الشرق وإفريقيا:سياسات روسيا والصين تجاه إفريقيا: تنافس على النفوذ والموارد

تمهيد:

لطالما كانت قارتنا الإفريقية محط تنافس القوى الكبرى نظرا لثرائها بالموارد الطبيعية من جهة وضعف قوة نظمها الحاكمة وإمكانات دولها في مقومات التنمية والنهوض من جهة أخرى. ورغم تسبب القوى الكبرى تاريخيا في سهم كبير من عوامل ضعف دول القارة، فإن ديناميات الهيمنة والنفوذ مازلت تتحقق بجدارة، ولما لا والعالم على حافة تحول دولي وقد بات نظامٌ متعدد الأقطاب بديناميات التحالفات واضحا للعيان في المشهد العالمي. وعليه، تظل القارة الأفريقية مجالًا طبيعيا للتنافس وبسط النفوذ والتمدد لمختلف القوى الكبرى. وقد نرى بعض القوى المتحالفة في بعدٍ دولي متنافسين في التكالب على القارة حينما تتعارض مصالحهم أو تتنافس استراتيجياتهم الخارجية المتوجهة لضم مزيد من دول الجنوب والعالم النامي لرقعة النفوذ. وهو ما يحدث في حالة تنافس روسيا والصين على نطاق التمدد الاقتصادي والنفوذ السياسي بالقارة الإفريقية.

فلماذا تتجه كلٌ من الصين وروسيا إلى أفريقيا؟ وفيم تتفقان أو تختلفان في سياساتهما تجاة القارة ودولها؟ وما الذي يميز سياسات الشرق تجاه أفريقيا عن سياسات الغرب؟ وهل تتنافس روسيا فعلا مع الصين في إفريقيا؟ أم أن لكل منهما مجال تمدد ونفوذ متمايز أو مغاير عن الأخرى؟ أين تتقاطع وأين تتقابل مصالحهما في القارة؟ الأمر الذي يجعلنا نلقي نظرة تحليل على خريطة مشروعات واستثمارات كل منهما في القارة.

وهذا يعتمد ابتداء على الاستراتيجية الخارجية لكل منهما، فضلا عن إعادة ترتيب كل منهما لأولوياتها نتيجة التغيرات الدولية المتلاحقة خلال سنوات قريبة شهد خلالها العالم أزمات وتغيرات كبيرة كان أبرزها جائحة كورونا التي خلفت أزمات اقتصادية في دول كبرى وقوى تقليدية كأوروبا الغربية التي انكمش دورها الخارجي وفي مناطق نفوذها التقليدي كإفريقيا، بينما برزت قوة وتفوق قوى أخرى كالصين التي برز دورها وقواها المادية (المالية والتكنولوجية والطبية) والناعمة (الدعم الصحي وباللقاحات وكنموذج متقدم يُحتذى به) عبر العالم، ثم جاء مطلع العام 2022 ومعه تطورات الأزمة الأوكرانية والحرب الروسية عليها وتداعياتها الكبيرة على الاقتصاد الدولي، ثم احتدام أزمة تايوان بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وكيف تؤثر هذه المتغيرات على سياسات الصين وروسيا تجاه القارة السمراء، وهل تتعارض مصالحهما وأهدافهما من القارة، رغم ما أبدياه كأكبر حليفين في مواجهة الغرب (الولايات المتحدة وأوروبا) عالميا؟

أولًا- استراتيجية جنوب- جنوب: موضعة إفريقيا في استراتيجية الصين العالمية:

بالطبع تربط الصين بإفريقيا علاقات ولها أهداف في القارة منذ أمد بعيد، وبعد تشكل جمهورية الصين الشعبية كان أول لقاء رسمي للصين مع إفريقيا في مؤتمر باندونج، عام 1955 ضمن موجة التقارب الدولي بين الدول حديثة الاستقلال والدول ذات التوجه اليساري عالميا. واستطاعت الصين موضعة إفريقيا في رؤيتها الاستراتيجية وفق طبيعة مراحل هذه الاستراتيجية وتطورها مع تطور الوضع والمكانة الدولية للصين. فعلى سبيل المثال: قدمت الحكومة الصينية خط السكك الحديدية الذي بُني في السبعينيات لحصول زامبيا على منفذ بحري كبديل للطريق التقليدي عبر زيمبابوي، وذلك كمساعدة خارجية في إطار تنافس الصين مع الاتحاد السوفيتي وقتها على ولاء واجتذاب الدول النامية وحديثة الاستقلال واكتساب شرعية دولية لنظامها الشيوعي عبر سياسة المعونات التي قد أكسبتها علاقات دبلوماسية مع 44 دولة إفريقية حتى منتصف ثمانينيات القرن العشرين[1]. ثم أخذت العلاقات التعاونية الصينية الإفريقية منحنى تصاعديًّا منذ مطلع عام 1990م، من خلال توسيع حجم الاستثمارات الصينية المباشرة، وتقديم المساعدات التقنية، وثمة تقليد للخارجية الصينية منذ عام 1991؛ يجعل إفريقيا في مقدمة الوجهات التي يزورها أكبر دبلوماسيي البلاد كجزء من أجندتهم السنوية*. وقد زارها رئيس البلاد ووزيره الأول ووزير الخارجية عام 2006 في جولة شملت 17 دولة إفريقية حينها، وكانت الوجهة الأولى خارجيا التي زارها الرئيس الحالي بعد بدء ولايته الجديدة في مارس 2013، كما توجه هذا العام 2022 وزير خارجيتها إلى كلٍ من إريتريا وكينيا وجزر القُمر[2]

لتتحول لعلاقات استراتيجية (متعددة الأبعاد وطويلة المدى) بحلول عام 2000؛ بإنشاء منتدى التعاون الصيني-الافريقي (FOCAC)، وهو منتدى استشاري وآلية حوار بدأتها الصين لتعزيز التعاون الصيني مع إفريقيا في مختلف القطاعات، ومنذ إنشاء المنتدى حتى 2021 تحرص الصين على انعقاده بانتظام (فأضحى يدعى كذلك “منتدى بكين”)؛ حيث تم تنفيذ “عشرة برامج رئيسة للتعاون” و”ثماني مبادرات كبرى”، وارتفع حجم التجارة بـ20 ضعفًا، وزاد الاستثمار المباشر للصين في إفريقيا بمقدار 100 ضعف![3] ومن أهم إنجازات المنتدى إسقاط 1.2 بليون دولار من ديون القارة[4].

فبحلول 2005 أصبحت الصين الشريك التجاري الثالث للقارة الإفريقية، ومع بداية عام 2006، انعقدت القمة الصينية– الإفريقية في بكين ووُعِد خلالها بضخ مئة مليار دولار بحلول 2010، وبلغ حجم التبادل الصيني الإفريقي سنة 2006م ما يزيد على 55 مليار دولار. وأصبحت الصين الشريك التجاري الأول للقارة الإفريقية الأول بحلول عام 2009[5].

وقد زادت الاستثمارات الصينية نحو إفريقيا بشكل حاد بعد قمة المنتدى عام 2015، وفي اجتماعه السنوي 2018، أعلن الرئيس الصيني في الافتتاح، أن الصين ستقدم 60 مليار دولار من الدعم المالي لإفريقيا، توزيعها كالتالي: 20 مليار دولار في شكل ائتمان، و15 مليار دولار في شكل منح وقروض بدون فوائد وقروض ميسرة، و10مليارات دولار في تمويل الاستثمار. وهو ما عقَّب عليه محللون بأنه وعد بالمزيد من إثقال كاهل الدول الإفريقية بمستويات لا يمكن تحملها من الديون[6].

  • منطلقات الرؤية الاستراتيجية الصينية تجاه إفريقيا: توظيف القوة الناعمة:

عنصر أساسي في مبادرة الحزام والطريق الصينية المنطلقة عام 2013، التي أضحت استراتيجية الصين العالمية، يقوم على إعادة وضع مفهوم “طريق الحرير القديم” على خارطة المجتمع المعاصر؛ إذ قال أحد الدبلوماسيين: “الصورة التي تخطر في بالنا هي التواصل بين مختلف الحضارات… عندما نقول: طريق الحرير، نعني طريق السلام”. ومن ثم، فالصين تحرص على توظيف القوة الناعمة جنبا إلى جنب قواها المادية لتحقيق استراتيجيتها العالمية. وتسخِّر كافة قواها لضمان تدفق الأموال والاستثمارات والأفراد من جهة، ورسم صورة ذهنية في مخيلة العالم النامي ومنه إفريقيا عن نفسها باعتبارها النموذج المناقض للغرب الاستعماري المستغِّل للدول النامية[7].

أجادت الصين الترويج لنفسها عبر أدوات القوة الناعمة، واعتماد خطاب (جنوب- جنوب)، فالصينيون يتصورون القارة على أنها جزء أساسي في تصعيد المنافسة الجيوستراتيجية على النفوذ العالمي بين الصين والغرب الذي تقوده الولايات المتحدة. تهدف استراتيجية بكين إلى جعل القارة جزءًا من نظام دولي فرعي يضم الكثير من “الجنوب العالمي” تكون الصين هي المسيطرة عليه. فتعلن الصين عن نفسها باعتبارها الناطق باسم الدول النامية التي تدعو إلى خلق بيئة دولية تعددية، وإعادة النظر في الاقتصاد الدولي الذي تراه غير عادل، وينهب حقوق الفقراء. وهو ما يلقَى صدى إيجابيًّا لدى صناع قرار في دول القارة الإفريقية؛ وقد صرح الرئيس السنغالي عبد الله واد: “إنّ فهم الصين لاحتياجاتنا أفضل من الفهم البطيء، والتغطرس في بعض الأحيان للمستثمرين الأوروبيين، والمنظمات المانحة، والمنظمات غير الحكومية. ليست إفريقيا فقط هي التي يجب أن تتعلم من الصين، بل الغرب أيضًا”[8]. وجاء ذلك التوظيف الصيني للقوة الناعمة انطلاقا من عدة منطلقات:

  • تؤكد أنها لا تقبل التدخلات في الشؤون الداخلية للدول ولا تتخذ من قضايا البيئة وحقوق الإنسان ذريعة للتدخل أو التحكم في الدول، مخالَفةً لسياسات الغرب في القارة الإفريقية وغيرها من دول الجنوب، وفي ذلك يقول سفير سيراليون في الصين: “إن الصينيين يأتون وينجزون العمل المطلوب تمامًا، من دون أن يعقدوا اجتماعات حول تقويم الآثار البيئية، وحقوق الإنسان، والحكم السيِّئ والرشيد. ولا أقول إن هذا الأمر صائب، لكن الاستثمار الصيني ناجح؛ لأن الصينيين لا يضعون معايير صارمة”.
  • كما عمدت الصين -ترسيخا للصورة الذهنية الطيبة عنها- إلى تقديم الدعم الاقتصادي والفني لعدد من الدول الإفريقية في العديد من المجالات الاقتصادية والفنية والبنية التحتية؛ حيث قامت الصين منذ عام 2006 ببناء أكثر من 100 مدرسة و30 مستشفى و30 مركزًا لمكافحة الملاريا و20 مركزًا لعرض التكنولوجيا الزراعية في إفريقيا. ثم إبان أزمة كورونا كان للصين دورٌ كبيرٌ في توزيع اللقاحات والملابس الواقية على عدد من الدول الإفريقية[9].
  • التغلغل الاقتصادي الصيني في إفريقيا الذي بدأت بعض المؤسسات المدنية نقده ووصفه بالاستعمار الجديد للقارة. بينما كان رد فعل القوى الأخرى سواء روسيا أو القوى الغربية كأوروبا ذات النفوذ التاريخي في القارة، والولايات المتحدة الأمريكية ذات التغلغل الفعلي واسع النطاق أن اضطروا لإفساح المجال لاقتحام الصين وشركاتها العملاقة لمساحات كثير منها لم يكن مستغلا من قبل وبأسلوب وآليات مغايرة عن الخبرة الغربية نوعا وإن لم تختلف عنها مقصدا وهدفًا. ولسبب آخر يتعلق بأن مقاصد القوى الكبرى وتوجهاتها الاستراتيجية تجاه الدول النامية ومنها دول قارتنا، ليست بالضرورة تصادمية فبعضها يتم بتكتيك توزيع الأدوار وآخر يتم بتدافع القوى أيها أذكى وأسرع قدما في وطء مساحات نفوذ وتمدد[10].
  • يهتم طريق الحرير الجديد بالقارة الإفريقية ككل اقتصاديا وسياسيا، ولكن لشمال إفريقيا والقرن الإفريقي على وجه الخصوص أهمية أكبر لاعتبارات جيوسياسية جانب منها اقتصادي وآخر أمني كما سنوضح.
  • تتوجه الصين لتطويق الدول حول العالم بحزامها الاقتصادي وأذرعها التجارية والاقتصادية، والتي وإن بدت بوجه مسالم وديع، لكن لا أحد يعرف إلى أي حد سيتحول هذا الوجه مع تطور صعودها وبسط هيمنتها عالميا! وتمثل “دبلوماسيّة الدَّيْن” واحدة من أهم أدواتها في اجتذاب الدول النامية في مناطق مختلفة من العالم لبسط النفوذ الصيني عليها لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في تلك المناطق بغض النظر عن نتائج ذلك على تلك الدول، ومنها دول في إفريقيا وجنوب آسيا وأمريكا اللاتينية. وثمة خطر كبير محقق على بعض الدول الإفريقية لوقوعها ضمن قائمة الدول ذات الديْن بما يفوق المعدل الذي يمكن أن تتحمله تلك الدول، وعلى رأسها جيبوتي. ومصر بدرجة أقل خطورة نسبيا لكنها محفوفة بمخاطر حيث احتلت المرتبة الأولى في دول شمال إفريقيا من حيث مجموع قروضها من الصين من العام 2000 حتى العام 2017 (3421,60 مليون دولار أمريكي)[11].
  • محاور الاستراتيجية الصينية في إفريقيا:

تتمحور السياسة الصينية في إفريقيا حول ثلاثة محاور متكاملة: المصالح الاقتصادية خاصة الموارد والثروات الطبيعية، والوصول إلى الأسواق الأفريقية. والمصالح السياسية: وفي مقدمتها النفوذ وغرس سوابق إيجابية الأثر لدى الأفارقة كنموذج مغاير للقوى الغربية، فضلا عن محورية قضية تايوان بالنسبة للتوجهات الصينية تجاه القارة. وكذلك المصالح الأمنية: بالتواجد والرد على التحديات الناشئة في هذه البقعة المهمة من العالم مع تمدد قوة ومصالح الصين كقوة عالمية[12]. هذه المحاور تمثل أبعادا استراتيجية؛ ذلك بما لها من عمق أثر وطول أمد زمني وتقاطعها في بعض عناصرها: فقضية تايوان هي قضية وجود وأمن قومي صيني، والمصالح والأدوات الاقتصادية جزء محوري من استراتيجية وقوة النموذج الصيني عالميا، وتوفير الموارد والمواد الخام والحبوب من القارة الإفريقية وغيرها هو  محض أمن طاقة وأمن غذائي في الرؤية الصينية؛ وكلها أبعاد استراتيجية مهمة تجعل لمصالحها مع القارة الإفريقية ثقلا وحيوية في التوجه الصيني واستراتيجيته عالميًا.

ولتحقيق هذه الاستراتيجية ثمة ثلاثة أنماط من الفاعلين الصينيين في إفريقيا، وهي: الحكومة المركزية،  والشركات الصينية الخاصة، والأفراد.

وفيما يلي نلقي الضوء على أهم محاور الاسترايجية الصينية في قارة إفريقيا..

  • الحشد السياسي في المحافل الدولية وضد تايوان:

كان البعد السياسي هو الأسبق في توجه الصين نحو إفريقيا خلال عقود مضت. تمثل قضية تايوان واحدة من أهم مرتكزات استراتيجية الصين تجاه إفريقيا، بل والاستراتيجية الصينية بالإجمال؛ إذ ترى أن تايوان جزء من “الصين الموحدة” التي تشمل الصين وتايوان وهونغ كونغ[13]، وترغب الصين كذلك في ضمّ تايوان خلال السنوات المقبلة. ولكن ما علاقة تايوان بإفريقيا؟ الإجابة تكمن في أن دول القارة الإفريقية لطالما ربطتها بتايوان علاقات وثيقة لعقود، ومنذ كانت تايوان تحتل المقعد الدائم للصين في الأمم المتحدة منذ عام 1949، كان الاعتراف الأفريقي بها والذي استمر حتى عام 1971، ثم انتقل من تايوان الوطنية إلى الصين الشعبية التي أصبحت الممثل الشرعي للصين في الأمم المتحدة وحظيت باعتراف أغلب الدول الأفريقية. فالدول الاثنتان والعشرون التي كانت تعترف بتايوان قبل عام 1971 انخفض عددها في نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين إلى أربع دول فقط. وهو ما مثّل تهميشا سياسيًا ودبلوماسيًا لتايوان بعد ثقلٍ سابق في العلاقات؛ حيث كانت تايوان تمد كثيرًا من دول القارة بالمساعدات التكنولوجية والطبية والزراعية… وذلك في مقابل تعزيز الوجود الصيني على جميع المستويات، بالأدوات الاقتصادية من جهة، وسلاح المساعدات من جهة. تلك السياسة كانت موجهة إلى عموم إفريقيا، وكان تركيزها الأكبر موجهًا بالأساس نحو الدول الأفريقية الأكثر أهمية وفاعلية إقليميًا ودوليًا[14].

وذلك فضلا عن حاجة الصين لدعم دول القارة لها تصويتيا في المحافل الدولية المختلفة عند الحاجة في إطار منافستها مع الغرب عالميا وفي المؤسسات الدولية.

ب- الاقتصاد قاطرة العلاقات الصينية الإفريقية:

إنّ العلاقات بين الصين ودول شمال إفريقيا قديمة، وقد ازدادت وتقوّت أكثر عبر علاقات وأدوات اقتصادية بالأساس؛ حيث يقوم اهتمام بكين على أساس التنمية الاقتصادية المتبادلة، وتوسيع حجم الاستثمارات، ومن هذا المنطلق حققت الصين استثمارات هائلة في القارة السمراء.

وتعتمد الصين في تواجدها الاقتصادي في القارة السمراء على عدة آليات وأدوات اقتصادية مميزة، فهي تنوع بين الاستثمارات المباشرة والمشروعات والمناطق الاقتصادية الخاصة والقروض والمعونات والمساعدات الخارجية الصينية للقارة[15]. كما تعتمد فكرة تنوع الفاعلين؛ من مشروعات وصفقات حكومية صينية رسمية ووجود شركات صينية خاصة ودور الأفراد. تحظى إفريقيا –في هذا الإطار- بأكبر نسبة مساعدات صينية رسمية للخارج تتنوع بين مساعدات ومعونات مالية، فضلا عن القروض، كما سلف بيان جهودها في إطار منتدى التعاون الصيني الأفريقي.

والصين تستخدم استراتيجية ذكية تعتمد على ضخ المعونات عبر مشاريع تنموية تقوم بها شركات صينية، الأمر الذي يحقق لها ثلاثة مكاسب: مجال عمل لشركاتها الوطنية، وتجنب ضياع الأموال في مستنقع الفساد في الدول الإفريقية، وعوائد الاستثمار لشركاتها ومواطنيها وتشغيل نسبة عمالة صينية كبيرة في تلك المشروعات؛ حيث أفادت تقارير دولية بأنها  لا تكتفي بتوظيف العمالة الصينية المدربة بأجور أعلى من مواطني الدول المضيفة، بل وتجلب صينيين من السجون للقيام بالأعمال التي لا تحتاج لأيدي ماهرة في إفريقيا، حتى وصل حجم العمالة الصينية في أفريقيا أكثر من 182700 عامل، وتجاوز عدد الشركات الصينية المتواجدة في القارة ما يقارب 10.000 شركة في 2020. وأصبحت الصين تدعم مشروعًا من كل خمسة مشاريع في أفريقيا، وبناءً واحدًا من كل ثلاثة.

ومن الآليات والأدوات الاقتصادية التي تعتمدها الصين في علاقاتها بالقارة الإفريقية:

  • التمويل بالقروض: “الموارد مقابل البنيات التحتية”؛ حيث يتم سداد القروض من خلال تصدير الموارد الطبيعية والمواد الخام من القارة إلى الصين. وبحسب تقديرٍ لتلك القروض المقدمة إلى إفريقيا، فإن المبلغ الإجمالي للفترة بين عامي 2000 و2014 بلغ نحو 30 مليار دولار. وأصبحت الصين هي أكبر دائن وأكبر مموِّل منفرد للبنية التحتية الأفريقية، ففي الفترة من 2005 إلى 2019 وقَّعت الصين 544 عقد بناء في إفريقيا بقيمة إجمالية بلغت 267.7 مليار دولار، وهو ما يمثل حوالي ثلث القيمة الإجمالية لمشاريع البناء للصين في جميع أنحاء العالم.
  • الاستثمارات المباشرة[16]: بلغ إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من الصين إلى إفريقيا 95.7 مليار دولار في الفترة من 2005 إلى 2019، وهو ما يمثل 7.8٪ فقط من الاستثمار الأجنبي المباشر الصادر للصين على مدى فترة الـ15 عامًا. وبلغ الاستثمار الأجنبي المباشر للصين في إفريقيا عام 2018وحده 46 مليار دولار. وحظيت دولة جنوب إفريقيا بنحو ثلث الاستثمار المباشر للصين بالقارة. وذلك وفق تقرير الكتاب الأبيض الصيني حول الأبعاد الخارجية لاستراتيجية التنمية الصينية الصادر عن وزارة الدفاع الصينية ديسمبر 2005[17].

وارتفعت الاستثمارات من 75 مليون دولار عام 2003 إلى 4.2 مليار دولار عام 2020. وكانت أهم خمس وجهات إفريقية للاستثمار الصيني المباشر في عام 2020 هي كينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، جنوب إفريقيا وإثيوبيا ونيجيريا.

  • عقود المشاريع: شكل آخر تتخذه المشاركة الصينية في إفريقيا ويتم من خلال مشاريع متعاقد عليها في الخارج لا تنطوي على استثمارات مباشرة. وقد زادت الأرقام الصينية الرسمية لقيمة المشاريع المنجزة بأكثر من عشرين ضعفًا بين عامي 2003 و2015. ومنذ عام 2010، شكَّلت إفريقيا حوالي 30٪ من القيمة الإجمالية للمشاريع المتعاقد عليها من الصين في جميع أنحاء العالم، وتم توظيف أكثر من 130 ألف عامل صيني في مشاريع في إفريقيا في نهاية عام 2015.

وبذلك كله، أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لإفريقيا ككل عام 2009 (على الرغم من أنها تأتي في المرتبة الثانية بعد الاتحاد الأوروبي مجتمِعا). وتمثل العلاقات الاقتصادية الصينية الأفريقية بشكل عام أهمية أكبر للجانب الأفريقي أكثر من الصين؛ إذ تمثل فقط نسبة 5٪ من إجمالي تجارة الصين، بينما تمثل التجارة البينية الصينية- الإفريقية 15٪ من إجمالي الميزان التجاري للدول الإفريقية[18].

ت- مجالات الاستثمار والتجارة البينية للصين مع إفريقيا:

تتعدد مجالات الاستثمار والتمويل والإقراض للأنشطة الاقتصادية المتبادلة بين الصين والقارة، لعل أهمها[19]:

الشكل (1) يوضح حجم الاستثمارات الصينية في القارة لعام 2018 موزعة قطاعيا بين دول القارة الأفريقية

(المصدر: موقع معهد بروكنجز)[20].

  • مجال التعدين والنفط: تحصل الصين على نسبة 9٪ من نفط إفريقيا جنوب الصحراء بينما يتجه 30٪ منه إلى أوروبا، وتتطلع الصين إلى الاستفادة من حصص أعلى. واستطاعت شركاتها العملاقة الحصول على امتياز التنقيب عن النفط في مساحات واسعة من تشاد، كما استثمرت في عام 2005م أكثر من نصف صادرات السودان النفطية، وتمكنت مؤسسة النفط الصينية من شراء 40٪ من أسهم شركة النيل الأعظم في السودان التي تنتج 300 ألف برميل يوميًّا، واستوردت الصين 60٪ من احتياجاتها النفطية عام 2020م من خليج غينيا والسودان. ووقّعت شركات النفط الصينية عقودًا مع الكونغو (برازافيل) لبدء استكشاف النفط البحري وإنتاجه، ولبدء عمليات الاستكشاف النفطي في شمال ناميبيا. كما قامت شركة “سينوبك” الصينية بإنشاء خط أنابيب بطول ألف وخمسمئة كيلومتر لنقل الإنتاج النفطي إلى ميناء بورتسودان على البحر الأحمر ومنه إلى ناقلات البترول المتجهة إلى الصين. وتولي الصين اهتماما كبيرا بدول خليج غينيا الغنيّ بالنفط منذ مطلع الألفية[21]، وتسعى لمنافسة الولايات المتحدة الأميركية على الاستثمارات النفطية، وبالفعل نجحت في حجز موطئ قدم لها في أنجولا ونيجيريا والجابون وغينيا الاستوائية[22]. كما تهتم الصين بالاستحواذ على الغاز واليورانيوم، والذهب، والألماس…

يتضح من توزيع حجم الاستثمار الصيني في مجال الطاقة والنفط بين دول القارة الإفريقية أن الاستثمارات (التي وعد بها الرئيس الصيني في قمة منتدى التعاون 2018) قد تركزت جغرافيًا في البلدان الغنية بالنفط، مثل نيجيريا وأنغولا، وفي قطاعي النقل والطاقة. كما هو موضح بالشكل (2)[23]:

الشكل (2) يوضح حجم الاستثمار الصيني 2018 وتوزيع نسبه على الدول الإفريقية (المصدر: موقع معهد بروكنجز).

  • المجال الزراعي ومحك الأمن الغذائي الصيني: ركزت الاتفاقيات على الوعود بإنشاء استثمارات زراعية لتأمين الأمن الغذائي للدول الإفريقية، إلّا أن الأكثر وضوحا هو استفادة الصين من المحاصيل والزراعات الإفريقية؛ حيث تتجه بكين إلى إفريقيا لشراء أراض زراعية شاسعة بهدف استثمارها لإطعام سكانها الذين سيتجاوزون 1.5 مليار شخص بحلول عام 2025. وقد زادت الواردات الصينية من المنتجات الزراعية الإفريقية في 2020 بنسبة 14٪، مما جعل الصين ثانيَ أكبر مستورد في هذه الفئة؛ وتعد جنوب إفريقيا ونيجيريا وأنغولا ومصر والكونغو الشركاء الرئيسيين الخمس للصين من حيث واردات المنتجات الزراعية[24].
  • ‌أ- البعد الأمني والعسكري:

يرتكز هذا البعد على توسيع مصالح الصين العالمية مع توسع دورها كقوة عالمية[25]، فحماية مصالحها وأصول مشروعاتها في العالم وفي إفريقيا المنخرطة بها اقتصاديا بشكل كبير أمر مهم لها في واحدة من أكثر المناطق غير المستقرة في العالم، فضلا عن رغبتها في تعزيز دورها في “حماية السلام العالمي والتنمية المشتركة”. ومن هنا حرصت على مشاركة جيش التحرير الشعبي الصيني في سبع من بعثات الأمم المتحدة الثماني في إفريقيا. وقام جيش التحرير الشعبي أيضًا بتوسيع الدبلوماسية العسكرية الثنائية عبر عمليات عسكرية لجيشها والانتشار المستمر لمكافحة القرصنة في خليج عدن، وأنشأت الصين قاعدتها العسكرية الأولى خارج حدودها في دولة جيبوتي سنة 2017. وتظل الصين حذرة بشأن التورط السياسي والعسكري في القارة وتقدم سياسة عدم التدخل في النزاعات[26]، إلا أن ذلك التكتيك يبدو مرحليا؛ لوعي صناع القرار الصيني بعدم الحاجة للتدخل بثقل في مشكلات العالم وذلك اتباعا للاستراتيجية الصينية الخارجية الكبرى التي تعتمد “الصعود السلمي”، والتي يتم التعديل النسبي فيها ولكن لم يتم العدول عنها بالكلية رغم تحول القوة الرهيب لصالح الصين في السنوات الأخيرة.

وتفضل الصين المساهمة باستثمارات مباشرة في مجال التسليح؛ فالصين مازالت أكبر مصدر للأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة للدول الأفريقية. بغض النظر عما تُستخدَم فيه ما دام ذلك لن يعرقل مصالحها المباشرة في القارة؛ فقد باعت السلاح لأطراف الصراع في دارفور، فباعت للسودان وحده أسلحة بقيمة 143 مليون دولار في الفترة من 2001-2009، وفي المقابل اعترضت على قرارات مجلس الأمن ضد السودان بشأن دارفور حمايةً لمصالحها واستثماراتها الاقتصادية والعسكرية هناك. وفعلت شبيه ذلك مع نظام موجابي في زيمبابوي الذي صدَّرت له الأسلحة المتطورة والثقيلة وغضت الطرف عن استخدامه السلاح في مواجهة المعارضة الداخلية في بلاده، بل وحمته بنفس الاعتراض وعرقلة إدانته في مجلس الأمن الدولي. مما أعطى انطباعا يتأكد مع الوقت أن الصين -مثلها مثل الدول الغربية- تحركها مصالحها في القارة، وإن ساهم ذلك في دعم وترسيخ فساد أنظمة الحكم والتغطية السياسية عليها[27].

وتنوعت الأنشطة والاستثمارات العسكرية الصينية في القارة الإفريقية، وفقما يلي:

  • برامج التدريب العسكري: فعلى سبيل المثال تم ابتعاث حوالي خمسين عسكريًّا من ساحل العاج يتلقون تدريبًا في الصين سنويًّا، والتدريبات العسكرية المشتركة لاسيما تدريبات مكافحة القرصنة مع البحرية الكاميرونية، والتدريبات مع القوات البحرية الغانية والنيجيرية، فضلًا عن المنح العسكرية التي قدمتها الصين للعديد من دول غرب إفريقيا لاسيما سيراليون وليبيريا وغانا وساحل العاج[28].
  • الدبلوماسية العسكرية، فتم تكثيف الزيارات الدبلوماسية العسكرية المتبادلة، وزيادة عدد الملحقين العسكريين؛ حيث زادت الصين عدد الملحقين في إفريقيا إلى 17 ملحقًا ومن بينهم ستة ملحقين في دول منظمة الإيكواس، بالإضافة إلى الكاميرون وتشاد ولدى دول المنطقة عشرة ملحقين عسكريين في بكين. فضلًا عن الزيارات العسكرية للقوات البحرية الصينية للموانئ البحرية في ساحل العاج وغانا والسنغال ونيجيريا والكاميرون لاسيما أن هناك سبعة موانئ تديرها كيانات صينية على الساحل الغربي لإفريقيا.
  • تكثيف الدعم اللوجستي للمنظمات الإقليمية الإفريقية تعزيزا لدورها في مكافحة الإرهاب ولاسيما الاتحاد الإفريقي، من خلال استثمار مئة مليون دولار في القوة الإفريقية الجاهزة والقوة الإفريقية للاستجابة الفورية للأزمات، وتخصيص جزء من تمويل صندوق السلام والأمن الصيني الإفريقي لتعزيز دور فرقة العمل المشتركة متعددة الجنسيات ضد تنظيم بوكو حرام، كما قدمت الصين حوالي 25 مليون دولار أميركي للمعدات العسكرية للقاعدة اللوجستية للاتحاد الإفريقي في ياوندي بالكاميرون.
  • تدشين منتدى الدفاع والأمن الصيني الإفريقي، الذي استضافته بكين لأول مرة عام 2019، وأكد على ضرورة تكثيف تبادل المعلومات الاستخبارية وتعزيز دور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في حماية الأمن العام ومكافحة الإرهاب ووضع خطة عمل (2019-2021)، تتضمن تقديم مساعدات عسكرية للاتحاد الإفريقي والجهود الأمنية في منطقة الساحل وخليج غينيا.

ومع ذلك كله تحرص الصين أن تظهر بدور القوة الداعمة لكل ما فيه أمن وصالح دول القارة الإفريقية، فشاركت من جهة أخرى في عدد من المبادرات الأمنية دوليا وبعثات حفظ السلام والجهود الدولية لمكافحة القرصنة؛ مما يدعم قوتها الناعمة بالقارة.

ثانيًا- التوجه الروسي نحو إفريقيا: مزاحمة الغرب وأولوية الأمن والمصالح:

لا تمثل إفريقيا هدفًا مركزيا في الاستراتيجية الخارجية الروسية، ولكنها تمثل رافدًا مهما لبسط النفوذ الروسي عالميا في ظل احتدام التنافس مع إعادة بوتين تثبيت قدم روسيا كقطب دولي، ومن ثم فقد توسعت التجارة الروسية في القارة الإفريقية في الأعوام الأخيرة، بل حتى القوات العسكرية الروسية انتشرت في القارة، وخاصة في القرن الإفريقي المتاخم لخليج عدن ذي الأهمية الجيواستراتيجية واللوجستية لروسيا باعتباره ممرًا أساسيا لعبور إمدادات الطاقة والنفط والتجارة الدولية، مما دفع روسيا للسعي لزرع قواعد عسكرية لها في مضيق باب المندب، وتوسيع حضورها في القرن الأفريقي والسودان.

كما أن روسيا التي تصر بقيادة بوتين على منافسة الولايات المتحدة الأمريكية كقطب عالمي، لا يفوتها تثبيت موطىء قدم لها في واحدة من أهم ساحات النفوذ الغربي -خاصة الأمريكي- في العالم وهي القارة الأفريقية، وهي في ذلك تركز على الأبعاد الأمنية والعسكرية، لذلك نجد جُل اهتمامها بالقارة مرتكزًا على منطقة القرن الإفريقي الذي لطالما كان للولايات المتحدة فعل وتمركز فيه[29].

  • على المستوى السياسي: المصالح الروسية مقابل الدعم الإفريقي: جولة لافروف 2022 نموذجًا:

بعد التطورات العالمية إثر الغزو الروسي لأوكرانيا، استشعرت الحكومة الروسية ضرورة تعزيز التعاون والنفوذ الروسي في إفريقيا، فكانت جولة وزير خارجيتها سيرغي لافروف إلى إفريقيا في نهاية يوليو 2022، والتي شملت الكونغو وأوغندا ومصر وإثيوبيا؛ فعلاقات روسيا مع دول شمال إفريقيا تمثل مرتكزا دائما اقتصاديا وتسليحيا. ويتضح أن موسكو تحاول تطوير حضورها في إفريقيا؛ حيث عكست جولة لافروف للقارة وجود جملة من الأهداف التي تسعى مسكو لتحقيقها: بالجمع بين الأبعاد الاقتصادية والتسليحية والحشد السياسي والقوة الناعمة[30].

  • على المستوى السياسي: تأكيد النفوذ الإقليمي مع العرب والأفارقة، والعمل على استبدال النفوذ الأمريكي والغربي عامة، ومن أبرز الرسائل التي عمد وزير الخارجية الروسي إلى بثها خلال جولته، هو ما يتعلق بالوضع الجيوسياسي الراهن في النظام الدولي، وضرورة تغييره. ومحاولة كسر العزلة الغربية على روسيا. ومواجهة اتهامات أزمة الغذاء المثارة من جراء الحرب.
  • وعلى المستوى الاقتصادي: عمل لافروف خلال جولته الإفريقية على محاولة تخفيف حصة الدولار في التجارة البينية مع الدول الإفريقية، والعمل على استبداله العملات المحلية بالأخير.
  • وتحاول روسيا تطبيق استراتيجيتها العالمية على نطاق علاقاتها مع إفريقيا؛ حيث تسعى من خلالها إلى تقديم نفسها كبديل أكثر موثوقية عن الغرب، وتستغل في ذلك حالة السخط لدى بعض الدول الإفريقية من الوجود الغربي مقابل تعاطف هذه الدول مع الموقف الروسي.
  • تطور توظيف القوة الناعمة الروسية في القارة الإفريقية:

مازلت روسيا تحاول تأسيس قوة ناعمة في إفريقيا على أصداء ماضي خبرة الاتحاد السوفيتي التي تمركزت حول صورته كقطب دولي يناهض الهيمنة الغربية على القارة ودول الجنوب، قامت روسيا في السنوات الأخيرة بمد جسور التواصل الدبلوماسي المكثف والثقافي عبر مراكزها الثقافية وطرح منح دراسية في دول القارة، لكنها خطوات تحتاج للتراكم عبر سنوات قادمة. كما توظف روسيا المحافل الدولية والإقليمية لتعزيز سبل التعاون مع القارة ليس فقط في الأطر الجماعية بل وعلى نطاق علاقة روسيا مع دول القارة على حدة، مما يفتح لها آفاقا كبيرة من ناحية النمو وزيادة الصادرات والتبادل التجاري.

وكذلك تتبع روسيا آلية المساعدات لإبقاء نفوذ لها في إفريقيا، ومن ذلك ما أعلن عنه الرئيس بوتين في سبتمبر 2017 عن تقديم موسكو مساعدات إنسانية في إفريقيا؛ حيث ذكر أنه تم تقديم مساعدات غذائية تقدر بنحو 5 ملايين دولار في إطار مساعدة الدول الأكثر فقرًا للدول المعنية بهذه التبرعات، وهي: إثيوبيا والصومال، وغينيا، وكينيا وجيبوتي. كما أسقط بوتين 20 مليار دولار، من الديون لعدة بلدان إفريقية مختلفة، كجزء من مبادرة لمساعدة البلدان الأشد فقرًا العاجزة عن تسديد ديونها[31].

  • البعد الاقتصادي لتوجه روسيا نحو القارة الإفريقية:

المتابع لاستثمارات روسيا في القارة يجدها تتمركز حول مجالات النفط والطاقة ومناجم الثروة المعدنية بالقارة:

  • في مجال النفط والغاز: تقوم شركة “لوك أويل” بإنتاج النفط في دول غرب إفريقيا، وخاصة في نيجيريا والكاميرون ودول خليج غينيا، ويقدر الحجم الإجمالي لاستثماراتها في هذا المجال بأكثر من مليار دولار. وفي موزمبيق فاز الكونسورتيوم المتكون من شركة “إكسون موبيل” وشركة “أر أن أكسبلوريشن” التابعة لـ “روس نفط” الروسية في عام 2015 في المناقصة لإنتاج الغاز بشمال البلاد. ويقدر حجم الاحتياطيات من الغاز في الحقول التي من المقرر استثمارها بـ 2.2 تريليون متر مكعب. ووقعت شركة “روس نفط” في أكتوبر 2017 مذكرة تفاهم مع وزارة النفط في الغابون، كما تم توقيع مذكرة مماثلة بين شركة “زاروبيج نفط” الروسية مع شركة نفط الغابون. وتتضمن استثمارا مشتركا لحقول النفط في الغابون وبناء البنية التحتية للنفط والغاز. أمّا في الجزائر فقد استثمرت من خلال الشركة الوطنية الجزائرية للغاز والنفط سوناطراك، وبلغت عائداتها 4.7 مليارات دولار عام 2006م[32]، ووقعت مذكرة تفاهم مع لوك أويل الروسية في 2020 للشراكة في التنقيب عن النفط والغاز في الجزائر. واستثمرت شركة “غازبروم” نحو 500 مليون دولار في مشاريعها في إفريقيا، من بينها إنتاج الغاز في ناميبيا ومشاريع بناء الأنابيب والبنية التحتية في مختلف الدول.
  • في مجال التعدين: ففي زيمبابوي قامت شركة “غريت دايك إنفستمنتس ليمتد” الروسية-الزيمبابوية المشتركة في مشروع ضخم، قيمته نحو 1.6 مليار دولار، باستثمار أحد أكبر مكامن البلاتين في العالم “داردنفيل”، وهو أكبر مشروع روسي في إفريقيا. وتعتبر أنغولا من أهم شركاء روسيا الاقتصاديين في إفريقيا، حيث تشارك شركة “ألروسا” لاستخراج أحجار الألماس في مشروع “كاتوكا” الكبير، وتقدر الاستثمارات في هذا المشروع بنحو 500 و700 مليون دولار، وتمتلك الشركة الروسية حصة 50.5٪ في المشروع. وتقوم شركة “رينوفا” باستخراج المعادن في جنوب إفريقيا والغابون وموزمبيق، ويبلغ الحجم الإجمالي لاستثماراتها أكثر من مليار دولار. وفي غينيا تقوم شركة “روسال” الروسية لإنتاج الألمنيوم باستخراج البوكسيت في مكمن “فريغيا”، بالإضافة إلى استثمار مكمن “ديان ديان”، وقد استثمرت الشركة الروسية في مشاريعها أكثر من 300 مليون دولار[33]. وجلبت حقول الذهب في جنوب إفريقيا حوالي 1.16 مليار دولار سنة 2004م، وبلغت عائداتها من 10-50 مليون دولار عام 2006م، وبلغت عائدات الاستثمار في الفحم في كوديفوار وغانا 900 مليون دولار عام 2010م[34].
  • في مجالات البنية التحتية والمواصلات: ساهمت روسيا في تطوير شبكات البنية التحتية والمواصلات في سلسلة من المشروعات المتعلقة بتحديث وتوسيع شبكة السكك الحديدية في غانا، بتكلفة تقديرية 2.4 مليار دولار، فاستثمرت الشركة الروسية “جيوسيرفيس ليمتد” نحو 12.5 مليار دولار في قطاع السكك الحديدية في غانا، ويمثل هذا المبلغ نسبة 29٪ من الناتج المحلي الإجمالي لغانا للعام 2017. وفي أنجولا، استثمر الروس أموالا طائلة، خصصها البنك العام الروسي “روسيكسيم بنك” لتمويل أول قمر صناعي أنجو سات-1، كما شمل التمويل الروسي في أنجولا، استئناف المساعدات العسكرية[35].
  • كما شاركت مؤسسة “روس آتوم” الحكومية الروسية للطاقة الذرية في إنشاء مركز للطاقة الذرية والعلوم والتكنولوجيا في زامبيا. بالإضافة إلى ذلك تعمل المؤسسة على مختلف المشاريع في جنوب إفريقيا؛ حيث تبني 9 كتل لتوليد الطاقة وتقوم باستخراج اليورانيوم[36].
  • ووصل التبادل التجاري مع الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء إلى 3 مليارات دولار في 2018. ومن المتوقع أن تتنامى قدرات تلك الدول، ويرتقب وصول الناتج المحلي الإجمالي لها إلى تريليوني دولار بحلول عام 2050، وبالتالي من المهم بالنسبة لروسيا أن تعزز مواقعها في هذه الأسواق[37].
  • الأبعاد الأمنية والعسكرية: أفريقيا سوق سلاح روسي:

تركز روسيا في البعد العسكري على مبيعات السلاح لدول إفريقيا، فضلا عن اهتمامها الجزئي ببعض المناطق ذات الاهتمام الجيوستراتيجي لها كخليج عدن مثلاً.

ففي مجال التسليح وتجارة الأسلحة والطائرات تسعى روسيا إلى فرض نفسها بوصفها مصدرًا أساسيًّا للأسلحة في إفريقيا؛ ذلك أن معظم عملاء روسيا في مجال التسلح من الدول الإفريقية، أبرزهم الجزائر التي تعد أكبر مستورد للسلاح الروسي في إفريقيا؛ حيث استوردت خلال عام 2016 بنحو 924 مليون دولار. وتتعاون مع روسيا كذلك في المجال العسكري، أوغندا والسودان، وبروندي وجنوب إفريقيا، وزيمبابوي. وتُعَدّ دول شمال إفريقيا، كمصر والجزائر وليبيا، من أهم حلفاء روسيا عسكريا؛ حيث وُقِّعت اتفاقية بين القاهرة وموسكو عام 2013 لتحديث نظام الدفاع الجوّي المصري، وفي عام 2016 لشراء طائرات التمساح الروسية، وفي 2021 اشترت الجزائر ب7 مليار دولار أسلحة من روسيا. وقبل ذلك، أفرج الموقع الروسي “أفيا برو” عن خبر توقيع الجزائر عقدًا مع روسيا بقيمة ملياري دولار، لاقتناء 14 طائرة مقاتلة من نوع “سوخوي 57” الجيل الخامس، المعروفة بـ “الشبح”[38].

تتجه روسيا عادةً إلى بؤر وقضايا محددة في القارة الإفريقية غالبها يتمحور حول الأبعاد الأمنية؛ ليس فقط أمن روسيا ووجود أذرع لها في مناطق عدة في العالم ومنها سواحل القرن الإفريقي، ولكن أيضا التعاون في القضايا الأمنية لدول محددة كالدور الروسي في بعده الاستشاري للأمن السيبراني للسودان خلال احتجاجات العام 2019 الذي أدى لفتح العديد من القنوات الاقتصادية بين البلدين بعدها، وإبرام تعاقدات بين الحكومة السودانية وشركات روسية مثل ميرو غولد وكوش، تتضمن أحقية هذه الشركات في بناء مطارات واستخدام المطارات والموانئ والبنى التحتية السودانية[39].

فضلا عن اهتمام روسي بشمال إفريقيا وحرصها على وصل دائم بدوله؛ فمصر والجزائر وتونس وليبيا من أهم الدول الصديقة لروسيا في القارة. ولما لا وهي تحصل منهم على مكاسب سياسية واقتصادية باستثمارات الطاقة، وعسكرية بصفقات التسليح.

لكن هناك العديد من العقبات تجعل من الوجود الروسي في إفريقيا ما زال لا يرقى لوصفه تنافسا حقيقيا مع الوجود الصيني الأكثر كثافة في القارة، ذلك نتيجة: التفاوت الطبيعي بين ثقل وقوة الصين وروسيا، وإن كانت كل منهما تمثل قوة عالمية صاعدة، إلا أن الميزان يرجح كفة الصين دون شك على كافة المستويات. فضلا عن غياب استراتيجية روسية واضحة المعالم تجاه القارة الإفريقية، وعدم التوازن بين الشعبين الروسي والإفريقي.

ثالثًا- نحو استراتيجية سمراء: فرص إفريقيا الواعدة وتحديات لعب الكبار:

هل حتما تظل القارة الإفريقية مفعولا به دوليا لعقود قادمة، أم أن فرصا تلوح من قلب التحديات، وتحديات كامنة في الفرص؟ سيحاول هذا الجزء من الورقة بيان بعض هذه الفرص والتحديات في علاقات إفريقيا مع قوى الشرق الصاعدة.

  • على مستوى استراتيجية بكين متمددة النفوذ في القارة:

الواقع يشير لاكتساب الصين أرضية أوسع لإزاحة القوى الغربية من جانب كبير من إفريقيا؛ ففي عام 2018 بينما كانت الصين الشريك التجاري الأول لإفريقيا، والهند في المرتبة الثانية، تراجعت الولايات المتحدة للمرتبة الثالثة، وكانت فرنسا -ذات النفوذ الامبريالي الأوسع تاريخيا في القارة- في المرتبة السابعة[40].

(شكل 3) يوضح نمو حجم التجارة البينية بين الصين وإفريقيا في الفترة من 2000-2012

(المصدر: تقرير بياني صادر عن الحكومة الصينية في 29 أغسطس 2013[41]

الشكل السابق يوضح نمو حجم التجارة البينية بين الصين وإفريقيا في الفترة من 2000-2012، فارتفعت كجزء من إجمالي حجم التجارة الخارجية للصين من 2.23٪ إلى 5.13٪، وارتفعت واردات الصين من إفريقيا من 2.47٪ إلى 6.23٪، وصادرات الصين إلى إفريقيا من 2.02٪ إلى 4.16٪. وترجمة ذلك على الجانب الأفريقي يظهر التغييرات بشكل أكبر في نفس الفترة الزمنية؛ حيث ارتفعت نسبة حجم التجارة بين الصين وإفريقيا كجزء من إجمالي حجم التجارة الخارجية لإفريقيا من 3.82٪ إلى 16.13٪، وارتفعت النسبة التي تساهم بها صادرات إفريقيا إلى الصين من 3.76٪ إلى 18.07٪ ، والواردات من الصين لإفريقيا من 3.88٪ إلى 14.11٪.

وشهدت الفترة من 2002-2020 نمو حجم التجارة البينية الصينية الأفريقية باطراد واضح، ويظهر تأثرها الصاعد في عام 2008 نتيجة اتجاه الصين لإفريقيا بعد انكماش السوق الأوروبية والغربية نتيجة الأزمة المالية العالمية. وزيادة صادرات الصين للقارة بشكل ملحوظ من 2014 فصاعدا مقابل تراجع وارداتها من القارة؛ واختلال الميزان التجاري لصالح الصين، أما في 2020 فكان تأثير جائحة كورونا التي خفضت نسبيا من حجم التبادل التجاري بين الطرفين. وهو ما يوضحه الشكل (4)[42]:

وللمقارنة، فالشكل التوضيحي التالي (شكل5) يوضح نِسب نمو حجم التجارة البينية للصين مع إفريقيا مقابل تراجع مثيلتها الأمريكية من 2002-2020[43]:

 

 

شكل(4): التجارة البينية: الصين-إفريقيا: 2002-2020

(المصدر: مبادرة بحوث الصين -إفريقيا، بجامعة هوبكنز، نقلا عن (*)UN comtrade 2022)

شكل(5): التجارة البينية: إفريقيا- الصين مقابل إفريقيا-الولايات المتحدة: 2002-2020

(المصدر: مبادرة بحوث الصين -إفريقيا، بجامعة هوبكنز، نقلا عن UN comtrade 2022)

كلّ هذا من شأنه أن يخلق فرصًا للتنمية في دول شمال إفريقيا، ففي أبريل 2013، قامت وزارة الخارجية الصينية بتقييم المساعدات والاستثمارات الصينية لدول القارة بأنها دعمت نموها المباشر بأكثر من 20٪ منذ عام 2000.

لكن هذا لا يخلو من محاذير من توسع النفوذ الاقتصادي الصيني بالقارة،كالمبادلات التجارية غير المتكافئة، فالصين تصدّر منتجات متنوعة للمنطقة، بينما تقتصر صادرات دول القارة على المعادن والنفط، ومن ثَمّ عدم إمكانية المنافسة، وتحويل دول القارة إلى مجرد سوق كبير لصرف المنتجات الصينية، وخلق إشكالية القدرة التنافسية للمستثمرين المحليين، ومنه سيطرة الشركات الصينية على المستوى البعيد على الاستثمارات الوطنية في القارة.

فقد دعم الاستثمارُ الصيني وتوجه الصين المكثف نحو الموارد الطبيعية والمواد الخام في إفريقيا نموَ نشاط تجاري واستثماري في القارة وأوجد لصادرات أفريقيا سوقًا كبيرة. وساهم وحده بنسبة تصل إلى نصف بالمائة سنويًا في نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلدان الإفريقية خاصةً إفريقيا جنوب الصحراء، مما ساعد تلك الدول على تجاوز جانب مهم من آثار الأزمة المالية العالمية؛ حيث خلقت الشركات الصينية بالفعل آلاف الوظائف في مجالات التعدين والبناء والتصنيع وغيرها من القطاعات. لكن في المقابل وُجد أن غالبية المديرين والمسؤولين من الصينيين، بينما انحسرت فرص الأفارقة في نسبة معدومة كان غالبها في توظيف العمالة غير الماهرة، وحتى بالنسبة للوظائف غير الماهرة، جلبت الشركات الصينية من جانبها آلاف العمال من الصين الذين يتقاضون رواتب أكثر من نظرائهم الأفارقة.

كما أن إفريقيا تمثل سوقا واسعة للمنتجات الصينية؛ فالإنتاج الصيني الاستهلاكي بسيط والقدرة الشرائية للمستهلك الإفريقي متواضعة لكنها في ازدياد مضطرد مع تحسّن مستويات الدخل وزيادة السكان. وتأمل الصين أن تكون الشريك المهيمن على تجارة القارة السمراء في العقود المقبلة، ولاسيّما أن حجم الاقتصاد الإفريقي قُدّر بحوالي 1.515 تريليون دولار في نهاية 2013[44]. فعلى سبيل المثال، أدى استيراد الأقمشة الصينية الرخيصة إلى عدم تمكن المصنِّعين المحليين من التنافس على السعر مع واردات صينية أقل تكلفة؛ حيث اضطرت مئات من مصانع النسيج إلى الإغلاق، وخسارة آلاف الوظائف في بلدان مختلفة. وخسر مصنِّعو الملابس في البلدان الأفريقية حصتهم في السوق إثر زيادة صادرات الملابس الصينية لهم؛ حيث نمت حصة المنتجات الصينية في نوع معين من الملابس من 19٪ من إجمالي واردات جنوب إفريقيا عام 1996 إلى 76٪ عام 2005، وخلال هذا الوقت انخفضت حصة ملاوي في نفس البند من 31٪ إلى 3٪ على الرغم من عدم فرض رسوم على الواردات من المنتجات الملاوية.

وفي مجال البنية التحتية، أشار تقرير صادر عن البنك الدولي 2010 أن الاستثمارات الصينية في هذا المجال ساهمت في نمو الناتج المحلي الإجمالي الإفريقي، وأن نصف أداء النمو المحسَّن في إفريقيا يعود لرفع كفاءة البنية التحتية في بلدان القارة التي ساهمت الاستثماراتُ الصينيةُ بنصيب الأسد منها. لكن نتيجة غياب الشفافية والحوكمة وتفشي الفساد في غالب الدول الإفريقية، أصبحت مشروعات البنية التحتية والقومية كالمدن الجديدة، مجالا لتدخل آليات الفساد الحكومي؛ فالمسؤولون الحكوميون لديهم سلطة التوقيع على مختلف الاتفاقات ومذكرات التعاون، وإنفاق أموال الدولة… مما يخلق فرصًا لطلب العمولات. كما أكد الواقع أن قيام الشركات الصينية ببناء القصور الرئاسية في عدد من دول القارة (كما حدث في السودان وبوروندي وتوجو) لا يعدو كونه رشوة سياسية لبعض الحكام الأفارقة لتمرير الموافقة على مشروعاتها هناك، فضلا عن إهدار موارد الدول في مشروعات ضخمة ذات تكلفة عالية بغض النظر عن جدواها الاقتصادية[45].

هكذا نجد أن الصين وروسيا تحرص كل منهما على الاستحواذ على الموارد  الطبيعية والحظو بصفقات البنية التحتية بالقارة وأسواق التصدير، في ظل ترحيب صناع القرار الأفارقة بهذا التغلغل الصيني لأسباب عدة لعل في مقدمتها العمولات والفساد وتحقيق مشروعات ومؤشرات نمو وهمية؛ في حين أن ذلك يمثل النهج الاستعماري الجديد.

ومن ثم تتضح ضرورة أن يدرك صناع القرار في القارة أن من أهم مثالب الاستراتيجية الصينية في التوجه نحوها هو تعدد الجهات التجارية الفاعلة؛ إذ أن توسع الشركات الخاصة غير الحكومية لا يجعلها ملزَمة تجاه الدول والمجتمعات الأفريقية بل تتبع نموذجها التشغيلي الخاص في السعي وراء التكاليف المنخفضة، وعدم احترام القضايا الاجتماعية والبيئية، وسوء ظروف وأخلاقيات العمل… الأمر الذي يحد من قدرة دول القارة على متابعة ذلك[46].

وكذلك ضرورة أن يضطلع المجتمع المدني الناشيء والأكاديميون في القارة بدورهم في نشر الوعي وطرح أفكار وآليات للاستفادة من الحاجة الصينية والروسية الملحة للقارة مقابل حاجة القارة لمشروعات واستثمارات ومساعدات الدولتين.

  • توظيف التوجه الصيني الروسي نحو إفريقيا لصالح القارة:

يُعَدّ التنافس الروسي الصيني على القارة الإفريقية تنافسًا اقتصاديًّا بخلفية سياسية؛ فكلا الدولتان ترغبان في جعل القارة الإفريقية خط الدفاع الأول عن حدودهما الجيوستراتيجية، باعتبارها تتوسط العالميْن القديم والجديد، وهناك أرضية خصبة للتغلغل في القارة الإفريقية؛ لما تشهده من توترات ونزاعات محتدمة، وتُعَدّ أسهل المناطق للتغلغل قوى خارجية في القارة: القرن الإفريقي، والساحل الإفريقي غرب إفريقيا، ويمكن ترشيح منطقة البحيرات الكبرى كذلك[47]، وهو الأمر الذي تستثمر فيه الصين بقوة، مع عوائد ضئيلة جدًّا، مقارنة بما تقدّمه القارة من امتيازات متعدّدة للصين[48].

هكذا تظل قارتنا محط الأنظار والتوجهات، كما تظل منجم الفرص والإمكانات إذا ما أحسن صناع قرارها وضع الاستراتيجيات وتفعيلها تجاه ذلك.

إن ما ينظَر له أنه تنافس قوى بين الصين وروسيا على إفريقيا ما هو إلا نوع من تقاسم النفوذ؛ حيث يفسح كل منهما للآخر مجالا ومساحة لمد النفوذ مقابل سماحه له بمساحات أخرى. وهو ما تفعله هاتان الحليفتان اللدودان في منطقة آسيا الوسطى مثلا بتقسيم النفوذ تضطلع فيه الصين بالجانب الاقتصادي، وروسيا بالجانب الأمني، وإن كانت طموحات التوسع لدى كل منهما في هذه المنطقة الحيوية لنفوذهما تنذر بتنازع المصالح ومد كل منهما يدها لتقتنص جانبا من نفوذ الأخرى في فترات لاحقة…

ولكن هل تظل القارة الطرف المستضعف عالميا بهذا النمط، أم أن حالة التنافس العالمي بين الأقطاب الدولية تفسح لها قدرا من الحركة والفعل موجب الأثر تجاه مصالحها وتنميتها الذاتية؟ وهل يدعم ذلك مقومات القارة ودولها التي بدورها تمثل رقما مهما في معادلة قوة وإمداد القوى الكبرى بالموارد الطبيعية؟

بالطبع دول القارة تستفيد من المشروعات والاستثمارات الدولية التي تنهال عليها من الشرق والغرب، وقد حرصت كل من الصين وروسيا على رسم صورة ذهنية مغايرة عن مثيلتها الغربية التي ارتبطت بأطماع المستعمِر وأذيال الاحتلال، ولكنهما في المقابل لا يقدمان منحا دون مقابل ولا تمثلان مؤسسات خيرية، بل لكل منهما مقابل تبتغيه صرحت عنه أو وارته خلف ستار المعونات والاستثمارات. وهذا طبيعي، لكن هل تجيد دول القارة المستضعفة توظيف ذلك لتحقيق استراتيجيات تنمية ونمو للقارة ودولها؟!

فلماذا لا تسعى الدول الإفريقية لأخذ الصين ذاتها أنموذجا في النهوض؛ ففي الماضي القريب انكب الغرب تجاه الصين استغلالا لفرص التصنيع والأيدي العاملة حتى توطنت الصناعات وارتفعت الكفاءات الصينية حتى باتت أكبر منافس للغرب نفسه.

ومن التطورات التي تدعو للتفاؤل ما يتردد بين الحين والآخر عن التفات صناع قرار أفارقة لذلك على المستويين الفردي أو الجماعي، مثل الإشارة لربط تعاون ثنائي مصري صيني باستراتيجية القارة الإفريقية 2063 والتوجه لمشروعات تنموية لنقل التكنولوجيا المرتبطة بصناعات وقطاعات مختلفة، ولكن لا بد لصناع القرار هؤلاء التأكد من أن الأمور يجب أن تتجاوز الوعود والتصريحات الدبلوماسية البراقة في اللقاءات والمؤتمرات الصحفية إلى تفعيل حقيقي في عقود الشراكات والاستثمارات تلك؛ فإذا كانت دولة إفريقية مهمة كمصر تدفع لتوظيف الموقع الاستراتيجى لمحور قناة السويس حتى يصبح مركزا لوجيستيا واقتصاديا عالميا، فإن وعيًا بخطورة تطويق القناة ومحورها بأذرع الحزام والطريق الصيني عالميا أمر مهم في المقابل!

وبشكل أعم وأوسع يمكن لدول القارة الاستفادة من الوضع العالمي الراهن لتكون مصدرا مهما للطاقة والموارد ومكانا بديلا للتصنيع، وكذلك بديلا سياحيا طبيعيا دافئا ليس فقط لسياح أوروبا والغرب الهاربين من زمهرير قارتهم شتاءا بلا وسائل تدفئة، بل وكذلك بديلا أكثر تميزا وأرخص تكلفة للسياح الروس والصينيين ذوي الدخول المتصاعدة ماديا في السنوات الأخيرة مقارنة بغيرهم من شعوب العالم.

فالتنافس بين روسيا والصين على الاستحواذ والانفراد بموقع جيوستراتيجي مهمٍّ في القارة يعدّ من أولويّاتهما، مما يوسع خيارات القارة الإفريقية في اختيار أهم شريك لها مستقبلًا، وإثراء مجالات الاستثمار، والتبادلات التجارية المتنوعة[49].

خاتمة:

إلى حدٍ كبير يصدق النظر إلى استراتيجيات وسياسات القوى الشرقية الصاعدة كالصين وروسيا تجاه إفريقيا كنوع من الاستعمار الجديد تسعى من خلاله كل منهما إلى استغلال ثقل القارة سياسيا وسكانيا، واستغلال ثرواتها واستنزاف مواردها الخام المصدَّرة للصين وروسيا (الطاقة، والمعادن، الأخشاب…) وإقامتها علاقات تجارية غير متكافئة؛ فمقابل استيراد الصين وروسيا للمواد الأولية، تعمل على إغراق القارة بمنتجاتهم المصنعة: المنتجات الاستهلاكية الصينية والأسلحة الروسية بالأساس. دون الأخذ بعين الاعتبار حاجة الدول الإفريقية الى خلق اقتصاد حقيقي منتج. وبالتالي، فإن فكرة “الجميع ينمو” التي تروِّج لها القوى الصاعدة وتجمعاتها الاقتصادية كالبريكس في السنوات الأخيرة غير متحققة بشكل فعلي، بل يمكن القول إن القويَ والكبيرَ ينمو ويتعملق والضعيف يحصل على الفتات.

وبالتالي فالقوى الكبرى المستثمِرة في قارة فقيرة كإفريقيا من الضروري لها أن تسهم في نمو هذه البلاد لتوسيع السوق وخلق المزيد من الطلب على ما تغمر به الأسواق من منتجاتها.

إن خبرة الصين وروسيا مع إفريقيا تشير إلى أهمية إفريقيا كسوق للصين بشكل كبير نتيجة للأزمة المالية العالمية 2008 وتأثيرها على انكماش الطلب على السلع الصينية من الاقتصادات الغربية الراكدة، فاضطرت صناعات التصدير في الصين إلى اللجوء إلى أسواق بديلة لملء الفراغ ومنها السوق الإفريقية الناشئة. ولعل أصداء الأزمة العالمية الراهنة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا ثم أزمة تايوان من حالة ركود تضخمي تخيِّم على العالم وأكثر ما يكون على دول أوروبا، فإن الصين بلا شك لن تترك فرصة تعويض صادراتها الصناعية بسوق تسد العجز كإفريقيا.

إن الصين أثبتت بجدارة عبر عقود، وخاصة في السنوات الأخيرة، تفوقها على روسيا في توظيف القوة الناعمة والذكية، وقدمت نموذجا مختلفا نسبيا عن القوى الغربية في التغلغل اقتصاديا وسياسيا في قلب عمليات التنمية في دول القارة.

والورقة هنا لا تدعم اتجاهًا من الاتجاهين الشائعين في تقييم الوجود الصيني بالقارة: “معانقو الباندا”؛ ممن ينظرون للصين كوجه لدولة من الجنوب لا تحبذ التدخل في شئون الدول، ولا “مهاجمو التنين” الذين ينظرون للصين كتهديد استعماري محقق على القارة ويحولونها لساحة نزاع أو صراع محتمل مع القوى الغربية ذات النفوذ الأقدم بالقارة. فتلك رؤى القادم من الخارج، بينما الأوْلى النظر من منظورنا نحن الأفارقة؛ فالقارة ما زالت تحتاج للمساعدات والتمويلات والقروض الخارجية بلا شك، ولكن حاجتها لتطوير استراتيجية أفريقية متماسكة (أو حتى إقليمية لكل إقليم في القارة) تحسن رؤية وتقييم احتياجات وأولويات التنمية في القارة أولا، وتقييم أهداف وتوجهات ومزايا ما يقدمه كل طرف دولي من القوى الكبرى المتكالبة على القارة، ذلك هو الأجدى.

لقد هرولت الصين وروسيا تجاه قارة إفريقيا منذ مطلع التسعينيات ثم مع الأزمات العالمية المتتالية كأزمة 2008، وتحتاج إليها الآن في الأزمة الاقتصادية والسياسية العالمية الراهنة؛ ليس لضعف إفريقيا وإنما استغلالا لمواردها وأبعاد ثقلها الدولي. كلٌ من منطلقه الخاص، كلٌ تعلم درس المعادلة الدولية ويبحث عن تعزيز مكانته من زاويته، ولكن الأجدر بأن يتعلم هذا الدرس هم الأفارقة أنفسهم.

_________________

الهوامش

[1] مصطفى جالي، الصين في إفريقيا: تحقيق غايات القارة أم البحث عن المصالح الاستراتيجية؟، مركز الجزيرة للدراسات، 12 سبتمبر 2021، متاح على الرابط التالي: https://cutt.us/svX9z

  * مفسر نقطة الارتكاز زمنيا في مركزية القارة الإفريقية في الاستراتيجية الصينية الخارجية منذ 1990 أمران: أولهما أنه في أعقاب أحداث ميدان تيانانمين، في عام 1989، واجهت بيكين عزلة دولية وعقوبات غربية، ومما ساعدها للخروج من هذه الأزمة أن ستة دول إفريقية دعت وزير الخارجية الصيني إلى زيارتها، وكان أول رئيس دولة ووزير خارجية كسر عزلة الصين أثناء تلك الأزمة بزيارة رسمية من إفريقيا أيضًا. والثاني هو انهيار الاتحاد السوفياتي وخوف الغرب من أن تحلّ الصين محل الاتحاد السوفياتي في دور العدو، مما دفع الصين للتوجه نحو إفريقيا ذات الكثافة العددية والسكانية بما تملك من موارد وثقل عددي في التصويت في المحافل الدولية لمقاومة الضغوط الغربية على الصين وقتها.

[2] Larry Hanauer and Lyle J. Morris, The Impact of Chinese Engagement on African Countries, in: Chinese Engagement in Africa: Drivers, Reactions, and Implications for U.S. Policy, RAND Corporation, 15 March 2014, pp.45, available at: https://cutt.us/WNK25

[3] مصطفى جالي، مصدر سابق.

[4] بوحنية قوي، الصين وإفريقيا: الشراكات غير المقيدة، مركز الجزيرة للدراسات، 1 ديسمبر 2021، متاح على الرابط التالي: https://cutt.us/vrQ1k

وهناك أيضًا مجلس الأعمال الصيني-الإفريقي الذي أنشئ في نوفمبر 2004 بغرض دعم استثمارات القطاع الخاص الصيني في كل من الكاميرون، وغانا، وموزمبيق، ونيجيريا، وجنوب إفريقيا، وتنزانيا، كما أن التجارة المتبادلة بين الصين وإفريقيا تخطت الثلاثين بليون دولار.

[5] فريدة روطان، التنافس الروسي الصيني على القارة الإفريقية، رؤية تركية، السنة 7، العدد 2، ربيع  2018، ص ص141-156، متاح على الرابط التالي:  https://cutt.us/vm94I

نقلا عن:

– Etienne Girouard,China in Africa, Neocolonilism or a New arvenue for South –South cooperation, April 2008, pp1-13.

[6] Mariama Sow, Africa in Focus: Figures of the week: Chinese investment in Africa,6 seb. 2018, available at: https://cutt.us/Usaop

[7] الدبلوماسية الأمريكية في إفريقيا كانت تتركّز على المنافسة مع الصين التي وظفت استثمارات مهمة في البنى التحتية في القارة الإفريقية بدون أن ترفق استثماراتها بمطالب على صعيد الديمقراطية وحقوق الإنسان كما تفعل الولايات المتحدة. وبعد أن تأكدت الولايات المتحدة من انسحاب بساط نفوذها في إفريقيا من تحت قدميها لصالح الصين، أعاد الرئيس الحالي “بايدن” التأكيد على الالتزام الأمريكي حيال الشركاء الأفارقة، وإعادة النظر في الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبها سلفه ترامب الذي أعلن تخفيض الانخراط العسكري الأمريكي في إفريقيا بما فيها الصومال والأفريكوم.

[8] انظر ما يلي:

–  Lloyd Thrall, China’s Expanding African Relations: Implications for U.S. National Security, RAND Corporation, May 29, 2015, pp.49-51, available at: https://cutt.us/xdH2s

– ابتسام محمد العامري، الدور الصيني في إفريقيا: دراسة في  دبلوماسية القوة الناعمة، مجلة المستقبل العربي، مجلد 40، عدد 466، ديسمبر 2017، ص ص 125-143، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/if6Ng

[9] بوحنية قوي، مصدر سابق.

[10] راجع في ذلك على سبيل المثال تقرير لمؤسسة راند:

– Larry Hanauer, Lyle J. Morris, China in Africa: Implications of a Deepening Relationship, research prief, 2014, available at: https://cutt.us/1n8xW

[11] عادل عبدالغفار وآنا جاكوبس، بكين تنادي: تقييم حضور الصين المتنامي في شمال إفريقيا، 23 سبتمبر 2019، ص 6، معهد بروكنجز الدوحة، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/KzaGA

[12] Lloyd Thrall, Op. Cit., pp. 16-19.

[13] وليد الطيب، التنافس الصيني الأمريكي على إفريقيا، رؤية تركية، العدد4، السنة 4، شتاء 2015، ص ص 187-199، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/khM6y

[14] حكمات عبد الرحمن، استراتيجية الوجود الصيني في إفريقيا، سياسات عربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد22، سبتمبر 2016، ص ص 74-75.

[15] Lloyd Thrall, Op. Cit., pp.30-43.

[16] Chinese Investment in Africa, China Africa Research Initiative, available at: https://cutt.us/Lq71I

[17] Lloyd Thrall, Op. Cit., pp. 12-13.

– Information Office of the State Council, China’s Peaceful Development Road, White Paper, Beijing: Ministry of National Defense of the People’s Republic of China, 22 December 2005.

[18] Lloyd Thrall, Op. Cit., pp.12-13.

[19] راجع كل من:

– Larry Hanauer and Lyle J. Morris, Op. Cit., pp.45-48.

 -فريدة روطان، التنافس الروسي الصيني على القارة الإفريقية، مرجع سابق، ص ص141-156

– حسين قوادرة، الإستراتيجية الاقتصادية الصينية في المنطقة المغاربية، الفرص والمحاذير بالنسبة لدول المنطقة، مجلة اقتصاديات المال والأعمال، مارس 2017، ص64-74.

– سمير قط، الإستراتيجية الاقتصادية الصينية في إفريقيا: فترة ما بعد الحرب الباردة، قطاع النفط أنموذجًا، رسالة ماجستير غير منشورة، بسكرة: جامعة محمد خيضر، 2008، ص64.

– سمية صحراوي، السياسة الصينية تجاه إفريقيا منذ سنة ألفين، مجلة قضايا معرفية، مجلد 1، خريف 2018، ص ص 88-104.

[20] Mariama Sow, Op. Cit.

[21] راجع لمزيد من التفصيل: سمير قط، مرجع سابق، الفصل الثاني.

[22] بوحنية قوي، مصدر سابق.

[23] Ibid.

[24]مصطفى جالي، مصدر سابق.

[25] وهو أمر ليس بجديد في الرؤية الاستراتيجية للصين، فهي تعد نفسها كقوة كبرى صاعدة عالمية وإن لم تعلن عن ذلك منذ انتهاء الحرب الباردة 1990، ولكن هذه الاستراتيجية العالمية تطورت وتبلورت مع تطور وضع ومكانة الصين عبر سنوات. راجع في ذلك ببعد تاريخي نسبيا: سمير قط، مرجع سابق، ص 56-65.

وحول توجهها واستراتيجيتها الراهنة، راجع:

– Nadège Rolland, Op. Cit., PP. 9-20.

[26] Lloyd Thrall, Op. Cit., pp. 13-15, 53-59.

[27]  Larry Hanauer and Lyle J. Morris, Op. Cit., pp.46-48.

[28] بوحنية قوي، مصدر سابق.

[29] الجدير بالذكر أنه في يوليو 2022 زارت “سامانثا باور” (مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية) كينيا والصومال، وتعهدت بتقديم 470 مليون دولار أمريكي إلى الصومال؛ للمساعدة في مواجهة الأزمات الناجمة عن الجفاف؛ فضلًا عن إعادة التأكيد على التزام الولايات المتحدة بمكافحة الإرهاب وعدم الاستقرار في القرن الإفريقي. وذلك في ظل استراتيجية جديدة للولايات المتحدة في إفريقيا قوامها عودة أمريكا في ظل حكم “بايدن” إلى الاضطلاع بدور مؤثر بالقارة.

[30] جوزيف رامز أمين، أبعاد وتداعيات زيارتى وزيرى الخارجية الأمريكى والروسى لإفريقيا، مجلة السياسة الدولية، 24 أغسطس 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/iJhAN

[31] هايدي صبري، روسيا تكثّف استثماراتها في إفريقيا.. ماذا يريد بوتين؟، العين الإخبارية، الخميس 2017/12/21، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/X0shq

[32] فريدة روطان، مرجع سابق، ص ص141-156.

[33] أبرز المشاريع الاقتصادية الروسية في إفريقيا، 29يوليو 2018، موقع حرير، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/BfakI

[34] فريدة روطان، مرجع سابق، ص ص141-156.

[35] روسيا تكثّف استثماراتها في إفريقيا.. ماذا يريد بوتين؟، مصدر سابق.

[36] أبرز المشاريع الاقتصادية الروسية في إفريقيا، مصدر سابق.

[37] المصدر السابق.

[38] لماذا تتسلح الجزائر بقطع حربية هجومية نوعية؟، 26 نوفمبر 2020، موقع اندبندنت عربية، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/LaYac

[39] عمار روابحي، التمدد الروسي في أفريقيا: السودان إنموذجا، مركز دراسات الشرق الأوسط، 8 أبريل 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/uqLDY

[40] مصطفى جالي، مصدر سابق.

[41] Promoting Sustainable Development of Trade, available at: https://cutt.us/1ZcpL

[42] China- Africa Trade, Op.Cit.

[43] مصدر الشكل التوضيحي5:

– China Africa Research Initiative,  Johns Hopkins University’s, School of Advanced International Studies, 2022, available at: https://cutt.us/O1U77

(*) UN comtrade هي قاعدة بيانات إحصاءات التجارة الدولية للأمم المتحدة. تضم أكثر من 170 دولة/ منطقة تزود شعبة الإحصاءات في الأمم المتحدة (UNSD) ببيانات إحصاءات التجارة الدولية السنوية المفصلة حسب فئات السلع أو الخدمات والبلدان الشريكة.

[44] وليد الطيب، مرجع سابق، ص ص 187-199.

[45] Larry Hanauer and Lyle J. Morris, Op. Cit., P.53-54.

[46] مصطفى جالي، مصدر سابق.

[47] فريدة روطان، مرجع سابق، ص ص141-156.

[48] المرجع السابق.

[49] المرجع السابق.

 

فصلية قضايا ونظرات- العدد السابع والعشرون ـ أكتوبر 2022

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى