الاتحاد الأوروبي والديمقراطية في العالم العربي: معضلة القيم والأمن

مقدمة:

حين يناقَش موضوع العلاقات الأوروبية العربية والسياسات الأوروبية بشأن دعم الديمقراطية في العالم العربي، فإن أول ما يثار ذلك السؤال التقليدي: لماذا تدافع أوروبا عن الديمقراطية في العالم العربي ولماذا تتغاضى أحيانًا كثيرة؟ فسياسات الاتحاد الأوروبي الرامية إلى دعم الديمقراطية في العالم العربي على تعدُّدها، وعلى الرغم من وفرة الموارد المالية والبشرية المخصَّصة لهذا الهدف، محدودة التأثير والفعالية. في أغلب الأحوال تكون الإجابة أن المصلحة هي العامل الحاكم في نهاية الأمر؛ إذ لن يضحِّي الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء بمصالحه الاقتصادية والتجارية والسياسية في علاقاته مع شركائه من نظم عربية من أجل إقامة أنظمة حكم ديمقراطية تحقِّق مصالح المجتمعات والشعوب العربية.

وإذا كانت هذه الإجابة صحيحة في مجملها، فإن الدقَّة تقتضي عدم اعتمادها على إطلاقها. صحيح أن هناك تعارضًا في أحيان كثيرة بين القيم المدونة في الخطاب الأوروبي والمصلحة المتمثلة في ضمان أمن أوروبا وتحقيق أهدافها الاقتصادية والتي تصطدم بسياسات دعم الديمقراطية، لكن الأمر يتطلَّب بحثًا أكثر تفصيلًا في تحديد ماهية هذه المصالح وطبيعتها وأوزانها النسبية في صياغة أهداف السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي بشكل عام، وسياسات التوجُّه الأوروبي نحو المنطقة العربية وأولوياته بشكل خاص.

بناءً على ما سبق، تهدف هذه الورقة إلى دراسة أنماط التوجُّه الأوروبي نحو المنطقة العربية فيما يتَّصل بقضية الديمقراطية على صعيد الخطاب والسياسات. وتفترض الورقة أن من بين الأبعاد المتعددة لشبكة المصالح التي تربط الاتحاد الأوروبي بالعالم العربي فإن الاعتبارات الأمنية هي الدافع الرئيسي والمحدد الأهم لتوجُّه الاتحاد الأوروبي تجاه العالم العربي والمحرِّك لسياساته.

وتنقسم الورقة إلى ثلاثة أقسام: الأول يدرس خطابات دعم الديمقراطية في وثائق الاتحاد الأوروبي. هذا الخطاب يُبنى بشكل رئيسي على تصور الاتحاد الأوروبي لدوره الخارجي بوصفه فاعلًا معياريًّا Normative actor يسعى نحو نشر قيم الديمقراطية الليبرالية داخل حدوده وخارجها؛ إقليميًّا ودوليًّا. القسم الثاني يتناول نماذج لخطابات وسياسات دعم الديمقراطية في المنطقة العربية. وفي هذا الصدد لا تقدِّم الورقة رصدًا شاملًا لتلك السياسات ولكن رسمًا لنمط تلك السياسات عبر نقاط زمنية مختلفة. ويتناول القسم الأخير مواقف الاتحاد الأوروبي إزاء موجات التحول الديمقراطي في العالم العربي وتداعياتها.

والهدف هنا ليس قياس تأثير أو فعالية سياسات الاتحاد الأوروبي لدعم الديمقراطية في العالم العربي، ولا تقييم العلاقة بين الخطاب والسياسات، فهذا موضوع تناولته جُلُّ أدبيات تقييم العلاقات الأوروبية-العربية في مجال الإصلاح السياسي ودعم الديمقراطية، والتي تتَّفق جميعها على وجود فجوة بين الخطاب والسياسات وإشكالية العلاقة بين المصلحة والقيم. وبالتالي ما من جديد تثبته الورقة أو تنفيه في هذا الصدد. إنما الهدف هو اختبار فرضية الدراسة بأن الاعتبارات الأمنية هي المحدِّد الرئيسي لسياسات الاتحاد الأوروبي تجاه المنطقة العربية على النحو السابق ذكره.

أولًا- رؤية الاتحاد الأوروبي بشأن دعم الديمقراطية

إن أحد أهداف عملية التكامل الأوروبي التي بدأت منذ خمسينيات القرن العشرين تشكيل هوية أوروبية أحد أركانها نبذ الصراعات التي كانت جزءًا من التاريخ الأوروبي، وبناء أوروبا جديدة بعيدة الصلة عن هذا التاريخ. وصار هذا المكون من الهوية قوة دافعة لسياسات الاتحاد الأوروبي الخارجية[1]. وبات دعم الاستقرار من خلال نشر قيم الديمقراطية الليبرالية وبرامج التعاون التجاري والمساعدة المالية في مناطق الجوار الأوروبي إحدى وسائل حماية الأمن الأوروبي ومنع انتقال الصراعات إلى داخل حدوده مجدَّدًا.

وبشكل عام اعتمد الاتحاد الأوروبي على ثلاث أدوات رئيسية لنشر الديمقراطية في المحيطين الإقليمي والدولي[2]:

* الاتفاقات الثنائية والإقليمية: وتتضمَّن بنودًا تلزم الدول الشريكة بتحقيق إصلاحات سياسية وديمقراطية واقتصادية، وكذلك إصلاحات في الهياكل الإدارية والتشريعية للدولة. وفي المقابل يلتزم الاتحاد الأوروبي بتقديم مزايا تجارية واقتصادية وحزم مساعدات وفقًا لبرامج تمويلية تتحدَّد حسب طبيعة الاتفاق؛ سواء أكان اتفاق عضوية أم اتفاق شراكة وتعاون.

* الأدوات التمويلية التي تستهدف تقديم المساعدات من أجل الديمقراطية وهي؛ الأداة الأوروبية للديمقراطية وحقوق الإنسان European Instrument for Democracy and Human Rights والتي أطلقت عام 1994 وتستهدف منظمات المجتمع المدني، والوقف الأوروبي من أجل الديمقراطية European Endowment for Democracy، وأنشئ عام 2012 بهدف تشجيع الديمقراطية في الدول التي تمرُّ بمرحلة انتقالية، وأداة التعاون من أجل التنمية Development Cooperation Instrument، والأداة التمويلية من أجل الاستقرار Instrument for Stability.

* الإجراءات العقابية ضد الحكومات والكيانات غير الحكومية، بما في ذلك الأفراد أو الجماعات الإرهابية. وتنظم قرارات المجلس الأوروبي استخدام التدابير العقابية بما يتَّسق مع أهداف السياسة الخارجية والأمنية المشتركة والتزامًا بقواعد القانون الدولي؛ بحيث تكون الإجراءات العقابية هي الملجأ الأخير.

1- دعم الديمقراطية كقضية أمنية في الوثائق الأوروبية:

يعدُّ هدف دعم الديمقراطية أحد ثوابت السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي المذكورة بوضوح في وثائقه التأسيسية. فنصَّت معاهدة ماستريخت المؤسِّسة للاتحاد الأوروبي (1992) ومعاهدة أمستردام المعدِّلة لها (1997) على أن من أهداف السياسة الخارجية والأمنية المشتركة “دعم الديمقراطية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية”[3]. ونصَّت معاهدة لشبونة (2008) على استناد السياسات الخارجية الأوروبية إلى مبادئ الديمقراطية وسيادة القانون وعالمية وشمولية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، والتعاون في جميع مجالات العلاقات الدولية من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف من بينها “دعم وتعزيز الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان ومبادئ القانون الدولي”[4].

وعكست تلك المعاهدات وغيرها من الوثائق الأوروبية(*) إدراك الاتحاد الأوروبي للتهديدات الأمنية المرتبطة بنواتج عدم الاستقرار والسلطوية والتدهور الاقتصادى والاجتماعى، وما لذلك من تداعيات على الداخل الأوروبي الذي لم يَعُدْ منفصلًا عن تطورات الأحداث خارجه[5]. ومنذ نهاية الحرب الباردة صارت حماية الأمن الأوروبي مرتبطة بدفع التحول الديمقراطي في دول الجوار الجغرافي الأوروبي، في غرب البلقان وجنوب القوقاز وجنوب المتوسط، وبالذات بعد سبتمبر 2001، لأن افتقاد مقوِّمات الاستقرار السياسي والاجتماعى والرفاهة الاقتصادية داخل دول الجوار أدَّى إلى موجات واسعة من الهجرة حملت مخاطر انتقال التطرف إلى الداخل الأوروبي. واتجه الاتحاد الأوروبي إلى القيام بدور في عمليات إعادة البناء في مراحل ما بعد الصراع، باستخدام وسائل المعونة المالية والمساعدة الفنية والإدارية ودعم منظمات المجتمع المدني ودعم عملية التحول الديمقراطي وتحفيزها[6].

ومنذ سبتمبر 2001 والربط بين الديمقراطية والحريات السياسية من ناحية والأمن الأوروبي والحرب على الإرهاب من ناحية أخرى حاضر في الخطاب الرسمى الأوروبي، سواء أفي تصريحات مسؤولين أوروبيِّين أم في وثائق رسمية أوروبية أهمها “الإستراتيجية الأمنية الأوروبية” 2003[7].

هذه الرؤية المعبَّر عنها في الوثائق التأسيسية الأوروبية مصدرها تصور الاتحاد الأوروبي لدوره كفاعل معيارى دولي من خصائصه وجود قاعدة من القيم والمعايير التي تنظم هذه العلاقات لا مجموعة من القواعد والمؤسسات التي تدير العلاقات بين الدول الأعضاء فحسْب. كما أن مواجهة الاتحاد الأوروبي لتحديات أمنية من خارج حدوده تجعله في حاجة دائمة إلى تعزيز قنوات التواصل مع دول الجوار الأوروبي. ولكن غالبًا ما تتَّخذ هذه العلاقة بين داخل الاتحاد وخارجه طابعًا فوقيًّا اعتماديًّا كعلاقة المركز بالأطراف، تعتمد فيه دول الجوار على الاتحاد من خلال برامج الدعم المالى والمؤسَّسي وتفعيل منظومة القيم الأوروبية عن طريق هذه البرامج. وبالتالي يكون للاتحاد الأوروبي قدر من الهيمنة يكفل له تحقيق أمنه وحمايته[8].

ويصف بعض الباحثين سعي الاتحاد الأوروبي نحو نشر قيمه الليبرالية المؤسِّسة خارج حدوده بأنه “توسُّعية ليبرالية Liberal expansionism”. فسياسات دعم الديمقراطية في الدول غير الليبرالية هي إحدى وسائل حماية الأمن الأوروبي. وما دام الاتحاد الأوروبي يقدِّم نفسه كفاعل دولي ليبرالي، فيتصور أن يكون الفاعلون غير الليبراليين هم مصدر تهديد أمنه. ومن الوارد استخدام القوة العسكرية لنشر القيم الليبرالية خارج الحدود الأوروبية ولكن في إطار قواعد القانون الدولي[9].

وفي هذا الصدد تجدر الإشارة سريعًا إلى مفهوم “القوة المعيارية” الذي يُستخدم أحيانًا لوصف الدور الدولي للاتحاد الأوروبي.

2- أوروبا كقوة معيارية Normative Power Europe:

في السبعينيات من القرن العشرين أُنتجت أدبيات تعتبر أوروبا “قوة مدنية Civilian power” قائمة على العمل المؤسسي متعدِّد الأطراف ودورها الاقتصادي مؤثر أكثر من دورها العسكري. وتعزَّزت هذه الرؤية بعد الحرب الباردة، وإن كانت تعرَّضت قبلها لانتقادات كونها تنزع الأهمية عن القوة العسكرية في وقت تحتاج فيه أوروبا إلى الاستقلال العسكري عن الولايات المتحدة وإلى قوة تواجه خطر التهديد السوفييتي[10].

وفي عام 2000، طرح إيان مانرز  Ian Mannersمفهوم “القوة المعيارية” الذي انتقل من ثنائية القوة المدنية/القوة العسكرية إلى استدعاء الأبعاد غير المادية والعمليات الإدراكية لدى صانعي القرار. ويحدِّد مانرز أن قوة الاتحاد الأوروبي المعيارية تستند إلى عناصر فكرية وترتكز على مبادئ مشتركة. فمناط الأمور هنا ليس مجرد تعظيم القدرات الاقتصادية والعسكرية، ولكن في التصورات حول كيفية توظيف هذه الأدوات دوليًّا من أجل تحقيق عدالة اقتصادية وتهدئة الصراعات[11]. وفي الوقت نفسه فإن وصف فاعل دولي بالقوة المعيارية لا ينفي إمكانية كونه قوة عسكرية واقتصادية أيضًا[12].

ويحدِّد مانرز “الأسس المعيارية للاتحاد الأوروبي” في خمسة معايير أساسية مستقاة من وثائق الاتحاد (الاتفاقيات والتصريحات والسياسات) هي السلام والحرية والديمقراطية وحكم القانون واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، ويضيف إليها أربعة معايير فرعية هي التقدُّم الاجتماعي ومكافحة التمييز والحكم الرشيد والتنمية المستدامة. ويقول مانرز إن وصفه الاتحاد الأوروبي بالقوة المعيارية له شقَّان: شقٌّ هيكلي يتَّصل بتكوين الاتحاد الأوروبي القائم في حدِّ ذاته على هذه الأسس المعيارية، وشقٌّ يتَّصل بتشكيل بالسلوك الخارجي للاتحاد الأوروبي كفاعل دولي معيارى[13].

لكن هذه الأسس المعيارية في حدِّ ذاتها لا تجعل من الاتحاد الأوروبي قوة معيارية بالضرورة، وإنما يكتسب الاتحاد قوته المعيارية من تصدير تلك الأفكار والمبادئ إلى غيره من الفاعلين الدوليِّين، إمَّا لكونه نموذجًا تتطلَّع إليه الدول الأخرى، وإما توجيهًا من خلال التصريحات المعلنة لمسؤولين في الاتحاد أو نصوص مبادرات الاتحاد بسياسات جديدة، وإما إجرائيًّا من خلال اتفاقات التعاون أو العضوية[14]. فمُمارسة القوة المعيارية تستلزم وجود فاعل دولي آخر يسعى أيضًا إلى إحداث تغيير على مستوى القيم من خلال استلهام النموذج الأوروبي ويتقبَّل -من ثم- التوجيهات والسياسات الأوروبية في هذا السياق[15].

وهنا يتعيَّن التمييز بين مستويين لممارسة الاتحاد الأوروبي دوره كقوة معيارية؛ مستوى الدول الراغبة في الانضمام لعضوية الاتحاد (التوسيع)، ومستوى دول الجوار (مبادرات الشراكة والتعاون).

وتشير الخبرة الواقعية إلى أن قدرة الاتحاد الأوروبي على ممارسة قوَّته المعيارية كانت أكبر في حالة اتفاقات العضوية منها في حالات اتفاقات الشراكة والتعاون لدول الجوار، إذ إن العضوية كانت حافزًا لتقبُّل الدول إحداث تغيير على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والقيمي، في حين لم تكن الحوافز المقدَّمة في برامج الشراكة والمساعدة بالقدر الضروري لدفع الدول نحو إحداث التغيير المنشود. كما أن مفاوضات العضوية تمنح الاتحاد الأوروبي الشرعية لفرض أجندته المعيارية على الدول، كما تعطي النخب السياسية في هذه الدول غطاء سياسيًّا للقيام بإصلاحات اقتصادية وسياسية قد لا تكون مقبولة في الداخل في حينها، وهذا النمط من الإصلاحات والتحولات المطلوبة يختلف تمامًا عن ذلك المنصوص عليه في اتفاقات الشراكة والتعاون[16].

ومع ذلك يتساءل مانرز: هل تتجاوز القوة المعيارية الأوروبية البعد الخطابى المعبر عن تصورات الاتحاد الأوروبي الذاتية إلى صعيد التطبيق؟ وهو سؤال وثيق الصلة بموضوع هذه الورقة، وخاصة في القسم الثاني المتعلق بالآليات والسياسات.

ويقول توماس ديز Thomas Diez إن مفهوم القوة المعيارية لأوروبا يُنتقد أحيانًا من زاوية أن تلك القيم والمعايير وظيفتها خطابية في الأساس، يسعى من خلالها الاتحاد الأوروبي نحو تعظيم مصالحه عن طريق تغليفها بخطاب قيمى. وتعد قضية الهجرة أحد مظاهر التناقض بين المعايير والمصالح. فإذا تعارض الاستقرار كقيمة مع معايير حقوق الإنسان، فستكون الأولوية للاستقرار كخيار إستراتيجي[17].

ووفقًا لـه فإن تحديد الكفة الراجحة بين المصالح والمعايير يستلزم أولا وضع حدٍّ فاصل وواضح بينهما، ومع ذلك يقرُّ بصعوبة هذا الفصل ومن ثم استحالة دراسة المعايير والقيم دون النظر إلى منظومة المصالح الإستراتيجية[18]. وبالتالي يمكن تبرير ما قد تحمله السياسات الأوروبية من تناقض بوجود “معايير متنافسة”، مثل الاستقرار والديمقراطية، أو اختلاف المعايير بين الاتحاد الأوروبي والفاعلين الآخرين ورفضهم فرضها عليهم (عدم عالمية المعايير الليبرالية)، أو بوجود سبل متعدِّدة لتحقيق المعايير[19].

ثانيًا خطاب وسياسات الاتحاد الأوروبي بشأن الديمقراطية في العالم العربي

لطالما كان التوجُّه نحو المنطقة العربية من أركان السياسة الخارجية الأوروبية، وبالذات منذ السبعينيات من القرن العشرين، حين بيَّنت أزمة النفط إبان حرب 1973 ارتباط أمن أوروبا –لا سيما أمنها الاقتصادي- باستقرار المنطقة العربية التي تمدُّ أوروبا بحوالي ثلثي احتياجاتها من النفط. وفي مبادرة الحوار العربي-الأوروبي (1973) ارتكز الاهتمام الأوروبي على تأمين انتظام إمدادات النفط إليه من المنطقة العربية، في حين طغى البعد السياسي على اهتمام الطرف العربي، لا سيما الأمور المتعلقة بمسار القضية الفلسطينية[20].

ولقد تزامنت نهاية الحرب الباردة وإعادة توحيد أوروبا مع دخول التكامل السياسي الأوروبي مرحلة جديدة بإقرار معاهدة ماستريخت المنشئة للاتحاد الأوروبي (1992) والتوسيع الثالث لعضويَّته إلى خمس عشرة دولة عضوًا. وعلى الصعيد العربي تزامن تصدُّع النظام الإقليمي العربي بفعل تداعيات الغزو العراقي للكويت وحرب الخليج الثانية بقيادة أمريكية مع انطلاق عملية التسوية السياسية للصراع العربي-الإسرائيلي برعاية أمريكية أيضًا. وبات الأمن الأوروبي مرتبطًا بشكلٍ كبيرٍ بدعم الاستقرار في المنطقة العربية من خلال دفع عملية التسوية، وكذا من خلال تحفيز الإصلاح السياسي والديمقراطي في المنطقة.

في ظل تلك التطورات كان ضروريًّا أن يضطلع الاتحاد الأوروبي بدور سياسي جديد -إقليميًّا ودوليًّا- خارج إطار الهيمنة الأمريكية، واستجابة لأشكال جديدة من التهديدات الأمنية غير تلك التي سادت خلال الحرب الباردة.

وإحدى الإشكاليات المرتبطة بهذا الدور إشكالية العلاقة بين الديمقراطية والاستقرار، وهي إشكالية ذات مستويين[21]:

  • هل الديمقراطية وسيلة لتحقيق الاستقرار في المنطقة، كون المشاركة السياسية لجميع فئات المجتمع عبر الآليات الديمقراطية المتعارف عليها تحمي المجتمع والدولة من انتشار العنف السياسي؟ أم أنها –أى الديمقراطية- قد تكون أحد عوامل زعزعة الاستقرار إذا ما أتت بالإسلاميِّين إلى الحكم؟
  • أي استقرار؟ استقرار الدول، عن طريق دعم الإصلاح الاقتصادي والسياسي وفقًا للمعايير الليبرالية الغربية؟ أم استقرار النظم الحاكمة، من خلال التعاون الاقتصادي والتنسيق السياسي والأمني لاحتواء التهديدات النابعة من المنطقة، وخاصة التطرف والهجرة؟

وظلَّت هذه الإشكالية قائمة في مسار التوجُّه الأوروبي نحو المنطقة العربية عبر مراحله المختلفة، وكانت حماية أمن أوروبا هي الهدف الموجه لهذا المسار والمحدِّد لسياساته وأدواته.

1- نهاية الحرب الباردة وبداية توجُّه أوروبي جديد: الشراكة الأوروبية المتوسطية (1995)

تُعتبر الشراكة الأوروبية المتوسطية (1995) حصيلةً للمبادرات الدبلوماسية الأوروبية تجاه المنطقة العربية وحوض المتوسط منذ نهاية الحرب الباردة. وكان الدافع الأمني حاضرًا في هذه المبادرة خشية أن يكون عدم الاستقرار السياسي في المنطقة تربة خصبة لتنامي الحركات الأصولية بما لذلك من توابع سلبية من أهمِّها تزايد موجات الهجرة من جنوب المتوسِّط إلى شماله وتزايد دور الحركات الأصولية داخل أوروبا، وفي ذلك تهديد للأمن الأوروبي[22].

باختصار، كان البعد الاقتصادي هو المحرِّك للتوجُّه الأوروبي تجاه العالم العربي إبان الحرب الباردة، في حين كان البعد السياسي-الأمني هو المحرِّك لعملية برشلونة انطلاقًا من محورية قضايا “الهجرة من الجنوب والإرهاب والتطرف” في رؤية الاتحاد الأوروبي لجواره الجنوبى[23]. وكانت عملية برشلونة هي القناة الرئيسية -إن لم تكن الوحيدة- التي يولِي من خلالها الاتحاد الأوروبي الاهتمام بالإصلاح السياسي. فعلى صعيد دول مجلس التعاون الخليجى، كانت القضايا التجارية هي محور العلاقات، ولم ينشئ الاتحاد الأوروبي برامج أو منحًا لتعزيز الإصلاح السياسي والديمقراطي[24].

ونصَّ إعلان برشلونة 1995 على أن الهدف الأساسي للمبادرة هو تحويل حوض المتوسط إلى ساحة للحوار والتعاون لضمان السلام والاستقرار والازدهار. كما نصَّ على أن تحقيق هذا الهدف يتطلَّب دعم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة ومستدامة، وإجراءات للقضاء على الفقر وتعزيز التفاهم بين الثقافات[25].

وأشار بيان قادة الدول الأورومتوسطية الصادر عام 2005 بمناسبة مرور عشر سنوات على برشلونة، وكذلك برنامج العمل لخمس سنوات حتى 2010، إلى عمل الدول الأعضاء على تعزيز السلم والاستقرار والأمن في المنطقة من خلال آليات عديدة من بينها احترام سيادة القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان. كما أشارت الوثيقتان إلى عزم الاتحاد الأوروبي التعاون مع الدول الشريكة من أجل تحقيق الإصلاحات السياسية استنادًا إلى “المبادئ العالمية والقيم المشتركة […] بما يتوافق مع الأولويات القومية” للدول الشريكة[26].

لكن وثائق الشراكة الأوروبية المتوسطية المتعدِّدة لم تعبِّر عن رؤية أحادية للاتحاد الأوروبي، بل كانت نتاج مفاوضات وتوافق بين الأطراف المختلفة أسْفرت عن خطاب عام وفضفاض عن الالتزام بمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.

وبقراءة الوثائق الأوروبية الصادرة في إطار عملية برشلونة، ومتابعة السياسات المنبثقة عنها منذ العام 1995، يمكن إيراد عدَّة ملاحظات[27]:

أ) ظلت تلك الوثائق تؤكِّد على أن تحقيق الأمن في المنطقة رهن بتسوية الصراع العربي-الإسرائيلى (المسار الفلسطيني على وجه الخصوص). وعلى الرغم من التأكيد الدائم والمتواصل على أهداف دعم الديمقراطية وحكم القانون واحترام حقوق الإنسان، إلا أن الإشارة إليها في تلك الوثائق ظلَّت شديدة العمومية، ولم تنصَّ الوثائق على آليات محدَّدة لإنجاز تلك الأهداف أو قياس مدى التزام الدول الشريكة بتحقيق تقدُّم في ذلك الملف.

ب) كان الهدف النهائي من عملية برشلونة هو إنشاء منطقة تجارة حرة أورومتوسطية بحلول العام 2010، وبالتالي بدتْ جميع الأهداف المبتغاة في تلك الفترة سبيلًا إلى تحقيق هذا الهدف الكبير والأساسي. وذكرت الوثائق الصادرة عن الاجتماعات الوزارية الدورية لعملية برشلونة آليات محددة لتحقيق هذا الهدف، وظلت وثائقها أكثر وضوحًا وتحديدًا في تقييم المسار المتعلق بالمسائل الاقتصادية والتجارية، بل وجعلت إنجاز اتفاقات المشاركة الثنائية بين الاتحاد الأوروبي والدول المتوسطية مرتبطًا بتحقيق تقدُّم في مفاوضات هذا المسار، في حين لم تحدَّد أي خطوات عملية أو آليات واضحة لمتابعة ملفات الإصلاح السياسي والديمقراطي، ولم تضع خططًا زمنية لتنفيذ الأهداف ومعايير لقياس التقدُّم[28].

ج) إلى جانب الإشارات العابرة شديدة العمومية لقضية الديمقراطية في وثائق عملية برشلونة، لم تربط أيٌّ من تلك الوثائق بين عملية الإصلاح السياسي وتعزيز الديمقراطية من ناحية وتقديم حوافز مالية واقتصادية من ناحية أخرى، إلا في الوثيقة الصادرة عن المؤتمر الوزارى السادس في مدينة نابلس الإيطالية عام 2003، إذ ورد فيها أن الاتحاد الأوروبي سوف يأخذ في الاعتبار درجة التعاون المتحقِّق من جانب الدول الشريكة في مجال الإصلاح السياسي والديمقراطي حين توزيع المخصَّصات المالية في إطار برامج “ميدا” (الأداة التمويلية للشراكة الأوروبية-المتوسطية)[29].

ويرجع هذا الأمر إلى غياب “التضمين الواضح والمنتظم لتقييم التقدُّم المُحْرَز والانتكاسات المتَّصلة بدعم وتطبيق حقوق الإنسان” في جدول اجتماعات الهيئات المسؤولة عن متابعة اتفاقيات المشاركة الثنائية، وافتقار تلك الاتفاقيات إلى “معايير دقيقة تحدد أي نوع من ’الإجراءات المناسبة‘ يجب استخدامه في التعامل مع هذه الانتهاكات”[30].

بناءً على ما سبق، نلاحظ أن وثائق عملية برشلونة لم تحدِّد دعم الديمقراطية في جنوب المتوسط كأولوية، وإن أشارتْ إليها كمسألة أمنية مهمَّة لدعم الاستقرار في المنطقة. بل كانت التسوية السياسية للصراع العربي-الإسرائيلى هي القضية الأمنية الأهم، وازدادت أهميةً وإلحاحًا بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في سبتمبر 2000.

2- ما بعد سبتمبر 2001: أجندة جديدة للسياسة الخارجية الأوروبية

منذ أحداث سبتمبر 2001، صار انتشار التطرف والإرهاب هو التحدِّي الأمني الأكبر أمام الاتحاد الأوروبي. وصار الإصلاح السياسي والاقتصادي، إلى جانب الحوار الثقافي، ضرورة ملحَّة لمعالجة جذور التطرف ونشر ثقافة الديمقراطية في جنوب المتوسط.

وقد سعى الاتحاد الأوروبي معظم الوقت إلى أن تتميَّز سياساته وتختلف عن السياسات الأمريكية الداعية إلى التدخُّل لفرض الديمقراطية في المنطقة العربية بالقوة العسكرية في إطار ما سُمِّيَ حينئذ بالحرب على الإرهاب عن طرق انتهاج سياسات الإصلاح التدريجي. وبينما تكرَّرت الإشارة إلى “تغيير النظام” في الخطاب الأمريكي، استخدم الخطاب الأوروبي (القومي والجماعي) مفردات “نشر القيم الليبرالية” و”التعددية” و”سيادة القانون”. فالمساعدات المالية والدعم الأوروبي للدول العربية لم تخصَّص صراحة تحت اسم دعم الديمقراطية أو الإصلاح السياسي، وإنما وجِّهت إلى جوانب أشمل وأعم، مثل حقوق الإنسان وسيادة القانون والحكم الرشيد، إضافة إلى المشروعات الثقافية والتعليمية والتنموية، وذلك بهدف إعداد بيئة ملائمة لتغيير ديمقراطي جذري(*). وكان التوجُّه الأوروبي نحو المنطقة العربية يتَّخذ شكل مبادرات متعدِّدة الأطراف واتفاقات شراكة وتعاون، عكس المبادرات أحادية الجانب التي طرحتْها الولايات المتحدة في تلك الفترة مثل “الشرق الأوسط الكبير” بلا تشاور مع شركائها المحليِّين من الحكومات وممثلي منظمات المجتمع المدني[31].

معني ذلك أن الرؤية الأوروبية لا ترى جدوى من برامج دعم الديمقراطية في غياب أطر ثقافية واجتماعية حاضنة وداعمة لثقافة الديمقراطية وقيمها.

لكن اتجاهًا آخر من الرأي يرجِّح العكس؛ فيقول إن “تكريس ثقافة احترام حقوق الإنسان لا يتحقَّق إلا في إطار عملية تحول ديمقراطي حقيقي”، إذ إن أوضاع المجتمعات في النظم السلطوية لا تساعد على انتشار قيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان[32].

وتميل الباحثة إلى ذلك الرأي الأخير؛ يقينًا بأن محاولات نشر قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان -من خلال قنوات مدنية أو تعليمية أو دينية أو غيرها- لن تجدي في ظل أطر سياسية وقانونية تحدُّ من ممارسة هذه القيم وتضع المخالفين تحت طائلة القانون، وتكرِّس المنابر الإعلامية لوصْم المدافعين عن هذه القيم إما بالعمالة لحساب أطراف معادية وإما بتبنِّيهم أجندات تستهدف النَّيْل من أصالة المجتمع وتشويه هُويته واقتلاعه من جذوره الحضارية والثقافية. لذلك فإن السياسات الأوروبية لدعم الديمقراطية ينبغى أن تسير بالتوازي في هذين المسارين المتكاملين: المسار الثقافي والمجتمعي من خلال برامج نشر الديمقراطية عبر القنوات المدنية والتعليمية وساحات الحوار الثقافي، والمسار السياسي من خلال مبادرات التعاون السياسي والاقتصادى مع الحكومات. مع الوعى بأن الخلل في أحد المسارين من شأنه التأثير في فعالية سياسات دعم الديمقراطية في مجملها.

كما أن سياسات دعم الديمقراطية لن تحقِّق أهدافها ما لم تتقبَّلها ابتداءً النخب الحاكمة والشركاء المجتمعيُّون في العالم العربي على حدٍّ سواء، الذين استقبل جانبٌ منهم محاولات تصدير منظومة القيم الليبرالية بشيء من التردُّد، نظرًا لخصوصية السياق الثقافي للمجتمعات العربية. وبالتالي فإن تقديم منظومة القيم الأوروبية كحزمة واحدة وباعتبارها قيمًا عالمية ليستْ محلًّا للاشتباك معها أو تفكيكها هو أحد أوجه النقد للسياسات الأوروبية لدعم الديمقراطية.

وعلى الرغم من وجاهة –بل وضرورة- طرح قضية الخصوصية الثقافية في مواجهة دعاوى عالمية القيم الغربية، فإنها توظف سياسيًّا حين تتَّخذها بعض النظم العربية ذريعةً لرفض مطالب للطرف الأوروبي بمراجعة حالة حقوق الإنسان فيها.

فعلى سبيل المثال، حين أصدر البرلمان الأوروبي قرارًا في يناير 2008 انتقد أوضاع حقوق الإنسان والتحول الديمقراطي في مصر، وطالب السلطات المصرية بإنهاء العمل بحالة الطوارئ في نهاية مايو 2008، وهو الموعد المقرَّر لإنهائها، اعتبرت السلطات المصرية هذا القرار “تدخُّلًا سافرًا” في شؤون مصر الداخلية. واستدعتْ وزارة الخارجية المصرية سفراء الدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وإبلاغهم برفض مصر التام لقرار البرلمان الأوروبي ورفضها قيام أي دولة أو مؤسسة التعليق على حالة حقوق الإنسان في مصر. كما أخطرت الخارجيةُ المصرية المفوضيةَ الأوروبية بتعذُّر انعقاد اللجنة الفرعية للمشاورات السياسية بين الجانبين كونه “ليس ملائمًا في المرحلة الحالية”. كما قرر مجلس الشعب المصري مقاطعة اجتماع المنتدى البرلماني الأورومتوسطي[33]. ومع ذلك زادت الصادرات المصرية للاتحاد الأوروبي خلال العام نفسه بنسبة 13,1٪، كما زادت الواردات الأوروبية لمصر بنسبة 22,2٪ بما جعل الاتحاد الأوروبي الشريك التجارى الأول لمصر للعام 2008 بنسبة 35٪ من إجمالى حجم التجارة المصرية[34].

ولقد أُطْلِقَتْ سياسة الجوار الأوروبية European Neighbourhood Policy (2004) في سياق داخلى أوروبي متغير، وفي زخم من التطورات الإقليمية والدولية، دفعا الاتحاد الأوروبي إلى تطوير أدوات التوجُّه نحو جواره الجنوبي لتحقيق أهداف الأمن الأوروبي.

على الصعيد الأوروبي، كانت سياسة الجوار الأوروبية وسيلة لحماية الأمن الأوروبي من خلال إقامة “منطقة أمنية عازلة Security buffer zone” لحماية حدود الاتحاد الأوروبي الممتدَّة بفعل توسيع العضوية. فتلك الحدود الجديدة تعني تهديدات جديدة محتملة[35].

وعلى الصعيد الإقليمي تزايدت المخاوف الأوروبية من أن يفاقم انهيار عملية التسوية السياسية للصراع العربي-الإسرائيلي(*) من عدم الاستقرار في المنطقة بما لذلك من تداعيات على الأمن الأوروبي.

وعلى الصعيد الدولي، بعد سبتمبر 2001 ازداد الاتحاد الأوروبي تمسُّكًا برؤيته بشأن محاربة الإرهاب من خلال المعالجة الجذرية لأسباب التطرف في المجتمعات، وفي مقدِّمتها عدم الاستقرار السياسي وتردِّي الظروف الاقتصادية والاجتماعية.

وكان الباعث على تطوير سياسة الجوار الأوروبية حاجة الاتحاد الأوروبي إلى تحقيق الاستقرار في المناطق المجاورة (الجمهوريات السوفييتية السابقة في شرق أوروبا، والقوقاز، وجنوب وشرق المتوسط) دون أن تنضم هذه الدول إلى عضويَّته ويحدث ما يسمَّى بـ”الإنهاك الناتج عن التوسيع Enlargement Fatigue”[36]. ومن ثم فإن العضوية ليست حافزًا تقدِّمه هذه السياسة، لكن الحوافز تتمثَّل في فتح الأسواق الأوروبية لمنتجات هذه الدول، والاشتراك في برامج الاتحاد الأوروبي المتخصِّصة، والتعاون في مجال شبكات النقل والطاقة[37].

ومن أهداف سياسة الجوار الأوروبية تحفيز الاستقرار السياسي في مناطق الجوار وتفعيل قيم سيادة القانون[38]. فلا أفضل من تعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد في دول العالم لحماية الأمن الأوروبي[39]. لذا يُشار إلى دعم الديمقراطية في الجوار الأوروبي، وبالذات بعد سبتمبر 2001، بأنه “هدف إستراتيجي للسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي”، لا سيما وأن الهجمات الإرهابية التي تمَّت داخل أوروبا(*) ارتبطت بما شهده جوارها الجنوبي من مشكلات اقتصادية واجتماعية وعدم استقرار سياسي[40].

وبخلاف عملية برشلونة، مثَّلت سياسة الجوار الأوروبية أول إطار تعاون يعالج قضية الإصلاح السياسي وتعزيز الديمقراطية بشكل محدَّد ومنفصل ويناقش في إطار ثنائي من خلال خطط العمل الثنائية الموقعة بين الاتحاد الأوروبي والدول الشريكة[41].

ومن ركائز خطط العمل هذه “الالتزام بالقيم المشتركة” للتأكيد على احترام الدول الشريكة للاتفاقات الدولية الإقليمية الخاصة بالديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون. ومن الركائز أيضًا البرامج المجتمعية الموجهة إلى الشعوب “People-to-people”، وتهدف إلى بناء قدرات الأفراد في المجالات المختلفة من أجل تحسين أوضاعهم[42]. وهذه البرامج، إضافة إلى برامج التبادل الثقافي والاجتماعي، هي أحد مداخل الاتحاد الأوروبي لتطوير ثقافة مجتمعية حاضنة لقيم الديمقراطية وداعمة لها، استنادًا إلى الرؤية السابق الإشارة إليها بأن محاولات نشر القيم الأوروبية في مناطق الجوار، ومن بينها الديمقراطية، لن تجدي في غياب ثقافة مجتمعية منفتحة على تلك القيم ومتقبِّلة لها.

وبقراءة تقارير تقدُّم الدول العربية التي أصدرتْها المفوضية الأوروبية سنويًّا في إطار سياسة الجوار الأوروبية قبل العام 2011[43]، يُلاحظ ما يلي:

أ) غلبة تفاصيل التعاون الاقتصادي والتجاري على محور الإصلاح السياسي والديمقراطية.

ب) على الرغم من استحداث مبدأ “المزيد من أجل المزيد More for more” في سياسة الجوار الأوروبية، أي المزيد من الإصلاحات مقابل المزيد من المساعدات، يبدو البُعدان السياسي والاقتصادي في تقارير التقدُّم وكأنهما مساران منفصلان، إذ لا تذكر التقارير إجراءات اقتصادية أوروبية مترتِّبة على التقدُّم أو التباطؤ في تحقيق إصلاحات سياسية وديمقراطية في الدول الشريكة.

فعلى سبيل المثال، أشارت تقارير التقدُّم عن تونس للأعوام 2007 وحتى 2009 إلى وقائع لانتهاكات حقوق الإنسان وعدم التزام السلطات بتدابير الإصلاح السياسي والديمقراطي المنصوص عليها في خطة العمل الأوروبية التونسية. ومع ذلك لم ينصَّ أيٌّ من هذه التقارير على إجراءات أو حتى توصيات بخطوات أوروبية تجاه السلطات التونسية في هذا الصدد، بل ذكر تقرير 2009 اتخاذ خطوات نحو منح تونس وضعًا متقدِّمًا في إطار سياسة الجوار الأوروبية، وإن تراجع الموقف الأوروبي طفيفًا حيال هذا الأمر في تقرير العام 2010[44].

كما عبَّرت جميع تقارير التقدُّم السنوية المتعلِّقة بمصر عن اهتمام أوروبي بدورها الإقليمي في تهدئة الصراعات في المنطقة، سواء الصراع العربي-الإسرائيلى من خلال جهود الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أم جهود الحفاظ على وحدة السودان قبل التقسيم، أم مكافحة القرصنة في القرن الأفريقي، ولاحقًا الصراعات في ليبيا وسوريا واليمن والعراق منذ 2011. وجميعها قضايا ملحَّة تهدِّد استقرار المنطقة وتمسُّ الأمن الأوروبي مباشرة. وبالتالي ليس الإصلاح السياسي والديمقراطي هو وحده المحدِّد للتقدُّم في مسار علاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر، إن جاز اعتباره محددًا.

ثالثًا مواقف الاتحاد الأوروبي تجاه موجات التحول الديمقراطي في العالم العربي

أسفرت الثورات العربية في 2011 عن مراجعات أوروبية للسياسات الخارجية تجاه المنطقة العربية، وقامت المفوضية الأوروبية بمراجعة سياسة الجوار الأوروبية وأصدرت نسخة معدَّلة وسَّعت فيها من برامج الشراكة والمساعدة المقدَّمة إلى بعض الدول العربية من أجل دعم عملية التحول الديمقراطي[45]. ثم أسْفرت التفاعلات اللاحقة في المنطقة عن تداعيات عديدة (ازدياد أعداد اللاجئين – التحالف الدولي الجديد ضد الإرهاب…) دفعت الاتحاد الأوروبي إلى إجراء مراجعة ثانية لسياسة الجوار أُصدرت صيغتها الجديدة في نوفمبر 2015[46].

والواقع أن بداية مشاورات المراجعة الأولى لسياسة الجوار الأوروبية وإن تزامنت مع انطلاق الثورات العربية في نهاية عام 2010، فإنها لم تكن نتيجة لها. لكن الثورات كانت دافعًا لتلك المراجعة بهدف تشجيع التحول الديمقراطي في الجوار الجنوبي، والتأكيد على دور سياسة الجوار الأوروبية في تحفيز المجتمع الدولي على تشجيع التحول الديمقراطي والتقدم الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة[47].

وصرَّح شتيفان فول، المفوض الأوروبي لشؤون التوسيع وسياسة الجوار الأوروبية، أن الاتحاد الأوروبي كثيرًا ما اختار الأمن والاستقرار في جنوب المتوسط على حساب قيمه الداعية إلى دعم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وأن الأحداث التي تشهدها المنطقة منذ نهاية 2010 أكَّدت أن الاستقرار لن يتحقَّق إلا بوجود ديمقراطية حقيقية[48].

1- المواقف الأوروبية من الثورات العربية: من التردد إلى الترقب إلى الدعم الكامل

تباينت المواقف والسياسات الأوروبية تجاه الثورات العربية عام 2011، ما بين ردِّ فعل متأخِّر في حالة تونس، واستجابة متردِّدة في حالة مصر(*)، إلى الرفض المتصاعد “لقمع الاحتجاجات السلمية” في ليبيا وسوريا وصولًا إلى إدانة النظامين الليبى والسورى مع تصاعد العنف المسلَّح تجاه المدنيِّين بلغ حدَّ التدخُّل العسكرى في ليبيا من خلال حلف شمال الأطلنطي.

أما في اليمن والبحرين بقِيت قضية أمن الخليج هي أساس المواقف الأوروبية تجاه الثورتين. ففي اليمن كانت هناك حالة من الترقُّب الأوروبي بشأن مصير تنظيم القاعدة هناك إذا ما نجحت الثورة في الإطاحة بنظام علي عبد الله صالح. ولأن الاحتجاجات في البحرين قامت على خلفية مذهبية، إذ قامت بها الأغلبية الشيعية ضد الأقلية السنية الحاكمة، كان التردُّد الأوروبي حينئذ بين إدانة قمع المحتجين من قبل السلطات البحرينية من ناحية، ودعم إيران للاحتجاجات واحتمالات قيام تحالف إيراني بحريني وتغلغل النفوذ الإيراني في الخليج في حالة تحقيق الاحتجاجات البحرينية أهدافها من ناحية أخرى.

ومع اندلاع الموجة الثانية من الثورات العربية في العام 2019، لم تُصدر الممثلة العليا للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيدريكا موجيريني أي تصريح بشأن احتجاجات الشعب الجزائري على مدار شهرين حتى صدور بيان الرئاسة الجزائرية في 2 أبريل 2019 معلنًا عن استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من منصبه[49]. وفي 25 أكتوبر 2019 وصف بيان المجلس الأوروبي حراك الشارع اللبناني بـ”التطلُّعات المشروعة للشعب اللبناني” وطالب الحكومة اللبنانية بالاستجابة لها بسرعة بحكمة[50]. كما اتَّخذ الاتحاد الأوروبي خطوات جدية نحو الانفتاح على السودان بعد ثورة ديسمبر 2018 التي أطاحت بنظام البشير في أبريل 2019. وفي أكتوبر 2019 زار السودانَ وفدٌ رفيع المستوى من الاتحاد الأوروبي للتشاور والتنسيق حول دعم الاتحاد الأوروبي لإجراءات المرحلة الانتقالية[51].

وعقب اندلاع ثورات 2011 استحدث الاتحاد الأوروبي أدوات تمويلية جديدة لدعم التحول الديمقراطي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية تستهدف كلًّا من الحكومات والفاعلين غير الحكوميِّين. من هذه الأدوات “الوقف الأوروبي للديمقراطية European Endowment for Democracy” الذي أُنشئ بهدف “مساعدة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني الناشئة والنقابات وغيرها من الشركاء الاجتماعيِّين” لتمكين الفاعلين الاجتماعيِّين والسياسيِّين في الدول العربية من خلال توفير الدعم المالي للمبادرات الجديدة[52]. وتعمل هذه الآلية جنبًا إلى جنب مع آلية “دعم الشراكة والإصلاح والنمو الشامل SPRING” والمخصَّصة لدعم عملية التحول الديمقراطي والإصلاح الاقتصادي في دول الثورات ومساعدتها في تلبية الاحتياجات الفورية لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تعانيها في المرحلة الانتقالية[53]. ولم تكن دول الثورات فقط (تونس ومصر وليبيا) هي المستهدفة من آلية SPRING، إذ استفادت منها أيضًا كل من الجزائر والمغرب والأردن ولبنان في الفترة (2011 – 2013) لدعم الإصلاحات السياسية والاقتصادية فيها، مع وعد باستمرار التمويل حال الالتزام بتحقيق تلك الإصلاحات[54].

2- أوروبا والإسلاميون: انفتاح حذر

على الرغم من دعم الأوروبيين للتحول الديمقراطي في الدول العربية، فهم يعلمون أن نتيجة هذا التحول قد تأتي بقوى محافظة إلى الحكم تحمل رؤى مختلفة عن العلاقة بين الدين والدولة، وعن حقوق الإنسان وبالأخص الحريات الدينية وحقوق المرأة[55]، وأيضًا عن العلاقة مع إسرائيل ومستقبل عملية التسوية.

ولطالما دعم الاتحاد الأوروبي الأنظمة السياسية السلطوية في المنطقة العربية بدعوى أن البديل سيكون أنظمة راديكالية معادية للغرب، داعيًا في الوقت نفسه إلى تحقيق التحول الديمقراطي التدريجي باعتباره البديل السلمي الإصلاحي ونمط التغيير المقبول[56].

وكان الموقف الأوروبي من الحركات الإسلاموية في العالم العربي معبِّرًا عن إشكالية داخلية أوروبية. فمن المعروف قبل الثورات العربية أن أي تحرك حقيقي في اتجاه الديمقراطية لن يتمَّ في غياب الإسلاميين، كونهم قوى منظمة ومؤثرة سياسيًّا في مجتمعات دول الجوار الجنوبي. وتكْمن الإشكالية في المراوحة بين أمرين: الأول هو فتح قنوات التواصل الأوروبي مع الإسلاميين المعتدلين بما يثير حفيظة الأنظمة الحاكمة والمرتبطة باتفاقات للشراكة والتعاون مع الاتحاد الأوروبي على مستويات عدَّة. الأمر الآخر هو مقاطعة جميع التيارات الإسلاموية في الدول العربية، بما يحمله ذلك من خطر فتح المجال أمام القوى السياسية العنيفة في المنطقة، وبما يضفي على أوروبا من صبغة إقصائية ويؤكِّد الانطباع السائد بأن الاتحاد الأوروبي يفضل استمرار الوضع القائم تحقيقًا لاستقرار المنطقة، ومن ثم أمْنه، على حساب قيم الديمقراطية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان[57].

وحين نجح الإسلاميون في الوصول إلى الحكم في عددٍ من دول الثورات، اختُبرت طبيعة الرؤية الأوروبية عن الديمقراطية المقبولة في المنطقة. ولم يعدْ في إمكان الاتحاد الأوروبي حينئذ تجاهل تغير توازنات القوى الداخلية في المنطقة العربية أو مقاطعة القوى الإسلاموية التي وصلت إلى السلطة.

لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يصل فيها إسلاميون إلى الحكم في دول عربية بطريق الانتخابات، لكن بيَّنت التجربة أن الديمقراطية تظلُّ قيمةً عُليا ما لمْ تأتِ بقوى سياسية تتبنَّى قيمًا مغايرة للقيم الغربية. فلقد أسْفرت الانتخابات التشريعية في الجزائر عام 1991 عن فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وفي فلسطين عام 2006 عن فوز حركة حماس. وفي الحالة الأولى غضَّت الجماعة الأوروبية الطرف عن الانقلاب على نتيجة الانتخابات، وفي الثانية انضمَّ الاتحاد الأوروبي إلى الحملة الغربية لمقاطعة حكومة حماس[58]، على الرغم من أن تقرير التقدُّم الصادر عن المفوضية الأوروبية عام 2006 بشأن التعاون مع السلطة الفلسطينية في إطار سياسة الجوار الأوروبية قد أشاد بالعملية الانتخابية التي خضعت لمراقبة بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات وشهدت نسبة مشاركة عالية من جانب الناخبين، ووصفها بـ”التنافس النزيه Fairly contested”[59].

وربما كانت هذه الإشكالية حاضرة في الوعي الأوروبي الذي بات مدركًا أنه في ظلِّ التطورات التي تشهدها المنطقة العربية وتغيُّر موازين القوى داخلها، صار من غير الممكن تكرار ما سبق وقامت به أوروبا من رفضٍ لنتائج الانتخابات ومقاطعة الحكومات الجديدة.

وبمتابعة التصريحات الأوروبية حول وصول الإسلاميين إلى السلطة في تونس ومصر(*)، نلاحظ إيجابية الخطاب الرسمي الأوروبي من حيث المفردات المستخدمة للتعبير عن موقف الاتحاد الأوروبي الداعم للتحول الديمقراطي في البلدين. وفي الوقت نفسه حرصَ المسؤولون الأوروبيون على التأكيد على قيم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وبدا الخطاب الرسمي الأوروبي وكأنه يستبطن ترقُّبًا –أو بالأحرى قلقًا- أوروبيًّا إزاء أداء الإسلاميِّين بعد أن تمكَّنوا من الوصول إلى السلطة. وبشكل عام لم يكن الخطاب الرسمي الأوروبي منتقدًا أو رافضًا لصعود الإسلاميِّين إلى السلطة في تونس ومصر، بقدر ما هو مترقِّب لسياساتهم، فيما يمكن أن نسمِّيه “الانفتاح الحذر”.

3- مواقف الاتحاد الأوروبي تجاه تراجع مسارات التحول الديمقراطي في دول عربية: تجدُّد معضلة الديمقراطية أم الاستقرار

نظريًّا، المفترض أن للاتحاد الأوروبي موقفًا سياسيًّا مبدئيًّا ضدَّ إجراءات نقل السلطة بغير الطريق الدستوري، وهو الموقف الذي يشكِّل جزءًا من الهوية الأوروبية. وتجلَّى ذلك في بيانات عدَّة أدانتْ بلغة واضحة تلك الإجراءات في مناطق مختلفة. فعلى سبيل المثال في سبتمبر 2015 أدانت فيدريكا موجيريني الانقلاب العسكري في بوركينا فاسو وطالبت قادة الانقلاب بإعادة السلطة فورًا إلى الحكومة المدنية وإطلاق سراح رئيسي الجمهورية والوزراء وأعضاء الحكومة المعتقلين[60]. وفي فبراير 2021 أصدر البرلمان الأوروبي قرارًا أدان فيه بشدَّة الانقلاب العسكري في ميانمار، وحثَّ القوات المسلحة على إعادة السلطة فورًا للحكومة المدنية[61].

أمَّا في العالم العربي، فقد اختلفت خطابات استجابة الاتحاد الأوروبي للإجراءات الاستثنائية لتغيير السلطة في بعض الدول.

ففي مصر، وتعقيبًا على بيان الثالث من يوليو 2013 الذي بموجبه أوقف العمل بالدستور وأُعلن عن خارطة طريق تتضمَّن تعيين رئيس مؤقَّت للجمهورية وإجراء تعديلات دستورية وانتخابات رئاسية مبكرة تعقبها انتخابات تشريعية، أصدر البرلمان الأوروبي بيانًا عبر فيه عن قلقه العميق إزاء الوضع في مصر، داعيًا إلى العودة في أسرع وقت إلى المسار الديمقراطي بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية حرة ونزيهة يُنقل من خلالها الحكم إلى سلطة مدنية منتخبة، على أن تضمَّ هذه الانتخابات جميع أطراف العملية الديمقراطية[62].

وفي تونس، وعقب إصدار الرئيس التونسي قراراته في يوليو 2021 بتعليق عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة، معلنًا استناد تلك الإجراءات إلى إحدى مواد الدستور التونسي، وما اتَّخذه من إجراءات لاحقة، أصدر البرلمان الأوروبي قرارًا في أكتوبر من العام نفسه عبَّر فيه أعضاء البرلمان عن “قلقهم العميق” إزاء تركُّز السلطات الثلاث في يد رئيس الجمهورية، ودعا القرارُ الرئيسَ التونسي إلى الاحترام الكامل للحقوق والحريات واحترام التزامات تونس الدولية[63].

أمَّا في السودان، فعلى إثر الإجراءات التي اتَّخذها المجلس الانتقالي السوداني في أكتوبر 2021 بإبعاد قيادات مدنية من الحكومة الانتقالية واعتقال رئيسها وسيطرة الجيش على السلطة وإعلان حالة الطوارئ، أدان الاتحاد الأوروبي استهداف المتظاهرين وطالب بإطلاق سراح المعتقلين مهدِّدًا بمحاسبة السلطات على انتهاكات حقوق الإنسان وبأن تلك الإجراءات سيكون لها “عواقب جدية” فيما يخصُّ الدعم الأوروبي للسودان[64]. وفي 21 يناير 2022 أقرَّ البرلمان الأوروبي مشروع قرار بـ”حظر تصدير وبيع وتحديث وصيانة أي من أشكال المعدَّات الأمنية إلى السودان، بما في ذلك تكنولوجيا مراقبة الإنترنت”[65].

وربما يعزى هذا التباين في الاستجابة الأوروبية للتطورات في الدول العربية الثلاث إلى تباين أهمية كل دولة بالنسبة إلى الأمن الأوروبي؛ إذ إن مصر وتونس شريكتان للاتحاد الأوروبي في التنسيق الأمني لملف الهجرة وضبط الحدود، إلى جانب ما يربط البلدين من شراكة اقتصادية وتجارية بالاتحاد الأوروبي وعلاقات ممتدَّة بدوله الأعضاء. أما السودان فلا يزال في مرحلة مبكرة من بناء علاقات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بعد عقود من العقوبات المفروضة دوليًّا.

وعلى صعيد السياسات قرَّر الاتحاد الأوروبي سحب الدعم المقدَّم لمصر في إطار برنامج SPRING، وذلك على إثر اتساع نطاق العنف بعد إزاحة الإخوان المسلمين من السلطة وانتقاد الاتحاد الأوروبي “الاستخدام المفرط للقوة” والتضييق على المجتمع المدني، وكذلك انتقاد إصدار قانون تنظيم التظاهر. كما أوقِف التمويل الذي تقدِّمه أداة الجوار الأوروبية (الأداة التمويلية لسياسة الجوار الأوروبية) لهدف الإصلاح السياسي للعامين 2014 و2015 ليقتصر التعاون على مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتعليم والبيئة. وقرَّر المجلس الأوروبي استمرار المساعدات في تلك المجالات مراعاة للفئات المحرومة والأكثر احتياجًا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي شهدتها مصر خلال تلك الفترة[66].

لكن تخفيض التمويل، في تقدير الباحثة، لم يكن أداةً للضغط من أجل تعزيز قيم الديمقراطية ولا خفضًا لمستوى الشراكة دفاعًا عن حقوق الإنسان بقدر ما كان تخفيضًا لكثافة الاشتباك الأوروبي مع مصر بالانسحاب من ساحة التعاون في برامج الإصلاح السياسي والاقتصار على مجال دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وإذا كانت حماية الأمن الأوروبي هي الدافع والغاية من هذا التعاون، فهذا أمر قابل للتحقق بنسبة كبيرة من خلال برامج التنمية وما تحقِّقه من خفض لمعدلات البطالة وزيادة دخل الأفراد ودعم الفئات المهمَّشة والأقل حظًّا، بما لهذه البرامج من نتائج تنعكس إيجابًا على حالة الاستقرار المجتمعي في مصر، وبما يحجِّم من التهديدات الموجَّهة إلى الأمن الأوروبي.

وكما سبقت الإشارة، كان لاندلاع الصراعات المسلَّحة في المنطقة العربية منذ العام 2011 تداعيات مباشرة على الأمن الأوروبي، تمثَّلت بشكل أساسي في تحديات الإرهاب والهجرة، حيث حمل تدفُّق اللاجئين إلى الأراضي الأوروبية خطر انتقال أعضاء الجماعات المتطرفة إلى الداخل الأوروبي، لا سيما مع اكتشاف تجنيد التنظيمات المتطرفة مواطنين أوروبيين وضلوعهم في أعمال إرهابية داخل وخارج أوروبا. هذا إلى جانب تراجع مسارات الإصلاح السياسي والديمقراطي في بعض دول المنطقة وتصدير بعض النظم الحاكمة إشكالية الديمقراطية مقابل الأمن، ما استلزم إعادة نظر شاملة في سياسات التوجُّه الأوروبي نحو المنطقة.

وفي هذا الإطار أكَّدت الصيغة المعدَّلة لسياسة الجوار الأوروبية (2015) على معالجة جذور المشكلات المسبِّبة للتهديدات الأمنية المتمثِّلة في الهجرة الجماعية والإرهاب الدولي، وهي في جوهرها عوامل اقتصادية واجتماعية تتضمَّن الفقر ونُدرة الفرص لدى الشباب وكلها عوامل دافعة للتطرُّف ومن ثم اللاأمن. وفي الوقت نفسه أكَّدت الوثيقة الحاجة الماسَّة إلى التعاون مع الدول الشريكة في المجالات التقليدية للأمن؛ إصلاح القطاع الأمني وسياسات محاربة الإرهاب والتطرف، وهي القضايا التي تقدمت أولويات النسخة الجديدة من سياسة الجوار الأوروبية[67].

ولقد بيَّنت الوثائق الأوروبية الصادرة في سنوات ما بعد الثورات العربية أن المفهوم التقليدي للأمن (أي الأبعاد السياسية والعسكرية للأمن) لا يزال حاضرًا بقوة في التوجُّه الأوروبي نحو المنطقة العربية. فقد كانت مراجعة سياسة الجوار استجابةً للتحولات السياسية في العالم العربي ليحتلَّ هدف دعم الديمقراطية مركزًا متقدِّمًا فيها وفقًا لآليات جديدة عبَّرت عن دعم أوروبي واضح للانتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي عبر قنوات حكومية ومدنية. لكن اندلاع الصراعات في المنطقة لاحقًا، وما نتج عنها من تدفُّق اللاجئين إلى أوروبا، والربط بين الهجرة والإرهاب بسبب وقوع عدد من الهجمات الإرهابية داخل الدول الأوروبية (مثل فرنسا وألمانيا وبلجيكا) بعضها قام بها مهاجرون؛ كلُّ ذلك دفع بقضايا الهجرة والإرهاب إلى مقدِّمة أجندة سياسات الاتحاد الأوروبي من جديد وأعاد ترتيب أولويات التوجُّه الأوروبي تجاه المنطقة.

ففي ديسمبر 2014 أعلنت كلٌّ من المفوضية الأوروبية وإيطاليا عن إنشاء الصندوق الائتماني الإقليمي لمواجهة الأزمة في سوريا “مدد”، بتمويل مبدئي قدره 20 مليون يورو من موازنة الاتحاد الأوروبي وثلاثة ملايين يورو من إيطاليا باعتبارها مانحًا مؤسِّسًا للصندوق. والهدف من إنشاء الصندوق هو دعم اللاجئين السوريين وتحسين أوضاعهم في المجتمعات المضيفة في دول الجوار السوري؛ في لبنان والأردن وتركيا والعراق ومصر، وفي سوريا نفسها[68].

كما أعلنت قمة فاليتا عن الهجرة (نوفمبر 2015) عن إطلاق الصندوق الائتماني الأوروبي للطوارئ من أجل إفريقيا EU Emergency Trust Fund for Africa ليعمل تحت إدارة المفوضية الأوروبية باعتماد قدره 1,8 مليار يورو من موازنة الاتحاد الأوروبي وصندوق التنمية الأوروبي إلى جانب مساهمات الدول الأعضاء. وكانت ليبيا المستفيد الرئيسي من الصندوق بإجمالي مخصَّصات قدرها 455 مليون يورو حتى نهاية 2021، وُجهت لأهداف حماية ومساعدة المهاجرين واللاجئين والنازحين، واتِّخاذ الإجراءات اللازمة لدعم المناطق الواقعة في مسار رحلات الهجرة، وكذلك دعم آليات ضبط وإدارة الحدود[69]. وإذا كان الخطاب الأوروبي يؤكد أن سياسات الاتحاد الأوروبي في ليبيا منذ 2011 تستهدف دعم الاستقرار والتحول الديمقراطي وبناء المؤسسات، ففي الواقع وُجِّهَتْ معظم المساعدات المالية إلى ملفات الهجرة واللاجئين وضبط الحدود، وهي القضايا ذات الصدارة على أجندة قضايا الأمن الأوروبي خلال السنوات الأخيرة.

وبينما دأبت تقارير التقدُّم عن مصر على انتقاد التراجع في حالة الحقوق والحريات فيها منذ عام 2013 (تقرير 2013[70] وتقرير 2014[71])، بدأت في فبراير 2016 جولة مفاوضات لتعريف “أولويات الشراكة” بين مصر والاتحاد الأوروبي في إطار المراجعة الثانية لسياسة الجوار الأوروبية. تضمَّنت الأولويات الإصلاح الاقتصادي والحوكمة وسيادة القانون وحقوق الإنسان، والهجرة والأمن/مكافحة الإرهاب، إلى جانب دعم “إستراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030”(*). ووفق ما ذكره تقرير التقدم الصادر عام 2017 عن الفترة من يناير 2015 إلى مايو 2017[72]، توفر أولويات الشراكة إطارًا لمزيد من تقوية العلاقات المصرية-الأوروبية في إطار مراجعة سياسة الجوار الأوروبية، وستحدد أولويات الدعم الأوروبي لمصر والتي سوف تنعكس مستقبلًا في برامج التعاون الثنائي تحت مظلَّة آلية الجوار الأوروبية، كما ستكون أساسًا لتقارير التقدم ومعيارًا للتقييم في المستقبل.

لكن وثيقة أولويات الشراكة لم تغفل محور الديمقراطية وحقوق الإنسان، بل أكَّدت أن احترام المواثيق الدولية والدستور المصرى لهما إحدى سبل تحقيق الاستقرار في المنطقة. وأشارت الوثيقة إلى التعاون بين الطرفين في مجالات تنظيم الهجرة ومكافحة تهريب المخدرات والسلاح والاتجار بالبشر ومحاربة الإرهاب من خلال معالجة جذور التطرف في المجتمع[73].

وقدَّمت “الإستراتيجية الأوروبية الشاملة Global European Strategy” الصادرة في يونيو 2016 تصورات عن رؤى الأمن الأوروبي ومسارات السياسة الخارجية الأوروبية للدفاع عن الأمن الأوروبي في ظل تحديات كبيرة باتت تواجه الاتحاد الأوروبي على الصعيد الإقليمي، وتهدِّد تكامله، بل ووجوده، على الصعيد الداخلى في ظل تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد[74].

أما بيان القمة العربية الأوروبية في شرم الشيخ (فبراير 2019) فقد حمل تراجُعًا كبيرًا في الخطاب الأوروبي بشأن الديمقراطية في العالم العربي. وعلى الرغم من أن التوجُّه الأوروبي نحو المنطقة العربية فيما يخصُّ قضية الديمقراطية لم يتجاوز البُعد الخطابي إلا في لحظة زمنية قصيرة في 2011، يشير بيان قمة شرم الشيخ إلى غياب هذا الخطاب –الضعيف أصلًا- كليةً، ربما لأول مرة في مسار العلاقات العربية-الأوروبية منذ نهاية الحرب الباردة. فالبيان الذي حمل عنوان “الاستثمار في الاستقرار” لم يذكر لفظ “الديمقراطية” ولا مرة واحدة، وإنما أشار إلى أن “السلام والأمن من ناحية وحقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية من ناحية أخرى يدعمان بعضهما البعض”. وذكر البيان أن الهدف من القمة تدشين مرحلة جديدة من التعاون والتنسيق من أجل دعم استقرار وازدهار العالم العربي وأوروبا والعالم بأسره، من خلال تكثيف التعاون من أجل الأمن وتسوية الصراعات والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومعالجة التحديات المشتركة مثل الهجرة غير النظامية وتهريب المهاجرين والاتجار بالبشر، ومواجهة التهديدات الأمنية الممثلة في “الإرهاب والتطرف والأفعال المهددة للاستقرار destabilising actions والانتشار النووي وتجارة السلاح والجريمة المنظمة”[75].

وبالتالي فإن الخطاب التقليدي حول الأمن في بعده السياسي/العسكري، وربطه بالتنمية الاقتصادية صار محيطًا بالعلاقات الأوروبية-العربية. وصار الاستقرار في ذلك الخطاب مرادفًا لإنهاء الصراعات المسلحة وضبط الحدود وبرامج الشراكة التجارية والمالية، ولم يعد مرتبطًا بإرساء قيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.

وهنا نكرِّر ما أشارت إليه مقدمة الورقة حول تباين الأوزان النسبية للمصالح الأوروبية، ومن ثم ترتيب أولويات سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية. فاتفاقات الشراكة والتعاون وبرامج التمويل والصفقات التجارية هي –على أهميتها- ليست غاية أوروبية في حدِّ ذاتها، ولكنها أدوات لتعزيز الأمن الأوروبي وحمايته.

فعلى الرغم ممَّا يربط الاتحاد الأوروبي من مصالح اقتصادية قوية مع روسيا، نجد أن الخطاب الأوروبي يصف الحرب الدائرة حاليًّا في شرق أوروبا بـ”العدوان العسكري الروسي على أوكرانيا”، ويصرح جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية، بأن اعتماد أوروبا على الغاز الروسي لن يُثنيها عن الدفاع عن حقوق الإنسان[76]. هذا الخطاب الصريح بشأن الحرب على أوكرانيا يعزى -في جزء منه- إلى كونها حربًا دائرة على الأراضى الأوروبية، بما يستدعي أحداثًا تاريخية من المفترض أن تكون أوروبا قد تجاوزتها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية مشروع التكامل الأوروبي، الذي بدأ فكرته كمشروع سلام يهدف إلى منع اندلاع الصراعات المسلحة مجدَّدًا داخل أوروبا.

أما على صعيد المنطقة العربية، فالخطاب الأوروبي بشأن الحرب الدائرة في اليمن منذ سيطرة جماعة الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014 ثم بدء عملية “عاصفة الحزم” في العام 2015 كان أقل وضوحًا ومباشرةً من الخطاب بشأن الحرب في أوكرانيا، من حيث إدانته أعمال العنف بشكل عام والتركيز على البعد الإنساني للأزمة. فبينما دعا المتحدث الرسمي باسم الممثِّلة العليا للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في أكتوبر 2016 “جميع الأطراف إلى الالتزام بوقف الأعمال العدائية ووقف جميع الأعمال العسكرية […] واستئناف محادثات السلام”[77]، أشارت الممثلة العليا فيديريكا موجيريني في نوفمبر 2017 إلى الحاجة الملحَّة إلى حماية المدنيين اليمنيين وإيصال المساعدات الإنسانية والغذائية في ظلِّ تهديدات خطر المجاعة وتفشِّي وباء الكوليرا، داعية إلى استئناف المفاوضات برعاية الاتحاد الأوروبي من أجل الوصول إلى تسوية نهائية للصراع[78]. كما أصدر البرلمان الأوروبي قرارًا في فبراير 2021 يدين تدهور الوضع الإنساني في اليمن ويطالب بضرورة إنهاء “العنف”، وأن يكون الحل يمنيًّا بلا تدخُّل خارجى[79]، ولكن دون أي ذكر أو إشارة للفاعلين المحليين أو الإقليميين المنخرطين في الصراع الدائر في اليمن.

وربما يكون التفسير الأقرب لهذا الموقف الأوروبي من الحرب في اليمن هو وجود شبكة من المصالح الاقتصادية والتجارية الأوروبية في منطقة الخليج العربي، والأهم علاقات المصالح المتبادلة بين الأطراف العربية والاتحاد الأوروبي من أجل حماية أمن الخليج العربي وكبح محاولات نشر النفوذ الإيراني في المنطقة والملف النووي الإيراني، بما له من انعكاسات على أمن أوروبا.

وبالتالي، فمواقف الاتحاد الأوروبي من هاتين الحربين في منطقتين مختلفتين من الجوار الأوروبي مدفوعة باعتبارات حماية الأمن الأوروبي؛ خوفًا من احتمالات تجدُّد اندلاع الصراعات العسكرية في القارة الأوروبية، وخوفًا من انتشار التنظيمات المتطرفة(*) وتمدُّد النفوذ الإيراني في الخليج العربي.

خاتمة:

سعت هذه الورقة إلى إثبات فرضية أن اعتبارات حماية الأمن الأوروبي هي المحدد الرئيسي في العلاقات الأوروبية-العربية، وتحديدًا في ملف دعم الديمقراطية، والمحرك لسياساته. وهذا يبرِّر التناقض بين الخطاب والسياسات، كما يفسِّر فشل المبادرات الأوروبية المختلفة والمتوالية في إحداث تحول ديمقراطي حقيقي في المنطقة العربية. وفي معظم الحالات استمرَّ الدعم الأوروبي لأنظمة سياسية مناوئة للإصلاح السياسي والديمقراطي.

فبعد نهاية الحرب الباردة كان أمن المنطقة مرتبطًا –من وجهة النظر الأوروبية- بتسوية القضية الفلسطينية، وكان جُلُّ السياسات الأوروبية يدور في هذا الفلك. فكان الاتحاد الأوروبي يتعاون اقتصاديًّا وسياسيًّا مع أنظمة غير ديمقراطية، إمَّا لأن لهذه الأنظمة دورًا في دفع عملية التسوية، أو لأن تكلفة التغيير قد تكون أعلى إذا ما جاء ذلك التغيير بتيارات تتبنَّى قيمًا مناوئة للقيم الديمقراطية الليبرالية، وقد تعود بمسار عملية التسوية إلى نقطة الصفر.

وبعد سبتمبر 2001 كانت المعالجة الجذرية لأسباب التطرُّف هي السبيل –في الرؤية الأوروبية- نحو تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة عن طريق دعم الإصلاح السياسي والاقتصادي إلى جانب الحوار الثقافي. فمن ناحية كان هذا التوجُّه يهدف إلى تهيئة المجتمعات لتقبُّل قيم الديمقراطية الليبرالية. ومن ناحية أخرى فإن دعم المؤسسات الديمقراطية وسيادة القانون –بالتوازي مع دعم الإصلاح الاقتصادي- من شأنه القضاء على الفساد، وبالتالي تحقيق التوزيع العادل لعوائد التنمية. فشعور مواطني هذه الدول بالعدالة الاجتماعية قد يُثنيهم عن الرغبة في الهجرة إلى أوروبا أو الانضمام إلى التنظيمات المتطرفة التي تتَّخذ من الإحباطات الاقتصادية والاجتماعية مدخلًا لتجنيد أعضائها.

ولكن التعاون الاقتصادي والتجاري مع دول المنطقة كان محددًا بأهداف وخطط عمل ذات أطر زمنية، في حين ظل البعد السياسي –وبالذات المتعلق بالتحول الديمقراطي- خطابيًّا وفضفاضًا وشديد العمومية. ولم يستخدم الاتحاد الأوروبي المشروطية لتحفيز التقدم في ملف الإصلاح السياسي والديمقراطي في الدول الشريكة.

وخلال الفترة القصيرة التي تلت اندلاع الثورات العربية منذ نهاية 2010 احتلَّ هدف دعم الديمقراطية –لأول مرة- ترتيبًا متقدمًا في أجندة سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه دول الثورات.

فعلى مستوى الخطاب، حدَّدت الوثائق الأوروبية أهدافًا ملموسة ومؤشرات قابلة للقياس، خاصة فيما يتعلَّق بالإجراءات الانتخابية. وعلى مستوى السياسات استُحدثت آليات لتخدم تحقيق هذه الأهداف استندت إلى أسس المشروطية وتقديم حوافز تجارية ومالية مقابل التزام الدول الشريكة بإحراز تقدم في ملف التحول الديمقراطي.

ولكن التداعيات التالية وما نتج عنها من صراعات مسلحة وموجات واسعة من النزوح والهجرة، كل ذلك أدَّى إلى تراجع في الموقف الأوروبي الداعم للديمقراطية، لصالح دعم الاستقرار والتحالف ضد الإرهاب، درءًا للتهديدات وحماية للأمن الأوروبي.

ولقد دأبت الأنظمة الحاكمة في دول جنوب المتوسط على تقديم نفسها للطرف الأوروبي باعتبارها صمام أمن واستقرار المنطقة، وحائط الصدِّ أمام توغل التنظيمات المتطرفة. هذا فضلًا عن التعاون بين الطرفين في مجال الحد من الهجرة غير الشرعية.

لذلك نلاحظ أن الاتِّساق بين الخطاب الأوروبي وسياسات دعم الديمقراطية كان مؤقتًا ومرتبطًا بلحظة الثورات العربية، وما لبث أن زال هذا الاتساق بفعل ما شهدته المنطقة من أحداث مثلت تهديدًا حالًّا ومباشرًا للأمن الإقليمي والأوروبي.

والواقع أن اقتراب الاتحاد الأوروبي من المنطقة العربية يتنازعه خطابان أمنيان متعارضان: خطاب “الإصلاح الليبرالي Liberal reform discourse” وخطاب “التعاون الأمني Cooperative security discourse”. الخطاب الأول يقدم الدول العربية في صورة “الآخر” مصدر التهديد الذي يتعيَّن إصلاحه اقتصاديًّا وسياسيًّا لاحتواء التهديدات الأمنية النابعة من المشكلات التي تعانيها مجتمعات تلك الدول. أما خطاب “التعاون الأمني” فيقدِّم الدول العربية كشريك متعاون مع الاتحاد الأوروبي في صَدِّ التهديدات الأمنية المشتركة. ووفقًا لهذا الخطاب الأخير فالعلاقة ندية بين الطرفين والهدف هو حماية أمن الجميع، في حين يبقى الاتحاد الأوروبي الطرف الأقوى ذا اليد العليا في خطاب الإصلاح الليبرالي، ويبقى الأمن الأوروبي هو الهدف[80]. وخلال السنوات الأخيرة توارى خطاب الإصلاح الليبرالي وساد خطاب التعاون الأمني في مسار العلاقات الأوروبية-العربية.

ولقد أكَّدت التجربة، وخاصة في العقدين الأخيرين، أن دعاوى الإصلاح من الخارج ليست مجديةً، وأن المبادرة تبدأ وتنتهي من داخل الدول العربية، وعلى مستوى الشعوب وليس النخب. كما أن أي إصلاح ديمقراطي حقيقي لا بد أن تتضافر له جهود نشر قيم الديمقراطية داخل المجتمعات العربية وبين النخب على حدٍّ سواء، وإدراكًا لواقع التنوع الفكري والأيديولوجي والسياسي للفاعلين الاجتماعيِّين والسياسيِّين داخل الأقطار العربية ودون إقصاء أو تمييز.

[1] Ben Tonra, “Identity Construction through the ENP: Borders and Boundaries, Insiders and Outsiders”, in: R. Whitman, & S. Wolff (eds.), The European Neighbourhood Policy in Perspective: Context, Implementation and Impact, (Basingstoke: Palgrave Macmillan, 2010), pp. 56 & 63.

[2]  انظر:

– رانيا علاء الدين السباعي، القوة المعيارية والسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في نشر الديمقراطية في منطقة الجوار الأوروبي (دراسة لحالتي مصر وأوكرانيا في فترة ما بعد الثورة)، رسالة دكتوراه، (القاهرة: جامعة القاهرة – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2017)، ص ص 122 – 132.

– هايدى عصمت، الاستمرارية والتغير في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي تجاه جنوب المتوسط في أعقاب الثورات العربية، رسالة ماجستير، (القاهرة: جامعة القاهرة – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2014)، ص ص 129 – 159.

وحول الحوافز والأدوات المادية والفنية التي قدَّمها الاتحاد الأوروبي في إطار سياسات تعزيز الديمقراطية ودعم الإصلاح السياسي، انظر:

نسرين خالد الملا، الاتحاد الأوروبي والتحول الديمقراطي في العالم العربي في الفترة من 2011 إلى 2014، رسالة دكتوراه، (القاهرة: جامعة القاهرة – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2017)، ص 67 – 71.

[3] See:

– Treaty on European Union, Council of the European Communities and Commission of the European Communities, Maastricht, 7 February 1992, p. 124, Accessed: 29 January 2020, available at: https://bit.ly/36TMhr4

– Treaty of Amsterdam Amending the Treaty on European Union, The Treaties Establishing the European Communities and Certain Related Acts, European Communities, Amsterdam, 2 October 1997, p. 10. Accessed: 29 January 2020, available at: https://bit.ly/3K7hRjj

[4] Treaty of Lisbon Amending the Treaty on European Union and the Treaty Establishing the European Community, Official Journal of the European Union, 17 December 2007, p. C 306/23, Accessed: 29 January 2020, available at: https://bit.ly/3DFC517

(*)  من هذه الوثائق على سبيل المثال الإستراتيجية الأمنية الأوروبية European Security Strategy الصادرة عام 2003:

– A Secure Europe in a Better World: European Security Strategy, Brussels, 12 December 2003, Accessed: 7 February 2015, available at: https://bit.ly/3x2UYtN

وأيضًا الوثائق الخاصة بالمبادرات الأوروبية تجاه المنطقة العربية ودول الجوار، واتفاقات المشاركة وخطط العمل في إطار كل من عملية برشلونة 1995 وسياسة الجوار الأوروبية 2004.

[5] Alexandra Gheciu, “Towards Security? The Politics in Managing Risks in Twenty-First-Century Europe”, in: Frédéric Mérand, Martial Foucault and Bastien Irondelle (eds.), European Security since the Fall of the Berlin Wall, (Toronto: University of Toronto Press, 2011), pp. 26 – 27.

وأيضًا:

– نادية محمود مصطفى، “البعد الثقافي للشراكة الأوروبية-المتوسطية: الدوافع، الأهداف، المسار (رؤية نقدية)”، في: نادية محمود مصطفى (تنسيق علمي وإشراف)، علياء وجدي (مراجعة وتحرير)، أوروبا وحوار الثقافات الأورومتوسطية: نحو رؤية عربية للتفعيل، (القاهرة: برنامج الدراسات الحضارية وحوار الثقافات، 2007)، ص 47.

– سليم محمد الزعنون، سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الحركات الإسلامية في المنطقة العربية: دراسة حالة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) 2001 – 2007، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2011)، ص ص 17-18.

– Sven Biscop, “Global Europe: An Emerging Strategic Actor”, in: Mérand (et al.) (eds.), Op. cit., p. 127.

[6] Steven Marsh and Wyn Rees, The European Union in the Security of Europe, (London: Routledge, 2012), p. 6.

– حسن نافعة، الاتحاد الأوروبي والدروس المستفادة عربيًّا، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2004)، ص 368.

[7] Richard Youngs, “Europe’s Uncertain Pursuit of Middle East Reform”, Carnegie Papers: Middle East Series, No. 45, (Washington: Carnegie Endowment for International Peace, 2004), p. 6.

[8] Boyka Stefanova, “The European Union as a Security Actor: Security Provision through Enlargement”, World Affairs, Vol. 168, No. 2, 2005, pp. 53-54.

[9] Sten Rynning, “The European Union: Towards a Strategic Culture?”, Security Dialogue, Vol. 34, No. 4, 2005, pp. 483 & 486.

[10] Ian Manners, Normative Power Europe: A Contradiction in Terms? Copenhagen Peace Research Institute, 2000, p. 26, Accessed: 23 September 2020, available at: https://bit.ly/3DF9SaI

[11] Ibid, pp. 29 – 30.

[12] Thomas Diez, “Constructing the Self and Changing Others: Reconsidering ‘Normative Power Europe’”, Millennium: Journal of International Studies, Vol. 33, No. 3, 2005, p. 616.

[13] Manners, Normative Power Europe, Op. cit., pp. 31-34

Ian Manners, “The Normative Ethics of the EU”, International Affairs, Vol. 84 No. 1, 2008, p. 55.

[14] Manners, Normative Power Europe, Op. cit., p. 35.

[15] Lisbeth Aggestam, “The World in Our Mind: Normative Power in a Multi-Polar World”, in: André Gerrits (ed.), Normative Power Europe in a Changing World: A Discussion, Clingendael European Papers (5), (The Hague, Netherlands Institute of International Relations, 2009), p. 29.

[16] Hiski Haukkala, “The European Union as a Regional Normative Hegemon: The Case of European Neighbourhood Policy”, Europe-Asia Studies, Vol. 60, No. 9, 2008, pp. 1604 – 1605.

[17] Diez, “Constructing the Self and Changing Others…”, Op. cit., pp. 624 – 625.

[18] Ibid, p. 625.

[19] Thomas Diez, “Normative power as hegemony”, Cooperation and Conflict, Vol. 84, No. 2, 2013, pp. 201 – 202, DOI: 10.1177/0010836713485387

[20]  تنظر:

– محمد مصطفى كمال وفؤاد نهرا، صنع القرار في الاتحاد الأوروبي والعلاقات العربية – الأوروبية، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العريبة، 2001)، ص 203.

– نادية محمود مصطفى، أوروبا والوطن العربي، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1986)، ص 67-68.

[21] سمعان بطرس فرج الله، مصر والدائرة المتوسطية: الواقع والمستقبل حتى عام 2020 م، دراسات منتدى العالم الثالث، (القاهرة: دار الشروق، 2002)، ص ص 138 – 141.

[22]  محمد مصطفى كمال وفؤاد نهرا، صنع القرار في الاتحاد الأوروبي والعلاقات العربية – الأوروبية، مرجع سابق ، ص 206.

[23]  المرجع السابق، ص ص 211 – 212.

[24] Youngs, “Europe’s Uncertain Pursuit of Middle East Reform”, Op. cit., p. 4.

[25] Barcelona declaration adopted at the Euro-Mediterranean Conference – 27-28/11/95. Accessed: 23 May 2021, available at: https://bit.ly/3K9aS9K

[26] See:

– Chairman’s Statement 10th Anniversary Euro-Mediterranean Summit (Barcelona), 28 November 2005. Accessed: 23 May 2021, available at: https://bit.ly/3NJQFcF

– Euro-Med Five Year Work Programme, Accessed: 23 May 2021, available at: https://bit.ly/3j0yaTc

[27] لقراءة تفصيلية لمحتوى وثائق عملية برشلونة واتفاقيات المشاركة الثنائية مع دول عربية، وتحديدًا فيما يخص قضية الديمقراطية، انظر:

علياء وجدي، الأمن الأوروبي وقضية الديمقراطية في جنوب المتوسط بعد الحرب الباردة (1995 – 2015): دراسة في مفهوم الثقافة الإستراتيجية، رسالة دكتوراه، (القاهرة: جامعة القاهرة – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2022)، ص ص 123 – 135.

 [28]  اجتماع مالطا (أبريل 1997):

Second Euro-Mediterranean Ministerial Conference, Malta 15-16 April 1997, Accessed: 23 May 2021, available at: https://bit.ly/3j12OvB

اجتماع مارسيليا (نوفمبر 2000):

Fourth Euro-Mediterranean Conference of Foreign Ministers (Marseilles 15-16 November 2000), Presidency’s Formal Conclusions. Accessed: 23 May 2021, available at: https://bit.ly/3DDQGua

اجتماع فالنسيا (أبريل 2002):

Vth Euro-Mediterranean Conference of Ministers of Foreign Affairs (Valencia 22-23 April 2002), Presidency Conclusions, p. 2. Accessed: 23 May 2021, available at: https://bit.ly/3u4WrOe

[29] Euro-Mediterranean Conference of Ministers of Foreign Affairs (Naples 2- December 2003), Presidency Conclusions, p. 6. Accessed: 23 May 2021, available at: https://bit.ly/38szmgb

[30]  خميس شمارى وكارولين ستايني، دليل حقوق الإنسان في الشراكة الأوروبية-المتوسطية، كوبنهاجن: الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، (القاهرة: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان/ 2000)، ص 102. تاريخ الاطلاع: 7 يوليو 2021. متاح على الرابط: https://bit.ly/3NLFz77

(*)  في هذا الإطار تأسست مؤسسة أنا ليند للحوار بين الثقافات الأورومتوسطية عام 2005، ومقرها مدينة الإسكندرية، بهدف فتح قنوات للتواصل والحوار الثقافي من أجل تعزيز التفاهم بين جانبي المتوسط.

[31] Youngs, “Europe’s Uncertain Pursuit of Middle East Reform”, Op. cit., pp. 8 – 11.

[32]  حسنين توفيق إبراهيم، “المتغير الثقافي في تحليل السياسات العربية: قضايا وإشكاليات”، في: نادية محمود مصطفى ومحمد صفار (تنسيق علمي وإشراف)، علياء وجدي (مراجعة وتحرير)، الخصوصية الثقافية: نحو تفعيل التغيير السياسي والاجتماعي، (القاهرة: مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات، 2008)، ص 346.

[33] M. Gülce Kumrulu, “Can the EU Become a Normative Power in the South? The Egyptian Case”, Perceptions, 2008. Accessed: 2 October 2020, available at: https://bit.ly/3J3y5IZ, pp. 10-12.

[34] Implementation of the European Neighbourhood Policy in 2008 – Progress Country Report: Egypt, Brussels: European Commission, High Representative of the European Union for Foreign Affairs and Security Policy, 23 April 2009, Accessed: 12 May 2021, available at: https://bit.ly/3LBQNJq

[35] Giuliana Laschi, “A Larger and More Secure Europe? Security, Space, Borders and New Neighbours in Historical Perspective”, Eurolimes (15), 2013, p. 191.

(*)  وذلك بعد اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000 وفشل كامب ديفيد 2، والعدوان الإسرائيلي على السلطة الفلسطينية 2002، ثم الانسحاب الإسرائيلي المنفرد من غزة في 2005.

[36] Ronald Dannreuther, “”Developing the Alternative to Enlargement: The European Neighbourhood Policy”, European Foreign Affairs Review (11), 2006, pp. 185 & 187.

[37] Benita Ferrero-Waldner, “The European Neighbourhood Policy: The EU’s Newest Foreign Policy Instrument”,  European Foreign Affairs Review (11), 2006, p. 140.

[38] Wider Europe — Neighbourhood: A New Framework for Relations with our Eastern and Southern Neighbours, Communication from the Commission to the Council and the European Parliament, Brussels: Commission of the European Communities, 11 March 2003, p. 3, Accessed: 7 February 2015, available at: https://bit.ly/3Kdh6W4

[39] A Secure Europe in a Better World: European Security Strategy, Op. cit.

(*)  هجمتا مدريد (2004) ولندن (2005).

[40] Assem Dandashly, “EU democracy promotion and the dominance of the security–stability nexus”, Mediterranean Politics, 23:1, 2018, p. 63, DOI:10.1080/13629395.2017.1358900

[41]  نسرين الملا، الاتحاد الأوروبي والتحول الديمقراطي في العالم العربي، مرجع سابق، ص 64.

[42] Richard G. Whitman and Stefan Wolff, “Much Ado About Nothing? The European Neighbourhood Policy in Context”, in: Whitman and Wolff (eds.), Op. cit., p. 7.

[43]  للتفصيل حول محتوى هذه التقارير انظر:

علياء وجدي، الأمن الأوروبي وقضية الديمقراطية في جنوب المتوسط بعد الحرب الباردة، مرجع سابق، ص ص 192 – 196.

[44] Inconsistent European policies fail to address human rights abuses in Tunisia, Copenhagen: Euro-Mediterranean Human Rights Network (EMHRN), September 2010, p. 48, Accessed: 30 July 2017, available at: https://bit.ly/3ja6wDb

[45] كانت سياسة الجوار الأوروبية قد خضعت للمراجعة عام 2010 بعد إقرار معاهدة لشبونة الحاكمة لعمل الاتحاد الأوروبي ودخولها حيز التنفيذ. وقد أقرت معاهدة لشبونة قيام الاتحاد الأوروبي بإدخال التعديلات المناسبة على الأدوات التنفيذية لسياسته الخارجية، والتي من بينها سياسة الجوار الأوروبية، بما يحقق فعالية تلك السياسة الخارجية وقدرتها على تحقيق أهدافها. نقلًا عن:

A New Response to a Changing Neighbourhood: A review of European Neighbourhood Policy,  Joint Communication by the High Representative of The Union For Foreign Affairs And Security Policy and the European Commission, Brussels, 25 May, 2011, p. 1, Accessed: 27 April 2015, available at: https://bit.ly/3DDUThq

[46] Review of the European Neighbourhood Policy, Joint Communication to the European Parliament, The Council, the European Economic and Social Committee and the Committee of the Regions, Brussels, 18 November 2015, Accessed: 30 January 2017, available at: https://bit.ly/3NLDHuW

[47] See:

– Laure Delcour, “The 2015 ENP Review: Beyond Stocktaking, the Need for a Political Strategy”, College of Europe Policy Brief, No. 1, 15, December 2015, p. 2.

– A New Response to a Changing Neighbourhood, Op. cit., p. 1.

[48] Štefan Füle European Commissioner for Enlargement and Neighbourhood Policy Speech on the recent events in North Africa, Committee on Foreign Affairs (AFET), European Parliament, Brussels, 28 February 2011. Accessed: 9 May 2012, available at: https://bit.ly/37k4L40

(*) صدر أول بيان أوروبي عن تونس في 10 يناير 2011، أي بعد حوالي أربعة أسابيع من اندلاع الاحتجاجات التي بدأت في 17 ديسمبر 2010. أما في حالة مصر، فقد صدر عن المفوضية بيان في 2 فبراير، ثم بيان عن المجلس الأوروبي في 4 فبراير، ودعا البيانان الحكومة المصرية إلى الاستجابة لمطالب الشعب المصري والبدء فورًا في عملية انتقال منظم للسلطة. ثم صدر أول بيان رسمي عن الاتحاد الأوروبي يدعم فيه المطالب الشعبية برحيل النظام بعد تصريح الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن على الرئيس مبارك الرحيل الآن.

نقلًا عن: نسرين الملا، الاتحاد الأوروبي والتحول الديمقراطي في العالم العربي، مرجع سابق، ص ص 76 و78. وأيضًا رانيا السباعى، القوة المعيارية والسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، مرجع سابق، ص 150 و151.

وللتفصيل حول تباين استجابات الاتحاد الأوروبي للاحتجاجات في الدول العربية المختلفة انظر:

Sally Khalifa Isaak, “Europe and the Arab Revolutions: From a Weak to a Proactive Response to a Changing Neighborhood”, KFG Working Paper Series, No. 39, Kolleg-Forschergruppe (KFG) “The Transformative Power of Europe”, (Berlin: Freie Universität Berlin, May 2012), pp. 8-10, available at: https://bit.ly/3795PHH

[49] Luigi Lonardo, Bouteflika’s resignation means Algeria is ready to turn a page… or is it?, 3 April 2019, Accessed: 9 March 2022, available at: https://bit.ly/3xaDziG

[50]Declaration by the High Representative on behalf of the EU on the latest developments in Lebanon, Brussels: Council of the European Union, 25 October 2019, Accessed: 9 March 2022, available at: https://bit.ly/3uQsqAV

[51]  علاقات السودان مع الاتحاد الأوروبي: حالة تعاف، وكالة السودان للأنباء (سونا)، 5 نوفمبر 2019، تاريخ الاطلاع: 9 مارس 2022. متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3LGWCFG

[52] See:

– A New Response to a Changing Neighbourhood, Op. cit., pp. 5-6.

– Susi Dennison and Anthony Dworkin, Europe and the Arab Revolutions: A New Vision for Democracy and Human Rights, Policy Brief, European Council on Foreign Policy, November 2011, pp. 10-11. Accessed: 28 April 2012, available at: https://bit.ly/3DC4e9m

[53] تعرف المبادرة باسم ” Support for Partnership, Reform and Inclusive Growth (SPRING)”. انظر:

EU response to the Arab Spring:, new package of support for North Africa and Middle East, 27-09-2011. Accessed: 9 May 2012, available at: https://bit.ly/3NMarnN

[54]  رانيا السباعي، القوة المعيارية والسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، مرجع سابق، ص ص 164 – 165.

 [55]  عبد النور بن عنتر “أوروبا وصعود الإسلاميين إلى الحكم في الجوار العربي المتوسطى”، مركز الجزيرة للدراسات، يناير 2012، ص 5. تاريخ الاطلاع: 8 مايو 2012. متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3NMA9bV

وأيضًا:

Dennison and Dworkin, Europe and the Arab Revolutions, Op. cit.

[56]  نادية محمود مصطفى، “السياسة الخارجية المصرية والثورة: دراسة في تأثير الأبعاد الخارجية (25/1- 30/5/2011)”، بحث مقدم إلى مؤتمر “الثورة المصرية: الملامح والمآلات”، 30 مايو – 1 يونيو 2011، (القاهرة: جامعة القاهرة – مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات)، ص 15، (غير منشور).

تعتمد الباحثة هذا المصطلح للدلالة على الحركات الإسلامية التي تسعى للوصول إلى السلطة وتمارس العمل السياسي، في حين ترى أن مصطلح (الإسلامي) يشير إلى المعنى الديني بشكلٍ عام.

[57] عماد الدين شاهين، “الاتحاد الأوروبي والإسلام السياسى: هل هناك حاجة للحوار؟”، في نادية مصطفى (إشراف علمي وتنسيق) وعلياء وجدي (مراجعة وتحرير)، أوروبا وحوار الثقافات الأورومتوسطية، مرجع سابق، ص ص 104 – 105.

[58] Alvaro de Vasconcelos, “Introduction – Egypt: dealing with unfamiliar voices”, in Esra Bulut Aymat (ed.), Egyptian Democracy and the Muslim Brotherhood, Report No. 10, (Paris: European Union Institute for Security Studies, 2011), p. 3, Accessed: 28 April 2012, available at: https://bit.ly/3797E7v

[59] ENP Progress Report on the Palestinian Authority, Brussels, Commission of the European Communities, 4 December 2006, pp. 2-3. Accessed: 13 November 2021, available at: https://bit.ly/38rMulM

(*) لمتابعة تفصيلية للتصريحات والمواقف الأوروبية خلال هذه المرحلة انظر:

علياء وجدي، الأمن الأوروبي وقضية الديمقراطية في جنوب المتوسط، مرجع سابق، ص 167 – 170.

[60] Déclaration de la Haute représentante/Vice-présidente Federica Mogherini sur le coup d’Etat au Burkina Faso, Bruxelles, 17 September 2015, Consulté le 12 mars 2022, available at: https://bit.ly/3jljIpf

[61] MEPs strongly condemn continuing violence in Yemen and military coup in Myanmar, European Parliament, 11 February 2021, Accessed 12 March 2022, available at: https://bit.ly/38rnET3

[62] Situation in Egypt: European Parliament resolution of 4 July 2013 on the crisis in Egypt, Accessed: 23 November 2020, available at: https://bit.ly/3uQDmyB

[63] European Parliament resolution on the situation in Tunisia, European Parliament, 18 October 2021, p. 4, Accessed: 8 March 2022, available at: https://bit.ly/3j3Ikmg

[64]  الاتحاد الأوروبي يدين قتل متظاهرين في السودان ويحذِّر العسكريين من “عواقب جدية”، مونت كارلو الدولية، 15 نوفمبر 2021، تاريخ الاطلاع 8 مارس 2022. متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3u2Vs13

[65]  الاتحاد الأوروبي يحظر تصدير وبيع المعدات الأمنية إلى السودان، سكاي نيوز عربية، 21 يناير 2022، تاريخ الاطلاع: 8 مارس 2022. متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3JchVgu

[66] Dandashly, “EU democracy promotion…”, Op. cit., pp. 73 – 74.

[67] Review of the European Neighbourhood Policy, Op. cit., pp. 3-4,12.

[68] European Commission and Italy launch first ever EU Regional Trust Fund in response to the Syrian Crisis, Press Release, Brussels, European Commission, 15 December 2014, Accessed: 12 December 2021, available at: https://bit.ly/3u9q4hm

[69]  للتفصيل انظر:

– A European Agenda on Migration: Valletta Summit on Migration 2015, European Commission, Accessed: 11 December 2021, available at: https://bit.ly/3r7fYM7

– Libya: Southern Neighbourhood, Accessed: 6 December 2021, available at: https://bit.ly/3uZodea

– EU Support on Migration in Libya. Accessed: 27th November 2021, available at: https://bit.ly/3JfZyHw

[70] ENP Country Progress Report 2013 – Egypt, European Commission, 27 March 2014, available at: https://bit.ly/3DHexZS

[71] Implementation of the European Neighbourhood Policy in Egypt: Progress in 2014 and recommendations for actions, Brussels: European Commission, High Representative of the European Union for Foreign Affairs and Security Policy, 25 March 2015, pp. 2-8, Accessed: 12 May 2021, available at: https://bit.ly/3JcJhTR

(*) الوثيقة صادرة عن مجلس المشاركة المصرية الأوروبية، وتهدف إلى تحديد “التهديدات المشتركة التي تواجه مصر والاتحاد الأوروبي وتعزيز المصالح المشتركة وضمان الاستقرار طويل الأمد على جانبي المتوسط” استنادًا إلى “الالتزام المشترك بالقيم العالمية للديمقراطية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان”، للاطلاع على الوثيقة، انظر:

EU-Egypt Partnership Priorities 2017 – 2020, Brussels, Association between the European Union and Egypt: The Association Council, 16 June 2017, Accessed: 16 May 2021, available at: https://bit.ly/37kVc4s

[72] Report on EU-EGYPT relations in the framework of the revised ENP, Brussels: European Commission, High Representative of the European Union for Foreign Affairs and Security Policy, 13 July 2017, Accessed: 12 May 2021, available at: https://bit.ly/3r5uvYD

[73] EU-Egypt Partnership Priorities 2017–2020, Op. cit., pp. 6-8.

[74] Shared Vision, Common Action: A Stronger Europe, A Global Strategy for the European Union’s Foreign and Security Policy, June 2016, Accessed: 24 July 2021, available at: https://bit.ly/3x2bLNH

[75] Sharm El-Sheikh summit declaration: Investing in Stability, 25.02.2019. Accessed 15th March 2022, available at: https://bit.ly/38o2aX3

[76] Josep Borrell, The Future of Europe is being defined now, 03 March 2022, Accessed: 13 March 2022, available at: https://bit.ly/3KfWV9S

[77] Statement by the spokesperson on the latest developments in Yemen, Brussels, European Union External Action Service, 06 October 2016, Accessed: 15 March 2022, available at: https://bit.ly/3LHrh5x

[78] Statement by HR/VP Mogherini on the situation in Yemen, Brussels, European Union External Action Service, Accessed: 15 March 2022, available at: https://bit.ly/3x2BRjy

[79] MEPs strongly condemn continuing violence in Yemen and military coup in Myanmar, Op. cit.

(*) في 16مارس 2022 أدرج الاتحاد الأوروبي ميلشيا الحوثى ضمن القائمة السوداء الخاصة بالاتحاد مع تجميد أرصدة المنتمين للحركة وأصولها وحظر تمويلها، وذلك بعد أيام من قرار الأمانة العامة لمجلس وزراء الخارجية العرب بتصنيف جماعة الحوثيين جماعة إرهابية. وكان مجلس الأمن الدولى قد أصدر القرار 2624 في 28 فبراير 2022 باعتبار الحوثيين جماعة إرهابية. نقلًا عن:

الاتحاد الأوروبي يدرج الحوثيين ضمن قائمته السوداء ويجمد أصولهم، الشرق الأوسط، العدد 15814، 16 مارس 2022، تاريخ الاطلاع 20 مارس 2022. متاح عبر الرابط التالي: https://bit.ly/36RpCMb

[80] Irene M. Gonzalez, “Arab Reform: What Role for the EU?”, Egmont Paper 8, Brussels: Egmont Institute, 2005, pp. 17 – 18, Accessed: 20 June 2017, available at: https://bit.ly/3r3wJI9

فصلية قضايا ونظرات – العدد الخامس والعشرون ـ أبريل 2022

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى