الدعوة لتلاقي الأديان باسم “الإبراهيمية”: المضمون والأهداف

مقدمة

تُعَدُّ فكرة المشترك الإبراهيمي إحدى الصيحات التي تتردَّد في فضاء عدد من المجالات السياسية والدينية والسياحية والثقافية بل والاقتصادية، ولم تكن تسمية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب لاتفاقيات التطبيع بين الكيان الصهيوني وعدد من الأنظمة العربية باتفاقيات إبراهيم إلا حلقة من حلقات الترويج لهذه الصيحة ومظهرًا من مظاهر استخدامها.

يبدو إسباغ وصف (الإبراهيمي) على التقاليع الدينية الجديدة والاتفاقات السياسية، مقصودًا به اعتبار نبي الله إبراهيم مرجعية للديانات الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية) ومصدر وحدتها، ومن ثم إقامة أسس التعايش بين أتباعها على وحدة الأصل المشترك بينهم.

بعد زيارة بابا الفاتيكان لدولة الإمارات في فبراير 2019 وتوقيعه مع شيخ الأزهر وثيقة الأخوة الإنسانية تم الإعلان عن مبادرة “بيت العائلة الإبراهيمية” كإحدى المبادارت المنبثقة عن هذه الوثيقة، وهي عبارة عن مجمع ديني ثلاثي يضم جامعًا وكنيسة وكنيسًا في مكانٍ واحد. وتظهر تصاميم مشروع “بيت العائلة الإبراهيمية” بيوت العبادة الثلاثة تقابل بعضها بعضًا في حدائق مترامية الأطراف على جزيرة السعديات بالعاصمة الإماراتية، كان التصميم الفائز لـ “بيت العائلة الإبراهيمية” مُقدمًا من شركة الهندسة المعمارية Adjaye Associates في لندن وهي شركة بريطانية هندية. يقول المعماري ديفيد أدجاي صاحب التصميم الفائز: “أشعر بالفخر والإطراء لاختيار تصميمنا، ستكون هذه الساحة مفتوحة للعالم، وأملنا هو أن يتعلَّم معتنقو الأديان والناس من مختلف المجتمعات من هذه الصروح، ويشتركون في مهمة من أجل التعايش في سلام لأجيال قادمة”.

وتم عرض التصميمات الخاصة ببيت العائلة الإبراهيمية في الفاتيكان على شيخ الأزهر والبابا فرنسيس في نوفمبر 2019 عندما اجتمعا بأعضاء لجنة الأخوة الإنسانية. وهذه اللجنة تشكَّلت من أجل متابعة وتحقيق أغراض وثيقة الأخوة الإنسانية من ممثلين عن الديانات الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية) تُدْعَى اللجنة العليا للأخوة الإنسانية، وتضم في عضويتها رئيس جامعة الأزهر الدكتور محمد المحرصاوي، والقاضي محمد عبد السلام المستشار السابق لشيخ الأزهر ويشغل أيضًا أمين عام اللجنة العليا للأخوة الإنسانية، والحاخام بروس لوستيج كبير الحاخامات في المجمع العبري بواشنطن، وعضوين من الفاتيكان، والأمين العام لمجلس الكنائس العالمي، والأمين العام لمجلس حكماء المسلمين، والأمينة العامة السابقة لليونسكو إيرينا بوكوفا، والناشطة ليما جبوي الحائزة على جائزة نوبل للسلام.

لا يمكن فصل مثل هذه المبادرات والتحرُّكات عن المساعي السياسية الرامية لتغيير قواعد الصراع والعلاقات الدولية في المنطقة العربية ومحيطها، كما ذُكر بخصوص إطلاق وصف “الاتفاق الإبراهيمي” على اتفاقيات التطبيع التي جرى توقيعها بين إسرائيل والإمارات والبحرين وعدد آخر من الدول العربية[1].

لكن كما سيتبيَّن فإن فكرة المشترك الإبراهيمي والديانة الإبراهيمية من الأفكار القديمة المطروحة على الساحة في عدد من الدوائر السياسية والأكاديمية والاقتصادية، من أجل تغيير طبيعة المنطقة العربية والشرق أوسطية وإعادة تموضع إسرائيل بشكلٍ طبيعي وبطريقة عملية على رأس قيادتها والتحكُّم فيها، وقد اتُّخذت خطوات عملية لتنفيذها كما سيتبين لاحقًا، وهو الأمر الذي اقتضى إعداد هذا التقرير لمتابعة تطورات هذا الملف ضمن المتغيرات الإقليمية والعالمية التي تجري خلال الفترة الأخيرة.

وينقسم هذا التقرير إلى ثلاثة أقسام: يستعرض القسم الأول نماذج تلحُّ على الترويج لفكرة المشترك الإبراهيمي، والاستمرار في برامج وخطط هذه الفكرة والترويج لها في الفترة الأخيرة.

أما القسم الثاني فيتم فيه استعراض ما جاء في كتاب (الدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمي: المخطط الاستعماري للقرن الجديد)؛ حيث يعتبر أحد المصادر العلمية المهمة إن لم يكن المصدر الوحيد الذي تنقل عنه المصادر الأخرى ما يتعلَّق بالمعلومات الخاصَّة بهذه الفكرة بشكل موسَّع ومفصَّل، ونضيف إلى هذا العرض عرضًا آخر لنشاط نموذج للمؤسسات الراعية لهذا التوجُّه.

أما القسم الثالث فيتناول ردود الأفعال والاستجابات المختلفة من أطراف متعدِّدة: مقاوِمة ومؤيدة.

القسم الأول- الترويج المتجدِّد للمشترك الإبراهيمي

هناك إلحاح على الترويج للمشترك الإبراهيمي بين الديانات الثلاث (المسيحية واليهودية والإسلام) من خلال مستويات سياسية وثقافية ودينية مختلفة، وهذا المشترك في حدِّ ذاته ربما لا يكون محلًّا لاعتراض أحد، إذا كان يُقصد به نشر السلام والوئام، دون تضييع للحقوق أو تمكين للظلم والفساد، ولكن الشواهد التي نستعرضها في هذا القسم لا يمكن فصلها عن مشروع أو مخطط أكبر لإحداث تغيير في المنطقة يزيد من هيمنة إسرائيل وتطبيع سيطرتها على المنطقة العربية والشرق أوسطية عمومًا.

  • بومبيو يؤكِّد على المشترك الإبراهيمي

في 10 يناير 2019 ألقى وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو خطابًا في الجامعة الأمريكية بالقاهرة أكَّدَ فيه على المشترك الإبراهيمي، وقال في خطابه إن رحلته هذه بالذات [إلى مصر والمنطقة العربية] لها مغزى خاص بالنسبة له كمسيحي من الكنيسة الإنجيلية، فهي تأتي بعد وقت قصير من احتفالات عيد الميلاد في الكنيسة القبطية [7 يناير]، وأضاف: نحن جميعًا أبناء إبراهيم: مسيحيون، مسلمون، ويهود. أحتفظُ بالكتاب المقدس على مكتبي مفتوحًا ليذكرني بالله وكلمته، وبالحقيقة.

وأشار في كلمته إلى أن المنطقة تشهد تغيرًا ملحوظًا، فقد بدأت الروابط الجديدة تتجذَّر بشكل لم يكن مجرَّد تخيُّله ممكنًا حتى يومنا هذا. من كان يمكن أن يصدِّق قبل بضع سنوات أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سيزور مسقط؟ أو أن روابط جديدة ستنشأ بين المملكة العربية السعودية والعراق؟ أو أن بابا روما الكاثوليكي سيزور هذه المدينة للقاء الأئمة المسلمين ورئيس الكنيسة القبطية؟[2]

  • زيارة بابا الفاتيكان إلى العراق

لم يكن تواري الرئيس ترامب عن الأنظار بعد خسارته الانتخابات الرئاسية، وهو الذي كان قد أعطى هذا الملف دفعة كبيرة خلال العام الأخير من إدارته، سببًا في توقُّف هذه الحركة التي تسعى لنشر هذه الفكرة المتعلِّقة بالمشترك الإبراهيمي خلال الفترة الأخيرة.

ففي زيارته الأخيرة إلى العراق زار البابا فرنسيس “أور” بوصفها مسقط رأس نبي الله إبراهيم عليه السلام، وتحدَّث عن إبراهيم عليه السلام بوصفه أبًا روحيًّا لكلِّ الأديان السماوية، ومدخلًا للتصالح فيما بينها، وقال لممثلي الديانات الثلاث “هذا المكان المبارك يعيدنا إلى أصولنا، إلى مصادر عمل الله، إلى ولادة أدياننا.. هنا سمع إبراهيم نداء الله؛ من هنا انطلق في رحلة من شأنها أن تغير التاريخ. نحن ثمار تلك الدعوة وتلك الرحلة”. هذا الخطاب الإبراهيمي الذي جلبه البابا معه إلى العراق كان استكمالًا لحديثه عن بناء “بيت العائلة الإبراهيمية” بالإمارات، والتقى المرجع الشيعي علي السيستاني، واعتبره ممثلًا عن المسلمين في العراق وراعيًا للسلام فيها. بالرغم من أن السيستاني يحتفظ بمكانته الدينية بفضل الدعم الذي يقدِّمه الحرس الثوري الإيراني، فالحشد الشعبي الشيعي “المليشيا الأبرز في العراق” لم تكن لترى النور لولا فتوى “الجهاد الكفائي” التي أطلقها السيستاني عام 2014 وكانت تشريعًا فقهيًّا شيعيًّا لاستهداف الأنبار ذات الأغلبية السُّنية بذريعة القضاء على “داعش”.

وتماشيًا مع المصالحة الشيعية الكاثوليكية، التي دشَّنها البابا بزيارة السيستاني، أصدرت جمعية علماء “قم” الإيرانية، رسالة وُصفت فيها الزيارة بـ”التاريخية”، واعتبرتها فرصة للعلماء والحوزات الشيعية لـ”اتِّباع هذا النموذج الحديث في حوار الأديان”، وفقًا لما نقلته “وكالة تقريب للأنباء”[3].

 

 

  • مشروع التجلي الأعظم

من المشروعات التي تنسجم مع هذا الطرح ويبدو أنها ستندرج ضمن خطط الترويج للمشترك الإبراهيمي، مشروع «التجلي الأعظم» في سانت كاترين بسيناء وتمَّ اختيار اسم «التجلي الأعظم» على مشروع التطوير بسانت كاترين، وذلك لأنها المنطقة الوحيدة في العالم التي تجلَّى فيها الله لنبيِّه موسى عليه السلام، وتضم المدينة كنوزًا أثرية دينية، أبرزها دير سانت كاترين، وجامع عمرو في الدير، ومجموعة من الكنائس والأديرة الفريدة من نوعها.

يهدف المشروع -بحسب المسؤولين- إلى إحياء المدينة الروحية، وإنشاء مزار روحاني على الجبال المحيطة بالوادى المقدس، وجذب السيَّاح من مختلف دول العالم، حيث إن المدينة شاهدة على قصص وحكايات دينية وموثقة، وتمثِّل مقصدًا للسياحة الروحانية والجبلية والاستشفائية، حيث إن الديانات السماوية الثلاثة كانت متواجدة في المدينة، فاليهودية والمسيحية والإسلام، لا زالت آثار هذه الديانات موجودة حتى الآن، بجانب توفير جميع الخدمات السياحية والترفيهية للزوار، وربط المدينة مع باقي المنطقة الساحلية الممتدَّة بين الطور وشرم الشيخ ودهب. وذلك ضمن مستهدف تنمية المنطقة الشمالية الشرقية لمصر، من خلال رؤية تضع الدولة المصرية فى قلب التحولات الاقتصادية العالمية والإقليمية[4].

 

 

 

  • ●●

 

القسم الثاني- المشترك الإبراهيمي: الفكرة والمؤسسات الداعمة

أولا- كتاب «الدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمي»

أعدَّت الدكتورة هبة جمال الدين كتابًا عنوانه (الدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمي: المخطط الاستعماري للقرن الجديد)[5]، وصدر مطلع 2021، وفيما يلي عرض لأهم الأفكار والمعلومات الواردة فيه عن المشترك الإبراهيمي وكيفية تنفيذ مخططاته على أرض الواقع.

يبيِّن الكتاب أن مخططات المشترك الإبراهيمي والديانة الإبراهيمية هي جزء مما يُسمَّى في مجال العلاقات والسياسات الدولية بالدبلوماسية الروحية، والدبلوماسية الروحية هي «مسار من مسارات التفاوض تستهدف حل النزاع أو منع حدوثه من أجل بناء سلام ديني عالمي، يتم عبر الجمع بين القادة الروحيين والساسة داخل آلية المسار الثاني للمفاوضات (Track II Diplomacy) باستخدام المدخل النفسي لدحض الأصولية في الأديان الثلاثة؛ والتباحث حول القضايا الحساسة محل النزاع بهدف التوصل إلى مشترك عبر تقارب الأديان السماوية أو الإبراهيمية للقضاء على الاختلافات والوصول إلى متفق يقبله المجتمع».

ودبلوماسية المسار الثاني هي نمط من المفاوضات لمناقشة القضايا الحساسة خارج الأطر الرسمية تسبق التفاوض الرسمي أو تتوازى معه تمهيدًا لإعلان ما تنتهي إليه لاحقًا في حال الاتفاق عليه وتمهيد الساحة للإعلان عنه رسميًّا.

ومن الجدير بالذكر، أن بعض الكتابات تصف مصطلح الديانات الإبراهيمية أو الإيمان الإبراهيمي بمصطلح «التراث اليهودي المسيحي»، كوْن المفهوم يستخدم لوصف الديانة الغربية والتقاليد الأخلاقية. ويحاول أنصار هذا الطرح أن يُرجعوا جذوره للحرب العالمية الثانية، والهولوكوست والصراع العربي-الإسرائيلي الممتد؛ حيث عملت هذه الأزمات على تحريك الوازع الديني لقادة العالم والمتديِّنين للعمل من أجل السلام بين الأديان الثلاثة.

ومن رواد هذا الفكر المستشرق الفرنسي الكاثوليكي لويس ماسينيون (1883 – 1962) الذي طرح مفهوم السلام بين الديانة المسيحية والإسلام، اعتمادًا على الإيمان بـ «الجذر الشائع في إبراهيم». وفي الفترة الممتدة من 1962 إلى 1965 صدرت وثائق من الفاتيكان تحدَّثت عن التراث المشترك للأديان الثلاثة واستخدمت النبي إبراهيم (عليه السلام) كمصدر رئيسي لمحاولة التقارب الديني. وتجدَّد الطرح مرة أخرى بعد اعتداء 11 سبتمبر 2001 إذ تمَّت الدعوة إلى الوحدة والسلام عبر إيجاد أرضية مشتركة بين الأديان الثلاثة.

وقد نجح أنصار الدبلوماسية الروحية منذ مطلع الألفية في خلق اهتمام دولي للمؤسسات التمويلية بقضية السلام الديني العالمي؛ عبر دبلوماسية المسار الثاني بالتقارب بين الأديان الإبراهيمية الثلاثة ووضعها على أجندتهم التمويلية؛ لأن هذا السلام سيحقق التنمية ويحارب الفقر الكوني. وجاء الجهد الدولي في إطار الاهتمام والعمل على مناقشة وتنفيذ آليات الدبلوماسية الروحية متخذًا عدَّة صور وأشكال.

وفي إطار الحديث عن المشترك الإبراهيمي يقدم أنصار الدبلوماسية الروحية منظورين خلال التعامل مع الأديان السماوية «الإبراهيمية»: الأول- الديانات الإبراهيمية والحوار الأخوي للوصول إلى مشترك عالمي: أي الحفاظ على الأديان الإبراهيمية من منطلق الاحترام والقبول المتبادل مع الاعتراف بمجالات الاتفاق والاستثمار بها والخلاف يتم تنحيته والاتفاق حول ما يضمن الحفاظ على حقوق “الشعوب الأصلية”، وسيتم وضع المشترك في ميثاق يضم القيم والطقوس والتقاليد الدينية والنصوص والتعاليم المشتركة والتعاليم الجديدة التي تمَّ الاتفاق حولها كبديل من المختلَف عليه. وعند اكتمال الميثاق الإبراهيمي الجديد سيستمد القدسية من الكتب السماوية الأخرى التي سيتم تنحيتها بعد ذلك، أي سيكون مرجعية واحدة تجمع أنصار الديانات الإبراهيمية. أي سيصل في الأساس إلى ديانة واحدة «ديانة إبراهيمية مشتركة».

والثاني- الديانة الإبراهيمية العالمية باعتبارها «ديانة موحدة»: وهو طرح مقدَّم للولاء لدين عالمي واحد يجمع القيم المشتركة بين الأديان، التي لا يوجد عليها خلاف ويدين لها المواطن ليتحول إلى مواطن عالمي يدين بدين عالمي موحد.

يعتمد مروِّجو هذا التوجُّه المتعلق بالمشترك الإبراهيمي، مثل مركز أبحاث (Community Change) في جامعة فيرجينيا، على فشل نموذج الدولة القومية: إذ يرون أن التحديات المستقبلية وبخاصة البيئية لن تُفسح المجال للحديث عن التنمية المستدامة والحفاظ على حقوق الأجيال القادمة. وذلك في إطار ضعف قدرات الدول القومية وعدم قدرتها على التصدِّي فرادى لتلك المخاطر والكوارث المستقبلية، والحل هو الاتحاد الفدرالي بين الدول القومية لتتحول إلى ولايات يكون التحكُّم في مواردها من قِبل الدول التي تمتلك قدرات تكنولوجية كبيرة ومتقدِّمة تؤهِّلها لتكون في السلطة الفدرالية. والحافز للقبول بهذا الاتحاد هو المشترك الإبراهيمي بين الدول التي تؤمن بالقيم الروحية المشتركة، التي ستدفعهم في ظل الأخوة الإبراهيمية الإنسانية بالقبول في التشارك في الموارد طواعية.

وهناك أيضًا بعض الحوافز السلبية الدافعة للقبول بالمشترك الإبراهيمي في المنطقة مثل تغيُّر المناخ، وندرة الموارد، والعنف الديني، والإرهاب المستند إلى الأديان، والصراع السني-الشيعي (الأمر الذي عدَّه تقرير مركز راند حول مستقبل الطائفية في الشرق الأوسط الصادر عام 2017، مدخلًا لهيمنة النزعة المحلية في المقابل والمطالبة بالانفصال)؛ وهو ما يمكن أن يكون محركًا لرفض الوضع وتفضيل المشترك الإبراهيمي الذي سيحقق السلام الديني العالمي؛ ومن ثمَّ الاستقرار والهدوء والأمن للجميع والتخلُّص من الوضع المتأزِّم.

  • الدعم السياسي للمشترك الإبراهيمي

تحظى المبادرات المتعلقة بتعزيز المشترك الإبراهيمي بين أتباع الديانات الثلاث وغيرها بدعم أمريكي وأممي لهذا الفكر على الأرض وتحويله إلى مشروعات قائمة، بل إن الأمر تخطَّى حدود الدعم ليصبح مكونًا رئيسيًّا داخل أروقة وزارة الخارجية الأمريكية التي مأسست هذا الفكر بالفعل.

فقد تمَّ إنشاء فريق عمل حول الدين والسياسة الخارجية بالخارجية الأمريكية: يتكون من ستة فرق أنشأتها وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون تحت عنوان «الحوار الاستراتيجي مع المجتمع المدني» من أجل «ضمان فرصة التشاور والتعاون المتبادلين». ويتبع الفريق الهيئة الاستشارية الفدرالية حول الحوار الإستراتيجي التي تضم نحو 100 فرد من القادة الروحيِّين، ومسؤولين في وزارة الخارجية يقدِّمون المشورة لوزير الخارجية. وقد أوصى الفريق بسلسلة إجراءات تندرج تحت أربعة عناوين:

  • تعزيز القدرة الوطنية على توجيه القضايا الدبلوماسية الدينية.
  • توجيه وزارة الخارجية لتطوير مواد لتحسين التعامل مع الدين.
  • إنشاء آلية رسمية داخل وزارة الخارجية تأخذ في الحسبان وجهات النظر الدينية.
  • إضفاء الطابع المؤسسي على فريق العمل حول الدين والسياسة الخارجية.

وعلى الرغم من تغيُّر وتعاقب وزراء الخارجية الأمريكية وتغيُّر الإدارة من الديمقراطيِّين إلى الجمهوريِّين، فإن هذه الإدارة ما زالت قائمة، وهذا يعني أن النهج مستمر ولم ينقطع. ويرى الدكتور سعد الدين إبراهيم أن هذا النهج المؤسَّسي يعود إلى جورج بوش الأب، لكن قد يكون الإعلان عنه جاء في عهد هيلاري كلينتون.

وفي عهد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري تم إنشاء مكتب وزارة الخارجية الأول للمبادرات الدينية: الذي بدأ يدرس التعاون الدبلوماسي الديني؛ حيث يكرِّس الشراكة مع المجتمعات/المؤسسات الدينية العالمية والقادة الروحيِّين بشأن قضايا أولية مثل: «التحولات العربية، والسلام في الشرق الأوسط، والتغيرات المناخية، وحقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة».

وفي أغسطس 2013 اعترف الوزير كيري بـ«الأرض المشتركة للديانات الإبراهيمية» وأقرَّ بتأثير الدين العالمي في مواجهة الخطر المحدق بالولايات المتحدة.

كما تمَّ تأسيس الشبكة السياسية للدين والدبلوماسية: وهي شبكة تموِّلها وزارة الخارجية الأمريكية لتمارس الدور نفسه المنوط بمؤسسات الدبلوماسية الروحية حيث تقوم بجمع الدبلوماسيِّين ورجال الدين الأوروبيِّين والكنديِّين والأمريكان وتركِّز على قضية الدين وبناء السلام.

آلية الدعم الدولي المنظمة الأممية: نظَّمت الأمم المتحدة في عام 2000 مؤتمر قمة السلام العالمي للألفية الذي يتألَّف من أكثر من ألف زعيم ديني من ديانات العالم، بتمويل كبير من مؤسسات خاصة، وضمَّ المؤتمر شخصيات بارزة من مؤسسات مسيحية ويهودية وإسلامية.

وقد بدأت الأمم المتحدة في الاهتمام بقضية الأديان والتقارب بين الأديان السماوية مستخدمة مصطلح الإبراهيمية كبديل من السماوية وبدأت في العمل على: إقامة منتديات دولية للصلوات المشتركة رافعة شعارات «السلام الديني العالمي»؛ وإدراج التقارب الإبراهيمي كمكوِّن في مؤتمرات مناقشة أهداف التنمية المستدامة؛ وإصدار عدد من الوثائق التي تتعلَّق بالأديان المشتركة كمدخل للسلام الديني العالمي.

وتُعد اليونيسكو من أبرز الفاعلين على الأرض في تنفيذ برامج تدريبية، ومؤتمرات، وبروتوكولات تعاون، وتمويل مشروعات تتقاطع مع المشترك الإبراهيمي، ودعم مشروعات سياحية تعلي من شعارات التقارب الروحي والمشترك الإبراهيمي… إلخ. ومنذ مطلع الألفية تبنَّت العديد من الجهات تنظيم مؤتمرات دولية بهدف دعم المبادرة وضمان تطبيقها على الأرض. كما أطلقت العديد من الدول منحًا دولية تم ربط مشروطيَّتها بمكوِّن المشترك الروحي بين الأديان الإبراهيمية خلال ما تقدِّمه من مشروعات تنموية.

وفي عام 2016 أصدر صندوق الأمم المتحدة للسكان تقريرًا بعنوان إدراك الإيمان المقسم: الديانة والنوع الاجتماعي والسلام والأمن في أجندة 2030. ويؤكد التقرير أهمية الدين والحوار الإبراهيمي بين الأديان السماوية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وأهمية العمل مع المنظمات المستندة إلى الدين والقادة الدينيين خلال تنفيذ برامج التنمية للأمم المتحدة.

  • هارفارد و«مسار إبراهيم»

في هذا السياق يأتي طرح جامعة هارفارد لفكرة «مسار إبراهيم» كتجسيد لرؤية المشترك الإبراهيمي باعتباره مشتركًا روحيًّا يُسوَّق سياسيًّا وثقافيًّا وتاريخيًّا وعقائديًّا في إطار رحلة النبي إبراهيم التي شملت عشر دول تم تحديدها عبر تكامل الروايات بالأديان الثلاثة معًا، وذلك لخلق رابط مقدس بين الدول في الرحلة، فالمسيحية واليهودية تتَّفقان على الطريق الذي سلكه نبي الله حيث يبدأ من تركيا وينتهي بمصر. أما الإسلام فيمثِّل إضافة، حيث وصل نبي الله إلى مكة كإحدى المحطات المهمَّة في التاريخ الإسلامي، وأضافت «مبادرة مسار إبراهيم» إيران إلى هذا المخطط.

ومسار إبراهيم هو طريق مشترك للسير وركوب العجل والجمال، يمتدُّ في مدن بعينها عبر عشر دول يسير عليه أتباع الديانات الثلاث للتقارب كرمز للتسامح الديني وقبول الآخر. ومن ثم يعَدُّ مسار إبراهيم مشروعًا مقبولًا كرمز للتسامح الديني الذي لا يرفضه أحد وبخاصة أنه يسوَّق كمشروع للسياحة الدينية، الأمر الذي يمثِّل انتعاشًا وترويجًا للسياحة في دول المنطقة ككل في إطار تكاملي لا تنافسي، ومن ثم فهو يخلق مصدر دخل جديد، وبخاصة للجماعات المحلية العاملة بالسياحة والقاطنة على طول الطريق. فرحلة إبراهيم تستهدف زيارة المقدسات الدينية بكل دولة من الدول العشر التي تتضمَّن إسرائيل في الأساس، يتم خلالها تقديم خدمات للسياح أو الحجاج، وتمارَس خلالها أنشطة ثقافية تقدِّمها وتنظمها المجتمعات المحلية على طول المسار. وتتولَّى الجماعات المحلية مهمَّة تأمين المشّائين من الحجاج أو السيَّاح حيث تتعامل القبائل وتنسِّق معًا على طول المسار عبر الحدود أيضًا حيث تسلِّم كل قبيلة الأخرى.

لقد استطاع روَّاد هذا الطرح ابتكار آليات جديدة لاجتذاب رأي عام مؤيِّد للفكرة بل وبناء أجيال جديدة مؤمنة ومساندة لهذا الطرح الجديد، وفي الوقت ذاته الحصول على الدعم الحكومي، وبخاصة بدول المنطقة العربية وجوارها أو ما يسمَّى دول الشرق الأوسط التي يصفها رواد الطرح بالدول المؤمنة بنظريات المؤامرة.

أجرت جامعة هارفارد دراسة أولية للوقوف على مدى جدوى المشروع وإمكانات نجاحه، وتم تكليف مجموعة من الطلبة بالجامعة عام 2004 لاختبار مفهوم النبي إبراهيم كشخصية توحيدية تحمل مقوِّمات كامنة يمكن التوحُّد خلفها. وفي الوقت ذاته كُلِّفَتْ مجموعة أخرى -من كلية هارفارد الطبية- لاختبار مفهوم الطرف الثالث للتوسُّط لحلِّ الصراعات الكامنة على طول دول المسار؛ وتمَّ بحث القضايا الثلاث (قضية المياه، والنساء، والجماعات الصوفية) لنشر الفكر والالتفاف حوله وإمكان نجاح المشروع إذا تمَّ استخدام هذه القضايا أو الأطراف خلال المسار.

كانت نتائج الفريقين إيجابية وتوصَّلا إلى توافر عناصر ومقومات نجاح الفكرة وإمكان استخدام نبي الله إبراهيم كرمز للتوحُّد في ظلِّ المميزات الربانية بهذه المنطقة للعالم المتمثلة بما يلي:

− تقاطع النصوص الدينية المقدسة حول النبي إبراهيم، فهو شخصية تجميعية يتَّحد خلفها أتباع الديانات الثلاثة.

− التزام السكان بالترحيب بالضيوف والأجانب كالتزام مقدَّس نحو الغرباء.

− الطريق يمكن أن يكون وسيلة للناس من مختلف أنحاء العالم ليتم احترامه ويعبر عن امتنان القرويِّين القاطنين بالشرق الأوسط الذين حافظوا على مدار قرون على تراث النبي إبراهيم في معاملة الغرباء كضيوف مقدسين.

− يأخذ الطريق شكلًا تجميعيًّا للبشر عبر مسيرات السير المشترك، وهذا يعني القبول والتأييد لأنه لا يرفع أيَّ شعارات سياسية وإنما دينية وثقافية وسياحية.

  • تحديات مسار إبراهيم

هناك عدَّة تحديات قد تقف حجر عثرة أمام تنفيذ الطريق يجب استيعابها وحلُّها أو تقليل خطرها. ورغم أنها حائل أمام التنفيذ لكنها في الوقت ذاته تمثِّل خطرًا مستقبليًّا على المنطقة، وتترابط في الوقت نفسه مع رؤية جامعة هارفارد لحلِّ الصراع، ومنها:

1− حاجز المعرفة: فكيف يمكن لقصة إبراهيم أن تُحدث تغيرًا تحويليًّا للجماعات بالشرق الأوسط التي مزَّقتها الصراعات وتحظر التدخُّلات الدولية في شؤونها. فقد أدرجت بالفعل في عدد من الحوارات ومبادرات المصالحة، ولا سيما في السياقات بين الأديان، إلا أن إعادة توظيفها لحلِّ الصراع لم يكن له العديد من المؤيدين.

2− إرساء رؤية ذات صدقية للمسار: إن طرح مفهوم تأمين مسيرات الحج بهذه المنطقة التي تعج بالصراعات أمر غير موثوق به، كما أن الحديث عن أن هذا المسار ستتبعه تنمية اقتصادية بالمنطقة أمر ليس محل ثقة. بل إن توزيع العائد بشكل عادل أمر غير وارد. لذا فالحل الذي توصَّلت إليه الفِرق البحثية يكْمن في استخدام رمز النبي إبراهيم ونشر مفهوم المشترك الإبراهيمي، وهذا سيخلق بدوره حالة من الودِّ بسبب الترويج لوجود صلة قرابة تجمع أبناء المنطقة؛ الأمر الذي سيكفل تحقيق الكفاية والازدهار عبر خلق هوية شاملة للمنطقة ككل تكفل موافقة القرى المحلية بتأمين المسافر على الطريق مع الاستفادة المادية بسبب عوائد السياحة الدينية.

3− عدم الثقة بالدوافع خلف المسار: حيث تنتشر نظريات المؤامرة في هذا الجزء من العالم، في ظلِّ عدم الثقة بالدور الأمريكي، وهو ما يزيد الشكوك حول المسار، وبخاصة إذا شاركت خلاله أية شركات تحمل العلامات التجارية الأمريكية. هنا توصَّل الفريق البحثي إلى أن خطة العمل يجب أن تتم وفق مسارين: الأول- موجَّه إلى السكَّان المحليِّين بكل دولة، والثاني- موجَّه إلى التنسيق مع الحكومات عبر وسطاء مشتركين. ولإنجاح الفكرة نُظمت زيارات لعدد من الفاعلين بهذه الدول لخلق رأي عام دولي مؤيد للفكرة كقوى ضاغطة على أنظمة تلك الدول لكسب مزيد من الثقة على الأرض.

4− كسر الحدود السياسية تجاه المسافرين على الطريق: وبخاصة أمام الإسرائيليِّين بالمنطقة، وجاء ذلك في تقرير أعدَّته باحثة بجامعة هارفارد عام 2004 تسمَّى سوزان كولن، حيث عملت في غزة والضفة مع الفلسطينيين ومع الإسرائيليين داخل الأراضي المحتلة.

5− وضع إسرائيل ورفض دول المسار التطبيع معها: فمن الصعب فرض إقامة مشروعات معيَّنة في دول الطريق كالتطبيع مع إسرائيل -وذلك في البداية فقط- لذا من الأفضل أن يتم ذلك بالتنسيق وحثِّ الدول على تبنِّيها للمشروع، وليس فرضها عليها كأمر واقع. فالأمر يجب ألَّا يظهر وكأنه مرتبط بنهج طريق إبراهيم -كشرط للتنفيذ- تفاديًا لأي توتُّرات سياسية، على أن يكون التطبيع أمرًا لاحقًا، وأن يتم تدريجيًّا خلال الأنشطة المستقبلية للمسار.

6− ملكية الطريق؛ أي من يملك الطريق ويتحكَّم فيه: هل للقدماء؟ أم لأصحاب المبادرة؟ أم لسكان الإقليم الذين لا يعلمون شيئًا عنه؟ أم لمن يسير على الطريق؟ أم لأبنائهم؟ أم للأجيال المستقبلية؟… وتوصَّل رعاة الفكرة إلى أن لقادة كل مجموعة صغيرة تسير على الطريق مكانة خاصة، علاوة على المسافرين الأوائل حيث سيكونون سفراء باسم الطريق ووجودهم مهمٌّ في تطوير الطريق والمبادرة ذاتها إلى حين مناقشة قضية ملكية أرض المسار على نحوٍ أوسع بعد اكتمال المشروع.

لمواجهة هذه التحديات وُضعت خطة تنفيذية على الأرض للتصدي لها والتعجيل بظهور المسار إلى أرض الواقع؛ بدأت بزيارات متكررة من وفود الدول على مسار الطريق شملت دول المرحلة الأولى.

ففي عام 2006 نُظمت زيارات لوفود من 10 دول حُرص خلالها على الترويج الإعلامي للزيارة. وفي الوقت عينه بدأت عملية التفاوض مع حكومات الدول لنشر المفهوم للحصول على الدعم السياسي للمسار. كما استُكشفت الجماعات المحلية والقيادات الدينية الممكن الاعتماد عليها خلال تنفيذ الطريق وتم تحديد فريق عمل بكل دولة من دول المسار. ومثَّل عام 2007 بداية مأسسة المسار من طريق إنشاء مؤسسة «مبادرة طريق إبراهيم» كمبادرة أهلية تحت مظلة جامعة هارفارد.

ومن المهم الإشارة إلى أن أصحاب المبادرة ذكروا في وثائقها أن الغرض من الارتباط بهارفارد هو تكوين سمعة جيدة للمبادرة بوصفها أكبر جامعة في العالم ولها وضعها واحترامها وصدقيَّتها وتحظى بالثقة، وهو ما يمثِّل مقاومة كبيرة للمخاوف الأولى التي طُرحت خلال بداية دراسة جدوى الطريق.

وفي هذا السياق، اختير الكيان كمؤسسة غير حكومية لا ترتبط بالإدارة الأمريكية إداريًّا، التي يعترض الكثير على دورها السياسي والعسكري في المنطقة نتيجة دعمها المستمر لإسرائيل وغزوها العراق وأفغانستان؛ وبخاصة أن المؤسسة تحتاج ليس إلى الدعم الحكومي فحسب، بل إلى الدعم الشعبي وتعاون المجتمعات المحلية بالأساس أيضًا، الأمر الذي يحتاج إلى الظهور بشكل محايد ومقبول أمام الدول المستهدفة.

في هذا الإطار، أعلنت المؤسسة عدم تبنِّيها لأية رؤية سياسية أو انحيازها ضد أحد الأطراف في الصراعات الدائرة، وذلك لتضمن القبول المجتمعي لها وعدم التخوُّف من التعاون معها، بل ودعمها. فأعلنت هويتها كمنظمة «غير سياسية وغير طائفية مفتوحة أمام الجميع من دون تمييز، تكرِّم جميع الثقافات والأديان وتحترمها. فمهمَّتها ليست خلق مسار جديد بالمنطقة، بل مساعدة الناس على إعادة اكتشاف مسار قديم… فترفع شعار «نحن ببساطة نزيل الغبار عن خطى قديمة» لتؤكِّد أن هدفها بالأساس هو إحياء التاريخ المشترك وبناء الثقافة التاريخية المشتركة لأتباع الأديان الإبراهيمية».

وقد نجحت الجهود الأمريكية في ربط مسارات الحج المشتركة بمفهوم السلام الديني العالمي ورحلة النبي إبراهيم عليه السلام. وهذه الرحلة المذكورة تشمل دول مخطط أرض إسرائيل الكبرى وطريقها، حيث عَبَرَ إبراهيم من أور حتى مصر وفقًا لليهودية والمسيحية ووصل إلى مكة وفقًا للإسلام. وهذه المسيرة إذا تكاملت فستمتد من النيل إلى الفرات بالفعل.

  • مراكز ومؤسسات أو برامج الدبلوماسية الروحية

مثَّل مطلع الألفية التوجُّه إلى مأسسة هذا الفكر المتعلِّق بالمشترك الإبراهيمي في هيئات ومؤسسات عاملة على الأرض، ويمكن اعتبار هذه المنظمات قائمة على الإيمان (Faith Based Organizations)، لكنها أشمل من الروحية، حيث تمثِّل الأخيرة أحد أنواعها، وتتألَّف من فاعلين من غير الدول كالمنظمات غير الحكومية، والعمال والقادة الدينيين والأفراد.

فهي مؤسسات دينية بارعة في حلِّ المشكلات التي لا يمكن للدبلوماسية العلمانية فهمها، مثل المصالحة التي تتم بواسطة معهد المصالحة في كشمير. ومثل هذا النوع من الدبلوماسية التي تمارسها هذه المؤسسات يجعل من الممكن عقد حوارات حول مفهوم البيئة الآمنة.

ومن أمثلة تلك المنظمات: المركز العالمي للدبلوماسية الروحية وهو مؤسسة أمريكية تعمل خارج أرض الولايات المتحدة في جزيرة برمودا، وشبكة أمريكا الشمالية للعقائد (North American Interfaith Network)، ومنظمة الأديان من أجل السلام بالولايات المتحدة، ومركز شارلوتسفيل المجتمعي، ومركز سانت إيثلبورغا للمصالحة والسلام في لندن وهو مركز مكرَّس لاستكشاف العلاقة بين الإيمان والصراع، ومشروع “الأرض الجديدة” وهو برنامج مشترك للتحالف اليهودي التقدُّمي ومجلس الشؤون العامة الإسلامية في لوس أنجلوس، ومبادرة الأديان المتحدة (URI) التي تأسَّست في عام 2000 ترفع شعارات التعاون بين الأديان وإنهاء العنف بدوافع دينية، وكلية العلاقات المسكونية والأديان بجامعة إنديانابوليس التي تقوم بتدريس مقرَّرات تدعو للفكر المطروح، ومعهد أبناء إبراهيم التابع لجامعة فيرجينيا وقد تمَّ تأسيسه في عام 2007، وبرنامج كامبردج للأديان بجامعة كامبردج والذي يركِّز على الهويات الأساسية لليهودية والمسيحية والإسلام في العالم المعاصر.. وتوجد مؤسات أخرى غيرها، وهي مؤسَّسات من الواضح تنوُّعها، فهناك مؤسسات أقرب إلى أن تكون دينية، وأخرى أكاديمية تتبع جامعات مرموقة، وفئة ثالثة مجتمعية.. إلخ.

ثانيا- نموذج لمؤسسات طرح المشترك الإبراهيمي

بعد استعراض أهم ما جاء في كتاب (الدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمي) نقدم في السطور التالية نموذجًا لإحدى المؤسسات التي تدعو إلى اتحاد المجتمعات الإبراهيمية مستعرضين ما تقدمه من أنشطة وفعاليات.

المؤسسة المتَّخذة كنموذج هي مؤسسة اتحاد تراث إبراهيم Abrahamic Reunion (وهذه هي الترجمة التي تتبنَّاها المؤسسة للمقابلة بين النصين العربي والإنجليزي لاسمها)، وقد تأسَّست في عام 2004 كما تقول عبر موقعها على الإنترنت، وتزعم أنها تهدف إلى التغلُّب على مشكلة التمييز والفصل العنصري في إسرائيل وفلسطين من خلال الجمع بين مجموعات صغيرة إلى كبيرة من الناس من الديانات الأربع الرئيسية –بحسب رؤية المؤسسة- وهي (الإسلام والمسيحية واليهودية والدرزية) لقضاء بعض الوقت، والعمل، والدراسة معًا وخلق جو من الثقة والتفاهم. الفرضية الأساسية هي أن الدين قد استخدم لتقسيم الناس في الأرض المقدسة ويمكن استخدامه أيضًا كقوة للجمع بين الناس مع احترام وجهات النظر والثقافات المتباينة. لم تنجح محاولة تقديم حلٍّ سياسي دون الحصول على دعم الشعب لمدة 70 عامًا، وقد أزالت المؤسسة -إدراكًا لذلك- نفسها من أي موقف سياسي.

في جميع أنحاء إسرائيل وفلسطين، تقول المؤسسة إنها جلبت اليهود إلى المساجد، والمسلمين إلى المعابد، والمسيحيِّين إلى الأضرحة الدرزية، والدروز إلى الكنائس. ومنذ عام 2006، أقامت حفل إفطار رمضاني سنوي متعدِّد الأديان، ومنذ عام 2018 عقدت المؤسسة ثلاث قمم سلام جمعت المئات. ومن خلال من تسمِّيهم صانعي السلام في اتحاد تراث إبراهيم، بات المعلمون اليهود يعملون الآن في المدارس العربية والعكس صحيح. كل هذه الجهود تهدم جدران الفصل التي تفصل بين أبناء إبراهيم في الأرض المقدسة وفق ادعاء المؤسسة.

تقول المؤسسة إن ميزانيتها في عام 2018 بلغت 220 ألف دولار أمريكي، وتدَّعِي أن لديها القدرة على التعامل مع ميزانية أكبر 10 مرات حال توفرها، لذا تدعو المهتمِّين إلى التبرع لها.

ويوجد للمؤسسة فروع ومكاتب في الأراضي المحتلة والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وكندا.

  • ما الذي تقوم به هذه المؤسسة من أنشطة؟

تنشر المؤسسة على موقعها مقالات تتضمن رسائل بمضمون أهدافها، وكذلك صلوات مشتركة بين اليهود والمسيحيين والمسلمين والدروز، وتعقد لقاءات دعوية مختلفة، وبرامج تدريبية وورش عمل للشباب، بالإضافة إلى الرحلات المشتركة بين أتباع الديانات الإبراهيمية، والاحتفالات المشتركة بالأعياد والمناسبات الدينية المختلفة لكل دين، مثل رمضان وعيد الفصح، وإقامة الصلوات المشتركة سواء يومية أو لمناسبة معينة، وهي عبارة عن أدعية ونصوص تُجمع من بنات أفكار أصحابها وتُمزج مع بعض النصوص والأذكار الدينية في الكتب المقدسة. وقد فرضت جائحة COVID-19 انتقال المؤسسة إلى الفضاء الافتراضي لممارسة أنشطتها التي كانت تقوم بها على الأرض، فصارت تقوم بعقد لقاءاتها وبرامجها وصلواتها المشتركة من خلال برامج وتطبيقات التواصل المرئي على شبكة الإنترنت، وهذه النشاطات تحرص المؤسسة على توثيقها ونشر مواد عنها بموقعها بشكل منتظم حتى وقت كتابة التقرير[6].

عقب العدوان الإسرائيلي على غزة في مايو 2021 كتب محمد أبو جاموس وهو المدير الفلسطيني للمؤسسة مقالًا يعبِّر فيه عن ما يشعر به من ألم جرَّاء وقوع هذه الحرب، ولكن الحرب هنا هي أمر واقع لا يوصف فيه طرف بأنه معتدٍ وآخر بأنه معتدًى عليه، ولكن هناك طرف يضم المحاربين، وطرف آخر يضم الأطفال الباكين والنساء الحاميات لهم الذين ينتظرون توقف هذه الحرب حتى تنبت الأزهار مرة أخرى في حقول السلام[7].

ومن ثمَّ فإن الحقوق هنا ليست محلًّا للنقاش في رؤية هذه المؤسسة وأمثالها، ولكن المطلوب أن نتناسى الماضي بل والحاضر وننظر بواقعية إلى الأمام، وحيث إن هذا النظر لن يترتب عليه إلا مزيدًا من السيطرة والهيمنة الصهيونية فلا بأس من الترويج له وتمويل أنشطته والسماح له بالانتشار.

القسم الثالث- التفاعل مع الدعوة إلى المشترك الإبراهيمي

تفاوتت الاستجابات للدعوة إلى المشترك الإبراهيمي التي تصل إلى الدعوة إلى دين يسمَّى الدين الإبراهيمي، إلى اتجاهين: أحدهما مقاوم للفكرة ومعارض لها، والآخر مستجيب ومؤيِّد لها، ونستعرض كلا الاتجاهين فيما يلي:

أولا- المقاومة والمعارضة

قامت جهود متعدِّدة لمواجهة هذه الدعوة عبر كتابات مثل الكتاب الذي تمَّ عرضه في الجزء الأول من هذا التقرير، فضلًا عن مقالات في المواقع الإلكترونية والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى المقاطع المصورة على موقع YouTube وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي[8].

ومن النماذج المهمة لجهود مواجهة طرح الديانة الإبراهيمية: مؤتمر “موقف الأمة الإسلامية من الديانة الإبراهيمية”[9].

نظَّمه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالتعاون مع رابطة علماء السنة ورابطة علماء المغرب العربي مؤتمرًا افتراضيًّا عبر تطبيق ZOOM في 9 رجب 1442هـ/ 21 فبراير 2021م، وأداره الشريف الحسن الكتاني رئيس رابطة علماء المغرب العربي، وشارك فيه مجموعة من العلماء من 16 دولة إسلامية؛ منهم مفتي القدس د. عكرمة صبري، ود. علي القره داغي الأمين العام للاتحاد العلمي لعلماء المسلمين، ود. محمد الحسن الددو من موريتانيا، ود. محمد العوضي من الكويت، ود. سلمان الحسيني الندوي من الهند، ود. عبد الحي يوسف من السودان، ود. عبد الوهاب إكينجي من تركيا، ود. عبد الستار الجنابي من العراق، وغيرهم من ليبيا وتونس ومصر وأستراليا وإندونيسيا والسنغال..إلخ.

وقد فنَّدَ هؤلاء العلماء في كلماتهم تلك الدعوة، واعتبارها فخًّا للسيطرة على المنطقة بطرق خبيثة، بدعوى التعايش بين الديانات الثلاث، وفي الحقيقة يُراد بذلك السيطرة على المنطقة وتمييع عقائد المسلمين وإفساد دينهم عليهم، وإهدار حقوقهم في مقدَّساتهم كما في القدس والمسجد الأقصى.

وفي البيان الختامي للمؤتمر تمَّ التأكيد على أن القرآن الكريم هو أعظم كتابٍ احتفى بإبراهيم عليه السلام، وأن علماء المسلمين مع التعاون الإنسانـي، والتعايش القائم على الحرية والعدل، وعدم ازدراء الأديان أو الأنبياء، ومع الحوار الإنسانـي لبناء المجتمعات، ولكنهم يقفون متحدين ضد تحريف الإسلام، وتشويه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كما أن السعي لدعم «اتفاقيات إبراهيم» للتطبيع والتَّركيع عَبْر تسويقٍ لدينٍ جديدٍ يؤازر التطبيع السياسي هو أمر مرفوض شكلًا وموضوعًا، وأصلًا وفرعًا؛ ذلك أن الأمة المسلمة لم تقبل بالتطبيع السياسي منذ بدأ أواخر السبعينيات من القرن الميلادي الفائت، ولن تقبل اليوم من باب أَوْلَى بمشاريع التطبيع الديني، وتحريف المعتقدات[10].

خرجت أصوات تهاجم هذا المؤتمر من جانب شخصيات ومؤسسات تابعة للدول والجهات التي تروِّج للمشترك الإبراهيمي؛ فمن جانبه قال وسيم يوسف، وهو أردني إماراتي يتبنَّى دائمًا تأييد المواقف الإماراتية الرسمية في برنامجه “بيوت من زجاج”، إن المؤتمر يحاول “تشويه ثقافة التعايش الديني الذي تقوده دولة الإمارات العربية المتحدة”. ودافع عن “البيت الإبراهيمي” الذي شيدته الإمارات ويضم مسجدًا وكنيسة وكنيسًا في مكان واحد. كما هاجم العلماء المشاركين في المؤتمر متهمًا إيَّاهم بأنهم هم من أفتوا لداعش، وأفتوا للثورات، وأفتوا بنحر الأعناق، وأفتوا بالخروج على السلطان[11].

بدوره قام موقع قناة الحرة الأمريكية بنشر مقال لكاتب سوداني يُدعى منصور الحاج، ينعى فيه على منظِّمي المؤتمر اعتباره فكرة «الدين الإبراهيمي» فكرة باطلة، وقَرَنَ موقف العلماء المجتمعين فيه بموقف تنظيم الدولة “داعش” الذي اعتبر فيه الإبراهيمية “ديانة الكفر والإلحاد الجديدة”، وقال إن هذا التوافق بين الفريقين لم يحدث صدفة، لأن المشتركات بينهم أكبر من الاختلافات.

وبعد أن قال إن “الديانة الإبراهيمية” هي ادِّعاء باطل لا وجود له، قال: ولو افترضنا جدلًا وجود دين جديد يجمع بين الإسلام والمسيحية واليهودية، فما الضير في ذلك؟ بل على العكس، فإنها لَفكرة إيجابية تستحق أن يُحتفى بها، لأنها تسعى لنشر السلام والتسامح والتعايش السلمي في العالم وتهدف إلى القضاء على التطرف الديني.

وقال: لو كانت “الديانة الإبراهيمية” دينًا، فإن من الأولى لأتباع الديانات الثلاث اعتناقها، ليس فقط لكونها تؤسِّس لمستقبل أفضل لبني البشر على كوكب الأرض، وهو أمر يسعى له العقلاء من جميع الأديان بل أيضًا لسبب برجماتي قد يستفيد منه حتى من يحرصون على النجاة في الآخرة، وهو أن معتنق الديانة الإبراهيمية يؤمن برب الإسلام ورب اليهودية ورب المسيحية؛ وبالتالي فإنه يرفع حظوظه في الخلود في النعيم إلى ثلاث مرات مقارنة بمن يؤمنون فقط بدين واحد، فهم يراهنون على فرصة واحدة فقط للنجاة[12]!

ثانيًا- الاستجابة والتأييد

من الشخصيات الحاضرة بقوة في مشهد المشترك الإبراهيمي يبرز اسم الشيخ عبد الله بن بيه، رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة ورئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي؛ حيث يحرص على تأكيد أهمية أدوار أتباع أديان العائلة الإبراهيمية في نشر قيم السلم وتعزيزه في العالم. وأن أبناءَ العائلة الإبراهيمية يتشاركون في الرواية الأصيلة للقيم والفضيلة وأصول الأخلاق التي تؤسِّس للسلام والتعايش بين مختلف الشعوب، وقال إنه من هذا المنطلق فقد قام منتدى تعزيز السلم، وبالتعاون مع قيادات دينية من أنحاء العالم بوضع الأسس لصناعة تحالف أخلاقي بين ديانات العائلة الإبراهيمية الثلاث بكل فصائلها ومذاهبها، وبمشاركة محبِّي الخير من أبناء العائلة الإنسانية الكبرى ويسعى هذا الحلف، الذي اختار اسم حلف الفضول الجديد، إلى التعايش السعيد في هذا العالم الذي نعيشه اليوم، باعتباره ضرورة وواجبًا دينيًّا تدعو إليه جميع الديانات.

وأشار إلى أن “ميثاق حلف الفضول الذي أصدرته العائلة الإبراهيمية السنة الماضية (2019) في أبوظبي يمكن أن يشكّل مرجعية قوية للانطلاقة الجديدة، فقناعتنا أن ميثاق حلف الفضول ليس مجرَّد مبادئ نظرية، لا فاعلية لها، بل تجب ترجمته وبلورته في منهج عملي وبرنامج تطبيقي”[13].

وكذلك كتب الدكتور رضوان السيد مؤيِّدًا الدعوة قائلًا: ما دَخَلَ المشتركُ الإبراهيمي أو العهد الإبراهيمي بين الديانات الثلاث في دبلوماسية الدول وخطابها في السياسة الخارجية حقًا إلا في السنوات الأخيرة، من جانب دولة الإمارات العربية. وتساوقَ ذلك بالتأثير أو العمل المشترك مع دعوة الأزهر ومجلس الحكماء ومنتدى تعزيز السلم – من رفْع لواء التسامح والتعارف إلى الدخول من طريق المشترك الإبراهيمي، إلى وثيقة الأخوة الإنسانية بين شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان (4 فبراير 2019)، إلى ميثاق حلف الفضول الجديد من جانب منتدى تعزيز السلم، ورئيسه الشيخ عبد الله بن بيه، عام 2019 أيضًا. وقد انطلق كلا الإعلانين من أبوظبي كما هو معروف.

وبالرغم من تصريحه بأنَّ الدبلوماسية الروحية أو الدينية (وليس الإبراهيمية) استخدمت بعد عام 2001 بكثافة، لكنها كانت اشتراطية اعتذارية، وربما استبعادية، وليست بقصد الجمع والضمّ والاعتراف المتبادل أو التعارف، فإن الدكتور رضوان يستدرك في النهاية قائلًا: ما كان صحيحًا في الماضي، وليس صحيحًا اليوم: اعتبار المشترك الإبراهيمي خطابًا استعماريًّا لأنَّ فلانًا أو عِلانًا من الأميركيين وغيرهم ذكره أو خطب فيه أو دعا إليه. فالمسلمون عانوا، كما عانى دينهم، من الاستبعاد لعصورٍ متطاولةٍ، من جانب المسيحية المسيطرة بالذات. وزادت الطين بلّة تيارات التطرف والإرهاب. فنحن باعتبارنا بشرًا، وباعتبارنا أهل دين عالمي، وباعتبار ديننا جزءًا من كرامتنا وإنسانيتنا، لدينا مصلحة كبرى في هذا الاعتراف المتبادل الذي يقود الدعوة إليه وإلى إحقاقه البابا فرنسِس، وتنخرط فيه من الجانب الإسلامي مؤسسات دينية كبرى ومدنية بارزة وجهات سياسية معتبرة. وما من شيء من ذلك فيه «تقليد» للاستعمار، ولا عملٌ له. فكفانا أوهامًا وفصاميات؛ لا نريد أن نخاف من العالم، ولا أن نخيفه، بل نريد أن نكون ونبقى جزءًا في حاضره ومستقبله[14].

تتردَّد أصداء هذه الدعوة كذلك في مقال نشره موقع قناة العربية السعودية، إذ يقول كل من البروفيسور لورد ديفيد ألتون والدكتور وائل العجي في مقالهما: إن العائلة الإبراهيمية تتألَّف من أكثر من ثلاثة مليارات مؤمن، ترغب أغلبيتهم الساحقة في العيش بسلام وتوافق، وقد حان الوقت للشخصيات الحكيمة والعاقلة من كل الأطراف لتتلاقى، وترفع صوتها لتتحدَّى وتفكِّك خطاب التطرُّف والكراهية، وتسترجع الأديان الإبراهيمية من أيدي الأشخاص والجماعات التي تستغلها لتحقيق مكاسب وأطماع سياسية، مغذية بذلك نظريات صراع الحضارات.

ويضيفان: إن المبادرات التي ظهرت مؤخرًا في أنحاء مختلفة من العالم تدعو للتفاؤل، فمن السعودية والأردن ومصر والإمارات والعراق وإسرائيل والفاتيكان نشهد عددًا من المبادرات والأفكار التقدُّمية في هذا المجال، ومحاولات واعدة للحوار وتحقيق السلام.

وثمَّنَا على وجه الخصوص الزيارة غير المسبوقة التي قام بها رئيس رابطة العالم الإسلامي الشيخ محمد بن عبد العزيز العيسى لمعسكر الاعتقال النازي في أوشفيتز في بولندا على رأس وفدٍ ضمَّ ٦٢ عالمًا مسلمًا من ٢٨ دولة إسلامية مختلفة. كما شارك وفد رسمي من اليهود الأميركان في تلك الزيارة أيضًا[15].

خاتمة

بعد استعراض ما سبق من معلومات عن فكرة المشترك الإبراهيمي التي يطوِّرها البعض إلى ديانة جديدة تسمَّى الديانة الإبراهيمية، فإننا يمكن أن نسجل عددًا من الملاحظات على النحو التالي:

فكرة المشترك الإبراهيمي ليست جديدة، بل تعود جذورها إلى عقود طويلة، طُرحت فيها الفكرة وباتت محلًّا للتنفيذ عندما تبنَّتها دوائر سياسية بعد اقتناع بجدواها وتهيئة الظروف المناسبة لها سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا في المنطقة العربية.

فالتربة السياية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للمنطقة العربية تمَّ حرثها مرات عديدة خلال هذه الفترة بعد عددٍ من الحروب وإسقاط عددٍ من الأنظمة وإجراء تغييرات في بيوت الحكم، وخلق واقع اقتصادي جديد مرتبط أكثر من ذي قبل بالاقتصاد العالمي، وإجراء تجارب متعدِّدة في المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، فيما يتعلَّق بالأسرة والتربية والتعليم والمشروعات الاقتصادية والمناخ السياسي الذي تم إضعاف القوى المدنية الفاعلة فيه، ومن ثم اضطرار السلطات الحاكمة للاعتماد على تأييد ودعم خارجي لا شعبي، ممَّا يسهِّل تمرير المخططات الرامية لتغيير الوضع في المنطقة لصالح إسرائيل وهيمنتها على المنطقة.

فقبل أن تتغيَّر خطط تسريع عملية التطبيع من منظور المشترك الإبراهيمي التي كان يعمل على الإسراع بها ترامب ونتنياهو أملًا في بقائهما مدة أخرى في السلطة، كان قد تم إنشاء «صندوق إبراهيم» بقيمة 3 مليارات دولار لخدمة أهداف هذه الاتفاقيات مما يساعد على الاقتناع والتمسُّك بها من جانب الدوائر السياسية والاقتصادية العربية، لكن مع وصول جو بايدن للسلطة وخروج ترامب من البيت الأبيض، يبدو أن هذا الصندوق توقَّف، حيث استقال أرييه لايتستون، الذي عيَّنته إدارة ترامب لإدارة الصندوق، ولم يتم تعيين بديل. في الوقت نفسه، أثيرت تساؤلات حول شفافية الصندوق، ومقره في إسرائيل، وهل تم تسييسه أم لا؟

وبغض النظر عن موقف إدارة بايدن فإن الشاهد هنا مدى الاستجابة لبعض الدوائر العربية المستفيدة من عملية التطبيع، فبحسب “تايمز أوف إسرائيل” فإنه تم تقديم أكثر من 250 طلبًا إلى الصندوق في الفترة ما بين أكتوبر/تشرين الأول 2020 إلى يناير/كانون الثاني 2021، بما في ذلك شركات خاصة ومبادرات شبه عامة في الإمارات العربية المتحدة والأردن والبحرين ومصر وأماكن أخرى في المنطقة، كان بعضها مشاريع مشتركة ثنائية. تم اختيار خمسة عشر مشروعًا في نهاية المطاف وإرسالها إلى مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية DFC في واشنطن للموافقة عليها، وفقًا للمصادر[16].

وبالرغم من تراجع إدارة بايدن عن استخدام هذا المصطلح على هذا المستوى الذي استخدمه فيه ترمب، باعتبار المصطلح علامة تجارية للرئيس السابق[17]، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن هناك تراجعًا عن الفكرة، ولكن ربما كان ترمب متسرِّعًا كعادته في حرق المراحل، أملًا في إعادة انتخابه، وفريقه لا يزال يحاول الحفاظ على مكتسبات إدارته وتهيئة الأرض في المنطقة استعدادًا لعودة محتملة بعد رحيل إدارة بايدن، إذ تعاونت اثنتان من كبار المسؤولين السابقين في إدارة ترامب هما: فيكتوريا كوتس، التي شغلت منصب نائب مستشار الأمن القومي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وإيلي كوهانيم، نائبة المبعوث الخاص السابق لوزارة الخارجية لرصد ومكافحة معاداة السامية، في إنشاء مؤسسة فكرية تتمحور حول الشرق الأوسط لمكافحة معاداة السامية المتزايدة والعمل على توسيع السلام بين إسرائيل وجيرانها العرب. وذلك من أجل ضمان دعم الأعمال الأساسية التي أرستها «اتفاقيات إبراهيم» التي لعبت فيها كوتس دورًا مركزيًّا في تمهيد الطريق لإدارة ترامب للتوسُّط في اتفاق سلام تاريخي بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين، والحفاظ على التزام أمريكا تجاه إسرائيل ومحاربة معاداة السامية العالمية[18].

لا يعني تراجع إدارة بايدن عن نهج ترمب تأثر هذا الطرح سلبًا، فهو طرح تقوم عليه مؤسسات متخصِّصة وله إدارات ومكاتب مختصة بأروقة الإدارة الأمريكية وبالطبع الإسرائيلية ويتم تنسيق آليات تنفيذه مع العديد من الحكومات ودوائر السياسة والمال والأعمال في المنطقة وخارجها.

بالرغم من وقوف شيخ الأزهر في وجه دعاوى الاستسلام لإسرائيل أكثر من مرة وبشكلٍ علنيٍّ وبما يخالف توجُّهات النظام المصري في كثير من الأحيان، لكنه يبدو مندرجًا داخل عملية الترويج والتفعيل للطرح الإبراهيمي، الذي يبدو بابا الفاتيكان في طليعة المروِّجين له، الأمر الذي يُظهر البابا قائدًا لهذه الحركة وشيخ الأزهر تابعًا له فيها، فهو لا يبدو داعية لها، ولكنه مشارك في جزء من فعالياتها بشكلٍ رسمي، ويوفد ممثلين ومندوبين عنه في هيئاتها، فإذا كان شيخ الأزهر يرى في نفسه مقدرة على المناورة والصمود في وجه ما لا يريد في النهاية، فإن هذا الأمر لا يبدو متَّسقًا مع إدارته لمؤسسة ستتأثر في الغالب بمثل هذه الخطوات بعد رحيله عنها في يومٍ من الأيام، حين يترك لها واقعًا تجد نفسها فيه أسيرة لأطراف دولية تساهم في تمويل مشروعاتها ومرتبطة بشبكة من العلاقات على مستوى إقليمي ودولي، ومطلوب منها أن تستمر في الوفاء بما تمليه هذه العلاقات والشراكات ورغبات (أو اشتراطات) الأطراف المموِّلة، فمن الواضح أن شيخ الأزهر لا يدير المؤسسة بطريقة مؤسسية، وضمان استمرار الأزهر على مواقف شيخه، مرتبط بوجوده الشخصي على رأس المشيخة، لكن في حال غيابه فإن الأزهر سيتكيَّف على توجُّهات شيخه الجديد، وهنا مكمن الخطورة التي يجب أن تحجز شيخ الأزهر عن الاندفاع في إقامة علاقات خارجية يظن أنه قادر على التحكم في مآلاتها، لكن قد لا يملك من يأتي بعده هذه المقدرة، أو ربما لا تكون لديه رغبة في مقاومة هذه المآلات.

تبيَّن مما سبق أن المخططات والبرامج المنبثقة عن فكرة المشترك الإبراهيمي، تصب في النهاية في مزيد من الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة وقيادتها لها، كما يبدو مسار إبراهيم الذي يشمل عشر دول هو فرض واقع تدريجي يتبلور في النهاية تحقيقًا لحلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.

لا تبدو الصدمات التي تعرَّضت لها التيارات والمؤسسات والشخصيات ذات الحيثية الدينية بعيدةً عن التهيئة لمثل هذه الطروحات أو على أقل تقدير توفِّر بيئة خصبة لها، فالتشويه المتعمَّد للتيارات والمؤسسات والشخصيات ذات الحيثية الدينية، وكذلك الأخطاء التي يقعون فيها، ممَّا يؤدِّي إلى نفور أو خوف من التأثُّر بها والاستجابة لها، وهناك بالتوازي مع ذلك دفع نحو الإلحاد تبدو بوضوح ملامح الترويج له، وهو ممَّا يؤدِّي إلى الاستهانة بشأن الدين في النفوس، لكن هذا الوضع ممَّا لا يستقر معه الإنسان، خصوصًا في المجتمعات الشرقية، الأمر الذي قد يؤدِّي في النهاية إلى جذب فكرة المشترك الديني الإبراهيمي لهذه الشرائح المجتمعية التي باتت تنفر من الدين الذي تمَّ تشويهه بالنسبة لها، حيث تجد في تلك الفكرة ما يشعرها ببعض الراحة، حيث تنجذب إلى ما تنادي به من أفكار مجرَّدة عن السلام وخلاص من الصراعات التي غرقت فيها مجتمعاتنا عقودًا طويلة.

تبدد فكرة المشترك الإبراهيمي حقوق شعوب المنطقة في إدارة شؤونها السياسية والثقافية والاجتماعية كما تحول بينها وبين الانتفاع بثرواتها وتضعها تحت تحكم الطرف الأقوى القادر على إدارتها، وهذه القدرة لم تفقدها هذه الشعوب إلا بسبب الدعم الكبير الذي توفره القوى الكبرى للحكومات الموالية لها، لكن القدرة متوافرة حال تمتُّع هذه الشعوب بحريَّتها، أما الأنظمة الحاكمة فسوف تتراجع مكانتها وأدوارها تدريجيًّا حال تنفيذ برامج ومخططات المشترك الإبراهيمي، الذي يصل البعض به إلى اتحاد المنطقة فدراليًّا تحت اسم الولايات المتحدة الإبراهيمية.

يجب الاهتمام برفع الوعي بمثل هذه القضايا على مستويات متنوعة عليا ودنيا في دوائر المجتمع المدني، والتي يتم استغلالها في تنفيذ هذه المخططات بطريقة جزئية تتكامل مع أدوار أخرى لتحقق المطلوب دون شعور المشاركين أنهم جزء من مخطط أكبر ما كانوا ليوافقوا عليه لو طُرح بشكل كامل عليهم. ومن هذا المنطلق فإنه يجدر التنبيه إلى الاستغلال الذي يتم للتيارات الصوفية وللدوائر الاقتصادية وريادة الأعمال في مثل هذه المخططات.

تبدو الاستجابة لمثل هذا الطرح مستدعية لصراع المعسكرات المتصارعة في المنطقة؛ حيث تبدو المقاومة والمعارضة لطرح المشترك الإبراهيمي بشكل عام من نصيب التيارات الإسلامية والقومية، في حين تبدو أذرع التيارات المؤيِّدة للحكومات أكثر استجابة لمثل هذا الطرح والانتفاع منه. يعد طرح المشترك الإبراهيمي بهذه الآليات السياسية والدبلوماسية والأكاديمية التي تقف خلفه تأكيدًا على تعاظم دور الدين في هذه المجالات، خاصة المجال الدبلوماسي، فقد كان هذا التقدير للدين كطرف إيجابي أحد العوائق لدى الدبلوماسيِّين الغربيِّين، فقد كانت معظم مبادرات السياسة الخارجية خالية من السياق الديني، ومن شأن هذا النقص أن يحدَّ من نطاق الفاعلية الدبلوماسية[19].

__________________

الهوامش

[1] للمزيد، انظر:

– «بيت العائلة الإبراهيمية».. أبوظبي تعلن بناء مجمع ديني يضم مسجدًا وكنيسة وكنيسًا، عربي بوست، 25 سبتمبر 2019، تاريخ الاطلاع: 11 يونيو 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3hdu4XG

– Abu Dhabi unveils plans for mosque, church and synagogue on one site to promote ‘human fraternity’ in building project inspired by Pope’s visit to UAE, Daily Mail, 25 September 2019, accessed: 11 June 2021, available at: https://bit.ly/3dBVPqM

– Abrahamic Family House, The Higher Committee of Human Fraternity, accessed: 11 June 2021, available at: https://bit.ly/3ykFeQ4

– Cherine Abdel Azim, Al-Azhar grand imam, Pope Francis review designs of Abu Dhabi’s Abrahamic Family House, Ahram Online, 16 November 2019, available at: https://bit.ly/2SQyxXa

[2] نص خطاب بومبيو في الجامعة الأمريكية بالقاهرة: مصر أرض الكفاح، CNN بالعربية، 11 يناير 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://cnn.it/3qPISPq

[3] انظر:

– أحمد الفقي، الدبلوماسية الروحية والغزو الإبراهيمي، الجزيرة.نت، 14 مارس 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3jHAZu6

– Devin Watkins, Pope urges Abrahamic religions to pursue path of peace in Iraq, Vatican News, 6 March 2021, available at: https://bit.ly/3yn22iu

[4] انظر:

– حماده الشوادفي، تعرف على مشروع التجلي الأعظم.. 14 إنجازا لتطوير المدينة الروحانية، الوطن، 7 يونيو 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3jFkjDf

– أحمد حسن، مشروع “التجلى الأعظم” بمدينة سانت كاترين أحدث مشروعات الإسكان بسيناء، اليوم السابع، 6 ديسمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/2Unl9tI

[5] هبة جمال الدين محمد العزب، ‫الدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمي : المخطط الاستعماري للقرن الجديد، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2021، نسخة إلكترونية من Kindle، متاحة عبر الرابط التالي: https://amzn.to/3jF0Fr3).

والكتاب له مختصر أو أصل عبارة عن دراسة للباحثة بعنوان: الدبلوماسية الروحية: مسار جديد ومخاطر كامنة وسياسات بديلة لصانع القرار، مجلة مستقبل التربية العربية، المجلد 26، العدد 116، يناير 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/2V4WyKN

[6] انظر موقع مؤسسة اتحاد تراث إبراهيم، متاح عبر الرابط التالي: https://www.abrahamicreunion.org/about-us/

[7] Mohamad Jamous, Speaking From the Heart, The Abrahamic Reunion, 10 June 2021, available at: https://bit.ly/3jF0Sul

[8] لنماذج مقاومة هذا الطرح، انظر:

– الديانة الإبراهيمية في ميزان الدين الإسلامي للدكتور عبد القادر الحسين، مقطع مصور على موقع Youtube، 10 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://youtu.be/C9o65i80yOg

– المخطط إلابراهيمي والولايات المتحدة الإبراهيمية، لقاء على قناة فلسطين مع الدكتورة هبة جمال الدين على موقع Youtube، 2 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://youtu.be/qRneSp8DDlA

– الإبراهيمية دين جديد يعيد رسم خريطة الشرق الأوسط، لقاء مع د. هبة جمال الدين على قناة نعرف | Ne3raf على موقع YouTube، 29 أغسطس 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://youtu.be/pTVuo5EPJ54

– وسيم يوسف | الدين الجديد | الدين الإبراهيمي، مقطع مصور للداعية عبد الله رشدي على قناته على موقع YouTube، 1 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://youtu.be/iUpZlGUw1JQ

– الديانة الإبراهيمية من الألف إلى الياء، مقطع مصور على قناة على بصيرة على موقع YouTube، 5 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://youtu.be/vf-OzeJZZhE

– الإبراهيمية، الدين العالمي الجديد وإستراتيجية أمريكا للشرق الأوسط، مقطع مصور للدكتور رائف حسين على قناته “قف وفكر Raif Hussein” على موقع YouTube، 17 سبتمبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://youtu.be/FxANBsIT_Z0

[9] مؤتمر موقف “الأمة الإسلامية من الديانة الإبراهيمية” بمشاركة علماء من عشرين دولة، تسجيل مصور للمؤتمر على موقع YouTube، 21 فبراير 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://youtu.be/oevFJ41Q-QE

[10] البيان الختامي لمؤتمر موقف الأمة الإسلامية من الديانة الإبراهيمية، رابطة علماء أهل السنة، 25 فبراير 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://www.rabtasunna.com/7837

[11] وسيم يوسف يهاجم مؤتمرا حول موقف الأمة من الديانة الإبراهيمية، عربي 21، 20 فبراير 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/2TxifTk

[12] منصور الحاج، تحالف الجهاديين ودعاة الكراهية ضد السلام والتسامح، قناة الحرة، 25 مارس 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://arbne.ws/3hvvN9Y

[13] انطلاق مؤتمر “دور العائلة الإبراهيمية في تعزيز السلام”، العين الإخبارية، 28 أكتوبر 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3yfzDuk

[14] رضوان السيد، الدبلوماسية الدينية والمشترك الإبراهيمي، الشرق الأوسط، 16 أبريل 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/2Uq7W3i

[15] البروفيسور لورد ديفيد ألتون والدكتور وائل العجي، الأديان الإبراهيمية: دعوة للوحدة وليس للصراع، العربية، 22 أبريل 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3xhMRXt

[16] خير الدين الجابري، المشروع اختفى والمليارات تبخرت.. ما حكاية “صندوق أبراهام” الذي وعد ترامب الدول المطبعة مع إسرائيل به؟، عربي بوست، 4 مارس 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3jAvHAu

[17] Adam Kredo, State Department Shuns Term ‘Abraham Accords’, The Washington Free Beacon, 4 June 2021, available at: https://bit.ly/3dIjRAr

[18] Adam Kredo, Former Trump Officials Launch Mideast Think Tank, The Washington Free Beacon, 30 June 2013, available at: https://bit.ly/36fZlms

[19] انظر في ذلك: ألن كيسويتر والأسقف جون شاين، الدبلوماسية والدين: البحث عن مصالح مشتركة والانخراط في عالم من الاضطرابات والتغيُّرات الديناميكية، (الدوحة: مركز بروكنجز، أكتوبر 2013)، ص 7، متاح عبر الرابط التالي: https://brook.gs/3hBnpWr

فصلية قضايا ونظرات- العدد الثاني والعشرون ـ يوليو 2021

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى