عالم جديد شجاع.. ومخيف عصر الاقتصاد السيبراني

مقدمة:

في عام 2020 -فقط- أنتجت/استهلكت الإنسانية ما يقارب 64 زيتا بايت[1]، والزيتا بايت هو 1 وبجواره 21 صفرًا، هذا الرقم غير المتخيل هو فقط قمة جبل الثلج الخاص بالبيانات وتاريخها مع البشرية، لأن هذا الرقم كان النصف فقط في العام السابق، لنصل إلى أن إجمالي البيانات التي تم إنتاجها/استهلاكها في 2010 كان 2 زيتا بايت فقط[2]؛ أي أن حجم البيانات تضاعف 32 مرة في عقد واحد. وإذا أضفنا لهذه المعلومات أن ما يقارب 94% من هذا الكم من البيانات قد تم إنتاجه عبر الإنترنت[3]، فإننا أمام التجلي الكامل للإنترنت، هذا التجلي الذي بدأ بما يقارب 12 إكسا بايت (1 وبجواره 18 صفر) في 1997[4]، ومتوقع له أن يصل إلى 168 زيتا بايت في 2025[5]، يؤكد حقيقة أساسية، وهي أن ثورة المعلومات والاتصالات قد غيَّرت وجه العالم.

أولًا- الإنترنت وميلاد سوق جديد للرأسمالية

رغم البداية العسكرية للإنترنت، فإن آلة الرأسمالية سرعان ما انتبهت لهذا السوق الجديد؛ انطلقت حينذاك عشرات الشركات محاولة استكشاف كُنه هذا الصندوق الأسود، وما يحمله من إمكانات وفرص، فظهرت في ذلك الوقت شركات مثل “أمازون” و”جوجل” و”إي باي” وغيرهم، وبدا للجميع أن هذا “الانترنت” فرصة رائعة، ولكن سرعان ما تلقى الانترنت وأهله ضربة موجعة في ختام القرن، بانفجار فقاعة الدوت كوم[6]، وانهارت العديد من هذه الشركات[7].

رغم قوة الضربة، فإنها لم تكن سوى استراحة قصيرة؛ فمن بعد 2002 بدأ مؤشر ناسداك -وهو مؤشر التكنولوجيا في البورصة- بالارتفاع مجددًا. وهنا تولد انفجار أكبر في الانتشار والقوة، فالشركات التي استطاعت تجاوز الأزمة، حصدت نجاحات هائلة، مثل جوجل وأمازون، كذلك فقد حظي مؤسسو هذه الشركات بتأثير هائل جعلهم سادة هذا العالم فيما بعد، مثل “مافيا باي بال”[8].

جاء بعد ذلك الجيل الثاني من شركات الإنترنت: شبكات التواصل الاجتماعي؛ فظهر الفيسبوك واليوتيوب وتويتر وغيرهم، وبدأ هؤلاء العمالقة في النمو بشكل فائق وجذْب ملايين من المستخدمين. صاحب ذلك تطور كبير في التكنولوجيا، على مستويين: الأول كان ازدياد سرعات الإنترنت، التي بدأت في بداية الإنترنت[9] بحوالي 56 كيلو بايت (الكيلو بايت 1000 بايت) لتصل في عام 2009 لحوالي 5 ميجا بايت[10] (الميجا بايت يساوي مليون بايت)؛ مما سمح بمزيد من الخدمات السيبرانية، التي بدأت بالمشاهدة المباشرة للفيديوهات على الإنترنت (مثل يوتيوب) ثم وصلت الآن إلى البث عبر الطلب ونموذج “نيتفليكس” الذي ظهر في نهاية العقد الأول من القرن الحالي.

أما المستوى الثاني من تطور التكنولوجيا كان في تطور الأجهزة المستخدمة في الدخول على الإنترنت؛ فبعد أن كان الكمبيوتر المكتبي الشخصي هو المسيطر، ظهر بعده أجيال من الكمبيوتر المحمول، ثم كانت نقطة التحول في نهايات العقد الأول من القرن العشرين بحدوث طفرة الهاتف المحمول الذكي، وقد كان مؤتمر “أبل” تحديدًا الذي قدم فيه ستيف جوبز النسخة الأولى من “الآيفون” حدثًا تاريخيًّا[11]؛ فقد قدم فيه مفهوم الهاتف المحمول الذي يجمع بين الهاتف والإنترنت والبرمجيات المختلفة، وهو ما تطور فيما بعد لنصل إلى هيمنة كاملة للهواتف المحمولة كوسيلة للدخول للإنترنت.

في هذا الوقت تم تقدير قيمة ما يمثله الإنترنت من الاقتصاد العالمي بحوالي 3.4% من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصادات الكبيرة والمتقدمة، و2.9% من الناتج المحلي الإجمالي[12]، متفوقا بذلك على مجالات مثل الزراعة والتعليم وغيرهما. كل ذلك قاد إلى الجيل التالي من الشركات الناشئة، وهي شركات الاقتصاد التشاركي، التي بدأت بـ”أوبر وإير بي أند بي” (AirBnB) وغيرهما، وجيل الشركات المعتمدة على تطبيقات المحمول بشكل أساسي، وكذلك ظهرت النماذج التجارية الخاصة بالبرمجيات كخدمة (Software as a Service: SaaS)، وهو ما انعكس في النهاية في تصدُّر شركات الفضاء السيبراني -وما يلحق بها- قمة الشركات عالميًا؛ حيث أصبح سبعة من أصل أكبر عشر شركات من حيث القيمة السوقية هي شركات تكنولوجيا الإنترنت وأجهزته[13]، وتضم الخَمْس الكبار الأمريكيين (جوجل – فيسبوك – أمازون – مايكروسوفت – أبل)، والعملاقين الصينيين (تينسينت – علي بابا). كذلك فإن قائمة أغنياء العالم يتربع على عرشها مُلاك هذه الشركات الكبرى[14]، كما يتربع على عرش أغلى العلامات التجارية عالميًا علامات التكنولوجيا السيبرانية[15].

هذا الفضاء السيبراني المتوسع بشكل متسارع، يجعل من الصعب حصره بعد كم التشعبات التي لحقت به في ظل التداخل المذهل الحادث حاليا، لذا نجد أن تعريفات الاقتصاد الرقمي بها قدر من التعميم لتحاول أن تتسع لهذا القدر من التشعب؛ أحد أشهر هذه التعريفات أن الاقتصاد الرقمي هو: “المُخرَج الاقتصادي الذي ينتج بشكل وحيد أو أكبر من التكنولوجيا الرقمية مع نموذج تجاري يعتمد على سلعة أو خدمة رقمية”[16].

لذا، سنحاول أن نتبين ملامح عامة لهذا المجال، من خلال تقسيم مجالات الاقتصاد السيبراني لثلاثة مجالات رئيسية[17]:

أ) المجالات المؤسِّسة للرقمنة

تمثِّل هذه المجالات الصناعات المؤسسة للعالم الرقمي، وهي في جلها صناعات تقليدية، ولكن يعتمد البناءُ الرقميُ عليها، فهي بنيته التحتيه بشكل أساسي، وتشمل:

1- الاتصالات:

يجب هنا أن نشير إلى أن صناعة الاتصالات تشهد ثورة هائلة تتمثل في الجيل الخامس من الاتصالات (G5)، والتي لا تمثل مجرد تطوير بسيط لمنظومة الاتصالات، بل نقلة كبيرة على مستوى التعقيد والبناء[18]، ستسمح بسرعات غير مسبوقة في الاتصال بالإنترنت، مما يعني جيلًا جديدًا من الفرص التي ستعتمد على هذه السرعات الجديدة في تقديم خدمات ومنتجات، بل صناعات رقمية لم يكن ممكنا تطبيقها من قبل نظرا لعدم وجود البنية التحتية اللازمة[19].

2- صناعة الأجهزة:

التطور الهائل في الاتصالات يرتبط أيضًا بتطور هائل في الأجهزة التي يتم استخدامها في الولوج للشبكة الرقمية واستخدام هذه القدرات الجديدة في عالم الاتصالات، وبالتحديد أجهزة الهاتف المحمول التي تمثل حوالي 90% من مستخدمي الإنترنت في العالم، بما يعادل حوالي 4.28 مليار مستخدم عالميًّا[20].

3- صناعة وخدمات المعلومات:

بالطبع فإن هذه البنية التحتية تهدف إلى توصيل المعلومات وتبادلها، لذا فإن صناعة وخدمات المعلومات بما تضمه من: معالجة للبيانات، تكنولوجيا المعلومات، والحوسبة، تشكل جزءً مهمًا في البنية التحتية للمجال الرقمي، لذا فليس غريبًا أن تبلغ قيمتها ما يقارب تريليون دولار من القيمة السوقية في 2018[21]، نظرًا لتلك الأهمية.

ب) الاقتصاد الرقمي

هنا تكمن المساحات الأشهر للعالم الرقمي؛ حيث تقبع المنصات والتطبيقات وغير ذلك من منتجات العالم الرقمي، وهي مساحات تتطور بشدة كل يوم، لذا يمكن الإشارة لعدد من أهم هذه المساحات:

1- منصات التواصل الاجتماعي:

مثلت منصات التواصل الاجتماعي نقلة مهمة في عالم الإنترنت؛ فهي أولًا قد توجهت إلى المستخدم النهائي وركزت عليه، وثانيًا قدمت له مساحة تواصل جديدة لم تكن موجودة من قبل بهذا الشكل، وثالثًا ابتكرت -في إطار ذلك- نموذجًا تجاريًّا مختلفًا؛ حيث لا يدفع هؤلاء المستخدمون أي مقابل لاستخدام هذه المنصات للتواصل، مما يعني أن المنتَج الحقيقي الذي يُباع هو المستخدم نفسه وبياناته، ومن ثم فإن الإعلانات مثلت مصدر الدخل الأساسي لهذه المنصات، حيث تحقق ربحا من خلال الإعلانات التي توفرها للشركات التي ترغب بدورها في الوصول لهؤلاء المستخدمين.

هذه المنصات قدمت ثورة في عالم الإعلانات، فما قبلها كان مجرد توقعات ومحاولات لمعرفة ما الذي يرغب المستخدم في شرائه أو ما يعانيه من مشكلات، ولكن مع مجيء هذه المنصات واعتمادها على المحتوى الذي يصنعه المستخدم بنفسه (User-based content) فإن هذا كان معناه أن المستخدم بنفسه هو من يقوم بتعرية ذاته للكافة؛ فهو ينشر ما يرغب فيه، يعبر عما يجول بخاطره، يذكر الأماكن التي يزورها ويرفق صورًا مما رآه، وفيديوهات لما شاهده؛ إنه يقدم لنا نسخة شبه كاملة لما يجب أن يكون عليه “الأخ الأكبر” ولكن بشكل طوعي تمامًا. ولأننا أصبحنا أمام منصات لا تشمل آلاف أو ملايين المستخدمين، بل مليارات المستخدمين، فقد مثل ذلك نقلة في حجم السلطة والقوة التي تملكها هذه المنصات، فهي تملك بيانات الغالبية العظمى من البشرية تقريبًا؛ وهي قوة لا يُستهان بها.

2- الاقتصاد التشاركي:

قام الاقتصاد التشاركي[22] على مبدأ بسيط للغاية، هو أن كلا منا (كأفراد) لديه قدر من الأصول غير المستغلة؛ فنحن نعيش في بيت به عدة غرف، ليست مسكونة كلها بالضرورة، أو قد نملك سيارة نتحرك بها، ولكننا لا نستخدمها طوال الوقت، وغير ذلك من الأصول… ومن ثم، يمكن أن يتشارك الناس أصولهم غير المستغلة، في مقابل مادي متفق عليه بين الطرفين؛ فهذا يؤجر سيارته لذاك في الوقت الذي لا يستعملها فيه، وهذا يقدم غرفة من شقته أو ربما شقته بالكامل لمن يريد أن يسكن فيها لعدة أيام في مقابل رسوم معروفة، وهكذا. لذا كان الاقتصاد التشاركي يمثل ثورة في هذا الإطار، لا تتمثل فقط في استغلال مورد متروك، ولكن أيضا تحقيق دخل إضافي لصاحبه، يعينه في أمور حياته. هذا المبدأ لا يمكن تطبيقه إلا من خلال وسيط يقوم على عرض المتاح من الأصول، والراغبين من المستفيدين في استخدام هذه الأصول، وينظم العلاقة بينهم؛ وهنا كانت تطبيقات الاقتصاد التشاركي.

تبرز هنا أمثلة عدة، فمن “أوبر” التي تقدم الاقتصاد التشاركي في مجال النقل، و”إير بي أند بي” التي تقدم الاقتصاد التشاركي في مجال الفندقة والسياحة، يسارع الاقتصاد التشاركي لأخذ حصة متزايدة من سوق الخدمات التقليدية؛ فمن 15 مليار دولار للاقتصاد التشاركي مقارنة ب 240 مليار دولار للاقتصاد التقليدي في الخدمات المشابهة في 2013[23]، يتوقع أن يحصل الاقتصاد التشاركي على ما يصل ل 335 مليار دولار مقابل نفس القيمة للاقتصاد التقليدي في الخدمات المشابهة في 2025[24].

3- البرمجيات والمنصات والبنية التحتية كخدمات SaaS & PaaS & IaaS:

فيما سبق كان استخدام برنامج إلكتروني معين يعني أن يقوم الشخص بشراء هذا البرنامج والاحتفاظ به من أجل استخدامه فيما بعد، كان هذا يعني تكلفة كبيرة، حيث تقوم الشركة ببيع نسخة البرنامج بالكامل للمستخدِم حتى يستطيع الاستفادة مما يقدمه هذا البرنامج من إمكانات. مثَّل مفهوم البرمجيات كخدمة Software as a Service نقلة في هذا الإطار؛ حيث لم يعُد الفرد في حاجة لشراء أي برمجيات، بل فقط يستأجر هذه البرمجية لفترة زمنية ما، مقابل مبلغ محدد، ومن ثم تسمح له الشركة باستخدام البرمجية بدون الحاجة لشراء نسخة كاملة، وبالطبع فإن الاستخدام هنا مرهون بالإنترنت، الذي يعد الوسيط لمثل تلك العملية، فالمستخدم يقوم باستخدام البرمجية عبر الإنترنت، ويستفيد من كافة ما تقدمه دون الحاجة للحصول عليها بالكامل.

لم يكن ذلك مجرد ثورة في عالم البرمجيات والتقنية، ولكن أيضا على مستوى التجارة والأعمال، فالتحول هنا لم يكن فقط في الكيفية التي يحصل بها المستخدم على الخدمة من الشركة، بل أيضا في نموذج العمل التجاري الخاص بالشركة، فبعد أن كانت الإيرادات تعتمد على مبيعات البرمجيات، وهي مبيعات لمرة واحدة على الأغلب، أي أن العميل يقوم بشراء البرنامج لمرة واحدة، فإن النموذج تحول للاشتراكات، أي مبلغًا من المال يقوم العميل بدفعه بشكل دوري، وهو ما يعني ارتباط العميل بشكل مستمر بالشركة، مما يسمح فيما بعد بزيادة الخدمات المقدمة له ومن ثم زيادة القيمة التي تقوم الشركة بتحصيلها من هذا العميل، أي قيمة أعلى لحياة العميل في الشركة Customer Life Time Value: CLTV)).

سرى نفس الأمر في المنصات Platform as a Service؛ حيث يمكن للمنصات أن توفر للشركات والمبرمجين وغيرهم فرصا لاستغلال أدوات وأصول إلكترونية يصعب أن يتم الحصول عليها بتكلفة بسيطة، ومن ثم يتم استغلال هذه الأدوات المتوفرة في المنصات في شكل اشتراكات دورية كما هو الحال لمستخدمي البرمجيات كخدمة[25].

أما فيما يتعلق بالبنية التحتية كخدمة Infrastructure as a Service، تبرز خدمات التخزين والحوسبة السحابية. والتخزين السحابي هو خدمة تقدمها شركات التخزين، بحيث يتم تخزين بيانات الشركات والأفراد على الإنترنت بشكل مباشر، بدلا من حفظها في وسائل التخزين التقليدية الموجودة بالشركات أو المنازل، هذا الأمر رغم بساطته الظاهرة، إلا أنه أحدث ثورة في عالم الأعمال، فكافة البرمجيات الخاصة بإدارة الشركات أصبحت متاحة عبر الإنترنت، فيمكن للشركة أن تستخدم برامج إدارة الموارد ERP لإدارة أعمالها كافة بدون الاحتياج لأن تقوم بتطبيق هذا البرمجيات عبر أجهزتها وأنظمتها الخاصة، بل هي فقط تقوم بدفع اشتراك (شهري/سنوي) مقابل حق استخدام هذه البرمجيات المخزنة سحابيًا، هذا الأمر يجعل من السهل على الشركات التخلص من إدارات بالكامل، مثل المحاسبة، التي تم استبدالها ببرمجيات مخزنة سحابيًا. امتدت هذه الثورة للأفراد أيضا؛ فالتخزين السحابي يشمل أيضًا تخزين ملفات الأفراد من صور وفيديوهات وغيرها من الملفات، مما يعني التوسع في إمكانية الاحتفاظ بملفات الأفراد دون الاضطرار لتوفير وسائل تخزين شخصية مكلِّفة.

هذا النمط من الخدمات يعد من الأحصنة الرابحة للشركات التي تقدم هذا النوع من التخزين السحابي، وأشهرها “أمازون وجوجل”، فهي تقوم بمحاسبة الشركات والأفراد بحسب مساحة التخزين التي يستخدمونها؛ مما يعني أن على الشركة الاستثمار في البنية التحتية للتخزين السحابي، وتقديم عمليات الدعم، بينما تتدفق الأرباح على حسابات الشركة بدون جهد عملياتي كبير. وهو ما نراه في أرباح شركة “أمازون” -على سبيل المثال- في هذا المجال؛ حيث حققت إيرادات من قسم التخزين السحابي تقدر بـ13 مليار دولار سنويًا في 2020. ورغم تمثيل هذه الخدمة حوالي 13% فقط من إيرادات شركة أمازون[26]، إلا أنها تمثل 54% من إجمالي أرباحها[27]، وهو ما يؤشِّر لمدى أهميتها بالنسبة للشركة ومدى قدرتها على توليد أرباح من عملياتها.

ج) الاقتصاد المرقمن

هذا النوع من المجالات يضم كافة الأعمال التي تتم على أرض الواقع، ولكن تم تعزيزها من خلال الفضاء السيبراني، ويمكن أن نذكر أهم التطورات التي قدمها الإنترنت لهذه الأعمال فيما يلي:

1- التجارة الإلكترونية Ecommerce

تمثل التجارة الإلكترونية أشهر التطورات التي أنتجها الاقتصاد الرقمي لتطوير المجالات الاقتصادية التقليدية، فمن عالم تحكمه منافذ البيع التقليدية، التي يذهب لها المستخدم كي يشتري احتياجاته من البضائع المختلفة، إلى عالم لم يعُد المُستخدم فيها بحاجة لأي شيء سوى وجود قدرة شرائية، فمنصات التجارة الإلكترونية لم تعد فقط تقدم خدمات الشراء عبر الإنترنت ولكن أصبحت حاليا -بالتزاوج مع “إنترنت الأشياء”- توفر إمكانية أن تقوم الثلاجة الذكية بالمنزل بنفسها بطلب شراء تلقائي عند هبوط المخزون الخاص ببعض المنتجات بها عن حد معين يحدده المستخدم، فيتم عمل طلب الشراء عبر الثلاجة، إلى منصة تجارة إلكترونية تقوم بتوصيل المنتجات المطلوبة في أسرع وقت. بالطبع مثَّل وباء الكورونا دفعة هائلة في هذا الإطار[28]، في سياق تطور حادث بالفعل للتجارة الإلكترونية تدفعها لمزيد والمزيد من الحصص السوقية.

تشمل التجارة الإلكترونية نماذج متعددة في العمل؛ فمنها الشكل التقليدي، وهو أن تقوم الشركة التقليدية ببيع جزء من منتجاتها عبر الإنترنت من خلال المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، ويمكن أن يتطور النموذج لكي تقوم الشركة ببيع منتجاتها حصرًا عبر ذلك الطريق. وهناك نموذج التسويق بالعمولة Affiliate، الذي يعني أن يقوم الشخص/الشركة بالتسويق فقط لمنتجات الغير، ويتحصل على مكسبه من خلال نسبة مما تم بيعه عن طريقه، تلك المبيعات التي يتم تحديدها بدقة وتتبعها عبر البرمجيات المختلفة. هناك أيضا نموذج تجارة الشحن Drops hipping، ويقوم على أن يبيع الشخص/الشركة منتجات لا تملكها فعليا بل هي لدى مورديها، وما أن تتم عملية البيع تتم عملية الشحن من المورد للمشتري مباشرة، دون الاحتياج لعمليات تخزين وخلافه.

2- التكنولوجيا المالية Fintech

التطور الحادث في التجارة الإلكترونية لم يكن ممكنا بدون تطور مقابل في عالم التكنولوجيا المالية، وذلك عبر أحد أهم منتجات هذه التكنولوجيا وهي المدفوعات الإلكترونية، فكي يقوم الشخص بالشراء عبر الإنترنت، كان يجب أن تتوفر وسائل دفع على الإنترنت كذلك، لذا ظهرت العديد من منصات وتطبيقات وشبكات الدفع عبر الإنترنت، مثل باي بال PayPal وسترايب Stripe وغيرهما.

لكن مجال التكنولوجيا المالية لم يقتصر فقط على المدفوعات، بل تعداها لمناحي كثيرة، فمن ناحية ظهرت مجالات الإقراض الصغير Micro financing ومتناهي الصغر Nano Financing، وهي لا تتعلق فقط بالقيمة الصغيرة للقروض، ولكن بالأساس بإتاحة مساحة للاقتراض لمن لا يستطيع أن يستفيد من خدمات البنوك في هذا الإطار نظرًا لعدم امتلاكه حسابات بنكية أو عدم تأهله لتقديم ضمانات للقروض، أو لضعف الربح من هذا الحجم من القروض للبنوك ومن ثم عدم اهتمامهم به. وتتحقق هذه المجالات من قدرة العميل على الدفع عبر مراجعة بيانات الهاتف التي يسمح بها من خلال التطبيقات المخصصة لهذا الغرض، ومن ثم التحقق من أماكن زياراته ومن إتمامه لمدفوعاته بشكل منتظم ودفع فواتيره في مواعيدها، وهو ما يتيح في النهاية قدرة الحصول على قروض متنوعة الأحجام في ظرف دقائق معدودة.

كان هذا يعني مزيدًا من التطور في عملية التعرف على العميل Know Your Customer (KYC)، التي تقوم بها البنوك، ومن ثم نشأ فرع مخصوص في التكنولوجيا المالية هو التعرف الرقمي على العميل EKYC وذلك من أجل توفير الوقت والمجهود والأوراق الهائلة المطلوبة في العملية التقليدية التي تقوم بها البنوك، بل وفتح مساحة لعملاء جدد وشرائح جديدة لم تستطع البنوك الوصول إليها فيما سبق ومن ثم زيادة الشمول المالي في المجتمعات.

هذا التطور في الحسابات الرقمية للأفراد والشركات، مهَّد لتطور مفهوم النقود ذاتها؛ حيث ظهرت للعلن منذ عقد ونصف تقريبا العملات الرقمية المشفرة Cryptocurrency[29] وهي نوع جديد من النقود ليس له وجود مادي ولكنه عبارة عن بيانات رقمية متواجدة عبر الإنترنت مبنية على تكنولوجيا سلسلة الكتلة Block chain. وقد مثَّلت ثورة أخرى، ليس فقط لعدم وجود مادي لها، ولكن الأهم لتحررها من سيطرة الدول والحكومات، فهذه العملات لا تصدر من أي بنوك مركزية لأي دولة، بل هي عملات يمتلكها أفراد ويتداولها أفراد، وقد بدأت حكومات الدول القبول بهذه العملات كعملات رسمية يمكن التعامل بها[30].

3- التكنولوجيا التعليمية Ed-Tech

كان المجال التعليمي من أكثر المجالات التي ترقمنت بشكل كبير؛ حيث ظهرت المنصات التعليمية التي تقدم تعليمًا رقميًا بالكامل، سواء بشكل تفاعلي أو بشكل مسجل MOOC، والتي سهلت عملية التعلم على قطاعات عريضة من الطلاب، بحيث أصبح في إمكان الطالب أن يتعلم في مكانه عبر مواد تعليمية تصدرها أكبر الجامعات، التي اتجه الكثير منها لتوفير موادها التعليمية مجانًا عبر الإنترنت.

وبالطبع كان وباء كورونا عاملًا محفزًا لازدياد الإقبال على هذا النوع من التعليم، الذي وفر فرصة أيضًا لمن يريد أن يقوم بتغيير مساره المهني، خاصة مع التطور الخطير في المهن والوظائف بسبب تطورات الرقمنة المستمرة وانتشار المجال السيبراني في كافة الوظائف.

لم يقتصر الأمر على الإقبال على منصات تعليمية جديدة، ولكن وفرت الرقمنة آليات جديدة لإدارة المؤسسات التعليمية، ومنها المدارس والحضانات، بحيث أصبح في إمكان أولياء الأمور مراقبة ومتابعة أطفالهم بشكل حي عبر الكاميرات وغير ذلك، والتواصل المستمر مع الإدارة عبر التطبيقات الرقمية التي تسمح بإدارة أكثر فاعلية للمدارس وتواصل مستديم بين عناصر العملية التعليمية: الطالب – المعلم – المدرسة – أولياء الأمور.

4- التكنولوجيا الصحية Health-Tech

كانت الرعاية الصحية من المجالات التي لحقت بها عمليات الرقمنة والاستفادة من إمكانات العالم السيبراني، ففي الأساس كان إيجاد حلول لمشكلات الوصول للأطباء ومقدِّمي الخدمات الصحية أحد النماذج التجارية الأساسية في هذا الإطار، فبدأت نماذج للكشف والعلاج عن بعد (Telehealth) تتقدَّم بشكل دوري في المجالات الطبية المختلفة، فضلًا عن عمليات الرقمنة لمجالَي الأشعة والتحاليل، التي أصبح من الممكن أن تتم أجزاء منها عن بعد خاصة في مساحة التحليل الطبي للنتائج من خلال المتخصصين.

كذلك بدأت في التزايد عمليات شراء الدواء سواء من قبل المرضى من الصيدليات، أو من الصيدليات من الموزعين وشركات الأدوية، وغيرها من النماذج، وخاصة مع انتشار كورونا وسياسات التباعد الاجتماعي. فضلاً عن فرص أخرى توفرها مثل هذه التقنيات مثل ضمان الوصول للدواء لأصحاب الأدوية المزمنة، وحل جزء من مشكلة توفير الدواء الناقص في الأسواق من خلال تحسين سلاسل الإمداد وأدائها في توفير الأدوية.

ثانيًا- الاقتصاد السيبراني في مصر:

تسلل الإنترنت لمصر متأخرا خمسة عشر عاما تقريبا منذ ظهوره في الولايات المتحدة، مرتديا حلة سياسية بالأساس، بدأت مع موجة المدونات السياسية[31] التي ظهرت على هامش الحياة السياسية بداية ثم تجذرت بداخلها شيئا فشيئا في العمق ولكن دون ضجيج كبير إلا في مراحل متقطعة (مثل توثيق الانتهاكات وغيرها)، جاءت بعدها موجة الفيس بوك وتويتر، والتي قادت حراكًا انتهى بثورة شعبية في 2011، حينها بدأ المجتمع المصري في التعرف بشكل أوسع على عالم الإنترنت بكل تجلياته، وقد صاحب ذلك تاريخا مضى ومستقبلا لم يكتب له الاستمرار.

بدأت تتكون البنية التحتية في مجال الاتصالات في نهاية عصر مبارك، نتيجة وصول أحمد نظيف إلى رئاسة الوزراء قادمًا من وزارة الاتصالات التي كان أول وزير لها، مما أعطى بعض الزخم لمجال الاتصالات، تجلى في تواجد ثلاث شركات للمحمول بنهاية العقد الأول، وبدء الانتشار العام للهواتف المحمولة.

بدأ الجيل الأول من شركات الإنترنت في مصر يتأسس في مناخ الحرية والتغيير الذي انتشر بعد الثورة، مما أطلق طاقات مجتمعية هائلة، تجلت في كافة المساحات، وكان منها بطبيعة الحال المجال الاقتصادي، بعضها حمل تاريخًا مما قبل الثورة (مثل اطلب[32] ومنتدى فتكات[33] وبعضها بدأ رحلته معها (مثل شركتي بشر سوفت “وظَّف – فرصنا”، وفوري).

انطلق مارد الإنترنت في مصر من عقاله، وتوسع المصريون في استخدام الهاتف المحمول حتى بلغت نسبة مستخدميه 96% من المجتمع[34]، ووصل عدد مستخدمي الإنترنت في يناير 2021 حوالي 59 مليون شخص، بمعدل نمو حوالي 8% عن عام 2020، منهم 49 مليون شخصا يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي، بمعدل نمو حوالي 16% عن عام 2020[35].

في المقابل لم تتطور البنية التحتية للإنترنت بنفس القدر؛ حيث تحتل مصر حاليا المركز 102 عالميًّا في سرعة الإنترنت من الموبايل[36]، فيما تحتل المركز 89 في سرعة الإنترنت الأرضي، يترافق ذلك مع غلاء تكلفة الإنترنت في مصر، والتي تحتل المرتبة الأولى عربيًا من حيث ارتفاع تكلفة باقات الإنترنت والمكالمات كنسبة من متوسط الدخل، متفوقة بذلك على كافة الدول العربية الغنية قاطبة[37].

أ) حلول سيبرانية للاحتياجات الأساسية للإنسان

في ظل هذا السياق العام، فإن الإنترنت وعالمه يمثلان آفاقًا جديدة يمكن من خلالها توفير الاحتياجات الأساسية للإنسان، والتي تتضمَّن بجانب الاحتياجات المادية المباشرة (الغذاء والمسكن وخلافه) احتياجات الرعاية الصحية والتعليم وغيرها[38]، يأتي ذلك في أنماط من النماذج التجارية التي توفر إما استدامة مالية حقيقية لمشروعات غير هادفة للربح، أو شركات تجارية تهدف للربح؛ أي أنه يمكن الحديث عن حلول مستدامة لمشكلات جذرية تقع ضمن الاحتياجات الأساسية للإنسان.

  • التعليم:

بلغت جودة التعليم الأساسي في مصر المركز (133) من (137) على مستوى العالم في مؤشر جودة التعليم الأساسي[39]، وذلك في ظل وجود 22 مليون طالب في المدارس، و12 مليون طفل تحت سن الرابعة في انتظار دخول المدارس[40]، التي يبلغ عددها حوالي 52 ألف مدرسة[41]، بمتوسط كثافة 48 طفل في الفصل الواحد[42]، يقوم على تدريسهم 1 مليون معلم[43] يتقاضون شهريا في المتوسط 1.8-4.5 ألف جنيه/الشهر[44].

أمام هذه المشكلات الجمة تبرز الحلول التعليمية المختلفة التي تقدمها الشركات الناشئة التكنولوجية، فيمكن من خلال تقنيات التعليم عن بعد حل مشكلات التكدس في الفصول، كما تمكِّن المنصات الخاصة بالوصل بين المدرسين والطلاب من تحسين كفاءة الخدمة التعليمية المقدَّمة من المدرس، بل ودفعه لتطوير قدراته سواء العلمية أو التربوية أو التعليمية، نظرا لكونه ضمن منافسة مع أقرانه، كذلك فإنها تمثل مصدر دخل إضافي له يعينه على معوقات الحياة.

كذلك فإن المنصات التعليمية التي تقدم محتوى تعليميًّا عصريًّا ومختلفًا، تساعد في حل مشكلات ضعف البنية التحتية في المدارس، من المعامل وغيرها؛ حيث يمكن من خلال هذه المنصات الاستعاضة عنها بمعامل افتراضية وغيرها. ووسائل التعليم المستخدمة في هذه المنصات وسائل تفاعلية وعصرية تمكِّن الطالب من الانخراط الحقيقي في عملية تعليمية ممتعة ومفيدة بالنسبة له، ومن ثم يمكن حل مشكلة ضعف المدارس الموجودة.

أما عن المناهج التعليمية، ففي عصر الإنترنت انفتحت آفاق التعلم لمستويات غير مسبوقة، مما يعني إمكانية ولوج الطالب لأي منهج تعليمي عالميا؛ أي أنه لم يعد محدودا بمنهج تعليمي واحد لا يجد خلافه في المدارس، بل يمكنه أن يدرس عن طريق عدة مناهج في آن واحد، كل حسب ما يراه مناسبا له.

هذه الحرية الأكاديمية تضيف بعدا مهما في مسألة التعلم، والذي أصبح متحررا من مفاهيم الامتحان والشهادة التي سيطرت على العقلية الجمعية المصرية، نتاج الميراث المدرسي.

هذه الفرص ليست قاصرة على التعليم الأساسي، بل يمكن مدها على الاستقامة في اتجاه التعلم بوجه عام لكافة الفئات، وهنا تبرز منصات التعلم الحر الموجهة للشباب، الذين يرغبون في تعلم مهارات ومعارف، إما لإعانتهم في سوق العمل، أو لتوافق هوى معينًا لديهم، هذه المنصات (مثل: Coursera وUdemy وUdacity) تقدم الآلاف من الدورات المختلفة، بعضها تقدمه أعرق الجامعات في العالم، والبعض الآخر يقدمه أفراد من مختلف التخصصات والخبرات، ومن ثم فإن هؤلاء الذين تركوا المدرسة والجامعة، يمكنهم الاستمرار في التعليم بل وإعادته بالكامل في أي تخصص يريدونه، دون المرور بتجربة تعلم سيئة مثل التي مروا بها من قبل، بل البناء من جديد في رحلة تعلم حقيقية وممتعة ومناسبة لأوقاتهم وثقافتهم الحالية.

هذه الحلول جميعا تقدمها شركات ناشئة هادفة للربح، أي أن الأمر لا يتعلق فقط بسد احتياج أساسي، ولكن بتنمية اقتصادية متكاملة، توفر احتياجات اجتماعية مهما، من خلال حل مستدام، وفي نفس الوقت في صيغة شركات ناشئة ذات هم اجتماعي، هادفة للربح. هذا الربح يتحقق لأطراف مختلفة:

  • المعلم

فهذه المنصات والتطبيقات والحلول المختلفة تقدم فرصا جديدة للمعلمين للحصول على مصادر دخل إضافية من خلال توسعة مجال التعليم المتاح لهم، فبدلا من تعليم مجموعة محدودة في مدرسة واحدة، يمكن للمدرس صناعة دروس رقمية في تخصصه ونشرها عبر هذه المنصات والحصول على مقابل لقاء اشتراك الطلاب في هذه الدروس.

  • المؤسسات التعليمية

الحلول التعليمية الرقمية توفر للمدارس مصادر دخل إضافية عبر تقديم المزيد من الخدمات لطلابها وأولياء أمورهم، مما يعني مزيدا من الرسوم التي يمكن تقاضيها منهم مقابل هذه الخدمات.

  • مقدمي الخدمات التعليمية

الدمج بين الحلول التعليمية المختلفة يسمح لمقدمي الخدمات التعليمية الجديدة (مثل تقديم مواد تعليمية خارج إطار المناهج الدراسية الرسمية، أو الأنشطة التعليمية مثل المعسكرات التدريبية وغيرها) بالوصول لشرائح أوسع من الجمهور، ومن ثم فرص بيعية أعلى.

  • الصحة

واقع القطاع الصحي ليس بعيدا عن القطاع التعليمي، فمصر تقع في المرتبة رقم 104 من إجمالي 141 في جودة النظام الصحي[45]؛ حيث يعاني النظام الصحي من عجز كبير في الأطباء[46]، فعدد الأطباء للمواطنين يبلغ 1 طبيب لكل 1162 مواطن، بينما يبلغ المعدل العالمي 1 طبيب لكل 434 مواطن. ويعمل 38% فقط من الأطباء المسجلين في نقابة الأطباء في كافة القطاعات الطبية الحكومية والخاصة، أي أن هناك تسرب لحوالي 62% من إجمالي الأطباء، الذين هم في الجملة أقل مما يجب أن يكون.

تطرح الشركات الناشئة التكنولوجية العديد من الحلول في هذا الإطار؛ بدءا من تطوير التعليم الطبي، عن طريق التعليم عن بعد، وتعزيز التعليم من خلال تقنيات الواقع المعزز AR والواقع التخيلي VR وغيرها من الحلول التكنولوجية التي يمكن بها زيادة أعداد الأطباء المتخرجين من الكليات وتطوير كفاءة التعليم الطبي.

كما أن تقنيات الكشف والعلاج عن بعد Telemedicine تقدم دورا كبيرا في هذا الإطار؛ حيث توفر العديد من الشركات الناشئة في مصر حلولا في مجالات طبية متنوعة، مثل الأمراض النفسية أو الذكورة أو غير ذلك.

على مستوى الصيدلة والعلاج، نجد أن منصات طلب الدواء توفر حلولا متنوعة؛ بداية من تسهيل الوصول للدواء لكافة القطاعات، بل وتسهيل الوصول للأدوية النادرة أو التي تواجه انخفاضا مفاجئا، وذلك عن طريق توفير قاعدة بيانات مجمعة يسهل البحث عليها للوصول للدواء في مكان تواجده. توفر أيضا هذه المنصات مجالا لمساعدة كبار السن على الوصول المنتظم لأدويتهم الخاصة بالأمراض المزمنة، مما يسهل عليهم الحصول عليها دون الحاجة للبحث بشكل دوري عنها.

نجد أيضا الزيارات المنزلية وترتيبها بشكل مبسط من خلال التطبيقات، والتي يمكن من خلالها توفير الرعاية الطبية في البيت، سواء من خلال التمريض أو الكشف الطبي، أو حتى إجراء الأشعة والتحاليل الطبية المطلوبة.

هذه الحلول وغيرها توفر زيادة في دخل عناصر الرعاية الصحية، بدءا من الطبيب والأخصائي الذي توفر له هذه الحلول دخلا إضافية من خلال الاستفادة الأفضل من وقته وزيادة عدد المرضى الممكن له خدمتهم، كذلك فإن المؤسسات الصحية من مستشفيات وصيدليات وغيرها، توفر لها هذه الحلول مصادر دخل إضافية، سواء من خلال تقديم خدمات جديدة كما ذكرنا أو تحسين كفاءة الخدمات الحالية.

  • تجارة التوزيع والتجزئة

تمثل تجارة التوزيع والتجزئة الحصان الأسود في الاقتصاد السيبراني؛ حيث تقود التحول الرقمي والشركات العاملة عبر الإنترنت. لذا فليس من المستغرب أن نجد حجم التجارة الإلكترونية الرسمية قد بلغ 80 مليار جنية بعد كورونا[47]، في حين قد يصل الحجم الكلي لها إلى 400 مليار جنيه[48] وفق التقديرات الرسمية؛ نظرًا لتواجد الجانب الأكبر من التجارة الإلكترونية خارج النطاق الرسمي.

هنا تبلغ الممكنات السيبرانية أوجها: فمن ناحية نجد منصات تعمل في مجال التوزيع؛ أي البيع بين الموردين والمصنعين وتجار الجملة والتجزئة، وذلك لتوفير مستلزماتهم. وقد وفرت تطبيقات مصرية بالفعل العديد من الحلول في هذا الشان؛ حيث يمكن لمحل بقالة صغير -على سبيل المثال- أن يطلب كافة احتياجاته من بضائع عن طريق تطبيق على الهاتف المحمول الخاص به وتصل له في الموعد المحدد. هذا الأمر وغيره يفتح الباب أمام إمكانية أن توفر التكنولوجيا المالية حلولا إئتمانية لصغار التجار، لكي يتمكنوا من شراء البضائع بشكل آجل، أو الحصول على قروض تتناسب مع حجم مدفوعاتهم ومدى كفاءتهم المالية، التي يتم رصدها بشكل دقيق من خلال المعاملات المالية التي يقومون بها.

على مستوى التجزئة، نجد آلاف المواقع التي تعمل على تلبية احتياجات الجمهور، فنجد مواقع شاملة للتجارة لكافة أنواع المنتجات وبعضها الآخر يعمل في مجال متخصص، بعضها يمزج التكنولوجيات المختلفة مثل استخدام الواقع المعزز AR في مبيعات الملابس وما شابه.

كذلك نجد توظيفا للثقافة المصرية في الشراء من أجل توفير بضائع للسيدات وربات المنزل، يمكن لهم أن يبيعوها في نطاقهم المباشر ومن ثم يوفر الأمر عائدا إضافيا لهم، وهو ما يمثل توجها اجتماعيا مهما. فعلى سبيل المثال، توجه الكثير من ربات المنازل لبيع الطعام عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، كذلك توفر عدد من التطبيقات هذه الخدمة حصرا، بحيث يكون الطعام المتوفر هو فقط المعد من قبل ربات البيوت.

على الجانب الآخر نجد تطبيقات توصيل الطعام المختلفة، والتي شكلت إمكانية لتطوير المطاعم وزيادة مبيعاتها من خلال تلك التطبيقات.

ب) الاقتصاد السيبراني: المخاوف على قدر الفرص

رغم كافة الفرص التي يوفرها الاقتصاد السيبراني، إلا أنه في المقابل يفتح مساحات أخرى للمخاوف على قدر هذه الفرص، سواء على مستوى تدخل الدولة، أو تحولات الوظائف، أو استمرار الهيمنة على البلدان الفقيرة، أو في علاقة الإنسان بالتكنولوجيا.

  • الدولة تدافع عن نفسها

رغم الإمكانات التي يحملها الإنترنت واقتصاده، إلا أن الدولة لا تزال تنظر له بمزيج من الريبة والطمع؛ فمن ناحية فإن عمليات الرقابة بأشكالها المختلفة[49] تبقى عنوانا رئيسا في هذا السياق، التي تشمل الجانب الإعلامي من المحتوى الرقمي[50] وحجب المواقع الإلكترونية[51] وملاحقة المسئولين عنها[52].

في المقابل ترى الدولة في هذا الاقتصاد الرقمي فرصة جيدة لاقتناص الأموال، ابتداء من فرض الضرائب المتنوعة[53]، خاصة ضريبة القيمة المضافة[54]، أو الحث المستمر للمتعاملين في التجارة الإلكترونية للتسجيل الرسمي[55] وملاحقة بعضهم بالفعل[56]. بل توجهت الدولة مؤخرا لملاحقة صناع المحتوى الرقمي، من أجل تحصيل ضريبة القيمة المضافة على دخلهم من الإنترنت[57].

  • وظائف السيبرانية: المستقبل قد جاء بالفعل

كافة هذه المجالات الاقتصادية الجديدة قد خلقت بالتبعية وظائف جديدة، وقضت على وظائف حالية، فنحن في عصر تحول كبير، ستموت فيه وظائف بالكامل، وتنمو وظائف جديدة وتظهر للحياة.

يشير تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي[58] حول مستقبل الوظائف إلى أنه بحلول عام 2025 سوف تموت حوالي 85 مليون وظيفة حول العالم، وسيظهر في المقابل 97 مليون وظيفة جديدة من وظائف المستقبل.

هذا التحول أخذ دفعة في فترة كورونا؛ حيث استمرت عملية “الأتمتة” automation في الأعمال المختلفة، التي من المتوقع أن تصل لنصف الأعمال المنجزة في الشركات بحلول 2025، بما سيكون له من تأثير مزدوج على الوظائف، من حيث إنهائه لوظائف متنوعة، وخلقه لوظائف جديدة.

وهذا بالطبع يعني أن الموظفين سيحتاجون لمزيد من التدريب والتطوير، ولمجموعة مهارات شخصية جديدة، مثل التفكير النقدي وحل المشكلات وغيرها، وهي فرصة كبيرة يقوم مجال التدريب والتطوير على توفير حلول رقمية لها أيضا، من خلال منصات التعليم الرقمية وغيرها، أي أن المحرك الأساسي لهذه التحولات يقدم حلولا لمعالجة تحدياته من داخله، وهو ما يمثل دفعة إضافية لاكتمال التحول وسرعته. وفي هذا الإطار، ستكون الوظائف ذات المجهود العضلي الأكثر عرضة للتغيير، في حين أن الوظائف المتعلقة بالكمبيوتر والتكنولوجيا هي الأكثر تركيزا في الوظائف الجديدة المخلقة، طبقا لتقرير ماكينزي عن مستقبل الوظائف[59].

وفي السياق المصري، يمكن أن نلاحظ ظاهرة مهمة وهي ظهور طبقة من صناع المحتوى، الذين يمثلون نمطا من الوظائف الجديدة، ولكن تنوعهم الكبير الذي يأتي من طبقات جد متنوعة، يجعل من المهم بمكان النظر لهذه الظاهرة من زاوية دمقرطة الخطاب العام، وخلخلة التمايز الطبقي وطرح فرص للصعود الطبقي بغير طريق التعليم المعتاد في المجتمع المصري، خاصة بعد تنامي ضعف المنظومة التعليمية ككل.

  • الحياة والعمل: البحث عن معادلة جديدة في ظل واقع جديد

قبل جائحة كورونا، كان الحديث عن التوازن بين العمل والحياة الشخصية، من المسائل التي يتم الحديث عنها باستمرار[60]. ولكن مع الجائحة، وتحول الملايين للعمل بالمنزل، فإن الأمر قد اختلف كثيرا، فالعمل لم يعد موجودا في مكان منفصل عن المنزل ومن ثم الحياة الشخصية، بل أصبح الاثنان مندمجان بشكل يصعب فصله؛ حتى أصبح من المعتاد أن يخترق صوت الأطفال اجتماعات والدهم الإلكترونية، أو أن يقوم الموظف بالعمل وحضور الاجتماعات بملابس النوم، وغير ذلك من الظواهر التي انتشرت بسبب الظرف الحالي، والذي من المرجح أن يخلق تأثيرا بعيد الأمد يجعل نسبة لا بأس بها تستمر في هذا النمط حتى بعد تراجع الجائحة، كما أكدت العديد من الشركات الكبرى[61].

وقد دعا ذلك المهتمين بهذا الشأن لمناقشة الأمر من زوايا جديدة، سواء عن طريق السعي للوصول لتوازن جديد بين العمل والحياة الشخصية ما بعد الجائحة، خاصة مع تواجد إحصاءات تشير لتحسن العلاقة مع الشريك في المنزل بعد العمل في المنزل؛ حيث أشار 17% لتحسنها بشكل كبير، 32% لتحسنها بشكل ما، ومن ثم محاولة الاستفادة من دروس الجائحة لإيجاد هذا التوازن الجديد[62].

في المقابل، فإن نقدا لمفهوم التوازن نفسه يبرز في النقاش[63]، من حيث كونه مفهوما تخيليا نظريا، غير موجود على أرض الواقع، مع الدعوة لنمط علاقات أكثر واقعية مثل التناغم بين العمل والحياة، وغير ذلك. ومن ثم فإن تغول الاقتصاد السيبراني يشكل تحديا أكبر للبشر لمنع تغول عالم العمل على العالم الشخصي والإنساني والأُسري.

  • من يتحكم في الإنترنت؟ من هيمنة الدول الاستعمارية لهيمنة الشركات الاستعمارية

الشركات التقنية الكبرى في العالم وصلت إلى مراحل غير مسبوقة في الحجم والقيمة السوقية، بحيث أصبحنا نسمع عن تقييمات تتخطى التريليون دولار لبعض الشركات مثل أمازون وأبل ومايكروسوفت وألفابت (المالكة لجوجل)[64]. هذه الأحجام الهائلة لم تأتِ من فراغ، بل شمل ذلك مسارا من الصعود الشرس، لا يتوانى عن الخسف وتدمير المنافسة، وصولا لشرائها بالكلية، في عمليات من الاستحواذات والاندماجات[65]، لخلق كيانات أكثر ضخامة ومن ثم أقوى.

هذا التضخم المستمر أصبح يمثل خطورة كبيرة على صناعة القرار وعلى مستقبل الشركات الوطنية في الدول غير الغربية، نجد على سبيل المثال استحواذ شركة “أوبر” على شركة “كريم” في سوق الشرق الأوسط[66]، مما أنتج احتكارا تاما في سوق خدمات النقل التشاركي في بعض الدول من بينها مصر، مما استدعى تدخلا من أجهزة مكافحة الاحتكار[67]، لكنه في نهاية الأمر قضى على إمكانية المنافسة المحلية، ليستجلب منافسين من خارج الوطن العربي، مثل إن درايفر الروسية[68]، وديدي الصينية[69].

نفس الأمر نجده في استحواذ “أمازون” على شركة “سوق” في المنطقة العربية[70]، واستحواذ “ماتش جروب” على “هوانا” المصرية[71]، وغيرها. مما يمثل مخاطرة على المدى الطويل في إيجاد بدائل محلية لهذه الكيانات العملاقة يستطيع المستخدم أن يلجأ لها أو تمثل مجالا للمنافسة المحلية حال عدم إمكانية المنافسة عالميا.

هذه المخاطر تتوسع حين النظر لكيفية تحكم هذه الشركات العملاقة في سياسات العمل بداخلها، ومن ثم فإن توجهات هذه الشركات تؤثر بالضرورة على قضايا وتوجهات وانحيازات المجتمعات المختلفة. هنا يبرز -على سبيل المثال- انحياز “فيسبوك” ضد القضية الفلسطينية بوجه عام، هذا الانحياز المتكرر نتيجة أن “فيسبوك” في النهاية شركة أمريكية، ومن ثم تخضع للقوانين الأمريكية، التي تحابي بوجه عام الكيان الصهيوني. ومن ثم فإن حملات الفيسبوك المتكررة ضد التواجد الفلسطيني على الموقع الأزرق، أمر أصبح متكررا طيلة الوقت[72]، فبعد أن كان يمثل متنفسا لعرض القضية الفلسطينية من وجهة نظر عربية، أصبح الفيسبوك يواجهها بشكل مباشر. لذا فإن هناك أصوات تنادي بدمقرطة هذه المنصات الرقمية[73] التي تمثل مجالا عاما افتراضيا أصبح له تأثير كبير، كما شاهدنا مثلا في انتخابات الرئاسة الأمريكية[74] التي أتت بترامب بعد تدخلات روسية عبر الفيسبوك[75].

  • الهيمنة من الداخل: الخطر يأتي من أنفسنا

المخاوف التي يمثلها عالم الرقمنة الحديث، لا تقتصر فقط على الأمور الخارجية، بل إنه في أعماقه يمثل تهديدا حقيقيا للإنسان من داخله؛ يبدأ الأمر بالإدمان[76] والانتحار وغير ذلك من المخاطر التي يتعرض لها الانسان نتيجة تفاعله مع هذا العالم الرقمي، وهي مخاطر اعترفت بها منصات التواصل الاجتماعي نفسها[77]؛ حيث توصلت تقارير إلى أن 6% على الأقل من المراهقات التي جال بذهنهن أفكار انتحارية كان ذلك مرجعه منصة “إنستجرام”[78]، وهو أمر كان معروفا لدى “فيس بوك” بالفعل[79].

هذا المخاوف تزيد باضطراد في ظل التزايد المتسارع من الارتباط بين البشر والعالم الرقمي؛ حيث زاد متوسط الوقت اليومي الذي يقضيه الفرد على الإنترنت من 75 دقيقة في اليوم عام 2011، إلى 192 دقيقة عام 2021 أي ما يزيد عن الضعف خلال عشر سنوات[80].

يمثل الاقتصاد السيبراني فرصا وتحديات ومخاوف، للأفراد والشركات والدول والمجتمعات، وما أحدثه من تغيرات حتى الآن يمثل مرحلة أولى فقط مما سيأتي في المستقبل، ومن ثم فإننا كافة يجب أن نسعى لمواكبته من أجل الاستفادة من الفرص، والاستعداد للتحديات، ومواجهة المخاوف.

_________________________

الهوامش

[1] Arne Holst, Volume of data/information created, captured, copied, and consumed worldwide from 2010 to 2025, Statista, 7 June 2021, accessed: 26 September 2021, available at: https://cutt.us/pCkld

[2] المرجع السابق ذكره.

[3] Daniel Price, Infographic: How Much Data is Produced Every Day?, cloudtweaks, without date, accessed: 26 September 2021, available at: https://cutt.us/oRn64

[4] Bernard Marr, A brief history of big data everyone should read, weforum, 25 feb 2015, accessed: 26 september 2021, available at: https://cutt.us/zr5qF

[5] Jeff Desjardins, How much data is generated each day?, weforum, 17 April 2019, accessed: 26 September 2021, available at: https://cutt.us/Vs7Qk

[6] فقاعة الدوت كوم تعني انهيار أسهم العديد من الشركات العاملة في التكنولوجيا مع بداية الألفية الجديدة عقب صعود كبير في مؤشراتها في البورصة، وعلى أثر ذلك انهارت شركات عدة مثل intel وcisco، وكان ذلك نتيجة لضخ الكثير من الأموال للاستثمار في الشركات الناشئة في التكنولوجيا والتسويق لذلك دون أن يكون هناك أي تطور تكنولوجي؛ حيث أنفقت بعض الشركات 90% من ميزانيتها على الدعاية والإعلانات.

[7] Adam Hayes, Dotcom Bubble, investopedia, 25 June 2019, accessed: 26 september 2021, available at: https://cutt.us/LvHNu

[8] مافيا الباي بال هم مجموعة من مؤسسي شركات التكنولوجيا في العقدين الأخيرين، بدأو في تأسيس “باي بال” ثم قاموا بتأسيس أهم الشركات التكنولوجية، وأشهرهم إيلون ماسك، للمزيد، انظر: أحمد سمير سامي، «مافيا باي بال»: المجموعة التي سيطرت على عالم ريادة الأعمال الأمريكي، إضاءات، 29 مارس 2021، تم زيارته: 26 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/eqUa9

[9] Brian Patrick Eha, An Accelerated History of Internet Speed (Infographic), entrepreneur, 25 september 2013, Accessed: 26 september 2021,available at: https://cutt.us/Gg5cb

[10] Antonio Villas-Boas, ‘Red Dead Redemption 2’ would have taken almost 48 hours to download a decade ago — here’s how far internet speeds have come, business insider, 5 Nov 2019, Accessed: 26 september 2021, available at: https://cutt.us/W9wrm

[11] Steve Jobs, Steve Jobs Introducing The iPhone At MacWorld 2007, Youtube, 3 Dec 2010, Accessed: 26 september 2021, available at: https://cutt.us/YGbsq

[12] James Manyika and Charles Rozburgh, The great transformer: The impact of the internet on economic growth and prosperity, Mckinsey Global Institute, Oct 2011, Accessed: 30 september 2021, available at: https://cutt.us/rwKeN

[13] M. Szmigiera, The 100 largest companies in the world by market capitalization in 2021, Statista, 10 september 2021, Accessed: 26 september 2021, available at: https://cutt.us/NEqDp

[14] Kerry A. Dolan, Jennifer Wang and Chase Peterson-Withorn, Forbes Billionaires 2021: The Richest People in the World, Forbes, Without Date, Accessed: 26 september 2021, available at: https://cutt.us/P4xCU

[15] Marty Swant, The 2020 World’s Most Valuable Brands, Forbes, without date, Accessed: 26 september 2021, available at: https://cutt.us/pQug4

[16] Rumana Bukht and Richard Heeks, Defining, Conceptualising and Measuring the Digital Economy, Development Informatics Working Paper, No. 68, 3 Aug 2017, Accessed: 30 september 2021, available at: https://cutt.us/Xhdhl

[17] UN, Digital economy Report 2019, P. 4, 2019, Accessed: 30 september 2021, available at: https://cutt.us/KI5HX

[18] Das M., Kumar A, Introduction to 5G Telecommunication Network, (In) Singh S. and et la (eds) CMOS Analog IC Design for 5G and Beyond, Lecture Notes in Electrical Engineering, Singapore: Springer, Vol 719., 2021 , Accessed: 30 september 2021, available at: https://cutt.us/pNtYW

[19] Nicol Turner Lee, Enabling opportunities: 5G, the internet of things, and communities of color, Report, Brookings, 9 Jan 2019, Accessed: 30 september 2021, available at: https://cutt.us/GZBxN

[20] Statista Research Department, Mobile internet usage worldwide – statistics & facts, Statista, 21 Jul 2021, Accessed: 30 september 2021, available at: https://cutt.us/5297O

[21] Brandon Gaille, 46 Information Services Industry Statistics and Trends, brandongaille, 5 Aug 2019, Accessed: 30 september 2021, available at: https://cutt.us/FBoeM

[22] The Investopedia Team, Sharing Economy, Investopedia, 3 Oct 2020, Accessed: 30 september 2021, available at: https://cutt.us/n4mqo

[23] PWC, Sharing or paring? Growth of the sharing economy, PWC, 2015, Accessed: 30 september 2021, available at: https://cutt.us/b29IE

[24] Niam Yaraghi and Shamika Ravi, The Current and Future State of the Sharing Economy, Impact Series, Brookings Institution India Center, No.032017, Mar 2017, Accessed: 30 september 2021, available at: https://cutt.us/v8AWo

[25] Sophia Bernazzani, IaaS vs. PaaS vs. SaaS: Here’s What You Need to Know About Each, Hubspot, 30 Apr 2021, Accessed: 30 september 2021, available at: https://cutt.us/8FLCp

[26] Jordan Novet, Amazon’s cloud division reports 32% revenue growth, CNBC, 29 Apr 2021, Accessed: 30 september 2021, https://cutt.us/ASGit

[27] Don Davis, Amazon’s profits keep rolling in even as sales growth slows in Q2, digital commerce 360, 29 Jul 2021, Accessed: 30 september 2021, available at: https://cutt.us/whNgT

[28] UN, COVID-19 and E-Commerce: A Global Review, UNCTAD, 11 Mar 2021, Accessed: 30 september 2021, available at: https://cutt.us/bWjl3

[29] Understanding The Different Types of Cryptocurrency, Sofi, 17 september 2021, Accessed: 30 september 2021, available at: https://cutt.us/XGddq

[30] Joe Tidy, Fear and excitement in El Salvador as Bitcoin becomes legal tender, BBC, 7 september 2021, Accessed: 30 september 2021, available at: https://cutt.us/X2ucp

[31] Teresa Pepe, Blogging from Egypt: Digital Literature (2005-2016), (Edinburgh: Edinburgh University Press, 2019), Chapter 1, pp. 1-3.

[32] اعمل بيزنس، اطلب دوت كوم من الاستحواذات لتغيير العلامة التجارية، اعمل بيزنس، 8 أكتوبر 2020، تاريخ الاطلاع: 26 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/cO5Qw

[33] محمد حسام خضر، “محمد حسام خضر” مؤسس منتدى فتكات يروي رحلة تأسيسه بعد الإعلان عن إغلاقه، يوتيوب، 13 يناير 2021، تاريخ الاطلاع: 26 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/ae8fK

[34] هبة السيد، بالأرقام.. “الاتصالات” تكشف عدد خطوط المحمول والإنترنت بمصر، اليوم السابع، 24 أغسطس 2020، تاريخ الاطلاع: 26 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/4jXdc

[35] SIMON KEMP, DIGITAL 2021: EGYPT, DataReportal, 11 Feb 2021, Accessed: 26 september 2021, available at: https://cutt.us/bwHuA

[36] Speedtest Global Index, Speed Test, Aug 2021, Accessed: 26 september 2021, available at: https://cutt.us/TJ46J

[37] العربية، كلفة الإنترنت ومكالمات المحمول في مصر الأعلى عربيا، العربية، 14 يوليو 2020، تاريخ الاطلاع: 26 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/wBzoD

[38] Frances Stewart, A Basic Needs Approach to Development, (UK: Palgrave Macmillan UK, 1985).

[39] تقرير التنافسية العالمية 2017، تمت مراجعته: 26 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/Pb3Xt

[40] محمود طه حسين، “التعليم”: ارتفاع أعداد التلاميذ من 19 مليونا فى 2015 إلى 23 مليونا فى 2020، اليوم السابع، 23 فبراير 2020، تمت مراجعته: 26 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/i7JTV

[41] هبة حسام، خريطة مدارس مصر.. 45 ألف مدرسة حكومية و7 آلاف خاصة لتعليم 20 مليون تلميذ، اليوم السابع، 24 مارس 2018، تمت مراجعته: 26 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/xRnO2

[42] محمود طه حسين، مرجع سبق ذكره.

[43] منة الله ممدوح، تعرف على أعداد وتوزيع المعلمين على مستوى الجمهورية، أخبار اليوم، 5 أكتوبر 2020، تمت مراجعته: 26 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/25yDu

[44] إسراء سليمان، بالأرقام.. تفاصيل جدول رواتب المعلمين: تبدأ من 1800 جنيه و6 فئات، الوطن، 17 سبتمبر 2020، تمت مراجعته: 26 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/GRde9

[45] Global Competitive Report, World Economic Forum, 2019, Accessed: 26 september 2021, https://cutt.us/sIIFH

[46] محمد ربيع غزالة، جهود حكومية لوقف هجرة 62% من قوة مصر الطبية.. كيف نشجع الأطـباء على البقـاء؟، الأهرام، 22 يناير 2021، تمت مراجعته: 26 سبتمبر 2021، https://cutt.us/0M7dI

[47] إبراهيم الطيب، «التموين»: حجم التجارة الإلكترونية الرسمية 80 مليار جنيه، المصري اليوم، 23 مارس 2021، تمت مراجعته: 26 سبتمبر 2021، https://cutt.us/EilQX

[48] محمد سامي، “التموين”: 400 مليار حجم التجارة الإلكترونية في مصر بعد “كورونا”، مصراوي، 30 نوفمبر 2020، تمت مراجعته: 26 سبتمبر 2021، https://cutt.us/yD0JH

[49] حالة الرقابة على الإنترنت في مصر، حرية الفكر والتعبير، 2 يوليو 2018، تمت مراجعته: 26 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/PCrqn

[50] سلسلة الإنترنت والقانون في مصر (الجزء الثاني: الإعلام الرقمي)، حرية الفكر والتعبير، 19 أغسطس 2021، تمت مراجعته: 26 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/X3s43

[51] آلاف المواقع تُحجب عشوائيًّا في مصر، حرية الفكر والتعبير، 15 مايو 2019، تمت مراجعته: 26 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/o4Gl4

[52] مصطفى شوقي وسارة محسن، ما لم يُرَ!: دراسة حول آثار الحجب على المواقع الصحفية في ثلاث سنوات، حرية الفكر والتعبير، 25 يونيو 2020، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/rYpjT

[53] المالية تتجه لفرض 4 أنواع من الضرائب على التجارة عبر الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي، إنتربرايز، 3 أبريل 2019، تمت مراجعته: 26 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3DJO9xx

[54] منى عبدالباري، «الضرائب» توضح أسباب فرض قيمة مضافة على خدمات الدليفري للمطاعم‎، المال، 10 يونيو 2021، تمت مراجعته: 26 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/TMgA0

[55] منى عبدالباري، «الضرائب»: شركات التجارة عبر الإنترنت ملزمة بالتسجيل حتى لا تعاقب بـ«التهرب»، المال، 29 يونيو 2021، تمت مراجعته: 26 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/dflBo

[56] مصطفى عيد، الضرائب: إحالة 4 شركات للنيابة لممارسة التجارة الإلكترونية دون التسجيل بالمصلحة، مصراوي، 28 أغسطس 2021، تمت مراجعته: 26 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/NNvDj

[57] مصر تفرض ضرائب على صناع المحتوى وسط تساؤلات عن “القيمة المضافة”، سي إن إن العربية، 25 سبتمبر 2021، تمت مراجعته: 26 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/4zV1Z

[58] The Future of Jobs Report 2020, World Economic Forum, 20 Oct 2020, Accessed: 26 september 2021, https://cutt.us/yzN43

[59] The future of work after COVID-19, Mckinsey Global institute, 18 Feb 2021, Accessed: 26 september 2021, https://cutt.us/hSEbg

[60] نور علوان، التوازن بين الحياة المهنية والشخصية سباق بلا نهاية، نون بوست، 18 أكتوبر 2018، تمت مراجعته: 26 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/AUP5e

[61] Joey Hadden, Laura Casado, Tyler Sonnemaker, and Taylor Borden, 21 major companies that have announced employees can work remotely long-term, businessinsider, 14 Dec 2020, Accessed: 26 september 2021, https://cutt.us/7H7KO

[62] Dan Schawbel, The balancing act: what we’ve learned from one year of working from home, World Economic Forum, 21 Apr 2021, Accessed: 26 september 201, https://cutt.us/eFr3i

[63] محمد الجاويش، السعي نحو السراب.. هل ثمة توازن بين العمل والحياة؟، ميدان، 24 أبريل 2019، تمت مراجعته: 26 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/y6Hyt

[64] M. Szmigiera, The 100 largest companies in the world by market capitalization in 2021, Statista, 10 september 2021, Accessed: 30 september 2021, https://cutt.us/rrrfE

[65] غدير عادل، ماراثون الاستحواذ: كيف يحقق العمالقة مصالحهم بابتلاع الشركات الصغرى، إضاءات، 17 مارس 2021، تمت مراجعته: 30 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/MkHme

[66] Uber Team, Uber Completes Acquisition of Careem, Uber, 3 Jan 2020, Accessed: 30 september 2021, https://cutt.us/NkUu0

[67] إنتربرايز، “حماية المنافسة” يوافق على صفقة أوبر وكريم بشروط، إنتربرايز، 30 ديسمبر 2019، تمت مراجعته: 30 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3oQ9zVj

[68] Dunya Hassanein, Ride-hailing in Egypt: A global tug-of-war, Wamda, 24 Aug 2021, Accessed: 30 september 2021, https://cutt.us/el1tW

[69] Al-Masry Al-Youm, DiDi ride app starts transportation services in Alexandria, Egypt Independent, 14 september 2021, Accessed: 30 september 2021, https://cutt.us/DX0Y1

[70] Jon Russell, Amazon completes its acquisition of Middle Eastern e-commerce firm Souq, Tech Crunch, 3 Jul 2017, Accessed: 30 september 2021, https://cutt.us/bxzhv

[71] Mohammed Salah, Online dating giant Match Group acquires Egyptian dating startup Harmonica to expand into Muslim-majority markets, MenaBytes, 7 Aug 2019, Accessed: 30 september 2021, https://cutt.us/1yaJ0

[72] محمد محمود السيد، «فيس بوك» يشارك الاحتلال الإسرائيلي في حصار الفلسطينيين، إضاءات، 25 سبتمبر 2016، تمت مراجعته: 30 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/Clb2Y

[73] محمد شخبة، تفتيت الرأسمالية: من أجل فيسبوك أكثر ديموقراطية، إضاءات، 15 أكتوبر 2018، تمت مراجعته: 30 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3FD8fv5

[74] فرزت الشياح، بين ترامب وكلينتون: كيف يتلاعب الفيسبوك بالديمقراطية الأمريكية، إضاءات، 2 مايو 2016، تمت مراجعته: 30 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/QEjdN

[75] Newyork Times, Russian Hacking and Influence in the U.S. Election, New york Times, without date, Accessed: 30 september 2021, https://cutt.us/VCKLb

[76] أسماء خليفة، هيمنة العالم الأزرق: كيف نسج الفيسبوك خيوطه حول عقولنا؟، إضاءات، 4 مارس 2021، تمت مراجعته: 30 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/IPBc6

[77] رنا عيسى، فيسبوك يعترف بالأضرار النفسية لإدمان الموقع ويطرح الحل، إضاءات، 18 ديسمبر 2017، تمت مراجعته: 30 سبتمبر 2021، متاح عبر الرابط التالي: https://cutt.us/xAgyV

[78] Kristen Johnson, Instagram Taking Its Toll on Teen Girls’ Mental Health: Report, CNBC, 15 september 2021, Accessed: 30 september 2021, https://cutt.us/g9o8g

[79] Damien Gayle, Facebook aware of Instagram’s harmful effect on teenage girls, leak reveals, The Guardian, 14 september 2021, Accessed: 30 september 2021, https://cutt.us/gK5sr

[80] Joseph Johnson, Daily time spent with the internet per capita worldwide from 2011 to 2021, by device, Statista, 27 Jan 2021, Accessed: 30 september 2021, https://cutt.us/dWXMK

فصلية قضايا ونظرات – العدد الثالث والعشرون – أكتوبر 2021

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى