تحولات المقاومة السورية بين الانتصار والانكسار: معركة حلب نموذجًا

مقدمة:

حلب واحدة من مدن الأمة المكلومة، تأتي في سلسلة مدن التداعي والتدافع التي تلخص دلالات كبرى للمرحلة التي نمر بها. فقد شهدت الأمة عبر العقود الأخيرة ملحمة متصلة الحلقات عبرت عنها قصص مدنها في شرقيها وغربيها[1]: في القدس وفلكها المرصع بمدنٍ باسلة في جنين والخليل ورام الله ونابلس، وفي غزة ونواحيها ومخيماتها من رفح وخان يونس إلى جباليا، إلى سراييفو وسربرنيتشيا، بالبوسنة، وبريتشينا-كوسوفو، فجروزني-الشيشان، ومقديشيو-الصومال، وكابول وقندوز وباجرام وقندهار في أفغانستان، وبغداد والبصرة والفالوجة والأنبار وديالى وصلاح الدين وغيرها بالعراق، وغيرها من مدن الربيع الثوري العربي الذي تحول إلى صيف شديد الحرارة. ولقد أمست المدن السورية الأكثر ذوقًا للهيب هذا التحول، منذ دُفعت ثورتها إلى حمل السلاح؛ مقاومةً للتنكيل الشديد الذي أراد وأدها في أشهرها الأولى من عام 2011 وحتى اليوم. وتعد حلب واحدة من أبرز هذه القصص ذوات العبر.
وحلب محافظة من 14 محافظة تشكل سوريا إداريًّا، وفي قلبها مدينة حلب القديمة والجديدة. ومحافظة حلب أكبر المحافظات السورية سكانًا (خمس السكان: 4.6 ملايين)، والمدينة هي أوسع مدن سوريا مساحة وأكثرها كثافة سكانية، وتعد العاصمة الاقتصادية، وهي واحدة من الحواضر التاريخية التي تعج بالآثار الإسلامية وغيرها ولحلب القديمة طراز معماري خاص أدخلها منذ 1986 في لائحة التراث العالمي وفق اليونسكو[2].
ومن الناحية الجغرافية تقع حلب على الحدود بين سوريا وتركيا؛ ما جعلها ذات أهمية استراتيجية في التاريخ الشامي بصفة عامة وفي الثورة السورية الحاضرة بصفة خاصة؛ إذ إنها بوابة الدور التركي الكبير في الثورة كما سيأتي. وفي حلب مسلمون عرب وأكراد وأقلية من الشركس والتركمان، أغلبية سنية وأقلية شيعية، وفيها أقلية مسيحية أهمهم الأرمن، هم التجمع الثاني من حيث الحجم بعد مدينة بيروت (بين 10% و15%) في المنطقة. وأمام عدد ضخم من المساجد الكبرى والأثرية – على رأسها مسجد حلب الكبير الأموي – تحتضن بين جنباتها حوالي 45 مبنى كنسيًا تنتمي للطوائف المتنوعة فهناك السريان واللاتين والمارونيون والكاثوليك والأرثوذكس والكلدانيون[3].
وتبدأ قصة حلب الراهنة منذ أواسط 2012 (يوليو) حين استولت قوات الجيش السوري الحر على أحياء في جنوبيها وشمال شرقيها، لتبدأ المعركة البندولية الطويلة سجالًا بين الجانبين: الجيش الحر والقوات المنضمة إليه ثم الجبهة الإسلامية وفصائلها، والجيش النظامي والميلشيات السورية والأجنبية المنضمة إليه لا سيما حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني وروسيا. فما أن يسيطر الثوار على جزء من المدينة حتى تعود قوات بشّار لتسترده أو جزءًا منه، وما أن يتمكن الثوار من ضرب حصار أو قطع إمدادات عن قوات بشار حتى يتم كسر الحصار أو استرداد خطوط الإمداد والمواصلات لصالح النظام[4]. وقد استمر ذلك السجال حتى الموقعة الأخيرة في نهايات العام المنصرم 2016 والتي انتهت باكتساح قوات بشار وإيران وروسيا البرية والجوية للمحافظة وطرد جميع القوات المقاومة ضمن واحدة من أبشع مذابح العصر الحديث ومآسيه على المستوى الإنساني.
والسؤال الذي نحاول الإجابة عنه عبر هذه الأسطر يتعلق بدلالات التحولات التي تمر بها الثورة السورية وقوى المقاومة فيها ما بين التقدم والتعثر والتراجع: ما دور القوة الوطنية في هذا الصدد؟ ما دور القوى غير الوطنية على جانبي المعركة؟ وما دلالة هذه الحالة بالنسبة لكل من: الثورات العربية في نماذجها الأربعة الأخرى، القوى الإقليمية، والقوى العالمية؟ وذلك من خلال قصة حلب التي كانت أبرز بقاع الثورة السورية تأرجحًا بين انتصارات الثورة وانكساراتها، كما أشرنا. وعبر نحو ست سنوات من عمر الثورة السورية مرت ثورة حلب الطويلة بمرحلتين كبريين:
مرحلة الثورة السلمية التي استمرت من مارس 2011 حتى يوليو 2012 حين حضر السلاح مع تصاعد عمليات القمع من قبل شرطة وقوات النظام وتزايد أعداد القتلى رغم الإصرار على السلمية. وقد اشتملت هذه المرحلة على أعمال احتجاجية سلمية ومظاهرات متصاعدة تطالب برحيل بشار الأسد على غرار ما توالى وتزامن في المحافظات والمدن السورية كافة. ومما يذكر في ذلك تأخر التحول إلى العمل المسلح من قبل الحلبيين عن سائر أنحاء سوريا.
والمرحلة الأخرى هي مرحلة الثورة المسلحة التي أخذت بدورها أطوارًا عدة: طور انفجار المقاومة المسلحة في الريف الشرقي والشمالي: فبراير 2012 – يوليو 2012، ثم بدء معركة المدينة نفسها حتى فبراير 2014، واستغرق عامًا. ثم طور بروز غرفة عمليات أهل الشام (أو الغرفة المشتركة لأهل الشام)[5]: فبراير 2014 من عدة فصائل أبرزها: جبهة النصرة وجيش المجاهدين والجبهة الإسلامية وكتائب نور الدين زنكي، وذلك لمدة ستة أشهر أولًا حتى أغسطس 2014 حين ظهر تنظيم الدولة في معركة حلب واستولى على مدينة أخترين في الريف الشمالي متجهًا إلى مارع، وبدأ دور جديد من الخلافات الداخلية بين الفصائل على محكات فكرية وأيديولوجية وجهوية. ثم طور طويل من التشظي وتعدد القوى الضالعة في المعركة ومحاولات جمعها تحت راية واحدة في صورة جبهة فتح الشام إلى جيش الفتح إلى جيش حلب، وتحقيق انتصارات وتعرض لانكسارات.. الأمر الذي انتهى بسقوط حلب المريع تحت قصف روسي جوي متصل لنحو ثلاثة أشهر وتقدم التشكيلة الشيعية المؤازرة لجيش بشار في مذبحة الثورة الكبرى بين سبتمبر وديسمبر 2016.
هذه المسيرة الملحمية للثورة السورية، وبالأخص للمرحلة المسلحة منها، مشحونة بالدروس والعبر، وهي منشئة لواقع جديد في المنطقة العربية، يمكن القول إنه المحصلة الأكبر لتطورات عقود من التداعي العربي والإسلامي ما يمكن تأريخه بهزيمة يونيو 1967 أو بخيار كامب ديفيد 1979، ثم نكسة التحالف الدولي العربي بقيادة الولايات المتحدة لتأديب العراق بعد غزو الكويت 1990-1991، ما بلغ قاعه باحتلال الأمريكان لبغداد أبريل 2003. ولكن – من الناحية الأخرى – فإن هذه الملحمة كاشفة عن حقائق أخرى لم تكن بذاك الوضوح في الواقع العربي. فتحول الثورات إلى انقلابات وصراعات مسلحة وعنف منتشر في أرجاء المنطقة لم يكن ببعيد عن سياسات الاستبداد العربي وإصرارها على مقولة كل نظام: (أنا أو الفوضى)، لكنها كشفت عما أورثته للقوى المجتمع العربي من تشوهات نفسية وتشوشات فكرية وانقسامات متصلبة وارتباطات وتدخلات خارجية، أعادت فرز القوى المختلفة: السورية، والعربية، والجوار الإقليمي، وذات الثقل العالمي، فضلًا عن القوى الشعبية العربية والإسلامية؛ المقيمة في أوطانها أو العابرة للحدود.
هذه المسيرة الملحمية للثورة السورية جديرة بثورة موازية لإعادة التفكير الجدي في كثير من القضايا الاستراتيجية والمصيرية العربية: الفكرية منها والسياسية على وجه الخصوص: هل لا تزال العروبة رابطة معنوية حية بعد أن تداعت أركانها المادية نحو الهاوية وبعدما فقد العرب القدرة على التعاطف بعد أن فشلت دعوات التضامن فضلًا عن مشاريع الوحدة العربية التي دخلت في قائمة المستحيلات العربية مع الغول والعنقاء والخل الوفي؟ هل سقطت الثورات العربية في الثقب الأسود للاستبداد العربي ولو على حساب النفوس ودمائها والأرض واستقلالها؟ ما حقيقة العقل العربي اليوم الذي قطع المفكرون القوميون العروبيون ردحًا طويلًا في تمجيده معاصرًا وتفنيده تراثًا؟ وما معنى الدولة العربية اليوم إذا كانت قد تحولت إلى الميدان الأنسب لقتل العرب وتهجيرهم والتنكيل بأطفالهم ونسائهم وشيوخهم؟ وما موقع الإسلام من هذه الملحمة، خاصة أن معظم قوى المعارضة/ المقاومة السورية ترفع رايته في معركتها الحالية لا سيما: معركة حلب؟ هل لا يزال للمقاومة معنى؟ وهل من الممكن أن تنتصر بعد هذه المآسي والخسائر؟

أولًا- مأساة حلب: مأساة سوريا والأمة والإنسانية

هذه الأسئلة لا تثيرها معركة حلب وحدها، سواء بسنواتها الست، أو بأشهرها الأخيرة التي شهدت المذبحة المأساة، فدواعيها متوالية متراكمة متناثرة في أنحاء الأمة، لكن معركة حلب تدفع بها إلى اللب والقلب ضرورة الإجابة عن تلك الأسئلة قبل استكمال المسيرة. إن مأساة ثورات الشعوب العربية بعدما انقلبت عليها الثورات المضادة من قبل الأنظمة تدرجت من معهود القمع إلى جديد القتل في الشوارع بأيدي الجيوش وقوات الأمن الوطنية، وجاء التدخل العسكري الغربي (الناتو) في ليبيا مؤقتًا وسريع الانتهاء، كما جاء التدخل العسكري العربي في البحرين ثم في سوريا غير دموي بالقدر الذي تشمئز منه النفوس، لكن التدخل الإيراني والروسي في سوريا وبالأخص حلب جاء في صورة من البشاعة توازيها صورة أخرى من العجز العربي؛ بما يفرض هذه الوقفة، والتي نبدأها من النهاية.
في نهاية العام المنصرم 2016 أعلنت روسيا – وليست سوريا – انتهاء معركتها في حلب بانتصار مؤزر؛ حيث دمرت حلب بالكامل تدميرًا لا يدع حجرًا فوق حجر، وقتلت من أهليها في النوبة الأخيرة من المعركة (سبتمبر – ديسمبر 2016) آلافًا، وأصابت وجرحت آلافًا، وهجرت من بيوتهم عشرات إن لم يكن مئات الآلاف (130 ألفًا فقط في الشهر الأخير)، بعد حصار مرير أذل جميع سكان حلب الشرقية شهورًا طويلة، أنهك فيها الجوع والبرد والخوف ما تبقى في الناس من آدمية. تخلل ذلك عمليات قتل مباشرة وعمليات اغتصاب للنساء، كلما تقدمت ميلشيات الأسد وشيعة إيران. كان هذا هو موقف أهل حلب من المدنيين العزل الذين اضطروا إلى البقاء حتى الشهر الأخير لحين إجلائهم وتفريغ المدينة تفريغًا شبه كامل في منتصف ديسمبر 2016، حتى وقعت الهدنة بين روسيا وتركيا، وأعلن وقف المجزرة مؤقتًا، حيث لم تتوقف العمليات المتبادلة وإن هدأت كثيرًا.
قبل هذه النهاية كانت روسيا ومن ورائها إيران وميليشياتها ثم بقية جيش بشار قد أعلنوا عن بدء معركة النهاية في حلب. ففي 15 نوفمبر، وبعد هدنة استمرت شهرًا، بدأت قوات الأسد هجومًا واسع النطاق على الشطر الشرقي من حلب الذي تسيطر عليه الفصائل المعارضة ويحاصره النظام منذ يوليو (بعد آخر معركة نجح فيها جيش الفتح في فك الحصار عن حلب الشرقية بل ومحاصرة قوات الأسد في الغرب). أمطرت قوات النظام – وفي الحقيقة: الطائرات الروسية في المقام الأول – الأحياء الشرقية بالصواريخ والقذائف والبراميل المتفجرة في وتيرة هي الأعنف منذ بداية الثورة السورية. وفي 21 نوفمبر، أكدت منظمة الصحة العالمية، أنه لم يعد هناك “أي مستشفى قيد الخدمة” في شرق المدينة، فقد تعمد القصف الروسي السوري استهداف المستشفيات والمساجد ومقرات الدفاع المدني وعمليات البحث في الأنقاض.[6]
وذكرت مصادر للمعارضة السورية أنه تم قطع الاتصالات عن شرقي حلب، مع تصاعد وتيرة القصف الجوي ليلًا على المناطق التي كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة. وذكرت مصادر في الدفاع المدني أن عشرات الجثث منتشرة في الشوارع، وأن أعدادًا كبيرة من جثث المدنيين لا تزال تحت الأنقاض في حي الزبدية، وسط عجز تام لفرق الدفاع المدني لانتشال الضحايا[7]، فيما كان مصير عدد كبير من المدنيين لا يزال مجهولًا من جراء القصف الروسي السوري المكثف وأنباء عن عمليات قتل نفذتها القوات الحكومية وميليشيات موالية في الأحياء الشرقية. وأطلقت منظمة الخوذ البيضاء للدفاع المدني و3 جماعات إغاثة أخرى محاصرة مناشدة يائسة للمجتمع الدولي من أجل ترتيب ممر آمن لنحو 100 ألف مدني عبر منطقة تمتد 4 كيلومترات تسيطر عليها الحكومة. وأشار مدير الدفاع المدني، عمار السلمو، إلى أن هناك ما يربو على 100 جثة وأن هناك آخرين ربما ما زالوا على قيد الحياة تحت الأنقاض ولا يتسنى لأحد الوصول إليهم. من جانبه، قال مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية الخاص بسوريا، يان إيغلاند، إنه يجب تحميل الحكومتين السورية والروسية مسؤولية الفظائع التي ترتكبها الفصائل المسلحة الموالية للحكومة في حلب. وأضاف: “حكومتا سوريا وروسيا مسئولتان عن أي انتهاكات وكل الانتهاكات التي ترتكبها حاليًا الميليشيات المنتصرة في حلب”[8].
وفي 26 نوفمبر، تمكن النظام من السيطرة على حي مساكن هنانو الأكبر في شرق حلب، والذي كان الأول الذي سيطر عليه مقاتلو المعارضة في صيف 2012، ما أدى إلى انقسام المدينة إلى شطرين منذئذ[9]. وفي نهاية نوفمبر، أكد مسئول العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة ستيفن أوبراين، أن الوضع “مقلق ومرعب”، لافتًا إلى أن “المؤونة الغذائية استنفدت عمليًا” ومحذرًا من أن شرق حلب قد “يتحول إلى مقبرة ضخمة”.
وفي 6 ديسمبر، استعادت قوات النظام وحلفاؤها السيطرة على 8 أحياء في وسط حلب الشرقية بينها الشعار “الحي السكني الأهم في قلب شرق حلب” وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. في اليوم التالي، استعاد النظام السيطرة على المدينة القديمة التي تشكل القلب التاريخي لحلب.
وقبلها بيوم واحد أي في 5 ديسمبر، لجأت روسيا والصين إلى حق النقض (فيتو) في مجلس الأمن ضد قرار يطلب هدنة لـ7 أيام في حلب، وهي المرة السادسة التي تعطل فيها موسكو قرارًا حول سوريا منذ بدء النزاع في مارس/ آذار 2011 والمرة الخامسة للصين. هذا فيما اتهم السفير الفرنسي فرانسوا دولاتر، موسكو بأنها “قررت السيطرة على حلب مهما كانت الكلفة الإنسانية” لتحقيق نصر عسكري. في 10 ديسمبر، ندد وزير الخارجية الأمريكي بـ”جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب يرتكبها النظام”. وفي التوقيت نفسه يعقد اجتماع دولي في باريس بمشاركة 5 دول غربية بينها الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا و4 دول عربية بينها قطر والسعودية، ينتهي من دون أي موقف ملموس. ووفق عادته، يبدي الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قلقه من معلومات عن ارتكاب فظائع “بحق عدد كبير” من المدنيين بينهم نساء وأطفال. وتكرر باريس تنديداتها بـ”مجازر” يرتكبها النظام بحق مدنيين “بدعم” روسي.
ومع صباح 12 ديسمبر، يؤكد مسؤول عسكري سوري أن العمليات العسكرية “تدخل مرحلتها النهائية” موضحًا أن مقاتلي المعارضة يسيطرون فقط على 10% من شرق حلب. بدوره، لفت المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى “انهيار تام للفصائل المعارضة” مؤكدًا أن “معركة حلب توشك أن تنتهي”. وفي 15 ديسمبر، أعلن مسؤول عسكري سوري اتفاقًا جديدًا للسماح بإجلاء مقاتلي المعارضة ومدنيين من آخر المناطق التي تسيطر عليها الفصائل في شرق حلب. وأعقب ذلك وصول الدفعة الأولى من عملية الإجلاء من آخر جيب في حلب تسيطر عليه المعارضة إلى ريف حلب الغربي الواقع تحت سيطرة الفصائل المقاتلة، وفق مصدر طبي والمرصد السوري لحقوق الإنسان[10].
وناشد ناشطون ممن تبقوا في المدينة الواقعة شمالي سوريا، المجتمع الدولي إيقاف ما يحصل في المدينة، مؤكدين خوفهم من “حدوث مجازر واعتقالات” في حقهم في حال تمكن القوات الحكومية والميليشيات الموالية لها من الوصول إلى عمق المناطق التي يقيمون فيها[11]. وقد حدث.
هذه كانت القصة في مشهدها الأخير، والآن كم طرفًا حضر في هذا المشهد المأساوي؟ وكيف كان دور كل منهم فيها؟ وما دلالة ذلك؟
أما الشعب الحلبي فقد وجد نفسه في وضعية الفريسة بين من وجد إلى الهرب سبيلًا، فلجأ لمحافظة أخرى أو سابق إلى الجنوب التركي أو إلى أوروبا، وبين من أصر على البقاء، وقد كان شهود الكارثة من حظ من بقي من هؤلاء على قيد الحياة. على سبيل المثال العابر تأتي قصة واحدة ممن نجوا منهم: فاطمة عبد الله أحمد. بقيت فاطمة حُبلى في شهرها الرابع مع زوجها وأطفالها الثلاثة (توأمان بعمر 2.5 سنة، وآخر بعمر 1.5 سنة) في حلب لعدم رغبتها في المغادرة، إلا أن نظام بشار وحلفاءه كان لهم رأي آخر. تشير فاطمة إلى أن أحد البراميل المتفجرة التي ألقتها طائرات بوتين أو بشار على رأس المدنيين في الأحياء السكنية، سقطت بالقرب من منزلهم ما أدى إلى إصابة زوجها أثناء محاولته إخراج بعض المسلتزمات.. وأن القذائف الصاروخية كانت تتساقط بكثافة على الأحياء الشرقية لحلب أثناء محاولتهم الانتقال إلى مكان أكثر أمانًا، لتبقى إلى جانب زوجها المُصاب في ساقه وأطفالها الصغار الذين يخافون من أصوات الانفجارات. لجأت العائلة السورية إلى أحد المباني الذي اعتقدوه آمنًا في المنطقة المحاصرة، لكن القصف العنيف طالهم هناك أيضًا، وأسفر عن مقتل عدد من أقربائهم المرافقين لهم.
وقالت فاطمة: “كنّا نحاول يوميًا الانتقال إلى أماكن آمنة إلا أن القنابل تنهال علينا كالمطر، والبراميل المتفجرة تسقط بجوارنا، حاولنا حماية أنفسنا من التسمم بالأسلحة الكيميائية التي يستخدمونها. قُتلت أخت زوجي وطفلها وزوجها أثناء هروبنا من القنابل”. وأشارت إلى انعدام مقومات الحياة بالمنطقة، قائلة: “اضطررنا لشرب مياه مليئة بالديدان. لقد عانينا من العطش والجوع والخوف والقتل في نفس الوقت. الجميع تشتت في الأحياء المستهدفة، وأنا فقدت أطفالي ثم عثرت عليهم مصابين في أحد المستشفيات”.
ومضت تقول: “بعد انتشار أنباء حول وقف إطلاق النار وفتح ممرات للخروج، تحركنا بسرعة إلا أن الأمر لم يتحقق، ثم دخلنا إلى منزل صغير جدًا وبقينا 13 شخصًا في غرفة واحدة بينهم 9 جرحى، وفجأة سقطت قذيفة فوقنا وتلطخت ملابسي بالدماء”. وتابعت: “رأيت صديقتي وطفلها مقتولين بسبب تلك القنبلة، وأنا مصابة في ساقي، ورغم ذلك تحركنا بسرعة عقب توارد أنباء عن فتح الممرات، لكن القناصة التابعين للنظام بدؤوا يستهدفوننا هذه المرة”[12]. هذا مختصر إحدى أهون حكايات حلب، وما شهده العالم غير فاطمة كان أدهى وأمرّ.

ثانيًا- نظام بشار بين الوحشية والتبعية: من الإرهابي؟

ثم يأتي دور نظام بشَّار الأسد، فلم يكن له سوى دور البواب والعراب الذي أتى بالقتلة الإرهابيين من نظامين رسميين في موسكو وطهران وجيشيهما، وميلشيات طائفية من لبنان والعراق وإيران وأفغانستان وغيرها لكي تقتل شعبه على مرأى ومسمع من العالم. كيف لا وهو نظام ولد سفاحًا عبر عملية توريث باطلة اشترك في إثمها نظام استبدادي كامل الأركان. يتعامى بشار ومنظومته عن تلك الحقيقة ليبدلوا بها أخرى: أنهم دولة تواجه إرهابيين عددهم كما يقول بشار نفسه في مقطع مشهور: ملايين! وهذه هي العقدة الدرامية في المأساة: أن الثورة السلمية الطربة المتفائلة واجهت وحشًا مؤسسيًا متجذرًا في صورة “دولة” من ورائها طائفية، من ورائها تشوه أخلاقي يستمرئ استدعاء الوحوش الأجنبية على الرعية الوطنية، في الوقت الذي يرفع فيه شعار القومية السورية العربية (البعثية سابقًا)، وأنه الممثل الأبرز لمحور الممانعة!
شارك بشَّار في المجزرة الآثمة برًا وجوًا، لكنه لم يكن قائدها لا ميدانيًا ولا سياسيًا، ولم تكن له فيها القولة الأولى ولا الأخيرة، فقط كان ممرًا للوحشية الروسية والشيعية (متنوعة القوميات) ضد حلب: شعبًا مدنيًا ومقاومة مسلحة بالسلاح الضعيف. واستمر إعلام بشار يروج أنه يقتل الإرهابيين في حلب بينما العالم كله يُظهر التأوه، ويتابع الجريمة، حتى الكيان الصهيوني وقادته السفاحون[13]. فقط إعلام بشار وطهران وحزب الله وموسكو الرسمي لم تطرف له عين. الوحشية التي ظهر عليها نظام بشَّار لم تكن بجديدة، لكنها انضمت إلى الوحش الروسي المعروف بسياسة الأرض المحروقة والتي نفَّذها من قبل في جروزني 1999-2000 ورعاها في البلقان في سراييفو وكوسوفو 1992-1998.
يقف نظام بشار الأسد اليوم بين تبعيتين: دولية تمثلها روسيا لأغراض استراتيجية تختلط بأيديولوجية معاداة الإسلاميين جملة واحدة (لا تميز بين سلمي ومسلح)، وأخرى إقليمية تقودها إيران ضمن محور طائفي يكاد يحيط كالسوار بالمشرق العربي والجزيرة، وفي قلبه تقع سوريا. ومن هنا كانت معركة حلب تكريسًا للدورين والمحورين[14].

ثالثًا- القوى الدولية والثورة السورية:

من جهتها تقود روسيا محورًا عربيًا قوامه: سوريا ومصر، وتحاول أن تتسرب عبر النظام المصري إلى ليبيا – الحليف السابق؛ بحثًا عن معادلة جديدة لتنافسها أو صراعها مع الغرب الأوروأمريكي، لا سيما بعد الأزمة الأوكرانية 2014. وقد اتخذت روسيا موقفًا ممتعضًا من الثورات العربية ومن ثم آزرت بقوة جميع الثورات المضادة، ولا تزال. وفي سوريا تصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المشهد، وتحدث في مجريات مذبحة حلب دون مواربة، وقدم نفسه المسئول عن سيرها والقادر على وقفها[15]، الأمر الذي حدث بالفعل حين اتفق مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منتصف ديسمبر على إيقاف الحرب في حلب وإعطاء الفرصة لإجلاء أهلها باتجاه تركيا، وذلك دون أن يكون لبشار الأسد أي حضور ولو شكلي؛ ومن ثم انعقد مؤتمر الأستانة برعاية روسيا وتركيا وأعلن بوتين أنه يمثل الحكومة السورية فيما يعبر الأتراك عن المعارضة[16]. وإلى اليوم لم يسدل بوتين الستار على المشهد الحلبي ففي 23 ديسمبر استعرضت روسيا كتيبة شرطة عسكرية في شوارع حلب بحجة الحفاظ على أمنها، وأرسلت قيادات وقوات نوعية إلى حلب[17]، ما ينم عن مآرب أخرى.
تفسيرات كثيرة تقف وراء الموقف الروسي؛ منها: محاولة استنقاذ بشار من سقوط مدوٍّ إذا نجحت المقاومة السورية في تحرير حلب؛ ومن ثم جاءت عملية حرق حلب لإبعاد هذا الهاجس المتصاعد، ومنها: استغلال فرصة الانتقال الرئاسي في الولايات المتحدة والتي تمنحه حرية أوسع في ترتيب الأوضاع في سوريا ومن ثم في المنطقة وفق مصالحه الاستراتيجية؛ ولعل هذا العامل هو الأهم. فلقد أضحت روسيا منذ انخراطها في الأزمة السورية إلى جوار بشار وإصرارها على الحفاظ عليه، لاعبًا أساسيًا في معادلة سوريا؛ ولكن بعد حلب أصبحت اللاعب الرئيسي إلى حين.
وإلى جوار روسيا تقف إيران بوجه آخر من القبح. فبعد نحو ربع قرن من المشرع الثوري والتحرري، وادعاء النضال ضد الاستكبار الغربي لا سيما الأمريكي، وتغذية دعوات التقريب والحوار مع أهل السنة، أسفرت إيران بالتدريج عن وجه طائفي لا أخلاقي منذ سقوط بغداد 2003، ثم منذ دفعت بجماعة حزب الله الشيعية اللبنانية إلى أتون الحرب في سوريا وبالأخص في معركة القصير مايو 2013، ومن ساعتها لم يعد لدى أي من المراقبين شك أو خلاف في أننا أمام مشروع إيراني طائفي يستفحل كل يوم ليضم شيعة المنطقة العربية، ويفرض سياسة المحاور، وبالتحديد محوري الشيعة والسنة. لقد برز الموقف الطائفي في سوريا من قبل شبيحة النظام النصيريين أولًا وشعاراتهم الشيعية ومشاهدهم وهم ينكلون بالمواطنين أو من يقع في أيديهم من هذا المأخذ، ثم صار الموقف إقليميًا بفعل تدخل الحرس الثوري الإيراني وميليشيات نصر الله. تسعى إيران للعب دور جديد بعد أن قذفت الثورات بالإسلاميين إلى صدارة دولهم وبدت مترددة في التعامل معهم ومع مشروعهم ذي المرجعية الدينية المنافسة، وعلى الرغم من أنه لم يبد من التيار الإخواني ما يقلق طهران على وجه الحقيقة ونظرًا للصلات والتفاهمات السابقة في مواضع عديدة، فإن الصعود الموازي للتيار السلفي وخطابه الموجه ضد الشيعة وسياسات إيران لتصدير التشيع، ربما وقف وراء موقفها المتبدل.
وعلى كل فقد وقعت حلب بين الشيوعيين السابقين والشيعيين الطائفيين، وكل من الجانبين له عداوته للمقاومة السورية من مدخله وبالأخص للجهاديين السُّنة الذين التقوهم في القتال في كل من أفغانستان والعراق على التوالي. لكن ثمة مشتركات أخرى بين الجانبين ربما تزيد من تحالفهما؛ لعل أولها حالة السلام البارد أو النيء مع الغرب لا سيما الولايات المتحدة أثرًا عن ماض قريب من الصراع، جددته الأزمة الأوكرانية بالنسبة لروسيا، وخففته نسبيًا مفاوضات واتفاقات احتواء الملف النووي الإيراني بالنسبة لإيران، وذلك بعد أن كانت روسيا أول داعم للبرنامج النووي الإيراني. المشترك الآخر يتمثل في الموقف الحذر من الدور التركي الإقليمي المتصاعد والمؤيد للثورات وللتيار السياسي الإسلامي العربي، ولكل من روسيا وإيران ماض غير ودي مع الأتراك القدامى الذين يجدد بعض ملامحهم عثمانيون جدد بقيادة أردوغان. لكن هذا لا يمنع افتراق السبل بين دولتين في ملفات عدة على رأسها الموقف المبدئي السابق من الكيان الصهيوني، والموقف من جماعة حزب الله إذا تعلق الأمر بالدولة الصهيونية.
وعلى غرار حرب البوسنة 1992-1996، يقف الغرب ظاهريًا على مسافة من المذبحة، بينما هو ضالع في تدويرها وتسييرها حتى النهاية[18]. ولم تغن التصريحات الأمريكية ولا الأوروبية – الجماعية عبر الاتحاد أو الفردية عبر قيادات الدول الكبرى – ولا مواقف المؤسسات والمنظمات الدولية، في تغيير أو تمويه الحقيقة: أنه لولاهم ما ذبحوا، وأن المباركة تغني عن المشاركة طالما قد تكفَّلَ قبيحو الوجوه بالمسألة. ولذلك لم تكف كبرى الصحف الغربية عن تحميل الغرب وبالأخص الولايات المتحدة مسئولية حرق حلب. وكما سبق لم تتوقف خطابات الشجب والإدانة وتوصيفات المذبحة بالجحيم وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فضلًا عن قلق الأمين العام للأمم المتحدة، لكن ذلك لم ينقذ طفلًا ولا امرأة، ولم يوقف انهيار مسكن ولا مستشفى.. وقد كانت كلمة السر في ذلك: وصف الغرب للجميع بالإرهاب، لا سيما فصائل أساسية في المقاومة السورية. فروسيا وإيران وبشار إرهابيون، لكن رسميون، والبقية تتراوح بين تنظيم الدولة والقاعدة والسلفية الجهادية السورية والإسلامية.

رابعًا- دور العرب والمسلمين حكومات وشعوبًا

تنوعت المواقف العربية الرسمية والشعبية من محرقة حلب التي تابعوها لحظة بلحظة، فبين الإدانة والدعوة إلى عقد جلسات طارئة لمناقشة التطورات، خرجت مظاهرات شعبية في مدن عربية قليلة جدًا طالبت بوقف جرائم الحرب في حلب، ودعت المؤسسات الدولية إلى التحرك وعدم الاكتفاء بدور المتفرج العاجز، لكن أحدًا لم يدع العرب والمسلمين للتحرك اللهم إلا اتحاد علماء المسلمين وطرف رسمي هنا أو هناك، وإعلامي أو مظاهرة، في حال يندى له الجبين. والخلاصة أن العرب والمسلمين كانوا هم الحاضر الغائب في كارثة حلب، لتشهد عليهم أنهم كانوا أذلاء عاجزين[19].
وهذا يردنا إلى هذه الفصائل نفسها، وإلى وضعية المقاومة السورية.

خامسًا- المقاومة: عوامل الانتصار والانكسار

وفي هذا ننوه إلى طبيعة هذه المقاومة. فعلى ضوء طبيعة النظام السوري الذي سبقت الإشارة إلى كونه واحدًا من أعمدة الاستبداد العربي الممتد إلى الخمسينيات والستينيات، وكونه حكمًا عسكريًا بالأساس، يستبطن بعدًا طائفيًا باسم الأقلية الاستراتيجية (النصيرية)، ثم جاءت حلقته الأخيرة توريثا مفروضًا على الشعب السوري. ومن ثم كان مطلب التغيير الذي انطلقت به الثورة السورية أدنى من الطبيعي؛ إذ هو حق بغير استبداد، فكيف والحال كما وصفنا؟ وإذا كانت الثورات الأخرى لم تشهد ذلك التحول الشعبي إلى العنف كما جرى في سوريا (وهي تختلف عن حالتي اليمن وليبيا اللتين عماد المقاومة فيهما جيش أو قطاعات من الجيش ضد انقلابيين)، ثم انضمام غير سوريين إلى المعركة بعد استفحالها، فإن مرد ذلك – كما يعلمه اللامسون لتطور الثورة على الأرض – إنما هو “التنكيل الوحشي” من النظام بالمدنيين العزل، وإبرازه وحشية إرهابية أراد بها أن يصدم الثائرين ويردعهم عن الاستمرار، الأمر الذي انقلب عليه حربًا واسعة لا قبل له به، وكشف عن مزيد من خسته في القتل والتعذيب والإذلال والتجويع للملايين، على حد وصف بشار كما تقدم، والأسوأ هو استدعاؤه للقتلة من الخارج على أسس من مصالحهم ومطامحهم في خيانة وطنية وقومية أوضح من الشمس، لا يدانيها إلا منظرو بقايا القومية العربية الذين يروجون لجيش سوريا العربي!
إذًا لقد قامت الثورة السورية لحق، وقامت سلمية أخلاقية بل جمالية أيضًا سواء في شعاراتها أو تغنياتها، وكأنها رحلة مدرسية ترفيهية. ومع التنكيل كان الصمود والدفاع عن النفس أخلاقيًا أكثر من ذي قبل، ثم كان انضمام شباب العرب والمسلمين لها مندرجًا في السلك ذاته: نصرة المستضعفين ومواجهة المستكبرين. وبالنظر لفارق القوة المادة من العدة والعتاد، وما حققته هذه المقاومة من انتصارات وفتوحات، ثم ما قام به نظام بشار من استدعاء وحوش الشيعة والروس والتركيز على الحرب الجوية التي لا طاقة للمقاومة بها[20]، بدت المعركة بين توحش جبان لا قيمة له على الأرض وفي حال المواجهة المباشرة، وصمود إنساني الأساس أخلاقي الغاية لا يملك سوى طاقته المعنوية والإيمانية سندًا ووقودًا للاستمرار والانتصار.
لكن هذه المقاومة لم تسلم من آفات الذات، وآفات ذات البين، إلى جانب آفات التآمر الخارجي والتلاعب الإقليمي بها من الصديق قبل العدو.
لقد بدأت المقاومة السورية سورية وتلقائية، قوامها فئات شعبية لا تمييز بينها، وقيادات عسكرية منشقة عن جيش الوحش[21]. لكن مع اشتداد الغشم عليهم بدأت قطاعات جهادية مدربة تنضم إليهم وكان أبرزها: جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، وحولها تعددت تكوينات ذات فكر سلفي جهادي، وهي الأكثر دربة وعزيمة ووضوحًا في المنطلقات والأهداف، ولكن على خلفيتها تمكن نظام بشار من تعليق لافتة الإرهاب ووصم الثورة السورية برمتها بها. وحين وقع انقلاب مصر يوليو 2013، أمكن ضم الفصائل الإسلامية التي توصف بالاعتدال تحت الوصم ذاته: الإرهاب، ما أتاح لكثير من القوى الرافضة للثورات العربية إما أن تؤيد بشار مباشرة مثل مصر ما بعد يوليو 2013، أو المواقف الأخرى التي تساوي بينه وبين المعارضة المسلحة.
ومع تطاول أمد المعركة، بدأت الإشكاليات تتوالى على المقاومة السورية وأسسها المعنوية والأخلاقية والفكرية، ومحاولات المعالجة تردفها، فكانت الانتصارات والانكسارات الحربية تبعًا لمعادلة: البيني، والداخلي الخارجي، على النحو الآتي:
بدأت المقاومة السورية سلمية وطنية محضة بل كما أشرنا بدت ضاحكة مستبشرة، ثم تحولت بعد صبر لنحو ستة أشهر حيث بدأت عمليات الدفاع عن النفس ثم بعد سنة أخرى أخذت صورة التدافع والهجوم بوصفها مقاومة مسلحة تلقائية ردًّا على استفحال تنكيل قوات بشار الأسد – سواء الأمنية أو العسكرية – بالمواطنين السلميين: المتظاهرين وذويهم؛ وجاءت من ثم الدورة الثانية من الثورة: المقاومة المسلحة. وقد تطورت هذه الدورة باتجاه التوسع بشريًا وماديًا، ومنطلقات وأهدافًا.
تصل بعض الجهات بعدد الفصائل في سوريا إلى 1000 فصيل، بقوة مائة ألف مقاتل، وواضح ما في هذا التقدير من تهويل، وثمة تقديرات عظيمة التباين في هذا الصدد لكن الأهم هو طبيعة هذه الفصائل: خصائصها وعلاقاتها وتأثير ذلك على حقيقة مقاومتها للاستبداد والتوحش النظامي، وتأثيره على تقدمها وتراجعها. فقد انضم للثورة السورية عناصر وطنية كانت مهاجرة أو مهجَّرة إبان سلميتها، ثم لحق بها في مرحلة المواجهة المسلحة عناصر من غير السوريين عربًا ومسلمين غير عرب، وبدأت تتشكل فصائل وتتجلى تقسيمات أيديولوجية أبرزها: قسمة الوطنيين (غير المؤدلجين)[22]، والمستقلين، والإخوان والقريبين منهم، والسلفيين، وفصائل السلفية الجهادية بتكويناتها المتعددة[23]. وذكرت بعض المصادر أن ثمة كتائب قليلة العدد يقال إنها تنتمي للطائفة العلوية وتقاوم النظام في درعا وإدلب ودير الزور باسم “الوحدة الوطنية”[24]. ومن أهم العناصر البارزة في هذا الصدد، ويتجلى بوضوح في مشهد حلب الأخير؛ هو الموقف الكردي (الأكراد أكبر أقلية عرقية في سوريا إلى جوار العرب، وأغلبهم أهل سنة). فقد اتجه الأكراد إلى تشكيل فصائلهم والتي أكبرها قوات سوريا الديمقراطية وفي قلبها وحدات قوات حماية الشعب الكردية، وأخذت موقفًا انشقاقيًا علمانيًا سافرًا، أكثر اتصالًا بأكراد العراق وتركيا منه إلى الوطن السوري، وتركز جهدها في تحرير الجزيرة السورية من داعش والقاعدة، وكذلك الشريط الحدودي السوري- التركي.
تكاثرت هذه التشكيلات وتداخلت مع التشكيلات الوطنية، وتعرضت جميعها لموجات من الاندماج والانشطار، والتقارب والتباعد، والتعاون والصراع، حتى باتت إشكالية في ذاتها، الأمر الذي استغلته الأطراف الخارجية في التلاعب بالثورة وقواها على طريقة “ادعم حتى يقارب النصر، ثم اترك حتى يقارب الخسر”. ولقد تجلت هذه الخاصية في معركة حلب. وعلى الرغم من القيمية التي بدت عليها أكثر مسيرة المقاومة السورية، ونبل غايتها في الدفاع عن شعب قرر حاكمه افتراسه بغير رحمة، وعلى الرغم من غلبة الروح الإسلامية على مرجعية أكثر التشكيلات، وعلى الرغم من التجاوب فيما بينها في الجبهات المتعددة ومجاراتها للمسار السياسي الذي يقوده الائتلاف الوطني في جنيف وغيرها، فإن اللعبة الإقليمية والدولية كانت ولا تزال أقوى من هذه الميزات.
فقد قادت الفصائل المتحالفة باسم جيش فتح الشام – وفي قلبها النصرة وأحرار الشام – معركة كبرى لفك الحصار عن حلب يوليو-أغسطس 2016 وتمكنت من تحقيق نجاحات فارقة تابعها العالم لحظة بلحظة، أظهرت بسالة وصمودًا وتطورًا كبيرًا في التكتيكات والقدرات القتالية، إلى أن قررت تركيا في الأسبوع الأخير من أغسطس إطلاق عملية عسكرية في الخط الحدودي مع سوريا باتجاه جرابلس والباب ومنبج ضد كل من تنظيم الدولة وقوات سوريا الديمقراطية التي تعدها تركيا جماعات إرهابية، وقد أدى ذلك إلى سحب قطاعات كبيرة من الجيش السوري الحرّ من حلب وتعزيزاتها نحو الشمال، وسرعان ما تهاوت المقاومة في حلب وانتكست عملية التحرير وضاعت تضحياتها والأهم أن فصائل المقاومة أحبطت معنويًا ومن ثم عادت إلى تراشقاتها واتهاماتها المتبادلة بالخيانة والعمالة.
لقد جاءت عملية حرق حلب بقيادة روسية عقب هذه الخطوة بشهرين بعد أن ثبت أن التداخل بين الداخلي والإقليمي (التركي والخليجي في جهة، والمحور الشيعي بقيادة إيران في الجهة الأخرى)، هو العامل الأكثر حسمًا في قوة وضعف المقاومة واتحادها أو تفرقها، الأمر الذي جرى اختباره والتمهيد لحسمه ما بين أغسطس ونوفمبر 2016. وقامت الولايات المتحدة بفرض حدود على العملية التركية لكي لا تتجاوز الفرات (زيارة بادين نائب أوباما إلى أنقرة والتقاؤه أردوغان)، حماية لتحالفها مع الأكراد، وتوازنًا لتحالفها مع الأتراك[25].
كشفت هذه الأشهر الثلاثة كيف تمت عملية تأزيم المقاومة خارجيًا ثم داخليًا؛ فقد تخلى عنها العرب بعد أن حقنوها بحقن من الدعم على استحياء، بل تحولت أكثر أنظمتهم لا سيما المضادة للثورات إلى معول هدم لهذه المقاومة، وأبواق تشنيع بها ووصمها جملة وتفصيلًا بالإرهاب؛ ما يعد ثورة عربية رسمية مضادة على الثورة السورية وشعبها البائس. أما القوى الإقليمية الأخرى فقد توزعت بين سند شديد مباشر لنظام الأسد كإيران والعراق، وبين داعم شبه منفرد لبعض فصائل المقاومة، كتركيا، وإعلام قطر (الجزيرة). وعلى المستوى الدولي حرصت الولايات المتحدة وأوروبا على استبقاء المعركة مشتعلة ومدها بالوقود كل حين، ومن ثم جاء الحسم السوري في صورته الوحشية منهيًا للعبة.
أزمة المقاومة السورية إذًا مركبة من عدة عناصر؛ أولها: الرؤية غير الواقعية الحائرة بين الأهداف والإمكانيات، والتي حال خللها بين المقاومة وبين التوحد. إن المواقف التي توحدت فيها الفصائل في سوريا أو غيرها، غالبًا ما أسفرت عن نصر مؤزر، لا يلبث أن يعبث به الخلاف الداخلي والتلاعب الخارجي فيتحول إلى هزيمة مؤسفة. وهذه الثغرة في مشروع التغيير العربي والإسلامي لا تزال محرومة من أطروحة مقنعة لسدها: كيف نجمع بين مثالنا المنشود وواقعنا المشهود بمنهجية متوازنة لا تميل بهذا ولا بذاك؟
العنصر الثاني في هذه الأزمة، يتمثل في الاستراتيجية الغائبة، التي تربط الزمان ومراحله بالمكان وجبهاته. فلا تزال القوة موزعة بل متناثرة كالأشلاء، والشبكة مقطعة بلا روابط حقيقية فاعلة. إن بناء شبكة علاقات المقاومة يتطلب جهدًا مخصوصًا، وفكرًا ناظمًا. يجب انتداب فريق مخصص لذلك الغرض قبل أن تأتي الهزائم على ما تبقى من عزائم.
العنصر الثالث يتمثل في حل الإشكال الخارجي عبر تفاوض حقيقي على المصالح والمطامح. إن معركة حلب الخاسرة قبل أن تتحول إلى الحريق الأليم، لا تعزى فقط لضعف العدة وعدم امتلاك الصاروخ والطائرة اللازمين، بقدر ما فشلت قوى الجيش الحر في التفاوض مع أردوغان لكي يوازن بين غايته ومصلحته القومية التركية وبين حدود الحركة في معرك حلب بعد فك الحصار، وأذعن الجيش الحر لمطلب غير متوازن آل إلى عودة الحصار والخسار، وفك الارتباطات والانتصارات التي صنعها جيش الفتح، ولم يكن ذلك خيارًا لا بديل عنه. إن من أسوأ الاستنتاجات أن يقال إن هزائم المقاومة تتعلق بفروق توقيت، وقدرات على المساومة والموازنة.
بقي أن المقاومة السورية من منظور الأمة والمشروع الحضاري إنما هي نموذج ماثل لأزمة الأمة ومشروعها: بين السياسي والعسكري، وبين الجهادي والإرهابي، وبين المقاوم والمقاول، وبين الثورات الحقة والثورات الباطلة، وبين الاستبداد والانعتاق، وبين الداخل المتضارب والخارج المتلاعب. وإن رؤية أكثر واقعية وتمسكًا بقيم هذه الأمة جديرة بحفظ الانتصارات وتقليل الخسائر، وحماية الشعوب.
*****

الهوامش:

* المدير التنفيذي لمركز الحضارة للدراسات السياسية.
[1] حلب المدمرة.. مأساة عاشتها سراييفو وغروزني
http://www.aljazeera.net/encyclopedia/citiesandregions/2016/12/15/%D8%AD%D9%84%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%85%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%AD%D8%B4%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D8%A7%D8%B4%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D9%8A%D9%8A%D9%81%D9%88-%D9%88%D8%BA%D8%B1%D9%88%D8%B2%D9%86%D9%8A
[2] مدينة حلب القديمة، http://whc.unesco.org/ar/list/21
يونسكو: ثلث مدينة حلب القديمة مدمّر بالكامل:
http://www.aljazeera.net/news/cultureandart/2017/1/21/%D9%8A%D9%88%D9%86%D8%B3%D9%83%D9%88-%D8%AB%D9%84%D8%AB-%D9%85%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A9-%D8%AD%D9%84%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D9%85%D8%AF%D9%85%D8%B1-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D9%85%D9%84
[3](http://www.marefa.org/index.php/%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%81%D8%B8%D8%A9_%D8%AD%D9%84%D8%A8
[4] http://www.rudaw.net/arabic/middleeast/syria/071120162
[5] https://www.shahbapress.com/news/1024/%D9%81%D8%B5%D8%A7%D8%A6%D9%84_%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7_%D8%AA%D8%AA%D9%88%D8%AD%D8%AF_%D9%81%D9%8A_%D8%BA%D8%B1%D9%81%D8%A9_%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%87%D9%84_%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D9%85.html
https://www.shahbapress.com/news/1024/%D9%81%D8%B5%D8%A7%D8%A6%D9%84_%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7_%D8%AA%D8%AA%D9%88%D8%AD%D8%AF_%D9%81%D9%8A_%D8%BA%D8%B1%D9%81%D8%A9_%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%87%D9%84_%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D9%85.html
[6] https://al-ain.com/article/aleppo-syria-details
[7] http://www.e3lam.org/2016/12/13/171577
[8] http://www.skynewsarabia.com/web/article/900390/%D8%AD%D9%84%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D9%83%D9%88%D8%A8%D8%A9-%D9%86%D8%AF%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%BA%D8%A7%D8%AB%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%86%D9%82%D8%B7%D8%A7%D8%B9-%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA
[9] https://al-ain.com/article/aleppo-syria-details
[10] https://al-ain.com/article/aleppo-syria-details
[11] http://www.skynewsarabia.com/web/article/900390/%D8%AD%D9%84%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D9%83%D9%88%D8%A8%D8%A9-%D9%86%D8%AF%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%BA%D8%A7%D8%AB%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%86%D9%82%D8%B7%D8%A7%D8%B9-%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA
[12] http://www.masralarabia.com/%D8%B3%D9%88%D8%B4%D9%8A%D8%A7%D9%84-%D9%85%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D8%A7/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/1329288-%D9%85%D9%87%D8%AC%D9%91%D8%B1%D8%A9-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9–%D8%A7%D8%B6%D8%B7%D8%B1%D8%B1%D9%86%D8%A7-%D9%84%D8%B4%D8%B1%D8%A8-%D9%85%D9%8A%D8%A7%D9%87-%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A6%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%AD%D9%84%D8%A8
[13] راجع تقريرًا مهمًا على موقع مصر العربية بعنوان: إسرائيل تبكي حلب:
http://www.masralarabia.com/%D8%B3%D9%88%D8%B4%D9%8A%D8%A7%D9%84-%D9%85%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D8%A7/%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%A3%D8%AC%D9%86%D8%A8%D9%8A%D8%A9/1330927-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%AA%D8%A8%D9%83%D9%8A-%D8%AD%D9%84%D8%A8
وآخر بعنوان: نتنياهو: نبحث السبل لجلب جرحى حلب وعلاجهم في إسرائيل:
http://www.masralarabia.com/%D8%B3%D9%88%D8%B4%D9%8A%D8%A7%D9%84-%D9%85%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D8%A7/%D8%B3%D9%88%D8%B4%D9%8A%D8%A7%D9%84-%D9%85%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D8%A7/1330448-%D9%86%D8%AA%D9%86%D9%8A%D8%A7%D9%87%D9%88–%D9%86%D8%A8%D8%AD%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A8%D9%84-%D9%84%D8%AC%D9%84%D8%A8-%D8%AC%D8%B1%D8%AD%D9%89-%D8%AD%D9%84%D8%A8-%D9%88%D8%B9%D9%84%D8%A7%D8%AC%D9%87%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84
[14] النهار اللبنانية: الأسد: تحرير حلب ليس انتصارًا لسوريا فقط بل لإيران وروسيا:
http://www.annahar.com/article/512958-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF-%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D8%AD%D9%84%D8%A8-%D9%84%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%B1%D8%A7-%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D9%81%D9%82%D8%B7-%D8%A8%D9%84-%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7
[15] ) الجزيرة: بوتين: قصف حلب غير ضروري الآن:
http://www.aljazeera.net/news/arabic/2016/10/28/%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D9%82%D8%B5%D9%81-%D8%AD%D9%84%D8%A8-%D8%BA%D9%8A%D8%B1-%D8%B6%D8%B1%D9%88%D8%B1%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A2%D9%86
[16] (http://www.geroun.net/archives/71154
بالطبع أعلن بوتين في مواضع أنه لولا بشار ما كان يمكن تسوية قضية حلب.. لكن ذلك لم يعد المجاملة الدبلوماسية:
http://almahawer.com/%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%AD%D9%8A%D9%84-%D8%AA%D8%B3%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9-%D8%AD%D9%84%D8%A8-%D8%A8%D8%AF%D9%88%D9%86-%D8%A5%D8%B1%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A7/
لكن الحقيقة أنه المتحكم بالأمر: بوتين عطل احتفالات الأسد في حلب وألغى “خطاب النصر
https://madardaily.com/2017/01/03/%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D8%B9%D8%B7%D9%84-%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D8%AD%D9%84%D8%A8-%D9%88%D8%A3%D9%84%D8%BA%D9%89-%D8%AE/
بوتين يحدد للأسد ما عليه فعله بعد حلب.. ورئيس النظام يرد بشكر موسكو
https://www.alsouria.net/content/%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D9%8A%D8%AD%D8%AF%D8%AF-%D9%84%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF-%D9%85%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87-%D9%81%D8%B9%D9%84%D9%87-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%AD%D9%84%D8%A8-%D9%88%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85-%D9%8A%D8%B1%D8%AF-%D8%A8%D8%B4%D9%83%D8%B1-%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%83%D9%88
[17] http://www.huffpostarabi.com/2016/12/23/story_n_13815232.html
[18] أما مجلس الأمن الدولي فقد عقد الثلاثاء 13 ديسمبر 2016 اجتماعًا طارئًا لمناقشة الوضع في حلب بناء على طلب من فرنسا، شهد تأكيد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تلقي المنظمة “تقارير فظيعة” عن معاناة المدنيين في حلب، وزعم أن الجميع يفعل ما في وسعه لوقف المذبحة. وطالب وزير الخارجية الفرنسية جان مارك إيرولت بالوقف الفوري لما وصفها بالمجازر الفظيعة في حلب، كما حملت فرنسا الأمم المتحدة مسئولية العمل فورًا على الوصول إلى حقيقة ما يقع في حلب ومعاقبة المذنبين. وأكد سفير فرنسا لدى الأمم المتحدة فرانسوا ديلاتر أن الأوضاع في حلب مأساوية، وتحدث عن تقارير أفادت بإعدام كثير من المدنيين، وإحراق الأحياء منهم، وعمليات قصف وتدمير، ووصف تلك الفظاعات بأنها طرق بربرية لا يمكن القبول بها”. ودعا سفير بريطانيا في الأمم المتحدة ماثيو ريكروفت روسيا وإيران إلى احترام قواعد الحرب، واصفًا ما يجري في حلب بأنه “يوم مظلم”. وأكد أن روسيا أساءت استخدام حق النقض (الفيتو) دعمًا لنظام الأسد، مبرزًا أن سقوط حلب لا يعني انتصار الأسد وحلفائه.
فطالبت اللجنة الدولية للصليب الأحمر جميع الأطراف في مدينة حلب السورية بحماية المدنيين وتجنب استخدام العنف. وقالت اللجنة الدولية في بيان صدر عنها يوم 13 ديسمبر 2016: “إن حياة آلاف المدنيين باتت في خطر محدق في ظل تصاعد وتيرة العنف وعدم وجود أماكن آمنة للفرار واللجوء إليها”. وأكدت اللجنة أنه لا يمكن تجنب وقوع كارثة إنسانية إلا إذا طبقت القواعد الأساسية للحرب وللإنسانية، مشيرة إلى أنها بذلت مساعي حثيثة منذ أكثر من أسبوع للتوصل إلى حل إنساني إلا أن جهودها فشلت حتى الآن في تحقيق نتائج ملموسة. وناشدت “ماريان غاسر” رئيس بعثة اللجنة الدولية في سوريا والموجودة في حلب، جميع الأطراف بوضع الاعتبارات الإنسانية فوق الأهداف العسكرية، مؤكدة استعداد البعثة للإشراف على تنفيذ أي اتفاق متبادل يضع حماية المدنيين أولوية.
وعلى صعيد آخر، طالبت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان المجتمع الدولي باتخاذ خطوات عاجلة لحماية المدنيين الذي فروا أو استسلموا أو اعتقلوا في مدينة حلب السورية. وذكر روبرت كولفيل المتحدث باسم المفوضية أن تقارير موثوقًا بها تفيد بأن العشرات من المدنيين يقتلون، سواء عن طريق القصف المكثف أو الإعدام دون محاكمة من قبل القوات الموالية للنظام السوري، وأضاف في هذا الشأن “لقد تلقينا تقارير تفيد بأن القوات الموالية للنظام السوري في شرقي حلب تدخل البيوت وتقتل الأفراد الموجودين داخلها، بما في ذلك النساء والأطفال. وفي أوروبا انطلقت مظاهرات بعواصم ومدن أوروبية عدة يوم 13 ديسمبر/ كانون الأول 2016 تضامنًا مع حلب، حيث طالب المحتجون في باريس وبرلين وستوكهولم وبرشلونة بوقف مجازر النظام السوري والروسي وحلفائهما في حلب، داعين المجتمع الدولي إلى التحرك.
[19] فقد تقدمت قطر بطلب إلى جامعة الدول العربية يوم الثلاثاء 13 ديسمبر 2016 بعقد لقاء طارئ لمناقشة الأوضاع في حلب. كما التقى وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني مع المندوبين الدائمين لدول مجموعة أصدقاء المساءلة عن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب المرتكبة في سوريا، وشدد خلال الاجتماع على ضرورة تفعيل دور الجمعية العامة للأمم المتحدة في مجال حفظ الأمن والسلم الدوليين من خلال عقد دورة استثنائية طارئة بشأن الوضع في سوريا. وأجرى آل ثاني اتصالات مع نظرائه: السعودي والكويتي والتركي، لبحث سبل تكثيف المساعي الدولية لوقف المجازر، وتأمين إخراج المدنيين عبر ممرات إنسانية آمنة، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى مدينة حلب وكافة المدن السورية. وفي الكويت، نظم نواب بمجلس الأمة وقفة احتجاجية بالبرلمان، ودعوا دول مجلس التعاون الخليجي إلى طرد سفراء روسيا، ووعدوا بتنظيم وقفة احتجاجية أمام سفارة روسيا. كما طالب رئيس المجلس مرزوق الغانم الأمم المتحدة بكل هيئاتها بالتدخل الفوري. بينما أطلقت جمعية الهلال الأحمر الكويتية حملة لجمع التبرعات لصالح المحاصرين تحت شعار “صرخة حلب”. جدد مجلس الوزراء السعودي دعوته لعقد جلسة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وندد بما يجري في حلب من “قتل جماعي وتشريد وحصار” من طرف النظام وحلفائه.
وندد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في بيان له بصمت المجتمع الدولي أمام المذابح التي تجري في حلب، مشيرًا إلى أن تلك الجرائم وصلت إلى “حد الإبادة، في مجازر مروعة، تسفك فيها الدماء، وتزهق الأنفس، وتختلط فيها الأشلاء الممزقة بركام المنازل المدمرة، على مرأى ومسمع من العالم كله”. ودعا الاتحاد ضمائر دول منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، والمسلمين في أنحاء العالم إلى عدم الوقوف موقف المتفرج أمام هذه الإبادة الجماعية لأهل حلب، مطالبًا بإعمال القانون الدولي الإنساني فيما يخص جرائم الحرب التي تجري في حلب من قبل النظام وأعوانه والمتحالفين معه. وناشد الاتحاد منظمات الإغاثة الإنسانية العمل على إغاثة المنكوبين والمشردين والنازحين من أبناء حلب، داعيًا إلى إعلان يوم جمعة يومًا للتضامن مع أهلها. وأعلن مجلس جامعة الدول العربية عن عقد جلسة طارئة على مستوى المندوبين لمناقشة الوضع في حلب بناء على طلب من قطر. وقد نددت الأمانة العام للجامعة العربية بالجرائم التي ترتكبها قوات النظام في حلب، وطالب أمينها العام أحمد أبو الغيط بوقف إطلاق النار، مؤكدًا أن صوت الجامعة لن يخفت في مواجهة جرائم ترتكب بحق الشعب السوري “أيًّا كان مرتكب تلك الجرائم”.
نظم ناشطون وقفات احتجاجية تضامنًا مع حلب في مدن إسطنبول وغازي عنتاب وكلس التركية، يوم الثلاثاء 13 ديسمبر مطالبين بوقف الجرائم والفظاعات في حلب. وفي المغرب، نادت تيارات شعبية وسياسية متنوعة إلى تنظيم مظاهرة حاشدة بمدينة الدار البيضاء، أكبر المدن المغربية، للتضامن مع حلب، وسط تنامي سخط شعبي ضد روسيا وحلفاء النظام السوري لما ارتكبوه من جرائم ضد الإنسانية في حلب. وفي العاصمة الأردنية عمان، تظاهر أردنيون وسوريون في اليوم نفسه قرب السفارة الروسية للتنديد بالتدخل الروسي، والتعبير عن غضبهم مما يجري في حلب. وفي لبنان نظم ناشطون وقفة في بيروت تضامنًا مع المحاصرين في مدينة حلب رغم سوء الأحوال الجوية. وشهدت سوريا نحو عشرين مظاهرة في مناطق سيطرة المعارضة المسلحة في محافظة إدلب وفي ريفي حلب وحمص الشماليين وريف دمشق، تضامنًا مع المدنيين المحاصرين بحلب.
[20] http://www.masralarabia.com/%D8%B3%D9%88%D8%B4%D9%8A%D8%A7%D9%84-%D9%85%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D8%A7/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/1329570-%D9%82%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D8%B6%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9–%D9%84%D8%A7-%D9%86%D9%85%D9%84%D9%83-%D8%B7%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%AD%D8%AA%D9%89-%D9%86%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AD%D9%84%D8%A8
[21] من اللطائف أن الاسم الحقيقي لعائلة بشار هو الوحش وليس الأسد، راجع: باتريك سيل، الأسد: الصراع على السلطة في سوريا، (بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، الطبعة العاشرة 2007) ص 13.
[22] انضوى أكثرها تحت الجيش السوري الحر: أول الفصائل تشكلًا.
[23] وفي قلبها فرع تنظيم القاعدة في سوريا المعروف بجبهة النصرة بقيادة أبي محمد الجولاني، ثم انتقلت إلى واقع جديد بتمدد تنظيم الدولة من العراق إلى سوريا في شمالها الشرقي.
[24] https://www.sasapost.com/armed-groups-in-syria/
[25] http://elaph.com/Web/News/2016/8/1105764.html?entry=Syria

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى