الرؤية الكونية القرآنية.. وحدة المصدر ووحدة التنوع

تأتي هذه الورقة ضمن أعمال مؤتمر “الإجماع والوعي الجمعي فقهًا وثقافةً وروحًا وسلوكًا” (عقد في مدينة إسطنبول في أبريل 2013)، ويغلب عليه الحديث عن الإجماع بالمعنى الفقهي والأصول –فقهي، وهذا ليس مجال تخصصي بوصفي أستاذًا للعلاقات الدولية. ولذا فلن أتحدث في الإجماع “الفقهي” باعتباره ثالث مصادر التشريع الإسلامي، أي لن أتحدث عن “منظور فقهي للإجماع”، سواءً من حيث كيفية تحققه في العصر النبوي وعصر الصحابة والتابعين ومجالاته، وأهميته حفظًا للدين وتأكيدًا لهوية الإسلام والأمة، أو سواءً من حيث مخاطر الخروج عليه، ودواعي تجديد الإجماع الفقهي استجابة إلى المستجدات والنوازل بالأمة وسعيًا نحو شهودها الحضاري من جديد، وصعوبات تحقيق هذا الإجماع الآن وشروطه…إلخ(*).
فهذا التناول الفقهي ليس بإمكاني بحكم التخصص والخبرة البحثية، ولأن الربط في عنوان المؤتمر بين الإجماع وبين الوعي الجمعي يعني استهداف المؤتمر لمفهوم أوسع للإجماع، وليس أدل على ذلك أيضًا من العنوان الفرعي للمؤتمر “فقهًا وثقافًة وروحًا وسلوكًا”.
ولذا سأقترب من “الإجماع واستشراف مستقبل الأمة”، في هذه الجلسة المنعقدة عن (الإجماع والنموذج القرآني)، وفي بحثي هذا تحت عنوان “وحدة المصدر ووحدة التنوع”، من منظور أكثر اتساعًا يرنو إلى النظر في الاجتماع البشري وخاصّة الجمعية والجماعية كأسلوب حياة في الأمة وللأمة في ظل التنوع والتعدد اللذين هما خصيصتان في هذه الأمة، وهما سنة من سنن الله تعالى في الكون والبشر.
إنني بهذا أقترب من قضية الإجماع عبر منظور حضاري لإدارة التعدد والتنوع بكل أنماطه وبكل مستوياته التي حددها الأصل القرآني، وهو منظور ينطلق من وينبني على الأصل (وحدة المصدر: قرآنًا وسُنةً) نحو وحدة الرسالة والقِبلة والغاية، والمقصد من هذه الرسالة الموجَّهة للعالمين.
ومن ثمَّ تنقسم الدراسة إلى خمسة عناوين فرعية:

1. في تأصيل التعدد والتنوع.
2. قواعد إدارة التعدد والتنوع: الرؤية الكلية القرآنية الحضارية والقيم والسنن والمقاصد.
3. الوعي الجمعي والإجماع: لماذا؟
4. الوعي الجمعي بالتاريخ: ماذا حدث؟
5. الوعي الجمعي المعاصر: ماذا نريد وكيف نفعل؟

(1) في تأصيل التعدد والتنوع:

النموذج القرآني الكريم، في كلياته وشموله ومنظوميته، يؤكد أن التعدد والتنوع والاختلاف -وليس التنميط- أصل في الكون، يقترن به ويختبره العقلُ والإرادة وحرية الاختيار وضرورة الاجتهاد والتجديد عبر الزمان والمكان.

ومن أهم نماذج التعدد والتنوع وضوحًا في القرآن الكريم تلك التي تكشف عنها آيات خلق الله تعالى للكون، بأجرامه، وسماواته، وأرضه، وأنهاره، وبحاره، وجباله وكافة أنواع النباتات والحيوانات… ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ {35/27} وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾، ﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ {16/13} وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {16/14} وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾، ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾[1].

وكذلك تلك الآيات التي تكشف التنوع في خلق الله من البشر: أقوامًا وألوانًا، وقبائل، ولغاتٍ، وعاداتٍ وتقاليد، وشرائع وعقائد، ومذاهب وأفكار، وطبقات.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾، ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾- ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾، ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾، ﴿عَمَّ يَتَسَاءلُونَ {78/1} عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ {78/2} الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾، ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾[2].
ومن ناحية أخرى: يمكن أن نقرأ في حالات أخرى للتنوع تستبطنها آيات القرآن وتكشف عن حكمة إلهية من التعددية في أوضاع عدة، منها على سبيل المثال:
· مراتب المؤمنين: القاعدين والمجاهدين مثلا: ﴿لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا {4/95} دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾،
﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ {9/81} –إلى قوله تعالى- لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾،
﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾،
﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾[3].
· مراتب المنافقين: في العلن وجهرًا، وفي السر وخفيةً. ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ وقوله تعالى:﴿يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ﴾، ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾، ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ {47/29} وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ﴾[4].
· مراتب الإحسان: ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا﴾[5].
· مراتب النساء المحرمة على الرجال بين التحريم المؤبد، والتحريم المؤقت، والتحريم للنسب، والتحريم للرضاع والتحريم للمصاهرة. ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾[6].
· مراتب ذكر الله، قيامًا وقعودًا وعلى الجنوب. ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ {3/190} الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾[7].
· مراتب العلم والثروة بين الناس… ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾، ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾، ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾، ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾[8].
· تعدُد آثام أقوام الأنبياء وتعدُد وتنوع العقاب الإلهي لهم، ومن ثمَّ تعدُد وظائف وأدوار الرسل في مقاومة أنماط الفساد في الأرض: الأخلاقية (لوط)، والاقتصادية (شعيب)، التسلطية (موسى)[9].
· تعدُد مناط الإيمان: بالله، والرسل، والكتب السماوية، والملائكة، واليوم الآخر، ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا﴾ [10].
بل إن أسماء الله الحسنى في تعددها وتنوعها بين أسماء الرحمة والجمال وأسماء الشدة والجلال، من أبرز النماذج القرآنية في هذا المجال ﴿قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً﴾، ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ {59/22} هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ {59/23} هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[11]. كما أن أسماء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) “محمد بن عبد الله” تكشف في تعددها جوانب من خصائص المصطفى (عليه السلام).
الخلاصة من القراءة في هذه النماذج -وغيرها بالطبع- أن القرآن الكريم إنما يتناول مساحات مفتوحة لكل حالة ولا يعين بضيق أو بشدة، وهذا الأمر تأكيد لرحابة الرسالة الموجهة للعالمين في كل زمان ومكان.

(2) قواعد إدارة التعدُد والتنوع: وكيف يقترب النموذج القرآني من إدارة هذا التعدد والتنوع؟

وضع الله سبحانه وتعالى لكل تعدُد وتنوع (في الكون وفي البشر) قانونًا لتحقيق التوازن وقانونًا لإدارة الاختلاف.
فحين يتدخل الإنسان بممارسات غير مناسبة بما يخل بالميزان الذي وضعه الله (سبحانه وتعالى) لإدارة التعدد والتنوع في الطبيعة إنما يضر الإنسان بتناغم هذا الكون، ويسمي القرآن هذا السلوك فسادًا أو إفسادًا في الأرض. وآيات الإفساد في الأرض بما كسبت يد الإنسان واضحة الدلالة ﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾، ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ﴾، ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾، ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾، ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾، ﴿فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ﴾، ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾[12].
وبالمثل فإن توازن وتناغم التعدد والتنوع في البشر قد وضع له سبحانه وتعالى قواعده وأسسه أيضًا، وإلا لو أراد سبحانه لجعل الناس أمةً واحدة ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾، ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ {11/118} إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾[13]. إن التعدد والتنوع إنما هما اختبار من اختبارات الاستخلاف. ومن ثمَّ بيَّن الله (سبحانه وتعالى) سنن الاجتماع التي ينقلب بها التوازن ويصبح التعدد والتنوع ابتلاءً ومحنةً وليس ثراءً ونعمةً ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾، ﴿وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ {16/71} وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾[14].
ومن ثمَّ يحدد النموذج القرآني الكريم منطلقات الجمعية والجماعية والاجتماعية من أجل إدارة سنة التعدد والتنوع بتناغم وتناسق وليس صراع وتضاد.
ولقد جسَّد النموذج النبوي الشريف نمط هذه الإدارة وأساليبها وقيمها الحاكمة وغاياتها لتصبح إدارة تحقق ثراء التنوع والتناغم والتناسق والتكامل بعيدًا عن تنوع التضاد والصراع والعدمية[15].
واختبرت النماذج التاريخية عبر مسار التاريخ الإسلامي مدى القرب أو البعد عن النسق القرآني والنبوي[16].
ومن هنا أهمية “المنظور الحضاري[17]” لهذا المجال، الذي ينطلق من الرؤية الكونية القرآنية أي من الرؤية للعالم والنموذج المعرفي الإيماني الإسلامي، مستوعبًا سنن الله في الاجتماع البشري، متدبرًا في فقه التاريخ (مساره وأنماطه)، ناظرًا في فقه الواقع وتحديات الأمة والاستجابات المطلوبة لتجاوز ما يضربها من صراعات وما تفتقده من وعي جماعي، على مستويات ثلاثة: مستوى الأوطان، وفيما بين هذه الأوطان، وبين الأمة والعالم.
دوائر ثلاث لتحقيق الجمعية أو لافتقاد الجمعية والجماعية لا تنفك عن بعضها البعض، وفي قلبها العجز عن إدارة التعدد والتنوع وعدم تحقيق الإجماع بمعناه الواسع، فبدلاً من أن يصبح الاختلاف رحمةً أضحى نقمةً. ويرجع ذلك لأسباب داخلية وخارجية على حد سواء، وجملة مفاد هذه الأسباب: الابتعاد عن قواعد النموذج القرآني لإدارة التعدد والتنوع والتي جسَّدها النموذج النبوي؛ سواء في العلاقة بين الحاكم والمحكوم (الإجماع السياسي) أو في العلاقة بين شعوب وأوطان الأمة (وحدة الأمة في دولة واحدة أو خلاف ذلك)، أو في العلاقة بين الأمة وغيرها من الأمم، وهي القواعد التي حققت الإجماع بمعناه الواسع، والذي هو في الأصل إجماع سياسي يستدعى الأمة كلها.
فما هي أسس هذين النموذجين لتحقيق التناغم، وكيف تحول ثراء التنوع إلى تضاد وصراع؟
إن النموذج المعرفي الذي ينبثق عن الرؤية القرآنية الكونية، هو نموذج توحيدي وسطي، غير متأرجح، يستند إلى ميزان الوحي متجاوزًا تناقض الثنائيات، ومحققًا التناغم والتكامل بين: الروح والمادة، العقل والنص، الإرادة والإيمان، الجزء والكل، الظاهر والباطن، الداخل والخارج، الأخلاق والمصلحة، الرجل والمرأة، الفرد والجماعة، الوطن والأمة، الأمة والعالم، الغني والفقير، الجاهل والمتعلم، السيد والخادم[18].
ذلك لأن القيم التأسيسية لهذا النموذج المعرفي هي: التوحيد والتزكية والاستخلاف والعمران. كما أن تفعيل هذا النموذج في مجالات الحياة المختلفة يستدعي القيم الحاكمة التالية:
العدالة، الحرية، المساواة، الإخاء، النصرة، الرحمة، التكافل، الولاء والبراء، الوفاء بالعهود والمواثيق.
ومن قيم الفعل الحضاري اللصيقة بالتعدد والتنوع: التعارف، الحوار، التداول، التدافع[19]. والإطار الجامع بين هذه القيم التأسيسية والقيم الحاكمة هو أن جميع المنضوين تحت أنماط التعدد والتنوع من البشر إنما يرجعون إلى أصل واحد، كما أن كلاً منهم بالأساس وبالدرجة الأولى “إنسان” خلقه الله بنفس الطريقة ليبتليه؛ ولذا جعله سميعًا وبصيرًا؛ وليهديه السبيل: فإما أن يكون شاكرًا وإما كفورًا: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا {76/2} إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾[20].
وفي المقابل فإن القراءة في سنن صعود وسقوط الأمم والحضارات والدول، كما قدّمها النموذج القرآني وكشفت عنها النماذج التاريخية، يقع في قلبها أيضًا ما يتصل بإدارة التعدد والتنوع بأنماطه ومستوياته المختلفة: سنن الطغيان، والاستكبار، والاستعلاء، والاستبداد والفساد، والتجزئة، والفرقة[21]. ومثلي ليس بحاجة لأن يستدعي مواطن هذه القيم في القرآن ومواطن تفعيلها في السيرة الشريفة وتاريخ الخلافة الراشدة أو مواطن السنن في القرآن أيضًا.
ويظل الإنجاز الحضاري لهذه الأمة –التي امتدت عبر الأقوام والثقافات والشعوب- هو الشاهد على نجاح هذا النسق في إدارة التعدد والتنوع سواء في شئون الحكم أو الاجتماع أو العلاقات مع الخارج. وفي المقابل فإن التراجع الحضاري للأمة، وتفكك دول خلافتها وهجوم أمم أخرى عليها، اقترن بالفشل في إدارة التعدد والتنوع وافتقاد “الإجماع السياسي”، والجمعية والجماعية، في الداخل والخارج على حد سواء.

ومن ثمَّ، فإن تاريخ الأمة برمته يمكن إعادة قراءته من هذا المدخل: إدارة التعدد والتنوع تحقيقًا للجمعية وشروط الوعي الجماعي من عدمه[22].

(3) الوعي الجمعي والإجماع (السياسي) ثقافةً وروحًا وسلوكًا:

إن قضية إدارة التعدد والتنوع في الأمة، وما ارتبط بها من قضية الإجماع السياسي الذي يستدعي الأمة، أو على الجانب الآخر: تآكل هذا الإجماع واستحضار الخلاف، سواء الداخلي أو الخارجي، من أخطر قضايا البناء الحضاري الإسلامي، سواء بمشاركة الحكام أو الأمة.
ولقد مثلت هذه القضية التحدي الأساسي لهذا البناء في البداية حين تأسيسه وإنجازه، حين شاركت فيه كل الأقوام داخل الأمة (عسكريًا ومدنيًا)، وحين ظلت المجتمعات الإسلامية حاضرة بقوة حتى وبعد أن تحولت الخلافة إلى ملك عضوض. ومثلت هذه القضية أيضًا التحدي الأكبر للأمة في مرحلة ضعف وخلل البناء الحضاري الإسلامي.
ومن ثمَّ فإن الوعي الجمعي بهذه الذاكرة بوجهيها (الإيجابي والسلبي) من أهم شروط القدرة على تحقيق التجديد، وعلى أن نقدم للعالم مفهومًا جديدًا “للإنسانية الحضارية” كمفهوم مركزي في إدارة التنوع والتعدد المعاصر في عالمنا المعقد والمركب.
ويمكن تزكية هذا الوعي الجمعي بالنظرة المقارنة بين مستويين:
‌أ. نماذج من حضارات أخرى لإلغاء التعدد والتنوع واستئصاله.
‌ب. نماذج من تاريخنا الإسلامي تبين كيف ولماذا ابتعدنا عن النموذج القرآني في إدارة التعدد والتنوع:
وتساعد هذه النظرة المقارنة عبر التاريخ على تأكيد أهمية العودة إلى النسق القرآني برؤيته الكلية وسُننه وقيمه ومقاصده.

أ. مشاهد من تواريخ غيرنا (آثار الرؤية المعرفية المادية العلمانية):
هذه المشاهد تنبع من نموذج معرفي مادي علماني تحكمه قيم الصراع والتضاد والنفعية والانتهازية على نحو انعكس على المسلك تجاه الآخر المخالف[23]. ونطرح هذه المشاهد من عصور تاريخية مختلفة باستدعاء المقارنة بمشاهد مناظرةٍ من الممارسة الإسلامية على نحو يبرز المقارنة بين النموذجين المعرفيين المتقابلين: الإسلامي والغربي، وأثرهما على نمط إدارة التعدد والتنوع بين التناسق والتناغم والتوازن، وبين الاستئصال والقهر والمعايير المزدوجة.
· الحملة الصليبية للاستيلاء على القدس مقارنةً بالفتح العُمَري والصلاحي (نسبة إلى عمر بن الخطاب وصلاح لدين الأيوبي) للقدس وفلسطين.
· الاستعمار الأوروبي للعالم الجديد مقارنة بالفتح الإسلامي للأمم المتنوعة.
· الاسترداد الأسباني للأندلس ومحاكم التفتيش مقارنة بالنموذج العربي الإسلامي في فتح وحكم الأندلس.
· الاستعمار الأوروبي للعالم القديم ومشهد سفن نقل العبيد للعالم الجديد، مقارنة بتحرير العبيد وتفكيك وتجفيف منابع الرق في الخبرة الإسلامية..
· بلجراد– سراييفو بين الفتح العثماني والاسترداد الصربي والنمساوي المجري.
والجدير بالتذكرة أن المشاهد “الإسلامية” والمشاهد “الغربية” قد جرت في عصر قوة أحد الطرفين (وهو عصر ضعف الآخر)[24].
ب‌. وفي المقابل إن قراءة تواريخنا السياسية وتواريخنا الفكرية تبين مسار الوقوع في ثنائيات التضاد، والتي ابتعدت بالممارسة عن النموذج القرآني والنسق النبوي والراشد، فَحَقَّ على هذه الممارسات –من الحكام والمحكومين- انطباقُ السُّنن عليها:
فمن ناحية: جرى التركيز على تواريخ الأسر والملوك والأمراء والسلاطين والخلفاء (الملك العضود) على حساب تواريخ الناس والجماعات والأفكار[25].
ومن ناحية ثانية: تم تركيز الفقه السياسي على طاعة أولى الأمر أكثر من التركيز على فقه المعارضة وضوابطها، أو فقه الشورى ومؤسساتها، حتى بدا الأمر وكأن الإسلام يأمر بالطاعة المطلقة لأولى الأمر مخافة الفتنة.
وفي واقع الأمر، فإنه بعد أن كان الإجماع السياسي قيمة واضحة حتى الخلافة الراشدة، فلم ينمُ الاهتمام به سواء في الفقه أو الفكر السياسي الإسلامي على النحو الذي تظل معه الأمة مصدر الرقابة على الحكام[26].

ومن ناحية ثالثة: وقعَ فقهُ العلاقات الدولية (الخارجية) أسيرَ ثنائية “أصل العلاقة مع الآخر غير المسلم: الحرب أم السلم”؟

إن تأصيل العلاقات الدولية (الخارجية) بين الأمة الإسلامية والعالم ليست قضايا الحرب والسلام فقط؛ ولكنها أكثر اتساعًا لتضم -بحكم الرؤية القرآنية- قضايا أخرى تتصل بالمجال الحضاري الإنساني بصفة عامة؛ حيث تتداخل وتتشابك وتتقاطع أبعاده وموضوعاته (مثل التعارف، العمران، التدافع…). وبالمثل، فإن الاقتراب من هذه القضايا الحضارية –بأوسع معانيها- لا يكون من خلال مستوى الأحكام الفقهية فقط، والتي تتصل في معظمها بوقائع وبزمان ومكان محدد، ولكن يتم الاقتراب منها أيضًا من مستويات أكثر كلية وهي المقاصد والسنن والقيم والمفاهيم انطلاقًا من التأسيس العقدي (الرؤية الكلية).
فإن حالة أزمة الفكر الإسلامي المعاصر، وخاصة من حيث استقطابها بين ثنائية ما يسمى اتجاهات تقليدية (ترفض أن تأخذ تأثيرات الغرب في حسبانها) من ناحية، وبين اتجاهات حديثة (تتكيف مع أو ترضخ لضغوط الواقع ومن ثم تفرز مجرد خطابات اعتذارية أو تبريرية أو دفاعية)، من ناحية أخرى، هذه الحالة الاستقطابية الحادة تتطلب استجابة بنائية تتجاوز الاتجاهين السابقين بحيث لا تحكم الواقع أو تقتحمه ولكن تعتبره لفهمه ثم لتغييره انطلاقًا من قواعد وأسس ومبادئ الرؤية الإسلامية الكلية وأحكامها العامة، وليس من منطلق قواعد قوانين الغرب المستحكم حتى ولو باسم الحاجة لاجتهاد جديد ومعاصر يستجيب لتحديات ضغوط الواقع. إن هذه الاستجابة البنائية –المشار إليها- لا تقوم في فراغ أو من خصائص اللحظة الراهنة، ولكنها لابد وأن تعي وتتدبر تطور المسار الحضاري للفكر الإسلامي بأوسع معانيه المجسِد لرؤية العالم الإسلامية والعاكس لخصائص الثقافة والحضارة الإسلامية والمعبر عن مدارس الفقه الإسلامي والتفسير الإسلامي للتاريخ، وهذا الفكر الحضاري ليس الفكر الفقهي فقط كما أن الاهتمام بهذا الفكر الحضاري هو ترجمة لتوسيع نطاق الشريعة إلى ما هو أكثر من الأحكام الفقهية. تلك الأحكام –والتراث الضخم الذي يرتبط بها هي من الأهمية بمكان بحيث لا يجب الخوض فيها دون تبصر ورؤية تقود إلى شطط الإسقاط لكونها تاريخية أو تقود إلى فوضى التأويلات أو تقود على العكس إلى الجمود خوفًا من التجاوز[27].
ومن ناحية رابعة: وقع أيضًا فقه العلاقات بين المسلمين[28] أسير ثنائيات أخرى: الوطن/ الأمة، الدولة/ الخلافة، وحدة الدولة/ وحدة الأمة. فلقد أبرز فقهُ الواقع عبر عصور التاريخ الإسلامي[29]، الانتقال من وحدة دولة الخلافة إلى وجود خلافتين (الأموية في دمشق والأموية في الأندلس)، ثم الخلافة كإطار للاّمركزية (العصر العباسي الثاني والثالث) ثم تعدد الدول الإسلامية الكبرى (المملوكية – العثمانية – الصفوية)، ثم الاستقطاع والاسترداد بواسطة القوى المسيحية تمهيدًا للاستعمار، ثم التجزئة في ظل الاستعمار وما بعد الاستقلال.
ومن ناحية خامسة: من واقع تقييم مشروعات نهوضنا الحديثة والمعاصرة (القرنان التاسع عشر والعشرون) يتضح لنا عدة ثنائيات[30]:
– الفصل بين أبعاد الإصلاح الديني والتربوي والمجتمعي والسياسي (مجالات الإصلاح)، بل والتداخل بين مقاومة الاستعمار والقابلية للاستعمار.
– عدم ترجمة الأفكار إلى خطط وبرامج؛ أي إلى مشروع تنفيذي متكامل وممتد (الفكر –الحركة).
– الفصل بين الداخلي والخارجي في التحدي والاستجابة.
– التعميم على مستوى الأمة دون تخصيص لموضع دور الأوطان في عملية النهضة (حولية وثنائية الجزء – الكل).
– عدم التصدي بوضوح لقضية التعددية السياسية انطلاقًا من التعددية الدينية أو تعددية المرجعيات الفكرية إلى جانب المرجعية الإسلامية.
ومن ثمَّ افتقدت مشروعات النهوض الرؤيةَ الكليةَ الشاملة القادرة على تجديد الأمة ونهضتها.

بالنظر إلى هذه المجموعات الخمس من الثنائيات المتصاعدةِ التأثير (مع تزايد منحنى الانحدار الحضاري في الأمة) نجد أن أهم التحديات التي واجهت الأمة، هي التحول -تدريجيًا وعبر مسيرة التاريخ الإسلامي- من نموذج وحدة التنوع إلى نموذج تنوع التضاد والصراع، وبحيث أضحى التنوع والتعدد عبئًا وخطرًا وليس مصدر ثراءٍ حضاري، ليس فقط على مستوى الأمة ككل، ولكن داخل الأوطان والدول، وفي العلاقة بين الأمة والعالم.
هذا ما يجب أن يدركه الوعي الجمعي ابتداءً؛ من واقع خبرة التاريخ الإسلامي، وذلك للتدبر في العملية ومحصلتها وأسبابها وصولاً للوعي بما نحن عليه الآن (الوعي بالحالة، الذاكرة التاريخية).
فبعد أن تبدت الخطورة في التحول من اللامركزية في ظل الخلافة إلى تعدد الخلافات إلى الانقسام بين دول قومية وقطرية، فإن الدول -القومية الحديثة- حملت في طياتها -كما حمل تاريخ التحول نحوها- أنماطًا من مشكلات التعدد والتنوع القومي والعرقي والمذهبي. فلقد اخُتطَّت حدود هذه الدول القومية بشكل مصطنع وتعسُّفي، وحكم هذه الدولَ نخبٌ علمانية مستبدة ومتحيزة لفئة أو طائفة أو جماعة (مذهبية أو قومية أو عرقية أو دينية أو أيديولوجية) على حساب أخرى.
وبعد أن نجحت حركات مقاومة الاستعمار بقيادة قوى وتيارات إسلامية بالأساس، إذا بالصعود العلماني النخبوي يسيطر على قيادة الدولة والمجتمع بعد الاستقلال السياسي. ومن ثمَّ ظهرت إشكالية جديدة بشأن إدارة التعددية السياسية، في الداخل، بين تلك النخب العلمانية وبين نخب الحركات السياسية الإسلامية (التي تمايزت عن مجالات الإصلاح الإسلامي الأخرى الأكثر اتصالاً بالمجتمع)[31] وهي الحركات التي انقسمت بدورها إلى عدة روافد. وبالرغم من انبثاقها عن مرجعية واحدة إسلامية إلا أنها تنوعت من حيث الأهداف والأدوات، بل وربما من حيث الاجتهادات الفقهية والفكرية. ولم يعد هذا الوضع يعكس تنوعَ تكاملٍ بقدر ما عكس تنوعَ تنازعٍ وخلافٍ.
بعبارة أخرى، أضحى الانقسام والتجزئة يهددان الأوطان ذاتها من داخلها، بعد أن فشلت الدول القومية الحديثة العلمانية في إحلال قيم الحرية والعدالة والمساواة بين كافة مواطني الدول، وفق نموذج علماني للمواطنة والديمقراطية، والذي تم استيراده أو فرضه في ظل الاستعمار مع نموذج الدولة-القومية، والذي تم فرضه ابتداءً من عصر الاستعمار. ذلك النموذج العلماني الغربي لإدارة التعدد والتنوع الداخلي في أوطاننا لم يفرز –على عكس خبرته في إطاره الحضاري- إلا استبدادًا علمانيًا، كرَّس كل أنماط الثنائيات وعادى كل محاولات الإصلاح والتجديد الإسلامي التي استهدفت إحياء وتجديد النموذج الإسلامي في إدارة التعددية والتنوع بعد أن ثبت أن: ما يسمى “المواطنة والديمقراطية العلمانية” ليست ناجزة أو فاعلة في مجتمعاتنا بالقدر الكافي[32].

والآن، وبعد الثورات العربية، وفي ظل تآمر قوى الثورة المضادة، تزداد الخطورة مع تحول الاستقطاب الإسلامي-العلماني، أو العربي-الكردي، أو الإسلامي-المسيحي، أو السني-الشيعي، أو القبلي، من استقطابات نخبوية عُلْوية إلى استقطابات بين الناس.
والأخطرُ أيضًا اختبارُ العلاقة بين روافد التيار الإسلامي حول تطبيق المشروع: الحرية والعدالة والمساواة بين كافة المواطنين، والأخطر الآن، في ظل تآمر قوى الثورات المضادة لثورات الشعوب في مصر وتونس وليبيا وسوريا، أن يتحول الاستقطاب الإسلامي-العلماني من استقطاب نخبوي عُلوي إلى استقطاب بين الناس، بل الأخطر أيضًا أن الوضع الحالي يختبر العلاقة أيضًا بين روافد التيار الإسلامي حول تطبيق المشروع الإسلامي (من موضع الحكم وليس المعارضة) بعد أن وصلت بعض القوى الإسلامية إلى كراسي السلطة الرئاسية والبرلمانية ولأول مرة في الدول العربية لأول مرة منذ ما يقرب من القرن فإن التعدد والتنوع في هذه الروافد قد أصيب أيضًا بآفة التضاد ولا يقترب من نعمة وحدة التنوع الإسلام.

(4) الوعي الجمعي المعاصر: ماذا ندرك؟ وماذا نفعل؟

خلاصة القول من الوعي بالذاكرة التاريخية أن فقدان وحدة التعدد والتنوع قد وصل إلى أقصى درجات خطورته؛ حيث أضحى يضرب الناسَ وليس مجرد النخب والكوادر العليا بما يهدد باحتراب داخلي قد يجزئ ما سبق تجزيئه في مرحلة سابقة بقوى استعمارية، وهذه المرة سيكون بأيدينا في ظل مراقبة ومباركة خارجية.
بعبارة أخرى، إذا كان الحديث عن مراتب الإجماع أو التوافق قرينَ النخب والكوادر العليا حول النوازل والمستجدات، فإن الجمعية والوعي الجمعي هما أسلوب حياة “الناس” في إطار تمكين المجتمعات في مواجهة غلواء السلطة الداخلية والفُرقة بين الدول. فإذا كان ضمور الإجماع السياسي عند اختيار الحاكم ومراقبته قد اقترن بضمور قدرات المجتمع وعدم تمكينه، فإن استعادة الإجماع السياسي يحتاج لوعي جماعي جديد، إلا أن استعادة هذا الوضع بدوره يحتاج لتوافر شروطه اللازمة.
إذن كيف نستطيع استرجاع الجمعية والجماعية (الوعي الجمعي) روحًا وثقافةً وسلوكًا في مجتمع راشد، ووفق نموذجنا القرآني والنبوي لإدارة التنوع والتعدد في أوطاننا وعبر أوطاننا؛ باعتبار أن استعادة المجتمع الراشد، من خلال تزكية الوعي الجمعي وتفعيله، سبيلٌ للإجماع السياسي من جديد، ذلك الإجماع الذي يستدعي “الأمة”، والذي نحن في أمسّ الحاجة إليه، وخاصةً في مراحلنا الانتقالية الحالية المتأزمة.
ومن أهم الشروط لهذا الاسترجاع:
أولاً- أن نعي أسباب ما وصلنا إليه من تضادّ التعدد والتنوع بعد أن شهدنا وحدته وثراءه وعطاءه.
وثانيًا- استعادة الوعي بالمنهج والميزان.
وثالثًا- السعي بعد الوعي.

(أ) من أهم أسباب فقدان الإجماع على كافة مستوياته:

1. الاستقطابات والعصبيات تحت ضغط الجهل والفقر والطغيان والاستبداد.
2. إعلاء المصالح الضيقة للحكام والنخب على المصالح الشرعية للأمة.
3. اختلال ميزان القوى العالمي على نحو تغلّب معه “النموذج الحضاري المقابل” على العالم الإسلامي.
4. تصارع الإيديولوجيات العلمانية على القيادة والحكم في أوطاننا، وتناوبها على الاستبداد.
5. تنازع “المرجعية العلمانية” مع “المرجعية الإسلامية”، ومع الفشل في فرض العلمانية على المجتمعات الإسلامية من أعلى يستمر التأكيد على صلاحيتها ومصداقيتها لأنها التي حققت التقدم “للغرب”، ومن ثمَّ فإن تصدير حل المواطنة والديمقراطية العلمانية إلى مجتمعات إسلامية تتمسك بمرجعيتها، يكون مصحوبًا باستغلاء شديد وبتشويه لقيم هذه المرجعية الإسلامية، في حين أن نموذج الدولة-القومية والديمقراطية العلمانية أضحى يواجه أزمات متتالية تطرح مصداقيته على أرضيته ذاتها، وتثير التساؤل عن البدائل “للمواطنة الليبرالية” والديمقراطية الغربية التمثيلية[33].
6. التشكيك في المرجعية الإسلامية واتهامها بعدم احترام التعدد والتنوع، وأنها ضد قيم الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان التي يروج لها الغرب؛ مستخدمًا إياها سلاحًا للتدخل، ومن ثمّ تشويه قيم هذه المرجعية، وأنها لم تعد قادرة على التجديد لإيجاد حلول معاصرة لمشاكلات المسلمين.
7. التشكيك في المرجعية وتشويه منظومة قيمها مرجُعه أيضًا أمران داخليان:
– توظيف المستبدين الطغاة للإسلام في ظل تآكل الإجماع السياسي وعدم تمكين المجتمع الراشد.
– الجهل والفقر والمرض بين الناس والتي نالت من تمكين المجتمع؛ ومن ثمَّ قيدت من فعالية المرجعية كمصدر لمراقبة الحاكم، حيث تمَّ استبعاد الأمة، من الإجماع التشريعي، الفقهي وغيره، نظرًا لتقييد الإجماع بقيود شديدة وقصره على المجال الفقهي، وعلى نحو همَّش من دور الأمة في السياسة وفي التشريع، في حينِ أنها الأصلُ.

(ب) ضرورة استعادة الوعي الجمعي بالمنهج والميزان:

1. التمسك بالعقيدة وبالإجماع الفقهي المتحقق الذي حفظ هوية الإسلام وهوية الأمة وخصوصيتها وتراثها.
2. العودة إلى النموذج والميزان والمنهج على ضوء السُّنن والقيمِ والمقاصد كسبيل للشهود حضاريًّا وللتوحيد من جديد. والوعي بأن الوحدة في التنوع ليست خَصمًا من التعدد؛ فهو تنوع ثراء في ظل فقه الائتلاف وأدب الاختلاف وعلم الفروق.
3. الوعي الجمعي بأن الشريعة (وكلها رحمة وعدل وحكمة ومصلحة) ما زالت وستظل قادرة على حل مشكلاتنا، من خلال تجديد واجتهاد معاصريْن. وأنها أكثر اتساعًا من مجرد الإجماع الفقهي.
4. توسيع الإجماع في الفقه والأصول والعقائد إلى المجال الاجتماعي العام، فلم يعد يصحُّ حصرُه في نطاق فقهي؛ لأن شئون السياسة وغيرها من شئون الدنيا يحتاج إجماعًا أيضًا.
وبذا تنكسر حلقة الحكومات العلمانية الحديثة التي فصلت بين الإجماع الفقهي (الذي تجمَّد أصلاً) وبين الإجماع السياسي الذي لم ينمُ أصلاً بالقدر الكافي؛ حيث بدت أمور “الدنيا”، كما لو لم تكن في حاجة إلى إجماع، أو فكر من مرجعية إسلامية، لإدارتها على أرض الواقع.
وبذا يتحقق من جديد الارتباط بين الأمة والإجماع، ويتم ردّ الاعتبار للسياسة باعتبارها مفهومًا إصلاحيًا وليس صراعيًا، وتكون الشورى وسيلتها، وبناء الجماعة الوطنية غايتها، في إطار الرؤية الكلية عن الاستخلاف وإدارة التنوع والتعدد.

(ج) التغيير الحضاري المأمول[34] من وراء إحياء الوعي الجمعي بالذاكرة التاريخية وبأصول مرجعيتنا المرتبطة بإدارة التعدد والتنوع:

1. هذا التغيير الحضاري لن يتحقق بالإدراك وبالأفكار فقط؛ ولكن يلزمه حركة منظمة شاملة يقوم بها أصحاب المشروع الإسلامي؛ لتقديم نموذج حضاري لإدارة التعدد والتنوع في إطار يستمد أسسه وآلياته من “وحدة المصدر”.
2. بناء نموذج الدولة العادلة للتخلص من الإرث السلبي لنموذج الدولة القومية ذات المرجعية العلمانية للديمقراطية والمواطنة. فإن الدولة القومية ليست الحل السحري الوحيد لمشكلاتنا المجتمعية والسياسية. ومن ثمَّ يلزم بناء مفهوم حضاري جديد للمواطنة والديمقراطية وآليات جديدة (آليات الشورى) لتحقيقه، تحترم التعدد والتنوع ولا تطمسه أو تستأصله باسم المدنية الحداثية العلمانية التي تسعى للتنميط (وفق دين العلمانية والعلمية)، وتدّعى القدرة على إلغاء الفروق تحت راية المساواة وتسقط كل الضوابط تحت راية الحرية، وهي بذلك تسقط راية العدالة والميزان[35].
3. تحقيق تكامل الأدوار بين روافد التيار الإسلامي، الدعوية والتربوية والخيرية والاقتصادية والسياسية والجهادية العسكرية، لتصب في تيار واحد يقوم على دعامتين: تمكين المجتمع، ومراقبة الحاكم.
4. تنفيذ استراتيجية لإدارة الجماعة الوطنية على نحوٍ يحقق الانفتاح والتواصل، والمشاركة بين أصحاب المرجعية الإسلامية ومرجعيات أخرى تطبيقًا لمفهوم حضاري للمواطنة وفق “الميزان”؛ أي العدالة انطلاقًا من مرجعية الأمة.
5. ردّ الاعتبار لقيمة “الأمة” بعد أن شحبت في الإدراك لدرجةِ تحدُّثِ البعض عن “موت الأمة”. وأمام المشكلات السياسية العليا بين الدول يبدأ ردّ الاعتبار للأمة على مستوى العلاقات بين الشعوب عبر الحدود[36].
6. إعداد نخب وقيادة جديدة فكرية وسياسية ودعوية ومدنية قادرة على التجديد بالحركة والفعل، وليس بالخطابات فقط على الأصعدة التالية:
– التربية الإسلامية على نحو يقدم مقاصد الإسلام ومنظومة قيمه والرؤية الإسلامية الحضارية في منظومة شاملة تمتد بالرؤية إلى كافة المجالات وليس العقيدة والعبادات فقط، وذلك علاجًا لمثالب المناهج التقليدية في التربية الإسلامية التي تقدم الإسلام كدين منقطع عن الحياة، وبذا تغرس بذور “العلمانية المؤمنة”، وخاصةً في ظل الانقطاع عن مصادر الثقافة الإسلامية الأخرى في إطار ازدواجية مؤسسات التعليم[37].
– الرؤية الإيمانية في مناهج التعليم لاختبار قيم ومقاصد الرؤية الإسلامية تحقيقًا لثلاثية العلم –الإيمان – الأخلاق وإبراز الجانب العلمي غير المنفصل عن الإيمان.
– تنظيم الخدمة المدنية الطوعية من منطلقات الإيمان والمصلحة في منظومات تصب في بعضها بعض ليتحقق التراكم في الإنجاز في قطاعات محددة الدعوة – التعليم – الإعلام – التنمية.
– بناء قنوات وآليات للتشبيك بين الشعوب عبر الأوطان لإعادة بناء روح الأمة والوعي الجمعي بها.
7. دراسة التجارب العملية التي حققت إنجازًا على هذه الأصعدة، فإذا كانت الأفكار والمشروعات وافرة العدد وممتدة عبر أكثر من قرنين، إلا أن الترجمة العملية لها بصورة ملموسة وناجحةِ محدودةُ النطاق، وتمثل “حركة فتح الله جولن” نموذجًا للربط بين القيادة والجماعة، بين الفكر والحركة، بين الوطن والأمة، وبين الأمة والعالم.
إن فكر الشيخ “فتح الله جولن” وخبرة حركة الخدمة تقدم مثالاً معاصرًا لمقاربة الوعي الجمعي على مستوى الأوطان وعبر الأمة ونحو العالم[38].
وتأتي مثالاً على ذلك إحدى مقالات الشيخ “فتح الله جولن” التي كتبها في أكتوبر 1994، ونشرتها مجلة حراء في عدد أكتوبر 2011، تحت عنوان “الوعي الجمعي”[39]. واستلهم فيها النسق القرآني والنموذج النبوي للتغلب على مراحل التأزم والتوتر خلال مراحل الانتقال وللوصول إلى غاية الإجماع من خلال الوعي والحذر من أسباب التأزم، والحاجة إلى قيادات واعية.
كما قدمت مجلة حراء كثير من النماذج عبر السنوات الثمانية الماضية من عمرها. وعلى سبيل المثال وليس الحصر فإن العدد الأخير[40] الذي تزامن صدوره مع انعقاد هذا المؤتمر يقدم المقالات التالية: فلسفة الحياة عندنا (أهمية الفكر للأمة)، آليات بناء ثقافة الوسطية، أسس القيادة والإدارة في ضوء قصة ذي القرنين، الوعي الحضاري فاعلية وتمكين وشهود، التربية الإسلامية والبعد الاستراتيجي لقضايا التنمية…
إنها مقالات تحمل مفردات كثيرة نتناولها، وهي تسهم –مع غيرها- في بناء الوعي الجمعي بالمشكلة ومنهاج الحل، والغاية المرجوة… أفلا نعمل؟
*****

الهوامش:

(*) تتناول دراسات اليوم الأول من المؤتمر هذه الأمور وغيرها.
[1] سورة فاطر: آية 27-28، سورة النحل: آية 12: 15، سورة الأنعام: آية 141.
[2] سورة الحجرات: آية 13، سورة الروم: آية 22، سورة البقرة: آية 213 و 253، سورة يونس: أية 19، سورة النبأ: آية 1: 3، سور هود: آية 118.
[3] سورة النساء: آية 95: 96، سورة التوبة: الآيات 81: 88، سورة التوبة: آية 20، سورة الحديد: آية 10.
(4) سورة التوبة: آيتين 101 و 64، سورة العنكبوت: آية 11، سورة محمد: آية 29: 30.
[5] سورة النساء: آية 36.
(6) سورة النساء: آية 23.
[7] سورة آل عمران آية 190: 191.
[8] سورة المجادلة: آية 11، سورة الأنعام: آية 165، سورة الزمر: آية 9، سورة الزخرف: آية 32.
[9] راجع قصصهم في سور: الأعراف – هود – الشعراء – الصافات، وجماع ذلك في سورة العنكبوت حتى الآية 40.
[10] سورة البقرة: آية 285، سورة النساء: آية 136.
[11] سورة الإسراء: آية 110، الحشر 22: 24.
[12] سورة البقرة: آية 251، سورة المؤمنون: آية 71، سورة محمد: آية 22، سورة البقرة: آية 205، سورة الروم: آية 41، سورة الفجر: آية 12، سورة القصص: آية 4.
[13] سورة المائدة: آية 48، سورة هود: آيتين 118: 119.
[14] سورة البقرة: آية 176، سورة النحل: آيتين 71: 72.
[15] سورة التوبة: آية 128، سورة آل عمران: آية 159 و64، وراجع وثيقة تأسيس دولة المدينة المعروفة بصحيفة المدينة: محمد حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، (بيروت: دار النفائس، ط6 مزيدة ومنقحة، 1407هـ/ 1987م)، ص ص 57-63.
[16] راجع في مفهوم النماذج التاريخية مقدمة د. حامد ربيع في: ابن أبي الربيع: سلوك المالك في تدبير الممالك.
وراجع: د.نادية مصطفى (مشرفًا)، مشروع العلاقات الدولية في الإسلام (القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996): الأجزاء:
السابع: نادية محمود مصطفى: مدخل منهاجي لدراسة التطورات في وضع ودور العالم الإسلامي في النظام الدولي.
الثامن: علا عبد العزيز أبو زيد، الدولة الأموية… دولة الفتوحات.
التاسع: علا عبد العزيز أبو زيد، الدولة العباسية من التخلي عن سياسات الفتح إلى السقوط.
العاشر: نادية محمود مصطفى، العصر المملوكي من تصفية الوجود الصليبي إلى بداية الهجمة الأوروبية الثانية.
[17] انظر في المنظور الحضاري: نادية مصطفى، سيف الدين عبد الفتاح، ماجدة إبراهيم (تحرير)، التحول المعرفي والتغيير الحضاري، (القاهرة: دار البشير، ط1، 2011).
– نادية محمود مصطفى، من خبرة تطوير منظور حضاري في العلوم السياسية، في: د.نادية مصطفى وآخرون (تحرير)، مفهوم الحضاري ومعالم منظور جديد في العلوم السياسية والاجتماعية، في: مركز الحضارة للدراسات السياسية، في تجديد العلوم الاجتماعية: تقويم إسلامية المعرفة وبناء منظور حضاري مقارن (الجزء الثاني)، مركز الحضارة للدراسات السياسية ودار البشير للثقافة والعلوم، القاهرة، 2016.
[18] د.السيد عمر، بصائر منهجية في التعامل مع التراث: إطلالة على العطاء المنهجي للعلامة منى أبو الفضل؛ في: نادية مصطفى وآخران (تحرير)، التحول المعرفي والتغيير الحضاري، مرجع سابق، ص ص 96-152.
– عبد الوهاب المسيري، اللغة والمجاز بين التوحيد ووحدة الوجود، (القاهرة: دار الشروق، 2002).
– أحمد داوود أوغلو، الفلسفة السياسية، ترجمة د.إبراهيم البيومي غانم، تقديم د.محمد عمارة، (القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2006).
[19] سيف الدين عبد الفتاح، مدخل القيم: إطار مرجعي لدراسة العلاقات الدولية في الإسلام؛ في: نادية محمود مصطفى (مشرفًا)، مشروع العلاقات الدولية في الإسلام، الجزء الثاني، (القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996). وانظر:
– محمود حمدي زقزوق (إشراف وتقديم)، موسوعة الحضارة الإسلامية، سلسلة الموسوعات الإسلامية المتخصصة (4)، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 2005.
– مجلة المسلم المعاصر، الجزء الأول من عدد خاص عن العلاقات الدولية في الإسلام (133/134)، 2009.
– مجلة المسلم المعاصر، الجزء الثاني من عدد خاص عن العلاقات الدولية في الإسلام (137/138)، أكتوبر–نوفمبر –ديسمبر 2010.
[20] سورة الإنسان: آيتين 2-3.
[21] سيف الدين عبد الفتاح، مدخل القيم، مرجع سابق، ص ص 186-221.
[22] تتعدد مداخل تفسير التاريخ الإسلامي باختلاف المدارس الفكرية والنظريات ما بين: المدخل القومي، المدخل المادي، المدخل الطبقى، انظر:
– محمود إسماعيل، فكرة التاريخ بين الإسلام والماركسية، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1988).
– محمود إسماعيل، المهمشون في التاريخ الإسلامي، (القاهرة، رؤية للنشر والتوزيع، 2004).
وعن التفسير الإسلامي للتاريخ انظر:
– عبد العزيز الدوري، نشأة علم التاريخ عند العرب، (بيروت: دار العلم للملايين، 1991).
– عماد الدين خليل، التفسير الإسلامي للتاريخ، (بيروت، دار العلم للملايين، 1981)
– قاسم عبده قاسم، فكرة التاريخ عند المسلمين: قراءة في التراث التاريخي العربي، (القاهرة: عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، 2001).
وعن مقارنة بين هذه المدارس انظر:
– نادية مصطفى: مشروع العلاقات الدولية في الإسلام، الجزء السابع، مرجع سابق.
[23] عبد الوهاب المسيري، العالم من منظور غربي (القاهرة: مؤسسة دار الهلال، 2001).
[24] نعوم تشومسكي، الإرهاب الدولي: الأسطورة والواقع، ترجمة لبنى صبري، تقديم: مصطفى الحسيني، (القاهرة: سينا للنشر، 1990). وله: سنة 501 الغزو مستمر، ترجمة ميّ النبهان، (القاهرة: دار المدى للطباعة والنشر والتوزيع، 1997).
– منير العكش، حق التضحية بالآخر: أمريكا والإبادات الجماعية (بيروت: شركة رياض الريس، 2002).
– منير العكش، تلمود العم سام: الأساطير العبرية التي تأسست عليها أميركا، (بيروت: شركة رياض الريس للكتب والنشر، 2004).
– محمد الأرناؤوط، دراسات في التاريخ الحضاري للإسلام في البلقان، (دار الأبجدية، 1996).
– محمد الأرناؤوط، الإسلام في يوغوسلافيا من بلغراد إلى سراييفو، (مؤسسة الرسالة، 2000).
– رجب محمد عبد الحليم، العلاقة بين الأندلس الإسلامية وإسبانيا النصرانية في عصر بني أمية، (القاهرة: دار الكتب الإسلامية، 1985).
– علي مظهر، محاكم التفتيش في أسبانيا والبرتغال وغيرها، (القاهرة: المكتبة العلمية، 1947).
– جيمس رستن، محاكم التفتيش في أسبانيا –كلاب الإله- وسقوط الأندلس واكتشاف كلومبس لأمريكة، ترجمة: مجير ماجد العمري، (الرياض: دار السيد، 2009).
– نادية مصطفى، نماذج تاريخية للتعارف خلال الحرب والدبلوماسية، دراسة مقدمة إلى مؤتمر “تعارف الحضارات، بالتعاون بين مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات بجامعة القاهرة ومكتبة الإسكندرية، (مايو 2011).
[25] انظر دراسات عديدة للدكتورة سيدة إسماعيل الكاشف:
– مصر في فجر الإسلام من الفتح العربي إلى قيام الدولة الطولونية، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2000).
– تاريخ مصر الإسلامية، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1989).
– مصادر التاريخ الإسلامي ومناهج البحث فيه، (دار الرائد العربي 1983).
[26] محمد أمزيان، في الفقه السياسي: مقاربة تاريخية، (الدار البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة، 2001).
[27] د.نادية مصطفى، العلاقات الدولية في الإسلام: نحو تأصيل من منظور فقه حضاري، قدمت هذه الدراسة للنشر ضمن أعمال مؤتمر نحو مشروع نهضوي إسلامي 16- 17 نوفمبر 2008، عمان: المنتدى العالمي للوسطية، 2008.
ونشرت في: مجلة المسلم المعاصر، العدد (133/134)، مرجع سابق.
[28] راجع مشروع العلاقات الدولية في الإسلام، مرجع سابق.
[29] ودودة بدران، وضع الدول الإسلامية في النظام الدولي في أعقاب سقوط الخلافة، (القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996).
– نادية مصطفى، العصر المملوكي، مرجع سابق.
– نادية مصطفى، العصر العثماني، مرجع سابق.
[30] نادية مصطفى، نحو بناء مشروع استراتيجي لنهوض حضاري وسطى… دراسة استكشافية في مشروعات نهضة الأمة، في: أ.د.نادية مصطفى، د.هبة رءوف عزت (محرران)، مشروع النهوض الحضاري ونماذجه التطبيقية، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، الخرطوم: منتدى النهضة والتواصل الحضاري، 2011. (الجزء الأول من الكتاب).
[31] المستشار طارق البشري، الحوار الإسلامي-العلماني، (القاهرة: دار الشروق، 2005).
[32] د.عبد الوهاب المسيري، العَلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة (جزآن)، (دار الشروق، القاهرة 2002 – طبعة ثانية، 2005(.
[33] أ.د.نادية محمود مصطفى: الديمقراطية العالمية من منظورات غربية ونحو منظور إسلامي في علم العلاقات الدولية، سلسلة الوعي الحضاري (2) ، (القاهرة، مركز الحضارة للدراسات السياسية، 2011).
[34] أ.د.نادية محمود مصطفى: مستقبل الثورات مع صعود الإسلاميين… رؤية من منظور الفقه الحضاري الإسلامي: من فقه الأصول إلى فقه الواقع وفقه التاريخ، سلسلة الوعي الحضاري (4) )القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، دار البشير، 2012).
[35] أ.د.محمد عمارة، الإسلام والتعددية: الاختلاف والتنوع في إطار الوحدة، سلسلة هذا هو الإسلام (10)، (القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، الطبعة الأولى، 2008).
– أ.د.محمد عمارة، بين الشورى والديمقراطية في الفكر الإسلامي، اللقاء الثاني عشر من دورة المدارسات الفكرية، 6 أبريل 2013، عُقد اللقاء بمركز الحضارة للدراسات السياسية.
– أ.د.محمد عمارة، الشورى الإسلامية…والديمقراطية الغربية، موقع مجلة الديمقراطية، 20 ديسمبر 2012، متاح على:
http://democracy.ahram.org.eg/News/407/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%88%D8%B1%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9%E2%80%AE%E2%80%AC%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9.aspx
[36] نحو منهج للنظر في قضايا الأمة وعلاقاتها الدولية: قراءة في مقدمات المستشار/ طارق البشري لحولية “أمتي في العالم”، مجلة المسلم المعاصر، العدد (137/138)، أكتوبر – نوفمبر- ديسمبر 2010.
[37] د.خالد الصمدي، د.عبد الرحمن حللي، أزمة التعليم الديني في العالم الإسلامي، (دمشق: دار الفكر، 2007).
[38] أ.د.نادية مصطفى، أ.د.إبراهيم البيومي، أ.د.باكينام الشرقاوي (محررون)، مستقبل الإصلاح في العالم الإسلامي: خبرات مقارنة مع حركة فتح الله كولن، مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات، مجلة حراء، القاهرة، 2011.
[39] فتح الله كولن، نوزاد صواش (مترجم)، الوعي الجمعي، مجلة حراء، العدد 25، يوليو- أغسطس 2011، متاح على: http://www.hiramagazine.com/archives/title/500
[40] مجلة حراء، العدد 35، مارس- إبريل 2013، متاح على:
http://www.hiramagazine.com/archives/detail/35

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى