التقريب بين السُّنة والشيعة: متطلبات ومعوقات

مقدمة:

قضية التقريب بين أتباع المذاهب المختلفة لتوحيد الأمة بدلًا من تحول المذاهب الفقهية إلى أحزاب سياسية قضية قديمة، قد نجد طرفًا منها في تراث أدب الاختلاف وأيضًا الجهود المنظمة لنزع فتيل التناحر على الخطوط المذهبية في رحاب المساجد ودور العلم والحياة العامة نحو تعايش سلمي. ويمكن التقديم لمسألة التقريب عبر ثلاثة محاور:

(1) أهمية ودواعي التقريب
في زمن تتناقل فيه وسائل المعرفة كل شيء إلى شتى بقاع العالم، تخضع الأديان كلها للمناقشة، وفي الحالة الإسلامية لا يتوقف الأمر عند الجدل بين السنة والشيعة فقط، بل يمتد هذا الجدل بين فرق الشيعة ذاتها، وكذلك بين فرق ومذاهب السنة، ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى حد تكفير المسلمين بعضهم بعضًا. لذا فإن الساحة الإسلامية تشهد الآن حالات من التوتر الطائفي والمذهبي بين الطرفين قد تصل لحد التأزم والصدام الفقهي والسياسي.
لذا، تظهر الحاجة الماسة للحوار في داخل العالم الإسلامي بهدف التقريب بين مذاهبه وطوائفه المختلفة، وعلى رأسها التقريب بين السنة والشيعة. لكن تلك الحاجة لا يدركها ولا يعيها إلا العقلاء في هذه الأمة من الطرفين. وتلك الدعوة لا تنتشر إلا على مستوى المثقفين وبعض كبار رجال الدين، ولكن قلما توجد بين الساسة من ناحية أو العامة من ناحية أخرى.
فالسياسة في العالم الإسلامي اليوم أصبحت في أحيان كثيرة تخضع لهيمنة القوى العظمى والنظر للمصالح القطرية البحتة بعيدًا عن مبادئ التلاحم والوحدة للأمة الإسلامية التي كانت تجمعها من قبل، والتي كانت تضمن لها استقلالها وقوتها. وأما العامة فتنتشر بينهم في العديد من الحالات نسبة عالية من الجهل والتعصب والتشدد الذي ليس له أصل من الدين، فضلًا عن الصور الذهنية المغلوطة عن الآخر. هذا الأمر يضع عبئًا أكبر على علماء الأمة الإسلامية في ضرورة العمل على نشر أفكارهم إلى ما هو أكثر من الاجتماعات والمؤتمرات التي تعقد للتقريب بين المذاهب الإسلامية.
وبالطبع تكمن خلافات عديدة بين المذهبين الرئيسيين (السُنّة والشيعة) حول أمور عدة، ولكن النقطة المهمة التي يؤكد عليها البعض أن الكثير من نقاط الخلاف بينهما أصبحت تاريخية، ولا قيمة عقدية لإثارتها من جديد. فسواء كان عليّ -كرم الله وجهه- أحق بالخلافة أم أبو بكر -رضي الله عنه، فهي قضية قد تجاوزها الزمن، والانتصار لأي طرف من طرفيها لن يعيد عجلة التاريخ، بل حتى عصمة الأئمة من أهل البيت مسألة بعيدة عن قضايا الأمة الراهنة[1]. ويرى أنصار التقريب أنه لا داعي لتوسيع الفجوة رجوعًا لتلك الخلافات التاريخية، في وقت يمتلئ فيه واقع الأمة الإسلامية بالتحديات الجمّة التي توجِب الوحدة. كما يتنقد العديد من المفكرين جدال المسلمين حول القضايا الفرعية دون توجههم نحو التأصيل لثوابت الدين وضرورياته القطعية والتشديد عليها، فنجد أن ما يحدث هو لبس لدى الناس من الجدال في الثوابت أو إلحاق الفرعيات والجزئيات بالأصول وتحريم النقاش حولها[2].
والفقهان –السني والشيعي- متقاربان إلى حد كبير؛ وذلك لأن المصدر الأصلي واحد، وهو الوحي الإلهي المتمثل في القرآن والسنة، والأهداف الأساسية والمقاصد الكلية للدين واحدة عند الطرفين[3]. والجوامع بين السنة والشيعة (وخاصةً الشيعة الزيدية والإمامية) تتمثل في الإيمان بالله تعالى وبمحمد نبيًّا ورسولًا وبكل ما جاء من عند الله تعالى. كما يجمع بينهما الالتزام بالأحكام العملية من صلاة وصيام وزكاة وحج، ويؤكد غالبية الفقهاء والمفكرين أن الاختلاف بين الفريقين كالاختلاف بين مذاهب أهل السنة بعضها مع بعض في الفروع الفقهية أو في أصول الاستدلال[4].
علاوة على ذلك، فإن هناك عاملًا مهمًّا داعيًا لوحدة الأمة الإسلامية بجميع مذاهبها ومدارسها وطوائفها وهو “الخطر الداهم الذي يهدد الأمة جمعاء، إن لم تقف له بالمرصاد؛ إنه خطر تجمعت فيه اليهودية والصليبية والوثنية، رغم ما بين بعضها وبعض من خلافات، ولكن جمعهم العدو المشترك وهو الإسلام”[5]. ولذا نجد العديد من المفكرين يوجهون أصبع اللوم والاتهام في التفريق بين السنة والشيعة إلى السياسة، “فهي السبب في البدء والسبب في المنتهى، وهي السبب في زمن الصحابة والتابعين، وهي اليوم كذلك في زماننا”[6].
كما يقول البعض بأن القضية هي أعمق من الخلافات الطائفية المذهبية، وأن ما يشهده العالم الإسلامي من فتنة ما هو إلا عرض لمرض خطير ومظهر لخلل كبير يتمثل في عجز مجتمعات الأمة عن إقامة علاقات سليمة بين أطرافها. ففي معظم بلاد المسلمين نجد الخلافات والنـزاعات تحت مختلف العناوين والمبررات، وتلك توظف تارة بعنوان اختلاف العرق والقومية، وأخرى بعنوان اختلاف الدين والمذهب، وثالثة بعنوان اختلاف التوجه الفكري والسياسي[7].
فالانقسام إلى سنة وشيعة وخوارج وغيرها كان له تأثير سلبي خطير في تاريخ المسلمين، ولكن ضرورات النهضة الإسلامية اليوم، وإثبات الذات الإسلامية، والعمل الجاد المخلص لإعادة بناء الوحدة الإسلامية، يتطلب كل ذلك تجاوز المخلفات التاريخية التي لا فائدة إطلاقًا من بعثها أو إحيائها أو إثارتها واستمرارها، وإلاّ كان أي منادٍ للوحدة الإسلامية، سواء أكان سنيًّا أو شيعيًّا، مجرد متحدث نظري غير عملي، بل خائنًا لأمانة الدين والإسلام ومصالح الأمة الإسلامية[8].

(2) أسس التقريب:
من أبرز الأسس والمبادئ التي ينادي بها دعاة التقريب ما يلي:
– معرفة الآخر من مصادره (المصادر الموثقة أو العلماء الثقات المعروفين) وحسن الظن به؛ وذلك لأن صحة التصور ضرورية في صحة العمل والتصرف. فمن علامات التطرف ومظاهر الغلو: الجهل وسوء الظن بالناس[9].
– التعاون في المتفق عليه والتحاور في المختلف فيه، ومعظم نقاط الاتفاق نجدها تكمن في الأمور الأساسية التي لا يقوم الدين إلا بها وعلى رأسها: الاتفاق على الإيمان بالله تعالى، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان برسالة سيدنا محمد وأنه خاتم النبيين، والإيمان بجميع الكتب والرسل. كذلك الاتفاق على الإيمان بالقرآن الكريم، ولا يختلف مسلم سُنّي أو شيعي في أن ما جاء بين الدفتين هو كلام الله تعالى[10].
– الكشف عن حقيقة العناصر التي تستغل الخلاف للوصول إلى مآربها الخفية[11].
– رصد ثمرات السكوت والصبر لكل من الطرفين في طريق تحقيق أهداف وحدة الرسالة[12].
– التأكيد على الدور الذي يلعبه علم أصول الفقه في عملية التقريب، والذي أسهم في تحقيق نتيجتين أساسيتين: أولاهما إنهاء الخلاف في الفروع الفقهية وكثير من الأمور الاعتقادية، بعد أن تبين دستورها وأصلها في قواعد هذا العلم، علمًا بأن الاتفاق على هذا الأصل لم يُـزِل الخلاف في الفروع المنبثقة عنه. وثانيتهما تحويل الخلافات الحادة -التي طالما قادت إلى بعض الاتهامات الجارحة- إلى اختلافات تعاونية يعذر كل فريق فيها الفرقاء الآخرين، “وذلك لدى تحكيم قواعد هذا العلم: علم أصول الفقه، واكتشاف المختلفين أن القاعدة الأصولية ذاتها محل نظر وخلاف؛ إذ كان في ذلك ما أكد لهم أن المسألة، انطلاقًا من جذورها ومصدر فهمها، محل نظر واجتهاد؛ ومن ثم فالخلاف بشأنها وارد ومعقول، ولا شك أن في هذا ما يبرز معذرة كل ذي رأي أمام صاحب الرأي الآخر”[13].
– الدعوة إلى وجوب احترام كل طرف للآخر، وعدم التعرض لعقيدته أو شعائره أو فقهه في وسائل الإعلام أو الخطب العامة، وإلى ترك البحث في هذه الأمور للعلماء والأكاديميين في بحوثهم المتخصصة، وعدم التشهير بأحد بحجة المصارحة. كما يوجد التأكيد على عدم جواز توجيه ما يُعد إهانة أو انتقاصًا لما يحترمه أي طرف، من الأشخاص أو المقدسات، ويشمل هذا بوجه خاص عدم جواز انتقاص آل البيت أو الأئمة أو الصحابة، أو سبهم أو إهانتهم أو التقليل من مكانتهم، أو التعرض لأي شيء ينسب ليهم بأي نوع من أنواع الإساءة اللفظية أو المعنوية أو المادية، بما في ذلك الاعتداء على الأماكن المنسوبة إليهم، وعدم جواز استباحة المقدسات ودور العبادة[14].
– وجوب الحذر من الدسائس التي تحيط بالأمة الإسلامية من قِبل أعدائها والتي يهدفون من خلالها إلى بث الفرقة فيها وتشتيت شملها؛ فلا تتوحد على غاية، ولا تجتمع على طريق. و”الأمة -بجميع طوائفها ومدارسها ومذاهبها وعروقها وأقاليمها- مدعوة لأن تستيقظ لما يراد بها، وأن تقف مع نفسها وقفة طويلة للحساب والمراجعة، وأن تعرف من لها، ومن عليها، من صديقها ومن عدوها، وخصوصًا بعد حرب العراق وما وراءها من تداعيات وآثار، وظهور أمريكا قوة وحيدة، متألهة مستكبرة في الأرض، لا تُسأل عما تفعل، ولا تسأل عما تريد”[15].
– تحديد سقف للقضايا العالقة بين المذاهب لتفادي عدة أخطار منها: تجنب تمييع القضايا أو التضييق على إمكانية التقارب بزعم الثبات على المواقف[16].
– إغناء الوحدة وإدامة حيويتها بالتعدد حتى يرقى الاختلاف في النصوص التأسيسية، كتابًا وسُنة، إلى مستوى الدلالة والبيِّنة على وحدة الخالق وعظمة المدبر[17]. فالاختلاف والتنوع والتمايز في الفلسفة الإسلامية يتجاوز كونه حقًا من حقوق الإنسان إلى كونه سُنّة من السنن الإلهية التي لا تبديل فيها[18]؛ “فالواحدية والأحدية فقط للحق سبحانه وتعالى والتنوع هو السنة والقانون في كل عوالم المخلوقات”[19].

(3) آليات ووسائل التقريب:
يتطرق علماء ومفكرو الأمة الإسلامية إلى عدد من المستويات فيما يتعلق بآليات ووسائل التقريب بين المسلمين، وتلك المستويات تشمل:
– المستوى الأول: دول وحكومات العالم الإسلامي؛ فالحكومات عبر ممارساتها وتعاملها مع المواطنين قد تخلق بينهم الألفة والمحبة والتعاون، وربما يؤدي ذلك إلى التقارب بين الدول المختلفة مذهبيًّا، ولكن قد يكون الحال بالعكس[20]. ويؤكد العديد من المفكرين على أن الدولة تعد أساسًا في التقريب وشرطًا أساسيًّا لنجاح عملية التقريب وامتدادها بين دول العالم الإسلامي، فيقع على عاتق الدول أن “ترعى حركة التقارب، فتمنحها حريتها الكاملة، وتساعدها على تشغيل وتجديد طرائقها العلمية، من دون أهداف سياسية أو سلطوية مباشرة واختزالية تفضي إلى المصادرة والتعطيل”[21].
– المستوى الثاني: المؤسسات الاجتماعية والفكرية؛ وعليها رعاية جميع الطوائف والعمل على توحيدهم حول أهداف مشتركة وإذابة الخلافات التي تؤدي إلى النـزاعات فيما بينها. يضاف إلى ذلك الهيئات العلمية والبحثية التي تضم جميع أطياف المسلمين ومن أبرزها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
– المستوى الثالث: دور علماء الدين والقيادات الفكرية في نشر ثقافة التقريب والوحدة بين المسلمين؛ فآراؤهم وفتواهم ومواقفهم تؤثر لحد كبير في العامة من الناس وخاصةً المتدينين[22]. كما يقع على عاتقهم تقديم إسهامات نظرية وفكرية وفقهية في مجال التقريب بين المذاهب الإسلامية.
– المستوى الرابع: وسائل الإعلام، وهو مستوى أكبر تأثيرًا وقدرة في تشكيل قناعات عامة المسلمين. ولكن لا يوجد في إعلام العالم الإسلامي اليوم مكانًا للتأكيد على استعادة الهوية الإسلامية وتربية الجيل على الشعور بالانتماء للأمة الإسلامية، وخلق روح التآخي والوحدة والشعور المشترك بين المسلمين، فلا نجد مثل هذا الخطاب الإعلامي الواعي. بل إن الاتجاه العام يسير عكس ذلك تمامًا؛ فيتجه نحو إثارة بؤر النـزاع والمواجهة بين المسلمين، كما يتجه نحو قبول كل معادلات الهيمنة التي تريد أمريكا وإسرائيل فرضها على المنطقة بغية تفريقها وتفتيتها[23].
ومن الملاحظ أن جهود التقريب تصل إلى أدناها على المستوى السياسي الرسمي، كما أنها لا تكاد تبين على مستوى الإعلام الذي تشيع به الفوضى وانعدام الرؤية الواضحة فيما عدا القليل. أما بالنسبة للمؤسسات الاجتماعية والفكرية فتوجد محاولات جاهدة لإيجاد مثل تلك المؤسسات المهتمة بموضوع التقريب لكنها تبقى محدودة بالإطار السياسي الذي يحد من فاعليتها. ويعد مستوى علماء الدين والقيادات الفكرية هو أكثر الجهود التقريبية المبذولة فهناك من العلماء من يسعى جاهدًا لتصفية الخلافات بين المسلمين والتوعية بضرورة التقريب تمهيدًا للوحدة، وتلك الأصوات آخذة في التزايد بين صفوف النخبة في مقابل دعاوى التعصب المنتشرة في العالم الإسلامي.

ما تم تحقيقه في مجال التقريب:

§ في تاريخ العالم الإسلامي المعاصر، يرى البعض أن قضية التقريب قد ارتبطت بقضية النهضة والإصلاح؛ فقد ارتبطت بحركة جمال الدين الأفغانى الإصلاحية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الذي رفع لواء الدفاع عن الجامعة الإسلامية. “لقد بعث السيد جمال الدين الأفغاني وحركته الإصلاحية روح الوحدة والتضامن والتقارب في الأمة بتعدد مذاهبها وقومياتها ولغاتها، من تركيا إلى إيران، ومن الهند إلى أفغانستان، ومن العراق إلى مصر، ووصف في كتابات الباحثين والمؤرخين العرب والمسلمين بموقظ الشرق أو حكيم الشرق”[24].
§ واستمر على هذا النهج الشيخ محمد عبده ومدرسته الإصلاحية، حتى أواخر النصف الأول من القرن العشرين؛ حيث انطلقت أعمال دار التقريب في القاهرة التي جددت المدرسة الإصلاحية للأفغانى ومحمد عبده، وكان من أبرز رموزها: عالم الدين الشيعي محمد تقى القمى، الشيخ مصطفى المراغى، الشيخ محمود شلتوت وعبد المجيد سليم وغيرهم[25].
§ ويعد البعض التقريب قديمًا، عمره من عمر قيام المذاهب الإسلامية باعتباره أحد أشكال التحاور بين المذاهب تاريخيًّا؛ حيث كان لكل عصر مذاهبه؛ وبالتالي فإن محاولات التقريب كان لها أطرافها بحسب الزمان والمكان[26].

ومن منجزات التقريب والوحدة الإسلامية ما يلي:

(1) التأصيل الشرعي للتقريب، “وذلك بعد حقبة من رسوخ العصبية المذهبية السلبية التي تنفي أتباع المذهب الآخر من حظيرة الدين، وتسلبهم حقوق الأخوة الإسلامية، وتفتي بالتقرب إلى الله بمعاداتهم والإساءة إليهم”[27].
(2) أسهمت فعاليات التقريب والوحدة الإسلامية في بناء ثقافة إيجابية بناءة تؤكد على مركزية الوحدة في قيم الإسلام ومبادئه، وتدعو للالتفاف حول أصول الإسلام وأركانه الأساسية، والتي هي موضع وفاق بين كل مذاهب المسلمين، وتشيع ثقافة التسامح ومبدأ الحوار[28].
(3) بروز جيل من دعاة الوحدة والتقريب في أوساط علماء الدين والحركات الإسلامية، ومفكري الأمة ومثقفيها، في مختلف أرجاء العالم الإسلامي مثل: مصر والعراق ولبنان وسوريا وإيران وباكستان والمغرب وغيرها[29].
(4) فتح أبواب التواصل والحوار بين المراكز العلمية والقيادات الدينية لمختلف المذاهب، بين الجامع الأزهر في مصر والحوزة العلمية في النجف وفي قم[30]، والمؤسسات الدينية والثقافية في غيرها من الدول الإسلامية.
(5) إنشاء مؤسسات تعنى بموضوع الوحدة والتقريب كدار التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة، والمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في إيران، وجامعة التقريب بين المذاهب الإسلامية في طهران، وهيئة علماء المسلمين في لبنان، ومجلس التنسيق بين الحركات الإسلامية في باكستان[31]، بالإضافة إلى مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي الذي يجمع العلماء من شتى أقطار العالم الإسلامي ومن المذاهب الثمانية[32].
(6) الفتاوى التي أصدرها كبار رجال الدين من الجانبين بتحريم تكفير المسلمين بعضهم بعضًا، ومراعاة حرمة الدم المسلم، وكذلك تحريم سبّ الصحابة والخلفاء الراشدين[33].
(7) العديد من الكتب والدراسات والبحوث والنقاشات التي تمت وتتم في مجال التقريب بين المذاهب وتفنيد المناطق الخلافية بينها، إلى جانب عقد الندوات والمؤتمرات الدولية المتتالية المهتمة بقضية التقريب.
(8) الدعوة إلى تبني مقترحات مشتركة لميثاق إسلامي لقضايا التقريب والوحدة بين المذاهب الإسلامية.
(9) الاجتماعات والمؤتمرات التي عقدت بهدف التقريب بين المذاهب والمصالحة الوطنية (لاسيما تلك التي عقدت في العراق مؤخرًا).

التقريب في أزمة تصريحات الشيخ القرضاوي وتوابعها:

ليس من الدقيق القول بأن تلك الأزمة تنم عن وجود الكثير من نقاط الخلاف المذهبية في العالم الإسلامي، لكن من المؤكد أنها توضح قدرًا من الهشاشة في منجزات التقريب بين المذاهب الإسلامية التي عكف على القيام بها العديد من رموز وأعلام الفكر الإسلامي من الجانبين السُّني والشيعي في العصر الحديث لعقود طويلة؛ وعلى رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي ذاته.
التصريحات:
بدأت هذه الأزمة بتصريحات ألقاها الشيخ القرضاوي في حديث صحفي مع جريدة “المصري اليوم” حذَّر فيه من المد الشيعي في المجتمعات السنية الخالصة؛ حيث قال “أما الشيعة فهم مسلمون، ولكنهم مبتدعون وخطرهم يكمن في محاولتهم غزو المجتمع السني، وهم مهيئون لذلك بما لديهم من ثروات بالمليارات وكوادر مدربة على التبشير بالمنهج الشيعي في البلاد السُّنية خصوصًا أن المجتمع السُني ليست لديه حصانة ثقافية ضد الغزو الشيعي فنحن العلماء لم نحصن السنة ضد الغزو المذهبي الشيعي لأننا دائمًا نعمل القول «ابتعد عن الفتنة لنوحد المسلمين» وتركنا علماء السنة خاوين”[34]. وأضاف قوله: “للأسف وجدت مؤخرًا مصريين شيعة، فقد حاول الشيعة قبل ذلك عشرات السنوات أن يكسبوا مصريًّا واحدًا ولم ينجحوا، من عهد صلاح الدين الأيوبي حتى (٢٠) عامًا مضت ما كان يوجد شيعي واحد في مصر، الآن موجودون في الصحف وعلى الشاشات ويجهرون بتشيعهم وبأفكارهم. الشيعة يعملون بمبدأ التقية وإظهار غير ما بطن وهو ما يجب أن نحذر منه، وما يجب أن نقف ضده في هذه الفترة أن نحمي المجتمعات السنية من الغزو الشيعي، وأدعو علماء السنة للتكاتف ومواجهة هذا الغزو لأني وجدت أن كل البلاد العربية هُزمت من الشيعة: مصر، السودان، المغرب، الجزائر وغيرها، فضلًا عن ماليزيا وإندونسيا ونيجيريا”[35].
وردًّا على سؤال حول الخلافات الدينية بين السُّنة والشيعة، ذكر الشيخ القرضاوي أن “الخلاف في الأفرع ليس مهمًّا لكن الخلافات في العقيدة هي المهمة. فكثير منهم يقول إن القرآن الموجود هو كلام الله ولكن ينقصه بعض الأشياء مثل سورة الولاية، نحن نقول إن السنة سنة محمد، أما هم فلديهم سنة المعصومين محمد والأئمة الأحد عشر، ويعتبرون سنتهم مثل سنة محمد.. نحن نقول أبو بكر رضي الله عنه وعمرو رضي الله عنه وعمر رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها وهم يقولون لعنهم الله.. فهم يرون أن الرسول قبل أن يموت أوصى علي بن أبي طالب أن يكون الخليفة من بعده.. ويعتبرون الصحابة خانوا الرسول ووصيته واختاروا آخرين”[36].
ثم أعقبه حديث آخر في نفس الجريدة جدّد فيه الشيخ القرضاوي تحذيراته رغم ما تعرض له من نقد، وأعلن عن ثباته على موقفه من تلك القضية، وأكَّد “أنه لا يسعي من خلال هذا التحذير إلى فُرقة المسلمين، لكنه يخشى ما هو أكبر وأهم من الفُرقة، وهو الفتنة والحروب”[37]. كما أشار أنه سبق أن ألمح بآرائه حول الشيعة في عدة مؤتمرات سابقة، “لكن الأمانة فرضت عليه أن يتحدث هذه المرة بحدة ووضوح، وأن يُبصِّر الأمة بالمد الشيعي؛ لأن الله سيسأله إن تجاهل أمانته يوم القيامة”[38]. وذكر أنه قد ألمح بهذا الأمر من قبل في عدد من المؤتمرات؛ ولهذا فإن تصريحاته لا تعد آنية، ولكنه أكَّد أنها المرة الأولى التي يتحدث فيها في هذا الأمر بهذه الحدة وهذا الوضوح؛ لأن الأمانة تفرض عليه ذلك، ولأنه استشرف أن من واجبه التحذير من هذا المد الشيعي وتبصير الأمة.
وردًّا على سؤال حول الاستنفار ضد تصريحاته، قال إن “هذا الاستنفار مرده إلى كونهم يعلمون قيمتي الحقيقية، ويقدرون مكانتي في العالم السُّني، وهم يعرفون أنني لست وهابيًّا مغاليًا، بل سني معتدل؛ لذا فحديثي له تأثير أكبر وإلا لما خافوا هكذا”[39]. وقال إن تصريحاته لو حدث وأثارت الفتنة الآن فإنها لا تذكر في مقابل ما يمكن أن يحدث في المستقبل من حروب وفتن كبرى، لو أن الشيعة دخلوا المجتمعات السنية؛ “فأنا أعمل على سد الذريعة قبل أن يستفحل الأمر،؛ لأنه لو تركنا الشيعة يخترقون المجتمعات السنية، فلن يكون الوضع محمودًا، ووجودهم في العراق ولبنان أكبر دليل على عدم الاستقرار”[40].
وكذلك جدّد الشيخ القرضاوي تأكيده على أن إصرار إيران علي نشر المذهب الشيعي في دول عربية هو غزو سياسي وليس دينيًا، له أهدافه ووسائله ورجاله، وأضاف في تصريحات لبرنامج “القاهرة اليوم” على قناة “أوربت”: “إيران تحاول فرض نفوذها على من حولها.. ونحن نرفض التبعية لأي استعمار جديد، إيراني أو غير إيراني”[41]. وأوضح أن “تصريحاته التي نشرتها جريدة المصري اليوم وأثارت ردود فعل غاضبة لدى الشيعة، لم يكن يقصد بها معاداتهم، وإنما كشف الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها في الحوار بين الجانبين، وإعلان رفضه تشييع الدول السنية الخالصة”[42].

ردود الفعل

يمكن تقسيم ردود الفعل الشيعية على تصريحات الشيخ القرضاوي إلى مستويين:

(1) مستوى كبار العلماء والمفكرين الذين تناولوا قضايا التقريب وشاركوا فيها:

ونذكر منهم: الإمام آية الله تسخيرى (نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) الذي أعرب عن دهشته وأسفه من سماع تصريحات الشيخ القرضاوي، واعتبر أنها ناجمة عن ضغوط الفئات التكفيرية والمتطرفة التي تقدم للقرضاوى معلومات كاذبة، وقال: “في الوقت الذي تعاني فيه الأمة الإسلامية من وجود التفرقة فإن مثل هذه التصريحات تدفع الشعوب الإسلامية أكثر فأكثر نحو ذلك”[43]. وقال إن الشيخ القرضاوي يصف التبليغ للتشيع بأنه تبشير في حين أن هذه الكلمة تستخدم فقط في التبليغ للمسيحية. وصرح قائلًا إن “القرضاوي بتصريحاته هذه لا يتخذ الخطى في مسار انسجام الأمة الإسلامية ومصالحها، كما أنها لا تنسجم مع أهداف الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والذي أسسها هو شخصيًّا ببذل الكثير من الجهود من أجل إزالة العصبيات والتفرقة والتبليغ للاعتدال والوسطية وهي أمور يتضمنها الميثاق الإسلامي لهذا الاتحاد”[44].
وأضاف أن الشيخ القرضاوي “يتهم الشيعة بالاعتقاد بتحريف القرآن في حين أن هذا خطأ كبير وثبُتَ عدم صوابيته، ويعرف بأن علماء الشيعة وفي مختلف الأزمنة أكدوا على عدم تحريف القرآن. وكذلك فإن أهل البيت (ع) يعتبرون القرآن معيارًا لقبول أو رفض حديث ما”[45]. ودعا القرضاوي للكف عن هذه التهم والعودة لخط الاعتدال والوسطية الذي هو التقريب ذاته، وتوعية الأمة الإسلامية إزاء أخطار الهجمة الثقافية ضد العالم الإسلامي[46].
لكن الإمام التسخيرى صرح فيما بعد بأن ما حدث مؤخرًا في إطار الملف السني-الشيعي مع الشيخ القرضاوي “لا يعدو كونه سحابة صيف مضت إلى غير رجعة”[47]. وقال: “نحن نُجلّ الشيخ القرضاوي، ونعيش معه في جهاد متواصل لتحقيق أهداف الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”[48]. كما أكَّد على أن “الخلاف الفكري طبيعي ولا ضير منه.. المهم ألا يتحول من خلاف فكري إلى خلاف عملي على الأرض؛ لأنه إذا تحول إلى الجانب العملي انحرف عن مساره”، محذرًا من وجود “مزايدين يعملون على تأجيج الخلاف”[49].

أما الشيخ حسن الصفَّار (مرجع شيعي بارز في السعودية) فقد “أبدى انزعاجه الكبير من دعوات بث الأحقاد والضغائن بين المسلمين، واستغرابه الشديد من انحدار بعض رجال الدين المعروفين لهذا المستنقع القذر”[50]، وأبدى اعتراضه على تصريحات الشيخ القرضاوي قائلًا: “إننا في الوقت الذي نشيد فيه بموقف العلماء ودورهم في إنهاض الأمة، ومن بينهم الشيخ القرضاوي، لكننا نستغرب كثيرًا من صدور تلك التصريحات الجارحة التي يقول فيها بأن أكثر الشيعة يقولون بتحريف القرآن؛ مما يعني زرع الانطباعات السلبية في نفوس المسلمين تجاه بعضهم البعض، ومؤداه الأخير هو الحقد الذي سيلوِّث القلوب”[51]. وأكَّد الشيخ الصفَّار عدم رغبته في الدخول في سجال عقيم، لكنه في نفس الوقت دعا القرضاوي إلى تصحيح هذا الانطباع السلبي الذي أعلنه، “وأن ينظر بعين العقل، فهؤلاء مراجع الشيعة وعلماؤهم في كل مكان، فهل يدلنا القرضاوي على واحد منهم يقول بتحريف القرآن..؟”[52].
ورجح الشيخ الصفَّار أن يكون “منشأ التصريحات الأخيرة للشيخ يوسف القرضاوي ضد المسلمين الشيعة هو اعتماده على مصادر خاطئة”، داعيًا إلى تجنب ردود الفعل العنيفة على تلك التصريحات، كما رأى أن “الأجواء التي تعيشها الأمة وما يحيط بها من مؤامرات الأعداء ساهمت في تحويل تصريحات القرضاوي إلى ما يثير الفتنة والبلبلة”[53].

وكان موقف الشيخ محمد حسين فضل الله (المرجع الشيعي اللبناني) أكثر حدة من سابقيه؛ فقد وصف تصريحات الشيخ القرضاوي بأنها “حديث فتنة”، قائلًا: “إنني أرسلت إليه بواسطة بعض الأصدقاء أن أعطني إحصائية عمّا يحدث هناك؛ بحيث إن ذلك يشكل عنوان خطر في البلدان التي ذكر أنها تتعرض لاختراق شيعي، كمصر، والجزائر، وسوريا، وغيرها، فلم يُجِب.. وأقول له إنك لا تملك أي إحصائية في هذا المجال؛ ولذلك أعتقد أنه إذا صح ما نسب إلى سماحة الشيخ القرضاوي فإنه حديث فتنة”[54]. وأبدى استغرابه من صدور تلك التصريحات عن القرضاوي وقال إنه لم يسمع عنه أي موقف ضد التبشير الذي يُراد منه إخراج المسلمين عن دينهم وربطهم بدين آخر، متسائلًا: “هل الخطورة عند الشيخ القرضاوي فيما لو أن شيعيًّا أقنع سنيًّا بالتشيّع؟! هل يعتبر هذا غزوًا كغزو المبشرين للمسلمين أو الملحدين؟! فما رأيه في أن بعض السنة يصدرون الآن الكتب التي تهاجم الشيعة وتكفرهم، وتعتبرهم مشركين مرتدين؟! وما رأيه بأن بعض السُنّة في لبنان أقنعوا بعض الشيعة بالتحول إلى المذهب السنيّ، فهل نقول: إن هناك غزوًا سنيًّا”[55]؟
ودعا الشيخ فضل الله المسلمين ومراجعهم إلى تحمّل مسئولياتهم في توحيد الصفوف ورصّها، بالدعوة إلى كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة، ونبذ الخلافات.. خصوصًا في هذه المراحل الصعبة التي يتعرّض فيها الإسلام لأبشع حملات التشويه.

وتحدث الدكتور محمد علي آذرشب (الأستاذ بجامعة طهران ورئيس مركز الدراسات الثقافية الإيرانية العربية وعضو المجمع العالمي للتقريب) حول تلك القضية معاتبًا الشيخ القرضاوي؛ حيث قال: “أن المصارحة يجب أن تكون، ولكن بالشكل الذي يساعد على التقريب لا على الاستفزاز (..) بعبارة أخرى، هناك اختلاف قائم على أساس اجتهادات علمية، واختلاف قائم على أساس الجهل. الاختلاف القائم على أساس اجتهادات علمية يمكن تناوله في المحافل العلمية البعيدة عن أضواء الإعلام؛ لأن هذا حين ينعكس على الجماهير يؤدي إلى فتنة، أو على الأقل يزيد نار الفتنة”[56]. وذكر أن الاختلاف الناشيء عن الجهل يحتاج إلى تثقيف، ولا يمكن أن يقترن هذا التثقيف بالاستفزاز لأنه سوف يؤدي إلى مردود عكسي، وأكَّد أننا إذا نحن وقفنا أمام الإعلام والفضائيات وتحدثنا بالمكبوت في النفوس -كما في هذه الحالة- وأخرجناها بشفافية إلى الخارج، ماذا ستكون رسالتها إلى الجمهور؟ فعلى سبيل المثال، العراقيون الذين سيشاهدون هذه الندوة إما أن يخرجوا بنتيجة أن العلماء متفقون، ولكن الاختلافات بسيطة والاشتراكات كثيرة جدًا، فيخفف هذا من غلوهم، وإما لا، وسوف يخرجون ساعتها بنتيجة أن الأمور مشتعلة وملتهبة”[57].
وأشار إلى أن الاحتقان موجود بين السنة والشيعة، لكن المهم هو التركيز على المشتركات؛ لأن الحديث حول الاختلافات سيؤدي إلى انفجار الموقف. كما أن المشكلة ليست مشكلة دولة بعينها بل هي مشكلة منطقة بأكملها في الوقت الذي توجد فيه “خطة لإثارة الاختلافات على مستوى المنطقة كلها من أجل الهيمنة والسيطرة، فهذه الاختلافات أثيرت في بداية الثمانينيات وأثيرت الآن، ولا بد أن يكون هناك شيء مشترك بين هذين الموقفين اللذين تثار فيهما، وأنا في اعتقادي أن هذه الإثارات تحدث فقط لتفويت فرص عظيمة على الأمة كي تتحد، وهذه من الأمور التي نشاهدها دائمًا في التاريخ المعاصر[58].

(2) مستوى غير المتخصصين مثل وسائل الإعلام وبعض الكتاب والناشطين

فنجد من أبرزها ما قامت بنشره وكالة الأنباء الإيرانية “مهر” والتي أثيرت حولها ردود فعل تفوق أحيانًا ما أثارته تصريحات الشيخ القرضاوي نفسها؛ حيث شنَّ حسن زاده (خبير الشئون الدولية بالوكالة) هجومًا حادًا على الشيخ القرضاوي، فاتهمه بأنه يتحدث “بلغة تتسم بالنفاق والدجل وتنبع عن أفكار تحمل الطابع الطائفي”، وأن كلامه هذا “تكمن خلفه دوافع سياسية وطائفية الهدف منها بث الفرقة بين المسلمين وإثارة النعرات الطائفية في المجتمعات الإسلامية المتهالكة أصلًا.. (وأنه) إذا بات المذهب الشيعي يلقى تجاوبًا لدى الشعوب المسلمة الواقعة تحت الظلم والاضطهاد فهذا مدعاة للفخر والسرور، ويعتبر معجزة من معجزات آل بيت رسول الله “ص”؛ لأن الشعوب المسلمة وجدت ضالتها في هذا المذهب الإسلامي الإنساني”، “فتنامي المد الشيعي لا يحتاج إلى خبراء ولا إنفاق المليارات من الدولارات ولا بكوادر متدربة، بل يعتبر صحوة حقيقية باتت تجتاح الشعوب المسلمة التي سئمت من سماع التصريحات المنافقة لعلماء السوء ونزعتهم الطائفية”[59].
وأضاف المزيد من الإساءات والاتهامات للشيخ القرضاوي؛ حيث قال: “لقد فقد الشيخ القرضاوي وزنه بتفوهه بمثل هذه الكلمات البذيئة ضد شيعة آل رسول الله “ص”، الذين وصفهم الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه بـ”خير أمة أخرجت للناس”، فكيف يتحدث هذا الشيخ بعصبية طائفية ضد شريحة واسعة من شرائح الأمة الإسلامية؟ أليس من حق أبناء المذهب الشيعي أن يتساءلوا: من تخدم تصريحات الشيخ القرضاوي؟ ومن المستفيد من هذه التصريحات المثيرة للجدل؟ ألا يحق للشعوب الإسلامية أن تشكك بانتماء الشيخ القرضاوي السياسي وتتساءل: هل بات الشيخ القرضاوي يتحدث بهذه التصريحات المشينة نيابة عن زعماء الماسونية العالمية أو عن الحاخامات اليهود”[60]؟
وفي النهاية دعا الشيخَ القرضاوي “أن يترك العصبية الجاهلية ضد شيعة آل رسول الله “ص”، ويدرك بأن استبصار الشباب العربي وتوعيتهم، ومن ثم توجههم نحو المذهب الشيعي الإسلامي الثوري، أصبح شيئًا من الواقع لا يحتاج إلى مال ولا دعايات ولا قنوات فضائية، بل هذا التوجه يأتي ضمن معجزات أهل البيت عليهم السلام حيث لا يدركها إلا أولو الأبصار. كما أن على الشيخ يوسف القرضاوي أيضًا أن يتقبل الأمر الواقع ويترك معاداة أتباع أهل البيت عليهم السلام ويستغفر ربه”[61].
وبالطبع أثارت تلك المقالة تحديدًا ردود فعل غاضبة جدًا؛ لأن هذا المستوى من الكتابة لا يليق أبدًا بالشيخ العلامة يوسف القرضاوي، ولا يتناسب مع مكانته الكبيرة في العالم الإسلامي.
لكن لابد من الإشارة إلى أن انتشار تلك المقالة وردود الفعل حولها فاق كثيرًا انتشار تصريحات علماء الشيعة أنفسهم، ففتحت المجال لسجالات شديدة اللهجة تتسم بالتعصب عملت على توسيع الهوة بين المذهبين والخلط بين علاقة المذاهب الإسلامية ببعضها البعض والعلاقات السياسية بين الدول الإسلامية والإساءة لرمز من رموز السنة. فنجد من المقالات ما يتحدث عن “التحريض الإيراني على الشيخ القرضاوي”[62] أو “اتهام إيران للقرضاوى بمعاداة آل البيت والارتباط بالماسونية واليهود”[63] أو “مشروع الهيمنة والمد الإيراني والشيخ القرضاوي”[64]، وحتى ظهرت أبحاث تتحدث عن “مظاهر التغلغل الإيراني الشيعي في البلدان السنية”[65] تؤكد تصريحات القرضاوي حول المد الشيعي، ولكنها للأسف تفتقر إلى الدقة والمعايير العلمية، فنجدها –على سبيل المثال- تذكر أن من مظاهر انتشار التشيّع في مصر “إنشاء دار التقريب بين المذاهب وبثّ سموم الشيعة عن طريقها بدعوى الوحدة”، و”استمالة بعض العلماء ممن لا يعلمون بحقيقة الرافضة”، و”تجنيد طواقم صحفية في صحف فعالة مثل جريدة الغد والدستور والقاهرة وصوت الأمة والفجر للمساهمة في نشر الفكر الشيعي والتقليل من مكانة الصحابة”!، وغيرها.

ويمكن تقسيم ردود الفعل على المستوى السُنِّي على تصريحات القرضاوي إلى مستويين:

تراوحت ردود الفعل بين المفكرين والكتاب المنتمين إلى السنة استجابةً لتصريحات القرضاوي وما تبعها ما بين: اتجاه وسطي معتدل، واتجاه مغالٍ أثارا بيئة من الجدالات كان منها ما هو صحي وإيجابي وما هو دون ذلك.

(1) مواقف الاتجاه الوسطي المعتدل
نجد في هذا الاتجاه غالبية المفكرين والكتاب الإسلاميين المنتمين إلى تيار الوسطية، وهو تيار الشيخ القرضاوي نفسه، وتكررت فيه الدعوات إلى التراجع عن مثل هذه التصريحات والعودة إلى التأكيد على أهمية التقريب ووحدة الأمة في مواجهة الأخطار الخارجية التي تحيط بها. وقد سعى هؤلاء المفكرون من خلال مقالاتهم وأحاديثهم إلى احتواء الأزمة التي نتجت عن تصريحات القرضاوي والتركيز على النقاط المشتركة بين السنة والشيعة ونبذ التعصب المذهبي. ومن أبرزهم:
* الدكتور محمد سليم العوا (الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) الذي أوضح أن “ما ذكره فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي عن رفضه لمحاولات بعض الشيعة التأثير على أفراد من أهل السنة لتحويلهم إلى المذهب الشيعي، كان المقصود به تلك المحاولات الفردية غير المسئولة التي تبث الفرقة والفتنة بين أبناء الدين الواحد”[66]. وأكَّد أن وصف الشيخ القرضاوي للسيد حسن نصر الله بالشيعي المتعصب كان المقصود به إيضاح تمسكه بالمذهب وبالآراء التي يتبناها الشيعة، وقال إن “فضيلة العلامة القرضاوي عبَّر مرات لا تحصى، عن تقديره لسماحة السيد حسن نصر الله، وعن اعتزازه بالصلة الأخوية التي تربطهما، وعن وقوفه بكل ما يملك إلى جوار المقاومة الإسلامية المشروعة في لبنان، كوقوفه مع المقاومة الإسلامية المشروعة في فلسطين، وفي غيرهما من البلدان المستعمرة أو المحتلة”[67].
وأشار إلى أن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي يضم علماء من المذاهب جميعًا الشيعة والسنة والإباضية، يؤكد على موقفه الثابت من ضرورة وأد أي فتنة بين المسلمين في مهدها، ومن ضرورة التقريب بين أهل المذاهب الإسلامية وعلمائها وأتباعها، ومن ضرورة التعاون بين المسلمين كافة فيما اتفقوا فيه، وأن يعذر بعضهم بعضًا فيما اختلفوا فيه.
وردًّا على اتهامات وُجِّهت للدكتور العوا بأنه قام بتحركات ضد الشيخ القرضاوي، نفى ذلك بشدة مؤكدًا على “أن مكانة الشيخ القرضاوي وعلمه وجهاده محل تقدير المسلمين جميعًا سُنة وشيعة، وعلى رأس المقدرين له ولتاريخه أعضاء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأعضاء مجلس أمنائه”[68]، وأضاف أن “من المتفق عليه بين العلماء كافة أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، وأن المختلفين لا يقدح بعضهم في بعض، ولا يهاجم بعضهم بعضًا، وأن الرأي منفصل عن صاحبه وهو حق خالص له”[69].

* أما الأستاذ فهمى هويدى (الكاتب الصحفي المعروف) فجاء مقاله بعنوان “أخطأت يا مولانا”، معاتبًا القرضاوي على تصريحاته ومحملًا إياه مسئولية النتائج التي أفضى إليها كلامه حيث قال: “لقد أخطأ الشيخ في بعض مضمون الرسالة التي وجهها؛ لأن كلامه عن مذهب التشيّع يشق الصف ولا يخدم الوحدة أو التقريب، ثم إنه أخطأ في اختيار المنبر الذي وجه منه رسالته؛ لأن انتقاداته ليس مكانها الصحف اليومية السيارة، يؤيد ذلك أنه ذكر لاحقًا أن بعض ما نُقل على لسانه لم يكن بالدقة التي عبَّر عنها. كما أنه أخطأ في توقيت رسالته؛ لأنه خير من يعلم أن هناك من يعبئ الرأي العام في الوقت الراهن لتوجيه ضربة عسكرية لإيران ونزع سلاح حزب الله. ثم إنه أخطأ حين تحدث بصفته رئيسًا لاتحاد علماء المسلمين، الأمر الذي أعطى انطباعًا بأن كلامه يعبر عن رأي الاتحاد، وذلك ليس صحيحًا، وإنما هو رأي شخصي له، فضلًا عن أن كلامه يحرج صورته كرئيس للاتحاد، كما أنه يحدث صدعًا في شرعية تمثيل الاتحاد لعلماء المسلمين وهو من حرص على ألا يكون ممثلًا لأهل السنة وحدهم”[70]. كما عبر عن خوفه من أن “نكون بعد كلام الشيخ قد تراجعنا خطوات إلى الوراء ولم نتقدم إلى الأمام، وهو ما لم نعهده فيه؛ لأنه عوَّدنا على أن يكون حلاّلًا لمشاكل المسلمين وليس مستدعيًا لها”[71].
وتعليقًا على أثر تصريحات القرضاوي أشار الأستاذ فهمى هويدى إلى أنها “كشفت النقاب عن وجود تيارين أو نمطين من التفكير في الساحة الإسلامية، أحدهما مهجوس بالدفاع عن الطائفة، والثاني مشغول بالدفاع عن الأمة، وغيرة الأولين شديدة على المذهب في حين أن الأخيرين لا يقلون عنهم غيرة على المذهب ولكنهم يحذرون من الاستغراق في تلك الغيرة على النحو الذي ينتهي بشق الصفوف؛ بما يؤدي إلى إضعاف الجميع في مواجهة التحديات المصيرية التي لن ترحم الشيعة والسُّنة معًا (..) إن الأولين يتحدثون عن المعتقدات، أما الآخرون فإنهم يتحدثون عن السياسات، والخلاف بين التيارين لا ينطلق من الأفضلية، ولكنه منصب على الأولوية؛ بمعنى أن الطرفين مطلوبان ولابد أن يتكاملا وليس هناك طرف أفضل من الآخر، لكن السؤال المطروح عليهما معًا هو: أي المعيارين يتقدم على الآخر في الوقت الراهن: الطائفة أم الأمة؟ والانشقاق أم الوحدة؟ والاشتباك مع الشقيق أم الاحتشاد في مواجهة العدو المشترك؟”[72] كما أنه حذَّر من الآثار السلبية المترتبة على دخول المتعصبين والمهيجين في هذا الجدل السُنيّ-الشيعي، الذين يعملون على إثارة الفتنة، مستغربًا من تصديق بعض العلماء لهم وواصفًا ما يحدث بأنها “من تجليات الفتنة”[73].

* ووجه الدكتور أحمد كمال أبو المجد (نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان) رسالة إلى الشيخ القرضاوي عبَّر فيها عن استيائه مما حدث من تداعيات نتيجة تصريحاته، وما تعرض إليه من تجريح لا يليق بمكانته في العالم الإسلامي. وفي إطار تحليله لتلك الأزمة، تساءل عن أمرين: الأول، “إننا على إطار ما نتعرض له جميعًا ويتعرض له الإسلام من حملة تشويه ورغبة في الإزاحة والإزالة، نحتاج إلى خط دفاع مترابط متماسك، وإلى أن تظل جبهتنا كالبنيان المرصوص، وقد كان ممكنًا طوال الوقت أن تثار قضية “الخطوط الحمراء” في اجتماع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وفيه من الإخوة الشيعة الحكماء والعقلاء، أما إثارة القضية الشائكة الدقيقة التي عرضتم لها فضيلتكم على الملأ. فقد كان محتمًا أن تستدعي ردود أفعال (شديدة التباين)”[74]. أما الأمر الثاني، فقد أشار فيه الدكتور أبو المجد إلى توقيت التصريحات الذي كان مقلقًا في الوقت الذي يتعرض له الإسلام والمسلمون لحملة لا تزال في ذروتها، فرأى أنه كان حريًّا بالشيخ القرضاوي أن يرجيء فتح باب الحوار حتى يتم التمهيد له في أجواء أخوية صافية بمصارحة ومكاشفة وعتاب أخوي.
كما أكَّد: “إننا جميعًا، سنة وشيعة، لم نعد معذورين بين يدي الله عن مواصلة الانقسام التاريخي الذي بدأ بعد معركة كربلاء، فالهموم التاريخية كلها قد مضى عليها زمان طويل، وهموم الحاضر لها لون خاص ومذاق على مرارته جديد (..) إن تذويب الرواسب التاريخية (..) وحده هو الطريق ولم يعد أمامنا نحن المسلمين، إلا أن يرتفع علماؤنا من السنة والشيعة إلى الأفق العالي الرفيع الذي تدعوهم إليه مسئوليتهم أمام الله، وهم عند أهل السنة والشيعة على السواء ورثة الأنبياء، فيتوجهون إلي معالجة أمور الحاضر والمستقبل في إطار من “مصالح المسلمين”[75].

* وجاء رد المستشار طارق البشرى (المفكر الإسلامي ورئيس مجلس الدولة الأسبق) حاسمًا حين وصف ما يقوم به عدد من علماء المسلمين من السنة بالتحذير من النشاط التبشيري الشيعي بـ”الفاشيَة” (ليس بمعنى الأيدلوجية الفاشيّة لكن بمعنى الفتنة التي فشت وانتشرت)، واستنكر محاولات البعض إحياء ما ردده بعض غلاة الشيعة قديمًا عن الصحابة وتعميم أقوال هذه القلة على حساب جمهور العامة والغالبية التي لا تقبل آراء تلك القلة المستهجنة[76]. وأكَّد: “إننا في ظروف تاريخية وسياسية تستوجب علينا أن نجعل معيار التصنيف والتمييز للمواقف والجماعات والأحزاب والمؤسسات والأشخاص، هو مقاومة العدوان والتهديدات الاستعمارية والصهيونية على شعوبنا وبلادنا وأراضينا وثقافاتنا دون تفريق بين فريق وفريق داخل أهل كل مذهب، فلا ننظر للموالين لكل مذهب بحسبانهم جماعة واحدة، ولكن نتعامل مع كل فريق بموجب اندراج أهله في صفوف المقاومة والمنعة أو في صفوف المتخاذلين والمتهاونين”، وأضاف “أن تفشو الفاشية الآن باسم السنة جميعًا ضد الشيعة بعامة، لهو أخطر ما يمكن أن يواجه الأمة الإسلامية، لأنه يحوِّل بأس المسلمين إلى بعضهم البعض، بدلًا من أن يكون بأسهم ضد المعتدين عليهم الغازين لأرضهم المستعبدين لأوطانهم”[77].
كما وضع المستشار البشرى المسئولية على السنة باعتبارهم يمثلون غالبية المسلمين وأن عليهم مسئوليات كبرى في حفظ وحدة الجماعة واحتضان فصائلها والتقريب بين بعضهم البعض. وتعجَّب من عمل “الفاشيَة” التي جمعت بين المعتدلين والمتعصبين في نفس الموقف السياسي “دون أن تقوم مناسبة تستوجب تخويف سنة المسلمين من شيعتهم، ودون أن يثور حدث يفسر شيئًا من ذلك، إنما ظهر الأمر بالأقوال والتصريحات والأحاديث والبيانات، ليثير الأحداث ويقلب الواقع ويصرف الناس من شأن إلى شأن”، في الوقت الذي تعمل فيه أمريكا وإسرائيل على محاصرة وتصفية حزب الله الذي يمثل قوى المقاومة الوطنية ويدعم حركة المقاومة الفلسطينية السنية، وكذلك تضييق الخناق على إيران، “ومن ثم تسعى السياسة الأمريكية الإسرائيلية إلي عزل قوى المقاومة هذه في محيطها العربي الإسلامي ليسهل ضربها، وعلى تحويل كراهة المسلمين من الخطر الصهيوني الحقيقي إلى خطر شيعي متوهم”[78].

* وذكر الدكتور ضياء رشوان (المحلل السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية) أن تواجد الشيخ القرضاوي في الخليج، حيث يكثر الوجود الشيعي في تلك المنطقة خاصةً في الإمارات والبحرين وقطر، ربما يكون من أحد الأسباب التي دفعته لإلقاء تلك التصريحات؛ لأن إحساس السنة هناك بمسألة المذهب الشيعي واختراقه لهم أكثر من إحساس المصريين به على سبيل المثال[79]. كما رأى أن هذا التحذير من المد الشيعي ليس في محله لأن القول بذلك يناقض حقيقة التحولات التاريخية؛ فالتاريخ لم يذكر أبدًا أن أممًا أو دولًا تحولت بين مذهب وآخر بين يوم وليلة أو نتيجة دعوة بعض الأفراد[80].

* وربط الدكتور رفيق حبيب (مثقف قبطي بارز من المتخصصين في دراسة الحركات الإسلامية والمدافعين عن مفهوم الحضارة الإسلامية الجامعة) بين الخلاف السُّني الشيعي الذي ثار عقب تصريحات الشيخ القرضاوي، وبين مستقبل الأمة وكيفية مواجهتها للقضايا التي تؤثر في وحدتها. كما لفت النظر إلى ظهور المقابلة بين وحدة الأمة وبين المواجهات التي تحدث بين مكوناتها، حيث قال: “فلا يمكن أن نتصور وحدة الأمة العربية والإسلامية عبر دولها المختلفة، وفي نفس الوقت نواجه مشكلات أو فتنًا بين الجماعات المنتمية لكل دولة من تلك الدول”[81].ويرى الدكتور رفيق أن ما أثارته تصريحات القرضاوي والردود حولها تحدث نوعًا من “المقابلة بين القضايا الجزئية المؤثرة في وحدة الأمة، والمتمثلة في العلاقة بين مكونات الأمة الإسلامية، وبين حتمية توحد الأمة في مواجهة الخطر الخارجي، وهذه المقابلة تمثل في الواقع أحد أبرز التحديات التي نواجهها اليوم. وهي قضية لا تخص المواجهة بين السنة والشيعة فقط، ولكنها تخص أيضًا أي مواجهات أخرى تحدث، سواء بين مسلمين ومسيحيين أو بين عرب وغير عرب. فنحن بالفعل نحتاج إلى تجاوز الخلافات الداخلية وتحقيق وحدة الأمة، ولكن هذا التجاوز يضع التزامات متبادلة على كل الأطراف”[82]. وأكَّد على أن الموقف الجماعي المؤسسي الأساسي لابد أن ينبع من قبول كل الأطراف لبعضهم البعض، وتأكيد وحدة الأمة الإسلامية بكل تنويعاتها الداخلية، والعمل على إقامة العدل بين كل الفئات والشرائح المكونة للأمة.

* وكان من أكثر الردود حدة التي وردت استجابة لتصريحات الشيخ القرضاوي والجدل المثار حولها للدكتور إبراهيم البيومي غانم (رئيس وحدة الرأي العام بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية)؛ حيث نشر أكثر من خمس مقالات تناول فيها الأزمة التي نشأت عن تصريحات الشيخ القرضاوي وتوابعها منتقدًا لها. فقد رأى أن الشيخ القرضاوي بتلك التصريحات حول الشيعة قد خرج عن اعتداله مخالفًا شيوخه وأساتذته وابتعد عن منطقة الوسط[83]. وكتب أن “ما قاله الشيخ بشأن المد الشيعي وأصول المذهب وغير ذلك من قضايا ليس من قبيل الصواب الذي لا يحتمل الخطأ، وإلا قلنا بعصمته وأن ما يذهب إليه فوق مستوى النقد، لا فمن حق إخوانه عليه ومن واجبهم تجاهه، بل ومن واجب ذوي الرأي والخبرة والمعرفة أن ينتقدوا رأيه”[84].
وذكر الدكتور إبراهيم أن ما قاله الشيخ القرضاوي عن أصول مذهب التشيّع معروف صحته لدى أهل السنة ولا جديد فيه، “ولكنه خطأ في سياقه الراهن، وهو بالفعل يشق الصف ولا يخدم الوحدة أو التقريب في ضوء تفاقم الخطر الصهيوني والأمريكي على كل بلاد المسلمين”، كما أكَّد أن “خروج الشيخ يوسف عن منطق ومنطقة الوسط والاعتدال، فيما يخص حديثه عن الخطر الشيعي، ونقد أصول مذهبهم، جاء مفاجأة من العيار الثقيل، والمقلق حقًا هو أن خروجه هذا يبدو منظمًا في مواضع أخرى من حواره الصحفي”[85].
وانتقد الدكتور إبراهيم بشدة البيان الختامي لمجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (14-15 أكتوبر 2008) الذي تناول أهم القضايا في عالم المسلمين، حيث وضع البيان على رأسها “قضية الشيخ يوسف وجدل المد الشيعي” ثم قضايا: فلسطين، والأزمة المالية العالمية، وظاهرة الخوف من الإسلام، والسودان والعراق وباكستان، وغيرها. ويوضح أنها المرة الأولى التي يتأخر فيها ترتيب قضية فلسطين عن المرتبة الأولى باستثناء العراق عقب احتلالها[86]. ورأى أن هذا البيان جاء معبرًا عن وقوع انقلاب فكري كبير في ساحة الاتحاد، وتجاوز لمبادىء أساسية تضمنتها وثائقه ومرجعياته الفكرية المعتمدة؛ ومن ذلك أن البيان دهس “مبدأ وحدة دار الإسلام” ومهَّد لظهور الدارين أو الأمتين مما يؤدي إلى انقسام الأمة الإسلامية والجماعة الوطنية داخل الدولة الواحدة، وكذلك مبدأ “العفو عند المقدرة” حين أوقع العقاب على وكالة أنباء مهر ومحررها الذين أساءوا للقرضاوي[87]. بالإضافة إلى مبدأ “المؤسسية”، الذي رأى أن البيان قد أخل به حين انشغل بتصريحات القرضاوي عن المد الشيعي وتناولها في الوقت الذي ذكر فيه الشيخ القرضاوي أكثر من مرة أنه قال تلك التصريحات بصفته الشخصية وليس ممثلًا للاتحاد، وأيضًا حين أصرَّ البيان على تجسيد الوسطية في شخص الشيخ القرضاوي[88]. وبهذا يدق الدكتور إبراهيم ناقوس الخطر معلنًا ضرورة قيام العلماء الأمناء بمراجعات شاملة لأوضاع الاتحاد لئلا ينفرط عقد الاتحاد ذاته.

(2) مواقف مغالية
وقد تمحور جلّ التعبيرات المتشددة والمتعصبة حول الانطلاق من الدفاع عن شخص ومكانة الشيخ القرضاوي وصولًا إلى التأكيد غير المشروط لمقولاته والتحذير من مخاطر الشيعة والتعامل معهم، واتهام إيران السياسة الأمريكية والصهيونية في الخفاء، بل للحد الذي وصل إلى التأكيد على عدم جدوى جهود التقريب بين الفئتين.
فنجد الكاتب أحمد زيدان يقول إن من يتهمون الشيخ القرضاوي ما يصفوه إلا بداء هو فيهم؛ “فحين يسعى الموتورون إلى إسكات صوت القرضاوي واتهامه بما هم فيه فمن سينطق حينها، سينطق بالتأكيد الرويبضات أمثال المهاجمين لعلَم من أعلام الأمة في القرن المعاصر، والأدهى اتهامه ببيع نفسه ولمن؟ للماسونية والصهيونية!! ليصدق تمامًا ما قيل قديمًا رمتني بدائها وانسلت”[89]. وهو يرى أن من غير المعقول أن تصمت الأمة إزاء ما يتعرض له الشيخ القرضاوي من هجوم في الوقت الذي طالما وقفوا على بابه يستجدونه الفتوى أو الرأي أو التصديق على مواقفهم، مؤكدًا أن الأمة تتعرض لهجمات داخلية وخارجية يمثل المد الشيعي جزءًا لا يتجزأ منها[90].

أما الكاتب جمال سلطان فقد أورد في عدد من مقالاته استنكاره الشديد على من يتصورون أن إيران ظهير للعرب والمسلمين، وأن قوتها هي قوة لهم لا عليهم؛ فهو يؤكد أن إيران طوال تاريخها تحالفت مع الخارج ضد الأمة الإسلامية؛ حيث تحالفت مع روسيا القيصرية أو الممالك الأوروبية ضد الدولة العثمانية، انتهاءً بدعوتها لتصدير الثورة عقب نجاح ثورة الخومينى، وبالتالي هي “مشروع انعزالي معادي لمصالح الأمة”[91]. ويوضح ذلك بقوله: “فعندما يحدثنا بعض المثقفين أو السياسيين العرب عن إيران بوصفها جزءًا من مشروع مقاومة الأمة ضد المشروع الأمريكي أو الصهيوني، فإننا نكون أمام تصور شديد السذاجة، بقدر ما هو غير علمي وغير واقعي وغير تاريخي، ولا يدعمه أي منطق أو علم أو حقائق تاريخية أو استراتيجية، مجرد عواطف سطحية ساذجة ومضللة وفارغة، وأكثر من ذلك خطورتها على مصالح الأمة الحقيقية وتبصرها بمشروع النهوض والإنقاذ”[92]. وقد قدَّم الكاتب رأيًا مفاده أن النخب العربية قد تعرضت لاختراق إيراني؛ فتعرض الكاتب للإخوان المسلمين منتقدًا سكوتهم على الهجوم على الشيخ القرضاوي[93]، ورأى أن ما كتبه الأستاذ فهمى هويدى حول تلك الأزمة يفتقد إلى الحصافة والاعتدال؛ “لأن ما ورد فيه أقل ما يقال عنه أنه كلام لا يليق بين التلميذ وشيخه، إن صح التعبير، فقد تجاوز فهمي هويدي الكثير من حدود اللياقة وأدب طالب العلم والمعرفة في حديثه إلى الشيخ، لدرجة أن يسمح لنفسه أن يعطي القرضاوي دروسًا في فقه الموازنات وفقه الأولويات”[94].
وكان للدكتور راشد الغنوشى رد فعل لخَّصه في عنوان مقاله “كلنا يوسف القرضاوي”؛ حيث استنكر بشدة تصريحات وكالة الأنباء الإيرانية مهر قائلًا إنها “تخطت كل الحدود والاعتبارات الأخلاقية والشرعية في تعاملها مع أهم رموز الإسلام المعاصر العلامة المجاهد الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في تحدٍّ سافر للأمة ولعلمائها قاطبة بمن فيهم علماء الشيعة الذين كانوا من بين علماء الإسلام الذين اختاروا بالإجماع الشيخ العلامة رئيسا لهم”[95]. وتعجَّب من توجيه تلك الوكالة الإهانات للشيخ القرضاوي متسائلًا: “هل تعاون مع جيوش الكفر وسهّل عملها في احتلال بلاد إسلامية وأغراها بذلك وامتن به عليها؟ هل جعل دينًا له يتعبد به ربه لعن أحب وأقرب الرجال والنساء إلى قلب صاحب الدعوة ممن مات وهو عنهم راض؟”[96]. وهو بذلك يتهم للمرة الأولى إيران بالتواطؤ مع العدوان الأمريكي على العراق وتعاونها مع قوات الاحتلال لتدمير العراق واحتلاله[97].
وأكَّد على أن ما قاله الشيخ القرضاوي يعبر عن شعور عام في عالم السُّنة بالسخط على اختراقات فتحها بعض دعاة التشيع في جسد الوحدة الوطنية لأكثر من قطر من الأقطار السُنيّة؛ “ولذلك فنحن في هذا الصدد كلنا قرضاويون.. ولطالما ناصرنا الثورة الإسلامية في مواجهة ما تعرضت له ولا تزال من مخططات أعداء الإسلام، وتحملنا غير نادمين ضروبًا من النكال جراء ذلك، كما دافعنا ونوهنا بالدور الإيجابي للجمهورية في نصرة قضية فلسطين، وهتفنا لبطولات حزب الله، وطالما نبهنا عقلاء إخواننا الشيعة إلى خطر هذا المسلك على الوحدة الإسلامية”[98]. ورأى أن الأقليات عليها ألا تقفز فوق الأمة وأن تكتسب مكانتها في جسم الأمة كما هو: جسم سنيّ، بقدر اعترافها بهذه الحقيقة، وبقدر انخراطها فكرًا وممارسة في هموم الأمة والتنافس في خدمتها.

وقام الكاتب معتز الخطيب بانتقاد جميع الآراء التي خالفت رأي القرضاوي؛ وتسائل “علامَ هذا اللغط كله؟ الجماعة يبشرون بمذهبهم وقام القرضاوي بنقدهم، وكلاهما يمارس حريته..!”[99]. ورأى إن كثيرًا من الردود التي قيلت بخصوص تصريحات الشيخ تحتكم إلى منطق واحد؛ وهو أن التوقيت غير مناسب، ووصفه بأنه منطق سياسي بامتياز وأنه لا يوجد ما يسمى بالتوقيت المناسب. كما أكَّد أن هذه الآراء الناقدة لتصريحات الشيخ القرضاوي تعاني من “حساسية مفرطة في التعاطي مع موضوع الشيعة وأي نقد لهم، خوفًا من أن يكون لونًا من الطائفية”، وأن هذا في حد ذاته يعد “طائفية بغيضة”، كما يرى أن فكرة العصمة سكنت عقول الناس تحت مسميات: التوقيت والطائفية ووحدة الأمة[100].

كما يأتي تأكيد الشيخ ناظم المسباح على أن الاختلاف مع الشيخ القرضاوي هو من باب الاختلاف في الأفهام، ولكن “ما واجهه القرضاوي من حملة شرسة من بعض الشخصيات والمؤسسات يفتقر للحد الأدنى من العدالة والتخلق والخلق القويم عند الخلاف ومراعاة المنطق العلمي في الجدل (..) فالقرضاوي من أشهر دعاة التقريب والتسامح والوحدة الاسلامية، ولا ينكر هذا أحد، وعلى الرغم من ذلك لم يسلم من الطعن والتجريح وإهدار الكرامة “[101]. كما ذكر أن التسامح والوسطية والتعايش السلمي لا يعني السكوت على تصدير التشيع للبلاد السنية ولا التغاضي عن سب الصحابة ولا الصمت على التعدي على علماء الأمة ودعاتها.
وطالب المسباح العلماء “بالحرص على الوجود في المنابر الإعلامية، وتحمل التبعات في سبيل إيصال كلمة الحق كما فعل القرضاوي، فليس من المقبول الانزواء والابتعاد وإيثار السلامة من النقد وترك الأمة حائرة لا ندري إلى أين نتوجه ولا أي موقف نتخذ مما يؤدي إلى فوضى لا تحمد عقباها ومبادرة الشباب في الأمور المعضلة دون علم ولا خبرة”[102].

حرب “إلكترونية” سُنيّة – شيعية

أدى هذا الجدل واللغط الذي نشأ حول تصريحات الشيخ القرضاوي إلى حدوث توترات شديدة بين السنة والشيعة، وخاصةً بين فئة الشباب الذين قادوا “حربًا إلكترونية” تم من خلالها تدمير عدد كبير من المواقع الدينية والإخبارية وتعرضها لضربات انتقامية طائفية.
فتم تخريب عدد من المواقع الدينية البارزة الخاصة برموز دينية وشيوخ ومنها: الموقع العراقي الشيعي لآية الله على السيستاني، وموقع الشيخ عبد العزيز بن باز مفتى السعودية الراحل، وموقع الشيخ عائض القرني، كما تعرض موقع قناة “العربية” لاختراق شيعي استمر لعدة ساعات وكتب القراصنة على صفحته “إذا استمر اختراق المواقع الشيعية فلن يكون أي من مواقعكم بعيدًا عن تهديداتنا” ووضعوا صورة لعلم إسرائيلي محترق[103]. وحسب تصريحات وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا” فقد تم اختراق أكثر من 300 موقع شيعي من قبل الوهابيين، وبعدها انهالت الهجمات على المواقع السنية (أكثر من 100 موقع سني)[104]. ورأى البعض أن تلك الأعمال لا تتم بشكل فردي بل تستند إلى تخطيط كبير، ويلمح آخرون إلى “دخول عدو يسعى لإشعال نار الفتنة بين الطرفين”[105].

مآلات الأزمة

·أدان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الإساءة للشيخ القرضاوي ومحاولة تشويه تاريخه ووصفه بأنه رمز الأمة، وأكد على وحدة الأمة الإسلامية بشتى مذاهبها وإجماعها على المرجعية العليا للقرآن، كما طالب البيان إيران بتحمل مسئوليتها في وأد الفتن المذهبية، وضرورة احترام زوجات النبي (ص) وآل بيته، والإعلان عن تشكيل لجنة متخصصة لرصد الأعمال المذهبية الضارة بوحدة الأمة ووضع خطط لمعالجتها، وجاء في البيان مناشدة وسائل الإعلام المختلفة أن تلتزم بالأطر الشرعية والمهنية والأخلاقية في أداء رسالتها وألا تعمل على إذكاء نار الطائفية[106].
·وقامت وكالة الأنباء الإيرانية “مهر” بفصل حسن زادة (خبير الشئون الدولية بالوكالة) الذي كتب المقال المسيء للشيخ القرضاوي، وأكدوا أنه قام بشر هذا المقال دون استشارة رؤسائه، كما أكدت الوكالة على احترامها الكامل للشيخ القرضاوي[107]، وبهذا فإن السبب الذي أدى إلى تصعيد الأزمة قد تبين حجمه وتمت محاولات تصحيحه.
·أورد الشيخ القرضاوي في بيان توضيحي نشرته وسائل الإعلام عدد من النقاط يفند فيها الحجج التي استند إليها في تلك التصريحات ورده على التساؤلات التي وردت حولها[108]:
– أكد الشيخ القرضاوي على تمسكه بما قاله حول الشيعة، وذكر أن ما تضمنته تصريحاته قد طرحه في العديد من مؤتمرات التقريب التي شارك فيها من أن هناك خطوطًا حمراء يجب أن تراعى بين المذهبين ومنها: نشر التشيع في البلاد السنية الخالصة، وسب الصحابة.
– أوضح أنه بالرغم من تحفظاته على موقف الشيعة من اختراق المجتمعات السنية، فإنه قد وقف بجانب إيران مؤيدًا حقها في امتلاك الطاقة النووية السلمية، وأنه يرى إيران باعتبارها جزءًا من دار الإسلام لا يجوز التفريط فيه.
– كما نفى كل الاتهامات التي وُجهت له من قبل وكالة الأنباء الإيرانية، ومن قبل علماء شيعة، مبينًا أن موقفه من الشيعة الإمامية هو موقف كل عالم سني معتدل فهو يراهم مبتدعون في حين أن غير المعتدلين يصرحون بتكفيرهم.
– رده على الشيخ فضل الله: ذكر الشيخ القرضاوي أن موقفه من قضية التنصير واضح للجميع، وأنه كتب عنه في جميع كتبه وخطبه ومحاضراته، وأنه قد ساهم في إنشاء الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية في الكويت لمحاربة موجات التنصير في العالم الإسلامي. كما يؤكد على أنه موقفه الثابت من العلمانيين والملحدين والذي نشره في كتبه ومحاضراته. وأيد ما قاله الشيخ فضل الله من أن الأكثرية الساحقة من الشيعة لا يعرفون قرآنًا غير قرآن أهل السنة، وأن ما قاله فقط هو أن بعض من الشيعة يرون أن هذا القرآن ناقص وأن المهدي حين يخرج سيأتي بالقرآن الكامل. وأكد القرضاوي رفضه للكتب التكفيرية التي تصدر عن السنة؛ فالأصل هو إبقاء المسلم على إسلامه وإحسان الظن به.
– ردّه على الشيخ التسخيرى: أكد الشيخ القرضاوي أنه لم يكن في يوم مثيرًا للفتنة، كما أنه وقف ضد الجماعات المتطرفة وحذَّر من خطرها. كما ذكر أنه قد عاش حياته كلها يدعو إلى توحيد الأمة الإسلامية والتأكيد على التضامن فيما بينها، وتأييد دعوات التقريب ومؤتمراتها. ولكنه لن يغض الطرف عما يراه من حملات تصدير المذهب، وخاصةً في البلاد الخالصة للمذهب الآخر. وفي رده على ما قاله الشيخ التسخيرى أنه يتهم الشيعة بتحريف القرآن في الوقت الذي يعلم فيه أن علماء الشيعة في مختلف العصور أكدوا على عدم تحريف القرآن، ويؤكد الشيخ القرضاوي أن صحيفة المصري اليوم لم تنقل ما قاله في هذا الشأن حرفيًّا، فهو يقول إن الشيعة جميعًا يؤمنون بالقرآن ويتعبدون به ولا يوجد مصحف آخر يخالف مصحفنا، أما القول بأن هناك أجزاء ناقصة من القرآن فالشيعة لا يتفقون عليها بل ينكرها محققوهم على حد قوله.
– رده على د/ أحمد أبو المجد[109]: أكد الشيخ القرضاوي أنه لم يكن أبدًا مهيجًا ولا داعيًّا إلى فتنة، بل كان دومًا داعيًا إلى التقريب بين الفرق الإسلامية، ولكن تلك الدعوة إلى التقريب –كما يوضح- لم تكن مطلقة بل كانت مقيدة ومشروطة بالآتي: الموقف من القرآن الكريم، الموقف من الصحابة وأمهات المؤمنين، التوقف عن نشر المذهب الاعتقادي في البلاد الخالصة للمذهب الآخر، الاعتراف بحقوق الأقلية الدينية والسياسية سواء كانت الأقلية سنية أم شيعية. وردًا على ما قاله الدكتور أبو المجد من أنه كان يود أن يكون موقف القرضاوي في إطار محدود بينه وبين علماء الشيعة بدلًا من إعلانه على العامة في الصحف، يقول القرضاوي “هذا قد تمَّ يا دكتور خلال أكثر من عشر سنوات، تمَّ في مؤتمرات التقريب، وتمَّ خلال زيارتي لإيران سنة 1988م بيني وبين علماء طهران وقُمّ ومشهد وأصفهان، وتمَّ فيما كتبتُه من بحوث ورسائل آخرها رسالة (مبادئ في الحوار والتقريب بين المذاهب)، ولكني وجدتُ أن المخطط مستمر، وأن القوم مصمِّمون على بلوغ غاية رسموا لها الخطط، ورصدوا لها الأموال، وأعدُّوا لها الرجال، وأنشأوا لها المؤسسات، ولهذا كان لابد أن أدقَّ ناقوس الخطر”.
وأوضح القرضاوي أنه كان يود لو أن د/ أبو المجد ينصح العلماء “أن يرفعوا الغشاوة عن أعينهم حتى يبصروا، وينـزعوا أصابعهم من آذانهم حتى يسمعوا (..) ما يجري في بلاد السنة من حولهم، ولا يعتبروا ذلك شيئا لا يستحق الالتفات، فإن (فقه الموازنات) و(فقه الأولويات) الذي قالوا إنهم أخذوه منِّي، يوجب عليهم أن يعيدوا النظر في (تنـزيل هذا الفقه على الواقع)، فمن المهم أن يُعلم أن البلاء الذي لا يمكن تداركه وعلاجه بعد وقوعه مقدَّم فقهًا وشرعًا على البلاء الذي يمكن تداركه ووقوعه” ومن هذا تغيير المرء لمذهبه.

· وقد عبر علماء الشيعة عن تقديرهم للشيخ القرضاوي والتوضيح الذي أبداه لتصريحاته وأن ردودهم كانت قوية على قدر مكانته؛ لأنهم يعتبرونه من الشخصيات الإسلامية التي تنادى بمشروع الأمة الإسلامية، ومكانته كبيرة لدى السنة والشيعة على حد السواء[110]. حيث أكد الشيخ الصفار أن بيان القرضاوي أثلج الصدور؛ لأنه نفى ما نُقل عنه بخصوص تحريف الشيعة للقرآن، وقال إن علينا أن “نعترف بوجود اختلافات سنية شيعية وخلافات تاريخية كبيرة، والأهم أن ندرك أن حل هذه الخلافيات التي عمرها نحو 14 قرنًا لا يكون في يوم وليلة”[111]. وكذلك طالب المفكر الشيعي هانى فحص بعدم جعل تصريحات الشيخ القرضاوي والرد عليها شاغلًا للرأي العام السني والشيعي المحتقن طائفيًّا بالفعل، والتركيز على الجهد المبذول في التقريب بين المذاهب والبحث عن مداخل جديدة له تصل إلى العامة[112].
· وقام وفد إيراني رفيع المستوى (ضم مستشار القائد الأعلى علي ولايتي، ووزير الداخلية الأسبق على محتشمي، والمستشار الثقافي بالخارجية الإيرانية عباس خامة، والسفير الإيراني بالدوحة محمد رباني) بتقديم الاعتذار للشيخ القرضاوي مؤكدين أن “من يربط الشيخ القرضاوي بالصهيونية هم أصابع الصهيونية نفسها”، كما أكدوا له أن الوكالة التي شنت الهجوم عليه ليست وكالة رسمية ولا تستحق الرد، وحثّ الوفد الإيراني الشيخ القرضاوي على إغلاق ملف الجدل المثار، لكن القرضاوي أكد أنه لن يغلق الملف قبل توقف المد الشيعي والكف عن سبّ الصحابة[113].
· وقد أكد وزير الداخلية الإيراني الأسبق علي أكبر محتشمي أن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله على خامنئي يحترم أم المؤمنين السيدة عائشة، وأن سياسة إيران ترفض سبّ الصحابة، وعبر عن رفضه لإساءة وكالة الأنباء للشيخ القرضاوي مؤكدًا أنها لا تعكس على الإطلاق وجهة نظر إيران الرسمية. ودعا السنة والشيعة إلى تنقية كتب الروايات والتاريخ مما لحق بها من روايات ضعيفة تؤثر على العلاقة بين المذهبين[114].
· مستوى التصعيدات: ولكن نظرًا لأن الأزمة التي نتجت عن تصريحات القرضاوي انتشرت في مختلف الأوساط والبلدان، لذا فكان هناك مستوى آخر تطورت إليه الأزمة؛ فقد ظهرت ردود فعل غير مسئولة أو مبالغ فيها أدت إلى مزيد من التصعيد والاحتقان غير المبرر بين السنة والشيعة سواء بالإفراط في الهجوم على الشيخ القرضاوي لتصريحاته أو الإفراط في الدفاع عنه وانتقاد المذهب الشيعي وإيران، ومنها ما يلي:
– رفع بعض المحامين والناشطين الشيعة لدعوى قضائية أمام المحكمة الشرعية بقطر ضد الشيخ القرضاوي اتهموه فيها بتكفير الشيعة والتطاول على رموزهم والتحريض ضدهم وإشعال الفتنة بينهم وبين السنة، وطالبوا بسحب الجنسية القطرية منه وطرده[115].
– وقّع (30) عالمًا من الكويت والسعودية ودول عربية أخرى بيانًا حذروا فيه من توجيه وكيل المراجع الشيعية في الكويت محمد المهري الاتهامات للشيخ القرضاوي، واعتبروها بمثابة “إباحة لدم الشيخ” واتهموا إيران بالوقوف خلف هذا الهجوم. كما حذروا من أي ضرر يصيب الشيخ القرضاوي بفعل هذه الدعوات[116].
– بيان جبهة علماء الأزهر الذي أكد فيه العلماء تأييدهم الكامل لتصريحات الشيخ القرضاوي حول الشيعة “فقد وُفِّق في وصفه لهم على أنهم مبتدعة، دون أن يبين كما بين أساتذة وأئمة له من قبل معالم البدعة ودرجاتها، مما أثار عليه كثير من جمهور أهل السنة، وهم معذورون، ذلك أن أئمة أهل البدع على ما ذهب إليه الجمهور أضر على الأمة من أهل الذنوب”[117].
– استنكر العديد من دعاة وفقهاء الجزائر الهجوم الذي يتعرض له القرضاوي، وأكدوا أن المد الشيعي للمغرب العربي يشكل خطرًا كبيرًا على المنطقة، وعبر عدد من العلماء الجزائريين عن أسفهم من هذا التراشق بالكلام والمواقف التي لا تخدم الإسلام والمسلمين، آملين أن يسعى الطرفان إلى الحوار بهدوء لتجاوز تلك الخلافات[118].
– أصدر ما يقرب من 500 شخصية دينية وأكاديمية وإعلامية في مصر بيانًا نددوا فيه بالحملة الإيرانية، وأكدوا شعورهم “بأسف بالغ تجاه حملة الافتئات والتشويه الظالمة والمتعمدة من مراجع ووسائل إعلامية شيعية للشيخ العلامة يوسف القرضاوي”[119] والتي ليس لها أساس من الصحة. كما أكد البيان على التضامن مع الشيخ القرضاوي والوقوف معه “وهو يواجه تلك الحملة التي تكشف عن أحقاد تاريخية لم يُثنِها تسامح العلماء السنة معها لاسيما الشيخ القرضاوي الذي كان أحد رموز الوحدة الإسلامية ودعاتها البارزين”[120].
– كما صدر بيان عن الأمانة العامة للمجلس الأوروبي للإفتاء ندد فيه “بالحملة الظالمة ضد القرضاوي (والتي جاءت) في الوقت الذي تتعرض فيه الأمة لسهام الأعداء من كل حدب وصوب، وبدلًا من أن تتكاتف الجهود لوحدة الصف ولم الشمل وجمع الكلمة تعرض فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي (..) إلى هجوم ظالم من قبل جهات شيعية متعددة”[121].
– وأدانت رابطة علماء سوريا المستقلة “الهجمة الإيرانية الشيعية ضد العلامة يوسف القرضاوي”، واتهم البيان الثورة الإيرانية بالانحراف عن مسارها، وتحولها إلى “العقلية الطائفية والتعصب المذهبي والاستغلال السياسي، والطموح الإمبراطوري”[122]. وأكد البيان أن “الثورة بدلًا من التصدي للهجمة الصليبية الأمريكية والصهيونية إذ بها تُصدِّر ثورة شيعية، تستغل في سبيل ذلك ما تملك إيران من أموال، وطاقات، وجامعات، وقنوات فضائية، وهيئات دبلوماسية، ودعاة مدربين، لتنشر مذهبها بين أهل السنة، بل لتنشر ما أفرزه عصر التخلف من بِدع وضلالات وجهالات”[123].

ملاحظات تحليلية

§ لا يغيب عن الباحث حقيقة أن المشكل الذي أثير حول السنة والشيعة أصله ما ذكره الشيخ القرضاوي في مقال بعنوان “نصيحتي للرئيس مبارك لا تمدد ولا تورث.. ولا تظلم ابنك بالحكم”! ولم يهتم أحد بما قاله عن التوريث والاستبداد وضرورات الإصلاح في العالم العربي والإسلامي، وانصرف كامل الاهتمام إلى ما ذكره حول الشيعة، وهو حديث صحفي جاءت فيه تلك التصريحات ضمن العديد من النقاط الأخرى، ولا يقارن بالعلم الغزير الذي أصدره وذكره الشيخ القرضاوي في عشرات الكتب والمحاضرات والخطب التي ألقاها على مدى أعوام عديدة. وليت الاهتمام انصرف إلى تصريحاته حول حاجة مشروعات النهضة للسنة إلى دول كبرى لتبنيها وتطبيقها والنهوض بأبنائها[124]، حتى يصير الحوار والنقاش والجدل حول كيفية تحقيق النهوض لأبناء العالم الإسلامي بدلًا من التراشق بالاتهامات بين مذهبيه.
§نلحظ أيضًا دور الإعلام في تصعيد الأزمة، فما يعد مثار اهتمام الناس هو دائمًا الأزمات والتصريحات المثيرة للجدل واللافتة للنظر، وتلك مشكلة كبيرة في العالم الإسلامي اليوم، فبدلًا من قيام الإعلام بدور مسئول في تقريب المسافات وتوسيع مساحات الفهم المتبادل إذا به يوسع الهوة، ولا يمكن إغفال حقيقة أن هناك “قابلية للاحتقان” في العالم الإسلامي واستعداد للخلافات والمواجهات في داخل الوطن الواحد أو بين مختلف الدول والاتجاهات، وليس الاتجاه نحو التصالح وإدراك الأخطار الحقيقية التي تواجه العالم العربي والإسلامي والعمل على توحيد الصف لمواجهتها.
§ويمكن إثارة نقطة أخرى حول تلك الأزمة تتمثل في ظهور مثل هذه التصريحات وردود الفعل حولها على مستوى عامة المسلمين، ففي الوقت الذي يحاجج به العلماء والمفكرين بعضهم البعض حول موقف السنة من التشيّع والعكس، نجد أن العالم الإسلامي يرزح تحت مستويات عالية من الأمية (70% في وسط الذكور، و85% في وسط الإناث حسب آخر إحصاءات الإيسيكو)[125] -في حين أن دولًا متقدمة مثل اليابان حققت نسبة صفر% للأمية !- وتلك الأمية تزيد في عدد من المناطق في العالم الإسلامي ولا تنقص. لذا، فعلى العلماء أن يدركوا دورهم في تلك البيئة المشبعة بالجهل والتخلف والتواكل، ويعلموا أن محل تلك الخلافات المذهبية لا يمكن أن يكون في الصحف اليومية، بل عليهم أيضًا أن يحاربوا هذا الجهل –الذي يؤدي إلى عدم الإلمام بأمور الدين وفي بعض الأحيان التعصب- واعتباره من أسوأ ما يلم بأمة “اقرأ”، وأن يقوموا بحملات توعية وتعليم للمواطنين في بلدان العالم الإسلامي ونشر لثقافة الحوار وفقه الاختلاف والتفكير النقدي البنّاء، وأن ينأوا عن كيل الاتهامات لبعضهم البعض.
§الخلافات المذهبية -كما ذكر العديد من المفكرين المعتدلين- تنتمي كلها إلى التاريخ الآن، ولا يمكن حلها بتصريحات من كل جانب ضد الآخر، فهذا ليس السبيل الصحيح، لكن يجب على العلماء والمفكرين التركيز على بذل المزيد من الجهود للتقريب بين المذاهب الإسلامية وتحقيق إنجازات ملموسة تصل إلى كافة الطبقات والمستويات والمؤسسات، حتى لا ينضموا إلى صفوف بعض الساسة في عالمنا الإسلامي الذين يقوموا باستغلال تلك الخلافات المذهبية لتنحية الدين جانبًا والاقتصار على المصالح الوطنية القومية الضيقة، متناسين أن المخططات التي تستهدف العالم العربي والإسلامي تعتمد بقدر كبير على تلك الفرقة لتحقيق مآربها.
*****

الهوامش:

[1] غالب حسن الشابندر، “نحو منهجية سنية جديدة لقراءة التشيع”، 14/4/2008، المقال متوافر على:
http://www.alwihdah.com/view.php?cat=1&id=1779
[2] سلمان بن فهد العودة، “التصادم في الحوار يظهر النقض في فهم الدين”، 16/6/2008، المقال متوافر على: http://www.alwihdah.com/print.php?cat=1&id=1788
[3] المصدر السابق.
[4] محمد سليم العوا، “العلاقة بين السنة والشيعة”، الرباط، منشورات دار الزمن، 2007.
[5] يوسف القرضاوي، “مبادىء للتقريب بين المذاهب الإسلامية”، 30/10/2003، المقال متوافر على:
http://www.almotamar.net/news/39358.htm
[6] محمد سليم العوا، مرجع سابق.
[7] حسن الصفار، “مواجهة الفتنة المذهبية”، 6/3/2007، المقال متوافر على:
http://www.alwihdah.com/view.php?cat=1&id=1754
[8] علي يافع، “وحدة الأمة الإسلامية والتقريب بين المذاهب الإسلامية”، 26/3/2008، المقال متوافر على:
http://www.alwihdah.com/view.php?cat=1&id=65
[9] يوسف القرضاوي، “مبادئ للتقريب بين المذاهب الإسلامية”، 30/10/2003، المقال متوافر على:
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1173695060044&pagename=Zone-Arabic-Shariah%2FSRALayout
[10] المصدر السابق.
[11] المصدر السابق.
[12] المصدر السابق.
[13] محمد سعيد البوطي، “قواعد تفسير النصوص وأثرها في التقريب بين المذاهب والفرق”، 6/4/2004، مجلة التقريب، العدد الأول، 2003.
[14] البيان الختامي للمؤتمر الدولي العشرين للوحدة الإسلامية، 16/4/2007، متوافر على:
http://www.iumsonline.net/articls/2007/04/06.shtml
[15] يوسف القرضاوي، “مبادئ للتقريب بين المذاهب الإسلامية”، 30/10/2003، المقال متوافر على:
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1173695060044&pagename=Zone-Arabic-Shariah%2FSRALayout
[16] “ضوابط التقارب”، مجلة البيان، 4/1/2006، العدد 216، المقال متوافر على:
http://www.alwihdah.com/view.php?cat=1&id=1614
[17] هانى فحص، “تقريب المذاهب: دور الدولة وأهل العلم”، 30/4/2006، المقال متوافر على: www.islamonline.net/arabic/contemporary/2006/04/article04.shtml
[18] أحمد كمال أبو المجد، “التقريب منهجه وموضوعه”، 26/3/2003، المقال متوافر على:
http://www.alwihdah.com/view.php?cat=1&id=68
[19] محمد عمارة، “التعدد والاختلاف سنة كونية”، جريدة الشرق الأوسط، العدد 8809، 10/1/2003، المقال متوافر على:
http://www.asharqalawsat.com/leader.asp?section=3&article=146148&issueno=8809
[20] مرتضى الباشا، “مذكرات في التقريب والوحدة بين المسلمين”، 29/3/2007، المقال متوافر على:
http://www.alwihdah.com/view.php?cat=1&id=1764
[21] هانى فحص، مصدر سابق.
[22] مرتضى الباشا، مصدر سابق.
[23] محمد على آذرشب، “الإعلام والتقريب”، 29/3/2003، المقال متوافر على:
http://www.taghrib.org/arabic/nashat/esdarat/kotob/arabic/books/conference12-2/a-12-12-2.htm
[24] زكي الميلاد، “التقريب بين المذاهب الإسلامية – رسالة إلى عقلاء الأمة”، 18/7/2003، المقال متوافر على:
http://www.alwihdah.com/view.php?cat=1&id=228
[25] المصدر السابق.
[26] التقريب بين المذاهب الإسلامية، ملفات المعرفة 2008، موقع قناة الجزيرة:
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/E7664960-F221-4490-A5A6-BF0BBE83A8F2.htm
[27]حسن الصفار، “الوحدة الإسلامية ضرورة”، 3/7/2006، في مقابلة مع مجلة الحوار المغربية، متوافر على: http://www.saffar.org/?act=artc&id=541
[28] المصدر السابق.
[29] المصدر السابق.
[30] المصدر السابق.
[31] المصدر السابق.
[32] موقع مجمع الفقه الإسلامي الدولي: http://www.fiqhacademy.org.sa/
[33] فتوى خامنئى بتحريم سب الصحابة والخلفاء، 24/11/2006، من موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين:
http://www.iumsonline.net/articls/2006/11/12.shtml
[34] الدكتور/ يوسف القرضاوي: “نصيحتي للرئيس مبارك لا تمدد ولا تورث.. ولا تظلم ابنك بالحكم”، في حوار مع جريدة المصري اليوم بتاريخ 9/9/2008، متوافر على:
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=177870&IssueID=1158
[35] المصدر السابق.
[36] المصدر السابق.
[37] الشيخ القرضاوي يتحدث مجددًا إلى “المصري اليوم”، 25/9/2008، المقال متوافر على موقع الجريدة على الرابط التالي:
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=179816&IssueID=1174
[38] المصدر السابق.
[39] المصدر السابق.
[40] المصدر السابق.
[41] أحمد شلبى وآخرون، “القرضاوي يتهم إيران باستعمار العرب سياسيًّا”، المقال متوافر على موقع القرضاوي على الرابط التالي:
http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=6332&version=1&template_id=116&parent_id=114
[42] المصدر السابق.
[43] “آية الله تسخيرى يرد على تصريحات القرضاوي المثيرة للفتنة”، متوافر على موقع التقريب على الرابط التالي:
http://news.taghrib.org/news.php?action=fullnews&id=343
[44] المصدر السابق.
[45] المصدر السابق.
[46] المصدر السابق.
[47] “تسخيرى: الخلاف مع القرضاوي سحابة صيف لن تعود”، المقال متوافر على موقع الشيخ يوسف القرضاوي على الرابط التالي:
http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=6514&version=1&template_id=116&parent_id=114
[48] المصدر السابق.
[49] المصدر السابق.
[50] “الصفَّار يستنكر على القرضاوي تصريحاته الجارحة”، المقال متوافر على موقع الشيخ حسن الصفَّار على الرابط التالي:
http://www.saffar.org/index.php?act=artc&id=1639&hl=%CA%D5%D1%ED%CD%C7%CA%20%C7%E1%DE%D1%D6%C7%E6%EC
[51] المصدر السابق.
[52] المصدر السابق.
[53] “الشيخ الصفَّار: تصريحات القرضاوي استندت إلى مصادر خاطئة واستغلها المتعصبون”، حوار مع وكالة الأنباء القرآنية الإيرانية IQNA، الحوار متوافر على موقع الشيخ حسن الصفَّار على الرابط التالي:
http://www.saffar.org/index.php?act=artc&id=1656
[54] “علماء الشيعة تصدوا لادعاءات القرضاوي”، موقع الهيئة الإعلامية العليا لمكتب السيد الشهيد الصدر، متوافر على الرابط التالي:
http://www.alsadronline.net/news.php?action=view&id=93
[55] المصدر السابق.
[56] مصطفى عاشور، “آذرشب: نعم لمصالحة تثقف ولا تستفز”، حوار مع الدكتور محمد على آذرشب، متوافر على موقع إسلام أون لاين على الرابط التالي:
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1171431863284&pagename=Zone-Arabic-ArtCulture%2FACALayout
[57] المصدر السابق.
[58] المصدر السابق.
[59] حسن زاده، “القرضاوي وخطابه الطائفي”، 23/9/2008، وكالة الأنباء مهر الإيرانية، المقال متوافر على موقع الوكالة: http://www.mehrnews.com/ar/NewsDetail.aspx?NewsID=748805
[60] المصدر السابق.
[61] المصدر السابق.
[62] محمد أبو رمان، “التحريض الإيراني على الشيخ القرضاوي”، 25/9/2008، المقال متوافر على موقع الإسلام اليوم:
http://albainah.net/index.aspx?function=Item&id=24365&lang=
[63] صبحى عبد السلام، “إيران تتهم القرضاوي بمعاداة آل البيت والارتباط بالماسونية واليهود”، 23/9/2008، المقال متوافر على موقع جريدة المصريون الإلكترونية:
http://albainah.net/index.aspx?function=Item&id=24380&lang=
[64] داود الشريان، “المد الإيراني والقرضاوي”، 27/9/2008، جريدة الحياة اللندنية، متوافر على الرابط التالي:
http://albainah.net/index.aspx?function=Item&id=24320&lang=
[65] “مظاهر التغلغل الإيراني الشيعي في البلدان السنية”، 21/10/2008، موقع الحقيقة، متوافر على الرابط التالي:
http://albainah.net/index.aspx?function=Item&id=24687
[66] رضوة حسن، “العوا: القرضاوي لم يسيء إلى الشيعة”، المقال متوافر على موقع إسلام أون لاين على الرابط التالي:
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1165993967212&pagename=Zone-Arabic-News%2FNWALayout
[67] المصدر السابق.
[68] “سليم العوا ينفي تحركاته ضد القرضاوي بعد تصريحاته عن الشيعة”، الخبر متوافر على موقع قناة العربية:
http://www.alarabiya.net/articles/2008/09/22/57062.html
[69] المصدر السابق.
[70] فهمى هويدى، “أخطأت يا مولانا”، جريدة الدستور بتاريخ 21/9/2008، المقال متوافر على:
http://www.alwasatparty.com/modules.php?name=News&file=article&sid=8508
[71] المصدر السابق.
[72] فهمى هويدى، “الطائفة أم الأمة؟”، جريدة الدستور بتاريخ 25/9/2008، المقال متوافر على:
http://www.alwasatparty.com/modules.php?name=News&file=article&sid=8534
[73] المصدر السابق.
[74] “أحمد كمال أبو المجد يكتب في رسالة للشيخ القرضاوي حول فتنة السنة والشيعة”، متوافر على موقع إسلام أون لاين:
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1221720475835&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout
[75] المصدر السابق.
[76] طارق البشرى، “فتنة السنة والشيعة”، جريدة الدستور بتاريخ 27/9/2008، المقال متوافر على الرابط التالي:
http://www.alwasatparty.com/modules.php?name=News&file=article&sid=8546
[77] المصدر السابق.
[78] المصدر السابق.
[79] “ضياء رشوان: كلام القرضاوي عن الاختراق الشيعي مبالغ فيه..ولا يتسق مع التحولات التاريخية”، جريدة المصرى اليوم بتاريخ 25/9/2008، المقال متوافر على موقع الجريدة على الرابط التالي:
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=179817&IssueID=1174
[80] المصدر السابق.
[81] رفيق حبيب، “القرضاوي والشيعة”، جريدة الدستور،المقال متوافر على موقع الجريدة على الرابط التالي:
http://dostor.org/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=4779&Itemid=31
[82] المصدر السابق.
[83] إبراهيم البيومى غانم، “ليس مطلوبًا لا عقلًا ولا شرعًا أن نكون كلنا يوسف القرضاوي”، جريدة الدستور بتاريخ 1/10/2008.
[84] المصدر السابق.
[85] المصدر السابق.
[86] إبراهيم البيومى غانم، “ما خفي في بيان مجلس أمناء الاتحاد بالدوحة”، جريدة الدستور بتاريخ 4/11/2008، المقال متوافر على:
http://dostor.org/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=6969&Itemid=30
[87] المصدر السابق.
[88] إبراهيم البيومى غانم “انقلاب اتحاد علماء المسلمين على مناهج الوسطية والتقريب والأولويات”، جريدة الدستور بتاريخ 5/11/2008، المقال متوافر على:
http://dostor.org/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=7068&Itemid=30
[89] أحمد زيدان، “القرضاوي.. حان وقت رد الجميل”، جريدة المصريون الإلكترونية بتاريخ 20/9/2008، المقال متوافر على:
http://albainah.net/index.aspx?function=Item&id=24382&lang
[90] المصدر السابق.
[91] جمال سلطان، “المشروع الإيراني والمشروع الأمريكي”، جريدة المصريون الإلكترونية بتاريخ 27/9/2008، المقال متوافر على:
http://albainah.net/index.aspx?function=Item&id=24333&lang
[92] المصدر السابق.
[93] جمال سلطان، “الاختراق الإيراني للنخبة”، جريدة المصريون الإلكترونية بتاريخ 23/9/2008، المقال متوافر على:
http://albainah.net/index.aspx?function=Item&id=24284&lang
[94] جمال سلطان، “فهمى هويدى عندما يعظ القرضاوي”، جريدة المصريون الإلكترونية بتاريخ 22/9/2008، المقال متوافر على:
http://albainah.net/index.aspx?function=Item&id=24261&lang
[95] راشد الغنوشي، “كلنا يوسف القرضاوي”، المقال متوافر على موقع إسلام أون لاين على الرابط التالي:
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1221720120991&pagename=Zone-Arabic-ArtCulture%2FACALayout
[96] المصدر السابق.
[97] “الغنوشى: القرضاوي لم يتعاون مع جيوش الكفر ويسهل لها احتلال بلاد إسلامية”، جريدة المصريون بتاريخ 19/9/2008، المقال متوافر على الرابط التالي:
http://albainah.net/index.aspx?function=Item&id=24381&lang
[98] المصدر السابق.
[99] معتز الخطيب، “تصريحات القرضاوي وتهمة الطائفية”، جريدة المصريون بتاريخ 27/9/2008، المقال متوافر على الرابط التالي:
http://albainah.net/index.aspx?function=Item&id=24389&lang
[100] المصدر السابق.
[101] “المسباح: مكانة القرضاوي هدفًا للسهام المغرضة”، صحيفة الوطن الكويتية بتاريخ 18/12/2008، المقال متوافر على موقع الشيخ القرضاوي على الرابط التالي:
http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=6463&version=1&template_id=116&parent_id=114
[102] المصدر السابق.
[103] حازم فؤاد ومحمد عبد السلام، “كرستيان ساينس مونيتور ترصد اشتعال المعركة بين قراصنة السنة والشيعة على الانترنت”، المقال متوافر على موقع جريدة الدستور على الرابط التالي:
http://dostor.org/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=6201&Itemid=30
[104] المصدر السابق.
[105] محمد لشيب، “أكبر حرب إلكترونية طائفية بين السنة والشيعة تضرب العربية.نت”، المقال متوافر على:
http://lachyab.jeeran.com/archive/2008/10/696607.html
[106] بيان مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، 16/10/2008، موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين:
http://www.iumsonline.net/articls/2008/10/11.shtml
[107] ستار ناصر، “مهر الإيرانية تفصل مسئولًا أساء للقرضاوى”، 16/10/2008، المقال متوافر على:
http://www.alkhaleej.ae/portal/5802465f-d68a-4a3d-84b2-b76317f08b5a.aspx
[108] “تلاسن حاد بين القرضاوي ومراجع شيعية حول غزو المجتمعات السنية”، قناة العربية بتاريخ 18/9/2008، المقال متوافر على:
http://www.alarabiya.net/articles/2008/09/18/56829.html
[109] الشيخ يوسف القرضاوي، “ردًا على رسالة أحمد كمال أبو المجد: القرضاوي: لست داعية فتنة.. والتقريب بين المذاهب مشروط”، جريدة الدستور، المقال متوافر على الرابط التالي:
http://dostor.org/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=5144&Itemid=37
[110] “علماء شيعة يعبرون عن تقديرهم لتوضيح القرضاوي لتصريحاته”، جريدة الدستور، الخبر متوافر على:
http://dostor.org/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=3771&Itemid=30
[111] المصدر السابق.
[112] المصدر السابق.
[113] “وفد إيراني يعتذر للقرضاوى بالدوحة والأخير اشترط وقف المد الشيعي”، موقع قناة العربية، المقال متوافر على:
http://www.alarabiya.net/articles/2008/10/13/58162.html
[114] “إيران ترفض سب الصحابة”، جريدة الدستور، الخبر متوافر على:
http://dostor.org/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=5536&Itemid=30
[115] هبة زكريا، “دعوى شيعية تطالب بطرد القرضاوي من قطر!”، المقال متوافر على موقع إسلام أون لاين على الرابط التالي:
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1221720233227&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout
[116] “30 عالمًا يدينون هجوم مرجع شيعي على القرضاوي”، 18/12/2008، المقال متوافر على موقع القرضاوي على الرابط التالي:
http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=6516&version=1&template_id=116&parent_id=114
[117] “بيان جبهة علماء الأزهر في أزمة الدكتور يوسف القرضاوي”، 23/9/2008، متوافر على:
http://www.shareah.com/index.php?/records/view/action/view/id/1653/
[118] “علماء الجزائر يستنكرون هجوم الشيعة على القرضاوي”، الخبر متوافر على:
http://www.islamfeqh.com/News/NewsItem.aspx?NewsItemID=279
[119] “حملات التضامن مع القرضاوي تتصاعد في أنحاء العالم الإسلامي”، جريدة المصريون، 24/9/2008، المقال متوافر على:
http://albainah.net/index.aspx?function=Item&id=24386&lang
[120] المصدر السابق.
[121] المصدر السابق.
[122] “رابطة علماء سوريا المستقلة تدين الهجمة الإيرانية على القرضاوي” جريدة المصريون، 27/9/2008، المقال متوافر على:
http://albainah.net/index.aspx?function=Item&id=24391&lang=
[123] المصدر السابق.
[124] أحمد عبد الجواد، “القرضاوي: السنة بحاجة إلى مشروع نهضوي”، 27/9/2008، المقال متوافر على:
http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=6331&version=1&template_id=116&parent_id=114
[125] عبد العزيز عثمان التويجرى، “الأمية في العالم الإسلامي: قضية أمن قومي ووطني”، جريدة الحياة اللندنية، 7/9/2008، المقال متوافر على:
http://www.alwasatparty.com/modules.php?name=News&file=article&sid=8427

نشر في حولية أمتي في العالم، عدد 2009

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى