التقنيات السيبرانية والسيطرة على السوق: من ينتج ومن يستهلك؟

مقدمة:

أصبحت شركات التكنولوجيا في العقد الأخير هى المحرك المهيمن على النمو الاقتصادي في العالم، كما أنها المتحكمة في أذواق المستهلكين وفي معظم الأسواق المالية أيضًا، ذلك أن التكنولوجيا أضحت الآن هى وسيلة الناس الأولى في التواصل وتبادل المعلومات والتسوق والعمل وإنشاء العلاقات الاجتماعية. وعلى نطاق واسع، تتشارك الشركات العاملة في قطاع التكنولوجيا في البحث والتطوير وتصنيع السلع والخدمات القائمة على التكنولوجيا، فهي تقوم بإنشاء برامج، وتصميم وتصنيع أجهزة الكمبيوتر، والأجهزة المحمولة، والأجهزة المنزلية، كما أنها تقدم منتجات وخدمات تتعلق بتكنولوجيا المعلومات؛ وهذا ما جعل واحدًا من أهم الحروب والصراعات الاقتصادية والتجارية العالمية في هذا القرن هي حرب صناعة التكنولوجيا بين الشركات في العالم، وعلى وجه الخصوص بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.

يتمثل الصراع في سوق التكنولوجيا الآن بين أكبر دولتين اقتصاديتين في العالم؛ الولايات المتحدة والصين، ويتركز في مجال الذكاء الاصطناعي وشبكات الهاتف المحمول فائقة السرعة من الجيل الخامس وغيرها من التقنيات، وتحاول العديد من الدول دخول المنافسة في هذا السوق، كالهند وكوريا الجنوبية واليابان وروسيا وتركيا، إلا أن الهيمنة لا تزال في يد الشركات التابعة للولايات المتحدة وتنافسها الشركات الصينية.

ويرى الكثير من المحللين أن شركات التكنولوجيا أضحت في ظل الصراع الحالي بين الاقتصادات الكبرى، قطاعات وطنية تركز على مصلحة دولها أكثر منها جهات عالمية لا تنتمى لدولة بعينها، وبهذا نجد أن الخمس شركات الكبرى في تقنيات التكنولوجيا -وإن كانت شركات عالمية- إلا أنها أمريكية بالأصل، وتدافع عن مصالح الولايات المتحدة أمام خصومها ومنافسيها، بل وتسعى لاحتكار السوق العالمي للتكنولوجيا لصالحها بكافة السبل الممكنة.

وعليه فإننا نبحث في هذه الورقة في صراع عمالقة التكنولوجيا في السوق العالمي، ومحاولات الاحتكار التي تقوم بها الشركات الكبرى المهيمنة على السوق، على الدول المستهلكة التي لا تنتج، وحُصر تعاملها مع التكنولوجيا في الاستهلاك فقط.

أولًا- ملامح الصراع العالمي في سوق التقنية:

هيمنة أمريكية

تهيمن على سوق التكنولوجيا العالمي خمس شركات أمريكية كبرى يُطلق عليها اختصارًا (GAFAM) وهي شركات: جوجل، وآبل، وفيس بوك، وأمازون، ومايكروسوفت. هذه الخمس هي صاحبة الحصة الأكبر من سوق التقنية العالمي، وتتجاوز القيمة السوقية لها الناتج المحلي الإجمالي لدولة كبرى اقتصاديا مثل اليابان[1]. كما أن القيمة السوقية الحالية لأسهم هذه الخمس تبلغ 9.3 تريليون دولار؛ وهي أكثر من قيمة الـ27 شركة الأمريكية التالية الأكثر قيمة مجتمعة؛ بما في ذلك شركات عملاقة مثل: تسلا، ووول مارت، وجي بي مورغان تشيس[2].

تعمل تلك الشركات الخمس جاهدة على الاستحواذ واحتكار سوق التقنية العالمي؛ فتسعى جميعها إلى شراء الشركات الناشئة في مجالات التكنولوجيا المختلفة بما يقطع عليها الطريق أمام النمو وتشكيل منافس لها. ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما قامت بشرائه تلك الشركات في السنوات الأخيرة؛ فقد اشترت مايكروسوفت شركة aQuantive في 2007 مقابل 6.3 مليار دولار، و”سكايب” في 2011 مقابل 8.5 مليار دولار، و”نوكيا” في 2014 مقابل 7.2 مليار دولار، و”لينكد إن” في 2016 مقابل 26.2 مليار دولار، و”جيت-هَب” GitHubفي 2018 مقابل 7.5 مليار دولار.

وقامت شركة أمازون بشراء شركة Zappos فى 2009 مقابل1.2 مليار دولار، و Twitchفى 2014 مقابل 970 مليون دولار، وسوق كوم في 2017 مقابل 580 مليون دولار، وWhole Foods في 2017 مقابل 13.7 مليار دولار، و Ringفى 2018مقابل 1.2 مليار دولار، وPillPack في العام نفسه مقابل مليار دولار واحد.

وقامت شركة ألفابت (جوجل) بشراء YouTube في 2006 مقابل 1.7 مليار دولار، وDoubleClick في 2007 مقابل 3.1 مليار دولار، وMotorola في 2012 مقابل 12.5 مليار دولار، وNest في 2014 مقابل 3.2 مليار دولار، وLooker في 2019 مقابل 2.6 مليار دولار.

وقامت شركة آبل بشراء شركة Anobit في2011مقابل 500 مليون دولار، وBeat في 2014 مقابل 3 مليارات دولار، وShazam في 2017 مقابل 400 مليون دولار، وDialog Semiconductor في 2018 مقابل 600 مليون دولار.

وأخيرًا قامت شركة فيس بوك بشراء Instagram في 2012 مقابل مليار دولار واحد، وOnavo في 2013 مقابل 200 مليون دولار، وWhatsApp في 2014 مقابل 22 مليار دولار، وOculus في 2014 مقابل ملياري دولار، وLiveRail في 2014 مقابل 500 مليون دولار[3].

منافسة صينية قوية

وفي مقابل الشركات الخمس الكبرى الأمريكية تأتي الصين باعتبارها المنافس الأكبر للتكنولوجيا الأمريكية، وقد نمت استثمارات الصين في التكنولوجيا بشكل سريع في السنوات الأخيرة على إثر خطة بكين الطموحة “صنع في الصين 2025” الهادفة لتخليص البلاد من الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية من خلال إنفاق مليارات الدولارات في مجالات الاتصالات اللاسلكية والرقائق الدقيقة والروبوتات[4]. وتعد شركة هواوي الصينية المنتشرة في حوالي 140 بلدًا هى الأكبر في شركات التقنية الصينية، والتي أصبحت في الربع الثاني من العام الماضي 2020 ثاني أكبر شركة لإنتاج الهواتف الذكية في العالم بعد نظيرتها الكورية سامسونغ؛ متفوقة بذلك على شركة آبل الأمريكية للمرة الأولى خلال سبع سنوات؛ لتحتل الأخيرة المركز الثالث لفترة وجيزة وغير مسبوقة في الربع المذكور[5]. كانت هواوي أول شركة اتصالات في العالم تقدم تقنية شبكات الجيل الرابع في العالم، كما أنها الشركة الرائدة فيما يتعلق بتكنولوجيا الجيل الخامس 5G، والتي أشعلت فتيل الصراع الأخير والقائم الآن بين الصين والولايات المتحدة في سوق التكنولوجيا.

ينتظر العالم إطلاق الجيل الخامس من شبكات الإنترنت خلال عام أو يزيد؛ وهي شبكات ستوفر سرعات فائقة للاتصالات تصل لعشرين ضعف سرعة نظيرتها المستخدمة اليوم، وتكمن عبقرية وحساسية الجيل الخامس في الطفرة التي سيُحدثها في مجالات عديدة، والنطاق الأوسع لاستخدامه المنتظر أن يشمل كافة أنواع البنى التحتية والصناعات؛ إذ يساعد على متابعة سير المرافق العامة والآلات بالمصانع بشكل مباشر عن بُعد وربما التحكم فيها أيضًا. وسيفتح ذلك التحول من النقل السريع للمعلومات إلى النقل المباشر لها إمكانية إدماج عمليات كثيرة في عالم الإنترنت لم تكن السرعة وحدها كافية لإجرائها آليًا أو عن بُعد، مثلًا إجراء عمليات جراحية كاملة عن بُعد، والتي تحتاج نقلًا مباشرًا فائق السرعة لبيانات كثيرة عن موقع كل نسيج عضوي وكل أداة طبِّية بدقة متناهية لم تكن متاحة من قبل، وكذلك سيكون بإمكان السيارات ذاتية القيادة معالجة مجموعة دقيقة وكبيرة من البيانات عن موقعها وسرعتها وسرعة كل ما يحيط بها، بشكل يمكنها من اتخاذ قرارات بخصوص اتجاهها في مدة زمنية لا تتجاوز أجزاء من الألف في الثانية[6].

ستنجم عن تلك الطفرة إشكاليتان بالنسبة لمفهوم الأمن القومي؛ أولاهما أن كمية المعلومات المعرَّضة للخطر -إن اختُرقت الشبكة- أكبر وأوسع نطاقًا وأكثر حساسية وتشعبًا، وثانيتهما أن اختراق الشبكة يستتبع بالضرورة إمكانية التلاعب بها؛ ومن ثم امتلاك القدرة على تعطيل أو تخريب معظم -إن لم يكن كل- العمليات الجارية في المنشآت والمساحات العامة. ومن هنا نستطيع فهم السلسلة الأخيرة من منع أو تقييد التعامل مع شركات التكنولوجيا الصينية في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى تضع اللمسات الأخيرة على الجيل الخامس؛ حيث تتمتع تلك الدول بالحد الأدنى من الثقة فيما بينها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد شابت تلك العلاقات فضائح تجسُّس أحيانـًا، في حين تتسم علاقاتها بالصين بثقة أقل كثيرًا بالنظر للتضارب المنطقي بين دول أُسست -واستفادت من- النظام الدولي القائم، ودولة صاعدة تحاول احتلال ما تعتقد بأنه موقعها الطبيعي وإزاحة شاغليه.

وعلى إثر ذلك وفي بداية عام 2019، صدر قرار من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يمنع الشركات الأميركية من استخدام معدات الاتصال المنتجة من شركتي هواوي و”زد تي إي ZTE” الصينيتين، لما تُمثله من أخطار محقّقة على الأمن القومي الأميركي، بعد اشتباه السلطات الأميركية في توجيه المخابرات الصينية لأعمال هواوي وزد تي إي. ثم اتسعت قائمة الدولة المتوجسة من هواوي؛ إذ انضمت أستراليا في أغسطس 2020 بمنعها للشركة الصينية من تقديم تكنولوجيا الجيل الخامس؛ ضمنيًا عبر قانون أشار لحظر مشاركة الشركات الخاضعة لتوجيهات حكومة أجنبية، وتبعتها نيوزلندا في نوفمبر بنفس الإجراءات، ثم اليابان في ديسمبر المنصرم والتي امتنعت حكومتها وشركات الاتصالات الأربع فيها عن التعاون مع هواوي وشركة ZTE الصينية أيضًا خلال تدشين الجيل الخامس. كما قررت شركة بريتيش تيليكوم البريطانية إزالة بعض معدات هواوي المستخدمة في شبكات الجيل الرابع لديها وعدم التعامل معها في بناء شبكات الجيل الخامس. وأخيرًا منعت الحكومة التايوانية استخدام أية معدات صنعتها هواوي في منشآتها الحكومية[7]. لم يقف الأمر عند هذا الحد بل أعلنت الإدارة الأمريكية في أغسطس 2020 أنها ستحظر تطبيقي “التيك توك” و”وى شات” الصينيين في الولايات المتحدة لأنهما يشكلان خطرًا على الأمن القومي الأمريكي.

ولتدعيم قوتها في حربها على الصين، تسعى الشركات الأمريكية إلى الهيمنة على أية أسواق منافسة صاعدة، وقد وجدت الشركات الأمريكية في الهند -وباعتبار الخلافات الحادة بينها وبين الصين والتي دفعت الأولى لحظر التطبيقات الصينية (تيك توك ووي شات داخلها)- فرصة مواتية. وفي هذا الإطار قررت شركة ألفابت (Alphabet) المالكة لمحرك البحث جوجل الاتجاه لإنفاق حوالي 10 مليارات دولار في الهند على مدى السنوات الخمس إلى السبع المقبلة من خلال استثمارات الأسهم والعلاقات، مما يمثل أكبر استثمار لها في سوق رئيسي خارج الولايات المتحدة الأميريكية، وستتم الاستثمارات من خلال ما يسمى صندوق الرقمنة؛ مما يسلط الضوء على تركيز جوجل على الوتيرة السريعة لنمو التطبيقات والأنظمة الأساسية للبرامج في الهند، أحد أكبر أسواق خدمات الإنترنت في العالم[8].

وكردٍّ فعل على خطوة جوجل اجتمعت عشرات الشركات الهندية الناشئة في مجال التكنولوجيا للنظر في طرق لتحدي شركة جوجل؛ إذ تشعر هذه الشركات الهندية الناشئة بالاستياء من هيمنة جوجل المحلية على التطبيقات الرئيسية وهو ما اعتبرته تلك الشركات ممارسات غير عادلة، وناقشت الشركات تشكيل اتحاد جديد يهدف بشكل رئيسي إلى تقديم احتجاجات للحكومة الهندية والمحاكم ضد شركة جوجل[9]. كما تسعى شركة فيسبوك من ناحية أخرى إلى منافسة جوجل في السوق الهندي للتقنية باعتباره سوقًا صاعدًا بقوة في عالم التكنولوجيا، وفي هذا أعلنت فيس بوك في 22 أبريل 2020 شراءها 10% من الأصول الرقمية لشركة ريلاينس إندستريز (Reliance Industries) الهندية، مقابل 5.7 مليارات دولار، حيث تتطلع شركة التواصل الاجتماعي إلى الاستفادة من خدمة دردشة واتساب الشهيرة لتقديم خدمات الدفع الرقمية هناك، وتحاول واتساب الحصول على الموافقة على طرح خدمة الدفع الرقمي في الهند، مما سيجعل لها موطئ قدم في سوق مزدحمة، لتنافس “غوغل باي تي إم”، ويستعمل خدمة الرسائل الأشهر أربعمئة مليون مستخدم في الهند، وهو أكبر سوق لها، حيث يصل إلى ما يقرب من 80% من مستخدمي الهواتف الذكية في الدولة، وستساعد هذه الصفقة شركة فيسبوك العملاقة في الاستفادة من واتساب هناك للدخول في شراكة مع سوق التجارة الإلكترونية جيو مارت (Jio mart) التي تربط بين الشركات الصغيرة والعملاء[10].

كما أعلنت شركة فيسبوك في يوليو 2020 أنه دخل في شراكة مع المجلس المركزي للتعليم الثانوي في الهند والمعروفة اختصارًا “سي بي إس إي” (CBSE)، وهي هيئة حكومية تشرف على التعليم في المدارس الخاصة والعامة في البلاد، لإطلاق منهج دراسي معتمد حول السلامة الرقمية والرفاهية عبر الإنترنت، والواقع المعزز للطلاب والمعلمين في البلاد، ويهدف هذا المنهج إلى إعداد طلاب المدارس الثانوية للوظائف الحالية والناشئة، ومساعدتهم على تطوير المهارات لتصفح الإنترنت بأمان، واتخاذ “خيارات مستنيرة”، والتفكير في صحتهم العقلية. وقال فيسبوك إنه سيقدم هذا التدريب في مراحل مختلفة؛ حيث سيتم في المرحلة الأولى تدريب أكثر من 10 آلاف معلم، بينما في الثانية سيقومون بتدريب 30 ألف طالب، كما يغطي التدريب الذي يستغرق ثلاثة أسابيع تقنيات الواقع المعزز وأساسيات التكنولوجيا الوليدة، وطرق الاستفادة من “سبارك إيه آر ستوديو” (Spark AR Studio) على فيسبوك لإنشاء تجارب الواقع المعزز، وقد اعتبرت هذه المبادرة مخلبًا جديدًا يغرزه فيسبوك في السوق الهندية ليحكم سيطرته على السوق الكبرى بعد الصين في شبكة الإنترنت[11].

تنافس صاعد من دول أخرى

وبجانب الولايات المتحدة والصين تسعى دول أخرى إلى المنافسة بقوة في السوق العالمي للتكنولوجيا، وتعد كوريا الجنوبية إحدى أبرز الدول الرائدة في ذلك المجال، فقد كشفت كوريا الجنوبية هذا العام عن خطط طموحة لإنفاق نحو 450 مليار دولار لبناء أكبر قاعدة في العالم لأشباه الموصلات خلال العقد المقبل، لتلتحق بالصين والولايات المتحدة في سباق عالمي للهيمنة على سوق التقنية العالمية، وسوف تستثمر شركة سامسونج للإلكترونيات وشركة إس كيه هاينكس أكثر من 510 تريليونات وون (454 مليار دولار) في البحث وإنتاج أشباه الموصلات وذلك حتى عام 2030، وذلك في ظل مخطط أولي وضعته إدارة الرئيس الكوري الجنوبي مون جي إن، وسوف تكون الشركتان بين 153 شركة تغذي الدفع المستمر في الإنتاج على مدى عقد من الزمن، وذلك بغرض الحفاظ على الصناعة الأكثر أهمية من الناحية الاقتصادية للبلاد، وقد رفعت سامسونج إنفاقها بمقدار 30%، ليبلغ 151 مليار دولار حتى عام 2030، بينما إلتزمت هاينكس بإنفاق 97 مليار دولار، للتوسع في المصانع القائمة، إضافة إلى خطتها بإنفاق 106 مليارات دولار من أجل بناء مصانع جديدة في يونج[12].

تتميز كوريا الجنوبية بإنتاج رقائق أشباه الموصلات “Semiconductors”؛ إذ تعد الرقائق أشباه الموصلات صاحبة أكبر نصيب في صادرات كوريا الجنوبية؛ ومن المتوقع أن تتضاعف هذه الصادرات بحلول عام 2030 لتبلغ نحو 200 مليار دولار؛ وفقًا لما تقوله وزارة التجارة والصناعة والطاقة. وتعد كوريا الجنوبية حليفًا أمنيًا للولايات المتحدة والمُصدر الرئيسي إلى الصين، وهى تمشي على حبل مشدود بين الاثنتين، بينما تدعم من براعة إنتاجها، وتشبه وزارة التجارة والصناعة “الرقائق” بالأرز الذي يعد عنصرًا غذائيًا رئيسيًا عالميًا وخاصة للدول الآسيوية، وتطلق عليها تعبير “أسلحة استراتيجية” في السباق من أجل التفوق التكنولوجي الذي يتكثف ليس فقط بين الشركات ولكن بين الدول أيضًا، وتصنع سامسونج وهاينكس أغلب رقائق الذاكرة العالمية، وأشباه الموصلات الأساسية التي تدخل في صناعة كافة الأجهزة، ولكن هناك منطقة تتأخر فيها كوريا الجنوبية وتكمن في قدرتها على إنتاج رقائق المنطق المتقدمة التي تتناول العمليات الرياضية المعقدة لأمور مثل الذكاء الاصطناعي وتشغيل البيانات، وتهيمن على هذا المجال بشكل خاص شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات، التي تصنع معالجات تليفون أبل الآيفون، وتهدف سامسونج إلى أن تنافس بشكل أكثر قوة في هذا المجال، لتؤمِّن بعضًا من بطاقات رسومات شركة نفيديا ونصيب أكبر في رقائق تليفونات شركة كوالكوم، وأعلنت هاينكس أيضًا عن طموحات للدخول في مجال إنتاج رقائق المنطق المتقدمة[13].

يضم سوق إنتاج التكنولوجيا العالمي دولًا أخرى تسعى للمنافسة وتنتج التقنية، ومن أبرز تلك الدول اليابان وتركيا، فاليابان هى دولة رائدة عالميًا في تكنولوجيا الروبوتات. أما تركيا فقد شهدت مؤخرًا تحولًا كبيرًا في صناعة التكنولوجيا حيث سجلت شركات التكنولوجيا التركية بما في ذلك منصات التجارة الإلكترونية مثل “تريندول” و”هيبسوبرادا”، وشركات تطوير الألعاب مثل “بيك غيمز” و”دريم غيمز” أكثر من مليار دولار في تقييمات السوق، وهو الأمر الذي يعتبر نجاحًا كبيرًا لهذا الشركات الناشئة في الأسواق العالمية. ونظرًا لحجم الاستثمارات الضخمة التي تضخ في السوق، فقد أصبحت إسطنبول الآن تقف جنبًا إلى جنب مع عواصم التكنولوجيا الأخرى في أوروبا مثل لندن وباريس وبرلين، ويتوقع أن يزداد الحجم التركي في السوق التكنولوجي في السنوات القليلة القادمة، وقد عبر مصطفى فارانك وزير الصناعة والتجارة التركي عن ذلك بقوله إن هدف تركيا أن تكون إحدى الدول الرائدة في الثورة الصناعية الرابعة بوصفها مطورًا، وليس مجرد سوق مستهلك لتقنيات الجيل التالي[14].

ثانيًا- دول الجنوب في سوق التقنية العالمي:

تهيمن على صناعة التكنولوجيا العالمية شركات تقع كلها تقريبًا خارج نطاق دول الجنوب، وتتركز بالأساس في مجموعة دول هي الرائدة في إنتاج التقنية (الولايات المتحدة والصين وكوريا الجنوبية واليابان وبعض دول الاتحاد الأوروبي)، وتتوقَّف علاقة دول الجنوب مع التكنولوجيا على الاستهلاك والخضوع لهيمنة الشركات المنتجة في هذا المجال. ووفقًا لتقرير للأمم المتحدة[15]: فإننا نعيش في زمن سحري مذهل من حيث التقنية، لكن لسوء الحظ لا نستفيد منه جميعًا، فقد تم إهمال الكثيرين وتهديدهم بالتخلُّف بسبب العواقب السياسية والاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن التفاوت المتزايد والكبير، حيث يتم تحقيق قفزات تقنية هائلة لكن الفوائد الاقتصادية والاجتماعية تظل متمركزة جغرافيًّا وخاصة في البلدان المتقدمة، وغالبًا ما تظلُّ أقل البلدان نموًّا (LDCs) متخلفة عن الركب إن لم تكن مستبعدة تمامًا وليس لدى الكثير منها إلا القليل من الخيارات التي لا تتعدى استخدام التقنيات القديمة.

ويرى التقرير نفسه أن مشاكل مجالات العلوم والتكنولوجيا والابتكار في بلدان الجنوب سبببها مجموعة من العوامل، حيث لم تنجح مقاربات التنمية التقليدية القائمة على الافتراض المتمثل في أن زيادة الواردات من السلع الرأسمالية والاستثمار الأجنبي المباشر من خلال نشر التكنولوجيا والابتكار، سيسهم في تحقيق مكاسب معتبرة ومحققة في التنمية. كما يلعب انخفاض مستويات الاستثمار في البحث والتطوير، وانخفاض معدلات الالتحاق بالتعليم العالي، وبالتالي محدودية المعروض من العمالة الماهرة، وعدم كفاية أو عدم استقرار البيئات التنظيمية والسياسية القادرة على تعزيز التقدُّم دورًا في الوضع المتردِّي لمجالات العلوم والتقنية والابتكار في تلك البلدان.

يحصر السوق العالمي عند نقل التكنولوجيا إلى الدول النامية ودول العالم الثالث، تلك الدول في الاستخدام والاستهلاك فقط ولا يهم استفادة الدول النامية منهـا لتطـوير كفاءتها بقـدر ما يهمُّهم احتكارها حتى تبقى هذه الدول تحت سيطرتهم. ومن ثم تصبح تلك الدول مجرد أسواق للاستهلاك تتنافس الشركات الكبرى على السيطرة عليها والاستفادة منها بأكبر شكل ممكن.

يبدو الأمر أكثر وضوحًا في مثال كالآتي؛ فقد أعلنت شركة أمازون في نهاية يوليو الماضي عن عزمها إطلاق خدماتها رسميًّا في السوق المصري عن طريق تغيير الموقع الإلكتروني الذي تملكه وتعمل من خلاله في السوق المصري وهو “سوق كوم” إلى منصة “أمازون” العالمية، وبسبب اقتصاديات الحجم Economies of scale نجد أن شركة أمازون اخترقت ودخلت السوق المصري بسهولة في مجال التجارة الإلكترونية والذي يتَّسم بكونه اقتصادًا غير رسمي، وذلك في مقابل شركات أخرى مثل “جوميا” و” نون دوت كوم” لم تستطع التوغل ودخول السوق بقوة. ومن ثم فإن منافسة بين شركات كبرى مثل أمازون الأمريكية أو علي بابا الصينية وشركات صغرى مثل جوميا، ستكون في مصلحة الأولى التي تقدَّر قيمتها السوقية بأضعاف الأخيرة، وبالتالي تكون تلك الشركات الكبرى قادرة على سحق الشركات الصغرى والاستحواذ على حصصها من السوق بسهولة[16].

يمكن القول إننا أمام حالة من التوسُّع الرأسمالي للشركات من المركز الرأسمالي نحو الجنوب العالمي، وهكذا حين تقرِّر أمازون أو علي بابا أو غيرهم من عمالقة التكنولوجيا الاستثمار في أسواق نامية كالسوق المصري، فإن ذلك يعني إخراج آلاف البائعين الصغار من السوق، وعلى المدى الطويل الوصول لوضعية احتكارية شبه كاملة. والعكس في الولايات المتحدة مثلًا فمع كلِّ ما تفعله أمازون إلا أن هناك عمالقة آخرين في سوق التجزئة مثل وول مارت وكوتسكو وتارجت وغيرهم.

وفي الوقت الذي تجتمع فيه الشركات الخمس الكبرى مع الرئيس الأمريكي بايدن ويتعهَّدون له بإنفاق مليارات الدولارات لدعم البنية التحتية الإلكترونية الأمريكية، حيث أعلنت جوجل أنها ستنفق أكثر من 10 مليارات دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، لتعزيز الأمن السيبراني وسلسلة توريد البرمجيات في الولايات المتحدة، ومثلها مايكروسوفت التي قالت إنها ستستثمر 20 مليار دولار في 5 سنوات، بزيادة 4 أضعاف على استثمارها الحالي، وذلك بهدف تسريع عملها في مجال الأمن السيبراني، مع إتاحة 150 مليون دولار في الخدمات الفنية لمساعدة الحكومات الفدرالية وحكومات الولايات والحكومات المحلية في الحفاظ على أنظمتها الأمنية[17]. كما تعمل الدول الكبرى على الحطِّ من احتكار وهيمنة الشركات الكبرى على الأسواق بداخلها وذلك من خلال حزمة من القوانين والتشريعات تقنِّن نشاطها.

وفي المقابل تستبيح هذه الشركات معظم أسواق دول الجنوب أو حتى الدول التي تبرز بها شركات منافسة وتضغط لشرائها وضمها إليها، بحيث لا تعطِي الفرصة لأيِّ منافسة حقيقية محتملة، وهكذا نجد أن دول العالم الثالث/ بلدان الجنوب قابعة في حالة من التبعية التكنولوجية، والتبعية التكنولوجية هي استيراد التكنولوجيا وأدواتها من الدول المتقدِّمة بدلًا من إنتاجها والعمل على تنميتها محليًّا؛ أي أن التكنولوجيا لا تمثل أصولًا إنتاجية في بلدانها. وقد أصبحت التبعية التكنولوجية في دول العالم النامي حالة مزمنة تتخلَّل كافة مفاصلها، فمفهوم التبعية لا يقتصر على عملية التمويل فقط لكنها تبعية تصميم وتبعية إنشاء وتبعية مراقبة وتبعية صيانة، أي أن التبعية تحدث مع عملية شراء الخدمة وما بعد شرائها.

تواجه عملية نقل التكنولوجيا فى الدول النامية مشاكل وصعوبات عديدة، منها ما هو مرتبط بمالك التكنولوجيا، ومنها ما هو مرتبط بالمتلقِّي، فعند التحدُّث عن المالك تتلخَّص الصعوبات في فرض قيود الدول المتقدِّمة على نقل التكنولوجيا لمنع الدول الأخرى من استخدامها، إضافة إلى الأثمان الباهظة والشروط المجحفة التي تفرضها الدول صاحبة التكنولوجيا التي تجعل المتلقِّي يقف مكتوف الأيدي، كما يلزم المالك المتلقِّي بشراء التكنولوجيا ضمن حزمة كاملة من المواد والآلات غير ذات الصلة بالتكنولوجيا المطلوبة، ممَّا ينعكس سلبيًّا في صورة زيادة التكاليف. أما فيما يتعلَّق بمتلقِّي التكنولوجيا، فتتلخَّص الصعوبات التي تواجهه في عدم قدرته على تحديد التكنولوجيا المطلوب الحصول عليها لافتقاره إلى المعلومات الخاصة بمصادر التكنولوجيا وأساليب استخدامها، والوسائل الضرورية لتحديد التكنولوجيا الملائمة، والافتقار إلى الخبرة والمهارة وندرة الكوادر المحلية القادرة على تشغيل التكنولوجيا[18].

أحدثَ التباينُ الواضحُ في البنية التحتية للاتصالات بين الشمال والجنوب، ما يسمَّى بفجوة المعلومات، حيث تفتقر العديد من دول الجنوب إلى بنية تحتية متينة للمعلومات والاتصالات مقارنة بما تمتلكه الدول المتقدِّمة، بل إن تكاليف خدمات المعلومات في الدول النامية مرتفعة، وغير موجودة في العديد من المناطق النائية[19]. ومن جانب آخر، تعمد كثير من دول الجنوب إلى استيراد التكنولوجيا التي تمكِّنها من المراقبة والتحكُّم في مجتمعاتها بهدف إحكام قبضتها ودعم استبدادها بالشعوب[20]، وهو مناخ لا يمكن من إنتاج تكنولوجيا ولا الإبداع ولا الابتكار.

وفي هذا الإطار يمكن التنبُّؤ بمستقبل المباردة التي أطلقها الاتحاد الأفريقي لتسريع التحوُّل الرقمي في أفريقيا، والهادفة إلى تحقيق الشمول الرقمى والاتصال العالمى وبناء القدرات والتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي، فضلا عن تعزيز الثقة والأمن في البيئة الرقمية. ويمكن القول إنه في ظلِّ المناخ العام الذي تعيش فيه معظم الدول الأفريقية من أنظمة حكم تسلُّطية ونزاعات وحروب داخلية وبينية وتعليم واقتصاد ضعيف بل والكثير منها لا يتمتَّع حتى بشبكة إنترنت تؤهِّله لهذا، في مقابل ما يحتاجه التحول التكنولوجي من استقرار سياسي واقتصادي ومناخ ملائم للاستثمار، وإنفاق عالي على التعليم والبحث العلمي[21].

خاتمة:

يمكن القول إن إنتـاج التكنولوجيـا غـائب عن أغلـب دول العالم النامي، وتتركَّز التكنولوجيا الموجودة في تلك الدول في الاستيراد من الدول المتقدِّمة من أجل الاستهلاك فحسْب. وهو ما يعني خضوع تلك الدول لشروط الشركات الكبرى في التعامل مع التكنولوجيا، واستمرار هيمنة الدول الكبرى المنتجة والرائدة لما يُطلق عليه “بالثورة الصناعية الرابعة” على الدول الأقل نموًّا وقدرة على الإنتاج المستقلِّ للتقنية أو المساهمة حتى في إنتاجه.

ينتج سؤال التقنية أسئلة كثيرة أخرى في تلك الدول، مثل سؤال الفساد والاستبداد وسؤال الاستقلالية والقوة الاقتصادية وما يتبع ذلك من أسئلة الفقر والتنمية والبطالة والتعليم والبحث العلمي. والتي تعتمد كلُّها بشكلٍ أو بآخر على التكنولوجيا وصناعتها والتقنيات الذكية والشبكات الإلكترونية.

____________________

الهوامش

[1] GAFAMs’ market capitalization, Atlas Magazine, 27 April 2021, accessed: 10 August 2021, available at: https://cutt.us/cAQpT

[2] شيرا أوفايد، عمالقة التكنولوجيا يتجاوزون كوكب الأرض، الجزيرة، 4 أغسطس 2021، تاريخ الاطلاع: 30 أغسطس 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/1r6WV

[3] Katie Jones, The Big Five: Largest Acquisitions by Tech Company, Visual Capitalist, 11 October 2019, accessed: 25 August 2021, available at: https://2u.pw/knKGe

[4] Jill Disis, A new world war over technology, CNN Business, 11 July 2020, accessed: 30 August 2021, available at: https://cutt.us/2w40X

[5] نور خيري، يراها البعض شركة الفقراء وتتهمها الاستخبارات الأميركية بالتجسس.. هل قررت الولايات المتحدة تدمير هواوي؟، ميدان، 13 مارس2021، تاريخ الاطلاع: 20 أغسطس 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/TlJ4R

[6] المرجع السابق.

[7] المرجع السابق.

[8] غوغل ترصد 10 مليارات دولار للحصول على قطعة من كعكة الهند الرقمية، الجزيرة، 14 يوليو 2020، تاريخ الاطلاع 1 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/jKLvi

[9] الشركات الهندية الناشئة غاضبة من غوغل.. ودعوة للوحدة في وجه عملاق التقنية، الجزيرة، 4 اكتوبر 2020، تاريخ الاطلاع 1 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/Itrfo

[10] لمنافسة غوغل.. زوكربيرغ يدفع لملياردير الهند 5.7 مليارات دولار لدخول السوق الهندي، الجزيرة، 22 أبريل 2020، تاريخ الاطلاع: 1 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/2L2la

[11] مخلب جديد في ثاني أكبر سوق للإنترنت.. هل يصبح فيسبوك هنديا؟، الجزيرة، 5 يوليو 2020، تاريخ الاطلاع: 2 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/B2pLX

[12] مجدي صبحي، كوريا الجنوبية تدخل السباق التكنولوجي العالمي، العين الإخبارية، 29 مايو 2021، تاريخ الاطلاع: 3 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/gNKt1

[13] المرجع السابق.

[14] محمد سناجلة، كيف أصبحت تركيا نجمة ساطعة في سماء التكنولوجيا الأوروبية؟، الجزيرة، 25 أغسطس 2021، تاريخ الاطلاع: 25 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/G8PNK

[15] فيكيتامويلوا أوتويكامانو، جسر الفجوة التقنية في أقل البلدان نموًّا، موقع الأمم المتحدة، 14 نوفمبر 2019، تاريخ الاطلاع: 25 سبتمبر 2021، متاح على الرابط: https://cutt.us/wEnD8

[16] محمد رمضان، «أمازون» في مصر: الأفيال في سوق النمل، مدى مصر، 1سبتمبر 2021، تاريخ الاطلاع: 30 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/4EcOM

[17] عمالقة التكنولوجيا يتعهدون لبايدن بإنفاق مليارات الدولارات على البنية التحتية الإلكترونية لأميركا، الجزيرة، 27 أغسطس 2021، تاريخ الاطلاع: 28 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/cpLYp

[18] د. مصطفى حسين كامل، نقل التكنولوجيا وإشكالية المفاهيم المعقدة، الأهرام، 9 فبراير 2020، تاريخ الاطلاع: 4 أكتوبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/jA8g3

[19] مصطفى بلعور، تأثير تكنولوجيا المعلومات على التنمية السياسية في دول الجنوب، حوليات جامعة الجزائر 1، العدد 30، الجزء الأول، تاريخ الاطلاع: 4 أكتوبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/Ert2G

[20] عبد الرحمن عادل، الحكومة الذكية: تنمية سياسية أم مزيد من التحكم؟، فصلية قضايا ونظرات، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، العدد 21، أبريل 2021، ص56.

[21] فادي فرانسيس، أماني أبو زيد، الاتحاد الأفريقي وضع استراتيجية كبرى للتحول الرقمي، المصري اليوم، 4 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/gy2LF

فصلية قضايا ونظرات – العدد الثالث والعشرون – أكتوبر 2021

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى