البعد الثقافي للشراكة الأوروبية-المتوسطية.. الدوافع، الأهداف، المسار: رؤية نقدية

بحث مقدم إلى المؤتمر الدولي: "نحو تفعيل التعاون الاقتصادي بين دول حوض البحر المتوسط"، القاهرة 20 - 22 نوفمبر 2004

مقدمة: إشكاليات ومقولات الدراسة

تمثل الشراكة الأوروبية المتوسطية مرحلة أساسية من مراحل تطور التوجه الجماعي الأوروبي نحو المتوسط (المتوسطية). ومن أهم خصائص هذه المرحلة ارتباط سياساتها المتوسطية بالبعد الثقافي إلى جانب البعدين التقليديين في السياسات المتوسطية الأوروبية، وهما البعد الاقتصادي والبعد السياسي. فبقدر ما تجدد الاهتمام بالعلاقة بين الثقافة والاقتصاد في عملية البناء الأوروبي وتوسيعه، بقدر ما برز هذا البعد الثقافي على صعيد التوجهات الخارجية للاتحاد الأوروبي.
ولقد برز وزن البعد الثقافي تحت تأثير محددات أوروبية وإقليمية وعالمية، ترتبط برؤية النخب الرسمية والقيادات الأوروبية الوطنية والجماعية للتغير الذي أصاب مصادر تهديد الأمن الأوروبي وسبل مواجهته، حيث اهتمت هذه النخب والقيادات بتصاعد وزن مصادر التهديد ذات الطبيعة الثقافية والحضارية، كما اهتمت هذه النخب والقيادات بسبل جديدة لمواجهة هذه التهديدات؛ نظرًا لما لها من تأثير مباشر على الأمن الأوروبي من ناحية؛ ونظرًا لتأثيراتها على نطاقات التعاون الأوروبي المتوسطي في مجال الاقتصاد والسياسة من ناحية أخرى.
وإذا كانت الشراكة الأوروبية المتوسطية قد تم إرساء قواعدها وتبلورت بعض سياساتها منذ 1995؛ أي قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تلك الأحداث التي فجرت الاهتمام الراهن بالأبعاد الثقافية الحضارية للعلاقات بين العالم الإسلامي والغربي، فإن هذا يعني أن الأبعاد الثقافية للعلاقات الأوروبية–المتوسطية قد فرضت نفسها قبل تداعيات هذه الأحداث. ولكن مما لا شك فيه أن مسار هذه الأبعاد الثقافية قد اكتسب زخمًا إضافيًا في إطار فورة الاهتمام بهذا النمط من التفاعلات الثقافية على صعيد ما يُسمَّى “الحرب الأمريكية ضد الإرهاب”.
ومن ثم، وانطلاقًا من الاعتراف بما أضحى عليه وزن الأبعاد الثقافية–الحضارية-القيمية من أهمية على صعيد الدراسات الدولية المعاصرة، وعلى ضوء الاهتمام بما احتلته هذه الأبعاد من مكانة في مسار التطور التاريخي للعلاقات بين العالمين الإسلامي والأوروبي؛ فإن هذه الدراسة تهتم بدراسة البعد الثقافي للشراكة الأوروبية المتوسطية للإجابة عن الأسئلة التالية:
1- ما هو المقصود بالبعد الثقافي، في الوثائق الأوروبية، وفي الرؤى العربية؟
2- ما هي الدوافع والمبررات الأوروبية وراء تضمين هذا البعد في الشراكة؟ وكيف تقوّم الرؤى العربية الناقدة له أو المرحَّبة به هذه الدوافع والمبررات؟ وكيف انعكست أحداث الحادي عشر من سبتمبر عليها؟
3- ما العلاقة بين البعد الثقافي والبعدين السياسي والاقتصادي في الشراكة الأوروبية –المتوسطية؟
4- ما هو دور هذا البعد الثقافي في تشكيل الطبيعة الخاصة للشراكة، بالمقارنة بالمراحل السابقة من تطور “المتوسطية”؟ (وذلك على ضوء المحددات المؤثرة على هذا التطور).
5- ما العلاقة بين هذا البعد وبين “حوار الثقافات” الذي يديره الاتحاد الأوروبي مع جنوب المتوسط وشرقه، قبل وبعد 11/9؟ وما هي رؤية المؤسسات الأوروبية الجماعية لأهداف هذا الحوار وعلاقته بالمصالح السياسية والاقتصادية الأوروبية؟
6- ما هي آليات ووسائل تطبيق وتنفيذ البعد الثقافي للشراكة؟ وكيف تتم استجابة الأطراف العربية سواء الرسمية أو المدنية والفكرية لهذه الآليات والوسائل؟
7- ما هي أهم مجالات الانتقادات العربية الموجَّهة لأهداف وغايات البعد الثقافي للشراكة؟ وما تقديرها لعواقبه بالنسبة للتوجهات المقارنة: المتوسطية، الشرق أوسطية، العروبية، الإسلامية…؟
ومن ثم تهتم الدراسة بمعالجة محاور ثلاثة كبرى:

أ- البعد الثقافي: الدوافع والمبررات في إطار الشراكة كمشروع أوروبي استراتيجي، وفي إطار التحالف الدولي ضد الإرهاب.
ب- آليات وسُبل إدارة البُعد الثقافي: من “حوار الثقافات” إلى “مشروعات التعاون” في مجالي الثقافة والتعليم: الدلالة بالنسبة للتعاون السياسي والاقتصادي.
ج- رؤى واتجاهات نقدية للمسار والعواقب: مصادر التهديد ذات الطبيعة الثقافية للأمن العربي والهوية العربية الإسلامية: بين مؤشرات الواقع ودلالة خبرة التاريخ.

إن الإجابة عن الأسئلة السابق طرحها، في نطاق معالجة المحاور الثلاثة، إنما تنطلق من ملامح الجدال العام بين التيارات الفكرية والسياسية الكبرى حول الشراكة الأوروبية–المتوسطية، حيث إن هذا المشروع وخاصة فيما يتصل ببعده الثقافي، لم يتحقق له حتى الآن توافقًا أو رضاءً عربيًا عامًا حول أهدافه وغاياته وعواقبه. وينبني هذا الجدال على اختلاف منطلقات كل من هذه التيارات حول إشكاليات العلاقة بين الثقافة والسياسة والاقتصاد، وهي الإشكاليات التي تطرح أنماطًا متنوعة من العلاقة بين المتغير المستقل والمتغير التابع من ناحية، وكذلك أنماطًا متنوعة من التفاعلات الثقافية (التثاقف، النقل، الاستيعاب..) من ناحية أخرى.
ومن ثم؛ فإن محاور الدراسة تستثير مقولات نظرية حول هذه الإشكالية، تستند إليها وتنطلق منها معالجة الوقائع والأحداث والتفاعلات. كما ستتضمن هذه المحاور –بقدر ما يتطلبه التحليل- استدعاءً لخبرات تاريخية على نحو يعمّق من فهم مغزى الواقع الراهن.
وعلى ضوء كل ما سبق، فإن المقولة الأساسية للدراسة، والتي تسعى لاختبارها هي أشبه بعملة ذات وجهين:
الوجه الأول من المقولة يتلخص كالآتي: البعد الثقافي في الشراكة –بمعنى الحوار المشار إليه في بنود الشراكة- لا ينفصل عن الأبعاد السياسية والاقتصادية، بل إن التقدم على صعيد هذه الأبعاد (من المنظور الأوروبي وبما يحقق المصالح الأوروبية) يتأثر بحالة البعد الثقافي (من حيث ما يمثله من مصادر تهديد للأمن الأوروبي)؛ ومن ثم يفترض التقدم المسبق على صعيد الحوار الثقافي، في حين أن التقدم على صعيد الاقتصاد والسياسة في العلاقات الأوروبية العربية (من منظور المصالح العربية) هو المحك لتحقيق التقدم على صعيد الحوار الثقافي.
أما الوجه الثاني من العملة فيتلخص كالآتي: “المتوسطية” هي دائرة من الدوائر التي حاولت -ومازالت تحاول- أن تجذب إليها العلاقات الدولية العربية، وعلى نحو يقطع توجه هذه العلاقات نحو الدائرة العربية والإسلامية؛ أي على النحو الذي يهدد الهوية العربية الإسلامية للمنطقة تحت دعاوى تحقيق المصالح الاقتصادية، في نفس الوقت الذي تشهد فيه هذه الهوية تحديات هامة بقدر ما تشهد المصالح العربية الاقتصادية والسياسية تحديات لا تقل خطورة.
ومن ثم؛ فإن هذه المقولة –ذات الوجهين- إنما تعني بإيجاز أن تفعيل أطر التعاون السياسي والاقتصادي لابد وأن ينطلق من احترام تعدد الثقافات على جانبي المتوسط.

أولًا- لماذا البعد الثقافي في مشروع الشراكة الأوروبية المتوسطية؟ وما هي الإشكاليات المعرفية والفكرية لخريطة مكوناته؟

بالنظر إلى تطور توجه الجماعة الأوروبية نحو المتوسط، وبالنظر إلى تطور مضمون سياستها المتوسطية السابقة(1)، فإن البعد الثقافي الاجتماعي قد حاز في مشروع الشراكة ما لم يحرزه من قبل، ألا وهو النص عليه في بند مستقل تتلخص ديباجته كالآتي: أن المشاركين يكررون الاعتراف بأن تقاليد الثقافة والحضارة في حوض المتوسط، والحوار بين هذه الثقافات، والتبادل على صعيد الإنساني والتكنولوجي والعلمي، تمثل ضرورة للتقريب بين الشعوب وتشجيع التفاهم بينهم وتحسين الإدراك المتبادل بينهم، وافقوا على إقامة شراكة في الشئون الثقافية والاجتماعية والإنسانية.
وبالرغم من الربط في النص بين الثقافي والاجتماعي والإنساني، إلا أن الدراسة تقف عند الثقافي بدرجة أساسية.
مثَّل هذا البروز الجديد للبعد الثقافي (غض النظر الآن عن مضمونه) تغيرًا هامًا في الخطاب الجماعي الرسمي الأوروبي نحو المتوسط استدعى التوقف عنده لدراسته ليس لأهميته فقط، ولكن لغموضه أساسًا، حيث إنه كان –عند الإعلان عن ميثاق برشلونة- الأقل نصيبًا من الإعداد والتحديد من جانب الأجهزة الرسمية الأوروبية والعربية على حد سواء، ومن ثم كان الأكثر عُرضةً لتكييفات مختلفة حول مضمونه وأهدافه، وذلك من جانب الدوائر غير الرسمية.
إذن ما مغزى ظهور هذا البعد وما أهمية دراسته؟ ولماذا وصف بالغموض فور الإعلان عن الشراكة؟ وكيف يمكن لنا استجلاء بعض أوجه هذا الغموض؟

(1) إن النص على هذا البعد في إعلان الشراكة إنما يعكس تطورًا في تقويم الاتحاد الأوروبي لمقترباته المتوسطية. ويعكس هذا التطور بدوره أمرين:
من ناحية: التطور في الإدراك الجماعي الأوروبي لمصادر تهديد الأمن الأوروبي النابعة من المتوسط في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. فيتضح من تحليل تراكمي لوثائق أوروبية عدة خلال إعداد سياسة متوسطية جديدة (1989- 1993) أن هذه المصادر ليست مصادر تقليدية لتهديد الأمن –بمعناه الضيق- ولكن تتسع لتضم كل ما يتصل بتهديد الأمن بمعناه الشامل؛ أي تتصل بأوضاع ونواتج عدم الاستقرار والاستبداد السياسي والتدهور الاقتصادي والاجتماعي في دول جنوب المتوسط: أي الهجرة والعنف والأصولية وتداعياتها على المجتمعات والنظم الأوروبية.
ومن هنا، كان بروز الأبعاد الاجتماعية الثقافية بين مصادر التهديد للأمن الأوروبي. وهو التهديد الذي لا يقتصر على المصالح الأوروبية المختلفة في جنوب المتوسط وشرقه، ولكنه التهديد الذي يتبلور أيضًا على صعيد المجتمعات والنظم الأوروبية ذاتها. وذلك نظرًا للتزايد –وفق الإحصائيات- في الوجود المسلم في أوروبا. وهو الأمر الذي يثير كثيرًا من الإشكاليات حول إمكانيات إدماج هذا الوجود في هذه المجتمعات، أو حول إمكانيات تأثيره على هذه المجتمعات ذاتها(2). ولذا فإن بعض الباحثين تحدثوا عن الإسلام في الغرب، وليس فقط عن العلاقة بين الإسلام والغرب(3).
ومن ناحية أخرى: يعكس بروز هذا البعد الثقافي/ الاجتماعي في الاهتمامات الأوروبية الجماعية الخارجية جزءًا من ظاهرة أكبر وأشمل. فإن التطورات العالمية والوطنية قد أفرزت، في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وفي إطار تشكيل نظام عالمي جديد، أفرزت اهتمامًا عارمًا على صعيد الفكر وعلى صعيد الحركة بالأبعاد الثقافية الاجتماعية للتفاعلات الدولية يفوق ما كانت تحوزه من قبل. ولعل الأدبيات النظرية المتنامية –ولو من زوايا عدة- حول العولمة، وتداعياتها على الأصعدة المختلفة تعد أبرز علامات هذا الاهتمام، ناهيك عن جدال المنظورات الفكرية والسياسية المختلفة حول ماهية هذه الأبعاد ووضعيتها في مجال دراسة العلاقة بين الشمال والجنوب، ومن ثم فإن اهتمامنا بهذا البعد من الشراكة إنما يتم على ضوء سياق أكبر محيط به؛ سواء على الصعيد الأكاديمي أو على الصعيد السياسي العملي. ومحور هذا السياق هو العولمة وجدالاتها المختلفة، ومن أكثرها بروزًا –على الصعيد الثقافي الحضاري- الجدال حول: حوار حضارات وثقافات أم صراع بينها(4).
وتقدم الأدبيات التي تحتفي بالمدخل الثقافي لدراسة العلاقات الدولية مقولات وأطرًا نظرية تهتم بتحديد وضع المتغير الثقافي بين المتغيرات الأخرى المؤثرة على العلاقات عبر القومية وعبر الإقليمية؛ سواء التعاونية منها أو الصراعية: كيف يصبح المتغير الثقافي مصدرًا من المصادر الرئيسية للصراع أو التعاون؟ هل الاختلافات الثقافية في حد ذاتها تكون محركًا للصراعات؟ كيف تؤثر موازين القوى على نمط التفاعلات الثقافية السائد (تثاقف، نقل، فرض، استيعاب، اندماج….)؟ وكيف تخدم الأداة الثقافية السياسيات والعلاقات الاقتصادية للأطراف المختلفة من حيث موازين القوى؟ وهل دعم الحوار الثقافي بين الشعوب من شأنه أن يدعم من فرص إيجاد تسويات الصراعات ودفع سبل التعاون من أجل التنمية الشاملة؟(5)
كما تهتم الأدبيات النظرية من ناحية أخرى –بتكييف وضع نموذج الشراكة بين نماذج التعاون الإقليمي وعبر الإقليمي، ومدى تعبيره عن حالة اعتماد متبادل بين شمال وجنوب المتوسط، أم تبعية أم إقليمية جديدة؟
كما تهتم هذه الأدبيات من ناحية ثالثة: بإشكالية التغيير في الأبعاد الثقافية ومدى سرعة هذا التغير أو السيطرة عليها، ومن ثم مدى قدرة الحوار الثقافي والتعاون الثقافي المشترك في إحداث تغييرات ثقافية مطلوبة لدعم فرص التعاون بين جانبين مختلفين في الثقافة والإرث التاريخي.

(2) أحاط بدراسة هذا البعد -عند الإعلان عن ميثاق برشلونة- الغموض، نظرًا لتعقد وتداخل مكوناته على الصعيد النظري، ناهيك عن غموضه في المنظور الأوروبي الرسمي أو غير الرسمي، وكذلك في المنظور العربي بدوائره المختلفة، لحداثة الممارسة من حوله، على عكس البعدين السياسي والاقتصادي اللذين وقعا دائمًا في جوهر السياسات المتوسطية الأوروبية تجاه جنوب المتوسط، وفي جوهر علاقات التعاون الرسمي الأوروبي/ العربي. ويمكن أن يتضح لنا الغموض –على الصعيد النظري- من واقع طرح مجموعات من الأسئلة حول خريطة مكونات هذا البعد الثقافي، كما تتصورها الدراسة، ووفق التسلسل التالي:
أ) ما هو البعد الثقافي؟ هل يُقصد به المعنى الحرفي الضيق: أي أسلوب الحياة، الفنون، الأدب، المعمار، اللغات، المأكولات، الخصائص السلوكية؟ أم المعنى الأوسع الذي يمثل الإطار الكلي الذي يحيط بالسياسة والاقتصاد والمجتمع، والذي يتصل بالتاريخ والتراث وبالمعرفة والعلوم وبالدين؛ أي الذي يتصل بمكونات وخلفيات البعد الفكري العميق، ومن ثم فهو يثير أمورًا أخرى مترابطة: النسق المعرفي، المنظومة القيمية، الإطار المرجعي، المنظور، الهوية؟ إذن أي هذين المستويين الأكثر استعدادًا لتقديم أدلة على وجود قواسم مشتركة من عدمه، بين ثقافة أو ثقافات كل من شمال المتوسط وجنوبه؟ ومن ثم إمكانيات الحوار أو الصراع وما بينهما؟
ب) من الفاعل؟ ومن المستهدف في حوار ثقافي؟ أو تعاون ثقافي.. هل الحكومات أم النخبة المثقفة والأكاديمية، أم أجهزة الإعلام، أم مؤسسات المجتمع المدني، أم المواطن العادي؟ وهل بمبادرات على المستويات الوطنية، أم جماعية بين ضفتى المتوسط؟
ج) ماهي آلية إدارة البعد الثقافي: مبادلات وتعاون أو استهلاك وفي أي اتجاه؟ أم حوار أو مواجهة، وبين من؟ وكيف؟ وما المآل؟ وما هي شروط النجاح أو الفشل؟
ء) ما الغاية من إدارة البعد الثقافي؟ وهنا تكمن معضلة العلاقة بين الأنا والآخر، بين الخصوصية والعالمية، فهل الغاية (من جانب طرف واحد أو الطرفين): اكتشاف أن هناك مجرد رابطة متوسطية أو أن هناك مجرد ثقافة متوسطية؟ أم تأكيد أن هناك ثقافة تتجه للتغلب على الأخرى وتذويبها؟ أم أن هناك حاجة للحوار القائم على الانفتاح والنقد الذاتي في ظل إدراك متبادل بالخصوصيات الثقافية، وصولًا إلى درجة أفضل من الفهم المتبادل –كأساس لتعاون أفضل؟ وأي هذه البدائل الثلاثة أكثر مصداقية في ظل أوضاع خلل ميزان القوى الشامل بين شمال المتوسط وبين جنوبه؟
بعبارة أخرى، تشير التساؤلات السابقة إلى بدائل ثلاثة يمكن أن تنقسم بينها أشكال العلاقة بين طرفين على الصعيد الثقافي: نقل واستهلاك ثقافات، هيمنة ثقافة على أخرى، حوار بين ثقافات. ومما لا شك فيه أن هذا التعبير البسيط عن هذه البدائل في هذا الموضع –حيث لا محل لتفصيل أكبر- لا يكاد يترجم حقيقةَ ضخامةِ وأهمية الجدل الذي تزخر به ساحة الثقافة والفكر في الدول العربية والإسلامية –ومنذ بداية القرن العشرين على الأقل- حول العلاقة مع “الآخر” ثفاقيًا وفكريًا: تشخيصًا وتعليلًا، قبولًا أو رفضًا، وهو الجدل الذي ثار بين اتجاهين: اتجاه التحديث بالأخذ عن الغرب، والاتجاه الذي حذر من خطورة الاستيعاب الثقافي والحضاري في منظومة الغرب.
هـ) ما العلاقة بين الثقافي، وبين السياسي والاقتصادي في العلاقة بين طرفين؟ هل حالة البُعد الثقافي (صدام أم حوار وتفاهم) تؤثر على إمكانيات التعاون السياسي والاقتصادي، أم يمكن القول بالعكس: إن عدم التكافؤ السياسي والاقتصادي بين طرفين لابد وأن يلقي بظلاله على حالة البعد الثقافي في العلاقة (هيمنة ثقافية من الطرف الأقوى ماديًا، ورفض وتمسك بالخصوصية الثقافية كأحد خطوط الدفاع من جانب الطرف الأضعف)؟ بعبارة أخرى، فإن شقي السؤال السابقين المتعارضين إنما يطرحان مدى مصداقية الاعتماد على الاقتراب الثقافي الاجتماعي لإعادة تشكيل مسار العلاقة بين طرفين غير متكافئين في القوة: فهل سينتج عن الحوار والتفاهم المتبادل تغيرًا في سياسات الطرف الأقوى لصالح مطالب الطرف الأضعف أم ماذا؟ أم هل المطلوب مجرد دفاع الطرف الأضعف عن صورته المدركة من جانب الطرف الأقوى؟
و) هل حالة البُعد الثقافي الراهن للعلاقات العربية- الأوروبية تؤثر على إمكانيات نجاح مشروع الشراكة في تحقيق أهداف الطرف الأوروبي المبادِر به، وأهداف الطرف العربي المستجيب له؟ وهي الحالة التي توصف بالتبعية الثقافية، الغزو الثقافي، الغزو الفكري، تشويه الغرب للنموذج الحضاري الإسلامي، التغريب؟ وفي المقابل، وفي نفس الوقت الذي تدعو فيه أوروبا في مشروعها للشراكة إلى حوار الثقافات، يفرز الفكر الغربي الانجلوساكسوني فكرة صراع الحضارات التي تبارت حولها المجادلات قبولًا أو رفضًا أو نقدًا. فهل هذه الدعوة الأوروبية تعني أن هناك حاجة من منظور أوروبا –ليس لتغيير هذه الحالة- ولكن لتغيير الصورة العربية عنها؟ أم تعني أن أوروبا هي التي في حاجة لأن تغير صورتها وإدراكها عن العرب؟
وماذا عن الجانب العربي؟ ما الفرصة التي يقدمها له هذا الحوار؟ أم أن الشراكة في نظر البعض –على الجانب العربي- تحمل في ذاتها وفي طياتها تعميقًا للحالة القائمة وليس تغييرًا لها باعتبارها، أي الشراكة، ليست إلا وسيلة من وسائل دمج المنطقة العربية في منظومة العولمة بأبعادها المختلفة وليس الثقافية فقط، وإن كانت الأخيرة تعني هيمنة الثقافة الغربية؟ وبعبارة موجزة: هل هناك إمكانيات لحوار ثقافي حقيقي؟ أم أن معطيات الصراع بتداعياته المختلفةِ المسميات، بصفة عامة، وفي بعده الثقافي، بصفة خاصة، هي الأكثر حضورًا؟
ومما لا شك فيه، أن الاهتمام بهذا الموضوع في أعقاب تدشين مشروع الشراكة في 1995، لم يتوافر له من خبرات التطبيق والممارسة التي تتوافر الآن عند تناول هذا الموضوع بعد عقد من الزمان تقريبًا؛ حيث إن تراكم هذه الخبرات، ناهيك عن الزخم الذي أصاب الاهتمام بالبعد الثقافي للتفاعلات الدولية خلال هذا العقد يساعد على مناقشة مدى مصداقية الأسئلة التي تبنى عليها الدراسة ومدى مصداقية مقولاتها الأساسية.
ولقد سبق أيضًا طرح هذه الإشكاليات مع بداية مشروع الشراكة، وفي ظل بؤرة الاهتمام به عقب مؤتمر برشلونة. ولكن كانت تجري –عندئذ- مناقشة نظرية لاحتمالاتها، وذلك باستدعاء طبيعة الإطار الأوسع للقضية؛ أي إطار العلاقة بين الثقافة العربية الإسلامية وبين الثقافة الغربية من ناحية، وعلى ضوء نماذج من الاتجاهات المتنوعة –العربية والأوروبية- التي تعاملت مع تلك الإشكاليات من ناحية أخرى(6).
هذا، ولم تُضِف خبرة العقد الماضي (1995- 2004) إلى زخم تطبيقات البعد الثقافي للشراكة فقط، ولكن أضافت أيضًا إلى دوافع ومبررات الاتحاد الأوروبي للاهتمام بهذا البعد، وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وعمقت منها وعلى نحو غير مسبوق. حقيقةً كان الاتحاد الأوروبي أسبق من الولايات المتحدة من حيث الاهتمام بمصادر التهديد للأمن ذات الأبعاد الثقافية والاجتماعية، والنابعة من جنوب المتوسط وشرقه، إلا أن دراسة التوجه الجماعي الأوروبي -والتوجهات الوطنية- نحو أسباب أحداث الحادي عشر من سبتمبر ومبرراتها وعواقبها(7)، لتبين عمق ما أضحى يمارسه البعد الثقافي (المقصود هنا الرؤية لوضع الإسلام والمسلمين بصفة خاصة) من تأثير على صياغة السياسات الأوروبية الجماعية والوطنية تجاه جنوب المتوسط وتجاه مسلمي أوروبا، فلم تقصر هذه التوجهات الجماعية والوطنية مصادر الإرهاب على الأبعاد السياسية والاقتصادية المتدهورة في جنوب المتوسط، ولكن ربطته أيضًا –بدرجة أكبر من الوضوح- بالأبعاد الثقافية.
وهو الأمر الذي كان من شأنه الزيادة المتسارعة في مشروعات التعاون الثقافي مع جنوب المتوسط وخاصة في مجال التعليم، وفي مبادرات الحوار الثقافي تجاهه، وفي تقنين الاتحاد الأوروبي لمنظومة القيم التي يجب على دول المتوسط مراجعتها أو تبنيها، وفي مراجعات قضية الهوية والاندماج في المجتمعات الأوروبية ذاتها.
وإذا كان الإسلام حاضرًا– غائبًا في تحركات ما قبل الحادي عشر من سبتمبر، فلقد أضحى ظاهرًا وفي قلب هذه المجالات السابق الإشارة إليها؛ حيث أضحى البعد الثقافي للشراكة هو أحد أذرع أوروبا في الحرب على الإرهاب، ولكن وفقًا لاستراتيجية الاتحاد الأوروبي، القائمة على ضرورة مكافحة جذور الإرهاب بالسبل المتنوعة؛ ومنها الثقافية (وفي تعاضدها مع السبل السياسية والاقتصادية)، وعدم الاقتصار على محاربة قوى الإرهاب فقط، حيث إن تلك الأخيرة ليست إلا تجليات لجذور وأسباب كامنة وظاهرة على حد سواء.

ثانيًا- آليات وسبل إدارة البعد الثقافي في الشراكة: المغزى والآثار

عقب مؤتمر برشلونة، ظل الغموض يحيط لفترة بالمقصود بالبعد الثقافي، وكما سبق الإشارة لم يَحُذْ أيضًا هذا البعد منذ البداية نفس قوة الدفع التي حظيت بها الأبعاد الأخرى في مشروع الشراكة، وخاصة البعد الاقتصادي(8).
هذا وكان البعد الثقافي قبل برشلونة يعتبر مجرد واحد من مجالات التعاون المتعددة التي يديرها الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن تبني الاتحاد الأوروبي مفهومًا ضيقًا للتعاون الثقافي عبر المتوسط، والذي انحصر أساسًا في مجالات التراث الثقافي المشترك والترجمة. ولكن مع الإعلان عن مشروع الشراكة في برشلونة انتقل الاتحاد الأوروبي إلى مفهوم أوسع وأكثر شمولًا لقضايا التعاون الثقافي عبر المتوسط، ولقد عبرت وثيقة المشروع عنه بوضوح حين دعت –كما سبقت الإشارة- إلى حوار الثقافات من أجل تفاهم متبادل.
ولقد توالى اهتمام القمم الأوروبية المتوسطية المتعاقبة مالطا (1997)، شتوتجارت 1999، شتوتجارت (2001)، شتوتجارت (2003) بتشجيع هذا الحوار من ناحية، وبتوسيع دائرة التعاون الثقافي لتتخطى دائرة الحكومات المركزية إلى دائرة اللامركزية، من خلال التأكيد على التعاون فيما بين المؤسسات بين الدول وداخلها(9) ولذا فإن الاتحاد الأوروبي قد تحرك على صعيدين متوازيين لدعم البعد الثقافي:
الأول- يتمثل في دعم المبادرات من أجل الحوار بين الثقافات والحضارات والأديان، على مستوى النخب، والحكومات. وهو الدعم الذي وصل مؤخرًا إلى تكوين المؤسسة الأوروبية– المتوسطية لحوار الثقافات، والتي اتخذت لها مقرًًا الإسكندرية؛ وذلك بعد سلسلة من الحوارات التي بادرت بالدعوة إليها وتنفيذها المؤسسات الأوروبية(10).
الثاني: يتمثل في مشروعات مشتركة للتعاون الثقافي مثل مشروع ميدكامبس Medcampus ومشروع ميد مديا Med media، وتمبيس Tempus(11).
وبناء على مضمون تقرير أعدته مجموعة استشارية عليا (تكونت بمبادرة من رئيس المفوضية الأوروبية السابق رومانو برودي 2002) تحت عنوان الحوار بين القوى والثقافات في منطقة الأورومتوسطية(12) يتضح مدى الزخم الذي أضحى يتمتع به الموضوع؛ فعقب ندوة عن الحوار الثقافي في بروكسل في مارس 2002 ارتأى رئيس المفوضية ضرورة إعادة التفكير في هذا الحوار وكيفية تفعيله وفق استراتيجية محددة، ولقد أوصى التقرير بتكوين مؤسسة الأورومتوسطية لحوار الثقافات، وهي المؤسسة التي تأسست بناء على قرار مؤتمر وزراء خارجية الأورومتوسطية في ديسمبر 2003. وتأكيدًا على أهمية وضع الحوار في الفضاء الأورومتوسطي كما ينص التقرير أن هذا الحوار لا يمكن أن يظل عنصرًا ثانويًا يعتمد على العناصر الأخرى في عملية برشلونة، ولكنه يجب أن يمتد ليتجاوز حدود نطاقه الخاص وليصبح عنصر تقاطع وتداخل يربط بين جميع أوجه العلاقات الأورومتوسطية. وبذا فلقد بدأ مع قرار تكوين المؤسسة في قمة يونية 2004 الأوروبية مرحلة جديدة في الحوار- علينا الانتظار لتقييم نتائجها على ضوء القواعد والأسس التي نص عليها هذا التقرير. ومن ناحية أخرى: فإن هذا التقرير قد ربط بوضوح وعلى نحو غير مسبوق بين دوافع الحوار النابعة من مشكلات الهوية سواء على صعيد شمال أو جنوب المتوسط ولذا فلقد ظهرت قضية الهجرة إلى أوروبا في صميم اهتمامات هذا الحوار.
وبدون إمكانية الدخول في تفاصيل هذه المشروعات وهذه المبادرات، يمكن التوقف عند تقديم نماذج رؤى –من جانبي المتوسط- تتنوع اتجاهات تقييمها لآثار ولدلالات البعد الثقافي في الشراكة بصفة خاصة ومآل وآثار مشروع الشراكة بصفة عامة وآثاره على مستقبل المنطقة العربية وتساعد هذه الرؤى، التي ينطلق معظمها من خبرات تجارب حوار الثقافات المتوسطية الأوروبية، على بيان حالة عدم التوافق وعدم الرضاء الفكري العام، حتى الآن- حول هذا الموضوع، مما يعني في جانب كبير منه أن المتوسطية –كتوجه- ما زالت تتنازعها توجهات كبرى أخرى مثل الشرق أوسطية، والنظام العربي، والدائرة الإسلامية ويمكن تقسيم هذه الرؤى بين مجموعات من الاتجاهات التي تبلور كل منها خلال العقد المنصرم منذ تدشين الشراكة. هذا وتجدر الإشارة أنه قبل الحادي عشر من سبتمبر كان البعد الثقافي للشراكة –وخاصة فيما يتصل بالحوار- يتسم بخصوصيته، ومع فورة مبادرات الحوارات وتناميها عقب الحادي عشر من سبتمبر، لم يعد تناول هذا البعد منفصلًا عن قضية حوار الثقافات والحضارات بصفة عامة.
وتنقسم المواقف من البعد الثقافي وعلاقته بالأبعاد الأخرى للشراكة بين الاتجاهات التالية:
الاتجاه الأول- الحوار شرط ضروري مسبق لنجاح التعاون السياسي والاقتصادي الأوروبي-متوسطي
وإذا كان ميثاق برشلونة لم يُقِم علاقة بين أبعاده الثلاثة، إلا أن نخبًا فكرية وأكاديمية أوروبية، وكذلك مؤسسات أوروبية جماعية، سارعت عقب مؤتمر برشلونة –وما قبله- في تحديد أبعاد هذه العلاقة، وانطلقت بعضها من كون الحوار هو السبيل لدعم الفهم المتبادل الذي يمثل أساسًا لنجاح العلاقات السياسية والاقتصادية بين جانبي المتوسط. وهذا الاتجاه ينطلق من ضرورات تحقيق المصلحة المشتركة المتوسطية، أي من “المتوسطية” كمشروع سياسي لتحقيق أهداف أوروبية؛ لمواجهة مصادر تهديد الأمن ذات الطبيعة الثقافية: تتلخص مقولات هذا الاتجاه في الآتي(13):
* الرؤى السياسية الضيقة لا تسمح بمعالجة المشاكل الحقيقية بين جانبي المتوسط، والتي تكمن في معطيات معقدة وصراعية متداخلة.
* إمكانية تخطي التهديدات للأمن من خلال مشروع يقع في قلبه الحوار الثقافي؛ لأن مصدر هذه التهديدات ذو طبيعة ثقافية.
* لن يتحقق الفهم المتبادل إلا من خلال تجاوز التاريخي والديني، ومن خلال حوار الصفوات الفكرية والمدنية وليس القيادات الرسمية فقط، ومن خلال التغلب على الأحكام المسبقة المتبادلة والمتراكمة عبر التاريخ.
* الحوار الثقافي لا غنى عنه لتحقيق الأهداف الاقتصادية والأمنية المختلفة، ويدعم هذا الحوار “رؤية إيجابية للاختلاف”.
ولقد راكم على هذه الرؤى المبكرة رؤى أخرى اجتهدت بدورها لبيان شروط نجاح الحوار من وجهة النظر الأوروبية(14)، وعلى رأسها نسيان التاريخ والقفز عليه بإغلاق الملفات السوداء، والتسامح تجاه الآخر مع إدراك حقيقة متطلبات سياسات القوى، تجاوز صعوبات اختلافات اللغة ودلالة الصور النمطية الدينية والثقافية، تغيير ما يمكن تغييره من القيم السلبية، علاج مخاوف أوروبا من الهجرة إليها المتصلة بالإسلام، الإلحاح في فهم أوروبا للشرق العربي والمسلم ليس كمصدر تهديد أو غزو، إعادة تأكيد الذات تمثل شكلًا من أشكال المقاومة العربية ولكن يجب ألا تتضمن رفض الآخر، كما يجب أن تتضمن نقدًا للتاريخ واستدعاء للخبرات الإيجابية فيه وعدم الاقتصار على الخبرات التاريخية السلبية الصراعية. ذلك لأن الوقوع في أسر التاريخ والماضي هو أسوأ الطرق لغلق سبل الحوار، ومن ثم فإن معركة المستقبل إنما تجري على ساحة الماضي، ولذا يجب تجنب توظيف الماضي في المعارك السياسية الخارجية، ونظرًا لأن ثقافة ما لا تنتج حضارة بدون الاحتكاك بثقافات أخرى، فإن الإسلام سيتحسن بالاتصال مع الذين يحترمونه، وعلى العكس، فإنه ما أن يشعر بالقهر أو التهميش سيزداد تشددًا ويترك العنان للحديث عن المظالم التي تقع عليه.
هذا ويمكن القول إن الدوائر الرسمية العربية (والمصرية بصفة خاصة)(15) التي تقوم على إدارة مفاوضات الشراكة وتنفيذ اتفاقياتها قد نظرت أيضًا إلى البعد الثقافي في اتصاله بالبعد الاجتماعي– الإنساني، ومن ثم اهتمت بحقوق المواطنين العرب والمصريين العاملين في دول الاتحاد الأوروبي والمقيمين بصفة شرعية كما اهتمت بالتراث الثقافي المصري وتنقية كتب التاريخ، وذلك إلى جانب اهتمامها بالحوار الثقافي لتحسين الفهم المتبادل وتصحيحه باعتباره سبيلًا لتحسين فرص التعاون السياسي والاقتصادي.
ولذا، وأمام النواقص في منهج إدارة الحوار، حيث تغلب الرؤى الدفاعية الاعتذارية التبريرية عن الإسلام والمسلمين، تصدت الكثير من الرؤى لتوضيح شروط تفعيل الحوار لتحقيق المصالح العربية (كما سنرى لاحقًا).
الاتجاه الثاني: عدم تحقيق الحوار الثقافي بين شمال وجنوب المتوسط لأهداف جنوب المتوسط ومصالحه، وذلك تحت تأثير حقائق اختلال توازن القوى والمصالح، وتحت تأثير اتجاه الثقافة الغربية للهيمنة، وفي ظل خبرة الإرث التاريخي للعلاقات الأوروبية- الإسلامية، ومن ثم لا يعتبر هذا الاتجاه أن بإمكان الحوار الثقافي أن يدفع من فرص التعاون السياسي والاقتصادي لتحقيق مصالح مشتركة، حيث إنه مجرد سبيل في يد أوروبا لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية في المنطقة لتقليص مصادر التهديد للأمن الأوروبي –ذات الطبيعة الثقافية- النابعة من الهجرة أو من الأصولية، كما أنه من ناحية أخرى ليس إلا وسيلة لتحقيق الهيمنة الثقافية على جنوب المتوسط وشرقه من أجله، وفصله عن دائرته الحضارية العربية الإسلامية.
ومن الواضح أن هذا الاتجاه الذي تناوله بالشرح من زوايا متنوعة تيار واسع من الأدبيات –العربية، والغربية قبل وبعد الحادي عشر من سبتمبر- إنما يرتكز على ثلاثة مقومات أساسية: وقائعية، معرفية، تاريخية، شكلت جميعها التوجه المتشكك في دوافع الحوار وآفاقه المستقبلية، والناقد لآثاره السلبية على المصالح العربية.

وتتلخص المقولات الكبرى لهذا الاتجاه في روافد ثلاثة على النحو الآتي:
من ناحية- أن الحوار بين الثقافات الأورومتوسطية يندرج في إطار معرفي واسع يتصل بالعلاقة بين الأديان والحضارات في حوض المتوسط، وهو إطار أعمق وأقدم مما يطرحه البعد الثقافي للشراكة. ويعكس هذا الإطار وجود فجوة بين جانبي المتوسط على الصعيد الثقافي بمعناه الواسع، وهو الأمر الذي يدفع للقول إنه بالرغم من مقتضيات العولمة الاقتصادية والسياسية، إلا أنه لا يمكن فرض نسق عالمي واحد للقيم، بل ينبغي مراعاة الخصوصية الثقافية للشعوب، كما أنه لا يمكن فرض نموذج للتحديث على المنطقة يتعارض مع القيم الثقافية. ولذا فإن الحوار الثقافي أو التعاون الثقافي الأوروالمتوسطي لابد وأن يثير التساؤل التالي: التعاون مِنْ منظور مَنْ ونحو منظور من؟(16) وهو التساؤل الذي يطرح المعضلة بين الدعوة للحوار والتعاون، وبين التحذير في نفس الوقت من هيمنة معرفية.
ولقد تعددت أشكال التعبير عن هذا التحذير من الهيمنة المعرفية والثقافية لشمال المتوسط، ولكن في نطاقات أكثر اتساعًا، فلقد تمثل بعضها في معارضة ورفض المركزية الغربية المعرفية والثقافية والفكرية (والنابعة من المركزية السياسية والاقتصادية) لما في هذه المركزية من مخاطر الاستلاب الحضاري تحت مسمى وحدة التاريخ العالمي ووحدة الحضارة العالمية ووحدة التراث الإنساني والثقافة العالمية(17)، كما تمثل بعضها الآخر في التحذير من مخاطر الهيمنة الغربية الثقافية في ظل العولمة والانفراد الأمريكي بالقيادة العالمية والتحالف مع إسرائيل، على أساس أن المرحلة الراهنة هي مرحلة الصراع الحضاري والثقافي والديني مع الغرب وإسرائيل بعد أن انتهت جولات الصراع العسكري والسياسي والتكنولوجي، ولا أدل على ذلك من تجدد الاهتمام من جانب القوى العظمى بالأبعاد الثقافية الحضارية في إدارة الصراعات الدولية. ولقد كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تلاها من تداعيات على مستويات متعددة داخلية وخارجية، محملة بالمؤشرات عن طبيعة هذه المرحلة من الصراع الحضاري والثقافي والديني الذي يقوده الغرب بوسائل عديدة، من بينها وسائل الحوار. وفي المقابل يرى البعض أن هذا البعد الثقافي الحضاري للصراعات الراهنة ليس إلا رداءً تتخفى وراءه المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية(18).
بعبارة أخرى، فإن ازدياد حدة الصراع في المنطقة الأورومتوسطية بين قوى العولمة الثقافية وقوى الخصوصية الثقافية، يعد من أهم معوقات الحوار المتوسطي الأوروبي. ولقد عبر العديد من الدارسين العرب عن المخاوف الناتجة عن محاولة فرض القيم الثقافية الغربية(19). بل لقد اعتبرها بعضهم من أخطر التحديات السياسية الخارجية التي تواجه الأمة الإسلامية برمتها منذ نهاية القرن العشرين، وفي ظل تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر(20). وقد أدى ذلك كله ببعض مثقفي التيارين الإسلامي والقومي لاستبعاد قيام تعاون وحوار ثقافي أوروبي- متوسطي فعال على أساس أنه لن يؤدي إلا إلى فرض ثقافة الطرف المهيمن بالقوة.
ومن ناحية أخرى: وانتقالًا من هذا الإطار الواسع عن الاختلافات المعرفية ومخاوف الهيمنة الثقافية الغربية، يمكن التوقف عند مؤشرات محددة تبرر هذه المخاوف. وهي المؤشرات النابعة -كما يتناولها البعض(21)- من طبيعة استراتيجيات المنظمات الأوروبية والغربية بصفة عامة في التعامل مع قضايا التعاون المشترك مع الدول الأخرى. فالدول غير الأوروبية مطالَبة بقبول القيم الثقافية الأوروبية باعتبارها المدخل الوحيد للدخول في مشاركة حقيقته مع أوروبا. ومن ثم، فإن الاتحاد الأوروبي يرفض مفهوم التعددية الثقافية، ويسعى إلى جعل قيمه الثقافية هي الإطار المرجعي لأي تعاون أوروبي– متوسطي.
فعلى سبيل المثال، فإن الوثيقة التي أصدرها الاتحاد الأوروبي بعنوان “الاستراتيجية المشتركة تجاه الإقليم المتوسطي”، والتي صدرت عن القمة الأوروبية في يونيو 2000، تنص في البند السابع منها على أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى نشر القيم الجوهرية التي يعتنقها بما في ذلك حقوق الإنسان، الديمقراطية، المحكومية والشفافية وحكم القانون. كما ينص البند الرابع عشر على حث كل الشركاء المتوسطيين على إلغاء عقوبة الإعدام، ويشير البند 22 إلى دعم التطابق بين الأنظمة القانونية ذات التوجهات المختلفة لحل مشكلات القانون المدني المتعلقة بالأفراد: قوانين المواريث، والأحوال الشخصية بما في ذلك الطلاق. ويدعم من هذا التوجه الأوروبي الذي تعبر عنه هذه الوثيقة شروط الاتحاد الأوروبي من أجل قبول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وكان قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في أغسطس 2001، فيما يتعلق بالدعوى التي رفعها حزب الرفاه التركي ضد الحكومة التركية لإلغاء القرار الذي أصدرته بحل الحزب، ذا مغزى كبير؛ حيث أيدت المحكمة قرار الحكومة التركية تأسيسًا على أن برنامج حزب الرفاه يقوم على الشريعة الإسلامية، وأن تلك الشريعة تتعارض مع الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان. ويعني هذا الحكم، أن الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان هو الإطار المرجعي الذي وفقًا له تكتسب الأحزاب شرعيتها من عدمه.
وتتعدد النماذج التي يمكن سردها، والتي تبين أن روح الهيمنة الثقافية لن تخدم أهداف البعد الثقافي في الشراكة، سواء فيما يتصل بأوضاع المهاجرين إلى أوروبا من العرب والمسلمين، أو سواء فيما يتصل بأوضاع دول وشعوب جنوب المتوسط.
فإذا كانت المشاكل التي تواجهها قضية الهوية في أوروبا والنابعة مما يمثله الوجود المسلم المتزايد من تحديات للثقافة الأوروبية وقيمها (وعلى رأسها العلمانية وتداعياتها على مفاهيم حقوق الإنسان والحرية)، فإن مسلك الدول الأوروبية تجاه قضايا محددة إنما أثار -وما زال يثير- جدلًا حول مصداقية التعددية الثقافية في دول الاتحاد الأوروبي. ولم تكن قوانين منع الحجاب، ثم مؤخرًا القوانين المرتقبة حول معاداة السامية إلا نموذجًا من نماذج عدة، تطرح جميعها قضية مصداقية الحوار الثقافي لدى مؤسسات الاتحاد الأوروبي ودوله، حيث يبدو التمسك بقوه بحماية منظومة القيم الأوروبية على الساحة الأوروبية، مع السعي في نفس الوقت إلى نشرها أو فرضها على ساحة جنوب وشرق المتوسط، مع اتهام كل مقاومة أو رفض لهذه المنظومة بأنه رفض للتحديث وتشجيع للأصولية ومدعاة لاستمرار التخلف.
وتمثل مشروعات التعاون المشترك –في مجال التعليم بصفة خاصة- ساحة أخرى تثير الانتقادات تحمله هذه المشروعات من اتجاهات لفرض منظومة القيم من خلال قنوات التعليم. ومن أبرز الأمثلة على هذا الصعيد الانتقادات التي واجهتها فكرة ثم خبرة إنشاء أقسام التدريس باللغات الإنجليزية والفرنسية في بعض الكليات في الجامعات المصرية، وخاصة أن البعض منها (مثل القسم الفرنسي في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية) إنما يقوم بناء على اتفاقية خاصة تنظم علاقته بالكلية ووضعه على صعيدها إداريًا وفنيًا، وككيان متميز(22). وأخيرًا يواجه إنشاء ماجستير للدراسات الأوروبية المتوسطية في كلية الاقتصاد أيضًا، في نطاق مشروعات التعاون مع Tempus (باعتبارها سبيلًا من سبل تطوير التعليم العالي) يواجه انتقادات تتصل بمصداقية هذا التطوير من خلال هذا النمط من المساعدات الخارجية من ناحية، كما تتصل بدلالة ما يحوزه التوجه المتوسطي من اهتمام بالمقارنة بالتوجهات العربية أو الإسلامية، حيث إن تلك الأخيرة لا تتوافر المؤسسات والإرادة اللازمة لدفع تنظيم التعاون حولها من خلال برامج مناظرة للبرنامج الأوروبي Tempus.

هذا، ومن أهم الانتقادات التي واجهها مشروع الشراكة الأوروبية المتوسطية بصفة عامة، والتي رأى البعض(23) أنها ستكون من أسباب فشله، هو أن هذا المشروع إنما يفصل بين الدول العربية المتوسطية والدول العربية غير المتوسطية، على نحو غير مقبول، لأنه يتجاهل أو يتخطى حقيقة وجود العالم العربي وحقيقة أن شعوبه يجمع بينها مصلحة مشتركة ورؤية مشتركة عن دورها ووضعها في العالم المعاصر. وكما يرى البعض الآخر أيضًا(24)، فإن نتائج تحليل دوافع الطرفين –شمال وجنوب المتوسط- المتوسطية، وكذلك تحليل آثار المحددات الإقليمية العالمية على المشروع المتوسطي، تبين أن المشروع المتوسطي لا يقدم ما يمكن أن يشحذ مشروعًا للنهضة يستند إلى نموذج حضاري مخالف للنموذج العربي أو باستقلال عن رافده الأوروبي. بل نحن نلحظ أن المبادرة الأوروبية نحو المتوسطية تبرز مع صعود القوة الأوروبية إلى قمتها، ومع انحدار القوة العربية، ومع تزايد معاول الهدم لفكرة العروبة ونظامها، ومع تزايد الهجوم على الإسلام عقيدة وقيمًا؛ ولذا تعددت الانتقادات(25) لمشروع الشراكة استنادًا إلى أسس متنوعة من بينها ما سيكون له من آثار سلبية على الثقافة ومنظومة القيم الحضارية.
وفيما يبدو، فإن مخاوف هيمنة منظومة القيم الغربية الأوروبية وفرضها على مساحات ثقافية أخرى، لا تقتصر على جنوب وشرق المتوسط، ولكن تظهر أيضًا على صعيد العلاقات بين “شرق أوروبا” وبين غرب أوروبا، في نطاق تداعيات “توسيع أوروبا” على هوية دول شرق أوروبا وثقافتها، حيث يعبر أكاديميون ورجال دين وبرلمانيون وناشطون مدنيون من شرق أوروبا وروسيا عن قلقهم من اتجاه الاتحاد الأوروبي إلى فرض منظومة قيمه على الأعضاء الجدد المنضمين والأعضاء الجدد المرتقب انضمامهم(26).
ومن ناحية ثالثة: إذا كانت المخاوف من فرض الهيمنة الثقافية الأوروبية، ترتبط بحالة الخلل الراهنة في ميزان القوى الاقتصادية والسياسية بين الطرفين، والتي لا تقدم فرصًا متساوية للاستفادة من الشراكة، فإن مسار وخبرات التفاعل التاريخي بين شعوب وثقافات حوض المتوسط المختلفة- تبين أن هذا الوضع الراهن ليس إلا حلقة من حلقات تطور الهيمنة الأوروبية بأدوات عدة؛ ومن بينها الأداة الثقافية، سواء كأداة خادمة للأهداف السياسية والاقتصادية والعسكرية، أو كغاية في حد ذاتها. بعبارة أخرى، فإن خبرة التفاعل التاريخي بين شعوب وثقافات حوض المتوسط المختلفة، والتي تبين تراوحًا ما بين التفاعل السلمي وبين التفاعل الصراعي، تبرز هذه الخبرة كيف أن القوى الأوروبية قد وظفت العامل الثقافي بأوسع معانيه لتحقيق أهداف سياسية، بل إن الأهداف الثقافية لم تكن تفترق عن نظائرها السياسية والاقتصادية. فلم يكن هدف الهجمة الأوروبية الأولى (الحروب الصليبية) أو الهجمة الأوروبية الحديثة هو الأرض والثروات فقط، ولكن أيضًا كانت الثقافة –وفي قلبها العقيدة- في صميم استهدافات الهجمة الأوروبية الحديثة. وتقدم النماذج التالية بعض التوضيح:

(أ‌) وإذا كان احتلال الأرض قد مكن من التحرك نحو اختراق الفكر والثقافة، إلا أنه كان للعملية أدوار تمهيدية سابقة. فمنذ ما بعد الحروب الصليبية وما صاحبها من احتكاك عضوي مباشر، بدأ الطرفان محاولات جدية ليتعرف كل منهما على أحوال الآخر وعقائده ونظمه وتاريخه. ومن ثم بدأت حركة الاهتمام الأوروبي بالشرق الإسلامي تأخذ منحنى جديدًا تعددت قنواته وسبله ولكنها تجسدت في تزايد الاهتمام بالدراسات الإسلامية التاريخية وغيرها. ولم تكن هذه الدراسات –في تيار الاستشراق- بدافع البحث العلمي فقط، ولكنها تمت تحت تأثير دوافع مختلفة دينية وسياسية وتجارية. وشكلت هذه الدوافع السياسات الاستعمارية في تطورها، ابتداء مما يسمى حركات الكشوف الجغرافية وحتى فرض الاستعمار التقليدي(27).
(ب‌) وخلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وخاصة القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الأولى استغلت القوى الأوروبية العامل العقيدي والمذهبي والقومي لتحقيق أهدافها في التعامل مع الدولة العثمانية. ونذكر باختصار رؤوس الموضوعات في هذا الصدد –دون التفاصيل: توظيف الصراع العثماني الصفوي، مساندة حركات الاستقلال في البلقان عن الدولة العثمانية، وتزكية العامل القومي العربي–المسيحي ضد العنصر التركي المسلم في مقابل مساعدة العثمانيين على إجهاض حركات الاستقلال الذاتي في الولايات العربية العثمانية، استغلال الامتيازات العثمانية في الشام لتنمية النفوذ الأجنبي الثقافي والاقتصادي، مساندة الحركة العربية ضد الدولة العثمانية كتوطئة لهزيمة الأخيرة، ثم احتلال الأراضي العربية في الشام، مساعدة الحركة الصهيونية في تنفيذ مشروعها في فلسطين(28).
ولقد كانت قضية الإصلاحات العثمانية في عصر التنظيمات وما قبلها من أخطر وأهم القضايا التي تبين من تحليل دوافعها وآلياتها ونتائجها، كيف أنها لم تكن عملية إصلاح للقوى الإسلامية، بل عملية استبدال للنموذج الحضاري الإسلامي، فلم يكن النقل عن الغرب للإصلاح المادي إلا الإطار الذي انتقلت معه الأفكار والقيم والاتجاهات. بعبارة أخرى كان الفكر والعقل والثقافة في قلب هذه العملية التي لم تكن عملية داخلية بقدر ما كانت عملية دولية بين طرفين غير متكافئين في القوة المادية. ومن ثم، لم يكن نقل الطرف الضعيف عن الطرف القوى سبيلًا للإصلاح، ولكن سبيلًا للتصفية والاستبدال، ومنطلقًا نحو استكمال حلقات الاستعمار التقليدي(29).

(ج) وفي ظل احتلال الأرض –حتى الاستقلال- كان التأثير الثقافي للغرب في تنامٍ وكانت الذات الحضارية الإسلامية هي الثمن تحت مسميات التحديث والتطوير، ومن ثم بدأت مرحلة من مراحل العلاقة مع الآخر اتسمت بالتشتت والانقسام حول العلاقة بين الثقافة العربية الإسلامية وبين الثقافة الغربية. ولقد تنامت هذه الظاهرة وتطورت واستمرت حيث تعايش الآن طبعتها الراهنة. فإلى جوار الرافد التقليدي هناك الرافد الإصلاحي فضلًا عن الرافد التحديثي، وكل منهم يعبر من منطقة من مناطق ثلاث تنقسم بينها قضية العلاقة بين “الأنا والآخر”، أو قضية “نحن” و”هُمْ”. وهي القضية التي تمتد تعبيراتها ما بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ويعبر هذا الانقسام حول هذه القضية عن الأزمة التي تمر بها المجتمعات المسلمة بحثًا عن الانتماءات وعن الخيارات وعن البدائل طيلة ما يزيد عن القرنين؛ أي منذ أن بدأنا ندير ظهرنا إلى تراثنا (فكرًا وممارسةً وتنظيمًا)، واتجهنا نحو الغرب وتأرجحنا ما بين الانبهار بالغرب وما بين السعي نحو التوفيق معه وما بين الرفض له والغضب منه؛ لنعود من جديد –أو يعود أحد الروافد- لينظر مرة أخرى إلى التراث بحثًا عن إحياء الذاتية، بعد أن فشل الحل الغربي حتى الآن في تحقيق هذا الإحياء(30).
واستكمالًا لما يتصل بالخبرة التاريخية أيضًا فهناك وجه آخر للعملة. فالمواقف الأوروبية من الإسلام والمسلمين لم تخلق تحديات في ديار الإسلام فقط، ولكن كان لها عواقبها ودلالاتها بالنسبة للأوروبين ذاتهم، ويرى البعض(31) –من خلال عرض وتحليل نصوص كتبها فلاسفة ورجال دين مسيحي أوروبيون (منذ القرن الحادي عشر، وحتى بداية عصر التنوير في أوروبا)- أن الإسلام مثَّل تحديًا للأوروبيين على نحو ساهم في بلورة الهوية الأوروبية خلال الاستعدادات العسكرية لمحاربة المسلمين. فإن المشروعات الأوروبية الفكرية عن وحدة أوروبية استهدفت في المقام الأول تدعيم قوة أوروبا المسيحية في مواجهة المسلمين الكفار. ولقد ظل الدافع الديني محركًا وراء الفكرة الأوروبية ومحددًا للعديد من مشروعات الوحدة الأوروبية حتى نهاية القرن الثامن عشر على الأقل؛ وهو الأمر الذي يعني أن الدوافع الدينية قد احتلت مكانها إلى جانب الدوافع السياسية والاقتصادية التي حكمت تحرك أوروبا نحو الشرق، سواء خلال مرحلة قوة الدولة الإسلامية أو خلال ضعف هذه الدولة وبداية تراجعها منذ القرن السابع عشر الميلادي.
وأخيرًا –وفيما يتصل بالبعد التاريخي: إذا كان البعض كما سبقت الإشارة يدعون لتجاوز التاريخ وتخطيه- وخاصة المراحل السلبية منه- حتى يمكن التقدم على صعيد الحوار الثقافي، فإن العرض السابق لدلالات الخبرة التاريخية –حتى ولو السلبية منها وفقًا للرؤية العربية، لا يهدف إلى عرقلة الحوار أو التدليل على عدم جدواه، ولكن يمثل اعترافًا -من ناحية- بأن عمق الرابطة بين أوروبا والمنطقة العربية ذات الامتدادات التاريخية، يفرض تجاوز الرؤى الجزئية المحددة زمانًا ومكانًا، إلى الرؤى الاستراتيجية التي تضع العلاقات الأوروبية-العربية الراهنة في سياق تطورها التاريخي، كما يمثل –من ناحية أخرى- اعترافًا بمصداقية مقولة أساسية صاغها التاريخ والجغرافيا والسياسة والثقافة، وهي مقولة تعلمتُها في سنوات دراستي الأولى بعد التخرج، على يد أحد أساتذة الجيل في كلية الاقتصاد –وهو د. حامد ربيع- الذي اقتطع قدرًا من تفكيره وكتاباته في العلاقات الأوروبية-العربية(32). وتأكدت لي هذه المقولة بعد ذلك خلال دراستي في التاريخ الإسلامي وفي العلاقات العربية الأوروبية المعاصرة.
وهذه المقولة هي: أن الأمن الأوروبي والأمن العربي لا ينفصلان، وأن تاريخ سياسات الدول الأوروبية تجاه المنطقة يعد أحد مصادر سياستها المعاصرة، وأن فهم الماضي يساعد على فهم الاستمرارية والانقطاع في هذه السياسات، والعكس صحيح بالنسبة للسياسات العربية أيضًا ذلك لأن العلاقات العربية–الأوروبية أو العلاقات الأوروبية- المتوسطية قديمة قدم المتوسط الذي يفصل بين الإقليمين، ولقد تشابكت هذه العلاقات في دوائر حضارية وسياسية واقتصادية، كما تأرجحت هذه العلاقات على مدار تاريخها القديم والوسيط والحديث بين مراحل ذات طبيعة تعاونية وبين أخرى ذات طبيعة تنافسية أو صراعية.
ولقد بينت الخبرات التاريخية أنه كان للمتغير الثقافي –الديني- تأثيره المباشر على المتغيرات السياسية والاقتصادية، ولذا ظل السؤال التالي مطروحًا: أيها المتغير المستقل وأيها المتغير التابع؟ ولا نستطيع أن نقدم إجابة حاسمة واحدة تصلح لكل المراحل والأزمنة، ولكن يمكن من واقع الأنماط المتكررة في التاريخ استخلاص التعميم التالي: من ناحية، إن التثاقف والتفاعل الثقافي لا يقتصر على أوقات السلم فقط، كما لا يأخذ تأثيره اتجاهًا واحدًا دائمًا من مركز القوة إلى الطرف الأضعف، فقد يحدث العكس أحيانًا، كما أن هناك فارقًا بين التثاقف والتفاعل الثقافي كعملية تلقائية، وبين أساليب الفرض بالقوة. ومن ناحية أخرى(33): فإنه لم يتكرس التعارض بين اختلاف شعوب شمال المتوسط وجنوبه من جانب، والحوار بين الحضارات والتفاعل الثقافي فيما بينها من الجانب الآخر، حقيقة أن الاختلافات العميقة بين الحضارة المسيحية الأوروبية والحضارة الإسلامية العربية قد أفرزت صراعات، ولكن طابع الصراع أو الصدام الحضارى لم يكن يعني إهدار إمكانية التعاون، فلقد فرض الجوار الجغرافي ضرورة التعاون لتحقيق منافع متبادلة، وإن خضعت هذه الترتيبات لواقع توازنات القوى إلا أنه لم يقف اختلاف الثقافات حائلًا دون التعاون.

ثالثًا- حول سبل تفعيل البعد الثقافي وغاياته: إشكاليات الارتباط بالبعد السياسي والاقتصادي

إذا كانت بعض الاتجاهات قد ارتأت أن البعد الثقافي للشراكة يهدف إلى بلورة “ثقافة متوسطية”، تمثل من وجهة نظر المصالح الأوروبية شرطًا مسبقًا وضروريًا لتفعيل التعاون السياسي والاقتصادي الأورو-متوسطي، وعلى النحو الذي يعالج مصادر التهديد للأمن الأوروبي، وإذا كانت اتجاهات أخرى قد رفضت أو تحفظت على هذا البعد الثقافي وعلى هذه الأهداف للحوار والتعاون الثقافي، كما سبقت الإشارة، إلا أن وقائع التاريخ والجغرافيا والسياسة تفترض أن يسعى جانبا المتوسط إلى ترتيبات إقليمية وعبر إقليمية لإدارة مشاكل العلاقات بينهما، وتهيئة أفضل السبل لأشكال التعاون الممكنة، متخطين بذلك أوجه القصور وفق تصور كل من الاتجاهين السابقين.
ولذا تتبلور مجموعة من الآراء –الوسطية- حول سبل تفعيل البعد الثقافي، وخاصة من حيث ارتباطاته بالبعدين السياسي والاقتصادي، سواء ما يتصل منها مباشرة بالساحة العربية-المتوسطية (الديموقراطية وحقوق الإنسان والتنمية الرأسمالية وتحرير التجارة)، أو ما يتصل بالساحة الأوروبية (الهجرة والوجود المسلم في أوروبا).

وتتلخص أسانيد هذه الرؤى وشروطها في الأمور التالية:
من ناحية(34): التقدم المتزامن على محاور التعاون الأوروبي المتوسطي: السياسية والاقتصادية والثقافية: فإذا كان إعلان برشلونة لم يتضمن أية إشارة عن الرابطة بين أبعاده الثلاثة، وإذا كان البعض يرى أن دفع التعاون يساعد على التوصل لحلول للقضايا السياسية، وإذا كان البعض الآخر يرفض تسييس الحوار الثقافي مما يعني أن عدم التقدم على صعيد القضايا السياسية يجب ألا يؤثر على قوة دفع الحوار الثقافي، فإن اتجاهًا رابعًا يرى أنه لا يمكن حدوث تقدم حقيقي في مجال التعاون الثقافي ما لم يصاحبه تقدم مماثل على المحورين السياسي والاقتصادي، ومن ثم في حالة عدم التوصل إلى حل للقضايا السياسية والاقتصادية الرئيسية، فإن الحوار الثقافي سيصاب بالخلل. ذلك لأن التفاعلات بين الشعوب لا تخلق في حد ذاتها أشكالًا للتعاون، بل قد تقود إلى صراع، وذلك حينما تتم في ظل ظروف تتسم بعدم التكافؤ بين الأطراف المتفاعلة، ولذا من المهم أن يتوافر الإطار السياسي والاقتصادي اللازم لدفع الأطراف إلى تبني منظور وتصور إيجابي للمزايا المشتركة المتبادلة. ومن ثم -ووفق هذا الرأي- فإن التقدم في مجال التعاون الثقافي مرهون بحدوث تقدم في مجال تحقيق مشاركة اقتصادية متكافئة، وحل الصراعات بين الشركاء المتوسطيين، وتحقيق التعاون السياسي والأمني بين شمال وجنوب المتوسط.
ولكن من ناحية أخرى(35): فإن المعضلة تكمن في ارتباط البعد الثقافي بالبعد السياسي في المنظور الأوروبي، على نحو قد لا يساعد على تحقيق التقدم في حل المشاكل وفق منظور جنوب المتوسط. وهنا تبرز مثلًا: العلاقة مع قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان.
فإن دعوة الاتحاد الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان إنما ترتبط بحقيقة الإدراك الجماعي الأوروبي لمصادر جديدة لتهديد الأمن الأوروبي، ذات الأبعاد الثقافية؛ مثل “الأصولية الإسلامية”، إلا أن الرؤية الأوروبية عن الاستقرار السياسي في جنوب المتوسط إنما تعني استقرار نظم الحكم القائمة (في مواجهة المعارضة الإسلامية)، وهي أساسًا غير ديموقراطية وفقًا للمعايير الغربية، ما دامت لا تمانع –هذه الحكومات، في التعاون مع الاتحاد الأوروبي. وقد واجهت هذه الرؤية الأوروبية عن الاستقرار في المنطقة انتقادات عديدة؛ نظرًا لم تحمله من تناقضات مع معايير الديمقراطية الغربية ذاتها، والثمن هو عدم وصول الحركات المعارضة الإسلامية للحكم. ومما لا شك فيه أن هذا المنظور الأوروبي عن التحديث السياسي -مصحوبًا بالتحديث الاقتصادي والتحديث الاجتماعي في مجالات التعليم والإعلام والأداب والفنون- “إنما يعبر عن رغبة أوروبية أكيدة في توصيل مجموعة من القيم المستمدة من الثقافة العقلانية العلمانية الأوروبية كبديل لأيديولوجية التيارات الإسلامية المتطرفة التي تدعو إلى مواجهة الغرب وقيمه العلمانية (التغريب) بكافة السبل بما فيها استخدام العنف، إذا لزم الأمر والذي يتضمن القيام بأعمال إرهابية”. ولهذا فإن الدعوة الأوروبية إلى التعاون الثقافي أثارت قضايا خلافية بين الاتحاد الأوروبي من جانب والدول العربية من جانب آخر، وعلى نحو يبين كيف أن التقدم على صعيد هذا التعاون يرتهن بالتقدم على صعيد قضايا أخرى؛ مثل الديموقراطية وحقوق الإنسان.
وإذا كانت بعض قوى المجتمع المدني والنخب الفكرية قد ارتأت في الدعوة الأوروبية لحقوق الإنسان والديموقراطية سبيلًا للتخلص من نظم الحكم الديكتاتورية في المنطقة، فإن قوى أخرى رأت أن تطبيق مبادئ النموذج الغربي الليبرالي للديمقراطية يختلف من دولة إلى أخرى وفق أوضاعها الخاصة واختلافها من حيث أطرها الحضارية والثقافية، وبالتالي لا ينبغي اتخاذ الدعوة لاحترام هذه المبادئ ذريعة للتدخل المباشر في الشئون الداخلية ليس لتحقيق أهداف سياسية فقط –متصلة بنمط الاستقرار السياسي المطلوب- ولكن لتحقيق أهداف ثقافية أيضًا متصلة بمنظومة القيم السائدة وكيفية تغييرها سعيًا للتغلب على المصادر الجديدة لتهديد الأمن الأوروبي –وفقًا لمنظور الاتحاد الأوروبي.
وحيث إن مصادر هذا التهديد لا تنبع من جنوب المتوسط فقط، ولكن تنبع أيضًا من الداخل الأوروبي، متمثلة في الهجرة العربية والمسلمة من جنوب وشرق المتوسط، لذا فإن للعملة وجهًا آخر، وهو المتصل بعواقب هذه الهجرة على الهوية الأوروبية ذاتها وعلى منظومة القيم الأوروبية، ومن ثم أضحى الحوار الثقافي والتعاون الثقافي المتوسطي يمتد إلى هذه الساحة أيضًا. وهو يثير ما يتصل بمراجعة حال العلمانية في الدول الأوروبية، كما أثار –على صعيد جنوب المتوسط من قبل، مراجعة حال “الإسلامية”.
ولهذا أضحت نقاشات “الهوية” قضية حالة على جانبي المتوسط وليس في جنوبه فقط(36). حيث برزت إشكاليات قضايا الاندماج، الاستيعاب، والتعددية الثقافية في صميم هذه النقاشات حول “الهوية الأوروبية” وتأثير الوجود المسلم المتزايد عليها من ناحية(37)، فضلًا عن تأثير توسيع الاتحاد الأوروبي شرقًا عليها من ناحية أخرى.
ولذا ومن ناحية ثالثة: يكتسب مفهوم تعدد الثقافات في مقابل مفهوم الثقافة المتوسطية وضعهما كتعبير عن نمطين للعلاقة بين جانبي المتوسط(38)، في حين يبرز مفهوم التعددية الثقافية في مواجهة مفهومي الاستيعاب والاندماج، كتعبير عن نمطين للعلاقة داخل المجتمعات الأوروبية.
فإن الدعوة إلى الحوار الثقافي والتعاون الثقافي بين جانبي المتوسط ليست هي المرادف للحديث عن وجود ثقافة متوسطية موحدة لها قيمها ومعاييرها ورموزها وتعكس توحيد نمط التفكير؛ لأن هذا الحديث يعكس توجهًا مبالغًا فيه، ذلك أنه بفرض وجود قواسم مشتركة ثقافية متوسطية، إلا أنها لا تستطيع أن تلغى حقيقة تنوع واختلافات ثقافات الشعوب المتوسطية التي تمثل العقيدةُ الدينية عنصرًا أساسيًا في تكوينها. ومن ثم فلا يجب أن يكون المقصود بالبعد الثقافي للشراكة إدماج ثقافات شعوب المنطقة في ثقافة متوسطية موحدة، ولكن يجب أن يهدف الحوار الثقافي والتعاون الثقافي إلى تدريب الشعوب على التعايش السلمي والإدراك المتبادل والاحترام المتبادل للخصوصيات الثقافية، وبناء جسور ثقة حقيقية بين جانبي المتوسط وصولًا إلى درجة أفضل من التعاون(39).
وبعبارة أخرى(40)، إذا كانت بعض مفاوضات المشاركة الأوروبية المتوسطية –على الصعيد الأمني والسياسي، تتطلب قبول قيم ثقافية لا تتوافق مع ثقافة الأطراف المتوسطية الجنوبية (مثل الحق في تغيير الديانة، الحريات الشخصية المطلقة…)، وعلى النحو الذي أدى إلى ظهور مخاوف من الهيمنة الثقافية الأوروبية، وإدراكات قوية للتهديد الثقافي الذي تمثله المؤسسات الأوروبية، فإن ذلك الوضع “يدعو إلى إنشاء منظور ثقافي تعددي للتعاون الأوروبي المتوسطي يتجاوز تلك المخاوف والإدراكات… وفكرة التعددية الثقافية تعني في الأساس قبول واحترام الاختلافات الثقافية والعمل على إنشاء قنوات للاتصال بين الثقافات، ولا ينفي ذلك بالطبع وجود بعض القيم المشتركة بين هذه الثقافات، ولكن التفسير والتطبيق العملي لهذه القيم لابد وأن يختلف من ثقافة إلى أخرى”.

وأخيرًا ومن ناحية رابعة

وعلى ضوء الحالة العامة لخبرات وجهود الجانب العربي في إدارة حوار الثقافات والإنتاج المعرفي حوله(41)، وعلى ضوء الاعتراف بحقيقة خطورة التحديات الثقافية للعولمة والتي تواجه جنوب المتوسط (والعالم الإسلامي برمته) وخاصة منذ ما بعد الحادي عشر من سبتمبر(42)، وعلى ضوء الاعتراف بضرورة تصميم استراتيجية للعمل الثقافي الإسلامي في الغرب وتجاهه، تعكس أهداف مشروع حضاري لإعادة بناء العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب(43)، وتقدم تصورات عن سبل مواجهة العالم الإسلامي للتحديات الثقافية في القرن الواحد والعشرين (في ظل خصائص النظام الدولي القائم)(44).

على ضوء كل ما سبق، وانطلاقًا من أن الحوار الثقافي الأورو-متوسطي هو مستوى من مستويات الحوارات القائمة، يمكنني طرح رؤيتي كالآتي:
إن جدالات العولمة ثم جدالات ما بعد الحادي عشر من سبتمبر كشفت -ثم أكدت على التوالي- عن عمق ما وصلت إليه أزمة المسلمين في عصر العولمة وعصر الهيمنة الأمريكية، وعلى نحو أضحت معه الحاجة ماسة للبحث عن مؤشرات الممانعة والمقاومة في مقابل دعوات الانهزامية باسم العقلانية والرشادة والبراجماتية والواقعية حفاظًا على مصالح قطرية ضيقة.
إن على الرؤى الإسلامية في عصر ما بعد الحادي عشر من سبتمبر –وليد عصر العولمة- فريضةَ وضع أسس “فقه المقاومة”، و”فقه الحركة”. ولعل من أهم المنطلقات التي يجب أن تحكم تشكيل هذه الرؤى ومخرجاتها ما يلي:
كيف لا يجب اعتبار العولمة قدَرًا محتومًا لا فكاك منه؟ ثم كيف يجب ألا نجعل تاريخ الحادي عشر من سبتمبر إسارًا لإدراكنا بأننا المتهمون، وأن الولايات المتحدة في موقف رد الفعل والدفاع؟ وكيف نحرر مدركاتنا ومصطلحاتنا ومفاهيمنا، فنستدعي: التحرير، المقاومة، الاستعمار، العدوان.. في مقابل السائد الآن: الإرهاب، الآخر، السلام، الأقليات..؟ وكيف يجب عدم فصل الاهتمام بالبعد الحضاري الثقافي عن الأبعاد السياسية وتوازن القوى؛ بحيث لا نغرق في مقولات دوافع الصراع الحضارية، ناسين دوافع توازنات القوى ومصالحها أو العكس صحيح؟
وكيف نجمع بين أزمة العالم وأزمة الأمة تأكيدًا على ما أضحى عليه وضع الأمة في العالم الآن؟ وكذلك، ضرورة الوعي بأن ما بعد الحادي عشر من سبتمبر ليس نقطة فاصلة جديدة في السياسة الأمريكية بعد الحرب الباردة. وهو الأمر الذي يجعل من الضروري أن يظل السؤال التالي مطروحًا: من المسئول عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟ ومن الذي خطط لها؟ ومن الذي نفذها؟ وكيف نفك الاشتباك بين المفهومين الذائعين: “حوار الحضارات” و”صراع الحضارات”، ونوفر أو تتضح لنا الشروط اللازمة لإجراء حوار صحي، ونحدد الظروف التي تعزز صراعًا حضاريًا؛ لأن الاختلاف بين الحضارات –وكذلك الأديان- لا يولد في حد ذاته الصراع؟

إن عناصر الإجابة عن الأسئلة السابقة، إنما تمثل عناصر رؤية فكرية إسلامية شاملة. وهي رؤية لن تتحقق بسياسات حكومية رسمية فقط، إنما هي رؤية تقوم على الاعتراف بمسئولية الإنسان الفرد وليس الحكومات فقط. فإذا كان واقع الأمة الراهن لا يفرز استجابات رسمية وحكومية فاعلة للتحديات التي تواجهها الأمة، فإن هناك مصادر أخرى لإمكانيات الحركة المستجيبة؛ ابتداءً من الفرد، وامتدادًا إلى الأسرة، إلى قوى المجتمع المدني في تكافلها وتداخلها فيما بينها، وعبر حدودها القومية نحو تضامن عالمي مع القوى الغربية والشرقية، المناصرة لحقوق الإنسان، والمضادة للعولمة وللحرب الأمريكية ضد الإرهاب إن مشاركة المسلمين –أفرادًا وهيئات ومؤسسات وحركات اجتماعية ومدنية- في هذه التفاعلات من أجل العدالة والحرية والمساواة، لهو من أهم سبل تفعيل الاستجابة للتحديات العالمية التي تواجه عالم الإسلام والمسلمين في القرن الواحد والعشرين، حيث تبدو النظم والحكومات غير قادرة وعاجزة عن الاستجابة بفعالية.
إن هذه المشاركات المدنية الشعبية عبر الحدود لهَيَ من أهم الإيجابيات التي يوفرها عصر العولمة للمسلمين والإسلام، في مواجهة تحديات “الحرب الأمريكية على الإرهاب”. إلا أنه يجدر القول أن هذه المشاركات لا يمكن أن تكون بديلًا كاملًا عن التغييرات الجذرية المطلوبة في الهياكل الدستورية والتشريعية والسياسية التي تنظم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، على النحو الذي يحقق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، عندئذ تكتمل صور الاستجابة الفاعلة للتحديات الخارجية التي لن يكف عالم الإسلام والمسلمين عن مواجهتها.
وإذا كانت الرؤية الإسلامية لا تنطلق من لغة “صراع” ولكن من لغة “تعارف”، ولا تسعى نحو “تنميط” ولكن تقوم على سنة التنوع، وإذا كانت الرسالة الإسلامية “دعوة للعالمين: لا إكراه ولا إجبار فيها إلا أنها أيضًا ليست اعتذارية، تبريرية، دفاعية.
ومن ثم فإذا كان التحليل السابق في أجزاء الورقة يثير علامات الاستفهام حول مغزى الدعوات من أجل الحوار الثقافي، الحضاري، حوار الأديان كصيغ “للتعاون الثقافي مع الغرب”، فهو أيضًا لا يتبنى أسانيد الأطروحات السائدة عن “الصراع الثقافي، الحضاري، صراع الأديان”. والتي تنعكس على علاقات الدول الإسلامية بالغرب بقدر ما تنعكس على علاقة الجاليات المسلمة مع أوطانها الجديدة.

إن التحليل إنما يسعى للتأكيد على بعض الأمور وهي:
– من ناحية: تعزيز التعاون حول “حوار ثقافي” بشروط ومضامين تجعله سبيلًا للتعارف الحضاري الحقيقي، ومن ثم تنأى به أن يكون سبيلًا لتمكين ثقافي لطرف على طرف آخر أو أن يكون قناة للاعتذار والدفاع والتبرير في مواجهة “الاتهامات” المتعددة للإسلام والمسلمين سواء في أوروبا ذاتها أو خارجها.
– من ناحية أخرى: يقدم رموز الفكر الإسلامي المعاصر أطروحات متكاملة حول “البعد الثقافي” فمن المقاربة بين القيم الإسلامية والقيم الغربية إلى تقديم الرؤية عن الدلالات الثقافية المعاصرة في إطارها السياسي الراهن، إلى تحليل العلاقة بين العولمة والهوية ودور الأديان، إلى البحث في الأبعاد الثقافية السلوكية للمسلمين “الأقليات” في ظل ضغوطات العولمة وما بعد الحداثة، إلى الحديث عن حقوق الإنسان في الإسلام كضرورات وليس مجرد حقوق[1]. إلى التمييز بين العالمية والعولمة ومن ثم العلاقة بين الإسلام والعولمة.

هذه ليست إلا نماذج على سبيل المثال وليس الحصر وهي تعني، في نظري، نماذج على “المبادرة” الثقافية وليس “الاعتذار” الثقافي، نماذج تدفع للتقدم نحو صياغة رؤية إسلامية وتشارك في هذه الصياغة.
فإذا كان الجميع يتفقون على أن هناك أزمة عالمية ذات بعد قيمي –ثقافي واضح الدلالة يستوجب مراجعة المنظورات: فإن الإسلام قادر على أن يقدم رؤية تساهم في تقنين الرؤية الجاري صياغتها للعالم وخاصة حول أوضاع الأقليات، ومنها المسلمة في العالم.
بعبارة أخيرة، نحن في حاجة لخطاب غير اعتذاري، غير دفاعي، نحن في حاجة لخطاب ينطلق من الذات الإسلامية وخصائصها “وبمبادرة” تجاه الآخر وذلك حتى يتحقق التوازن في الرؤية الذي هو أساس الفاعلية.
وإذا كانت مفاهيم “ثقافة السلام”، “ثقافة التسامح”، “ثقافة قبول الآخر” يتم تداولها في محافل “الحوارات الثقافية” فإن الطرح الإسلامي لها يجب أن يكون حاضرًا وفاعلًا ومؤثرًا، وإذا كانت ندوات وحوارات “الإسلام والغرب” تتعدد في تلاق وتقاطع حول أمور منهاجية ومضمونية شتى فيجب أن تكون الرؤية الإسلامية حاضرة وفاعلة ومؤثرة وإذا، وإذا….. إلخ.
إذن المطلوب “المبادرة الثقافية” عند تخطيط رؤية استراتيجية للعمل الثقافي الإسلامي في الغرب وذلك انطلاقًا من رؤية كلية عن وضع البعد الثقافي (بين أبعاد أخرى) في هجوم الآخر تجاهنا وعن وضع البعد الثقافي الإسلامي في مشروع النهوض الحضاري الإسلامي. فهذا البعد الثقافي الإسلامي –الذي تضعه وثائق الإيسيسكو في قلب هذا المشروع الحضاري- ليس منقطع الصلة بالأبعاد الأخرى: السياسية، الاقتصادية، العسكرية. وكذلك فإن مشاكل الدول الإسلامية الثقافية لا تنقطع أو تنفصل عن إمكانيات أو قيود العمل الثقافي الإسلامي لنصرة الجاليات المسلمة في الغرب أو عن العلاقة الثقافية مع الغرب.
بعبارة أخرى: فإن الرؤية الاستراتيجية المطلوبة يجب أن تنطلق من عدة أسس وتنبني على بعض الأسس الأخرى. فليس هناك حوار ثقافي حقيقي بين غير أكفاء من الناحية المادية، كما أن الحوار في ذاته ليس السبيل بمفرده لحل مشاكلنا مع الآخر أو لديه.
ومع ذلك، فانطلاقًا من وسطية الإسلام وانطلاقًا من رؤيته عن التعارف الحضاري فإن هذا التعارف الحضاري يمثل السبيل للتجديد الحضاري لدينا من ناحية ولمشاركة الفكر الإسلامي في عملية التجديد الحضاري العالمية من ناحية أخرى.
فبالرغم من إدراك خطورة أدوات السيطرة والهيمنة ومنها الثقافية الآن، إلا أن التجارب التاريخية جميعها تؤكد أن هناك أيضًا تفاعلات ثقافية- انسيابية هادئة تحقق الاحتكاك بين الحضارات. وهذا الاحتكاك لا يكون دائمًا في اتجاه واحد. فحتى الحضارة –الضعيفة ماديًا- بمقدورها أن تترك آثارها على الحضارات الأقوى ماديًا. وإذا كانت حضارتنا الإسلامية –بمعايير القوى المادية قد تراجعت الآن إلا أنه مازال للعملة وجه آخر أكثر أهمية وأكثر حيوية وهو منظومة القيم في الإسلام ورسالته للعالمين. ومن هنا يمكن أن نفهم كيف يمكن أن يصبح مسلمو المهجر أو مسلمو الغرب رصيدًا للإسلام في الغرب من خلال هذا الاحتكاك الإنسيابي الهادئ ومن ثم فإن استراتيجية العمل الثقافي الإسلامي في الغرب وتجاهه هي جهاد من نوع خاص يستوجب كل سبل المساندة.
*****

الهوامش:

1- د. نادية محمود مصطفى: المشروع المتوسطي: الأبعاد السياسية (في) د. نادية محمود مصطفى (محرر) مصر ومشروعات النظام الإقليمي الجديد في المنطقة. مركز البحوث والدراسات السياسية، جامعة القاهرة، 1997.
2- انظر على سبيل المثال وليس الحصر مناقشة لهذه الإشكالية في: د. نادية محمود مصطفى: الأقليات المسلمة.. إطار مقارن للدراسة (في) د. حسن العلكيم (محرر): قضايا إسلامية معاصرة، مركز الدراسات الآسيوية، جامعة القاهرة، 1997.
3- انظر على سبيل المثال Gilles Kepel: Allah in West: Islamic movements in America and Europe, Cambridge MA. Policy Press 1997.
وفي محاضرة تحت عنوان ” العولمة: تهديد أم صديق للمنظور الإسلامي” قدم أ.د. علي المزروعي تحليلًا أفضى به في نهايته إلى نفس المقولة. وذلك في المحاضرة الختامية لأعمال ندوة منظور الفكر الإسلامي في تحليل العلاقات الدولية. مركز البحوث والدراسات السياسية 20/ 12/ 1997. انظر د. نادية محمود مصطفى، د. سيف الدين عبد الفتاح (محرران): العلاقات الدولية بين الأصول الإسلامية وبين خبرة التاريخ الإسلامي: أعمال ندوة مناقشة مشروع العلاقات الدولية في الإسلام (القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية، ط1، 2000)، المجلد الثاني، ص ص 925-929.
4- حول هذا الموضوع انظر على سبيل المثال:
– د. نادية محمود مصطفى: العولمة وحقل العلاقات الدولية (في) د. سيف الدين عبد الفتاح، د. حسن نافعة (محرران) العولمة والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، كلية الاقتصاد، جامعة القاهرة، 2001.
5- Fred Halliday: Culture and International Relations (in) M.Ebata, B. Neu Feld (eds) confronting the political in International Relations (2000).
كذلك انظر: د. نادية محمود مصطفى: إشكاليات الاقتراب من مفهوم “حوار الحضارات” في أدبيات عربية، حولية أمتي في العالم (2002)، مركز الحضارة للدراسات السياسية، القاهرة (2003).
6- تمثل الدراسة الحالية استكمالًا لدراسة سابقة وتبنى عليها وهي: د. نادية محمود مصطفى: البعد الثقافي في الشراكة الأوروبية المتوسطية (في) د. سمعان بطرس فرج الله: مستقبل الترتيبات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط وتأثيراتها على الوطن العربي، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1998، ص ص 457- 484.
7- انظر تفاصيل هذه الدراسة في: مروة فكري وياسمين زين العابدين، الدائرة الأوروبية: بين السياسات الجماعية والسياسات القومية، حولية أمتي في العالم (2001- 2002)، مركز الحضارة للدراسات السياسية، القاهرة، 2003، ص ص 87- 169.
– انظر أيضًا: د. عمرو الشوبكي: الرؤى العربية للمواقف الأوروبية تجاه الحرب الدولية على الإرهاب: الاتحاد الأوروبي بين قرائتين للإرهاب، الجدل بين الأحكام الثقافية والرؤية السياسية الاجتماعية. بحث مقدم للملتقى المصري الفرنسي الحادي عشر تحت عنوان: الاتحاد الأوروبي والوضع السياسي الجديد في المنطقة العربية (1991- 2003)، مركز البحوث والدراسات السياسية ومركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والقانونية الفرنسي، القاهرة، 2004، (تحت الطبع).
8- د. نادية محمود مصطفى: البعد الثقافي للشراكة الأوروبية…، مرجع سابق.
9- تابع هذا التطور في:
– المرجع السابق.
– د. نادية محمود مصطفى: أوروبا والعرب: من تسوية الصراع العربي الإسرائيلي إلى الشراكة الأوروبية المتوسطية (في) تقرير حال الأمة في عام (1997)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1998.
– د. محمد السيد سليم: الشراكة الأوروبية المتوسطية، الأبعاد الثقافية، كراسات استراتيجية، العدد 109، 2001.
– سامية بيبرس: الشراكة الأوروبية- المتوسطية وحوار الثقافات، السياسة الدولية، يناير 2004.
10- حول خبرة الاتحاد الأوروبي في مجال حوار الثقافات والحضارات منذ منتصف التسعينيات. انظر: د. وفاء الشربيني: ملتقيات البعد الثقافي في الشراكة الأوروبية المتوسطية (في) د. نادية محمود مصطفى، د. علا أبو زيد: من خبرات حوار الحضارات قراءة في نماذج على الصعيد العالمي والإقليمي والوطني، برنامج حوار الحضارات، كلية الاقتصاد، القاهرة، 2003.
11- وحول تفاصيل تلك المشروعات انظر على سبيل المثال: د. حسن نافعة: الاتحاد الأوروبي وكيفية الاستفادة عربيًا منه، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت (2004).
– وحول مشروع تامبيس بصفة خاصة انظر:
Dr. Jean Marcou: L’extension du programme européen Tempus á la méditerranée: Coopération éducative et nouvelles, formes de diplomate.
بحث مقدم إلى الملتقى المصري الفرنسي الحادي عشر: الاتحاد الأوروبي والوضع السياسي الجديد في المنطقة العربية (1991- 2003)، بالتعاون بين مركز البحوث والدراسات السياسية ومركز الدراسات والتوثيق الاقتصادية والاجتماعية والقانونية الفرنسي، يناير 2004، (تحت الطبع).
– ومن مشروعات برنامج تامبيس في مصر، مشروع تأسيس درجة ماجستير في الدراسات الأوروبية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية باعتباره مشروعًا من مشروعات تطوير التعليم العالي في مصر. وحول أهدافه ومحاوره انظر:
Dr. Baher Atlam, Dr. Jean Marcou (Directeurs Égyptien et Français de la section francophone á la faculté): Rapport présenté au Comité de pilotage du 16/6/2003. Université du Caire, Faculté d’économie et de sciences politiques (inédit).
وحول بعض أخبار التعاون الثقافي في نطاق الشراكة مع مصر في مجال الإعلام والتعليم والثقافة. انظر على سبيل المثال:
European Union/ Egypt, Annual Report, 2000, 2001, 2002.
12- Assia A. Bensalah, Jean Daniel (and others): Dialogue between peoples and cultures in the Euro- Mediterranean Area. Report by the high Level Advisory Group Established at the initiative of the president of the European commission. (No Date), 43 pages.
13- يعبر عنه على سبيل المثال:
Paul Balta (ed.) La Méditerranée réinventée, Réalités et espoirs de la coopération (1992), Centre Nord- Sud, Conseil de l’Europe, Program Transmed.
وانظر تحليلًا تفصيليًا لهذا الاتجاه في د. نادية محمود مصطفى: الأبعاد الثقافية…، مرجع سابق، ص ص 464- 466.
14- انظر على سبيل المثال:
Bichara Khader: Pour un dialogue culturel euro- méditerranéen renové (dans): Bichara Khader: Monde Arabe et Géopolitique Arabe, Centre d’Études et de Recherches sur le monde arabe contemporain, Département des sciences de la population et du développement, Université Catholique de Louvain, Belgique, 2004.
15- انظر رصدًا لبعض هذه الجهود عقب مؤتمر برشلونة في: د. نادية محمود مصطفى، مرجع سابق، ص ص 472- 476.
16- د. نيفين عبد الخالق: المشروع المتوسطي: الأبعاد الثقافية (في) د. نادية محمود مصطفى (محرر)، مرجع سابق.
17- نصر عارف: في مصادر التراث السياسي الإسلامي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1994، ص ص 55- 95.
18- مجموعة باحثين: إشكالية العلاقة الثقافية مع الغرب، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1997.
19- د. محمد السيد سليم: مرجع سابق، ص ص 1- 8.
20- د. نادية محمود مصطفى: التحديات السياسية الخارجية للعالم الإسلامي: بروز التحديات الثقافية الحضارية (في) د. نادية مصطفى، د. سيف الدين عبد الفتاح (محرران) الأمة في قرن، العدد الخاص من حولية أمتي في العالم، مركز الحضارة للدراسات السياسية، دار الشروق الدولية، 2002، الكتاب السادس.
– انظر أيضًا د. محمد السيد سليم: أثر التحولات العالمية على العالم الإسلامي (في) د. حسن العلكيم (محرر) قضايا إسلامية معاصرة، مركز الدراسات الآسيوية، كلية الاقتصاد، جامعة القاهرة، 1997.
21- د. محمد السيد سليم: الشراكة الأوروبية…، مرجع سابق ص 9، ص ص 13- 15.
22- انظر على سبيل المثال: د. نادية محمود مصطفى: قضية الهوية واللغة في الجامعات العربية: دراسة حالة جامعة القاهرة، بحث مقدم لأعمال المؤتمر السنوي لاتحاد الجامعات العربية، قطر، أكتوبر 2002.
23- Samir Amin: Faillite du partenariat Euro- Méditerranéen (dans) Bichara Khader (ed) Le partenariat Euro- méditerranéen vu du Sud, 2001.
24- انظر هذه النتائج في:
– د. نادية محمود مصطفى: المشروع المتوسطي: الأبعاد السياسية، مرجع سابق، ص ص 456- 459.
كذلك انظر تحليلًا لخبرة العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والمنطقة العربية، والتي تطورت في ظلها السياسة المتوسطية الأوروبية طوال ما يزيد عن الثلاثة عقود وحتى ما قبل مشروع برشلونة: د. نادية محمود مصطفى: تطور السياسات الأوروبية تجاه المنطقة العربية: القضايا والمسار والمحددات (1945- 1991). بحث مقدم إلى الندوة المصرية- الفرنسية الحادية عشرة: الاتحاد الأوروبي والوضع السياسي الجديد في المنطقة العربية (1991- 2003) بالتعاون بين مركز البحوث والدراسات السياسية، ومركز الدراسات والتوثيق الاقتصادية والقانونية الفرنسي، 14- 15 يناير 2004، (تحت الطبع).
25- انظر على سبيل المثال: د. حامد عبد الماجد، د. نادية أبو غازي: مستقبل المشاركة المتوسطية المصرية، دراسة في إدراكات الرأي العام وقواه السياسية الأساسية (في) الندوة المصرية الفرنسية الحادية عشرة: الاتحاد الأوروبي والوضع السياسي الجديد في المنطقة العربية (1991- 2003)، مرجع سابق.
26- من واقع بحوث ومناقشات إحدى جلسات المؤتمر الذي نظمته مؤسسة سان أجيديو الإيطالية في ميلانو 4- 7/9/2004 تحت عنوان: حوار الثقافات: الشجاعة نحو إنسانية جديدة، وهي الجلسة بعنوان: الاتحاد الأوروبي وأوروبا الكبرى وشارك فيها مدير العلاقات الخارجية لبطريركية موسكو، ورجل دين من كنيسة اليونان الأرثوذكسية، وأستاذة من جامعة أوسلو، وعضو برلمان في جمهورية التشيك، ورجل دين من كنيسة ألمانيا الكاثوليكية.
27- انظر: نادية محمود مصطفى: مدخل منهاجي لدراسة التطور في وضع ودور العالم الإسلامي في النظام الدولي، الجزء السابع من مشروع العلاقات الدولية في الإسلام، المعهد العالمي للفكر الإسلامي في 1996، ص 67- 70.
28- نادية محمود مصطفى: العصر العثماني: من القوة والهيمنة إلى بداية المسألة الشرقية، الجزء 11 من مشروع العلاقات الدولية في الإسلام، المرجع السابق.
29- انظر تحليلًا “ممتدًا” لهذه القضية في: المرجع السابق.
30- حول أبعاد هذه المرحلة انظر على سبيل المثال طارق البشري: في المسألة الإسلامية المعاصرة، دار الشروق، القاهرة، الأجزاء الستة وهي تحت عنوان، ماهية المعاصرة، الحوار الإسلامي العلماني، الوضع القانوني بين الشريعة الإسلامية والقانون الوصفي، بين الإسلام والعروبة، بين الجامعة الدينية والجامعة الوطنية في الفكر السياسي، الملامح العامة للفكر السياسي الإسلامي في التاريخ المعاصر.
– د. عبد الوهاب المسيري: فقه التحيز، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1992.
– د. نادية محمود مصطفى: التحديات السياسية الخارجية، مرجع سابق.
31- Tomaz Mastnak: Islam and the creation of European Identity, Center for the study of Democracy, Research papers, Number 4, Autumn 1994.
انظر أيضًا: د. حسن نافعة: الاتحاد الأوروبي، وكيفية الاستفادة عربيًا منه، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2004.
32- د. حامد ربيع: الحوار العربي الأوروبي، استراتيجية التعامل مع القوى الكبرى، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1980.
– د. حامد ربيع (إشراف): المضمون السياسي للحوار العربي الأوروبي، القاهرة، معهد البحوث والدراسات العربية، 1977.
33- د. سمعان بطرس فرج الله: مصر والدائرة المتوسطية: الواقع والمستقبل حتى 2020، منتدى العالم الثالث (مكتبة مصر 2020)، دار الشروق، القاهرة، ط 2002، ص ص 202- 204.
34- د. محمد السيد سليم: الشراكة الأوروبية المتوسطية…، مرجع سابق، ص ص 11- 13.
35- د. سمعان بطرس فرج الله: مصر والدائرة المتوسطية، مرجع سابق، ص ص 206- 207، ص ص 136- 139.
وحول مزيد من التحليلات عن المواقف الأوروبية من قضية حقوق الإنسان والديموقراطية وما يثور حولها من انتقادات انظر:
– د. هويدا عدلي رومان: رؤية منظمات حقوق الإنسان لسياسات الاتحاد الأوروبي تجاه قضية حقوق الإنسان والتحول الديمقراطي في مصر. بحث مقدم إلى الملتقى المصري الفرنسي الحادي عشر تحت عنوان الاتحاد الأوروبي والوضع السياسي الجديد في المنطقة العربية (1991- 2003)، مرجع سابق.
– Béchir chourou: Security Partnership and democratization: Perception of the activities of Northern Security institutions in the South (in) H.G. Brauch, A. Marquina, A.Biad (eds) Euro- Mediterranean partnership for the 21st century, Palgrave, 2003.
36- انظر على سبيل المثال
بحوث ندوة “نقاشات الهوية في أوروبا والعالم العربي: رؤى مقارنة” وهي البحوث التي غطت ثلاثة محاور وهي: الثقافة والهوية، الهوية والدين، الهوية والمواطنة، مركز الدراسات الأوروبية بالتعاون مع مؤسسة كونراد اديناور، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 14- 15/ 9/ 2004.
37- وحول إشكاليات الوجود المسلم في أوروبا انظر على سبيل المثال:
– د. عمرو الشوبكي: خبرة المسلمين في فرنسا بين التعايش والاندماج، بحث مقدم إلى ندوة “حوار الثقافات مسارات وخبرات متنوعة، برنامج حوار الحضارات، كلية الاقتصاد، جامعة القاهرة، سبتمبر 2003، (تحت الطبع).
– د. يورجين نيلسون: أثر الإسلام في أوروبا الغربية المعاصرة، المرجع السابق (تحت الطبع)
وحول خريطة الهجرة إلى أوروبا وأبعادها في العلاقات العربية الأوروبية وفي الحوار الثقافي انظر على سبيل المثال:
Bichara Khader، op. cit., chapitre viii, pp. 116- 181, pp. 219- 223.
38- د. سمعان بطرس فرج الله: مرجع سابق، ص ص 205- 206.
39- د. محمد السيد سليم: مرجع سابق، ص ص 14- 15.
40- د. نادية محمود مصطفى: إشكاليات الاقتراب من…، مرجع سابق.
41- د. نادية محمود مصطفى: من جدالات العولمة: بروز الأبعاد الثقافية الحضارية، رؤية إسلامية، منتدى حوار الثقافات، العدد الثاني، أغسطس 2004، الهيئة القبطية الإنجيلية.
42- د. نادية محمود مصطفى: تعزيز التعاون مع المؤسسات الثقافية خارج العالم الإسلامي (في) نحو مشروع حضاري لنهضة العالم الإسلامي (البعد الثقافي)، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، المؤتمر السنوي الحادي عشر للعام 1999، القاهرة (2000).
43- د. نادية محمود مصطفى: الأبعاد السياسية للتحديات الثقافية: من تحديات العولمة إلى تحديات ما بعد الحادي عشر من سبتمبر: بحث مقدم إلى المؤتمر الدولي “العالم الإسلامي في القرن 21، مركز الدراسات الاستراتيجية، وزارة الخارجية التركية، استانبول 11- 12/ 6/ 2004.

للتحميل اضغط هنا 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى