السياستان التركية والإيرانية تجاه أفريقيا: الأبعاد الإنسانية والحضارية بين التفعيل والتزييف

مقدمة:

رغم ما تعانيه القارة الأفريقية من معضلات الأمن المائي والغذائي، وتدهور الأوضاع الصحية فضلا عن الصراعات الأهلية، إلَّا أن ذلك ليس الوجه الوحيد للقارة. فهي أيضًا تلك الأرض الغنية بالموارد والثروات، بل هناك من يعتبرها إحدى المناطق الصاعدة في القرن الحالي، مع ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي لعدد من دولها.

ومن ثم، لم ينقطع اهتمام القوى الاستعمارية التقليدية -بل وغيرها من القوى الصاعدة إقليميًّا وعالميًّا- بالقارة، ولكن السؤال الذي يستدْعي البحث والتأمُّل يتمحور حول دوافع وآليات ومآلات الاهتمام والتفاعل مع أفريقيا، مع أزماتها ومع إمكاناتها؛ فهل تجاوز الغرب مساحة نهب ثروات أفريقيا؟ وهل كسرت روسيا إطار المصالح الأمنية، لعله من الصعب ذلك في ظلِّ اتباع الغرب السياسات الاستعمارية نفسها وإن تجمَّلت الخطابات، فضلا عن توسُّع مجموعة “فاجنر” الروسية في أفريقيا العبث بأمن القارة[1]. ربما أيضًا لن تختلف سياسة الصين الباحثة فقط عن أسواق في شتَّى بقاع العالم.

ولكن هل يختلف الأمر إن كنا نتحدَّث عن قوى إسلامية –كتركيا وإيران- في سياستها إزاء أفريقيا، وهي القوى التي ترفع الشعارات ذات الأبعاد الحضارية والإنسانية؟ هل عكست السياستان التركية والإيرانية في أفريقيا تلك الأبعاد، في ضوء المشتركات الإنسانية (حيث المعاناة من غياب العدالة العالمية) والدينية (الانتماء إلى الحضارة الإسلامية في بقاعٍ واسعة من القارة)؟ أم إن الأمر كان مجرد توظيف على مستوى الخطابات من قبيل البروباجندا الدعائية؟ علمًا بأننا لا نعني بحضور تلك الأبعاد ألَّا تسعى أيٌّ من الدولتين إلى تحقيق مصالحها الوطنية من خلال العلاقات مع دول القارة، فليس ذلك معنى “البُعد الحضاري” في السياسات الخارجية، ولكن ما نعنيه ألا تخفي الخطابات خلفها توظيفًا غير عادل لأزمات وإمكانات القارة. وهنا تبرز المخاوف إزاء إيران ونشر التشيُّع وخلق الجماعات المسلَّحة الشيعية، وتوظيفها للتخريب في الداخل الأفريقي. كما أن هناك مخاوف كذلك من التواجد العسكري التركي بالقارة الأفريقية، وإن كان الأمر أقلَّ حدَّة منه بالنسبة للقلق بخصوص إيران.

على مستوى الخطاب، تعلن الدولتان الرغبة في الإسهام في النهوض بالقارة وحلحلة مشكلاتها على نحوٍ يختلف عن القوى الكبرى، أما رؤية تركيا، فإنها تعلن الارتكاز في سياستها تجاه أفريقيا على مبادئ المساواة والمنفعة المتبادلة و”الفوز معًا”، لذلك نجدها تجذب المزيد من الاهتمام من دول القارة بحثًا عن هذا الربح.

وبالنسبة لإيران، فهي ترفع شعارات “رفع المظلومية” و”مواجهة الاستكبار العالمي” الذي يعصف بالضعفاء، ولا يوجد خير من أفريقيا تنطبق عليها تلك المقولات.

ولكن لعل الخطاب التركي أكثر وضوحًا واتزانًا من نظيره الإيراني، الذي طالما أثبتت خبراتنا بالعالم العربي أن تطبيقاته مختلفة تمام الاختلاف، فالطائفية والتمذهب الثابت الأساس.

وفي هذا التقرير نبحث أولا محددات استمرار اهتمام الدولتين بأفريقيا خلال فترة الدراسة (2016-2022) من النواحي الاستراتيجية والاقتصادية، ثم ننتقل إلى رصد أبرز الآليات المستخدمة في سياساتهما إزاء القارة؛ دبلوماسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا، فضلًا عن الجانب الثقافي وما أثاره من جدل في ظل إصرار إيران على وجهها الأوحد ممثلا في التشيُّع، وكأن ليس بينها والعالم لغةً مشتركة خارج نطاقه، ويُختم التقرير بتقييم حول مصداقية سياسات الدولتين، وأبرز التحديات التي تواجهان.

أولا- محددات السياستين التركية والإيرانية خلال فترة الدراسة (2016-2022):

ثمة دوافع سياسية واستراتيجية واقتصادية أدَّت إلى ترسيخ اهتمام الدولتين بالقارة الأفريقية، رغم احتدام الأزمات في الشرق الأوسط، بل ربما يمكن القول إنهما قد تعاملا مع أفريقيا كساحة يمكن من خلالها تخفيف حدَّة الضغوط على كلٍّ منهما وتحقيق بعض المكاسب بطريقة أقل كلفة، ولكن مع ذلك لم يَخْلُ الخطابان الإيراني والتركي يومًا من التأكيد على أهدافهما الإنسانية في أفريقيا… فما أبرز تلك الدوافع؟ وما أهم ملامح خبرة الدولتين في توظيف الأبعاد الحضارية في سياساتهما الخارجية؟

1- بالنسبة إلى تركيا:

فمع أن تنامي الاهتمام التركي بأفريقيا ليس بجديد إذ يعود إلى التسعينيات من القرن الماضي، ثم بدا أكثر وضوحًا مع وصول حزب “العدالة والتنمية” إلى الحكم عام  2002 (وهو الحزب ذو التوجُّه الحضاري)، بيد أن ثمة دوافع متزايدة لدعم هذا التوجُّه في الآونة الأخيرة, خاصةً خلال فترة الدراسة: فعلى المستوى الاستراتيجي، نجد قوس الصراع على النُّفوذ والأمن الإقليمي من “البحر المتوسط” إلى “البحر الأحمر”، حيث استبعاد أنقرة من العديد من الترتيبات والكيانات الإقليمية المرتبطة بالبحر المتوسط، وعلى جانب آخر إعلان كيان “أرسقا”[2] (لدول البحر الأحمر وخليج عدن) عبر التنسيق بين مصر السعودية؛ ممَّا دفع تركيا إلى محاولة إيجاد موطىء قدم في نطاق يمثِّل امتدادًا حيويًّا لأمنها الإقليمي، خاصة في منطقة القرن الأفريقي كما سنرى[3].

كما لا يمكن إغفال رغبة تركيا في القضاء على جماعة “فتح الله جولن” وأنشطتها في أفريقيا، عبر التنسيق مع حكومات دول القارة[4].

وعلى الصعيد الاقتصادي، يأتي اهتمام الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” بتوسيع النفوذ التركي في أفريقيا، في إطار محاولات مواجهة الانهيارات المتتالية التي ضربت العملة الوطنية (الليرة) ومن ثم تعمل أنقرة على توسيع المنافذ خارج فضائها الإقليمي لتنويع وجهات الدخل[5].

أيضًا، الرغبة التركية في تأكيد قوتها الناعمة عالميًّا، من خلال ترويج صورتها كراعية للمحتاجين ومتضرري الكوارث في أفريقيا.

2- وبالنسبة إلى إيران:

فقد كانت علاقاتها الدبلوماسية والسياسية بالقارة الأفريقية محدودة قبل قيام الثورة الإسلامية في إيران[6]، بينما نظرت إيران الثورة إلى أفريقيا بأنها قارة المستضعفين، وأنها بحاجة إلى مدِّ يد العون لها في مجالات الصحة والإعمار وغيرها من المساعدات الإنسانية. تلك النظرة التي اتَّسعت فيما بعد، حيث إدراك أن أفريقيا تمثِّل في الوقت ذاته ساحة مناسبة لتبنِّي أفكار الثورة الإيرانية (سنرى الأسباب لاحقًا). وقد تمَّ تجسيد هذا التوجُّه الإيراني الجديد تجاه أفريقيا في ظلِّ حكم الرئيس “هاشمي رفسنجاني”، حيث قام في عام 1996 مع وفد رفيع المستوى بزيارة لست دول أفريقية[7].

أما مؤخَّرًا، وخلال فترة الدراسة تحديدًا، فلم يمنع انشغال إيران بالمفاوضات في فيينا حول إعادة إحياء الاتفاق النووي ومشكلاتها الداخلية واتجاهها شرقًا نحو الصين، من عزمها إعادة التوجُّه نحو القارة الأفريقية أيضًا، إذ صرَّح الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” أن “إقرار توطيد العلاقات مع دول القارة الأفريقية من أولويات السياسة الخارجية لإيران خلال العهد الجديد”[8].

وتهدف إيران من ذلك إلى عدَّة أمور متشابكة، حيث: استراتيجيًّا، تعزِّز طهران وجودها العسكري في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، ويمكن ربط هذا الأمر بتسهيل دعمها للحوثيين في اليمن، ولذلك تطوَّرت فكرة مصفاة البترول الإيرانية في إريتريا لتصبح قاعدة عسكرية بحرية. أيضًا تسعى إيران من خلال نفوذها الأفريقي إلى كسب حلفاء في تصويتات الأمم المتحدة أو تحييدهم[9].

اقتصاديًّا، تؤكِّد إيران مكاسبها الاقتصادية التي حصلت عليها في أفريقيا، خاصة مع إعادة فرض العقوبات والانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي[10]. هذا إلى جانب الرغبة في استمرار الحصول على اليورانيوم من الدول الأفريقية في ظلِّ مخطَّطها لبناء 16 مفاعلًا نوويًّا لإنتاج الطاقة واستخدامها لأغراض مدنية. ومن المعروف أن هناك العديد من الدول الأفريقية التي يتواجد بها احتياطات كبيرة من اليورانيوم، منها النيجر، الأولي أفريقيًّا والرابعة عالميًّا، وناميبيا، الثانية أفريقيًّا والخامسة عالميًّا. وهناك جوانب أخرى خفية تتعلَّق بالرغبة في الحصول على الأموال عبر أنشطة فيلق القدس وحزب الله في غرب أفريقيا تحديدًا لمواجهة التداعيات الاقتصادية لأزمتي الملف النووي وكورونا، لا سيما ما يتعلَّق بتجارة الألماس، خاصة في مناطق الصراعات[11].

أما ثقافيًّا، فهناك دافع دعم التوجُّه الإيراني الذي بات يسْعى إلى مَدِّ النُّفوذ إلى مساحات خارج الجغرافيا السياسية التقليدية للوجود الشيعي، فلم يعُد الأمر مقتصرًا على احتواء المجموعات الشيعية في البلدان العربية أو حتى تشييعها إن كانت على مذهب آخر[12].

وبشأن موضع الأبعاد الحضارية الإنسانية في السياسة الخارجية للدولتين، فبدايةً، تلك الأبعاد لم تَعُدْ فقط إحدى محددات السياسة الخارجية للدول وإنما هي تتداخل مع مختلف المحددات بدرجةٍ أو بأخرى، وتتفاوت رؤى الدول المختلفة للأمر في هذا الإطار (ولكلٍّ من الغياب والحضور دلالته). وكما سبقت الإشارة، تحرص تركيا وإيران على إبراز تلك الأبعاد في خطابهما للسياسة الخارجية بمختلف دوائرها بما في ذلك الدائرة الأفريقية. على سبيل المثال، اعتبر الرئيس التركي في خطاب ألقاه أمام البرلمان الأنجولي أن “مصير البشرية لا يمكن ولا يجب أن يُترك تحت رحمة حفنة من البلدان المنتصرة في الحرب العالمية الثانية”، مضيفًا أن “تجاهل الدعوات للتغيير يعد ظلمًا لأفريقيا” مؤكِّدًا أن تركيا “لا تحمل أي وصمة” من الإمبريالية أو الاستعمار”[13].

أما النموذج الإيراني، فهو الأكثر وضوحًا في هذا الصدد لكنه يغلب البُعد الديني “المذهبي” في سياسته الخارجية ويصبغ به ما هو إنساني، وذلك منذ الثورة الإسلامية تحديدًا. فـ “الخميني” قسَّم العالم من حيث القوة قسمين: المستضعفون والمستكبرون، فالمستكبرون هم الدول والشعوب التي تملك القوة وتستخدمها للسيطرة على الآخرين واستغلالهم. أما المستضعفون، فهم الذين لا يملكون القوة، ويخضعون لاستغلال المستكبرين، ويضم ذلك بالطبع الدول العربية، ومعظم الدول الإسلامية، وفي هذا السياق أيضًا تأتي أفريقيا[14].

كانت مثل تلك المقولات المظلَّة التي استخدمت إيران تحتها الورقة الشيعية، ولا يعني ذلك أنها تخضع سياستها الخارجية ومصالحها القومية لأمورٍ طائفية، بل على العكس، فإن إيران تقوم بتوظيف مثل هذه الورقة المهمَّة لخدمة مصالحها القومية ونفوذها الإقليمي والدولي. هكذا تبلورت سياسات إيران في عالمنا العربي، بغية إنشاء بؤر موالية لها في البداية، ثم العمل من خلالها على التغلغل في المجتمعات، وبناء هويات فرعية تفسح المجال أمام استكمال المشروع الإيراني، فكيف تحرَّكت في أفريقيا؟[15]

أمَّا أبرز مناطق النفوذ، المرتبطة بسبل تحقيق الدوافع سالفة الذكر، فقد باتت السياسة التركية في أفريقيا مكثَّفة بشكلٍ كبير في شرق أفريقيا، وخصوصًا في منطقة القرن الأفريقي بهدف الممرَّات المائية وتحديدًا في الصومال وإثيوبيا، لكنها تتوجَّه كذلك إلى غرب القارة (خاصة مع التواجد الإيراني بها) لإحداث توازن[16]، هذا فضلًا عن التواجد في ليبيا شمال القارة، ومحاولات التقارب مع الجزائر وهو ما تثبته جولات “أردوغان” -كما سنرى- وتنويع العلاقات في القارة عامةً.

وبشأن إيران، فهناك علاقات إيرانية ممتدَّة في منطقة غرب أفريقيا، وفي هذه المنطقة نجحت إيران في نشر التشيُّع والسيطرة دينيًّا على سكَّانها كما سيأتي. أيضًا، تواجدت طهران في جنوب أفريقيا للاستفادة من القوة الاقتصادية لبعض دولها وتواجدت في شمال أفريقيا ومنطقة المغرب العربي وشكَّلت نفوذًا وتواجدًا في الجزائر والمغرب وتونس.

أما منطقة حوض النيل وشرق أفريقيا، فالتواجد الإيراني بها من أخطر أنواع التواجد، لأن إيران تتحكَّم من خلال هذه الدول في ممرَّات التجارة العالمية وتسيطر على أماكن مهمَّة وتقف حجر عثرة في باب المندب والبحر الأحمر، فضلًا عن اهتمام إيران بنشر التشيُّع في تلك المنطقة أيضًا[17]. ويترك ذلك أثرًا سلبيًّا على الأمن القومي العربي[18].

ثانيًا- الأداة الدبلوماسية (الزيارات، والتصريحات)

1- المسار الدبلوماسي التركي:

شارك الرئيس التركي في ديسمبر 2017 في قمة الاتحادين الأفريقي والأوروبي التي انعقدت في العاصمة الأسبانية مدريد، وقد مثلت تلك الخطوة عنصرًا مهمًّا لتعميق أثر تركيا في العلاقات الأفريقية الأوروبية[19].

من المحطَّات المهمَّة كذلك، زيارة “أردوغان موريتانيا ومالي في عام 2018، وزيارته في فبراير 2020 إلى ثلاث دول أفريقية هي الجزائر، وجامبيا، والسنغال، مع وفد رفيع المستوى ضمَّ رئيس المخابرات التركية وعددًا من الوزراء كان من بينهم وزيرا الخارجية والدفاع، فضلًا عن رجال الأعمال. وخلال الزيارة تمَّ توقيع عدد من الاتفاقيات، ومناقشة قضايا عدَّة. وذهبت التحليلات إلى أن زيارة الرئيس التركي للجزائر تعدُّ استمرارًا لسياسة أنقرة في تعزيز علاقاتها مع الدول المعارضة لاستراتيجيتها بالمف السوري على غرار إيران وروسيا[20]. وقالت الكاتبة التركية، “ديديم أوزيل”، إن أنقرة لديها علاقات قوية مع جامبيا والسنغال، مشيرة إلى أن البلدين الأفريقيين أظهرا موقفًا حازمًا تجاه محاولة الانقلاب بتركيا منتصف عام 2016، كما أن جامبيا أول دولة قامت بإغلاق المدارس التابعة لمنظمة “جولن”[21].

أيضًا قام الرئيس التركي “أردوغان” بجولة أفريقية في أكتوبر 2021 استهلَّها بأنجولا ثم توجو، وزار نيجيريا كمحطة أخيرة[22].

وقد مثَّلت قمة الشراكة الأفريقية–التركية التي استضافتها العاصمة التركية أنقرة في 17 ديسمبر 2021، (بمشاركة 16 رئيس دولة أفريقية، و102 وزير أفريقي) فصْلًا جديدًا لأردوغان في ضوء إحداث موازنة بين ضغوطات الداخل والرغبة في الهيمنة الإقليمية، خاصةً على مستوى القارة الأفريقية، وتحديدًا بعد تداعيات كورونا السياسية والاقتصادية. وتُعَدُّ تلك القمة الثالثة من نوعها؛ إذ سبقها عقد قمتين في عامي 2008 وعام 2014. وقد افتتح الرئيس التركي القمة، مُبْدِيًا اهتمامًا بالعمل على منح أفريقيا صوتًا دائمًا في مجلس الأمن الدولي[23].

وفي فبراير 2022، قام “أردوغان” بجولة أفريقية جديدة شملت جمهورية الكونغو الديمقراطية والسنغال وغينيا بيساو. ورافق “أردوغان” في زيارته وزراء الخارجية والداخلية والدفاع والتجارة والنقل والبنية التحتية والشباب والرياضة[24].

كما استقبلت تركيا مسؤولين أفارقة، على سبيل المثال، في أغسطس 2021، زار تركيا رئيس الوزراء الإثيوبي “أبي أحمد” بدعوة رسمية، وقد عرض “أردوغان” التوسُّط لإنهاء النزاع الدامي في إقليم تيجراي و”الإسهام في وحدة إثيوبيا” في عرض تحاول من خلاله تركيا تعزيز أقدامها وتوسيع نفوذها في منطقة القرن الأفريقي تحت عنوان الإسهام في إرساء السلام بالقرن الأفريقي وحوض النيل. وعلى جانب آخر، يعتقد أن التقارب التركي الأثيوبي له علاقة بمحاولة ممارسة ضغوط مشتركة على مصر في قضايا خلافية[25].

وفي مقالة كتبها وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” في عام 2022 بعنوان “الاحتفال بيوم أفريقيا” بمناسبة “يوم أفريقيا” الموافق 25 مايو من كل عام، نشرتها العديد من وسائل الإعلام الأفريقية، قال إن علاقات بلاده مع دول القارة الأفريقية تتطوَّر بشكلٍ سريعٍ ومستقرٍّ، وأكد أن الحفاظ على سلام واستقرار وأمن القارة مسؤولية مشتركة. وأضاف أن تركيا باتت “مركزا أفريقيا” نتيجة عمق العلاقات والتوافد الكثيف للطلاب ورجال الأعمال الأفارقة إليها خلال الأعوام العشرين الماضية[26].

وذكر “جاويش أوغلو” أن بلاده تُولِي أهمية بالغة لتعزيز علاقاتها مع دول القارة الأفريقية على كافة الصُّعد والمجالات، مبيِّنًا أن عدد السفارات في القارة ارتفع إلى 44 سفارة. وتابع قائلا الرئيس التركي هو الزعيم الأكثر إجراءً للزيارات إلى دول القارة[27]..

2- المسار الدبلوماسي الإيراني:

ربما لم تكن الزيارات على المستوى ذاته في الجانب التركي، ولكنها لم تغب. ففي عهد الرئيس “حسن روحاني”، قام بإيفاد وزير خارجيته “جواد ظريف” لعدة أقاليم أفريقية[28].

على سبيل المثال، في فبراير 2015، استهلَّ وزير الخارجية الإيراني جولته الأفريقية بزيارة كينيا ومن ثم زار أوغندا متوجِّهًا بعدها إلى بوروندي واختتم جولتَه بزيارة تنزانيا. وكان “ظريف” قد التقى خلال زيارته أوغندا رئيس الجمهورية ووزير الدولة وكيل وزارة الخارجية ورجال الأعمال والإيرانيين المقيمين. وتفقَّد مقرَّ جمعية الهلال الأحمر التابعة للجمهورية الإسلامية الإيرانية في العاصمة كمبالا. والتقى ظريف في بوروندي نظيره وعددًا آخر من المسؤولين فيها للبحث معهم بشأن العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية. بما يوضح أهمية دول شرقي أفريقيا في الرؤية الاستراتيجية الإيرانية[29]. وفي يوليو 2016 قام “ظريف” بجولة أفريقية شملت نيجريا وغانا وغينيا ومالي[30].

من أبرز الزيارات المتبادلة خلال فترة الدراسة، زيارة رئيس البرلمان الكيني لإيران في سبتمبر 2016. وقد صرَّح رئيس مجلس الشورى الإيراني “علي لاريجاني” خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الكيني “جوستين موتوري” أنهما بحثا سبل تعزيز العلاقات البرلمانية. وأوضح “لاريجاني” أنهما تناولا قضية الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأضاف، إن “رؤانا في مجال مكافحة الإرهاب وعزم البلدين متقارب جدًّا ونأمل بالمزيد من التعاون”. كما التقى “روحاني” مع “موتوري”، مشيرًا إلى أنه على الجانبين اغتنام الفرصة التي بعد رفع العقوبات عن طهران لتوسيع التعاون بينهما[31].

أما في عهد الرئيس الحالي “إبراهيم رئيسي”، ففي أغسطس 2022، قام وزير خارجيته “حسين أمير عبد اللهيان”، بجولة أفريقية، ضَمَّتْ مالي وتنزانيا وزنجبار، وتُعَدُّ الجولة هي الأولى له إلى أفريقيا منذ تولِّيه حقيبة الخارجية الإيرانية. وكان قد أعلن “عبد اللهيان”، قبل بداية جولته الأفريقية، أن ثمَّة أولويات بالنسبة لعلاقات إيران الخارجية، وهي آسيا والدول المجاورة، بالإضافة إلى أفريقيا. وجاءت زيارة “عبد اللهيان” إلى باماكو بعد زيارة نظيره المالي “عبد الله ديوب”، إلى طهران في فبراير 2022، ممَّا يكشف عن أن الزيارة الحالية تهدف للبناء على ما تم الاتفاق فيه سابقًا. وشهدت زيارة “عبد اللهيان” لمالي انعقاد أول دورة لـ” اللجنة المشتركة الإيرانية – المالية للتعاون”، ترأَّسها وزيرا خارجية البلدين، والتي تستهدف تعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين، كما تمَّ تسليم الحكومة المالية 100 ألف جرعة من لقاح “بركات كوفيد” المحلي كجزء من المليون جرعة من لقاح فيروس كورونا التي تبرَّعت بها طهران لباماكو.

وبالنسبة لزنجبار، التي تُعَدُّ ذات أهمية جيواستراتيجية كبيرة بالنسبة لطهران، التي تسعى لتوسيع نطاق حضورها في المحيط الهندي. لا سيما مع قرب تنزانيا وزنجبار من قناة موزمبيق التي تمثِّل بؤرة اهتمام دولي راهن كبديل محتمل لطرق الشحن والتجارة في البحر الأحمر، حيث تسْعى إيران إلى استخدامها كورقة ضغط لإحداث اضطرابات في التجارة العالمية في أوقات الأزمات[32].

ثالثًا- المسار الاقتصادي

تُعَدُّ الأداة الاقتصادية من أهم أدوات التحرُّك التركي والإيراني إزاء أفريقيا، فمعظم دول القارة الأفريقية تُعاني أزمات اقتصادية، وهذا الأمر أفْسح المجال لآلياتٍ متعدِّدة تعبِّر عن فهم حقيقي لما تحتاجه دول القارة، مثل: المشاريع التنموية، والاستثمارات، والتعاون في مجال الطاقة، فضلًا عن المساعدات.

1- المسار الاقتصادي التركي:

بلورت مديرة غرب ووسط أفريقيا بالخارجية التركية السفيرة “نور ساغمان” الرؤية التركية في قولها إن علاقات التعاون التي تطوِّرها تركيا مع أفريقيا تعتمد على مبدأ “رابح-رابح”. وأكَّدت أن أنقرة ترى أن موارد القارة يجب أن تستخدم لمصلحة الأفريقيِّين، وتقوم بتطوير تعاونها وشراكاتها في هذا الإطار[33].

وعن العلاقات الاقتصادية، أفادت بيانات تركية رسمية أن “حجم التبادل التجاري مع القارة الأفريقية ارتفع من 5.4 مليار دولار أمريكي عام 2003، إلى 25.3 مليار دولار عام 2020”[34]. بينما أعلن “جاويش أوغلو” في مقاله سالف الذكر أن حجم التبادل التجاري بين تركيا ودول القارة الأفريقية خلال عام 2021 بلغ 34.5 مليار دولار[35].

كما أن “القيمة الإجمالية للاستثمارات التركية المباشرة في أفريقيا تجاوزت 6 مليارات دولار”. ويُقَدَّرُ أن “عدد المشاريع التي تولَّاها مقاولون أتراك في أفريقيا بلغ ألفًا و686 مشروعًا، بقيمة إجمالية بلغت 78 مليار دولار”.

أما الاتفاقيات سارية المفعول مع الدول الأفريقية لتعزيز التعاون الاقتصادي، فهي:

اتفاقية تعاون تجاري واقتصادي (موقَّعة مع 48 دولة) – اتفاقية التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات (موقَّعة مع 32 دولة) – اتفاقية تجنُّب الازدواج الضريبي (موقَّعة مع 16 دولة)[36].

وتُعَدُّ الصومال من أبرز النقاط الاقتصادية التي تعمل عليها تركيا، حيث تحاول استغلال الحالة السياسية من خلال المشاريع الاقتصادية والاستثمارات التجارية. حيث كشف “أردوغان” عن مباحثات تركية–صومالية بشأن التنقيب عن النفط في المياه الإقليمية للصومال، قائلًا إن هناك “عرضًا من الصومال من أجل القيام بهذه المهمة على غرار ما تقوم به تركيا قبالة السواحل الليبية”[37].

وتأتي إثيوبيا كقوة سياسية واقتصادية لها ثقلها بالنسبة لتركيا، حيث تنال إثيوبيا الحصة الأضخم من الاستثمارات التركية في شرق أفريقيا[38]. ووصل حجم التجارة مع إثيوبيا إلى مليار دولار عام 2021[39]. وتعتبر جيبوتي بوابة عبور بحري وقاعدة تجارية مهمَّة لتركيا في المنطقة والتي من خلالها يمكن السيطرة واستخدام موانئ التصدير لزيادة الاستثمارات التركية في المنطقة، كما تُعَدُّ كينيا مرتكزًا استثماريًّا مهمًّا لتركيا يمكن الاستناد عليها[40].

وعلى صعيد المساعدات، أعلنت مديرة غرب ووسط أفريقيا بالخارجية التركية أن تركيا قدَّمت مساعدات إنمائية مهمَّة للدول الأفريقية على مدار الـ 14 عامًا الماضية بلغت 2,2 مليار دولار. كما تشارك الشركات التركية في حوالي 1700 مشروع أفريقي[41]. وتجدر الإشارة إلى أنه وبدعوة “أردوغان” أطلق الهلال الأحمر التركي حملة “فلتكن أنت الأمل” في عام 2017 من أجل جمع التبرعات لدول شرق أفريقيا. وفي نفس العام أيضًا تمَّ تنظيم مؤتمر “الصحة في أفريقيا” حضره وزراء صحة الاتحاد الأفريقي والعديد من المؤسسات الصحية التركية والأفريقية، بهدف بحث المشاكل التي يُعاني منها القطاع الصحي الأفريقي، وتقديم المساعدات والتجهيزات التركية[42]. وقُدِّرَ حجم المشاريع التي موَّلتها الوكالة التركية للتعاون والتنسيق “تيكا” بين عامي 2011 و2018 في الصومال بقرابة 500 مليون دولار[43].

مثَّلت المأسسة كذلك ملمحًا مهمًّا، فعلى سبيل المثال، انعقد منتدى التجارة الأفريقي في إسطنبول في أكتوبر 2021[44]. أيضًا كانت استضافت أنقرة في نوفمبر 2016 أول منتدى أعمال أفريقي-تركي حضره 3000 مشارك، من بينهم 2000 يمثلون المجتمع الاقتصادي لـ45 دولة أفريقية[45]. وقام مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي بإنشاء مجالس عمل مع 35 دولة أفريقية لتطوير العلاقات التجارية بين الطرفين. وفي مدينة أنطاليا تم عقد اجتماع لوزراء زراعة دول الاتحاد الأفريقي مع نظيرهم التركي في أبريل عام 2017[46].

وبشأن القمة المشتركة الثالثة، سالفة الذكر، فتقوم استراتيجية تركيا الاقتصادية في إطارها على تسويق منتجاتها المختلفة ترافقها سياسة التدخُّل الناعم عبر دعم القطاعات الخدمية وإعادة إعمار البنى التحتية ودعم المؤسسات الحكومية، والاستجابة العاجلة للكوارث الطبيعية المتْخمة في أفريقيا، تأكيدًا على أن الجوانب الإنسانية جهدٌ مشتركٌ وأن لا تكون العلاقة مبنيةً بالتبادلية النفعية فقط[47].

2- المسار الاقتصادي الإيراني:

لم تصل بعد إيران إلى المستوى المطلوب من التعاون الاقتصادي مع أفريقيا، وإن كان هناك بعض المؤشرات الإيجابية. يمكن رصد بعض المؤشرات، إذ أعلن مدير عام المكتب العربي والأفريقي لمنظمة تنمية التجارة الإيرانية “فرزاد بيلتن” أن الصادرات الإيرانية إلى أفريقيا قد سجلت رقمًا قياسيًّا مقارنةً بالسنوات السابقة، موضحًا أنها بلغت 579 مليون دولار إلى أفريقيا عام 2020، لكن هذا الرقم لامس 1195 مليون دولار في عام 2021 بزيادة قدرها 107٪.

وحول شركاء التصدير الرئيسيين لإيران في أفريقيا عام 2021 ذكر أن حجم  الصادرات إلى غانا بلغ 353 مليون دولار في المرتبة الأولى، وجنوب أفريقيا 254 مليون دولار في المرتبة الثانية، ونيجيريا 125 مليون دولار في المرتبة الثالثة، تليها: موزمبيق 98 مليون دولار، وكينيا 77 مليون دولار. وبلغت واردات إيران من أفريقيا عام 2021 حوالي 60 مليون دولار، أي بانخفاض قدره 37٪ مقارنة بعام 2020 وكانت معظم واردات إيران من تنزانيا وغانا وإثيوبيا وجنوب أفريقيا وكينيا على التوالي[48].

أبرز مجالات التعاون الاقتصادي:

بين إيران ودول القارة، أداة مهمة تستخدمها في تحقيق أهدافها الاقتصادية، ولا سيما في إقليم غرب أفريقيا، ألا وهي “دبلوماسية النفط” والتي تعْني تخفيض إنتاج النفط من أجل رفع أسعاره[49]. أيضًا هناك مصانع سيارات في السنغال وهناك استثمارات في المحطات النووية، وتعاون في المجالات الزراعية والمعدَّات والطاقة مع كينيا، وتعاون كذلك على الصعيد السياحي[50].

كما اعتمدت إيران على ورقة المساعدات والقروض نظرًا لحاجة دول القارة الأفريقية لها. وتعدُّ المؤسَّسات الاقتصادية ذات الإمكانيات المالية الكبيرة من أهمِّ الأدوات التي تستخدمها إيران من أجل تحقيق أهدافها ومصالحها في دول القارة، ومن أهم هذه المؤسَّسات مؤسَّسة البنياد ومؤسَّسة المستضعفين والشهيد الإمام الرضا والخامس عشر من خرداد[51].

وفي زيارته إلى تنزانيا، سالفة الذكر، أكَّد “عبد اللهيان” استعداد بلاده للاستثمار في عدَّة مجالات، أبرزها التعدين والزراعة ومصايد الأسماك وتربية الحيوانات. وفي هذا السياق، تمَّ إنشاء “اللجنة الاقتصادية المشتركة” بهدف متابعة المشروعات المشتركة بين البلدين[52].

لكن مع ذلك هناك صعوبات تحول دون الوصول إلى مستوى التعاون الاقتصادي المرجو بين الجانبين، وقد تأسَّس مركز الاستثمار الإيراني–الأفريقي عام 2016 بهدف “استكشاف الطاقات وآليات الاستثمار “في الدول الأفريقية، ولكن المركز بالإضافة إلى مجلس التعاون الاقتصادي الإيراني-الأفريقي الذي بدأ أعماله في عام 2000 لم يتمكَّنا من تسهيل طريق إيران لدخول القارة الأفريقية بما يكفي الطموح الإيراني طيلة سنوات، نتيجة العقوبات على إيران، وغياب الاتفاقات اللازمة لتيسير عملية التعاون الاقتصادي[53].

رابعًا- التواجد الأمني والعسكري

التعاون العسكري هو محور مهم آخر لسياسة كلٍّ من تركيا وإيران بالقارة الأفريقية؛ فبسبب عدم الاستقرار السياسي المستمر والتهديدات الأمنية في أجزاء مختلفة من القارة، تلجأ معظم الحكومات الأفريقية إلى الوسائل العسكرية لمعالجة هذه المخاوف. ومن ثم هناك دائمًا فرصة للجهات الفاعلة الجديدة لتشكيل تحالفات عسكرية[54]. وفي الوقت ذاته، توظِّف تلك الجهات الفاعلة السياقات الأفريقية المضطربة بما يخدم مصالحها، ومن بينها تجارة السلاح.

1- التواجد العسكري التركي:

اعتمدت تركيا عدَّة آليات، منها: التدريب، ففي سبتمبر عام 2017 بدأ العمل في مركز التدريب العسكري الذي أنشأتْه تركيا في مقديشيو العاصمة الصومالية، وذلك بهدف تدريب الجنود استعدادًا لتشكيل الجيش الوطني الصومالي[55].

وفي مطلع نوفمبر 2019 قام وزير الدفاع التركي، “خلوصي أكار”، بزيارة إلى السودان والصومال، وتضمَّنت زيارته جزيرة سواكن المُطِلَّة على البحر الأحمر، والتي منحتْها الحكومة السودانية لتركيا لإعادة ترميمها على الطراز العثماني وفق الهدف المعلن، لكن على جانب آخر اعتُبر أن هدف الزيارة بحث إقامة قواعد عسكرية للتدريب في جزيرة سواكن السودانية. وعلاوة على ذلك؛ ذكرت بعض الوسائل الإعلامية التركية أن أنقرة تبحث إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي إلى جانب القاعدة التركية في الصومال[56].

الصناعات العسكرية وتصديرها مثَّلت جانبًا مهمًّا، فالطائرات التركية دون طيَّار متغير مهمٌّ في العلاقات العسكرية التركية-الأفريقية، على سبيل المثال، أعربت أنجولا عن اهتمامها بالطائرات التركية دون طيار خلال زيارة “أردوغان” الرسمية الأولى إليها في أكتوبر 2021. وقال “أردوغان” مرحبًّا بعد جولته في أنجولا ونيجيريا وتوجو، “أينما ذهبت في أفريقيا، الجميع يتحدَّث معي بالطائرات من دون طيَّار (بيرقدار)”.

ووقَّعت تركيا أيضًا عقد تعاون عسكري في أغسطس 2021 مع رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” الذي يخوض حربًا مع متمرِّدي جبهة تحرير شعب تيجراي. غير أن الأمر أثار تساؤلات بسبب وحشية الصراع في تيجراي الذي خلَّف آلاف القتلى من المدنيِّين ونزوح مئات الآلاف، وفقًا للأمم المتحدة[57]، ومن ثم الشكوك حول مصداقية الشعارات التركية حول السلام والاستقرار بالقارة[58].

2- التواجد العسكري الإيراني:

يُعَدُّ التواجد العسكري الإيراني هو الأخطر، سواء في أفريقيا أو خارجها، حيث الاعتماد على تجنيد الخلايا في مختلف دوائر النفوذ الإيراني، على سبيل المثال، في 24 يونيو 2019 نشر موقع صحيفة التليجراف البريطانية تقريرًا عن بناء إيران لشبكات من خلايا إرهابية سرية في عمق القارة الأفريقية تخطِّط لمهاجمة أهداف أمريكية وأوروبية. هذه الشبكة الجديدة تخضع وفقًا للتقارير لسيطرة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وترتبط عملياتيًّا بالوحدة 400 من القوات الخاصة للفيلق، ويمتدُّ نشاطها ليشمل عددًا من دول أفريقيا جنوب الصحراء، إذ تنتشر في كلٍّ من السودان وتشاد والنيجر وغانا وجامبيا وأفريقيا الوسطى، وتضمُّ قائمة أهدافها المحتملة السفارات والقواعد العسكرية الأجنبية والموظفين الأجانب في هذه البلدان. ووفقًا لمسؤولين بريطانيِّين فقد شرعت إيران في تأسيس هذه الخلايا عقب توقيع الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية عام 2015 لتمثِّل أذرعًا بديلة لتنفيذ المخططات الإيرانية في أفريقيا[59].

ومؤخَّرًا تكرر الكشف عن مخططات إيرانية أكثر من مرة في عام 2021 حيث إحباط مخططات إرهابية إيرانية في أفريقيا بمساعدة أجهزة غربية، فقد نجحت أجهزة مخابرات مشتركة في فبراير 2021 في عرقلة خلايا تحْظى بدعم إيراني من شَنِّ هجمات على سفارات أجنبية في إثيوبيا والسودان[60].

وذلك ليس بجديد، فعلى الساحل الغربي للقارة الأفريقية ضبطت قوات الأمن النيجيرية عام 2010 كميات كبيرة من الأسلحة إيرانية الصنع من بينها قاذفات صواريخ، كما تمَّ إلقاء القبض على عنصرين إيرانيين من فيلق القدس وثلاثة مواطنين نيجيريَّيْن بتهمة حيازة الأسلحة الإيرانية[61].

أيضًا في شرق القارة الأفريقية، قامت السلطات الكينية في نوفمبر عام 2015 بالكشف عن مخطَّط إيراني مماثل، كما سبق للسلطات الكينية عام 2012 أن ألْقت القبض على إيرانيين بتهمة التخطيط لتفجير عدد من المصالح الغربية[62].

كما يعمل فيلق القدس مع حزب الله في جمهورية أفريقيا الوسطى لتجنيد عناصر جماعة مسلحة تسمى «سرايا الزهراء» وتدريبهم، بهدف تنفيذ هجمات على أهداف استراتيجية في المنطقة.

وقد انخرطت إيران بشكل غير مباشر في الحرب التي استمرت عامًا في منطقة تيجراي الإثيوبية، إذ أمدَّت القوات الجوية الإثيوبية باثنتين على الأقل من الطائرات المسيَّرة المقاتلة. وتسبَّبت هاتان الطائرتان في وقوع قتلى وجرحى في صفوف المتمرِّدين[63]، وهذا يُعيد إلى الذهن الانتقادات الموجَّهة إلى تركيا.

بالإضافة إلى مسار آخر، في شرق القارة ودول القرن الأفريقي حيث ما يُطلق عليه “استراتيجية الجهاد البحري. وتعني نقل الصراع من مضيق هرمز، إلى دول القرن الأفريقي، وهذا ما يفسِّر دعم إيران للحوثيين في اليمن.

كما طوَّرت فكرة مصفاة البترول الإيرانية في إريتريا، وقد ساهم في زيادة نفوذها في هذه المنطقة النزاعات الحدودية بين بعض الدول كإريتريا وإثيوبيا. وهي تهدف إلى تعميق هذا النُّفوذ حتى يمكنها ذلك من أن تكون متواجدة على مقربة من الممرَّات البحرية، تحسُّبًا لأيِّ تحرُّك عسكري قد يهدِّد مصالحها[64].

خامسًا- التغلغل الثقافي

1- السياسات التركية الثقافية:

تعتمد تركيا عدَّة مسارات لتعميق تواجدها الثقافي في أفريقيا، ولكنها بشكلٍ عام أقرب إلى التقليدية –مع كثافتها- وذلك بخلاف إيران التي توظِّف الأبعاد الطائفية كما سنرى فيما بعد.

على سبيل المثال تعقد تركيا المنتديات والمؤتمرات السنوية بين الصحفيين الأفارقة والأتراك، إضافة إلى توسُّعها في تنظيم الرحلات، وتوجيه دعوات منظمة إلى المثقفين وقادة الفكر والإعلام في الدول الأفريقية.

جدير بالذكر في هذا الصدد عقد القمة التركية-الأفريقية للإعلام في مايو 2022 (التي نظَّمتها دائرة الاتصال في الرئاسة التركية)، التي أكَّدت أن أنقرة وضعت الإعلام كجزء من استراتيجيَّتها للتمدُّد في أفريقيا. وقد شارك في القمة 80 صحفيًّا من 45 دولة أفريقية ودبلوماسيون أفارقة ومسؤولون عن مؤسسات رسمية وخاصة ومنظمات مدنية وأكاديميُّون من الجانبين[65].

كما تؤسِّس منصات إعلامية، إذ أطلقت عديدًا من المواقع باللغات المختلفة لكي تصل الرسائل التركية السياسية إلى المواطنين في أفريقيا[66]. وفي أبريل 2022 أعلنت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية (TRT) إطلاق منصة رقمية متخصِّصة بنشر الأخبار والمواد الإعلامية المختلفة لمخاطبة الجمهور الناطق باللغة الفرنسية. وفي حين بدا الهدف من إطلاق خدمة باللغة الفرنسية مناكفة فرنسا التي تشهد علاقتها بتركيا توترًا شديدًا خلال السنوات الأخيرة (وليس النفوذ في أفريقيا ببعيد عن أسباب الخلاف)، إلا أنه يمكن اعتبار الخدمة موجَّهة بالأساس للدول الأفريقية الناطق أغلبها باللغة الفرنسية[67].

على صعيد التعليم، فبجهود مشتركة بين وزارة التعليم التركية ووقف المعارف التركي، تمَّ تنظيم مؤتمر التعليم التركي-الأفريقي الأول في مدينة إسطنبول في أكتوبر عام 2017. كما قدَّمت تركيا منذ عام 1992 حتى عام 2017 ما مجموعه 8640 منحة لدراسة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، بالإضافة إلى عدد كبير من المنح المهنية والدورات المعرفية لطلاب ومهتمين أفارقة في مختلف الاختصاصات[68].

ويُشار إلى أنه بديلًا عن مدارس حركة الخدمة المعارضة والمتَّهمة بالانقلاب باتتْ إدارة “أردوغان” تعمد إلى إيجاد مؤسَّسات بديلة[69].

ويلاحظ حضور لافت للسيدة أمينة أردوغان -السيدة الأولى في تركيا- على صعيد العلاقات مع أفريقيا، فقد رَعَتْ في العاصمة أنقرة افتتاح البيت الثقافي وسوق الأشغال اليدوية الأفريقي في عام 2016[70].

وفي مقابلة معها، بخصوص كتابها الجديد عن أفريقيا، صرَّحت: “نحن نرى إنجازات أفريقيا ورخاءها باعتبارها إنجازاتنا ورخاءنا. إن علاقاتنا مع أفريقيا تمنح تاريخ العالم مثالًا جميلًا للإنسانية”[71].

2- السياسات الإيرانية الثقافية:

يبدو المسار الإيراني الثقافي استكمالًا للسياسة العسكرية بغضِّ النظر عن أي شيء آخر، وإن تلبَّس أحيانًا بثوب الإنسانية ونصرة المظلومين. فقد دأبت إيران منذ عقود على تحويل أي قناة تقليدية أو غير تقليدية في أفريقيا –بل وغيرها من مناطق النفوذ- إلى أداة لنشر التشيُّع، بما يضمن لها التأثير في المجتمعات وإعادة تشكيلها لصنع نخب تدين بالولاء لطهران، فضلًا عن الخلايا العسكرية.

ويعود ذلك إلى فشل مبدأ “تصدير الثورة” الذي حَلَّ محله فكرة “الجيوبوليتيك الشيعي”، وهي الفكرة الراسخة في السياسة الإيرانية منذ حرب العراق عام 2003 لاحتواء المساحة السنية الممتدَّة من الخليج إلى المحيط، ليمتدَّ الأمر إلى احتواء العالم الإسلامي وامتداداته، وصولًا إلى المجال الحيوي في أفريقيا[72].

ومن أبرز المؤسسات التي تعمل في هذا الإطار:

– جمعية أهل البيت العالمية: وهي تروِّج للفِكر الشيعي، وتشرف على العلاقات بين الشيعة الأفارقة وشيعة العالم.

– المنظمة الإسلامية للتنمية IDO: التي تتولَّى مهمَّة نشر المواد الدينية والدعائية، وإرسال المبشرين الدينيين إلى أفريقيا والدول الأجنبية.

يدير قسم الشؤون الخارجية في وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي الملحقين الثقافيين في السفارات الإيرانية في الخارج، ممَّن ينسِّقون النشاطات الدينية التبشيرية في أفريقيا. وحتى عام 2020 كان هناك حوالي 16 ملحقًا ثقافيًّا إيرانيًّا في البلدان الأفريقية، يتولون مهمَّة متابعة الأنشطة الدينية، التي تنفِّذها “منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية”[73].

وبشأن النطاق الأساسي لنشر التشيع، فقد تركَّز بادئ الأمر في غرب أفريقيا. ومن العوامل التي ساعدت على ذلك في بنية الصراع المذهبي، طغيان التصوف في بعض الدول الأفريقية لاسيما السنغال. وهو ما استغلَّته إيران جيِّدًا، حيث التشابه بين وجود مرجع شيعي وبين شيخ الطريقة الصوفية. فضلًا عن أوجه التشابه في المناسبات والأعياد وبعض الطقوس الدينية[74].

اتَّجهت إيران كذلك إلى الشرق الأفريقي، لا سيما مع أهميته الاستراتيجية سالفة الذكر بالنسبة لها. وتجسِّد كينيا نموذجًا لمحاولة إيران استمالة بعض الدول الأقل احتمالًا للتحالف معها، فهي دولة ذات غالبية مسيحية، ولكن بها أقلية شيعية يمكن أن تكون أداة للتغلغل فيها، كما أن كينيا تحتل مكانة كبيرة في أجندة السياسة الإيرانية في أفريقيا، وذلك يعود إلى الأهمية الاستراتيجية لميناء مومباسا[75]. أيضًا امتدَّت أنشطة التشيُّع في جنوب وشمال القارة، وكانت الاستجابة في الجنوب أكثر.

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي مكَّن للتشيُّع، خاصة برعاية إيرانية في أفريقيا؟

– مرونة الشخصية الأفريقية: فقد استوطنت أفريقيا كثير من المعتقدات الوافدة، ويرجع ذلك إلى مرونة الشخصية الأفريقية، وقد أدرك الشيعة هذه السمة، فسعوا إلى القارة السمراء يروجون لمذهبهم تحت دعاوى محبة «أهل البيت».

– ضعف دور المؤسسات الدينية السُّنية: سواء الأزهر الشريف أو الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وجمعية الدعوة الإسلامية العالمية بليبيا، وجامعة الزيتونة في تونس[76]. فما كان لإيران أن تجد طريقها لولا ضعف دور الأزهر تحديدًا في أفريقيا بسبب انكفائه على الداخل وعدم حضوره كلاعبٍ قويٍّ في أفريقيا مثلما كان في فترات سابقة[77].

ويعمِّق من الأثر السلبي تقييد دعم النشاط الدعوي السُّنِّيِّ بحجَّة مكافحة الإرهاب: فقد طوَّقت الدول الغربية أبرز الجمعيات الإسلامية المموِّلة للدعوة الإسلامية في أفريقيا بحجَّة مكافحة الإرهاب[78].

– إقامة دول عربية علاقات رسمية مع الكيان الصهيوني: وهو ما سمح لحركة التشييع في الإفادة من خيبة أمل بعض المسلمين الأفارقة في تلك البلدان، وتهيئتهم لقبول (الفكرة الثورية الحسينية) الرافضة لممارسات تطبيعية مع الصهاينة[79].

تتنوَّع مداخل التشيع بين الاجتماعي والسياسي والديني، وتتمثَّل أهمُّها فيما يلي:

– توظيف النطاق الإعلامي والتعليمي: حيث يقع أحد المراكز الثقافية الإيرانية في كينيا بوسط مدينة نيروبي لتعليم اللغتين العربية والفارسية، والعلوم الإسلامية. ويصدر المركز الكثير من المجلات، من أهمها: رسالة التقريب، ومجلة الهدى للأطفال[80].

المزاوجة بين المصالح الاقتصادية ونشر التشيع: فكثيرًا ما تستغل طهران علاقاتها الدبلوماسية مع الدول الأفريقية والتعاون الاقتصادي لدعم الأنشطة التي تروِّج للتشيع، إذ يُستغَل بذل المال الكافي لضمان تدفُّق (الدعوة) والاستثمار معًا جملة واحدة؛ لا سيما في نيجيريا وكينيا وجنوب أفريقيا والسنغال وغانا[81].

– المشاريع الإنسانية في الدول الأفريقية: تحت إشراف مباشر من الهلال الأحمر الإيراني، لكن ما جرى ملاحظته بشكل وثيق هو أن النشاطات “الإنسانية” حملت طابعًا إيرانيًّا دينيًّا صريحًا، على مرأى من الحكومات الأفريقية، التي غَضَّ بعضُها البصرَ في ظلِّ الأوضاع المعيشية المأساوية[82].

دور المهاجرين: لعب المهاجرون الشيعة بشكل عام دورًا مهمًّا في نشر التشيُّع في كل أفريقيا، غير أنه أكثر وضوحا وديمومة في جنوبها على عكس شمالها، خاصةً الجالية اللبنانية التي تقوم بدور كبير في عملية التبليغ الشيعي في البلاد الأفريقية، إذ تشير بعض الإحصائيات إلى أن 350 ألف لبناني على الأقل منتشرون عبر القارة، وتمثِّل ساحل العاج، والسنغال، ونيجيريا أهم مراكز الجاليات اللبنانية.

– التعاون مع دول الجوار في نشر التشيع: لا يقتصر النشاط التبشيري الشيعي على كلِّ دولة بشكل مستقل وإنما يوجد تنسيق عابر للحدود، وهذا النوع من النشاط متواجد بشكل كبير في دول جنوب الصحراء، ومن الأمثلة على ذلك أنه يتمُّ ابتعاث الطلاب من غينيا بيساو إلى مدارس شيعية في السنغال.

– دور الجماعات الصوفية، والتصوف: وقد سبقت الإشارة لهذا الأمر[83].

ومن الفعاليات الإيرانية في مسار نشر التشيُّع في أفريقيا: عقد المؤتمرات لنشر التشيع في أفريقيا، ومن ذلك المؤتمر الذي استضافته مدنية قم الإيرانية عام 2016 لنشر التشيُّع في 30 دولة أفريقية. المؤتمر جاء تحت عنوان “الدعوة والترويج ونشر التشيع”، للتعريف بالإمام المهدي ورسالته في الدول الأفريقية. وانبثق عن المؤتمر العديد من اللجان التشاورية واللجان التخصُّصية الأفريقية، بإشراف الأساتذة الإيرانيِّين[84].

تتباين ردود الفعل الرسمية في الدول الأفريقية بشكل عام تجاه حركة التشيُّع، فهناك حكومات لا تعارض الأنشطة الشيعية التبشيرية، بل على العكس ترحب بها، كبِنين، وبوركينا فاسو، وسيراليون، وغانا، وإثيوبيا، بينما ترفض دول أخرى ذلك رفض قاطعًا، مثل جامبيا، والنيجر، وتشاد، والجابون جزئيًّا، والكاميرون، في حين نجد دولًا كانت تسمح بذلك ثم عارضتْه، وتوتَّرت العلاقة بينها وبين إيران على غرار نيجيريا والسودان[85]. فقد توتَّرت العلاقات مع نيجيريا بسبب اتهامات لطهران بدعم حركة الزكزاكي الشيعية، واتهامات أخرى بدعم حركات انفصالية مثل كاسامانس في السنغال. وهذا ما دفع دولًا سُنية إلى الدخول بثقل في أفريقيا لمواجهة النُّفوذ الإيراني هناك، وعلى رأس هذه الدول، السعودية وبعض الدول الخليجية[86].

ردود الفعل الإقليمية (الخليج)، وإدراكًا منها لمخاطر تزايُد النُّفوذ الإيراني في أفريقيا خاصة المذهبي (لا سيما في ظلِّ أبعاده العسكرية)، فقد تحرَّكت دول مجلس التعاون الخليجي خاصة السعودية للتغلغُل في القارة الأفريقية. حيث القلق إزاء السيطرة الإيرانية في نطاق البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وهو المعبر لأكثر من 70٪ من نفط الخليج الذي يتم تصديره إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، علاوة على أنه ممرٌّ مهمٌّ لأية تحرُّكات عسكرية قادمة من أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الخليج العربي.

وفي هذا السياق، فعَّلت المملكة العربية السعودية استراتيجية مضادة (وإن كانت ليست بفاعلية نظيرتها الإيرانية)[87]. فقد سعت السعودية إلى بناء قاعدة عسكرية لها في جيبوتي، الدولة المطلَّة على الجانب الغربي من مضيق باب المندب، وكانت باكورة التحرك السعودي نحو جيبوتي، حيث بدأت بمنحها 5 زوارق بحرية سريعة ومتطوِّرة، في عام 2015، مع تكثيف الوجود العسكري فيها.

بالتوازي تحرَّكت الدبلوماسية السعودية نحو إريتريا، ففي أبريل 2017 وخلال زيارة الرئيس الإريتري “أسياس أفورقي” إلى السعودية، توصَّلت معها إلى اتفاق تعاون عسكري وأمني واقتصادي لمحاربة الإرهاب والتجارة غير المشروعة والقرصنة في مياه البحر الأحمر، وعدم السماح لأي تدخُّلات أجنبية في الشأن اليمني. هذا فضلًا عن العلاقات السعودية-الإثيوبية، التي تطوَّرت أخيرًا خاصة في دعم الحكومة في مشروع بناء سدِّ النهضة، وإن كان ذلك يتعارض بصورة واضحة مع المصالح المصرية[88].

أيضًا ركَّزت السعودية اهتمامها في المنطقة على الجوانب الدعوية والتربوية في مجتمعات شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، وأنفقت مليارات الدولارات في سبيل الترويج لأنشطتها ذات التوجُّه الديني والدعوي للنهج السلفي السُّني، خاصة في ظلِّ وجود عدد من الدول الإسلامية في المنطقة مثل الصومال وجيبوتي والسودان وجزر القمر، الأمر الذي من شأنه الوقوف ضدَّ المشروع الشيعي الإيراني في المنطقة[89]. وفي عام 2015، أفاد تقرير لمركز الجزيرة بأنَّ السعودية أنفقت حوالي 84 مليار دولار لدعم أنشطة ذات توجُّه ديني ودعوي[90].

الحضور السعودي اعتمد في أغلبه على الجانب التنموي، وفق تصريحات رسمية بعضها جاء على لسان وزير الدولة للشؤون الأفريقية بالمملكة “أحمد قطان”، الذي قال إن السعودية تبرَّعت عام 2017 بنحو 100 مليون دولار، لمكافحة التنظيمات الإرهابية ودعم التنمية والاستقرار في دول الساحل الأفريقي. وقال إن مركز الملك سلمان للأعمال الإنسانية قام بتخفيف معاناة من تعرَّضوا للعمليات الإرهابية في هذه الدول. أيضًا، عقدت السعودية بعض الملتقيات كملتقى خادم الحرمين الشريفين لخريجي الجامعات السعودية من أفريقيا، والذي يُعقد في دول أفريقية مختلفة[91].

كذلك أنشأت السعودية أكثر من 200 مسجد في جميع أنحاء السنغال. وفور بدء حرب اليمن، إذ أرسلت السنغال 2000 جندي إلى السعودية. أيضًا، دعمت السعودية حركة “إقامة السنة وإزالة البدعة” التي أسَّسها “أبو بكر جومي”، ممثل نيجريا في رابطة العالم الإسلامي[92].

خاتمة:

كان استحضار المشترك الثقافي والإنساني واضحًا في الخطابين التركي والإيراني إزاء أفريقيا، كما تدلُّ المؤشِّرات على أصعدة مختلفة على تمكُّن الدولتين من تحقيق العديد من الأهداف والمصالح الخاصة بهما، وإن كان بدرجاتٍ مختلفة (حماية مصالح استراتيجية – مكاسب اقتصادية – تواجد عسكري – حضور ثقافي)، ولكن إلى أي مدى صدقت الخطابات؟ وهل تحققت مصالح للقارة الأفريقية في الاتجاه الصحيح (أي على المدى الطويل)؟

بداية، لا يمكن الادِّعاء أنه في مثل هذا التقرير المحدود بالإمكان إصدار حكم في هذا الصدد، فالأمر يحتاج إلى بحث أكثر تفصيلًا وتدقيقًا، إلَّا أنه يمكن الوقوف على تقييم عام.

بالنسبة لتركيا، فأثناء محاولتها تطوير مصالحها، هدفت تركيا أيضًا إلى المساهمة في أهداف التنمية المستدامة للدول الأفريقية، عبر توظيف مفهوم الشراكة المتكافئة والنهج المربح لكل الأطراف. كما ضخَّت بالقارة ديناميكية جديدة للدول الأفريقية التي تضرَّرت تاريخيًّا من قبل القوى الاستعمارية مثل فرنسا وإنجلترا. أيضًا دعمت تركيا الدول الأفريقية من حيث القدرات المالية والعسكرية، وأيضًا من حيث القيم الديمقراطية، وهي أمور بإمكان القارة استثمارها على المدى الطويل[93].

إلا أن هناك أيضًا بعض المآخذ، والتي على رأسها ما يتَّصل بالتواجد العسكري التركي بالقارة، وغموض الموقف نوعًا ما فيما يتَّصل بالصراع في إثيوبيا. أيضًا تركيا بحاجة إلى بذل المزيد على المستوى الثقافي، فلا تكون مجرد لقاءات نخبوية، بل من المطلوب إعطاء اهتمام للمستويات الشعبية التي يتلقَّفها التشيُّع الإيراني.

وقد أدَّى الخلاف بين حكومة العدالة والتنمية وحركة “جولن” إلى فقدان تركيا الرسمية العديد من الأدوات التي كان من الممكن توظيفها في هذا المسار. بل إن ثمَّة إشكاليات تتَّصل بالأفارقة والذين ليس بإمكانهم التمييز بين مؤسسات “جولن” العاملة فى بلادهم وبين المنظمات التابعة للسلطة التركية.

من التحديات أيضًا التي تواجه السياسة التركية في أفريقيا، القلق الأوروبي من توسُّع أنقرة في أقريقيا ولا سيما من الجانب الفرنسي، والذى يرى أنها تقترب من مناطق كانت خاضعة لنفوذه[94].

وبخصوص السياسة الإيرانية، على الرغم من أن العلاقات الإيرانية-الأفريقية ربما تحكمها عوامل تدعم مسار التعاون، إلَّا أن إيران تعطي أولوية قصوى لمصالحها وتوازناتها وإن دفعت القارة الأفريقية الثمن. بل إن إيران لا تقدِّم شيئًا بلا ثمن، فالمساعدات ثمنها التشيُّع، والمشروعات مقابلها إفساح الطريق إلى تكوين الخلايا، التي تمثِّل وقودًا لصراعات آنية ومستقبلية بالقارة. فالدولة التي ترفع شعارات الإنسانية العالمية تمزِّق المجتمعات وتعسْكرها، وهو النهج الذي رفضتْه بعضُ الدول الأفريقية –كما أشير- إدراكًا لإضرار تلك السياسات بنسيج المجتمعات الأفريقية. فقد تدهورت علاقات إيران بالعديد من دول القارة، الأمر الذي يوضح حقيقة عجزها عن إقامة تحالفات مستدامة مع شركاء أفارقة مما يضطرها لتغيير نقاط ارتكازها بصورة شبه دورية[95].

هنا تجْدر الإشارة إلى أن السياسة الإيرانية تُعاني في أفريقيا حالة من “العجز الهيكلي”، مردُّه كون سياسة إيران في أفريقيا محصِّلةً للصراع بين جهتين داخليَّتين مختلفتيْن في التوجُّه. فمن ناحية، تتبنَّى الخارجية الإيرنية توجُّهات تسعى للحفاظ على موقعٍ مهمٍّ لإيران بين دول الجنوب العالمي في مواجهة السياسات الأمريكية والأوروبية وهو ما يفرض بناء علاقات متكافئة مع مختلف هذه الدول بغض النظر عن حجمها وقوتها، وفي المقابل تظهر السياسات التي يتبنَّاها الحرس الثوري لتقيم علاقات قائمة على منطق التبعية بتجنيد بعض الشخصيات السياسية النافذة في الدول الأفريقية للقيام بتنفيذ الأجندة الإيرانية.

فالتصوُّر الذي تتبنَّاه الخارجية الإيرانية يقوم على بناء قاعدة من العلاقات الاقتصادية والثقافية يمكن استغلالها سياسيًّا وعسكريًّا على المدى الطويل، بينما ينزع الحرس الثوري للانخراط المباشر في الأنشطة النوعية، وحتى دون تنسيق مع الحكومات، وهذا ما يحدث بالفعل، وهو ربما ما يفسِّر –جزئيًّا- قصور سياسات التعاون الاقتصادي مع أفريقيا[96].

على جانب آخر، يواجه الدور الإيراني في أفريقيا العديد من التحديات خلال السنوات الماضية الكثير من الأزمات أبرزها فشل طهران في الوفاء بالعديد من التزاماتها الاقتصادية تجاه بعض الدول الأفريقية. وهذا الوضع واضح في الحالة السودانية، التي أصبحت المملكة العربية السعودية أكبر مستثمر فيها[97].

وبالعودة إلى تركيا مرة أخرى، نجد أنها تعمل بدورها على تعزيز نفوذها عبر استغلال تخوُّف بعض الدول الأفريقية من النُّفوذ والتدخُّلات الإيرانية، سواء من خلال المساعدات والتنمية غير المشروطة، أو من خلال تقديم النموذج الثقافي السُّني المنفتح متنوِّع الروافد الدينية والفكرية، والذي ربما يكون أكثر قبولًا لدى الأفارقة من النموذج السُّني السعودي، خاصة مع انتشار الصوفية في تركيا[98].

__________________________

الهوامش

[1] “فاغنر وأخواتها”.. شركات أمن أجنبية تعبث بالأمن في أفريقيا، D W، 20 أبريل 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/FlilD

[2] “أرسقا” … مبادرة سعودية لتعزيز الأمن والتنمية بدول البحر الأحمر وخليج عدن، عكاظ، 13 ديسمبر 2018: متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/fKspm

[3] هبة منسي، الانخراط التركي في أفريقيا.. الدوافع والتحديات، الوطن العربي، 12 فبراير ، 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/n76Q1

[4] عطاوة سمية، معوقات التوجه التركي في أفريقيا، المجلة الجزائرية للحقوق والعلوم السياسية – معهد العلوم القانونية والإدارية، المجلد 4، العدد 2، 30 ديسمبر 2019، ص75، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/FGJfM

[5] تركيا تستقبل 16 زعيمًا و102 وزير من أفريقيا لتعزيز نفوذها، أحوال تركية، 17 ديسمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/JwoeQ

[6] سياسة إيران تجاه أفريقيا من منظور الجيواستراتيجية المذهبية، السياسة الدولية، 1 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/hqVrU

[7] سمينار “إيران وأفريقيا”، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية – جامعة بغداد، 29 نوفمبر 2011، متاح عبر الرابط التالي: https://cis.uobaghdad.edu.iq/?p=28

[8] منى عبد الفتاح، ما هي أسباب عودة إيران لتعزيز الاتجاه نحو أفريقيا واحتمالات نجاحها؟، إندبندنت عربية، 31 يناير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/yEs8V

[9] عبد الله عيسى الشريف، النفوذ الإيراني في شرقي أفريقيا.. الأدوات والاستراتيجيات، المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، 2مارس 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/JdxPJ

[10] منى عبد الفتاح، ما هي أسباب عودة إيران لتعزيز الاتجاه نحو أفريقيا واحتمالات نجاحها؟، مرجع سابق.

[11] بدر حسن شافعي، الدور الإيراني في أفريقيا: المحددات.. التحديات، المعهد المصري للدراسات الاستراتيجية، 14 فبراير 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/35Qg1

[12] منى عبد الفتاح، ما هي أسباب عودة إيران لتعزيز الاتجاه نحو أفريقيا واحتمالات نجاحها؟، مرجع سابق.

[13] تركيا تستقبل 16 زعيمًا و102 وزير من أفريقيا لتعزيز نفوذها، مرجع سابق.

[14] سياسة إيران تجاه أفريقيا من منظور الجيواستراتيجية المذهبية، مرجع سابق.

[15] المرجع السابق.

[16] “يلعب مع الكبار ويتحدانا”.. صحافة فرنسا قلقة من جولة أردوغان الأفريقية، TRT العربية، 19 أكتوبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/aeOnh

[17] إبراهيم شعبان، الغزو الإيراني لأفريقيا.. أشكاله وأدواته وسبل مواجهته، الجوار برس، 3 يوليو 2019، متاح عبر الرابط التالي:

https://2u.pw/vegoB

[18] بدر حسن شافعي، الدور الإيراني في أفريقيا: المحددات.. التحديات، مرجع سابق.

[19] حسن العاصي، قراءة أولية في العلاقات التركية-الأفريقية.. شراكة استراتيجية أم مناورة تكتيكية، الحوار المتمدن، 5 مارس 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/f4kDw

[20] هبة منسي، الانخراط التركي في أفريقيا.. الدوافع والتحديات، مرجع سابق.

[21] مختصون أتراك: أنقرة تزيد نشاطها بأفريقيا.. وتطرق أبواب القارة، عربي 21، 28 يناير 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/W0KLV

[22] “يلعب مع الكبار ويتحدانا”.. صحافة فرنسا قلقة من جولة أردوغان الأفريقية، مرجع سابق.

[23] القمة التركية-الأفريقية الثالثة ومُستقبل العلاقات بين الجانبين، الشارع السياسي، 29 ديسمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/EKyQ7

[24] اتفاقيات عسكرية واقتصادية على جدول زيارة أردوغان لدول أفريقية، أحوال تركية،20 فبراير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/nvS0I

[25] أردوغان يعرض الوساطة في نزاع تيغراي وعينه على القرن الأفريقي، أحوال تركية، 18 أفسطس 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/TMLge

[26] انظر:

– مقال السيد مولود تشاووش أوغلو وزير خارجية الجمهورية التركية، الذي تم نشره بمناسبة يوم أفريقيا المصادف 25 أيار/مايو، موقع وزارة الخارجية التركية، 25 مايو 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3Et3F4q

– الإعلام جزء من استراتيجية تركيا للتمدد في أفريقيا، العرب، 26 مايو 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/AWydc

[27] المرجعان السابقان.

 [28]بدر حسن شافعي، الدور الإيراني في أفريقيا: المحددات.. التحديات، مرجع سابق.

[29] عبد الله عيسى الشريف، النفوذ الإيراني في شرقي أفريقيا.. الأدوات والاستراتيجيات، مرجع سابق.

[30] وزير الخارجية الإيراني يبدأ جولة في أفريقيا لتعزيز العلاقات، وكالة شينخوا، 25 يوليو 2016، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/uE1dl

[31] عبد الله عيسى الشريف، النفوذ الإيراني في شرقي أفريقيا.. الأدوات والاستراتيجيات، مرجع سابق.

[32] كسر العزلة: دلالات جولة وزير الخارجية الإيراني في أفريقيا،  مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 5 سبتمبر 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/tGq0L

[33] التعاون التركي-الأفريقي محط اهتمام الغرب (مقابلة).. أكدت مديرة غرب ووسط أفريقيا بالخارجية التركية السفيرة نور ساغمان أن علاقات التعاون التي تطورها تركيا مع أفريقيا تعتمد على مبدأ رابح-رابح، وكالة أنباء الأناضول، 27 مايو 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/XrdZC

[34] مسار تطور العلاقات التركية الأفريقية.. تعرف عليه بالأرقام الرسمية، 16وكالة أنباء تركيا، ديسمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/gTKsq

[35] الإعلام جزء من استراتيجية تركيا للتمدد في أفريقيا، العرب، مرجع سابق.

[36] مسار تطور العلاقات التركية الأفريقية.. تعرف عليه بالأرقام الرسمية، مرجع سابق.

[37] هبة منسي، لانخراط التركى فى أفريقيا ..الدوافع والتحديات، مرجع سابق.

[38] أحمد عسكر، السعودية وإيران وتركيا: صراع النفوذ في شرق أفريقيا، إضاءات، 4 مايو 2017، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/FrQqb

[39] إسماعيل نعمان تلجي، العلاقات التركية الأفريقية: الديناميكيات، الدوافع، التوقعات، مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام)، 27 ديسمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/5JRWQ

[40] أحمد عسكر، السعودية وإيران وتركيا: صراع النفوذ في شرق أفريقيا، مرجع سابق.

[41] التعاون التركي-الأفريقي محط اهتمام الغرب (مقابلة)، مرجع سابق.

[42] حسن العاصي، قراءة أولية في العلاقات التركية-الأفريقية، مرجع سابق.

[43] الشافعي أبتدون، مستقبل التموضع التركي في القرن الأفريقي: سياق إقليمي متغير (ورقة تحليلية)، مركز الجزيرة للدراسات، 10 أكتوبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3ysAlqZ

[44] تركيا تستقبل 16 زعيمًا و 102 وزير من أفريقيا لتعزيز نفوذها، مرجع سابق.

[45] محمد عبد القادر خليل، تنسيق محتمل: إيران والتوجهات التركية نحو أفريقيا، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 16 يناير 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/L0G5G

[46] حسن العاصي، قراءة أولية في العلاقات التركية-الأفريقية، مرجع سابق.

[47] القمة التركية- الأفريقية الثالثة ومُستقبل العلاقات بين الجانبين، مرجع سابق.

[48] الصادرات الإیرانیة إلى أفریقیا قد سجلت رقمًا قیاسیًّا، شرق، 20 أبريل 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/wxiJ6

[49] ضاري سرحان حمادي، الأداة الاقتصادية في السياسة الإيرانية تجاه أفريقيا، مجلة الدراسات الأفريقية والعربية، 24 مايو 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/L1a51

[50] إبراهيم شعبان، الغزو الإيراني لأفريقيا.. أشكاله وأدواته وسبل مواجهته، مرجع سابق.

[51] ضاري سرحان حمادي، الاداة الاقتصادية في السياسة الإيرانية تجاه أفريقيا، مرجع سابق.

[52] كسر العزلة: دلالات جولة وزير الخارجية الإيراني في أفريقيا، مرجع سابق.

[53] إيران والبحث عن نفوذ اقتصادي في أفريقيا، إيران إنترناشونال، 25 يوليو 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/Wx7WN

[54] إسماعيل نعمان تلجي، العلاقات التركية الأفريقية: الديناميكيات، الدوافع، التوقعات، مرجع سابق.

[55] حسن العاصي، قراءة أولية في العلاقات التركية-الأفريقية.. شراكة استراتيجية أم مناورة تكتيكية، مرجع سابق.

[56] هبة منسي، الانخراط التركي في أفريقيا.. الدوافع والتحديات، مرجع سابق.

[57] المُسيّرات سلاح أردوغان لتعزيز النفوذ التركي في أفريقيا، أحوال تركية، 16 ديسمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/yKGMU

[58] المرجع السابق.

[59] انظر:

– Con Coughlin, Tehran sets up terror cells in Africa as Western sanctions bite, The Telegraph, 24 June 2019, available at: https://bit.ly/3efnOA3

– أحمد أمل، السياسة الإيرانية في أفريقيا.. من القوة الناعمة إلى الخلايا النائمة، العين الإخبارية، 22 يوليو 2019، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/jZqlD

[60] الحرس الثوري الإيراني يوجه أنظاره لأفريقيا، منتدى الدفاع الأفريقي، 8 فبراير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/AjZHw

[61] أحمد أمل، السياسة الإيرانية في أفريقيا.. من القوة الناعمة إلى الخلايا النائمة، مرجع سابق.

[62] المرجع السابق.

[63] مرجع سابق.

[64] سمر عادل، الصراع السني الشيعي في أفريقيا.. اشتباك ديني بخلفية سياسية، مصر 360، 22 يوليو 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/6Vt7u

[65] الإعلام جزء من استراتيجية تركيا للتمدد في أفريقيا، مرجع سابق.

[66] هبة منسي، لانخراط التركى فى أفريقيا ..الدوافع والتحديات، مرجع سابق.

[67] الإعلام جزء من استراتيجية تركيا للتمدد في أفريقيا، مرجع سابق.

[68] حسن العاصي، قراءة أولية في العلاقات التركية-الأفريقية، مرجع سابق.

[69] محمد عبد القادر خليل، تنسيق محتمل: إيران والتوجهات التركية نحو أفريقيا، مرجع سابق.

[70] المرجع السابق.

[71] برهان الدين دوران، تطور العلاقات التركية الأفريقية من مبادرات متفرقة إلى شراكات استراتيجية، ديلي صباح، 21 ديسمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/vZfZe

[72] منى عبد الفتاح، ما هي أسباب عودة إيران لتعزيز الاتجاه نحو أفريقيا واحتمالات نجاحها؟، مرجع سابق.

[73] عبد الله عيسى الشريف، النفوذ الإيراني في شرقي أفريقيا.. الأدوات والاستراتيجيات، مرجع سابق.

[74] سمر عادل، الصراع السني الشيعي في أفريقيا، مرجع سابق.

[75] عبد الله عيسى الشريف، النفوذ الإيراني في شرقي أفريقيا.. الأدوات والاستراتيجيات، مرجع سابق.

[76] أحمد أمل، السياسة الإيرانية في أفريقيا.. من القوة الناعمة إلى الخلايا النائمة، مرجع سابق.

[77] أمير سعيد، إيران المتَّجهة إلى أفريقيا تبشيرًا واستثمارًا، مجلة البيان، العدد 281، 15 ديسمبر 2010، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/WLSi0

[78] سالي يوسف، تاريخ المد الشيعي وأثره على الغرب الأفريقي، المرجع، 10 أغسطس 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/1yakn

[79] أمير سعيد، إيران المتجهة إلى أفريقيا تبشيرًا واستثمارًا، مرجع سابق.

[80] سياسة إيران تجاه أفريقيا من منظور الجيواستراتيجية المذهبية، مرجع سابق.

[81] بوزيدي يحيى، التشيع في شمال أفريقيا وجنوب الصحراء: دراسة مقارنة، الراصد، 17 ديسمبر 2017، متاح عبر الرابط التالي:

https://2u.pw/UDnMY

[82] عبد الله عيسى الشريف، النفوذ الإيراني في شرقي أفريقيا، مرجع سابق.

[83] بوزيدي يحيى، التشيع في شمال أفريقيا وجنوب الصحراء، مرجع سابق.

[84] بدر حسن شافعي، الدور الإيراني في أفريقيا: المحددات.. التحديات، مرجع سابق.

[85] بوزيدي يحيى، التشيع في شمال أفريقيا وجنوب الصحراء، مرجع سابق.

[86] مي غيث، التمدد الإيراني في أفريقيا وانعكاساته على الأمن القومي الخليجي، شؤون عربية، 4 ديسمبر 2018، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/gGayO

[87] سمر عادل، الصراع السني الشيعي في أفريقيا.. اشتباك ديني بخلفية سياسية، مرجع سابق.

[88] مي غيث، التمدد الإيراني في أفريقيا وانعكاساته على الأمن القومي الخليجي، مرجع سابق.

[89] أحمد عسكر، السعودية وإيران وتركيا: صراع النفوذ في شرق أفريقيا، مرجع سابق.

[90] سمر عادل، الصراع السني الشيعي في أفريقيا.. اشتباك ديني بخلفية سياسية، مرجع سابق.

[91] المرجع السابق.

[92] المرجع السابق.

[93] إسماعيل نعمان تلجي، العلاقات التركية الأفريقية: الديناميكيات، الدوافع، التوقعات، مرجع سابق.

[94] هبة منسي، الانخراط التركي في أفريقيا.. الدوافع والتحديات، مرجع سابق.

[95] أحمد أمل، السياسة الإيرانية في أفريقيا.. من القوة الناعمة إلى الخلايا النائمة، مرجع سابق.

[96] عبد الله عيسى الشريف، النفوذ الإيراني في شرقي أفريقيا.. الأدوات والاستراتيجيات، مرجع سابق.

[97] دراسة تحليلية: تركيا وإيران تحاولان السيطرة على القرن الأفريقي، الصومال الجديد، 28 فبراير 2022، متاح عبر الرابط التالي: https://2u.pw/FlSMp

[98] محمد عبد القادر خليل، تنسيق محتمل: إيران والتوجهات التركية نحو أفريقيا، مرجع سابق.

وانظر بشأن خلفيات التنافس التركي-الإيراني:

– فيان أحمد محمود، التنافس الجيوبولتيكي التركي-الإيراني في الشرق الأوسط، دراسات دولية، العدد 59.

فصلية قضايا ونظرات- العدد السابع والعشرون ـ أكتوبر 2022

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى