ما هي المعالم التي يراها كتاب مسلمون وغير مسلمين كلّ بمنظوره وحسب اجتهاداته؟.. هل يمكن الجزم بغلبة رؤية على أخرى؟.. هذه أسئلة يحكم المستقبل “القريب” عليها، إنّما لن تنقطع إلى ذلك الحين الجهودُ والجهود المضادّة، الإيجابية والسلبية، من جانب المسلمين وغير المسلمين، ومن طبيعة الأمور أن تتركّز الأنظار على “المثير” منها، ممّا يغيّب جهودا حثيثة متواصلة قد يكون لها التأثير الحاسم في تحديد اتجاه الريح كما يقال.
من ذلك ما لم يتسع المجال للتعرّض إليه –إنّما يجب تأكيد أهمية متابعته بدراسات منهجية وجهود إسلامية مكثفة- وهو حديث النشأة والتطوّر نسبيا، ويشمل مساعي رسمية غربية واسعة النطاق لضبط أمرين في نطاق التصوّرات الرسمية عن “حدود” مستقبل الوجود الإسلامي في الغرب:
1- تدريس الإسلام للأطفال والناشئة في المدارس.
2- إعداد الأئمة والخطباء في كليات “إسلامية” جامعية غربية[45].

إنّ السؤال الحاسم عن مستقبل التأثير المطلوب من الكتلة البشرية الإسلامية في الغرب، بشأن أوضاعها ومستقبلها وبشأن دورها في دعم قضايا الأمّة العادلة، هو ذاته السؤال الحاسم حول درجة الاندماج ونوعيّته، ويتفرع عنه عدد من الأسئلة الأساسية، المرتبطة بحقيقة أن الشبيبة من المسلمين، ذكورا وإناثا، تمثل تقديرا زهاء 60 في المائة من الكتلة المسلمة في الغرب حاليا، ويُرجَّح أن تشكّل بعد جيل واحد زهاء ربع فئات “الإنتاج وصناعة القرار” في بنية هرم الفئات السكانية في المجتمعات الغربية. من أمثلة تلك الأسئلة:
§ هل تتجه هذه الفئة إلى الانعزال في المجتمعات الغربية، فيكون تأثيرها ضعيفا للغاية، نتيجة إعطاء هذا “التأثير”، لتحقيق أي هدف، صيغة “صراع أقلية” في نطاق الكثرة الكاثرة للمجتمعات الغربية من غير المسلمين..
§ أم تتجّه الشبيبة إلى الذوبان مع غلبة “علمنة الإسلام” على تميّزه في نطاق “نظام علماني”، فيكون تأثيرها منعدما، سواء في تحقيق الاحتياجات الإسلامية المحلية أو في التفاعل الإيجابي مع “قضايا الأمّة”..
§ أم تكون الغلبة كمّا ونوعا للاندماج الإيجابي الذي يجمع بين التميّز الإسلامي والمشاركة الفعالة فيما لا يتناقض معه في فعاليات المجتمعات الغربية، بحيث يرتبط تحقيق الأهداف القويمة على صعيد الاحتياجات المحلية وقضايا الأمّة..

الجواب محسوم عند الكاتب في نطاق الاحتمال الثالث، ويرتبط به استشراف المستقبل، ممّا يستدعي استنباط الجواب من متابعة المؤشرات العامة الحالية، مع تأكيد الحاجة إلى بحوث مستفيضة للخروج بالجواب من صيغة الانطباعات والتقديرات المبدئية، إلى مستوى ترجيح منهجي موضوعي.
على أنّ “التفاؤل” بأنّ الجواب محسوم، وإن صدر عن متابعة المعطيات الواقعية وتطوّرها، لا ينفي ضرورة مراعاة عدد من الاعتبارات الأساسية ليتخذ التطوّر الإيجابي مجراه المأمول خلال جيل واحد بدلا من أن يواجه النكسات نتيجة عقبات وعراقيل قادمة أيضا، فيتأخّر تحقيق الأهداف القويمة. ومن هذه الاعتبارات بإيجاز شديد:

(1) استدراك النقص الكبير على صعيد رؤية ارتيادية شاملة:
ليس للمسلمين في الغرب جهاز مركزي مشترك، ولا يعود غيابه إلى التعددية والتنوع قدر ما يعود إلى غياب الرؤية الشمولية المشتركة، التي يمكن أن تقوم على أساس العوامل والمصالح والأهداف المستقبلية المشتركة، دون أن تكون على حساب تميّز كل انتماء فرعي بما يركّز عليه من منطلقات ورؤى. لا يمكن ضبط الجهود المستقبلية دون جملة تصوّرات مستقبلية مشتركة عامة، في صيغة ميثاق، أو “ورقة استراتيجية”، أو مخطط أو بيان أو إعلان إسلامي.. سيان ما تكون التسمية، إنّما الأهمّ هو أن ينطوي المحتوى على رؤى ثاقبة بعيدة، وتقدير احتياجات الإسلام والمسلمين في الغرب، الحاضرة والمستقبلية، ومراعاة علاقتهم المباشرة في المجتمعات التي يشكلون جزءا عضويا منها ضمن إطار رؤية إنسانية جامعة لا تعطي الأولوية لمصالح جزئية على المصلحة المشتركة للأسرة البشرية، وتنطلق من ذلك في التعامل مع القضايا الإسلامية تعاملا يوجب من خلال نوعيته ومنهجيته وأسلوب طرحه، تأييدا متزايدا من جانب القوى المؤثرة داخل الغرب.
ليس المهم مَن يُقدم على الخطوة العملية الأولى لصياغة رؤية شمولية، إنّما المهم أن يكون الجهد المبذول من البداية حتى النهاية، نوعيا متميّزا بدرجة راقية تكفي للحصول تلقائيا على تجاوب جميع الأطراف وتأييدهم ومشاركتهم في الخطوات التالية.

(2) التحرّك على الأرضية الغربية:
إذا كان العنصر الأول المشترك بين مسلمي الغرب أنهم مسلمون فالعنصر الأساسي الثاني هو وجودهم في الغرب، ويستحيل أداء أي مهمة إيجابية تحقق مصالحهم المشروعة أو مصالح قضايا الأمة العادلة، دون الانطلاق من وجودهم على الأرضية الغربية وقدرتهم على التفاعل معها في الاتجاه الصحيح، ولا يعني ذلك تجنّب ما يُفرض من “جولات صراع” في مواجهة “إساءات محلية” أو “اعتداءات دولية”، إنّما يعني ضرورة الربط الوثيق بين مواقف المواجهة والإدانة والرفض وبين مواقف مماثلة صادرة عن أصحاب النظرة المتعقّلة الواعية، ولتحقيق المصالح العادلة لجميع الأطراف ودفع الأضرار عن جميع الأطراف، بما في ذلك المجتمعات والشعوب والدول الغربية، دون أن يكون شيء من ذلك على حساب المسلمين في الغرب وفي أنحاء العالم.

(3) التحرك في مختلف الميادين:
لا غنى مثلا عن التحرك السياسي لتحقيق أغراض ثقافية، أو الثقافي لتحقيق أغراض سياسية، ولا غنى أيضا عن التحرك المحلي لتحقيق أهداف دولية شاملة لقضايا الأمة العادلة، ولا غنى عن التحرّك من أجلها لتحقيق أهداف محلية، وهذا ما يسري على مختلف الميادين الأخرى، فلا ينبغي أن يكون تحرّك الكتلة البشرية الإسلامية في ميدان دون آخر، ولا أن تكون الأولوية لجانب دون جانب، بل المفروض توظيف الجهود وتكاملها وتناسقها بما في ذلك المشترك منها مع غير المسلمين، بما يشمل مختلف الميادين بخطى متوازية مدروسة.

(4) التفاعل المنهجي مع الإيجابيات والسلبيات:
لا يحقق التفاعل مع أي قضية محلية أو دولية أغراضه القويمة إذا انطلق من رؤية إسلامية طائفية، أو مذهبية، أو حزبية، وهو ما بقي غالبا في حقبة ماضية لزمن طويل، ولا يزال يفعل فعله السلبي لدى فريق من الشبيبة على بعض المستويات المتوارثة، إنّما تجاوزته غالبية جيل الشبيبة بصورة ملحوظة، وهذا ما يمكن أن يسبّب انفصاما على مستوى العلاقة بين الأجيال، لا يمكن تجنّبه دون التحوّل إلى التفاعل في مختلف الميادين، ومع مختلف التطوّرات الإيجابية والسلبية، على أسس منهجية، تراعي أسس الإسلام بكلياته الجامعة، وتتجنّب الاجتهادات الفرعية المفرّقة، وتراعي خصوصيات الوجود الإسلامي في الغرب وخصوصيات الانتماء إلى الأمّة الإسلامية في وقت واحد.

(5) انطلاقة المرأة المسلمة في الغرب:
إن معظم ما يتحقق لصالح المرأة المسلمة والأسرة المسلمة في الغرب، يتحقق في هذه الأثناء عن طريق ارتفاع مستوى الوعي والمعرفة وارتفاع مستوى العطاء والإنجاز من جانب جيل جديد من النساء المسلمات، بينما لا يزال السائد لدى غالبية الكتلة البشرية الإسلامية في الغرب مشابها للأوضاع السائدة في عموم المنطقة الإسلامية وينطوي على تهميش المرأة المسلمة وتهميش دورها الفاعل في مختلف الميادين دون استثناء.
ولم ينقطع التركيز على الارتباط بين دور المرأة وواقع الأسرة، إنّما لا يزال يُطرح فكريا وثقافيا وعمليا على حساب الارتباط بين دورها وواقع المجتمع، وهو ما جعلها –في الغرب وفي البلدان الإسلامية- تحت الضغوط من مختلف الجهات، الإسلامية والعلمانية، الرسمية والأسرية، التنظيمية وغير التنظيمية، ولئن تجاوزت نسبة متزايدة من المسلمات في الغرب هذا الواقع جزئيا، فلا يزال من الضروري أن يتجاوزه عموم المسلمين في الغرب، ليكون رافدا لا غنى عنه في أي دور إيجابي منتظر من المسلمين في الغرب على كلّ صعيد.

(6) القيادات الإسلامية الشابّة الواعية:
مع كل التقدير الواجب تجاه إنجازات قيادات إسلامية عرفها المسلمون في الغرب وساهمت إسهاما كبيرا في الحفاظ على الإسلام –بين الوافدين- وفي تحقيق الصحوة الإسلامية لدى نسبة عالية من جيل الشبيبة، لا بد في الوقت نفسه من التأكيد أن عدم انتقال مسؤولية القيادة والتخطيط والتوجيه وصناعة القرار اليومي، في مختلف الميادين إلى جيل الشبيبة، يساهم في اهتراء ما يوجد حتى الآن من تنظيمات إسلامية، ويضعف إنجازاتها وتأثيرها، كما يساهم في استمرار التباعد فيما بينها إلا في حالات استثنائية، وثانوية، والأهمّ من ذلك أنّ بطء حدوث النقلة الواجبة ما بين جيلين، يؤدّي في الوقت الحاضر إلى انفصال الجيل الجديد بما يحققه من إنجازات عمّا يمكن أن يرفدها ويساهم في ضبطها إسلاميا عبر خبرات الجيل السابق، لا سيما من حيث مستوى معرفته الأعلى بالإسلام وكلياته وأحكامه ومقاصده.
إنّ القسط الأكبر من احتمالات النجاح والإخفاق مرتبط ارتباطا وثيقا بهذه النقلة، وتحوّل العلاقة بين القيادات السابقة والقيادات الشابة إلى عملية انسيابية تحفظ ما سبق من إنجازات، وتقوّم أخطاءها، وتهيّئ المعطيات الواجبة لتخفيض نسبة الخطأ في منجزات مستقبلية أكبر وأشمل وأقوم، ممّا يتلاءم مع الاحتياجات المتنامية للمسلمين في الغرب، ويتلاءم مع التطوّرات السريعة الجارية في العالم المعاصر، لا سيما ما يرتبط بها ارتباطا وثيقا بقضايا الأمّة والتعامل معها.

وبعد..
فإن المسؤولية الأكبر في متابعة التحولات الجارية على صعيد الرأي العام، وبالتالي على صعيد المناخ الملائم لتطوّر تأثير الوجود الإسلامي في الغرب محليا وعلى صعيد قضايا الأمة، وكذلك المسؤولية الأكبر في التفاعل مع المتغيرات ودعم التوجّه الإيجابي فيها ورعاية بذوره، هي مسؤولية التنظيمات الإسلامية في البلدان الغربية، ولا يزال قصورها في هذا الميدان ملحوظا.

وإنّ تنمية التأثير التنظيمي الذاتي في أيّ ميدان، مرتبطة بمراعاة وجود أرضية مشتركة مع غير المسلمين في معظم الميادين، إلاّ القليل الموجب لمراعاة مقتضيات دينية ذاتية، وهذا ما يستدعي تطوّرا جذريا ونوعيا متجدّدا يشمل في أوروبا تخصيصًا ابتكارَ ما يتجاوز موروث “الوافدين” ويراعي ظروفا جديدة واحتياجات وإمكانات آنية، مع حسن توظيف الوسائل الحديثة. يسري ذلك على:
أ- تنظيمات مدنيّة بمشاركة إسلامية فعّالة، وهي الأصل..
ب- تنظيمات إسلامية “خالصة”، بقدر الضرورة والحاجة.
ولئن وُجدت أسباب وأعذار تفسّر عدم قدرة التنظيمات الإسلامية على اللحاق بالمتغيّرات حول الوجود الإسلامي في المجتمعات الغربية، فقد تتلاشى المعوّقات تدريجيا نتيجة الحراك المتنامي من خلال الجهود والإنجازات الفردية في نطاق الكتلة البشرية الإسلامية في الغرب. ويساهم تراكم ما يتحقق فرديا في تطور القاعدة العريضة التي تولد في نطاقها نخب وقيادات أخرى.
وقد عرف معظم البلدان الغربية عددا من أفراد النخبة المتميزة بإنجازاتها على الصعيد الإسلامي بالمعنى الأضيق للكلمة، منهم على سبيل المثال دون الحصر محمد حميد الله في فرنسا، ومحمد أسد في النمسا، وعلي عزت بيجوفيتش في البوسنه والهرسك، وزكي بدوي في بريطانيا، ولا يزال عطاء آخرين من الرعيل الأول مستمرا، مثل روجيه جارودي في فرنسا، وما أسّسه طه جابر العلواني في الولايات المتحدة الأمريكية، وعطاءات مراد هوفمان في ألمانيا، وطارق رمضان في فرنسا، وغيرهم.
وكان لكل من هؤلاء قسط مرئي في تطوّر الوجود الإسلامي في الغرب، كمّا ونوعا، ولئن كان كل منهم يلفت النظر بمفرده من خلال حجم إنجازه الذاتي، فقد كان يلفت النظر أيضا ظهور ذلك الإنجاز في فترة زمنية لم تكن توجد من ورائه فيها “قاعدة عريضة” للنخبة المسلمة في الغرب. وهذا ما يرجّح أنّ تطوّر الصحوة الإسلامية من ظاهرة تديّن إلى ظاهرة إنجاز وعطاء، منطلق بالغ الأهمية، لتأمين الشروط الموضوعية من أجل نشأة الضوابط التنظيرية، والرؤى المستقبلية، والمخططات العملية، اعتمادا على ما يتكوّن من نخب وقيادات جديدة، من صفوف جيل الشبيبة المسلمة، ذكورا وإناثا.

الهوامش:

توطئة: تبدّل معطيات محورية
[1] حول خلفيات “منح الجوائز” لإنجازات معادية انظر:
هادي يحمد، اختيار 10 مسلمات أكثر نفوذا في أوروبا.. أياد خفية؟، 8/11/2010م، أون إسلام:
http://www.onislam.net/arabic/newsanalysis/newsreports/muslim-minoritie/126486–10——-.html
وتزامن مع كتابة هذه السطور صدور كتاب جديد بالألمانية بعنوان: “انهيار العالم الإسلامي”:
Hamed Abdel-Samad, Der Untergang der islamischen Welt. Eine Prognose, Droemer Verlag, München 2010
وسارع بعض وسائل الإعلام إلى اعتباره “جريئا وإن افتقر إلى الأدلّة”، وهو بقلم الكاتب المصري الأصل المقيم في ألمانيا حامد عبد الصمد، الذي سبق أن أنكر صلاحية الإسلام والقرآن الكريم للعصر الحديث، وأنكر قيام الحضارة الإسلامية على الإسلام، ودعا إلى “ملحدين” لتخليص الإسلام من العنف”. ولا يختلف نهج نجلا كيليك المشار إليها كثيرا عنه، إلا أنّها وجدت تكريما أكبر بالجوائز “الثقافية” رغم الإقرار بضحالة القيمة العلمية لما تنشره بصفة “دراسات وبحوث”، والمزيد عن ذلك للكاتب في: ليبراليون في ألمانيا يختارون نجلا كيليك لجائزة الحرية لعام 2010م، أون إسلام، 6/11/2010م:
http://www.onislam.net/arabic/newsanalysis/analysis-opinions/europe-north-america-australia/126451-islamofobia.html
[2] من أواخر ما نُشر نموذجا لنهج التشكيك: الإصدارة الخامسة لعام 2010م من الكتاب الدوري لمؤسسة “مجلة دير شبيجل” الألمانية، تحت عنوان “الإسلام، 1400 عام عقيدة وحروب وثقافة”:
Der Spiegel, Der Islam,1400 Jahre, Glaube, Kriege, Kultur, 10-11/2010.
التعريف به للكاتب في مداد القلم:
http://www.midadulqalam.info/midad/modules.php?name=News&file=article&sid=1628
وسبق لدار شبيجل أن أصدرت عدة كتب دورية حول الإسلام والمسلمين غلب عليها أسلوب العداء المباشر قبل غلبة أسلوب التشكيك في هذه الإصدارة، وهو ما ينسجم مثلا مع نهج اتُّبع في إصدار مؤلّفٍ أصبح “مرجعيا” عن السيرة النبوية للمستشرق تيلمان ناجل، بمشاركة فريق من معاونيه وتكليف رسمي رُصد له مبلغ كبير بعد “الإساءة الكاريكاتورية وردّ الفعل الإسلامي عليها” فصدر بعنوان “محمد.. سيرة وأسطورة” في مجلدين:
Tilman Nagel, Mohammed, Leben und Legende, Oldenbourg Verlag, München 2004
وأورد تيلمان في مطلع كتابه فرضية ضعيفة لباحثة أمريكية مغمورة، تزعم أنّ شخصية محمد –صلى الله عليه وسلم- شخصية مختلقة تاريخيا، وأنّ كل ما روي عنه هو من باب نسج الأساطير، ولا يزعم ناجل أنّ هذا صحيح، ولكن يسوّغ به زعمه بوجود “مبالغات”، فيبقى مفعول ما ذكره متمثلا في تشكيك القارئ العادي فيما يسمع أو يقرأ عن الإسلام وتاريخه وعن السيرة النبوية.
[3] يورجن نيلسن (تحرير)، الكتاب الإحصائي السنوي للمسلمين في أوروبا:
Joergen S. Nielsen, Yearbook of Muslims in Europe, Vol. 1, Brillverlag, Ledien and Boston, 2009.

تصوّرات عامة ووقائع متبدّلة
[4] Rand Corporation، أهمّ التقارير السنوية التي تناولت فيما تناولت مستقبل المسلمين في الغرب، التقرير الصادر بعنوان “الإسلام المدني الديمقراطي” عام 2004م، وعنوان “شبكات إسلامية معتدلة” عام 2007م.
[5] تعدّدت ترجمات عنوان كتاب كيبيل، مثل “الفتنة.. الحرب في قلب الإسلام” و”الفتنة.. الحرب على عقول المسلمين” و”الفتنة.. حروب في ديار المسلمين”.. وأصل العنوان بالفرنسية هو: Fitna. Guerre au coeur de l’islam:
جيل كيبيل، ترجمة نزار أورفلي، الفتنة.. حروب في ديار المسلمين، دار الساقي، بيروت ولندن، 2004م.
[6] أوليفيه روا، ترجمة لارا معروف، عولمة الإسلام، دار الساقي، بيروت ولندن، 2003م.
[7] ماتياس روهه: الشريعة.. التاريخ في العصر الحاضر:
Mathias Rohe, Das islamische Recht, Geschichte und Gegenwart, Beck Verlag, München 2009
[8] ماتياس روهه/Mathias Rohe، مقابلة صحفية مع فرانكفورتر آلجيماينه، 27/10/2006م
[9] كلاوس إيدر، هوية أوروبية، مركز توثيق العلوم الاجتماعية، 2008م، ص 2، نسخة إلكترونية:
Klaus Eder, Europäische Identität, http://www.ssoar.info/ssoar/files/2008/428/eder_1994_integration.euro.identität.pdf
وتذكر النسخة الإلكترونية أن هذا البحث نُشر مطبوعا لأوّل مرة عام 1994م في دورية “النظرية الاجتماعية”: “Teoria Sociologica”، العدد 2.
[10] يورجن هابرماس: الغرب المجزّأ، ص 69.
Jürgen Habermas, Der gespaltene Westen, Suhrkamp Verlag, Berlin, 2004
[11] ساراه فيلشيك، هوية أوروبية، ص 1.
Sarah Wilczek, Europäische Identität, Linse Uni, Essen, 2006.
[12] فولفجانج شمالي، تاريخ الهوية الأوروبية ومستقبلها:
Wolfgang Schmale, Geschichte und Zukunft der europäischen Identiät, Bundeszentrale für politische Bildung, Bonn 2010.
[13] محمود شاكر، التاريخ الإسلامي، المجلد 22، المكتب الإسلامي، بيروت ودمشق وعمان، الطبعة الثانية، 1995م، ص 455، 456.
و د. أحمد عبد الكريم نجيب، البوسنة والهرسك: دراسة عامة، دار المعرفة/ موقع كلمات،
http://www.kl28.com/knol3/?p=view&book=8144
وقد أورد د. نجيب في بحثه عرضا تاريخيا يتميّز بالإيجاز والتوثيق، مما يعود به إلى مؤرّخين غربيين قدماء، مثل “كيناموس” الروماني، كما يعود به إلى محمد قاروط في كتابه “الإسلام في يوغوسلافيا”، والرحالة ابن فضلان في عهد الخليفة العباسي المقتدر، وياقوت الحموي في كتابه “معجم البلدان”، مما يؤكد وجود أوائل المسلمين قبل الفتح العثماني للبلقان بعدة قرون.
[14] إيكيهارت روتّر، كيف تنشأ الصورة العدائية، في كتاب: عوالم الإسلام، ص 52.
Ekkehart Rotter, Wie ein Feindbild entsteht, in: Hrsg. Gernot Rotter: Die Welten des Islam, Fischer Verlag, Frankfurt am Main, 1994, 1. Auflage 1993
[15] ويكيبيديا الألمانية، مادة “الإسلام في أوروبا”، http://de.wikipedia.org/wiki/Islam_in_Europa
وتستند المادة إلى دورية “فيشر المناخ” الإحصائية السنوية، و15 مرجعا آخر باللغات الألمانية والإنجليزية والفرنسية.
[16] صحيفة تاجس شبيجل، المسلمون في أوروبا أو المسلمون الأوروبيون؟، 4/5/2010م.
Tagesspiegel: Muslime in Europa oder europäische Muslime? 04.05.2010
[17] نينا كلارا تيسلر، مسلمون في أوروبا- سياسات الدين والهوية في ظل ظروف اجتماعية متغيرة
Nina Clara Tiesler, Muslime in Europa.. Religion- und Identitätspolitiken unter veränderten gesellschaftlichen Verhältnissen, Lit Verlag, Hannover, 2004
[18] المصدر السابق، ص 115.
[19] المصدر السابق، ص 116.
[20] المصدر السابق، ص 125.
[21] سونيا هاوج وستيفاني موسيخ وآنيا شتيكس، حياة المسلمين في ألمانيا، ص 11-19.
Sonja Haug, Stephanie Müsig, Anja Stichs: Muslimisches Leben in Deutschland, Bundesamt für Migration und Flüchtlinge, Berlin 2009
[22] الموقع الشبكي للدائرة الألمانية الاتحادي للإحصاء، يوم 21/10/2008م:
http://www.destatis.de/jetspeed/portal/cms/Sites/destatis/Internet/DE/Presse/pm/zdw/2008/PD08__042__p002.psml
[23] “دراسات بيسا”/ PISA هي الحروف الأولى من عنوان الدراسة بالإنجليزية:
Program for International Student Assessment
بريان كيلي، الهجرة الدولية، ص 67-68
Brian Keeley,”Internationale Migration”, Bundeszentrale für politische Bildung, Bonn 2010.
[24] المصدر السابق، ص 68-72
[25] ظهر كتاب “في الحضيض” بقلم جنتر فالراف عام 1985م، ثم منذ عام 1988م في طبعات جديدة مع إضافات توثيقية واسعة النطاق، كما أُنتج فيلم وثائقي حول محتواه عام 1986م، وورد في قائمة 1000 كتاب أكثر تأثيرا من سواها على المستوى العالمي، والعبارة المستشهد بها من مقدّمة المؤلف.
Günter Wallraff: Ganz unten, Kiepenheuer und Witsch Verlag, Köln 1985.
[26] تشابه الأوضاع بين ألمانيا ومعظم الدول الأوروبية الغربية على الأقل، تشابهٌ واضح في دراسة “بيسا” الدولية المشار إليها آنفا، وتوجد شواهد عديدة أخرى، ومن ذلك على صعيد المصادر ما تكشف عنه بعض مضامين مشروعٍ لتقديم مواد وثائقية وعامة للمشتغلين في التعليم والتربية بألمانيا، في صيغة سجلات (من مئات الصفحات) مزوّدة بتسجيلات إلكترونية نصية وتوضيحية، يطرح السجلّ رقم 5 منها سلسلة من الوثائق والنصوص حول الوجود الإسلامي في بريطانيا وفرنسا وهولندا (لا تختلف إلا من حيث التفاصيل عن الوضع في ألمانيا) والبوسنة والهرسك.
“الإسلام- ثقافة سياسية وتعارف بين الأديان”
Islam-Politische Bildung und interreligiöses Lernen, Band 5،Bundeszentrale für politische Bildung, Bonn 2007

مؤشرات مستقبلية بين الضغوط والإنجازات
[27] مجلة “العربي” الكويتية، أبرز علماء العرب في نصف قرن، عدد خاص، كانون أول/ ديسمبر 2007م.
[28] من المواقع الشبكية العربية للتعريف الموجز بإنجازات متميزة، من بينها لمسلمين في الغرب موقع المبدعين العرب:
http://www.arabiancreativity.com
وانظر أيضا “علماء عرب أبدعوا في الغرب” في شبكة الجزيرة:
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/2B3EE28C-F802-40E6-8539-ED5E9D0E97FA.htm
[29] صدر في المكتبة الألمانية حديثا أكثر من كتاب يوثّق الأسلوب والمضمون التحريضيين في وسائل الإعلام، أشهرها كتاب سابينه شيفّر، عرض الإسلام في الصحافة
Sabine Schiffer: Die Darstellung des Islam in deutschen Medien, Ergon Verlag, 2005
وكتاب تورستن جيرالد شنايدر: معاداة الإسلام، عند تمييع حدود النقد
Thorsten Gerald Schneider, Islamfeindlichkeit, Wenn die Grenzen der Kritik verschwimmen, VS Verlag, 2009.
ومن الأمثلة على كتب التحريض الصارخ ما ينشره أودو أولفكوتّي، ومن كتبه:
– أنقذوا الغرب.. أسلمة أوروبا المتسلّلة، التعريف بالكتاب في مداد القلم للكاتب:
http://www.midadulqalam.info/midad/modules.php?name=News&file=article&sid=1270
– وحرب مقدسة في أوروبا (صدرت طبعة أخرى بعنوان: الحرب في مدننا)، التعريف بالكتاب في مداد القلم للكاتب:
http://www.midadulqalam.info/midad/modules.php?name=News&file=article&sid=368
– وما ينشره هنريك برودر، ومن كتبه: يا للفرحة.. نحن نستسلم (المقصود تجاه “أسلمة أوروبا”)
Henryk Broder: Hurra.. wir kapitulieren, WJS Verlag, Berlin, 2006
[30] جيل كيبيل، الفتنة، مصدر سابق، ص 342.
[31] بسام طيبي، من أصل سوري، يدرّس في جامعات ألمانية وأمريكية، من العاملين في نطاق ما يسمّى “حوار قرطبة الثلاثي” بين الإسلام والمسيحية واليهودية، وحصل مع المؤرخ اليهودي الألماني ميشائيل فولفزون عام 2003م على جائزة “مؤسسة العودة إلى القيم الغربية” في زيورخ لقاء دفاعهما عن القيم الأوروبية. بدأ في سبعينات القرن الميلادي العشرين بنقد “الاشتراكية العربية” وانتقل إلى نقد الإسلام منذ الثمانينات، ومن عناوين كتبه “من الدولة الإلهية إلى الدولة القومية”، و”الأصولية الإسلامية”، و”الشمولية الجديدة”، و”مع الحجاب إلى أوروبا؟”، و”التحدي الإسلامي”.
[32] انظر (الهامش رقم 1) حول خلفية الجوائز التقديرية من جانب جهات غير إسلامية، بينما يبرز من بين الأمثلة على تنظيمات ناشطة من منطلق علماني “مؤسسة ابن رشد” في برلين، العاملة منذ عام 1999م من خلال جائزة سنوية بدأت بتخصيصها لقناة الجزيرة، ثم كانت الجائزة على التتالي من نصيب عصام عبد الهادي من فلسطين/ تحرير المرأة، ومحمود أمين العالم من مصر/ الفكر النقدي، وعزمي بشارة من فلسطين/ السياسة، ومحمد أركون من أصل جزائري/ الفلسفة، وصنع الله إبراهيم من مصر/ الأدب السياسي، ونصر حامد أبو زيد من مصر/ الإصلاح الديني، وفاطمة أحمد إبراهيم من السودان/ حقوق الإنسان، ونوري بوزيد من تونس/ إخراج أفلام، ومحمد عابد الجابري من المغرب/ النهضة العربية، وسمير أمين من مصر/ الاقتصاد.. وخُصصت جائزة 2010م لموقع “الحوار المتمدن” الشبكي الذي يعتبر مجمّعا للكتابات العلمانية العربية.
[33] انظر للتعرف على المركز النسائي ونشاطاته موقعه الشبكي بعدة لغات:
http://www.bfmf-koeln.de/For_Arabic/index.php
[34] انظر الهامش رقم 1
[35] انظر تعريف الكاتب بمشروع “خطب برلين” في موقع “مداد القلم”:
http://www.midadulqalam.info/midad/modules.php?name=News&file=article&sid=1376
[36] نيفيد كيرماني، من نحن؟، ص57، 59.
Navid Kermani: Wer ist wir?, Bundeszentrale für politische Bildung, Bonn 2009
والكاتب “علماني معتدل” معروف بمستوى إنتاجه الأدبي الرفيع، وكان من بين من اختير بشخصه ضمن من يمثل المسلمين في مؤتمر الإسلام في ألمانيا خلال جولته الأولى، ويردّ في كتابه على مقولة عدم اندماج المسلمين في المجتمع، وأبرز ما يقول بهذا الصدد ما ورد في ص 19 من الكتاب: “يزعجني أن مناقشة الاندماج بمجموعها تُختزل في تأييد الإسلام أو معارضته، كما لو أنّ المهاجرين لا يمثلون شيئا سوى أنهم مسلمون، وهنا تجري التغطية على جميع المواصفات والعناصر الأخرى رغم أهميتها أيضا، أين أصلهم، وكيف نشؤوا، وكيف كانت تربيتهم، وماذا تعلّموا”..
[37] تيلو سارازين، ألمانيا تلغي نفسها بنفسها
Thilo Sarrazin, Deutschland schafft sich ab, DVA Verlag, München, 2010
[38] صدر التصريح عن وزير الداخلية يوم 5/9/2010م عبر القناة الأولى للتلفزة الألمانية، ونوقش في استجواب نيابي يوم 7/9/2010م، وتبيّن أنّ الوزير اعتمد على دراسات ومصادر متعددة منذ عام 2001م، ولكنّها لا تتحدث عن “رفض الاندماج”، فهو من “استنتاجاته الشخصية”، والتفاصيل في موقع المتحدث باسم حزب الخضر لشؤون الهجرة:
http://www.memet-kilic-gruene.de/plenarrede-zur-lage-der-auslander-in-deutschland
وفي موقع ” الهجرة في ألمانيا”:

Integrationsverweigerer Allee Nr. 10-15


[39] حفلت وسائل الإعلام الألمانية بالتقارير والأخبار عن ذلك في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2010م، ومن ذلك مثلا ما ورد في الموقع الشبكي التالي حول الدراسة المشار إليها:
http://www.jobware.de/Magazin/Hochqualifizierte-Migranten-sind-wenig-begehrt.html
[40] أين العرب؟، أسبوعيّة دي تسايت
“Wo bleiben die Araber”, Die Zeit, 22.10.2010
[41] يوتّي كلاوزن، النخب المسلمة في أوروبا
Jytte Klausen, Europas muslimische Eliten, Bundeszentrale der politischen Bildung, Bonn 2006

خاتمة: نظرة استشرافية
[42] كاتاجون أميربور ولودفيج آمّان، الإسلام على مفترق الطرق.. مصلحون ليبراليون ومحافظون لدين عالمي،
Katajun Amirpur, Ludwig Ammann, Der Islam am Wendepunkt.. Liberale und konservative Reformer einer Weltreligion, Herder Verlag, Freiburg, Basel, Berlin, 2006.
[43] نيفيد كيرماني، من نحن؟، مصدر سابق، ص 170.
[44] طارق رمضان، المسلمون في الغرب، ترجمة يوسف كون عن الفرنسية إلى الألمانية، ص 75
Tariq Ramadan: Die Muslime im Westen, MJD, Berlin, 2004
النسخة الفرنسية الأصلية:
Tariq Ramadan: Musulmans d`Occident, Construire et contribuer, Tawhid, Lyon, 2002
[45] من الأمثلة على الإعداد الجامعي الجاري على خلفية النقلة “الجامعية” لاستيعاب الإسلام وتدريسه، مشروع أكاديمية العلوم في برلين وبراندنبورج (www.bbaw.de)، المرتبطة بحكومتي الولايتين الألمانيتين، بعنوان “كينونة القرآن/ Corpus Coranicum” “لتوثيق نشأة النص القرآني كتابة ومشافهة ونقده”، ويشير إلى ما يستهدف المشروع صدورُ إعلان توظيف عن الأكاديمية في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2010م، يشترط الخبرة السابقة بالفترة المتأخرة لتاريخ اليهودية والنصرانية. ويبدو من المشروع في الوقت نفسه ازدياد الإحساس بالحاجة إلى تأصيل جامعي لِما يُطرح حتى الآن من نظريات وفرضيات بصدد عدم ضمان سلامة حفظ القرآن الكريم وجمعه في العهد الأول، ومن مقولات تزعم تناقض نصوصه مع بعضها بعضا.. ومن العسير الفصل بين حصيلة مثل هذه المشاريع وبين ما يمكن أن يحمله كادر المتخرّجين عن طريقها من مهامّ في صياغة “مناهج” تدريس الإسلام وإعداد الأئمة.

نشر في حولية أمتي في العالم، عدد 2011

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى