السيبرانية والحوكمة: بين ممارسة السيادة وحقوق الإنسان

مقدمة:

لا يحتاج الحديث عن التحول السيبراني والحوكمة السيبرانية إلى الكثير من المقدمات للتأكيد على أهميته وتأثيره الكبير في مستقبل الدول والمجتمعات والأفراد في كل المجتمعات الإنسانية؛ فقد سُطرت الكثير من الصحف ونُظمت الكثير من الندوات والمؤتمرات على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية للحديث حول هذه القضية وآثارها المستقبلية، كما أن آثار التطور التكنولوجي والاتجاه نحو الرقمنة والتنظيم الإلكتروني على كثير من التفاعلات السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية باتت ملموسة ومباشرة يستشعرها المواطنون في كل دول العالم تقريبًا دون الحاجة للكثير من الشرح والتوضيح بشأن ماهيتها.

ولذلك فإن هذا التقرير لا يستهدف مجرد التأكيد على ما هو مؤكَّد من أهمية ظاهرة التحول السيبراني بالنسبة إلى مستقبل البشرية، ولكنه يستهدف التركيز على أحد الملامح المهمة لهذا التحوُّل فحسب؛ وهو علاقة هذا التحول السيبراني بـ”ترشيد الحكم”؛ إذ تتمثَّل الغاية النبيلة للبحث في العلوم السياسية والاجتماعية –من وجهة نظر الباحث على الأقل- في السعي لترشيد الحكم بما يحفظ حقوق البشر ومصالحهم ويحميهم من الطغيان أو القهر الذي هو ظاهرة مرتبطة بالسلطة عبر التاريخ.

ولما كانت دول العالم تتَّجه نحو الحوكمة السيبرانية وتسعى للمزيد من السيطرة والتحكُّم في الفضاء السيبراني كما تُسيطر على غيره من التفاعلات الاجتماعية بحكم طبيعتها؛ ولما كانت المجتمعات تتَّخذ من الفضاء السيبراني منفذًا للتفاعل والتواصل الاجتماعي والفعل السياسي في الكثير من الأحيان؛ فإنه يُمكن القول إن ثمة تجليًا سيبرانيًّا لثنائية العلاقة بين الدولة والمجتمع بأشكالها المتباينة التعاونية والصراعية، ويتمثَّل هذا التجلي في مساعى الدولة لتأكيد سيادتها عبر الفضاء السيبراني من جهة، ومساعي المجتمعات في تأكيد مصالحها وحقوقها وتبايناتها المختلفة من جهة أخرى.

من هنا يطرح هذا التقرير تساؤلًا رئيسيًّا هو: كيف يُشكل التحول السيبراني فرصًا وتهديدات أمام كل من سيادة الدولة وحقوق الإنسان؟، حيث يسعى التقرير إلى تبين أوجه التهديد وأشكال الفرص التي يُمثلها التحول السيبراني أمام مساعي تأكيد سيادة الدولة، وأمام مساعي تأكيد حقوق الإنسان وحرياته واستقلاله.

لا يعني هذا أنه ثمة تعارض بالضرورة يفترضه الباحث بين سيادة الدولة وحقوق الإنسان، وإنما ثمة صراع ونضال طويل الأجل تعرفه البشرية عبر تاريخها المُدون من أجل ترشيد الحكم وإلزامه بالوقوف عند حدود احترام حقوق المحكومين وحرياتهم، ومن المؤكَّد أن مرحلة التحول السيبراني التي تشهدها البشرية في الوقت الراهن تُمثل جولة جديدة من جولات هذا الصراع التاريخي المستمر.

أولًا- مساعي تأكيد السيادة وما تواجهه من فرص وتهديدات:

يُعد جمع المعلومات حول واقع المجتمعات المحكومة بكافة جوانبه من أبرز الوسائل التقليدية التي تعتمد عليها الدولة القومية الحديثة في ممارسة سيادتها الداخلية وتأكيد سلطتها على محكوميها، وفي إعداد وتنفيذ سياساتها ومخططاتها للتنمية والصالح العام؛ ويرى البعض أن الدولة الحديثة تنشأ باعتبارها “وكيل المعلومات” الذي يسعى للسيطرة على كل الوسائل المشاركة في عملية جمع المعلومات، بما في ذلك التعليم والإحصاء السكاني والضرائب وسجلات الشرطة والقوانين المكتوبة والصحافة والاستخبارات، ومن ثم فإن الدولة تعتبر أن تعزيزها لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات أحد وسائلها لفرض القوة القانونية والسلطة السياسية والرقابة الاجتماعية اللازمة لفرض سيادتها الداخلية؛ لتصبح هي الجامع والمنتج والمتحكِّم الرئيس في المعلومات، حيث إن “من يُسيطر على المعلومات يُسيطر على مجريات الأمور”[1].

وبحسب جيمس سكوت، فإن الدولة في جمعها للمعلومات عن واقع المجتمعات التي تحكمها تتعامل بمنطق “الدخيل” أو “الغريب” عن المجتمع الذي تحكمه، فيما يُسميه سكوت “مشكلة النظر من أعلى”؛ ولذلك فإن المعلومات التي تتبناها الدولة حول واقعها الاجتماعي قد يختلف عما هو معلوم لدى أبناء المجتمع أنفسهم وعلى ما استقرت عليه أعرافهم، فالدولة كما هو معروف هي مجال الاختزال والمركزية مقابل المجتمع الذي هو مجال التعدد والتنوع.

ومن الأمثلة التي يطرحها جيمس سكوت للتدليل على ذلك ممارسات تسمية الشوارع المحلية التي تقوم بها الدولة؛ حيث تسعى الحكومات لإطلاق مسميات محدَّدة على الشوارع المختلفة تختلف في الكثير من الأحيان عن المسميات المحلية لهذه الشوارع والتي يعرفها بها السكان المحليون؛ وهذه المسميات المحلية في بعض الأحيان تكون مُشفرة بمعنى أنه لا يفهمها الدخيل أو الغريب عن المجتمع المحلي؛ فبعض الشوارع تحمل أكثر من اسم واحد، وبعضها يتغير اسمه بحسب اتجاه السير من وإلى المناطق المختلفة التي تصل هذه الشوارع بينها؛ أما الدولة فتسعى إلى اختزال كل هذا التنوع المرتبط بمعرفة المجتمع المحلي إلى معلومات محددة وواضحة تستخدمها في تعاملاتها الرسمية وتُمكن موظفي الدولة -الذين لا يُفترض امتلاكهم للمعرفة المحلية- من فهم الواقع وتنفيذ سياسات الدولة عبر استعمال تقنيات إدارية معيارية موحدة في كل المناطق المحلية وليس في منطقة محلية واحدة[2].

يقودنا ذلك إلى التفكير بشأن ماهية تأثير التحول السيبراني والتطور التكنولوجي الهائل على عملية جمع الدولة للمعلومات عن المجتمعات التي تخضع لسلطاتها؛ فهذا التطور يحمل في طيَّاته آثارًا ذات وجهين، أحدهما يؤول إلى زحزحة هذه السيادة وتقليص تلك المركزية ويمنح المجتمعات الفرصة للتعبير عن ذاتها والمشاركة في صنع المعلومات وجمعها ومن ثم المشاركة في السلطة وفي حكم نفسها، والآخر يؤول إلى تأكيد سيادة الدولة ومركزيتها، وفيما يلي تفصيل في هذين الوجهين للتحول السيبراني.

  • التحول السيبراني وتهديد سيادة الدولة:

من أهم التهديدات التي تواجهها سيادة الدولة بفعل التطور التكنولوجي والتحول السيبراني أنها لم تعد الوكيل الوحيد لجمع المعلومات والمسيطر الوحيد عليها؛ ومن ثم لم تعد هي المُسيطر الوحيد على مجريات الأمور داخل المجتمعات التي تحكمها؛ حيث توصف هذه العملية بـ”إضفاء الطابع الديمقراطي” على البيانات والقدرة على تجهيزها أو التحكُّم فيها؛ حيث تُشارك الدولة في هذه العملية العديد من المنظمات الدولية والمحلية الحكومية وغير الحكومية؛ ومن ثم فإن سلطة الدولة وسيادتها على مجتمعها لم تعد مُوحَّدة وغير قابلة للتجزئة، بل صارت –بفعل العولمة والتطور التكنولوجي- مُجزَّأة ومُقسَّمة على وكلاء متعدِّدين لجمع المعلومات[3].

ومن المعروف أن الدولة الموحدة ذات السيادة تقليديًّا عرَّفت الحدود الجغرافية للإقليم الذي تحكمه كأحد ركائزها الأساسية؛ وبلا شك فإن التطور في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات جعل هذه الحدود الجغرافية تبدو منعدمة الأهمية في الكثير من الأحيان أو على الأقل جعلها قابلة للاختراق؛ حيث خلق هذا التطور عالمًا من التواصل المعلوماتي وتبادل البيانات هو في جوهره غير خاضع للدولة ولسيادتها[4]، ولكن يتقاسمه عدد كبير من وكلاء جمع المعلومات الذين لا تُعد الدولة أقواهم وأكثرهم سلطة.

هذا الانهيار المُتخيل أو المحتمل لأهمية الحدود الجغرافية يرى البعض أنه يفتح الباب أمام تصدُّعات مهمة في مركزية الدولة القومية الحديثة وسيادتها على كامل أراضيها؛ ويسمح بقدر من القبول تجاه أصحاب النزعات المحلية والانفصاليين والحركات والأحزاب التي تُحبذ الحكم الذاتي أو الاستقلال الذي لم يكن مقبولًا تقليديًّا في أعراف الدولة القومية[5].

ومن أمثلة التهديد المباشر لسيادة الدولة من خلال الفضاء السيبراني التهديدات التي تشنُّها دول معادية أو جماعات إرهابية أو مجموعات سيبرانية (هاكرز أو غير ذلك) من أجل اختراق البيانات والمعلومات الخاصة بالشبكات السيبرانية التابعة للحكومة؛ كما يعتبر البعض أن الانفتاح الثقافي الناتج عن انهيار الحدود الجغرافية وسهولة الاتصال بالخارج وثقافاته المتنوِّعة وما لذلك من تأثير في استقرار هوية الدولة وثقافتها وظهور أجيال جديدة تتجاوز الثقافة المحافظة الشائعة التي تتبنَّاها الدولة وتُرسِّخها باعتبارها جزءًا من هُويتها، يعد البعض ذلك شكلًا من أشكال التهديد السيبراني لسيادة الدولة ولأمنها القومي[6]، وتتَّخذ بالفعل بعض الحكومات إجراءات للحدِّ من هذه التهديدات وتأكيد سيادتها داخل الفضاء السيبراني أيضًا.

  • التحول السيبراني وتأكيد سيادة الدولة:

يُمثل موضوع “الأمن السيبراني” العنوان الأبرز ضمن جهود دعم سيادة الدولة في مواجهة التهديدات السيبرانية التي تواجهها، ولا يعني ذلك بالتأكيد أن الأمن السيبراني كتخصُّص علمي يختص بحماية سيادة الدولة وشبكات المعلومات الخاصة بها فحسب، ولكنه يشمل بحكم تعريفه “أمن الشبكات والأنظمة المعلوماتية والبيانات والمعلومات والأجهزة المتصلة بالإنترنت” بشكل عام، ويُعرف أيضًا بأنه “النشاط الذي يؤمِّن حماية الموارد البشرية والمالية المرتبطة بتقنيات الاتصالات والمعلومات”، ولكنه أيضًا بحكم تعريفه يتضمَّن مواجهة التهديدات والأخطار التي تتعرَّض لها الشبكات السيبرانية من هجمات ومحاولات اختراق خصوصية المعلومات والبيانات الحيوية بالنسبة للمؤسسة أو للدولة التي تتعرَّض للهجوم أو للاختراق السيبراني، واستغلال هذه المعلومات والبيانات بما يُهدِّد سيادة الدولة أو استقلالية ومصالح المؤسسة المعنية[7].

وبفعل التحوُّل السيبراني وسيطرته على كافة أنشطة الحكومات في السنوات الأخيرة فإن موضوع الأمن السيبراني بات موضوعًا حيويًّا للغاية عند الحديث عن الأمن القومي للدولة؛ حيث يتضمَّن الأمن السيبراني من منظور سيادة الدولة مجموعة من الأبعاد العسكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والقانونية.

وتتمثَّل الأبعاد العسكرية في الهجمات السيبرانية على المنشآت العسكرية والتقنيات الحربية الجديدة التي باتت تعتمد على التطور التكنولوجي بشكل كبير، وبات الفضاء السيبراني يشهد حروبًا مهمة على مستوى الهجمات الإلكترونية والأمن السيبراني سواء بين الدول المختلفة “مثل اختراقات أنظمة المنشآت النووية في إيران”[8]، أو الحروب غير المباشرة أو الحروب بالوكالة عن طريق وكلاء سيبرانيين يُنفذون هجمات سيبرانية ضد المنشآت العكسرية لدول معينة بإيعاز من دول أخرى[9].

ويرى البعض أن من الأبعاد الاجتماعية للأمن السيبراني -من منظور الأمن القومي للدولة- الحفاظ على ثقافة المجتمعات وهُوياتها ومعتقداتها من الانفتاح الثقافي الذي يُهدِّد بنشر قيم تُهدِّد السِّلم الاجتماعي أو تنشر الجرائم والعنف والإرهاب أو الإباحية والدعارة والاتجار بالممنوعات وغير ذلك؛ ومن ثم فإن تحقيق الدولة للأمن السيبراني يتضمن الرقابة على الاتصالات وحركة انتقال المعلومات عبر الفضاء السيبراني[10].

ولا تختلف الأبعاد السياسية للأمن السيبراني كثيرًا عن الأبعاد الاجتماعية؛ إذ يُتيح الفضاء السيبراني الفرصة للمشاركة السياسية لكافة المواطنين من خلال حركة انتقال المعلومات الهائلة التي تسمح للمواطن بالاطلاع على الكثير من الحقائق والآراء المتباينة بشأن السياسات الحكومية، كما يُتيح الفضاء السيبراني للمواطن التعبير عن آرائه وتطلعاته[11]؛ بما يسمح بانكشاف بعض ملامح الرأي العام، أو حتى بما يسمح بتوجيه هذا الرأي العام واختراعه تجاه قضايا بعينها عن طريق قوى سيبرانية مُنظمة تستهدف التأثير في سياسات الدولة.

وترى بعض الحكومات في تلك الاستخدامات السياسية والاجتماعية للفضاء السيبراني تهديدًا حقيقيًّا لاستقرارها ولأمنها القومي والقيم المجتمعية المنوط بها حمايتها، وتسعى للتحكُّم في هذا الفضاء باستخدام القوة المادية أحيانًا، أو من خلال العمل على توجيه الرأي العام كأحد القوى المنظمة الفاعلة بالفضاء السيبراني في أحيان أخرى؛ وهي في سعيها هذا ترفع راية نشر الوعي وحماية المجتمع والأمن القومي من التهديدات الثقافية والسياسية المختلفة، كما ترصد بعض المنظمات الحقوقية محاكمات ضد مواطنين أساءوا استخدام الفضاء السيبراني بما يُهدِّد الأمن القومي وفقًا لحكوماتهم؛ ومن الاتهامات ذات الدلالات المهمة التي وُجهت خلال هذه المحاكمات تهمة التعدِّي على قيم الأسرة وقيم المجتمع[12]؛ مما يؤكِّد رغبة الدولة في تأكيد سيادتها الثقافية عبر الفضاء السيبراني.

أما على الصعيد الاقتصادي فإن الدولة تسعى لتأكيد سيادتها من خلال تأمين نظام سيبراني قوي يضمن أمان كافة المعاملات المالية والمصرفية التي باتت تعتمد على التكنولوجيا وحركة انتقال الأموال الإلكترونية بشكل كبير؛ حيث تُشجع الدول مواطنيها على التخلِّي عن استخدام الأموال نقدًا واعتماد المُعاملات الآلية بدلًا عنها؛ مما يتطلب توفير بنية تحتية كفؤة لتأمين هذه المعاملات المالية[13]؛ وفي هذه الحالة يكون للدولة دور رئيسي في إدارة حركة انتقال الأموال والحد من الاقتصاد غير الرسمي وكافة أشكال التعاملات المالية الخارجة عن نطاق سيطرة الدولة وإدارتها؛ وفي هذا الإطار تسعى الدول بخطوات حثيثة لتطبيق سياسات الشمول المالي[14].

ومن المؤكَّد أن مساعي الدولة لتأكيد سيادتها في الفضاء السيبراني يُرتِّب تطوُّرات قانونية جديدة تُمكن الدولة من تنظيم الفضاء الإلكتروني وممارسة سيادتها عليه، سواء في المعاملات الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية[15].

وتُعد تجربة الحكومة الصينية بشأن ما أطلقت عليه “السيادة السيبرانية” و”الإنترنت السيادي” من أبرز تجارب الحكومات التي استهدفت تأكيد سيادة الدولة على الفضاء السيبراني؛ حيث عملت على فرض سيطرة مطلقة من جانب الدولة على  شبكة الإنترنت وإخضاعها إلى ما يُسمى بـ”جدار الحماية العظيم”؛ وهو عبارة عن مجموعة من الإجراءات القانونية والتقنية التي تستهدف حجب المواقع الأجنبية غير المرغوبة، كما تستهدف مراقبة دقيقة لكافة البيانات والاتصالات وحركة انتقال المعلومات عبر الإنترنت؛ كما تستهدف الصين تحويل نفسها إلى “قوة سيبرانية عظمي”؛ حيث أُدخل مفهوم “القوة السيبرانية” كأحد المفاهيم المركزية للقوة في العلاقات الدولية بفعل التحول السيبراني الهائل الذي تشهده البشرية في السنوات الأخيرة، وتتضمَّن القوة السيبرانية بناء نظام دفاعي سيبراني منيع وريادة العالم في التكنولوجيا السيبرانية المتقدمة ورعاية الشركات ذات الطراز الرفيع العاملة بالمجال السيبراني[16].

وفي المقابل تقوم الولايات المتحدة بسياسات مماثلة لتعزيز قوتها السيبرانية خاصة في المجالات العسكرية ومجالات حماية الأمن القومي من التهديدات والهجمات السيبرانية المحتملة؛ حتى إن الأدبيات العسكرية الأمريكية ابتكرت مصطلح “المقاتل السيبراني” كأحد أفراد المنظومة العسكرية الأمريكية الذي يتولَّى مهمة القتال في ساحة الفضاء السيبراني والتصدِّي للهجمات السيبرانية المعادية أو تنفيذ هجمات سيبرانية مضادة[17].

ثانيًا- مساعي تأكيد حقوق الإنسان وما تواجهه من فرص وتهديدات:

مثَّلت الديمقراطية المباشرة حلمًا للكثير من المنظِّرين والفلاسفة على مرِّ العصور، بدءًا من فلاسفة اليونان، إلى فلاسفة عصر النهضة وحتى بعض المفكرين المعاصرين، بدءًا بأرسطو مرورًا بجان جاك روسو وصولًا إلى حنا أرندت وهابرماس؛ حيث عبَّر هؤلاء وغيرهم في إسهاماتهم الفكرية عن أهمية التواصل بين الناس والتعاون بينهم ومشاركتهم في إدارة شؤونهم العامة والحفاظ على مصالحهم وحقوقهم وعدم انسحابهم من المجال السياسي لصالح الاهتمام بالحياة الخاصة فحسب؛ سواء بفعل القهر السلطوي الواقع عليهم أو بحجة الاكتفاء بقيام النواب والممثلين في الديمقراطيات التمثيلية بممارسة السياسة نيابة عنهم[18].

وقد بدا التحول السيبراني كفرصة جوهرية لمثل هذه الطموحات بشأن الديمقراطية المباشرة؛ حيث فتح الباب أمام تواصل كافَّة المواطنين مع بعضهم البعض وتشاورهم بشأن أمورهم العامة في مشهد يُعيد للأذهان المشاهد المتخيلة عن الديمقراطية اليونانية القديمة التي تُتَّخذ فيها القرارات السياسية بعد تشاور كل المواطنين وإجماعهم عليها؛ وهي صورة ظلت حلمًا طوباويًّا، ومثَّل سؤال إمكانية تحقيقه على أرض الواقع معضلة فلسفية شائكة لدى من يتبنُّون هذا الحلم؛ حتى جاءت الثورة التكنولوجية والتحول السيبراني الهائل ليدعم هذا الحلم ويُسهم في الإجابة على التساؤلات بشأن إمكانية تحويله إلى واقع فعلي، ولكن في الوقت ذاته ارتبطت بالفضاء السيبراني ظواهر وممارسات أخرى مثَّلت تهديدًا لحقوق الإنسان وحرياته وخصوصيته؛ وفيما يلي يستعرض التقرير أبرز الفرص والتحديات لمساعي تأكيد حقوق الإنسان عبر التحول السيبراني:

  • التحول السيبراني وتأكيد حقوق الإنسان والحريات العامة:

أسفر التحول السيبراني الهائل عن ظهور مصطلحات سياسية جديدة تصف الاستخدامات السياسية للفضاء السيبراني؛ مثل (الديمقراطية الرقمية) و(المقاطعة الإلكترونية)؛ حيث بات الفضاء السيبراني ساحة مهمة للتنظيم والفعل الجمعي وإدارة الحملات السياسية بأشكالها المختلفة؛ ويُعرف البعض الديمقراطية الرقمية بأنها: “توظيف أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الرقمية في توليد وجمع وتصنيف وتحليل وتداول كل المعلومات والبيانات والمعارف المتعلقة بممارسة قيم الديمقراطية وآلياتها المختلفة..”[19].

يُركز هذا التعريف على ما يُتيحه الفضاء السيراني من تداول المعلومات والنقاش بشأنها وإتاحتها لجميع المواطنين ليكون بإمكانهم مناقشة مصيرهم المشترك والسياسات العامة التي يجب أن تحكمهم بدلًا من أن يكون الأمر حكرًا على النخبة الحاكمة، أو حتى على النواب الممثِّلين للشعب في الديمقراطية التمثيلية.

ومن النماذج التطبيقية للديمقراطية الإلكترونية في العالم العربي ما عُرف بـ”المقاطعة الإلكترونية” في المغرب؛ حيث شهدت البلاد حملات إلكترونية واسعة النطاق لمقاطعة بعض المنتجات المهمة للشركات المغربية الكبرى التي يمتلك أصحابها علاقات وروابط وثيقة مع دوائر السلطة في البلاد؛ وهي مقاطعة نجحت في إجبار الحكومة على بعض التنازلات في السياسات الاقتصادية، وأثبتت جدارتها في التغيير السياسي وجذب التعاطف الشعبي معها مقارنة بالحراك السياسي التقليدية المتمثل في التظاهرات والحراك الحزبي المعتاد[20].

ومما هو شائع في الكتابات السياسية التأكيد على أهمية “المعلومات” في الصراع السياسي بين الحكومات المستبدة والمجتمعات الخاضعة لها؛ حيث تسعى هذه الحكومات إلى تقليل فرص وصول المعلومات بشأن الأحداث السياسية والاجتماعية الجارية إلى عامة المواطنين؛ خاصة تلك التي من شأنها إثارة غضبهم ودفعهم للاحتجاج على سياسات الحكومة؛ ومن أمثلة ذلك قيام الحكومة الإيرانية في الثمانينيات بإعدام اثني عشر ألفًا من السجناء السياسيِّين في أقل من ثلاثة أشهر؛ مع بقاء المعلومات بشأن هذه الجريمة الهائلة طي الكتمان لفترة طويلة قبل تمكُّن عائلات الضحايا والناجين من هذه المذابح من مغادرة إيران وإبلاغ الجمهور بهذه المأساة؛ وفي مقابل ذلك ما حدث في إيران نفسها أيضًا ولكن في العام 2009؛ حيث قُتلت شابة إيرانية على يد قوات الشرطة في الاحتجاجات التي اندلعت عقب الانتخابات الرئاسية؛ وقد تم تصوير مشهد قتلها بواسطة الهاتف المحمول لأحد المارة؛ والذي نشر الفيديو عبر الإنترنت واستتبع موجات اعتراض هائلة محليًّا وعالميًّا؛ فكان لحادث قتل فتاة واحدة أثر أكبر بكثير من حادث قتل اثني عشر ألف معتقل سياسي؛ فقط بفعل قوة الفضاء السيبراني الذي خلق مجالًا جديدًا للتواصل بين الناس[21].

  • التحول السيبراني وتهديد حقوق الإنسان:

في المقابل يرى آخرون أن التواصل الاجتماعي وتداول الآراء في الفضاء السيبراني لا يُمثل حلًّا إيجابيًّا لمعضلة التواصل بين الناس وقدرتهم على المشاركة في شؤونهم العامة وتداول الآراء العقلاني فيما بينهم؛ إذ ينتج عن التواصل الافتراضي مزيد من التطرُّف والتمسُّك بالآراء بفعل غياب التواصل المباشر والإمكانيات الكبيرة لسوء الفهم بين المتخاطبين؛ بالإضافة إلى غياب الشعور بالمسؤولية الاجتماعية لدى الأفراد الافتراضيِّين وشعورهم بعدم وجود تأثير قوي منتظر لما يكتبونه من آراء عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ وهو ممَّا يدفعهم إلى مزيد من التطرُّف في الرأي[22].

ويشير البعض إلى قصور في الفهم الحكومي على المستوى العالمي لماهية الإنترنت؛ الذي يُترجم لدى الحكومات العربية مثلا إلى (شبكة المعلومات الدولية)، فهذا الفهم الخاطئ  ينظر إلى الإنترنت باعتباره شبكة دولية واحدة يُتصوَّر أنها مثل شبكات البرق والهاتف والبريد التي تنشأ بإرادة دول واتفاقات دولية ثنائية ومتعدِّدة الأطراف، ولكن في الحقيقة فإن الإنترنت والفضاء السيبراني لم ينشأ بهذه الطرق التي نشأت بها الشبكات الأخرى وهذا هو جوهر تميُّزه عنها؛ وإنما نشأ الإنترنت على يد مجموعات عمل عديدة ومتنوعة ضمَّت حكومات ومنظمات مجتمع مدني وخبراء ومهندسين؛ وممَّا يدلُّ على أن هذا القصور في فهم طبيعة الإنترنت هو شامل للعقل الحكومي على مستوى الدول بشكل عام؛ محاولات الدول نقل تنسيق إدارة الإنترنت إلى الاتحاد الدولي للاتصالات، وهو منظمة دولية عتيقة لا تضم في عضويَّتها إلا الحكومات وتدار بشكل فوقي تماما[23].

ويعد ذلك من مظاهر مساعي الحكومات والدول لتأكيد سيادتها ومواجهة اختراق الفضاء السيبراني لهذه السيادة، وكما يبدو فإن طبيعة شبكات الإنترنت وتميُّزها بالتعدُّد والتنوُّع واللامركزية مقارنة بشبكات الاتصالات الأخرى التي عرفتها المجتمعات الإنسانية من شأنه أن يفتح أبوابًا هائلة أمام تأكيد حقوق الإنسان والمجموعات المختلفة في الحكم الذاتي والاستقلال والتحرُّر من السلطوية، وفي المقابل فإن نجاح مساعي السيطرة المركزية على شبكات الإنترنت وتمكين الإدارة الحكومية منها بالشكل الكامل يُمثِّل تطوُّرًا مضادًّا في هذا الصدد.

وقد أشارت الدراسة آنفًا إلى بعض ممارسات التضييق الحكومي والأمني على المحتوى الإلكتروني بدواعي حماية الأمن القومي من التهديدات الثقافية لهُوية المجتمع وتقاليده، وعلى المنوال ذاته، فإنه ثمة جهود تشريعية تبذلها الحكومات من أجل إحكام سيطرتها على المحتوى الإلكتروني مثل تقنين حجب المواقع الإلكترونية التي تُتَّهم بنشر بيانات أو صور من شأنها تهديد الأمن القومي للدولة[24]، وهو ما يراه البعض قيدًا هائلًا على حرية التعبير في الفضاء السيبراني وتماديًا في تطبيع الإجراءات الاستثنائية ونقلها من حيِّز قوانين الطوارئ وحالات الاستثناء إلى حيز القانون الجنائي العادي[25].

كما تُثار تساؤلات مهمة بشأن القيود التشريعية التي تسعى الحكومات إلى فرضها على الفضاء السيبراني من أجل إحكام سيادتها عليه وتتبُّع الممارسات التي تُجرِّمها الحكومات ويُمكن ممارستها إلكترونيًّا؛ إذ تستتبع هذه القيود بالضرورة مراقبة حكومية واسعة للإنترنت تستدعي اعتراض السلطات وفحصها لكل  الاتصالات حتى تجد الرسائل الإجرامية التي تستهدفها؛ ومن هنا تثور قضية الأذون القضائية للتفتيش والرقابة لممارسات الرقابة التي تُمارسها الحكومات على الأفراد والحسابات الإلكترونية للأفراد والجماعات؛ حيث إن الشكل التقليدي من الأذون القضائية للتفتيش الخاصة والمحدَّدة لا تتلائم مع هذا النمط من مراقبة الإنترنت؛ ومن ثم فإن مثل هذه المراقبة تحدث بالمخالفة للدساتير المحلية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان[26].

خاتمة:

استعرض هذا التقرير بعض ملامح العلاقات التفاعلية المستمرة بين الدولة والمجتمع والتي تدور حول الخلاف بشأن حدود سلطة الدولة على المجتمع والأفراد، وحقوق المجتمع وأفراده وحرياتهم الخاصة والعامة في مقابل سلطة الدولة، ويركِّز التقرير على التجليات المعاصرة لهذه العلاقة التفاعلية والتي تتبلور في الفضاء السيبراني كمساحة جديدة ومهمة للتنظيم والتفاعل السياسي والاجتماعي وكمجال لممارسة السلطة ومقاومتها أيضًا؛ حيث استعرض التقرير ما يُمثِّله التحوُّل السيبراني من فرص وتهديدات لكلٍّ من سيادة الدولة وقدرتها على ممارسة سلطتها من جهة، ولحقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة من جهة أخرى.

ويُمكن أن نستنتج من هذه القراءة السريعة لبعض ملامح وتجليات هذا التفاعل في الفضاء السيبراني أن تعليق الآمال على التطور التكنولوجي والفضاء السيبراني من أجل “ترشيد الحكم” وتأكيد حقوق الإنسان وافتراض أن البشرية مُقبلة بهذا التحول على عصر نهاية السلطة أو محدوديَّتها على الأقل، يُعد من ضروب المبالغة غير الواقعية؛ فصحيح أن التطوُّر التكنولوجي والفضاء السيبراني يُمَثِّل تهديدًا من بعض الجوانب لسيادة الدولة وسلطتها ويُجبرها على القبول ببعض الاختراقات في هذه السيادة وعلى بذل جهود أكبر للحفاظ على سلطتها وتأكيد سيادتها؛ إلا أن ذلك لا ينفي أن التحوُّل السيبراني ذاته يُمَثِّل فرصة مهمة لتمدُّد سلطان الحكومات على جوانب أكثر خصوصية من حياة المواطنين وجماعات المجتمع.

ولذلك فإن الأمل في الوصول للحكم الرشيد يظلُّ متعلقًا فحسب بإمكانيات التوافق بين الدولة والمجتمع حول شكل العلاقة التعاقدية بينهما؛ وهي إمكانات لا تتحقَّق إلَّا في ظلِّ ظروف تاريخية وتوازنات قوى معينة تُجبر مختلف الأطراف على النزول على هذه التوافقات والحفاظ عليها ولو في إطار زمني محدد؛ أما التحول السيبراني فيُمكنه أن يكون أحد عوامل وأدوات الدفع في اتجاه هذه التوافقات، أو أحد عوامل الابتعاد عنها لصالح تكريس السلطوية والحكم من طرف واحد؛ ويتوقَّف ذلك على قدرة الأطراف المختلفة على استخدام هذه الأداة لتحقيق مصالحها وإخضاع الطرف الآخر لتأثيرها وقوتها.

*****

الهوامش

[1] لوتشيانو فلوريدي، الثورة الرابعة.. كيف يعيد الغلاف المعلوماتي تشكيل الواقع الإنساني، ترجمة: لؤي عبد المجيد السيد، (الكويت: عالم المعرفة، سبتمبر 2017)، ص ص 216، 217.

[2] جيمس سكوت، أن تنظر كأنك دولة، ترجمة: أسامة غلوجي، متراس، 2 مايو 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.ly/Kz1SO42

[3] لوتشيانو فلوريدي، الثورة الرابعة، مرجع سابق، ص ص 220، 221.

[4] المرجع السابق، ص 221.

[5] المرجع السابق، ص 223.

[6] منى الأشقر جبور، السيبرانية هاجس العصر، (جامعة الدول العربية: المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية، نسخة إلكترونية، بدون تاريخ)، ص 27، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/2yCCS

[7] المرجع السابق، ص ص 25، 26.

[8] المرجع السابق، ص 28.

[9] رغدة البهي، الوكالة السيبرانية.. عوامل النشأة وأنماط الفواعل، مجلة السياسة الدولية، ملحق اتجاهات نظرية، العدد 218، أكتوبر 2019، ص ص 15-20.

[10] المرجع السابق، ص ص 26، 29.

[11] المرجع السابق، ص ص 29، 30.

[12] «تهديد قيم الأسرة المصرية»: كيف تفرض الدولة سيطرتها على الفضاء العام بحبس فتيات التيك توك، الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، 27 يوليو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/b2tAB

[13]  رغدة البهي، الوكالة السيبرانية.. عوامل النشأة وأنماط الفواعل، مرجع سابق، ص 30.

[14] هبة الله هشام، الاقتصاد الرقمي، تقرير الحلقة الأولى من سيمنار شباب الباحثين، معهد التخطيط القومي، 29 أكتوبر 2019.

[15] رغدة البهي، مرجع سابق، ص 31.

[16] أكرم حسان فرحات، حوائط الردع.. الجدار السيبراني الصيني في مواجهة مشروع العقل الأمريكي، مركز التحرير للدراسات والبحوث، 3 فبراير 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.ly/Mz7BDoQ

[17] المرجع السابق.

[18] انظر مثلًا: حنا أرندت، الوضع البشري، ترجمة: هادية العراقي، (جداول – مؤمنون بلا حدود، بدون تاريخ، بدون بلد نشر)، ص ص 43 – 94.

وانظر أيضًا:

Jurgen Habermas, between facts and norms.. contributions to a discourse theory  of law and democracy, William Rehg (translator), (Cambridge, Massachusetts: The MIT Press, 1996), pp. 359 – 388.

[19] الديمقراطية الرقمية.. التكنولوجيا وظاهرة رقمنة السياسة، (القاهرة: مركز هردو لدعم التعبير الرقمي، 2017)، ص 8.

[20] محمد اشتاتو، الديمقراطية الإلكترونية تتقدم بخطى بطيئة ولكن ثابتة نحو المغرب، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، 1 أغسطس 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/2PCnKxv

[21] Shirin Ebadi, Internet and Human Rights, (in): Wolfgang Kleinwächter (ed.), Human rights and internet governance, (Berlin: Multistakeholder Internet Dialog, November 2012).

[22] كارن روس، الثورة بلا قيادات.. كيف سيبادر الناس العاديون إلى تولِّي السلطة وتغيير السياسة في القرن الواحد والعشرين، ترجمة: فاضل جتكر، سلسلة عالم المعرفة، (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2017)، ص ص 115 – 133.

[23] عمرو غربية وآخرون، معاداة التقنية، (القاهرة: المبادرة المصرية للحقوق الشخصية – مركز دعم لتقنية المعلومات – مؤسسة حرية الفكر والتعبير، يونيو 2016)، ص 7.

[24] قانون رقم 175 لسنة 2018 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، الجريدة الرسمية، العدد 23 مكرر (6)، 14 أغسطس 2018.

[25] عمرو غربية وآخرون، معادة التقنية، مرجع سابق، ص 23.

[26] المرجع السابق، ص 5.

 

فصلية قضايا ونظرات- العدد الحادي والعشرون – أبريل 2021

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى